المكتبة العامة الكتب العلمية و الأدبية |
الإهداءات |
| LinkBack | أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
12-25-2015 | #11 |
|
رد: كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (رائع) [IMG]file:///C:\Users\alshamel\AppData\Local\Temp\msohtmlclip1\ 01\clip_image001.gif[/IMG]باب ذكر أيوب عليه الصلاة والسلام وهو أيوب بن أموص بن رازح بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم. نسبه ابن إسحاق. وقال هشام بن محمد عن أبيه: أيوب بن رازح بن أموص بن العيرز بنالعيمر. قال وهب بن منبه: كان أيوب في زمن يعقوب عليه السلام وكانت تحتهبنت يعقوب وكان أبوه ممن آمن لإبراهيم يوم إحراقه. وأم أيوب بنت لوط النبي صلى اللّه عليهما فلوط جدّ أيوب لأمه. وبعضهم يجعل أيوب بعد سليمان وبعضهم يقول: هو بعد يونس. والذي يقتضيه الصواب تقديمة على ما قد اخترنا. ونبينا أيوب في زمن يعقوب وكان ينزل بالبَثنيَّة من أرض الشام وكانغنيًا كثير الضيافة والصدقة وكان إبليس يومئذ لا يحجب من السماوات فسمع تجاوبالملائكة بالصلاة على أيوب فأدركه الحسد فقال: يا رب لو صدمت أيوب بالبلاء لكفركفقال: اذهب فقد سلطتك على ماله ثم سلطه على أولاده ثم على جسده وصبرت معه زوجتشرحمة بنت إفراييم بن يوسف بن يعقوب. قال مجاهد: أول من أصابه الجدري أيوب. وقال وهب: كان يخرج عليه مثل ثدايا النساء ثم يتفقأ. أخبرنا محمد بن ناصر أخبرنا جعفر بن أحمد السراج أخبرنا الحسن بنعلي بن المذهب أخبرنا أحمد بن جعفر حدثنا عبد اللّه بن أحمد حدثنا أبي حدثنا كثيربن هشام حدثنا حماد بن سلمة حدثنا علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال:عرج الشيطان فقال: أي رب سلطني علي أيوب قال: سلطتك على ماله وولده ولم أسلطكعلى جسده قال: فنزل فجمع جنوده فقال: إني سلطت على أيوب فأروني سلطانكم قال:فصاروا نيرانًا ثم صاروا ماء. قال: وبيناهم بالمغرب إذا هم بالمشرق فأرسل طائفة إلى زرعه وطائفةإلى إبله وطائفة إلى غنمه وقالوا: اعلموا أنه لا يعتصم منكم إلا بمعرفة فأتوهبالمصائب بعضها على أثر بعض. قال: فجاء صاحب الزرع فقال: يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل علىزرعك نارًا فأحرقه. وجاء راعي الإبل فقال: يا أيوب ألم ترَ إلى ربك أرسل إلى إبلكعدوًا فذهب بها. وجاء صاحب البقر فقال: يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل إلى بقركعدوًا فذهب بها. ثم جاء صاحب الغنم فقال مثل ذلك. فقال: وجاء لبنيه فجمعهم في بيت أكبرهم فبيناهم يأكلون ويشربونفجمع أركان البيت فهدم عليهم البيت. قال: فجاء إلى أيوب في هيئة الغلام وفي أذنيه قرطان فقال: ياأيوب ألم تر إلى بنيك اجتمعوا في بيت أكبرهم يأكلون ويشربون فبيناهم كذلك إذ جاءتريح فأخذت بأركان البيت فألقته عليهم فلو رأيتهم حين اختلطت دماؤهم ولحومهم وطعامهموشرابهم فقال له أيوب: أين كنت أنت قال: كنت معهم قال: فكيف أفلت قال:أفلتَ قال: أنت الشيطان قال: أنا الآن مثلي يوم خرجت من بطن أمي فقام فحلق رأسهثم قام يصلي فأرن الشيطان رنة سمعها أهل السموات وأهل الأرض ثم عرج فقال: أي ربقد اعتصم وإني لا أستطيعه إلا بتسليطك فسلطني عليه قال: قد سلطتك على جسمه ولمأسلطك على قلبه. قال: فنفخ تحت قدميه نفخة فصرخ من قرنه إلى قدمه حتى بدا حجاببطنه وألقى عليه الرقاد. قال: فقالت امرأته ذات يوم: يا أيوب قد والله نزل بي من الجهدوالفاقة فابعث قرنًا من قروني برغيف فأطعمك فادع ربك فليشفيك قال: ويحك كنا فيالنعماء سبعين عامًا فاصبري حتى نكون في الضراء سبعين عامًا. قال: فكان في ذلك البلاء سبعين قال: فقعد الشيطان في الطريقفأخذ تابوتًا يتطيب فأتته امرأة أيوب فقالت: يا عبد الله إن ها هنا إنسانًا مبتلىفهل لك أن تداويه قال: إن شاء فعلت على أن يقول لي كلمة واحدة إذا برأ يقول:أنت شفيتني قال: فأتته فقالت: يا أيوب إن ها هنا رجلًا يزعم أنه يداويك على أنتقول له كلمة واحدة: أنت شفيتني قال: ويلك ذلك الشيطان للّه علي إن شفاني اللهأن أجلدك مائة جلدة فبيناهم كذلك إذ جاءه جبرئيل فأخذ بيده فقال: قم فقام فقال:اركض برجلك فركض فنبعت عين فقال: اشرب فشرب. قال: ثم البسه حلة من الجنة وجاءت امرأته فقالت: يا عبد اللهّأين المبتلى الذي كان ها هنا لعل الذئاب ذهبت به أو الكلاب قال: فقال: ويحكلأنا أيوب قد رد اللّه إلي نفسي قال: فقالت: يا عبد اللّه لا تسخر بي قال:ويحك أنا أيوب فرد اللّه إليه ماله وولده بأعيانهم ومثلهم معهم وأمطر عليهم جرادًامن ذهب. قال: فجعل يأخذ الجراد بيده ثم يجعله في ثوبه. فيأخذ فيجعل فيه فأوحى اللّه إليه: يا أيوب أما شبعت قال أيوب:من ذا الذي يشبع من فضلك ورحمتك. قال: فأخذ ضغثًا بيلى فجلدها به. قال وكان الضغث مائة شمراخ فجلدها به جلدة واحدة. وبالإسناد حدثنا عبد اللهّ حدثنا أبي حدثنا يزيد أخبرنا جرير بنحازم قال: سمعت عبد الله بن عبد بن عمير يقول: كان لأيوب أخوان فأتياه ذات يومفوجدا له ريحًا فقالا: لو كان الله علم من أيوب خيرًا ما بلغ به كل هذا قال:فما سمع شيئًا كان أشد عليه من ذلك فقال: اللهم إن كنت تعلم أني لم أبتَ ليلةشبعانًا وأنا أعلم مكان جائع فصدقني. قال: فصدق وهما يسمعان ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أني لم ألبسقميصًا قط وأناأعلم مكان عار فصدقني. قال: فصدقني وهما يسمعان ثم قال: ثم خر ساجدًا ثم قال: اللهملا أرفع رأسي حتى تكشف مابي فكشف الله ما به. وقال يزيد مرة أخرى: لو كان لأيوب عند اللهّ خير ما بلغ به كلهذا. وقال وهب بن منبه: كانت زوجته تختلف إليه بما يصلحه وكان قد اتبعهثلاثة نفر على دينه فلما رأوا ما نزل به من البلاء بعدوا عنه. قال الحسن: مكث أيوب مطروحًا على كناسة سبع سنين وأشهرًا ما يسألاللّه أن يكشف ما به وما على وجه الأرض أكرم على الله من أيوب. وروى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس: أن أيوب عليه السلام مكث فيالبلاء سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ساعات لم يتضعضع ولم يسأل العافية وكانيقول: يا رب إن قرأت على ابن ناصر عن سليمان بن إبراهيم الأصبهاني قال: أخبرناعثمان بن أحمد الرقي أخبرنا محمد بن عمر بن حفص حدثنا أحمد بن الخليل القومسي حدثناهارون بن معروف حدثنا ضمرة بن ربيعة عن بشير بن طلحة عن خالد بن الدريك قال: لماابتلي أيوب قال لنفسه: قد نعمت سبعين سنة فاصبري على البلاء سبعين سنة. قال علماء السير: كان عمر أيوب ثلاثًا وسبعين سنة. وقال قوم: ثلاثًا وتسعين سنة. وقيل: بل عاش مائة وستًا وأربعين وأوصى عند موته إلى ابنه حومل. باب ذكر شعيب عليه السلام وهو شعيب بن عيفا بن نويب بن مدين بن إبراهيم. هكذا يقول الأكثرون. وقرأته بخط أبي الحسين بن المنادي على خلاف هذا النسب وهذا الاسمقال: هو شعيب ابن نوبب - بباءين مع سكون الواو - بن رعيل بن عيفا بن مدين بنإبراهيم. وبعضهم يقول: ليس من ولد إبراهيم إنما هو من ولد بعض من آمن بهولكنه ابن بنت لوط. أرسل إلى أمتين: أهل مدين وأصحاب الأيكة. وكانت مدين دار شعيب والأيكة خلف مدين. وقال الشرقي بن القطامي - وكان عالمًا بالأنساب -: هو يثرونبالعبرانية وشعيب بالعربية. قال العلماء: بعثه اللّه تعالى إلى مدين وهو ابن عشرين سنة وكانواأهل بخس في المكاييل والموازين فدعاهم إلى التوحيد ونهاهم عن التطفيف فكان يقالله: خطيب الأنبياء لحسن مراجعته لقومه فلما طال تماديهم بعث اللّه عليهم حرًّاشديدًا فأخذ بأنفاسهم فدخلوا أجواف البيوت فدخل عليهم فخرجوا إلى البرية فبعث اللهّعليهم سحابة فأظلتهم من الشمس فوجدوا بردًا ولذة فنادى بعضهم بعضًا حتى إذا اجتمعواتحتها أرسل الله عليهم نارًا فأحرقتهم فذلك عذاب يوم الظلة. قال أبو الحسين بن المنادي: وكان أبو جاد وهواز وحلى وكلمون وسعفصوقريشات بني الأمحض بن جندل بن يعصب بن مدين بن إبراهيم ملوكًا. وكان أبو جاد ملك مكة وما والاها من تهامة وكان هواز وحطي ملكي وجوهو الطائف. وكان سعفص وقريشات ملكي مدين ثم خلفهم كلمون وكان عذاب يوم الظلة فيملكه فقالت حالفه بنت كلمون - وفي رواية: أخت كلمون - ترثيه: كلمونٌ هدَّ ركنيهُلْكُهُ وَسْطَ المحلَّهْ سيّدُ القوم أتاه ال حَتفُ نارًا وَسْطَ ظُلَّهْ ثم إنشعيبًا مكث في أصحاب الأيكة باقي عمره يدعوهم إلى اللّه سبحانه ويأمرهم بطاعتهوتوحيده والإيمان بكتابه ورسله فما زادهم دعاؤه إلا طغيانًا ثم سلط عليهم الحرّ. فجائز أن تكون الأمتان اتفقتا في التعذيب. وقد قال قتادة: أما أهل مدين فأخذتهمِ الصيحة وأما أصحاب الأيكةفسلط عليهم الحرّ سبعة أيام ثم بعث الله عليهم ناراَ فأكلتهم فذلك عذاب يومالظلة. فأما قوله تعالى: {وإِنًا لَنَرَاكَ فِينَاضَعِيفًا}. فقال سعيد بن جبير: كان أعمى. وهذا إن ثبت فقد كان في آخرعمره. قال أبو روق: لم يبعث اللّه نبيًا أعمى ولا به زمانة. قال أبو الحسين بن المنادي: وهذا القول أليط بالقلوب من قول سعيدبن جبير. قال أبو المنذر: ثم إن شعيبًا زوج موسى ابنته ثم خرج إلى مكةفتوفي بها وأوصى إلى موسى وكان عمره كله مائة وأربعين سنة ودفن في المسجد الحرامحيال الحجر الأسود. ومن الحوادث التي كانت في زمن شعيب ملك منوشهر ورأيته بخط أبيالحسين بن المنادي " ميوشهر " قد ضبط بالياء وهو من ولد