الموضوع
:
العقل ومكانته في الكتاب والسنة ( بحث مميز)
عرض مشاركة واحدة
06-12-2020
#
5
بيانات اضافيه [
+
]
رقم العضوية :
1
تاريخ التسجيل :
May 2006
العمر :
52
أخر زيارة :
منذ 2 أسابيع (09:02 PM)
المشاركات :
14,442 [
+
]
التقييم :
59465
الدولهـ
MMS ~
SMS ~
يرحل الجميع ويبقى شعاع المحبة
لوني المفضل :
Crimson
رد: العقل ومكانته في الكتاب والسنة ( بحث مميز)
المبحث الرابع
مكانة العقل في القرآن والسنة
إنّ المتتبّع للآيات التي ذكرت مشتقات العقل يجد أنّ العقل لا يذكر إلا في مقام التكريم والتبجيل، كما يجد أنّ القرآن يدعو إلى فريضة التفكير التي تشتمل على جميع وظائف العقل وخصائصه ومدلولاته. ومن خلال استقرائنا لآيات العقل وأحاديثه تبيّن لنا أنّ للعقل مكانة سامية سامقة في دين الله تعالى، حيث أشارت الآيات الكريمة وكذا الأحاديث الشريفة إلى العديد من الوجوه التي توضّح مكانة العقل في الكتاب والسنة، من أهمها:
الثناء على أصحاب العقول:
فآيات الكتاب العزيز وكذا أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم اشتملت على ألوان شتى من الثناء العاطر على أصحاب العقول، قال تعالى: “وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ”(العنكبوت/43).
وقال سبحانه: “وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ”(البقرة/179)، وقال: “يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا”(البقرة/269). وقال: “فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ”(المائدة/100).
وفي المبحث الثاني والثالث ذكرنا جملة من الآيات والأحاديث التي أشادت أثنت على أصحاب العقول ما فيه مقنع وكفاية....
2- أنّ العقل أصل التكليف ومداره:
قال الإمام العز بن عبد السلام: “والعقل هو مناط التكليف بإجماع المسلمين، مع أنَّ الشرع قد عدَّل العقل، وقبِل شهادته، واستدلَّ به في مواضع من كتابه، كالاستدلال بالإنشاء على الإعادة، وكقوله تعالى: “لوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا”(الانبياء/22). وقوله: “وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ”(المؤمنون/91). وقوله: “أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ”(الأعراف/185). فيا خيبة من ردَّ شاهداً قبله الله، وأسقط دليلاً نصبه الله”(64).
ومن المعلوم أنّ من بلغ مجنوناً ثمّ مات على جنونه، كان ناجياً، ومن مات من الأطفال دون سنّ البلوغ فهو ناجٍ من الناجين، قال الإمام النووي: “أجمع من يعتدّ به من علماء المسلمين على أنّ من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة لأنه ليس مكلفاً...”(65). فغير العاقل ليس مكلفاً بالأحكام الشرعيّة، ولهذا جاء في الحديث الشريف: “رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الطفل حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يبرأ أو يعقل”(66). والقلم المرفوع عن الثلاثة هو قلم التكليف وقلم المؤاخذة، بعكس قلم الثواب فإنه غير مرفوع عنهم. فقد روى مسلم وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “رفعت إمرأة صبياً لها فقالت: يا رسول الله ألهذا حج ؟ قال: نعم ولك أجر”(67).
وفي الحديث دلالة على صحة عبادة الصغير مع كونه غير مكلف. قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث: “فيه حجة للشافعي ومالك وأحمد وجماهير العلماء: أنّ حج الصبي منعقد صحيح، وإن كان لا يجزِ به عن حجّة الإسلام”(68).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أتت امرأة سوداء النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أُصرع وإني أتكشـّف، فادعُ الله لي. قال: إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك. فقالت: أصبر. فقالت: إني أتكشـّف، فادعُ الله لي أن لا أتكشـّف، فدعا لها”(69). وفي الحديث دلالة على أنّ المجنون يؤجر....
