بَيْنَ يَدَيِ الْقضَاءِ
(ظ،) «عَلِيّ كُوجْيا» يَنْصَحُ التَّاجِرَ
حاوَلَ «عَلِيّ كُوجْيا» أنْ يُقْنِعَ صاحِبَهُ التَّاجِرَ «حَسَنًا»، لِيَعْتَرِفَ لَهُ بِالْحَقِيقَةِ؛ فَسَلَكَ مَعَهُ كُلَّ طَريقٍ مِنْ طُرُقِ الْمُسالَمَةِ (الِاتِّفاق)، وَتَأَدَّبَ مَعَهُ في كَلامِهِ؛ فَلَمْ يُفْلِحْ، وَأصَرَّ التَّاجِرُ. «حَسَنٌ» عَلَى كَذِبهِ إصْرارًا.
فَلَماْ رَآهُ «عَلِيّ كُوجْيا» عَنِيدًا لا يَمِيل إلى الْمُسالَمَةِ، وَظَهَرَتْ لَهُ خِيانَتهُ وَعِنادُهُ، قالَ لَهُ: «إنَّي أُحِبُّ الْمُسالَمَةَ — يا صاحِبي — وَلا أُرِيدُ أنْ أَسْلُكَ مَعَكَ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْعُنْفِ وَالشِّدَّةِ، خَوْفًا عَلَيْكَ وَعَلَى سُمْعَتِكَ. وَلَكِنِّي سَأَغْضَبُ إذا رَأَيْتُكَ مُصِرًّا عَلَى عِنادِكَ، وسَيَدْفَعُني الْغَضَبُ إلى التَّشْهِيرِ بِكَ. فَلا تُعُرِّضْ نَفْسَكَ لِلْفَضِيحَةِ والعِقابِ.
و اعْلَمْ أنَّكَ تاجِرٌ مَعْرُوفٌ بِاْلأَمانَةِ والاِسْتِقامَةِ. فاحْتَفِظْ بِسُمْعَتِكَ؛ فَهِيَ أساسُ نَجاحِكَ.
و مَتَى اشْتَهَرْتَ بَيْنَ النَّاسِ بِالْخِيانَةِ، نَفَرَ النَّاسُ مِنْ مُعامَلَتِكَ، وكَسَدَتْ تِجارَتُكَ (لَمْ يُقْبِلْ عَلَيْها أَحَدٌ مِمَّنْ يَشْتَرُونَ). ولَسْتُ أرْضَى لَكَ هَذِهِ الْعاقِبَةَ السَّيِّئَةَ.
و لَكِنِّي سَأُضْطَرُّ إلى ذَلِكَ، إذا يَئَسْتُ مِنْ إقنْاعِكَ، وسَأَذْهَبُ إلى الْقاضِي لِيَرُدَّ إليَّ حَقِّي مِنْكَ.
و أنْتَ تَعْلَمُ أنِّي صَدِيقُكَ، وقَدْ وَثِقْتُ بِكَ، فَلا تُخيِّبْ ظَنِّي فِيكَ. و أنا أُفَضِّلُ أنْ آخُذَ شَيْئًا مِنْ حَقِّي، عَلَى أنْ أشْكُوَكَ إلى الْقاضي، حَتَّى لا أكُونَ سَبَبًا في فَضِيحَتِكَ بَيْنَ النَّاسِ.»
(ظ¢) التَّاجِرُ لا يَقْبَلُ النَّصِيحَةَ
لَمْ يَقْبَلِ التَّاجِرُ: «حَسَنٌ» هَذِهِ النَّصِيحَةَ، بَلْ رَفَضَها — كَما رَفَضَ نَصِيحَةَ امْرأَتِهِ مِنْ قَبْلُ — وَأَصَرَّ عَلَى عِنادِهِ وخِيانَتِهِ، وقالَ لِصَدِيقِهِ «عَلِيّ كُوجْيا»: «أنْتَ تَقُولُ إنَّكَ وَضعْتَ جَرَّةَ الزَّيْتُونِ في مَخْزَنِي بِيَدِكَ. ثُمَّ أخَذْتَها بِيَدِكَ، ثُمَّ حَمَلْتَها — أَنْتَ نَفْسُكَ — وَذَهَبْتَ بِها بَعِيدًا عَنْ مَخْزَنِي. فَكَيْفَ يَحِقُّ لَكَ أَنْ تَعُودَ إلَيَّ — بَعْدَ ذَلِكَ — فَتُطالِبَنِي بِألْفِ دِينارٍ؟
هَلْ قُلْتَ لِي — حِينَ أَعْطَيْتَنِي الْجَرَّةَ — إنَّ فِيها أَلْفَ دِينارٍ؟ وَماذا تُرِيدُ مِنِّي — يا صاحبي — وأَنا لا أَعْلَمُ ما فِيها، لِأَنَّنِي لَمْ أفْتَحْها قَطُّ؟
بَلْ أنا لا أعْلَمُ هَلْ كانَ بِها زَيْتُونٌ أوْ شَيْءُ آخَرُ غَيْرُ الزَّيْتُونِ، لأَنِّي لَمْ أَرَ ما فِيها قَطُّ. فَأنا لَمْ أَفْتَحْها قَبْلَ سَفَرِكَ وَلا بَعْدَهُ. وَأَنْتَ لَمْ تَفْتَحْها أَمامِي قَبْلَ سَفَرِكَ، كما لَمْ تَفْتَحْها بَعْدَهُ. فَكَيْفَ أَعْرِفُ ما فِيها؟
وَما يُدْرِينِي: هَلْ كُنْتَ صادِقًا أَوْ كاذِبًا؟
وَأنا واللهِ مُتَعَجِّبٌ مِنْكَ؛ إذْ تَدَّعِي أَنَّ فِيها أَلْفَ دِينارٍ، ولا تَدَّعِي أَنَّها كانَتْ مَمْلُوءَةً ماسًا ولآلِئَ، ما دُمْتَ قادِرًا عَلَى الْكَذِبِ واتِّهامِ النَّاسِ بِالبْاطِلِ.