إيرج ابن آفريدون ولماكبر صار إلى جده أفريدون فتوجه. وبعث موسى عليه السلام وقد مضى من ملك منوشهر ستون سنة فعاش فيالملك ستين سنة أخرى ثم وثب به عدو فنفاه عن بلده اثني عشر سنة ثم أديل منه منوشهرفنفاه وعاد إلى ملكه فملكه بعد ذلك ثمانيًا وعشرين سنة. وكان منوشهر يوصف بالعدل والإحسان وهو أوّل من خندق الخنادق وجمعآلة الحرب وزاد فيِ مهنة المقاتلة الرمي وأول من وضع الدهقنة فجعل لكل قرية دهقانًاوجعل أهلها له خولًا وعبيدًا. وسار إلى بلاد الترك مطالبًا بدم جده إيرج فقتل طوخ بن أفريدونفانصرف. واصطلح هو وقريشات على أن يجعلا حدَّ ما بين مملكتيهما منتهى رميةسهم رجل من أصحاب منوشهر فحيث ما وقع سهمه من موضع رميته تلك مما يلي الترك فهوالحدُ بينهما. فرمى ذلك فبلغت رميته نهر بلخ فصارحدّ ما بين الترك وولد طوخ وولدإيرج. واشتَقّ منُوشهْر من الصّراة ودِجلة ونهر بلخ أنهارًا عظامًاوقيل: إنه هو الذي كرى الفرات الأكبر وأمر الناس بحراثة الأرض وعمارتها. قالوا: ولما مضى من ملك منوشهر خمس وثلاثون سنة تناولت الترك منأطراف رعيته فقام خطيبًا فوبخ رعيته - ويقال: هي أولى خطبة سمعت من خطيب - وقال: إنما الناس ناس ما دفعوا العدو عنهم وقد نالت الترك من أطرفكم وليس ذلك إلامن ترككم جهاد عدوكم وقلة المبالاة وإن الله أعطانا هذا الملك ليبلونا أنشكرفيزيدنا أم نكفر فيعاقبنا فإذا كان غدا فاحضروا. وأرسل إلى أشراف الأساورةَ فدعاهم وأدخل الرؤساء ودعى موبذ موبذانفأقعد على كرسي مما يلي سريره ثم قام على سريره فقام أشراف أهل مملكته فقال:اجلسوا فإني إنما قمت لأسمعكم كلامي فجلسوا فقال: أيها الناس إنما الخلق للخالقوالشكر للمنعم والتسليم للقادر ولا بد مما هو كائن وإنه لا أضعف من مخلوق طالبًاكان أو مطلوبًا ولا أقوى من خالق ولا أقدر ممن طلبته في يده ولا أعجز ممن هو في يدطالبه وإن التفكر نور والغفلة ظلمة والجهالة ضلالة وقد ورد الأول ولا بد للآخر مناللحوق بالأول وقد مضت قبلنا أصول نحن فروعها فما بقاء فرع بعد ذهاب أصله وإن اللهّعز وجل أعطانا هذا الملك فله الحمد ونسأله إلهام الرشد والصدق واليقين وإن للملكعلى أهل مملكته أحقًا ولأهل مملكته عليه حقًا فحق الملك على أهل المملكة أن يطيعوهويناصحوه ويقاتلوا عدوَّه وحقهم على الملك أن يعطيهم أرزاقهم في أوقاتها إذ لامعتمد لهم على غيرها وأنها تجارتهم وحق الرعية على الملك أن ينظر لهم ويرفق بهم ولايحملهم ما لا يطيقون وإن أصابتهم مصيبة تنقص من ثمارهم من آفة من السماء أو الأرضأن يسقط عنهم خراج ما نقص وإن اجتاحتهم مصيبة أن يعوضهم ما يقويهم على عمارتها ثميأخذ منهم بعد ذلك على قدرما لا يجحف بهم والجند للملك بمنزلة جناحي الطائر فمتىقُصّ من الجناح ريشه كان ذلك نقصانًا منه فكذلك الملك إنما هو بجناحه وريشه. ألا وإن الملك ينبغي أن يكون فيه ثلاث خصال: أولها أن يكون صدوقًالا يكذب وأن يكون سخيًا لا يبخل وأن يملك نفسه عند الغضب فإنه مسلّط ويده مبسسوطةوالخراج يأتيه فينبغي ألا يستأثر عن جنده ورعيته بما هم أهله وأن يكثر العفوة فإنهلا ملك أبقى من ملك فيه العفو ولا أهلكَ من ملك فيه العقوبة ولأن يخطىء في العفوفيعفو خير من أن يخطىء في العقوبة. فينبغي للملك أن يَتَثَبَّت في الأمر الذي فيه قتل النفس وبواهاوإذا رفع إليه من عامل من عماله ما يستوجب به العقوبة فلا ينبغي له أن يحابيهوليجمع بينه وبين المتظلِّم فإن صح عليه للمظلوم حق خرج إليه منه وإن عجز عنه آدميأدى عنه الملكُ ورده إلى موضعه وأخذه بإصلاح ما أفسد فهذا لكم علينا. ألا من سفك لحمًا بغير حق أوقطع يدًا بغير حق فإني لا أعفو عن ذلكإلا أن يعفو عنه وإن الترك قد طمعت فيكم فاكفوها بما تكفون أنفسكم به قد أمرت لكمبالسلاح والعدة وأنا شريككم في الرأي وإنما لي من هذا الملك اسمه مع الطاعة منكم. ألا وإن الملك ملك إذا أطيع فإذا خولف فذلك مملوك ليس بملك. فمهما بلغنا من الخلاف فإنا لا نقبله من المُبلغ له حتى نتيقَّنهمنه فإذا صحت معرفة ذلك أنزلناه منزل المخالف. ألا وإن أكمل الأداة عند المصيبات الأخذ بالصبر والراحة إلى اليقينفمن قُتِل في مجاهدة العدوّ رجوت له الفوز برضوان اللّه. وأفضل الأمور التسليم لأمر اللّه والراحة إلى اليقين والرضا بقضائهأين المهرب مما هو كائن! وإنما يتقلَب في كف الطالب وإنما أهل هذه الدنيا سفر لايحلون عقد الرحال إلا في غيرها وإنما بلغتهم فيها بالعواري فما أحسن الشكر للمنعموالتسليم لمن القضاء له! ومن أحق بالتسليم لمن فوقه ممن لا يجد مهربًا إلا إليهولا معولًا إلا عليه! فثقوا أن النصر من اللّه تعالى وكونوا على ثقة من دَرَكالطلبة إذا صحت نياتكم واعلموا أن هذا الملك لا يقوم إلا بالاستقامة وحسن الطاعةوقمع العدوّ وسدّ الثغور والعدل للرعية وإنصاف المظلوم فشفاؤكم عندكم والدواء الذيلا داء فيه الاستقامة والأمر بالخير والنهي عن الشرّ ولا قوة إلا باللّه. انظروا للرعية فإنها مطعمكم ومشربكم ومتى عدلتم فيها رغبوا فيالعمارة فزاد ذلك في خراجكم وتبين في زياده أرزاقكم وإذا خِفْتم على الرعية زهدوافي العمارة وعطلوا أكثر الأرض فنقص ذلك من خراجكم وتبين في نقص أرزاقكم فتعاهدواالرعية بالإنصاف. هذا قولي وأمري يا موبذ موبذان الزم هذا القول وجد في هذا الذي سمعتفي يومك أسمعتم أيها الناس! فقالوا: نعم قد قلت فأحسنت ونحن فاعلون إن شاءاللّه. ثم أمر بالطعام فوضع كلوا وشربوا ثم خرجوا وهم له شاكرون. وكان ملكه مائة وعشرين سنة فلما هلك قريشات وتغلب على مملكة فارسوصار إلى أرض بابل وأقام بأذربيجان وأكثر الفساد فبقي اثنتي عشرة سنة إلى أن ظهرزو. وكان من الملوك في هذا الزمان الرائش بن قيس بن صيفي بن سبأ بن يشجببن يعرب بن قحطان كان من ملوك اليمن بعد يعرب بن قحطان وإخوته. وكان أملكه باليمن أيام ملك منوشهر وإنما سمي الرائش - واسمه الحارث - لغنيمة غنمها من قوم غزاهم فأدخلها اليمن فسمي لذلك الرائش. وأنه غزا الهند فقتل بها وسبى وغنم الأموال ورجع إلى اليمن ثم سارمنها على جبل طيء ثم على الأنبار ثم على الموصل وأنه وجِّه منها خيله وعليها رجل منأصحابه يقال له: شمر بن العطاف فدخل على الترك أرض أذْرَبيجَان وهي في أيديهميومئذ فقتل المقاتلة وسبى الذرية وزَبَر ما كان من مسيره في حَجَرَيْن فهما معروفانببلاد آذربيجان. وملك بعد الرائش ابنه أبرهة ويقال له: ذو منار. وإنما قيل ذلك لأنه غزا بلاد المغرب فأوغل فيها فخاف على جيشهالضلال عند قفوله فبنى المنار ليهتدوا به. وهو أحد الملوك الذين توغلوا في الأرض وكان له ولد يقال له: "العبد " فبعثه إلى ناحية من أقاصي بلاد المغرب فغنم وأصاب مالًا وقدم عليه بسبيلهم خلق منكرة. فذعر الناس منهم فسموه ذا الأذعار. ويقال: ان ملوك اليمن كانوا عمالًا لملوك الفرس بها ومن قبلهماكانت ولايتهم بها. [IMG]file:///C:\Users\alshamel\AppData\Local\Temp\msohtmlclip1\ 01\clip_image001.gif[/IMG]باب ذكر موسى عليه السلام كان بين موسى وإبراهيم ألف سنة وبين إبراهيم ونوح ألف سنة وبين نوحوآدم ألف سنة. أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزاز أخبرنا أبو محمد الجوهري أخبرناأبوِ عمر بن حيوية أخبرنا أحمد بن معروف أخبرنا الحارث بن أبي أسامة حدثنا محمد بنسعد أخبرنا قبيصة بن عقبة أخبرنا سفيان بن سعد عن أبيه عن عكرمة قال: كان بين آدمونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام. قال ابن سعد: وأخبرنا محمد بن عمر عن غير واحد من أهل العلمقالوا: كان بين آدم ونوح عشرة قرون القرن مائة سنة وبين نوح وإبراهيم عشرة قرونوالقرن مائة سنة وبين إبراهيم وموسى عشرة قرون والقرن مائة سنة. وهو موسى بن عمران بن قاهث بن لاوي بن يعقوب كذلك قال هشام بن محمدعن أبيه. وقال ابن إسحاق: موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي. ورأيته بخط أبي الحسين بن المنادي: " ناهب " بالنون والباء. واسم أم موسى يوخابذ. وكان الكهان قد قالوا لفرعون - واسمه الوليد بن مصعب بن معاوية بنأبي نمير بن الهلوالش بن ليث بن هاران بن عمرو بن عملاق. وكان فرعون يوسف لا يؤذي بني إسرائيل بل يحسن إليهم فلما مات وليَبعده فرعون من فراعتهم فلم يؤذي بني إسرائيل ثم ملك فرعون موسى وهو الرابع منالفراعنة وكان أخبثهم وعاش ثلاثمائة سنة واستعبد بني إسرائيل وعذبهم وصنَفهم فيأعماله فصنف يبنون له وقوم يحرثون له ومن لاعمل له فعليه الجزية. أخبرنا محمد بن ناصر الحافظ أخبرنا المبارك بن عبد الجبار أخبرناابراهيم بن عمر البرمكي أخبرنا أحمد بن جعفر بن سلم إجازة أخبرنا أحمد بن محمد بنعبد الخالق حدثنا أبو بكر المروزي قال: حدثنا أبو عبد اللهّ المروزي حدثنا محمدبن عبد حدثنا معمر بن بشر قال: سمعت عبد اللهّ بن المبارك يقول: كان فرعونعطارًا وكان من أهل أصبهان فأفلس وركبه دين فخرج يلتمس ما يقضي دينه فلم تزل ترفعهأرض وتضعه أخرى حتى دخل مصر ورأى عند باب المدينة وقر بطيخ بدرهم وفي المدينة بطيخةبدرهم. قال فرعون: قد صرت إلى موضع أقضي ديني واستغني فأشترى وقرًابدرهم. ومضى ليدخله المدينة فتناول كل إنسان بطيخة حتى بقي معه واحدةوباعها بدرهم فضجر فقالوا له: هكذا سنتنا فقال: أما ها هنا أحد يعدل أو نصيرفقالوا: لا هنا ملك قد خلا بلذاته وسلط وزيره على الناس