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من امرئ تكون له صلاة بليل يغلبه عليها نوم إلا كتب له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقة”(70). والحديث يفيد أن قلم الأجر لم يُرفع عن النائم الذي كان من عادته أن يصلي في الليل، فمن غلبه نومٌ على صلاته التي كان من عادته أن يصليها، كتب له أجر صلاته كما لو صلاها...
ولمكانة العقل فيالكتاب والسنة فقد حرمت النصوص الشرعية كل ما من شأنه أن يضرّ به، ولذلك حرّمت المسكرات والمخدرات، قال تعالى: “إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”(المائدة/90)، وقال صلى الله عليه وسلم: “كل مسكرٍ خمر، وكل خمرٍ حرام”(71).
والحكمة من تحريم الإسلام للخمر تكمن في أضرارِ الخمر الدينيّة، والأخلاقيّة، والاقتصادية، والسياسيّة، والاجتماعية، والصحيّة... فالإسلام يحرص ويحضّ الإنسان ليبقى محافظاً على إنسانيته، والإنسان الذي يفقد عقله بسبب شربه للمسكر يفعل أفعالاً يترفّع عنها أصحاب العقول السويّة، وينحدر إلى ما هو أدنى من الحيوانية... كما أن الإسلام يدعو الإنسان للقيام بما افترضه الله عليه من واجبات، تلك الواجبات التي لا يستطيع الإنسان القيام بها إلا مع وجود العقل الذي يفقده من يشرب الخمر.
3- الحثّ على النظر والتفكر والتدبّر:
إنّ الناظر في آيات الكتاب العزيز يجد عشرات الآيات التي تدعو للنظر والتدبّر والتفكر فيما خلق الله تعالى، قال سبحانه: “إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ”(آل عمران/190-191). وقد جاء في الحديث: “ويل لمن قرأها ولم يتفكر بها”(72).
وعن معنى الآية السابقة يقول الإمام ابن كثير: “ومعنى الآية أنـّه يقول تعالى: “إنّ في خلق السموات والأرض”، أي: هذه في ارتفاعها واتساعها، وهذه في انخفاضها وكثافتها واتضاعها، وما فيهما من الآيات المشاهدة العظيمة من كواكب سيّارات، وثوابت وبحار، وجبال وقفار، وأشجار ونبات وزروع وثمار، وحيوان ومعادن ومنافع، مختلفة الألوان والطعوم والروائح والخواص”واختلاف الليل والنهار”، أي: تعاقبهما وتقارضهما الطول والقصر، فتارة يطول هذا ويقصر هذا، ثم يعتدلان، ثم يأخذ هذا من هذا فيطول الذي كان قصيراً، ويقصر الذي كان طويلاً، وكل ذلك تقدير العزيز الحكيم، ولهذا قال: “لآيات لأولي الألباب”، أي: العقول التامّة الذكيّة التي تدرك الأشياء بحقائقها على جليّاتها، وليسوا كالصمّ البكم الذين لا يعقلون”(73).
وقال الإمام الرازي: “دلائل التوحيد محصورة في قسمين: دلائل الآفاق ودلائل الأنفس، ولا شك أنّ دلائل الآفاق أجلّ وأعظم، كما قال تعالى: “لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ”(غافر/57). ولما كان الأمر كذلك لا جرم أمر في هذه الآية بالفكر في خلق السموات والأرض لأنّ دلالتها أعجب وشواهدها أعظم، وكيف لا نقول ذلك، ولو أنّ الإنسان نظر إلى ورقة صغيرة من أوراق شجرة، رأى في تلك الورقة عرقاً واحداً ممتداً في وسطها، ثم يتشعّب من ذلك العرق عروقاً كثيرة إلى الجانبين، ثم يتشعّب منها عروقاً دقيقة، ولا يزال يتشعّب من كل عرق عروق أخرى، حتى يصير بالدقة بحيث لا يراها البصير، وعند هذا يعلم أنّ للخالق في تدبير تلك الورقة على هذه الخلقة حكما بالغة وأسراراً عجيبة، وأنّ الله تعالى أودع فيها قوى جاذبة لغذائها من مقر الأرض، ثم إنّ ذلك الغذاء يجري في تلك العروق حتى يتوزّع على كل جزء من أجزاء ذلك الغذاء بتقدير العزيز العليم.