•••
لَقَدْ قُلْتُ لَكَ — وأنا صادِقٌ فِيما أَقُولُ — إنِّي لَمْ أَفْتَحْ جَرَّتَكَ، وَلَمْ أَعْلَمْ ما تَحْوِيهِ. وأَنْتَ حُرٌّ في تَصْدِيقِ ما أَقُولُ أَوْ تَكْذِيبِهِ. وكُلُّ ما أَطْلُبُهُ مِنْكَ — الآنَ — هُوَ أَنْ تَذْهَبَ لِشَأْنِكَ؛ فَقَدْ ضايَقْتَنِي، وجَمَعْتَ النَّاسَ أَمامَ دُكَّانِي.»
(ظ£) مُشاجَرَةُ «عَلِيّ كُوجْيا» والتَّاجِرِ
وكانَ «عَلِيّ كُوجْيا» والتَّاجِرُ: «حَسَنٌ» يَتَكَلَّمَانِ بِصَوْتٍ عالٍ. وقَدِ اشْتَدَّتِ الْمُنازَعَةُ بَيْنَهُما؛ فاجْتَمَعَ بَعْضُ الْمارَّةِ أَمامَ الدُكَّانِ. وأسْرَعَ جِيرانُ التَّاجِرِ: «حَسَنٍ» إلَى دُكَّانِهِ يَسْأَلُونَهُ عَنْ سَبَبِ هَذِهِ الْمُشاجَرَةِ، رَغْبِةً في أنْ يُصْلِحُوا بَيْنَهُ وبَيْنَ «عَلِيّ كُوجْيا».
•••
فَقَصَّ عَلَيْهِمْ «عَلِيّ كُوجْيا» قِصَّتَهُ. فَلَمَّا سَمِعُوها الْتَفَتُوا التَّاجِرِ «حَسَنٍ» يَسْأَلُونَهُ عَنِ الْحَقِيقَةِ، فَقالَ لَهُمْ: «إنَّ هَذا الرَّجُلَ صادِقٌ في قَوْلِهِ: إنَّنِى قَبِلْتُ وَضْعَ جَرَّتِهِ فيِ مَخْزَنِي. ولَكِنَّهُ كاذِبٌ فِيما عَدا ذَلِكَ، فَأَنا لَمْ أَفْتَحْ جَرَّتَهُ، ولَمْ أَعْرِفْ ما فِيها.»
ثُمْ أَقْسَمَ أَمامَهُمْ باللهِ: إنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ في الْجَرَّةِ زَيْتُونًا إلَّا مِنْ «عَلِيّ كُوجْيا» نَفْسِهِ. وقالَ: إنَّهُ سَيُشْهِدُهُمْ عَلَى هَذِهِ الْإِهانَةِ الَّتي أَلْحَقَها بِهِ «عَلِيّ كُوجْيا».
فَصَدَّقَهُ النَّاسُ؛ لِأَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُ لا يَجْرُؤُ عَلَى أَنْ يُقْسِمَ باللهِ كاذِبًا.
•••
أَمَّا «عَلِيّ كُوجْيا» فَقَدْ زادَ غَضَبُهُ، وقالَ للتَّاجرِ «حَسَنٍ»: «سَتَرَى الْإِهانَةَ الْحَقِيقِيَّةَ، حِينَ أَشْكُوك إلَى الْقاضِي، ولَنْ يُفِيدَكَ هَذا الْإِنْكارُ شَيْئًا. وسَتَرَى عاقِبَةَ الْخِيانَةِ، وتَنْدَمُ عَلَى ما فَعَلْتَ، حِينَ لا يَنْفَعُكَ النَّدَمُ.
فَتَعالَ مَعِي — أيُّها الْخائِنُ — إلَى الْقاضِي، لِيَحْكُمَ بَيْنَنا، فَيُعاقِبَ الْمُسيءَ عَلَى إساءَتِهِ، ويَرُدَّ الْحَقَّ إلَى صاحِبهِ.»
(ظ¤) «عَلِيّ كُوجْيا» والتَّاجِرُ أمامَ الْقاضِي
سارَ «عَلِيّ كُوجْيا» والتَّاجِرُ: «حَسَنٌ» حتَّى وصَلا إلَى المَحْكَمَة. ولَمَّا مَثَلا (وقَفا) أمامَ الْقاضِي، قالَ لَهُ «عَلِيّ كُوجْيا»: «إنَّ هَذا التَّاجِرَ قَدْ سَرَقَ مِنِّي أَلْفَ دِينارٍ.»
فَسأَلهُ الْقاضِي: «كَيْفَ سَرَقَها مِنْك؟»
فَقَصَّ عَلَيْهِ «عَلِيّ كُوجْيا» قِصَّتَهُ كلْها.
فَسأَلهُ الْقاضِي: «هَلْ عِنْدَكَ شُهُودٌ عَلَى ما تَقُولُ؟»
فَأَجابَهُ «عَلِيّ كُوجْيا»: «كَلَّا، لَيْسَ عِنْدِي شُهُودٌ؛ لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أنَّ صاحبِي يَخُونُنِي فَقَدْ كُنْتُ أَحْسَبُهُ رَجُلًا شَريفًا حَتَّى ظَهَرَتَ لِي خِيانَتُهُ، فَخابَ ظَنِّي فِيهِ.»