ليس ينظر في شيء فبسطلبدا على المقابر فجعل يأخذ من كل جنازة أربعة دراهم فصبر بذلك ما شاء الله حتىماتت بنت الملك فمروا بها عليه فقال: هاتوا أربعة دراهم فقالوا: هذه بنت الملكفقال: هاتوا ثمانية فما زال وزالوا يتنازعون حتى أضعف عليهم مرات فلما رجعواقالوا للملك: عمل بنا عامل الموتى كذا وكذا قال: ومن فبعث إلى وزيره فدعاهفقال: أنت استعملت هذا قال: لا فدعاه فقال: من استعملك فقص عليه القصة وأخبرهبأمر البطيخ وأنهم قالوا له أنه ليس ها هنا أحد يعدل فلما رأيت ذلك صنعت ما ترىلينتهي إليك فتغير وتنتبه لملكك. قال: فمذ كم أنت على حالك فقال: سنين كثيرة حتى صرت إلى الأموالالكثيرة فأمر بوزيره فضربت عنقه واستوزر فرعون فسار فيهم بسيرة حسنة وأذاقهم فيهاطعم العيش لما كانوا فيه قبل. يقضي بالحق ولو على نفسه ثم ان الملك مات فقالوا: من نستخلففاجتمع رأيهم فقالوا: لا نستعمل غير هذا الذي أذاقنا طعم العيش فملكوه على أنفسهمفلم يزل عليهم يموت قرن ويخلفهم آخرون وتراخى به السن وطال ملكه حتى ادعى ماعلمتم. قال علماء السير: قالت الكهنة لفرعون: يولد مولود في بنيإسرائيل يكون هلاكك على يده فأمر بذبح أبنائهم ثم اشتكت القبط إلى فرعون وقالت:إن دمت على الذبح فلم يبق من بني إسرائيل من يخدمنا فصار يذبح سنة ويترك سنة. فولد هارون في السنة التي لا يذبح فيها وولد موسى بعده بسنه. وقال قوم: بينهما ثلاث سنين. قال وهب: بلغني أنه ذبح سبعين ألف وليد فلما حملت أم موسى بموسىلم يتبين حملها ولم تعلم فلما ولد موسى دخل الطلب إليها فرمته في التنور فسلم ثمخافت عليه فصنعت له تابوتًا وألقته في البحر حمله الماء إلى أن ألقه بين يديفرعون. فلما فتح التابوت فنظر إليه قال: عبراني من الأعداء كيف أخطأهالذبح فقالت آسية: هذا أكبر من ابن سنة وإنما أمرت بذبح أولاد هذ السنة فدعه يكونقر عين لي ولك. وكان فرعون لا يولد له إلا البنات فتركهوأحبه. ولما رمته أمه في اليم بكت وجزعت فربط اللّه على قلبها فسكنت وكانتتتوكف الأخبار حتى سمعت أن فرعون أخذ صبيًا في تابوت فعرفت القصة فقالت لأخته - واسمها مريم وكان له أختان: مريم وكلثوم: قصيه فانظري ماذا يفعلون به. فدخلت أخته على آسية مع النساء وقد عرضت عليه المرضعات فلم يقبلثديًا فقالت أخته: هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم. قالوا: نعم من هم قالت: حنة امرأة عمران فبعثوا إليها فأخذثديها فشرب ونام. فلما انتهى رضاعه ردته إلى فرعون فاتخذه يومًا في حجره فمدَّ بلحيتهفقال: عليّ بالذابخ فقالت آسية: إنما هو صبي لا يعقل. وأخرجت له ياقوتًا وجمرًا فوضع يده على جمرة فطرحها في فيه فأحرقتلسانه فذلك قوله: " وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي ". وكبر موسى فكان يركب وإن فرعون ركب يومًا وليس عنده موسى فلما جاءموسى ركب في أثره فوجد في المدينة {رَجُلَيْنن يقتتلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ}أي: من بني إسرائيل {وَهَذَا مِنْ عَدُوِّه} يعني القبط. فاستغاثه الإسرائيلي على القبطي فوكزه موسى فمات. فندم موسى على قتله وأصبح خائفًا أن يؤخذ به. {فَإِذَا الذِي استَنصَرَهُ بالأمْس يَسْتَصْرِخُه}. أي: يستغيثه على آخر. وكان القبط قد أخبروا فرعون بالقتل فقال: إن عرفتم قاتله فاخبرونيفلم يعرفوه فلما أراد موسى أن ينصر الإسرائيلي في هذا اليوم الثاني ظن الإسرائيليأنه يقصده بالأذى فقال: {أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًابالأمس}. فعلم الناس أنه هوالقاتل فطلبوه فخرج خائفًا فهداه اللّه إلىمدين. قال سعيد بن جبير: خرج إلى مدين وبينه وبينها مسيرة ثمان ولم يكنله طعام إلا ورق الشجر فخرج حافيًا. قال السدي: {وَلَمَا ورَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أمَةً مِنَ الناسيَسْقًونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونهم امْرأتَيْنِ تَذُودان} أي: تحبسانغنمهما فسمألهما: {مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حًتّى يصدِرَ الرِّعَاءُوَأبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ}. فرحمهما موسى فأتى البئر فاقتلع صخرة على البئر كان يجتمع عليها نفرحتى يرفعوها فسقى لهما ورجعتا وإنما كانتا تسقيان من فضول الحياض ثم تولى موسى إلىظل شجرة فقال: {رَبِّ إِنِّي لمَا أنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خيْرٍفَقِير}. قال ابن عباس: ورد ماء مدين وإنه ليتراءى خضرة البقل في بطنه منالهزال. قال السدي: فلما رجعت الجاريتان إلى أبيهما سريعًا سألهمافأخبرتاه خبر موسى فأرسل إليه إحداهما فأتته {تَمشي عَلَى اسْتِحْيَاءِقَالَتْ إن أبِي يَدْعُوكَ}. فقام معها فمشت بين يديه فضربتها الرياح فنظر إلى عجيزتها فقال:امشي خلفي ودليني الطريق. أخبرنا المبارك بن علي الصيرفي أخبرنا علي بن محمد العلاف أخبرناعبد الملك بن عمر بن بشران أخبرنا حمزة بن محمد الدهقان حدثنا عباس الدوري حدثناعبد الله أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطاب رضي اللهّعنه: أن موسى عليه السلام لما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون فلمافرغوا أعادوا الصخرة على البئر فلا يطيق رفعها إلا عشرة رجال فإذا هو بامرأتينتذودان قال: ما خطبكما فحدثتاه فأتى الحجر فرفعه ثم لم تسق إلا ذنوبًا واحدًا حتىرويت الغنم ورجعت المرأتان إلى أبيهما فحدثتاه وتولى موسى الظل فقال: " رَبإِنِّي لِمَا أنزلْتَ إليَّ مِنْ فجاءته إحداهما " تَمْش عَلَى اسْتِحْيَاءٍ "واضعة ثوبها على ثغرها فقالت: {إِنَّ أبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيكَ أجْرَمَاسَقَيْتَ لَنَا} فقال لها: امشي خلفي ودليني الطريق فإني أكره أن يصيب الريحثيابك فيصف لي جسدك. فلما انتهى إلى أبيها: {وَقصَ عَلَيهالقَصَصَ}. {قَالَتْ إِحدَاهُمَا يَا أبَتِ اسْتَأجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مِنَاسْتَأجَرْتَ القويُ الأمِينُ}: قال: يا بنية ما علمك بأمانتهوقوته. قالت: أما قوته فرفعه الحجر ولا يطبقه إلا عشرة وأما أمانته فقاللي: امشي خلفي وصفي الطريق فإنى أكره أن يصيب الريح ثوبك فيصف لي جسدك. قال السدي: لما سمع شعيب قولها قال: {إِنِّي أرِيدُ أنْأنْكِحَكَ إِحْدى ابْنَتيَّ هاتين}. فزوج التي دعته وقضى أيما الأجلين. فأما اسم المرأة التي تزوجها فهو صفورا والأخرى ليّا. وقد روي عن ابن عباس: أن الذي استأجره صاحب مدين واسمه يثربي. وقال أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود: وهو ابن أخي شعيب. ذكر ما جرى له بعد انفصاله عن مدين شعيب قال السدي: {فَلَمَا قَضى مُوسَىالأجَلَ وَسَارَ بِأهْلِه} ضلّ الطريق فرأى نارًا - وكان شتاء - ف{قَالَلأهْلِهِ أمْكُثُوا}. أخبرنا محمد بن أبي منصور الحافظ أخبرنا جعفر بن أحمد السراج أخبرناالحسن بن علي التميمي أخبرنا أحمد بن جعفر أخبرنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبل قال:حدثني أبي حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم بن معقل بن منبه حدثنا عبد الصمد بن معقلقال: سمعت وهب بن منبه قال: لما رأى موسى النار انطلق يسير حتى وقف منها قريبًافإذا هو بنارعظيمة تفور من فروع شجرة خضراء شديده الخضرة لا تزداد النار فيما يرىإلا عظمًا وتضرّمًا ولا تزداد الشجرة على شدة الحريق إلا خضرة وحسنًا. فوقف ينظر لا يدري على ما يضع أمرها إلا أنه قد ظن أنها شجرة تحترقأوقد إليها موقد نالها فاحترقت وإنه إنما تمنع النار شدة خضرتها وكثرة مائها وكثافةورقها وعظم جزعها. فوضع أمرها على هذا فوقف يطمع أن يسقط منها شيء فيقتبسه. فلما طال عليه ذلك أهوى إليها بضغث في يده وهو يريد أن يقتبس منلهبها. فلما فعل ذلك موسى مالت نحوه كأنما تريده فأستأخر عنها وهاب ثم عادفطاف بها فلم تزل تطمعه ويطمع فيها. ولم تكن بأوشك من خمودها فاشتد عند ذلك عجبه وفكر في أمرها وقال:هي نارممتنعة لا يقتبس منها ولكنها تضرم في جوف شجرة ولا تحرقها ثم خمودها على قدرعظمها في أوشك من طرفة عين فلما رأى ذلك موسى قال: إن لهذه النار لشأنًا. ثم وضع أمرها على أنها مأمورة أو مصنوعة لا يدري من أمرها ولا بماأمرت ولا من صنعها ولا لم صنعت فوقف متحيرًا لا يدري أيرجع أم يقيم. فبينا هو على ذلك إذ رمى بطرفه نحو فرعها فإذا هو أشد ما كان خضرةوإذا الخضرة ساطعة في السماء ثم لم تزل الخضرة تنور وتصْفر وتبياضَّ حتى صارت نورًاساطعًا عمودًا ما بينا السماء والأرض عليه مثل شعاع الشمس تكلُّ دونه الأبصار كلمانظر إليه كاد يخطف بصره. فعند ذلك اشتد خوفه وحزنه فرد يده على عينيه ولصق بالأرض وسمعالحنين والوجس إلا أنه يسمع حينئذٍ شيئًا لم يسمع السامعون مثله. عظمًا الحنين. فلما بلغ موسى الكرب واشتد عليه الهول وكاد أن يخالط في عقله من شدةالخوف لما يسمع ويرى نودي من الشجرة فقيل: يا موسى فأجاب سريعًا وما يدري من دعاوما كان سرعة إجابته إلا استئناسًا بالإنس فقال: لبيك مرارًا أسمع صوتك وأحس رحبكولا أرى مكانك فأين أنت. قال: أنا فوقك ومعك وأمامك وأقرب إليك منك. فلما سمع هذا موسى علم أنه لا ينبغي ذلك إلا لربه تعالى وأيقن بهفقال: كذلك أنت يا إلهي أكلامك أسمع أم لرسولك قال: أنا الذي أكلمك فادن منيفجمع موسى