ولو أراد الإنسان أن يعرف كيفيّة خلقة تلك الورقة وكيفية التدبير في إيجادها وإبداع القوى الغازية والنامية فيها لعجز عنه، فإذا عرف أنّ عقله قاصر عن الوقوف على كيفية خلقة تلك الورقة الصغيرة، فحينئذ يقيس تلك الورقة إلى السموات مع ما فيها من الشمس والقمر والنجوم، وإلى الأرض مع ما فيها من البحار والجبال والمعادن والنبات والحيوان، عرف أنّ تلك الورقة بالنسبة إلى هذه الأشياء كالعدم، فإذا عرف قصور عقله عن معرفة ذلك الشيء الحقير عرف أنّه لا سبيل له البـتـّة إلى الإطلاع على عجائب حكمة الله في خلق السموات والأرض، وإذا عرف بهذا البرهان النيّر قصور عقله وفهمه عن الإحاطة بهذا المقام لم يبق معه إلا الاعتراف بأنّ الخالق أجلّ وأعظم من أن يحيط به وصف الواصفين ومعارف العارفين، بل يسلم أنّ كل ما خلقه ففيه حكم بالغة وأسرار عظيمة، وإن كان لا سبيل له إلى معرفتها...”(74).
ومن الآيات التي دعت إلى النظر في آيات الله والاعتبار بمخلوقاته، قوله تعالى: “أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء”(الأعراف/185).
والآية سيقت للتقريع والإنكار والتبكيت والتوبيخ لهؤلاء الذين قصّروا في إمعان النظر والتفكر في خلق السماء والأرض وما فيهما من عظيم الصنعة وروائع الإتقان والإبداع، ذلكم النظر القائد لهم إلى الإيمان بالله الخالق العظيم....
ومن الآيات الداعية للنظر والتفكر: قوله تعالى: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ) يونس/101. وقوله: (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) النحل/36. وقوله: “أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ”(ق/6-7). وقوله: “فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ”(الطارق/5-7).
وقوله: “وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ. وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ”(الذاريات/20-21). والمتأمل في القرآن العظيم يجد أن الآيات الدالة على الحثّ والدعوة إلى النظر والتفكر والتأمل والتدبّر كثيرة جداً......
كما ذكرت كتب الأثر العديد العديد من الروايات عن السلف الصالح في الحثّ على النظر والتفكر والتدبر والتأمل في خلق الله تعالى، تلك الآثار الناجمة عن دعوة القرآن للتدبر والنظر والتفكّر، ومن تلك الآثار: سئلت أمّ الدرداء: ما كان أفضل عمل أبي الدرداء، قالت: التفكّر والاعتبار (75).
وعن أبي الدرداء قال: تفكر ساعة خير من قيام ليلة (76). وفي الخيرية المقصودة بالأثر وجهان:
أحدهما: أن التفكّر يوصلك إلى الله، والعبارة توصلك إلى ثواب الله، والذي يوصلك إلى الله خير مما يوصلك إلى غير الله.
والثاني: أن التفكّر عمل القلب، والطاعة عمل الجوارح، والقلب أشرف من الجوارح، فكأن عمل القلب أشرف من عمل الجوارح (77) .
وقال أبو الشيخ الدارانيّ: إنّي لأخرج من منزلي، فما يقع بصري على شيء إلّا رأيت لله عليّ فيه نعمة، ولي فيه عبره (78). وعن عامر بن قيس قال: سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم يقولون: إنّ ضياء الإيمان، أو نور الإيمان: التفكّر(79).
