لا يجوز في أحكام الشريعة الإسلامية معايرة المسلم أخيه المسلم بما يشتهي :
أحيانًا الرجل الراشد يصبر، لكن الصغير لا يصبر، فالصغير يشتهي كل شيء،
ويطلب من والده كل شيء، ويلِح على والده أن يأكل بعض الأكلات، وأن يشتري بعض الحاجات،
مِن هنا علَّمنا النبي عليه الصلاة والسلام،
" فكان إذا قُدِّم للنبي فاكهة في بواكيرها يأخذ الفاكهة ويقبلها شكراً لله عز وجل " .
( ورد في الأثر)
وهذا التقبيل له معنيان:
المعنى الأول: الحمد لله الذي أحيانا إلى أن أدركنا هذه الفاكهة، الآن باعتبار
وجود زراعة محمية فالأمور تداخلت، فدائما تجد خضارًا في غير وقتها، أما الأصل
فكل فاكهة لها موسم، المعنى الأول شكراً لله عزَّ وجل على أن هيَّأ هذه الفاكهة للإنسان،
وهذه من نعم الله عزَّ وجل .
المعنى الثاني: على أن أحيانا حتى أدركنا مجيء هذه الفاكهة، كان يقبلها،
ويعطيها لأصغر طفل في المجلس .
يستنبط من هذا أيضاً, إذا كان لك ابن في مدرسة، أو في الروضة، وأنت ميسور الحال ،
فتعطي ابنك فاكهة غالية جداً، وتقول: أتركه يأكل، ويشبع في حياتي، هذه معصية
كبيرة، الطفل يشتهي، فإن أعطيته هذه الفاكهةَ، والذين حوله محرومون منها يشتهونها،
فلا تعط ابنك حين ذهابه إلى المدرسة إلا الفاكهة التي يستطيع كل الناس شراءها .
والنبي عليه الصلاة والسلام في بعض ما ورد عنه:
" وإذا اشتريت فاكهةً فاهدِ له منها " أي لجارك، " فإن لم تفعل فأدخلها سراً "
( أخرجه البيهقي في شعب الإيمان )
كان السلف الصالح يضع الفاكهة في سلّة، وعليها منديل، الآن توضع في كيس
من النايلون الأبيض الشفاف، والله مشكلة
" وإذا اشتريت فاكهةً فاهد له منها، فإن لم تفعل فأدخلها سراً، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ ولده،
ولا تؤذه بقتار قدرك إلا أن تغرف له منها ".
( أخرجه البيهقي في شعب الإيمان)
هذا الحديث كله قواعد أخلاقية .
إليكم نموذج صحيح من هذا العصر يدل على المؤاثرة :
إنّ حياة المؤمن مبنية على المؤاثرة لا على الأثرة، حياة المؤمن مبنية على العطاء
لا على الأخذ، المؤمن الصادق الذي يريد تأليف القلوب يسوّي
نفسه مع الضعفاء، ومع عامة الناس .
سمعت عن رجل, يوم كانت هناك أزمة في بعض الفواكه، فكان البرتقال في الشتاء
نادراً وغاليًا جداً، أقسم لي هذا الرجل، كان بإمكانه أن يشتري من هذه الفاكهة
ما شاء له أن يشتري، قال لي: واللهِ أردت أن أشارك عامة الناس في سلوكهم
بتقنين هذه الفاكهة، فلم أشتر منها مدة طويلة، وأقنعت أولادي أننا نحن مع الناس،
إن أكل الناس نأكل، وإن لم يأكلوا لم نأكل, عندما يشارك الإنسان أخوانه المؤمنين
بمشاعرهم, فهذا شيء نادر .
نموذج آخر من هذا العصر يدل على الأثرة :
وقد سمعت عن شخص في أحد أسواق الخضار، وكان سعر كيلو الكمأة ستمئة ليرة،
فطلب شراء عشرة كيلو منها، ودفع ستة آلاف ليرة، وكان ثمة شخص آخر ينظر إليه،
وهو يشتهي خمس ليرات, لذلك إذا لم يظهر الإنسان ما عنده من خيرات,
ربما أصيب بالحسد, والعين تضع الجمل في القدر، وربنا عزَّ وجل قال:
وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ
( سورة الفلق الآية : 5 )
وربنا عزَّ وجل قال:
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ
( سورة الناس الآية : 1-4 )
فإذا أظهر الإنسان ما عنده، وخرج على قومه بزينته، فعرض النعم التي حباه الله
بها أمام الناس، وافتخر بها، وتاه على خلق الله بها، ربما عاقبه الله
عزَّ وجل كما عاقب قارون:
فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ
( سورة القصص الآية: 79)
وقال الله عز وجل:
فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ
( سورة القصص الآية : 81)
فالإنسان لا يحبب الدنيا للناس، لا يزرع فيهم حبها، ولا يعرض أمامهم ما عنده
من أشياء ثمينة ، ومن دخل كبير، ولا يحدِّثهم عن رحلاته، وعن مصروفه الكبير
في رحلاته، فهذا الكلام ماذا ينفعهم؟ ليس هذا من شأن المؤمن، كن مع الناس .
كان يقول هذا الخليفة العظيم: " كيف يعنيني شأن الناس إذا لم يصبني ما يصيبهم ؟ "
إذا أكل مما يأكلون، وشرب مما يشربون، وتحمَّل ما يتحمَّلون، وعانى ما يعانون،
عندئذٍ يعنيه شأن الناس .
أكثر هذه القصص تتمحور حول أن هذا الخليفة العظيم سوّى نفسه
مع أضعف الناس ومع أفقر الناس .
يتبع