يديه في العصا ثم تحامل حتى استقل قائمًا فرعدت فرائصه حتى اختلفتواضطربت رجلاه وانقطع لسانه وانكسر قلبه ولم يبق منه عظم يحمل آخر فهو بمنزلة الميتإلا أن روح الحياة تجري فيه ثم زحف على ذلك وهو مرعوب حتى وقف قريبًا من الشجرةالتي نودي منها فقال له الرب تبارك وتعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَيَا مُوسَى قَالَ هِيَ عَصَايَ} قال: وما تصنع بها ولا أحد أعلمبذلك منه قال موسى: {أتَوَكأ عَلَيْهَا وَأهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِي فِيهَامَآرِبً أخْرَى}. وكان لموسى عليه السلام في العصى مآرب. وكانت لها شعبتان ومحجن تحت الشعبتين. قال له الرب تبارك وتعالى: {ألْقِهَا يَامُوسَى}. فظن موسى أنه يقول له ارفضها فألقاها على وجه الأرض لا على وجهالرفض ثم حانت منه نظرة فإذا هي بأعظم ثعبان نظر إليه الناظرون يدب ليمس كأنه يبتغيشيئًا يريد أخذه يمر بالصخرة مثل الخلفة من الإبل فيقلبها ويطعن بالناب في أصلالشجرة العظيمة فيجتثها عيناه توقدان نارًا وقد عاد المحجن عرفًا فيه شعر مثلالنيازك وعادت الشعبتان فمًا مثل القليب الواسع وفيه أضراس وأنياب لها صريف. فلما عاين ذلك موسى عليه السلام ولى مدبرًا فذهب حتى أمعن في البريةورأى أنه قد أعجز الحية ثم ذكر ربه عز وجل فوقف استحياء منه. ثم نودي: يا موسىِ ارجع حيث كنت فرجع وهو شديد الخوف قال: "خُذْهَا " بيمينك {وَلا تَخفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأولَى}وعلى موسى حينئذ مدرعة من صوف فدخلها بخلال من عيدان فلما أمره بأخذها ثنى طرفالمدرعة على يده فقال له مَلَك: أرأيت يا موسى لو أذن اللّه عز وجل لما تحاذرأكانت المدرعة تغني عنك شيئًا. قال: لا ولكني ضعيف ومن ضعف خلقت فكشف عن يده ثم وضعها في فيّالحية حتى سمع حسَ الأضراس والأنياب ثم قبض فإذا هي عصاه التي عهدها فإذا يده فيالموضع الذي كان يضعها فيه إذا توكأ بين الشعبتين. فقال له اللّه عز وجل: ادن فلم يزل يدنيه حتى أسند ظهره بجذعالشجرة فاستقر وذهبت عنه الرعدة وجمع يديه في العصا وخضع برأسه وعنقه ثم قال: إنيقد أتيتك اليوم مقامًا لا ينبغي لبشر بعدك أن يقوم مقامك أدنيتك وقربتك حتى سمعتكلامي وكنت بأقرب الأمكنة مني فانطلق برسالتي فإنك بعيني وسمعي فإن معك يدي وبصريوإني قد ألبستك جبة من سلطاني تستكمل بها القوة في أمري فأنت جند عظيم من جنوديبعثتك إلى خلق ضعيف من خلقي بطر نعمتي وأمن مكري وغرته الدنيا عني حتى جحد حقيوأنكر ربوبيتي وعبد غيري وزعم أنه لا يعرفني وإني أقسم بعزتي لولا العذر والحجةاللذان وضعت بيني وبين خلقي لبطشت بطشة جبار يغضب لغضبه السموات والأرض والجبالوالبحار فإن أمرت السماء حصبته وإن أمرت الأرض ابتلعته وإن أمرت الجبال دمرته وإنأمرت البحار غرقته ولكنه هان عليَ وسقط من عيني ووسعه حلمي واستغنيت بما عندي وحقلي أني أنا الغني لا غني غيري. فبلغه رسالاتي وادعه إلى عبادتي وتوحيدي وإخلاص اسمي وذكره بآياتيوحذره نقمتي وبأسي وأخبره أني إلى العفو والمغفرة أسرع مني إلى الغضب والعقوبة ولايرعبك ما ألبِسَهُ من لباس الدنيا فإن ناصيته بيدي ليس يطرف ولا ينطق ولا يتنفس إلابإذني. قل له: أجب ربك عز وجل فإنه واسع المغفرة فإنه قد أمهلك أربعمائةسنة وفي كلها أنت مبارز لمحاربته تشبه وتمثل وتصدُ عباده عن سبله وهو يمطر عليكالسماء وينبت لك الأرض لم تسقم ولم تهرم ولم تفتقر ولم تغلب. ولو شاء أن يعجل ذلك لك أويسلبكه فعل ولكنه ذوأناة وحلم عظيم. وجاهده بنفسك وأخيك وأنتما محتسبان بجهاده فإني لو شئت أن آتيهبجنود لا قِبَلَ له بها لفعلت ولكن ليعلم هذا العبد الضعيف الذي قد أعجبته نفسهوجموعه أن الفئة القليلة - ولا ولا تعجبنكما زينته ولا ما يتمتع به ولا تمدا إلىذلك أعينكما فإنها زهرة الحياة الدنيا وزينة المترفين وإني لو شئت أن أزينكما منالدنيا بزينة يعلم فرعون حين ينظر إليها أن مقدرته تعجز عن مثل ما أوتيتما فعلتولكني أرغب بكما عن ذلك وأزويه عنكما وكذلك أفعل بأوليائي قديمًا فأخرت لهم في ذلكفإني لأذودهم عن نعيمها ورخائها كما يذود الراعي الشفيق غنمه من مراتع الهلكة وإنيلأجنبهم سلوتها وعيشها كما يجنب الراعي الشفيق عن مبارك الغرّة. وما ذاك لهوانهم عليّ ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالمًاموفرًا لم تكلمه الدنيا ولم يطع الهوى. واعلم أنه لم يزين العباد بزينة هي أبلغ من الزهد في الدنيا فإنهازينة المتقين عليهم منها لباس يعرفون به من السكينة والخشوع {سِيَماهُمْ فِيوُجُوهِهِم مِنْ أثَرِ السُّجُود}. أولئك أوليائي حقًا حقًا فإذا لقيتهم فاخفض لهم جناحك وذلل لهم قلبكولسانك. واعلم أنه من أهان لي وليًا إذا خافه فقد بارزني بالمحاربة وما رآنيوعرض نفسه للهلكة ودعاني إليها وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي أفيظن الذي يحاربنيأن يقوم لي. أويظن الذي يعاديني أن يعجزني. أم يظن الذي بارزني أن يسبقني أويفوتني فكيف وأنا الثائر لهم فيالدنيا قال: فأقبل موسى عليه السلام إلى فرعون في مدينته قد جعل حولها الأسد فيغيضة قد غرسها فالأسد فيها مع ساستها إذا اسَدَتْهَا على أحد أكل. وللمدينة أربعة أبواب في الغيضة فأقبل موسى عليه السلام من الطريقالأعظم الذي يراه منه فرعون فلما رأته الأسد صاحت صياح الثعالب فأنكر ذلك الساسةوفرقوا من فرعون. وأقبل موسى حتى انتهى إلى الباب إلى قبة فرعون فقرعه بعصاه وعليهجبة صوف وسراويل صوف فلما رآه البواب عجب من جرأته فتركه ولم يأذن له وقال: هلتدري من تضرب إنما تضرب باب سيدك قال: أنت وأنا وفرعون عبيد لربي عز وجل فأناآمره فأخبر البواب الذي يليه والبوابين حتى بلغ ذلك أدناهم ودونهم سبعون حاجبًا كلحاجب منهم تحت يده من الجنود ما شاء الله عز وجل كأعظم أميراليوم إمارة حتى خلصالخبر إلى فرعون فقال: أدخلوه عليّ فأدخلوه فلما أتاه قال له فرعون: أأعرفكقال: نعم قال: {ألَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَليدًا}. فرد موسى عليه الذي ذكره اللّه عز وجل قال فرعون: خذوه فبادرهمموسى {فَألْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ}فحملتَ على الناس فانهزموا منها فمات منهم خمسة وعشرون ألفًا قتل بعضهم بعضًا. وقام فرعون منهزمًا حتى دخل البيت فقال لموسى: اجعل بيننا وبينكأجلًا ننظر فيه فقال له فأوحى اللّه عز وجل إلى موسى: أن اجعل بينك وبينه أجلًاواجعل ذلك إليه قال فرعون: اجعله إلى أربعين يومًا ففعل. وكان فرعون لا يأتي الخلاء إلا في أربعين يومًا مرة فاختلف ذلكاليوم أربعين مرة. قال: وخرج موسى من المدينة فلما مرَّ بالأسد بصبصت بأذنابها وسارتمع موسى تشيعه ولا تهيجه ولا أحد من بني إسرائيل. M0م ماكلم اللّه عز وجل به موسى عليه السلام ما أنبأنا يحعى بن ثابتبن بندار أخبرنا أبي أخبرنا ابن دوما أخبرنا مخلد بن جعفر أخبرنا الحسن بن عليالقطان أخبرنا إسماعيل بن عيسى العطار أخبرنا إسحاق بن بشر القرشي أخبرنا الثوريوعباد بن كثير عن منصور بن المعتمر عن مجاهد عن كعب قال: إن الرب عزوجل قاللموسى: يا موسى إذا رأيت الغني مقبلًا فقل ذنب عجلت عقوبته وإذا رأيت الفقرمقبلًا فقل مرحبًا بشعار الصالحين. يا موسى إنك لن تقرب عليِّ بعمل من أعمال البر خيرلك من الرضابقضائي ولن تأتي بعمل أحبط لحسناتك من البطر وإياك والتضرع لأبناء الدنيا إذن أعرضعنك وإياك أن تجود بدينك لدنياهم إذن آمرأبواب رحمتي أن تغلق دونك. ادن الفقراء وقرب مجلسهم منك ولا تركن إلى حب الدنيا فإنك لن تلقانيبكبيرة من الكبائر أضر عليك من الركون إلى الدنيا. يا موسى بن عمران قل للمذنبين النادمين أبشروا وقل للعالمينالمعجبين إخسأوا. قال وهب بن منبه: كان موسى إذا كلمه الله عز وجل يرى النور علىوجهه ثلاثة أيام ولم يتعرض للنساء مذ كلمه. وقد روى أبو سعيد الخدري قال: افتخر أهل الإبل والغنم عند رسولالله صلى الله عليه وسلم فقال رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم: " السكينةوالوقار في أهل الغنم والخيلاء في أهك الإبل " وقال: " بعث موسى وهو يرعىغنمًا لأهله وبعثت وأنا أرعى غنمًا لأهلي بجياد ". وزعم السدي: أن موسى رجع من تكليم اللّه عز وجل فسار بأهله نحومصر فأتاها ليلًا فتضيف على أمه وهو لا يعرفها فجاء هارون فقيل له: ضيف فقعد معهفسأله: من أنت. فقال: أنا موسى فقام كل واحد منهما إلى صاحبه فاعتنقه فلما تعارفاقال له: يا هارون إنطلق معي إلى فرعون إن اللهّ تعالى قد أرسلنا إليه قالهارون: سمعًا وطاعة فانطلقا إليه ليَلًا فأتيا الباب فضرباه ففزع فرعون وفزعالبواب فكلمهما فقال موسى: أنا رسول رب فأتى فرعون فقال: إن ها هنا إنسانًامجنونًا يزعم أنه رسول رب العالمين فقال: أدخله فدخل فعرفه فرعون. فقال: {ألَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا} ثم قال له:{وَمَا رَبُّالعَالَمِينَ} قال ما قصه اللّه تعالى علينا. فقال له: إن كنت جئت بآية فأت بها فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبينقد فتحت فاها ووضعت لحيها الأسفل في الأرض والأعلى على سور القصر ثم توجهت إلىفرعون فذعر منها ووثب وصاح: يا موسى خذها فأنا أومن فعادت عصا ثم نزع يده فإذا هيبيضاء فخرج من عندها. فأبى فرعون أن يؤمن وبنى الصرح ورقي عليه