ومن جهة أخرى فقد ذمّ الله تعالى الّذين عطلوا عقولهم عن التفكّر والتدبّر، فلم يعتبروا بمخلوقات الله تعالى الدالّة على عظمته وإبداعه، فقال: (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ) يوسف/105. والآيات الدالّة على الله ووحدانيته وقدرته كثيرة مبثوثة في تضاعيف الكون، معروضة للأبصار والبصائر، في السموات والأرض، يمرون عليها صباح مساء، آناء الليل وأطراف النهار، وهي ناطقة تكاد تدعو الناس إليها، بارزة تواجه العيون والمشاعر، موحية تخايل للقلوب والعقول، ولكنهم لا يرونها ولا يسمعون دعاءها ولا يحسّون إيقاعها العميق.
وإن لحظة تأمل في مطلع الشمس ومغيبها، لحظة تأمل في الظل الممدود وينقص بلطف أو يزيد، لحظة تأمل في الخضم الزاخر، والعين الفوّارة، والنبع الروي، لحظة تأمل في النبتة النامية، والبرعم الناعم، والزهرة المتفتحة، والحصيد الهشيم، لحظة تأمل في الطائر السابح في الفضاء، والسمك السابح في الماء، والدود السارب والنمل الدائب، وسائر الحشود والأمم من الحيوان والحشرات والهوام... لحظة تأمل في صبح أو مساء، في هدأة الليل أو في زحمة النهار... لحظة واحدة يستمتع فيها القلب البشري إلى ايقاعات هذا الوجود العجيب... إنّ لحظة واحدة لكافية لارتعاش هذا القلب بقشعريرة الإدراك الرهيب، والتأثر المستجيب، ولكنهم يمرّون عليها وهم عنها معرضون” (80).
وقال سبحانه فيمن عطّل قلبه وبصره وسمعه عن الفكر والتأمّل والنظر والتدبّر: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) الأعراف/179. فهؤلاء الذين ذرأهم الله للنار كان ذنبهم أنهم عطّلوا قلوبهم عن التفكّر والتدبّر والتأمّل في عجيب صنع الله وأشغلوها في البحث عن الشهوات والملذات وكل مما من شأنه أن يصرفها عن وظيفتها التعبدية القائمة على التأمل والتفكر، حتى أصبح التفكير بالشهوات وكيفية الحصول عليها هو شغلهم الشاغل. كما أنّهم عطّلوا عيونهم عن النظر والبحث والتدبّر فيما خلق الله تعالى من آيات تدلّ على عظمته وإبداعه وأشغلوها فيما يستهويها من ملذّات ونزوات وشهوات ورغبات. وكذلك الآذان، عطّلوها عمّا من شأنه أن يوظفوها في الطاعة والعبادة، فكل منهم يرى غير مراد الرؤية، ويسمع غير مراد السمع.
4- ذم التقليد:
وممّا يوضح مكانة العقل في الكتاب والسنة: أنّ القرآن والسُنة ذمّا التقليد ونعيا على المقلّدة الذين عطّلوا عقولهم من خلال تسليمهم عقولهم لغيرهم كي يفكروا لهم بها، لدرجة أنهم غدوا لا يروا إلا بعيون من اتّبعوا وسلموا لهم القيادة، ولا يفكّروا إلا بتفكيرهم، ولا يصدروا إلا عن أمرهم، وهذا هو شأن التقليد: الحجر على العقول وجمود التفكير، فالمقلد تابع لمن قلد بلا حجّة ولا بيان، لأنّ التقليد هو: “قبول رأي من لا تقوم به الحجّة بلا حجّة”. (81)
والمراد بالقبول: اعتقاد مضمون المقبول، سواء كان قولاً أو فعلاً أو تقريراً، ولا يسمّى التلامذة مقلّدين إذا أخذوا عن مشايخهم ما دُلّل عليه، لأنهم متى أخذوا عن علمائهم ما أُقيم عليه الحجة والبرهان فهم عالمون عارفون وليسوا مقلّدين...
ومن الآيات التي نَعَتْ على المقلدين وأفادت منع التقليد القائم على تعطيل نعمة العقل التي يُفرّق فيها الإنسان بين الحق والباطل، وبها مُيّز الإنسان عن الحيوان، قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا) لقمان/21. "فهذا هو سندهم الوحيد، وهذا هو دليلهم العجيب، التقليد الجامد المتحجّر الذي لا يقوم على علم ولا يعتمد على تفكير، التقليد الذي يريد الإسلام أن يحررهم منه، وأن يطلق عقولهم لكي تتدبّر، ويشيع فيها اليقظة والحركة والنور، فيأبوا هم الانطلاق من إسار الماضي المنحرف، ويتمسّكوا بالأغلال والقيود.