وأمر بنُشابه فرمى بها نحوالسماء فردت إليه ملطخة بالدم فقاك: قد قتلت إله موسى. قال وهب: بعث إلى السحرة فجمعهم وقال: قد جاءنا ساحر ما رأينامثله قط فإن غلبتموه أكرمكم. وكان يرأس السحرة ساتور وعازور وحطحط ومصفى وهم الذين آمنوا لمارأوا سلطان اللّه فتبعتهم السحرة في الإيمان. وفي عدد السحرة أقوالٌ كثيرة مذكورة في التفسير فمن قائل يقول:كانوا سبعين ألفًا ومن قائل يقول: كانوا سبعمائة ألف. إلى غير ذلك. وإنهم جمعوا حبالهم وعصيّهم وكان موعدهم يوم الزينة وهو عيد كان لهمفلما اجتمعوا ألقوا ما في أيديهم فإذا حيات كأمثال الجبال قد ملأت الوادي تركببعضها بعضًا {فَأوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةَ مُوسَى}. فأوحى إليه: أن ألق عصاك فألقاها فتلقفت جميع ما صنعوا حتى ما يرىفي الوادي شيء ثم أخذها موسى فإذا هي عصاه فخرت السحرة سجدًا فواعدهم فرعون بالقتلفقالوا: {فَاقْض مَا أنْتَ قَاضٍ}. فرجع مغلوبًا وأبى إلا التمادي في الكفر. قال ابن عباس: كانوا في أول النهار سحرة وفي آخره شهداء. ذكر الآيات التي أرسلت على قوم فرعون لما فرغ من أمر السحرة ولميؤمن فرعون أرسلت عليه الآيات. وقد زعم السدي أن الآيات أرسلت قبل لقاء السحرة. فأما الأولى الطوفان: وهو المطر أغرق كل شيء لهم. وقيل: بل ماء فاض على وجه الأرض ثم ركد فلم يقدروا أن يعملواشيئًا فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك يكشفه عنا ونحن نؤمن بك فدعا فكشفه فنبتتزروعهم فقالوا: ما يسرنا أننا لم نمطر فبعث اللهّ عليهم الجراد فأكل حروثهموزروعهم حتى أكل مسامير الأبواب فسألوا موسى أن يدعو ربه فدعا فكشفه فلم يؤمنوافبعث اللهّ عليهم القمل والدبا فلحس الأرض كلها وكان يأكل لحومهم وطعامهم ومنعهمالنوم والقرار فسألوا موسى أن يدعو ربه أن يكشفه وقالوا: نؤمن فدعا فكشفه فلميؤمنوا فأرسل اللّه عليهم الضفاع فملأت البيوت والأطعمة والأواني فقالوا: اكشفذلك فكشفه فلم يؤمنوا فأرسل عليهم الدمٍ وكان الإسرائيلي يأتي والقبطي يستقيان منماء واحد فيخرج ماء هذا القبطي دمًا ويخرج للإسرائيلي ماء فسألوا موسى فدعا فكشففلم يؤمنوا. قال ابن عباس: مكث موسى في آل فرعون بعد ما غلب السحرة عشرين سنةيريهم الآيات: الجراد والقمل والضفا دع والدم. قال علماء السير: ثم ان اللّه تعالى أوحى إلى موسى وأخيه أن يقولاقولًا لينًا فقال له موسى: هل لك في أن أعطيك شبابك ولا تهرم وملكك فلا ينزع منكفإذا مت أدخلت الجنة وتؤمن بي فقال: كما أنت حتى يأتي هامان فلما جاء أخبره فعجزهوقال: تعبد بعد ما كنت ربًا فخرج فقال: {أنَا رَبُّكُمُالأعْلَى}. قال السدي: بين هذه الكلمة وبين قوله: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْإِلهٍ غَيْرِي}. أربعون سنة. ثم قال له قومه: {أتَذَرُ مُوسَىوَقَوْمَه لِيُفْسدوا فِي الأرْض وَيَذَرك وَآلِهَتَك}. فقال: {سَنُقَتَلُ أبْنَاءَهُمْ}. فأعاد القتل على الأبناء وحتمًا إذ علم أنه لا يقدرعلى قتل موسى. ذكر مؤمن آل فرعون كان هذا المؤمن يكتم إيمانه فإذا هموا بقتل موسىجادل عنه وقال: " أتَقْتُلُونَ رَجُلًا أنْ يَقُولَ رَبي اللًهُ ". قال قتادة: كان قبطيًا من قوم فرعون فنجى مع موسى. قال شعيب الجبائي: إنه سمعان وقيل: سمعون وقيل شمعان وشمعونبالشمين المعجمة. وقال مقاتل: حزقيل. وممن آمنت بموسى آسية قال أبو هريرة: ضرب فرعون لامرأته أوتارًافي يديها ورجليها وكانوا إذا تفرقوا عنها أظلتها الملائكة فقالت:{رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَبَيْتًا فِي الْجنَّهِّ} فكشف اللهّ لها عن بيتها في الجنة حتى رأتهقبل موتها. أخبرنا ابن الحصين أخبرنا ابن المذهب أخبرنا أحمد بن جعفر حدثنا عبدالله بن أحمد قال: حدثنا أبي حدثنا يونس حدثنا داود بن أبي الفرات عن عليا عنعكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم: " أفضل نساء أهلالجنة: خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنتَ عمران وآسية ابنة مزاحم امرأةفرعون ". وممن آمن ماشطة ابنة فرعون أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد القزاز أخبرناعبد الصمد بن على بن المأمون أخبرنا عبد الله بن محمد بن حبان أخبرنا البغوي أخبرناأبو نصر التمار حدثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباسأن رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم لما أسري به مرت به رائحة طيبة فقال: يا جبريلما هذه الرائحة قال: ماشطهَ ابنة فرعون كانت تمشطها فوقع المشط من يدها فقالت:بسسم اللّه فقالت بنت فرعون: أبي قالت: بل ربي ورب أبيك قالت: أخبر بذلك أبيقالت: نعم فأخبرته فدعا بها فقال: من ربك. قالت: ربي وربك اللّه الذي في السماء فأمر فرعون نقرة من نحاسفأحمت ودعا بها وبولدها فقالت: إن لي إليك حاجة قال: وما هي قالت: تجمعبعظامي وعظام ولدي فتدقها جميعًا قال: ذلك لك علينا من الحق قال: فألقى ولدهاواحدًا واحدًا حتى إذا كان آخر ولدها كان صبيًا مرضعًا قال: اصبري يا أماه فإنكعلى الحق قال: ثم ألقيت مع ولدها يتبع<<< |
أموت ويبقى ما كتبته ** فيا ليت من قرا دعاليا عسى الإله أن يعفو عني ** ويغفر لي سوء فعاليا قال ابن عون: "ذكر الناس داء،وذكر الله دواء" قال الإمام الذهبي:"إي والله،فالعجب منَّا ومن جهلنا كيف ندع الدواء ونقتحم الداءقال تعالى : (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) ولكن لا يتهيأ ذلك إلا بتوفيق الله ومن أدمن الدعاءولازم قَرْع الباب فتح له" السير6 /369 قال العلامة السعدي:"وليحذرمن الاشتغال بالناس والتفتيش عن أحوالهم والعيب لهم فإن ذلك إثم حاضر والمعصية من أهل العلم أعظم منها من غيرهم ولأن غيرهم يقتدي بهم. ولأن الاشتغال بالناس يضيع المصالح النافعة والوقت النفيس ويذهب بهجة العلم ونوره" الفتاوى السعدية 461 |
12-25-2015 | #12 |
|
رد: كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (رائع) قصة الغرق ثم أن اللّه تعالى أمر موسى أن يخرج ببني إسرائيل وأوحى إليه: {أن أسْرِبِعِبَادِي}. فأمر موسى بني إسرائيل أن يستعيروا الحلي من القبط فخرجوأ ليلًا وهمستمائة ألف وعشرون ألفًا وخرج موسى ومعه تابوت يوسف عليه السلام لما خرفي ليدفنه معآبائه في الأرض المقدسة. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا الحسنبن زكريا أخبرنا عبد الباقي بن قانع أخبرنا أبو الغوث طيب بن إسماعيل العجلي حدثناأحمد بن عمران الأخنسي حدثنا ابن فضيل حدثنا يونس بن عمرو عن أبي بردة عن أبي موسىأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ بأعرابي فأكرمه فقال: " ا أعرابي تعاهدنا" قال: فأتاه فقال: اسأل حاجتك قال: ناقة برحلها وأجير يحملها عليَ. قالها مرتين. قال: " يا أعرابي أعجزت أن تكون " إن موسى لما أراد أن يسيرببني إسرائيل ضل عن الطريق فقال لعلماء بني إسرائيل: ما هذا قالوا: نحننخبرك: إن يوسف عليه السلام لما حضره الموت أخذ مواثيق من اللهّ أن لا نخرج منمصر حتى نخرج عظامه معنا فقال موسى: وأيكم يدري أين قبر يوسف. قالوا: ما تدري إلا عجوز في بني إسرائيل فأرسك إليها فقالت:واللهّ لا أقول حتى تعطيني حكمي قال: وما حكمك قالت: حكمي أن أكون معك في الجنةفقيل له: أعطها فأتت مستنقع ماء فقالت: أنضبوا هذا الماء فلما أنضبوه قالت:احفروا ها هنا فاحتفروا فبدت عظام يوسف فلما أقلوها من الأرض بان لهم الطريق مثلضوء النهار. قال علماء السير: وكان لموسى حين خرج من مصر ثمانون سنة ويقال:ان بين مولد إبراهيم إلى خروج موسى ببني إسرائيل من مصر خمسمائة وخمس سنين وأن منهبوط آدم إلى خروج موسى ببني إسرائيل من مصر ثلاثة آلاف سنة وثمانمائة وأربعينسنة. ودعا موسى حين خرج فقال: {رَبًنَا اطْمِسْ عَلَىأمْوَالِهِمْ} فجعلت دراهمهم ودنانيرهم حجارة حتى الحمص والعدس والجوزفلما خرجوا ألقى على القبط الموت فأصبحوا يدفنونهم فشغلوا عن طلب بني إسرائيل. وقيل: بل علموا في الليل بخروجهم فقال فرعون: لا نتبعهم حتىيصيح الديك فما صاح ديك وكان موسى على الساقة وهارون يقدمهم وتبعهم فرعون علىمقدمته هامان في ألف ألف وستمائة ألف حصان. {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أصْحَابُ مُوسَى إِنَّالَمُدْرَكُونَ} هذا البحر بين أيدينا وهذا فرعون خلفنا قال موسى: {كًلا إِنَ مَعِيَ رَبيسَيَهْدِينِ}. قال قتادة: ذكر لنا أن مؤمن آل فرعون كان بين يدي موسى وكانيقول: أين أمرت يا نبي اللّه أن تنزل فيقول: أمامك فيقول: وهل أمامى إلاالبحر فيقول: ما كذبت ولا كذبت. فأوحى اللّه إلى موسى: اضرب بعصاك البحر فأوحى إلى البحر: إذاضربك موسى فانفلق له فبات البحر يضرب بعضه بعضًا فزعًا من اللّه عز وجل وانتظارًالأمره فضربه فانفلق اثنا عشر طريقًا على عدد الأسباط فسار موسى وأصحابه على طريقيابس والماء قائم بين كل فريقين فلما دخل بنو إسرائيل ولم يبق منهم أحد أقبل فرعونعلى حصان له حتى وقف على شفير البحر فهاب الحصان أن ينفذ فعرض له جبرئيل على فرسأنثى وديق فشمها الفرس فدخل فرعون فدخل قومه وجبرئيل أمامه وميكائيل على فرس خلفالقوم يحثهم يقول: الحقوا بصاحبكم فلما أراد أولهم أن يصعدوا تكامل نزول آخرهمانطبق البحر عليهم فنادى فرعون: " آمنت ". قال ابن عباس: جاء