إنّ الإسلام حريّة في الضمير، وحركة في الشعور، وتطلّع إلى النو ر، ومنهج جديد للحياة طليق من إسار التقليد والجمود. ومع ذلك كان يأباه ذلك الفريق من الناس، ويدفعون عن أرواحهم هداه، ويجادلون في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير". (82)
وقال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ. وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) البقرة/170-171.
فالتقليد هو رأس مالهم، وهو ديدنهم ودينهم، وهو السند الذي يركنون إليه في تقليد آبائهم،”فأي جمود هذا وأي تقليد؟ ومن ثم يرسم لهم صورة زرية تليق بهذا التقليد وهذا الجمود، صورة البهيمة السارحة التي لا تفقه ما يقال لها، بل إذا صاح بها راعيها سمعت مجرد صوت لا تفقه ماذا يعني، بل هم أضل من هذه البهيمة، فالبهيمة ترى وتسمع وتصيح، وهم صم بكم عمي”(83).
وقال تعالى: (وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ. أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ. بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ. وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ. قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ)الزخرف/20-24.
قال الإمام الرازي في تفسيره لهذه الآية: “لو لم يكن في كتاب الله إلا هذه الآية لكفت في إبطال القول بالتقليد، وذلك لأنّه تعالى بيّن أنّ هؤلاء الكفار لم يتمسّكوا في إثبات ما ذهبوا إليه لا بطريق عقلي ولا بدليل نقلي، ثم بيّن أنّهم إنما ذهبوا إليه بمجرد تقليد الآباء والأسلاف، وإنّما ذكر تعالى هذه المعاني في معرض الذم والتهجين، وذلك يدل على أنّ القول بالتقليد باطل، ومما يدلّ عليه أيضاً من جهة العقل أنّ التقليد أمر مشترك فيه بين المبطل والمحق، وذلك لأنّه كم حصل لهذه الطائفة قوم من المقلدة، فكذلك حصل لأضدادهم أقوام من المقلدة، فلو كان التقليد طريقاً إلى الحق لوجب كون الشيء ونقيضه حقاً، ومعلوم أنّ ذلك باطل”(84).
وفي السنة المطهرة جاءت عشرات الأحاديث التي تنهى عن التقليد وتذم المقلدة، من ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: “لا تكونوا أمعة تقولون: إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا”(85). والأمعة هو من لا رأي له ولا عزم، ولا حول ولا طول، بل يقول ما يحكى له كما تقول الببغاء، فلا رأي له يرجع إليه.
قال صاحب تحفة الأحوذي في شرحه للحديث: “وفيه إشعار بالنهي عن التقليد المجرّد حتى في الأخلاق فضلاً عن الإعتقادات والعبادات”(86).
وقوله صلى الله عليه وسلم: “لتتبعنّ سنن من قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضبّ لسلكتموه. قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى ؟ قال: فمن”(87). والحديث ينهى عن تقليد الكفرة من اليهود والنصارى، وينعى على أولئك المقلدة الذين قلّدوهم في كل شئ، مع أن ديننا العظيم ما ترك شاردة ولا واردة إلا ذكرها، فما عندنا يُغني عماّ عندهم، ولكنّ المقلدة أبوا إلا التقليد والسير في ركب اليهود والنصارى أينما ساروا، مع أن المكان لا يتّسع.... وفي التشبيه بجحر الضب تشبيه بليغ، لأنّ من المعلوم أنّ جحر الضبّ لا يتّسع إلا له، حتى أنه لا يدخله إلا بصعوبة...
وقوله صلى الله عليه وسلم: “لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، فقيل: يا رسول الله كفارس والروم ؟ فقال: ومن الناس إلا أولئك”(88).