جبرئيل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:يا محمد لو رأيتني وأنا أدس قال العلماء: فقال قوم: إن فرعون لم يغرق فقذفهلبحر حتى رأوه فعرفوه فذلك قوله تعالى: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَبِبَدَنِكَ}. أخبرنا عبد الأول أخبرنا الداودي أخبرنا ابن أعين حدثنا إبراهيم بنخريم حدثنا عبد بن حميد حدثنا إبراهيم بن الحكم قال: حدثني أبي عن عكرمة عن ابنعباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كان أصحاب موسى الذين جاوزواالبحر اثني عشر سبطًا وكان في كل طريق اثنا عشر ألفًا كلهم ولد يعقوب النبي صلىالله عليه وسلم ". ومن الحوادث ان بني إسرائيل مرّوا على قوم يعكفون على أصنامهمفقالوا: يا موسى اجعل لنا إلهًا فأجابهم بما قص اللّه عزوجل في القرآن. ذكر طلبهم للتوبة لما ندموا سألوا قبول التوبة فقيل لهم: {فَتُوبًوا إلَىبَارِئِكُمْ فَآقْتُلُوَا أنْفُسَكُمْ}. فروى عكرمة عن ابن عباس قال: لما أمروا بقتل أنفسهم قالوا: يانبي الله كيف نقتل الأبناء والأخوة فأنزل اللّه تعالى عليهم ظلمة لا يرى بعضهمبعضًا فقتلوا وقالوا: ما آية توبتنا قال: أن يقوم السلاح والسيف فلا يقتلفقتلوا حتى خاضوا في الدماء وصاح الصبيان: يا موسى العفو العفو فبكى موسى فأنزلاللهّ تعالى التوبة وقام السلاح وانكشفت الظلمة عن سبعين ألفًا. قيل: قال قتادة: فجعل اللّه القتل للمقتول شهادة وللحي توبة. هذا يدل على أن الكل ابتلوا. وقال ابن السائب: والمقاتل إنما أمر من لم يعبد أن يقتل العابدينوأن لا يمتنع العابدون من ذلك. وقال أبو سليمان الدمشقي: إنما الخطاب لعبدة العجل وحدهم أمروا أنيقتل بعضهم بعضًا. ومن الحوادث ذهاب السبعين إلى الطور يعتذرون من عبادة العجل ان موسىأخذ من أصحابه جماعة ومضى إلى الطور يعتذرون من عبادة العجل. قال ابن اسحاق: إختار سبعين وقال: انطلقوا فتوبوا مما صنعتموسلوه التوبة على من خلفتم من قومكم صوموا وطهروا وطهروا ثيابكم فخرج إلى طور سيناءلميقات وقّته له ربه فلما وصلوا قال لموسى: اطلب لنا أن نسمع كلام ربنا فذكر قوممن علماء السيرأنهم سمعوا كلام اللّه من الله وليس هذا بصحيح وأي خير يبقى لموسىوإنما هلك القوم لأنهم قالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللّه جَهْرَةً}فصعقوا وماتوا فقام موسى يسأل ربه ويقول: {رَبِّ لَوْ شِئْتَ أهليتهُمْ مِنْقَبْلُ وَإِيايَ} فرد اللّه إليهم أرواحهم فسألوا التوبة لبني إسرائيل من عبادةالعجل فقيل: لا إلا أن تقتلوا أنفسكم. وقد ذكرنا أن السبعين إنما اعتذروا بعد توبة من تاب وقتلهم أنفسهموهذا قول السدي. ومن الحوادث قصة أريحا ان اللّه تعالى أمر موسى وقومه إلى أريحا وهيأرض بيت المقدس. قال السديَ: ساروا حتى إذا كانوا قريبًا منها بعث موسى اثني عشرنقيبًا من جميع أسباط بني إسرائيل ليأتوه بخبر الجبارين فلقيهم رجل من الجبارينيقال له: عاج فأخذ الاثني عشر فجعلهم في حجزته وعلى رأسه حمل حطب فانطلق بهم إلىامرأته فقال: انظري إلى هؤلاء الذين يزعمون أنهم يريدون قتالنا فطرحهم بين يديهاوقال: لأطحنهم برجلي قالت: بل خل عنهم حتى يخبروا قومهم بما رأوا ففعل ذلك. فلما خرج القوم قال بعضهم لبعض: يا قوم إنكم إن أخبرتم بنيإسرائيل خبر القوم رجعوا عن نبي اللّه ولكن اكتموا وأخبروا نبي الله فانطلق عشرةمنهِم فأخبروا أهاليهم وكتم رجلان فقال الناس: {إِن فِيهَا قَوْمًا َجبارِينَوَإِنا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتى يَخْرُخوا}. حديث الحجر أنهم لما خرجوا من البحر احتاجوا في طريقهم إلى الماءفاستسقى موسى فأمر أن يضرب بعصاه الحجر وكان حجرًا خفيفًا بقدر رأس الإنسان قالهابن عباس. وعنه أنه كان كذراعين في ذراع. وقال مجاهد: كان ذلك في تيههم. ومن الحوادث إنزال التوراة إنهم طلبوا من موسى أن يأتيهم بكتاب منعند الله فوعده اللّه تعالى ثلاثين ليلة وأتمها بعشر وأعطاه التوراة وأنزل عليه عشرصحائف أيضًا. وفرض اللهّ على موسى صلاتين كل يوم والحج. ومن الاحداث نتق الجبل قال قتادة: تدلوا في أصل الجبل فوقع فوقهمفقال: لتأخذن أمري أو لأرمينكم به. وكان السبب أنهم رأوا تكاليف التوراة ثقيلة فأبوا قبولها فنتقالجبل. قصة العجل وذلك أن جبرئيل جاء إلى موسى على فرس ليذهب به إلى مناجاةربه فرآه السّامري فأنكره. وإسم السامري منجا كذلك ضبطه ابن المنادي. وقال: إن لهذا لشأنًا فأخذ من تربة حافر الفرس فانطلق موسىواستخلف هارون وواعدهم ثلاثين ليلة وأتمها اللّه تعالى له بعشر فوقع في تلك الزيادةزللهم بعبادة العجل. وكان السبب في اتخافه أن هارون قال لهم: يا بني إسرائيل إنالغنيمة لا تحل لكم وإن حلى القبط غنيمة فاجمعوا واحفروا له فادفنوه فإن جاء موسىفأحلها فأخذتموها وإلا كان شيئًا لم تأكلوه. فجمعوه في حفرة فجاء السامري تلك الصفة فألقاها وقال: كن عجلًافصار عجلًا جسدًا له خوار وكان السامري من قوم يعبدون البقر وكان حب ذلك في قلبهفقال لهم: {هَذَا إلهُكُمْ وإلهُ مُوسَى فَنَسِيَ}. يقول: ترك موسى إلهه وذهب يطلبه فعكفوا عليه يعبدونه فقال لهمهارون: {إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ}. وإن اللّه عزوجل أخبر موسى بالقصة بقوله: {فَإِنّا قَدْ فَتَناقَوْمَكَ مِنْ بَعدِكَ}. ثم إن موسى طلب الرؤية بقوله: {رَبِّ أرِنِي أنْظُرْإِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ أنْظُرْ إِلَى الْجَبَل}. فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًا وخر موسى صعقًا فلما أفاق قال: {سُبْحَانَكَتُبْتُ إِلَيْكَ}. فأخذ الألواح ورجع إلى قومه " غَضْبَانًا آسِفًا " لما صنعوافألقى الألواح وأخذ برأس أخيه فاعتذر كما قص اللّه ثم التفت إلى السامري فقال:" فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرُِي ". قال: " بَصَرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ ". فأخذ موسى العجل فذبحه ثم برده بالمبرد وذراه في البحر وندم من عبدالعجل. " مِنهَا " " قَالَ رَجُلاَنِ " وهما اللذان كتما وهما يوشعبن نون وكالب بن يوفنَّه: يا قوم " ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ " فقالو:" إِنا لَنّ نَدْخُلَهَا أبدًا مَا دَامُوا فِيها " فغضب موسى فدعا عليهمفقال: {رَبِّإِني لاَ أمْلِكُ إِلأَ نَفْسِي وَأخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمالفَاسِقِينَ} فقال اللهّ تعالى: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌعَلَيْهِمْ أرْبَعِينَ سَنةً يَتِيهُونَ فِي الأرْض}. فلما ضرب عليهم التيه ندم موسى فقالوا: يا موسى كيف لنا ها هنابالطعام فأنزل اللهّ عليهم المن والسلوى وكان المن يسقط على الشجرة والسلوى طائرفقالوا: أين الشراب فضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا فشرب كل سبطمن عين قالوا: فأين الظل. فظلل اللّه عليهم الغمام قالوا: فأين اللباس. فكانت ثيابهمِ تطول معهم كما تطول الصبيان ولا يتخرق لهم ثوبفأجمعوا ذلك فقالو: {لَنْ نصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادعُ لَنَا رَبًكَيُخْرِجْ لَنَا مِمّا تُنْبِتُ الأرْضُ}. فلما خرجوا من التيه أكلوا البقول. قتل موسى عليه السلام عوج بن عناق حكى أبوجعفر الطبري أن عوجًا عاشألف سنة وإنه التقى بموسى فضرب موسى كعب عوج فقتله. وعناق اسم أبيه وقال وهب بن منبه: بل اسم أمه وكانت من بناتآدم. قال: وولد عوج في زمن آدم وكان جبارًا لا يوصف عظمًا وعمره ثلاثةآلاف سنة وستمائة سنة حتى أدرك موسى وكان الماء في زمان الغرق إلى حجزته وكانيتناول الحوت من البحر فيرفعه بيده في الهواء فيفور في حر الشمس ثم يأكله. وكان سبب هلاكه أنه قطع حجرًا من جبل فجاء به على رأسه ليقلبه علىعسكر موسى فبعث الله طائرًا فنقر الحجر فنزل في عنقه فجاء موسى فضربه بالعصى فيكعبه فقتله. ومن الحوادث ما جرى لبلعام من دعائه على موسى روى محمد بن إسحاق عنسالم بن أبي النضر أنه حدث: أن موسى لما نزل في أرض كنعان من أرض الشام وكانبلعام بقرية من قرى البلقاء فأتى قوم بلعم إلى بلعم فقالوا له: هذا موسى بن عمرانفي بني إسرائيل قد جاء يخرجنا من بلادنا أ ويقتلنا ويُحلُّها بني إسرائيل ويسكنهاوإنا قومك وليس لنا منزل وأنت رجل مجاب الدعوة فادع اللهّ عليهم. فقال: ويلكم نبي اللّه معه الملائكة والمؤمنون فكيف أدعو عليهموأنا أعلم من اللّه ما أعلم. قالوا: ما لنا من منزل فلم يزالوا به يرققونه ويتضرعون إليه حتىفتنوه فافتتن فركب حماره متوجهًا إلى الجبل الذي يطلعه على عسكر بني إسرائيل فماسار عليها غير قليل حتى ربضت به فنزل عنها فضربها حتى أذلقها وأذن الله لها فكلمتهفقالت: ويحك يا بلعم! أين تذهب! ألا ترى الملائكة أمامي تردني عن وجهي هذاأتذهب إلى نبي الله والمؤمنين تدعوعليهم! فلم ينزع عنها يضربها فخلى اللهّ سبيلهاحين فعل بها ذلك. فانطلقت حتى إذا أشرفت به على عسكر موسى وبني إسرائيل جعل لا يدعولقومه بخير إلا صرف لسانه إلى بني إسرائيل. قال: فقال قومه: أتدري يا بلعم ما تصنع إنما تدعو لهم وتدعوعلينا قال: فهذا ما لا أملك هذا شيء قد غلب اللهّ عليه فاندلع لسانه فوقع علىصدره فقال لهم: قد ذهبت الآن مني الدنيا والآخرة فلم يبق إلا المكر والحيلةفسأحتال لكم. جملوا النساء واعطوهن السلع ثم