فالتقليد آفة خطيرة من شأنها أن تنحدر بالإنسان إلى مستوى البهيمية، وهو سبيل لتجريد الإنسان من الحجة والدليل والبرهان والسلطان، وبه يسير الإنسان إلى حتفه بظلفه، حيث لا نور يهديه في ظلمة الليل البهيم، وبالتالي فهو ليس طريقاً للعلم، ولا موصلاً له، وعلى ذلك جمهور العقلاء.
ولأجل ذلك فقد أبانت آيات الكتاب العزيز عن المصير الذي ينتظر المقلدة يوم الحساب، وما سيكون بين التابعين والمتبوعين من محاورة يعتصرها الألم والحزن والأسى، قال تعالى: “إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ. وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ”(البقرة/166-167).
وقال سبحانه: “وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ. قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ. وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”(سبأ/31-33).
وقال تعالى حاكياً عن إبراهيم في قوله لقومه: “إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ”(العنكبوت/29).
وقال تعالى: “وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ “(إبراهيم/22).
5- محاربة الشعوذة والخرافة والأساطير:
تضافرت آيات الكتاب العزيز وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في محاربة الأساطير(89)، والخرافات(90)، وكل ما من شأنه أن يؤدي إلى ظلم العقل بإلغاء دوره عن طريق إدخاله وإشغاله في أمور ليست من وظيفته، تلكم الأمور التي من شأنها أن تحرم الإنسان من نعمة الهداية بأنوار الوحي.
ولتأكيد هذا كله فقد حرّم الإسلام كلّ ما من شأنه أن يستعبد عقول الناس ويتلاعب بها، مثل: الطيرة(91)، والكهانة(92)، والعرافة(93)، والتنجيم(94)، والشعوذة(95)، والتولة(96)، والتمائم(97)، ونسبة الحوادث إلى غير الله تعالى(98)، وغير ذلك.
فأصحاب هذه الترّهات اعتمدوا في ترّهاتهم على التمويهات وألوان الخداع التي لا يتقبّلها إلا السذج من الناس الذين وقعوا في مصيدة هؤلاء بما زخرفوه وزيّنوه من الكذب والبهتان، فقد سمّوا الظنون الكاذبة التي لا تغني عن الحقّ شيئا: علماً، وموّهوا على من أصغى إليهم فخدعوهم بالتمويه والكذب.
وما ذلك إلا لأن أغلب القضايا السابقة داخله في دائرة علم الغيب الذي خصّ الله تعالى نفسه بالعلم به، قال تعالى: “وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ”(آل عمران/179)، وقال سبحانه: “وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ”(الأنعام/59)، وقال: “فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ”(يونس/20)، وقال: “لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ”(النمل/65)، والآيات في هذا المعنى كثيرة.....
فعالم الغيب لا تستطيع عقولنا أن تدخل في مسائلة بنفي أو إثبات إن لم يسعفها خبر السماء، لأنّ العقل مقـيّد بعالم المحسوسات، ولا عمل له في عالم المغيّبات.
قال الإمام الشاطبي: “إنّ الله جعل للعقول في إدراكها حدّاً تنتهي إليه لا تتعدّاه، ولم يجعل لها سبيلاً إلى الإدراك في كل مطلوب، ولو كانت كذلك لاستوت مع الباري تعالى في إدراك جميع ما كان وما يكون وما لا يكون، إذ لو كان كيف كان يكون. فمعلومات الله لا تتناهى، ومعلومات العبد متناهية، والمتناهي لا يساوي ما لا يتناهى...
وأيضاً فأنت ترى المعلومات عند العلماء تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
قسم ضروري: لا يمكن التشكيك فيه، كعلم الإنسان بوجوده، وعلمه بأن الإثنين أكثر من الواحد، وأنّ الضدّين لا يجتمعان.
وقسم لا يعلمه البتة إلا أن يعلم به أو يجعل له طريق إلى العلم به، وذلك كعلم المغيّبات عنه، كانت من قبيل ما يعتاد علم العبد به أو لا، كعلمه بما تحت رجليه، إلا أن مغيبه عنه تحت الأرض بمقدار شبر، وعلمه بالبلد القاصي عنه الذي لم يتقدّم له به عهد، فضلاً عن علمه بما في السموات والبحار وما في الجنة أو النار على التفصيل، فعلمه بما لم يجعل له عليه دليل غير ممكن.
وقسم نظري: يمكن العلم به ويمكن أن لا يعلم به ــــــ وهي النظريّات ــــــــ وذلك القسم النظري هو الممكنات التي تعلم بواسطة لا بأنفسها إلا أن يعلم بها إخباراً”(99).
وقال الحافظ ابن حجر في شرح باب قول الله تعالى: “عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً”من كتاب التوحيد: “وفي الآية ردّ على المنجّمين، وعلى كل من يدّعي أنه يطلع ما سيكون من حياة أو موت أو غير ذلك، لأنّه مكذّب للقرآن، وهم أبعد شيء من الإرتضاء (100) مع سلب صفة الرسلية عنهم”(101).
وقال الإمام البخاري في صحيحه، في كتاب بدء بالخلق: باب في النجوم، وقال قتادة: “وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ”(الملك/5): خلق هذه النجوم لثلاث: جعلها زينة للسماء، ورجوماً للشياطين، وعلامات يهتدى بها، فمن تأول فيها بغير ذلك أخطأ وضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به”(102).
وقال الحافظ أيضاً فيما نقله عن ابن بزيزة(103): “نهت الشريعة عن الخوض في النجوم، لأنها حدس وتخمين، ليس فيها قطع ولا ظن غالب”(104).
كما نعى الله تعالى على أمثال هؤلاء فقال: “أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا”(مريم/78). قال ابن عباس في الآية: أنَظر في اللوح المحفوظ”(105).
وفي السنة المطهّرة جاءت الأحاديث تترى تحذّر من جميع الأقاويل والأفاعيل التي تتعارض مع عقيدتنا بالغيب، وكذا عقيدة الإعتماد على الله وحده في حصول ما ينفع العبد ويدفع عنه ما يضرّه في دينه ودنياه. قال صلى الله عليه وسلم: “لا عدوى ولا طيرة”(106). وقال: “إنّ الرقى والتمائم والتولة شرك”(107). وقال: “هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال: أصبح من عبادي مؤمن وكافر، فأمّا من قال مُطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب، وأمّا من قال: بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي ومؤمن بالكواكب”(108).
والأحاديث في مثل هذه المعنى كثيرة...
أموت ويبقى ما كتبته ** فيا ليت من قرا دعاليا
عسى الإله أن يعفو عني ** ويغفر لي سوء فعاليا
قال ابن عون:
"ذكر الناس داء،وذكر الله دواء"
قال الإمام الذهبي:"إي والله،فالعجب منَّا ومن جهلنا كيف ندع الدواء ونقتحم الداءقال تعالى :
(الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب)
ولكن لا يتهيأ ذلك إلا بتوفيق الله ومن أدمن الدعاءولازم قَرْع الباب فتح له"
السير6 /369
قال العلامة السعدي:"
وليحذرمن الاشتغال بالناس والتفتيش عن أحوالهم والعيب لهم
فإن ذلك إثم حاضر والمعصية من أهل العلم أعظم منها من غيرهم
ولأن غيرهم يقتدي بهم. ولأن الاشتغال بالناس يضيع المصالح النافعة
والوقت النفيس ويذهب بهجة العلم ونوره"
الفتاوى السعدية 461
فترة الأقامة :
6532 يوم
الإقامة :
ارض الحرمين
معدل التقييم :
زيارات الملف الشخصي :
3462
مواضيعي ~
•
ركني الهادي
•
شعاع الترحيب والضيافة
•
شعاع الإعلانات الإدارية
إحصائية مشاركات »
المواضيـع
الــــــردود
[
+
]
[
+
]
بمـــعــدل :
2.21 يوميا
هوازن الشريف
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى هوازن الشريف
زيارة موقع هوازن الشريف المفضل
البحث عن كل مشاركات هوازن الشريف