أرسلوهن إلى العسكر يبعنها فيهوأمروهن أن لا تمنع امرأة نفسها من رجل أرادها فإنه إن زنى ففعلوا فوقع رجل منهمعلى امرأة فأرسل اللهّ الطاعون على بني إسرائيل حينئذ فهلك منهم سبعون ألفًا فيساعة وكان فنحاص بن العيزار بن هارون صاحب أمر موسى وكان قد أعطي بسطة في الخلقوقوة في البطش فأخبر خبر الرجل والمرأة فأخذ حربته ثم دخل عليهما القبة وهمامضطجعان شانتظمهما بحربته ثم خرج بهما رافعهما إلى السماء والحربة قد أخذها بذراعهواعتمد بمرفقه على خاصرته وهو يقول: اللهم هكذا نفعل بمن يعصيك. وقد قيل: إن بلعام لما دعى على قوم موسى تاهوا وإن موسى دعا عليهثم حارب أهل بلده بعد خروجه من التيه فأسره وقتله وحارب الكنعانيين وقتل عوج وحاربموسى اليونانيين والمديانيين والأمم الكافرة. وقد حكى أحمد بن جعفر المنادي: أن موسى بعد هلاك فرعون وطىءالشامِ فأهلك ما بها من الكفار وبعث بعثًا إلى الحجاز وأمرهم أن لا يستبقوا منهمأحداَ فقدموها فرزقهم اللّه الظفر فقتلوا العمالقة وكانوا بيثرب حتى انتهوا إلىملكهم الذي كان يقال له: الأرقم قيما فقتلوه وأصابوا ابنًا له شابَاَ لم ير أحسنمنه فضنوا به عن القتل وأجمع رأيهم على أن يسحبوه حتى يقدموا به على موسى فيرى فيهرأيه. فأقبلوا قاعدين به وقبض موسى قبل قدومهم فتلقاهم الناس فأخبروهمالخبر فقالت بنو إسرائيل: خالفتم نبيكم حين استبقيتم هذا لا تدخلوا علينا فحالوابينهم وبين الشام فرجعوا إلى الحجاز فكان ذلك أول سكنى يهود الحجاز فنزلوا المدينةواتخذوا فيها المزراع فمنهم بنوقريظة وبنو النضير الكاهنان نسبة إلى جدهم الكاهن بنهارون بن عمران. ذكر الخضر عليه السلام الخضر قد كان قبل موسى قال الطبري: كان فيأيام أفريدون الملك بن أثفيان. قال: وقيل: إنه كان على مقدمة ذي القرنين الأكبر الذي كان أيامإبراهيم. وذي القرنين عند قوم هو أفريدون وزعم بعضهم انه من ولد من كان آمنبالخليل عليه السلام وهاجر معه من أرض بابل. وقال عبد اللهّ بن شوذب: الخضرمن ولدفارس. وقالت ابن إسحاق: هو من سبط هارون بن عمران. وقول من قال: إنه كان في زمان أفريدون أكثر من ألف سنة والخضرقديم إلا أنه لما كان ذكره لم ينبغ إلا في زمان موسى ذكرناه ها هنا. [IMG]file:///C:\Users\alshamel\AppData\Local\Temp\msohtmlclip1\ 01\clip_image001.gif[/IMG]فصل في اسم الخضر فأما اسم الخضر فقال كعب الأحبار: هو الخضر بن عاميل. وقال ابن إسحاق: اسمه أرمياء وقال أبو جعفر الطبري: إن هذا ليسبصحيح لأن أرمياء كان في أيام بخت نصر وبين عهد موسى وبخت نصر زمن طويل. وقيل: هو الخضر بن ملكان بن فالغ بن عابر بن شالح بن أرفخشد بنسام بن نوح. وقال بعض أهل الكتاب: هو خضرون بن عاميل بن أليفرن بن العيص بنإسحاق وإنه ابن خالة ذي القرنين ووزيره. قال الطبري: إن الخضر هو الولد الرابع من أولاد آدم. فصل لم سمي الخضر وقد اختلف العلماء لم سمى الخضرعلى قولين:أحدهما: أنه جلس على فروة بيضاء فاخضرت والفروة الأرض اليابسة. أخبرنا ابن حصين أخبرنا ابن المذهب أخبرنا أحمد بن جعفر حدثنا عبداللهّ بن أحمد قال: حدثني أبي حدثنا يحيى بن آدم حدثنا ابن المبارك عن معمر عنهمام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنما سمى الخضرخضرًا لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز تحته خضراء ". والثاني: إنه كان إذا جلس اخضر ما حوله. قاله عكرمة. وقال مجاهد: كان إذا صلى اخضر واختلفوا هل كان نبيًا أم لا علىقولين ذكرهما ابن الأنباري. [IMG]file:///C:\Users\alshamel\AppData\Local\Temp\msohtmlclip1\ 01\clip_image001.gif[/IMG]ذكر لقاء موسى الخضر عليهما السلام كان سبب طلب موسى الخضر أن موسى سئل من أعلم أهل الأرض فقال: أناقيل له: لناعبد هوأعلم منك يعني الخضر. أخبرنا عبد الأول بن عيسى أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الداودي أخبرناعبد اللّه بن أحمد بن حموية أخبرنا الفربري حدثنا البخاري حدثنا عبد الله بن محمدحدثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينار قال: أخبرني سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبيّبن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قام موسى خطيبًا في بني إسرائيلفسئل: أي الناس أعلم فقال: أنا أعلم فعتب اللّه عليه إذ لم يرد العلم إليهفأوحى الله إليه: أن عبدًا من عبادي عند مجمع البحرين قال: يا رب كيف لي به قيلله: أحمل حوتًا فتجعله في مكتل فإذا فقدته فهو ثَمَّ. فانطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون وحملا حوتًا في مكتل حتى كاناعند الصخرة ووضعا رؤوسهما فناما فانسل الحوت من المكتل فاتخذ سبيله في البحر وكانلموسى ولفتاه عجبًا فانطلقا بقية ليلتهما ويومهما فلما أصبح قال موسى لفتاه: "آتِنَاغَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ". ولم يجد موسى من النصب حتى جاوز المكان الذي أمر به فقال له فتاه:" رأيْتَ إِذْ أوَيْنَا إِلَى الصَخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الحُوت " قالموسى: " ذلك مَا كنا نَبْغِي فَارتدَا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا " حتىانتهيا إلىِ الصخرة فإذا رجل مسجى بثوب - أو قال بثوبيه - فسلم موسى عليه فقالالخضر: وأنى بأرضك السلام فقال: أنا موسى فقال: موسى بني إسرائيل قال: نعم" هَلْ أتَّبُعِكَ عَلَى أنْ تُعلَمِنِي ممَا عُلَمتَ رُشْدًا " فقال: "إِنَّكَ لَنْتَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا " يا موسى إني على علم من علم اللهّعلمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم علمكه اللهّ لا أعلمه قال: "سَتَجدنِي إِنْ شَاءَ اللهصَابِرًا وَلا أعْصِي لَكَ أمْرًا ". فانطلقا يمشيان على ساحل البحر ليسِ لهما سفينة فمرت بهما سفينةفكلماهم أن يحملوهما فعرفوا الخضر فحملوهما بغي نوْلٍ. فجاء عصفور فوقع على حرف فنقر نقرة ونقرتين من البحر فقال الخضر:يا موسى ما نقص علمي وعلمك من علم اللّه إلا كنقرة هذا العصفور في البحر فعمد الخضرإلى لوح من ألواح السفينة فنزعه فقال موسى: قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهمفخرقتها لتغرق أهلها قال: "ألم أقُلْ إِنكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا "قال: "لاَتؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيت ". وكان الأولى من موسى نسيانًا. فانطلقا فإذا غلام يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه من أعلاهفاقتلع رأسه بيده فقال "فَانْطَلَقَا حَتى إِذَا أتَيَا أهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَاأهْلَهَا فَأبَواْ أنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أنْيَنْقَض " قال الخضر بيده " فَأقَامَه " فقال له موسى: "لَوْ شِئْتَلاتَخَذْتَ عَلَيْهِ أجْرًا " قال: "هَذَا فِرَاقُ بَيْنِيوَبَيْنِكَ ". قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يرحم اللّه موسى لوددنا لو صبرحتى يقص علينا من أمرهما ". أخرجاه في الصحيحين. فصل في اختلاف العلماء في حياة الخضر وموته وقد زعم قوم أن الخضرحيّ إلى الآن واحتجوا بأحاديث لا تثبت وحكايات عن أقوام سليمي الصدور ويقولأحدهم: لقيت الخضر. فأما الأحاديث فمنها ما يروى عن أهل الكتاب أن الخضر كان مع ذيالقرنين وأنه سبق إلى العين التي قصدها ذو القرنين لما وصف له أن من شرب منها خلدفي الدنيا فشرب منها فأعطي الخلد لذلك. ومنها ما أخبرنا به علي بن أبي عمر الدباس قال: أخبرنا علي بنالحسين بن أيوب قال: أخبرنا أبو علي بن شاذان قال: أخبرنا إبراهيم بن محمدالمزكى قال: حدثنا محمد بن إسحاق بن خريم قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن زيدقال: حدثنا عمرو بن عاصم قال: حدثنا الحسن بن رزين عن ابن جريج عن عطاء عن ابنعباس قال: لا أعلمه مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يلتقي الخضروإلياس في كل عام في الموسم فيحلق كل منهما على رأس صاحبه ويتفرقان عن هؤلاءالكلمات: " بسم اللّه ما شاء اللّه لا يسوق الخير إلا اللّه بسم اللّه ما شاءاللّه لايصرف السوء إِلا اللّه ما شاء اللّه ماكان من نعمة فمن الله ما شاء اللّهلا حول ولا قوة إلا باللّه ". ومنها ما روي عن الحسن البصري أنه قال: وكل إلياس بالفيافي ووكلالخضر بالبحور وقد أعطيا الخلد في الدنيا إلى الصيحة الأولى وأنهما يجتمعان في كلموسم في كل عام. ومنها ما أخبرنا به إسحاق بن ابراهيم الختلي قال: حدثني عثمان بنسعيد الأنطاكي قال: حدثنا علي بن الهيثم المصيصي عن عبد الحميد بن بحر عن سلامالطويل عن داود بن يحيى مولى عون الطفاوي عن رجل كان مرابطًا في بيت المقدسوبعسقلان قال: بينا أنا أسير في وادي الأردن إذا أنا برجل في ناحية الوادي قائميصلي فإذا سحابة تظله من الشمس فوقع في قلبي إنه إلياس النبي صلى الله عليه وسلمفأتيته فسلمت عليه فانفتل من صلاته فرد عليّ السلام فقلت: من أنت رحمك الله فلميرد عليّ شيئًا فأعدت القول مرتين فقال: أنا إلياس النبي فأخذتني رعدة شديدة خشيتعلى عقلي أن يذهب فقلت له: إن رأيت رحمك الله أن تدعو لي أن يذهب عني ما أجد حتىأفهم حديثك فدعا لي بثمان دعوات فقال: يا بريا رحيم يا حي يا قيوم يا حنّان يامنّان. فذهب عني ما كنت أجد فقلت: إلى من بعثت قال: إلى أهل بعلبكقلت: فهل يوحى إليك اليوم فقال: منذ بعث محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيينفلا. قلت: فكم من الأنبياء في الحياة قال: أربعة أنا والخضر في الأرضوإدريس وعيسى في السماء قلت: فهل تلتقي أنت والخضر قال: نعم في كل عام بعرفاتقلت: فما حديثكما قال: يأخذ من شعري وأخذ من شعره قلت: فكم الأبدال قال: همستون رجلًا خمسون ما بين عريش مصر إلى شاطىء الفرات ورجلان بالمصيصة ورجلانبأنطاكية وسبعة في سائر الأمصار تسقون بهم الغيث وبهم ينصرون على عدوهم وبهم يقيماللّه أمر الدنيا حتى إذا أراد أن يهلك الدنيا أماتهم جميعًا. وقد روي أنه كان في زمن نبينا صلى الله عليه وسلم وروا من حديث عليعن النبي صلى الله عليه وسلم إثبات حياة الخضر. ومن حديث أنس أن رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم بعثه إلى الخضروقال: ادع لرسول اللهّ. وإن أبا بكر وعمر وعثمان وعليًا وابن عمر أثبتوا وجوده وإنه رآه عمربن عبد العزيز ورواه مسلمة ورباح بن عبيدة كلاهما عن عمر بن عبد العزيز. قالوا: ورآه إبراهيم التيمي وإبراهيم بن أدهم وأحمد بن حنبل. وكل هذه الأحاديث لا تثبت والحديث الذي ذكرناه عن ابن عباس فيهالحسن بن زيد قال العقيلي: هو مجهول. وفي الحديث الثاني السلام بن الطويل قال يحيى: ليس بشيء. وقال البخاري والرازي والنسائي والدارقطني: هو متروك الحديث. وقال ابن حيان: يروي الموضوعات كأنه المعتمد لها. قال: وعبد الحميد بن بحر لا يحل الاحتجاج به بحال وداود مجهولوالرجل المرابط لا يدرى من هو. وقد روى مسلمة بن مصقلة إنه رأى إلياس وجرى له معه نحو ما سبق. وربما ظهر الشيطان لشخص فكلمه وربما قال بعض المتهمين لبعض أناالخضر وأعجب الأشياء أن يصدق القائل أنا الخضر وليس لنا فيه علامة نعرفه بها وقدجمعت كتابًا سميته عجالة المنتظر بشرح حال الخضر وذكرت فيه هذه الأحاديث والحكاياتونظائرها وبينت خطأها فلم أر الإطالة بذلك ها هنا. قال أبو الحسين بن المنادي ونقلته من خطه. عن تعمير الخضر وهل هو باق في الدنيا أم لا فإذا أكثر المغفلينمغرورون بأنه باق من أجل ما قد روي وساق بعض ما قد ذكرنا ثم قال: أما حديث أنسفواه بالوضاع وأما خبر ابن عباس فضعيف بالحسن بن رزين وأما قول الحسين فمأخوذ عنغير أهل ملتنا مربوط بقول بعضهم أن الخضر شرب من العين التي قصدها ذوي القرنينموصول بما قيل إنه الرجل الذي يقتله الدجال والمسند من ذلك إلى أهل الذمة فساقطلعدم ثقتهم. وخبر مسلمة فكلا شيء وخبر رياح كالرياح ثم مد اللّه على السري وضمرةعفى الله عنهما. وأين كان الخضر عن تبشيرأبي بكر وعمر رضي الله عنهما بالخلافة. وهذه الأخبار واهية الصدور والأعجاز لا تخلو في حالها من أحدأمرين: إما أن تكون أدخلت من حديث بعض الرواة المتأخرين استغفالًا. وإما أن يكون القوم عرفوا حالها فرووها على وجه التعجب فنسبت إليهمعلى سبيل التحقيق. قال: والتخليد لا يكون لبشر لقول اللهّ عز وجل لنبيه محمد صلىالله عليه وسلم: " وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإين مت فهم الخالدون ". وأهل الحديث يتفقون على أن حديث أنس منكر الإسناد سقيم المتن بينفيه أثر الصنعة وأن الخضر لم يراسل نبينا ولم يلقه ولم يكن ممن عرض عليه ليلةالإسراء ولم يدركه ذكر في عهده بالبقاء ولو انه كان في عدد الأحياء حينئذ لما وسعهالتخلف عن لقاء رسول اللهّ صلى الله عليه وسلم والهجرة إليهً. قال: وما أعجب إغراء أهل الضعف بذكر الخضر وإلياس والمعنى منهمبذلك المنتسبون إلى رؤية الأبدال ومشاهدة الآيات. قال: وقد أخبرني بعض أصحابنا أن إبراهيم الحربي بن إسحاق سئل عنتعمير الخضر فأنكر ذلك وقال: هو متقادم الموت. قال وروجع غيره في تعميره وأن طائفة من أهل زماننا يرونه ويروون عنهنقال: من أحال على غائب حي أو مفقود ميت لم ينتصف منه وما ألقى ذكر هذا بين الناسألا الشيطان. قال: فإن قيل: هذا هامة بن الهيم وزريب بن برثملا معمران قيل:ومن صحح لهما وجادة حتى يكون لهما تعمير ولو أنهما معروفان لكان سبيلهما في التخليدسبيل سائر البشر بل هذان حديثان دسا إلى مغفلين فرووهما بلا تفقد ولا تمييز. فإن قيل: هذا هاروت وماروت وإبليس باقون إلى يوم القيامة. قيل: ليس هؤلاء بشرًا ولو كانوا بشرًا لما نص القرآن على تخليدهمولما أنكر ذلك مؤمن. وتخليد إبليس ثابت بقوله: ماله "فإنك من المنظرين إلى يومالوقت المعلوم ". وتخليد الملكين بقوله: "وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنأحَدٍ حَتَّى يقولا إنمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ ". وهذا لا يكون إلا على الدنيا على عذاب الآخرة فأعطيا ما سألا. فأما بقاء الدجال الأعور فليس ذلك بالطويل لأنه ولد بالمدينة في عهدرسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثم يحيا إلى نزول المسيح عيسى فيقتله. قال: فقد صح لما بينا أن الخضر عبد من عباد اللّه نصب لموسى لأمرأراده اللّه وقد مضى لسبيله فليعرف ذلك وإن سمع من جاهل خلاف ذلك فلا يمارين لأنالمراء في ذلك نقص زادنا اللّه وإياكم فهمًا. هذا آخر كلام أبي الحسين المنادي ومن خطه نقلته. وقد روى أبو بكر النقاش: أن محمد بن اسماعيل البخاري سئل عن الخضروإلياس هل هما في الأحياء فقال: كيف يكون ذلك وقد قال النبي صلى الله عليهوسلم: " لا يبقى على رأس مائة سنة ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد ". فصل في ذكر قارون وسلبه كل مكنون ومخزون قال ابن جريج: كان قارونابن عم موسى أخي أبيه فهو قارون بن يصهر بن قاهث وموسى بن عمران بن قاهث. وكذلك قال إبراهيم النخعي: كان ابن عمه. وقال ابن إسحاق: قارون عم موسى قال قتادة: كان يسمى المنور منحسن صورته ولكنه نافق كما نافق السامري فأهلكه البغي. وروى الأعمش عن خيثمة قال: كانت مفاتيح كنوز قارون من جلود كلمفتاح مثل الإصبع كل مفتاح على خزانة على حدة فإذا ركب حملت المفاتيح على ستينبغلًا. واختلفوا في قوله تعالى: "فَبَغَىعَلَيْهِمْ ": فقال ابن عباس: جعل لبغية جعلًا على أن تقذف موسىبنفسها ففعلت فاستحلفها موسى ما على ما قالت فأخبرته الحال. وقال الضحاك: بغى بالكفر وقال قتادة بالكبر. وقال عطاء الخراساني: زاد في طول ثيابه شبرًا. فوعظه قومه فكان جوابه "إنَّمَا أوتِيتُهُ علَىعِلْمٍ عِنْدِي ". قال قتادة: على خير عندي وقال غيره لولا رضى الله عنَي ما أعطانيهذا فقال تعالى: " أولَمْ يَعْلَمْ أنَ اللّهَ قَدْ أهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَالْقُرُونِ مَنْ هُوَأشَدُّ مِنْهُ قوَةً وَأكْثَرُ جَمْعا " للأمو ال. والمعنى: لو كان اللهّ إنما يعطي الأموال من يعطيه لرضاه عنهوفضله عنده لم يهلك أرباب الأموال الكثيرة. فوعظه قومه فلم تزده العظة إلا بغيًا حتى خرِج على قومه في زينتهوكان راكب برذون أبيض مسرج بسرج الأرجوان قد لبس ثيابًا معصفرة وحمل معه ثلاثمائةجارية بمثل هيئته وزينته وأربعة آلاف من أصحابه. وقيل: حمل معه ثلاثمائة جارية بمثل هيئته وتسعين ألفًا منأصحابه. قال مجاهد: فخرجوا على براذين بيض عليها سروج الأرجوان عليهمالمعصفر. قال ابن عباس: لما نزلت الزكاة أتى قارون موسى فصالحه على كل ألفدينار دينارًا وعن كل ألف درهم درهمًا وعن كل ألف شاة شاة وعن كل ألف شيء شيئًا. ثم أتى إلى منزله فحسبه فوجده كثيرًا فجمع بني إسرائيل وقال: إنموسى قد أمركم بكل شيء فأطعتموه وهو الان يريد أن يأخذ من أموالكم فقالوا: أنتكبيرنا فمرنا بما شئت فقال: آمركم أن تجيئوا بفلانة البغيّ فتجعلوا لها جعلًافتقذفه بنفسها. ففعلوا ثم أتاه قارون فقال: إن قومك قد اجتمعوا لتأمرهم وتنهاهمفخرج فقال: يا بني إسرائيل من سرق قطعنا يده ومن افترى جلدناه ثمانين ومن زناوليست له امرأة جلدناه مائة فإن كانت له امرأة جلدناه حتى يموت فقال لهقارون:وإن كنت أنت قال: وإن كنت أنا قال: فإن بني إسرائيل يزعمون إنك فجرت بفلانةقال: ادعوها فلما جاءت قال موسى: يا فلانة أنا فعلت ما يقول هؤلاء قالت: لاكذبوا ولكن جعلوا إليَّ جعلًا على أني قد أقذفك بنفسي فسجد فأوحى اللّه إليه: مُرالأرض بما شئت قال: يا أرض خذيهم فأخذتهم هكذا. روي عن ابن عباس انه قال: فأخذتهم وقال غيره: أخذت قارونوأصحابه. وروى علي بن زيد بن جدعان عن عبد اللّه بن الحارث قال: جاء موسىإلى قارون فدخل عليه فقال: يا موسى ارحمني فقال: يا أرض خذيهم فاضطربت دارهوساخت وخسف بقارون وأصحابه. قال قتادة: ذكر لنا أنه يخسف به كل يوم قدر قامة وأنه يتجلجل فيهاإلى يوم القيامة. فصل: في ذكر قتيل بني إسرائيل روى السدي عن أشياخه قال: كان رجلمن بني إسرائيل مكثرًا من المال وكانت له بنت وكان له ابن أخ محتاج فخاطب إليه ابنأخيه ابنته فأبى أن يزوجه فغضب الصبي وقال: واللهّ لأقتلن عمي ولآخذن مالهولأنكحن ابنته ولآكلن ديته. فأتاه الفتى فقال له: يا عم قد قدم تجار في بعض أسباط بني إسرائيلفانطلق معي فخذ لي من تجارة هؤلاء القوم لعلِّي أصيب فيها فإنهم إذا رأوك معيأعطوني. فخرج العم مع الفتى ليلًا فلما بلغ ذلك السبط قتله الفتى ثم رجع إلىأهله فلما أصبح جاء كأنه يطلب عمه لا يدري أين هو وإذا هو بذلك السبط مجتمعين عليهفأخذهم وقال: قتلتم عمي فأدوا إلي ديته وجعل يبكي ويحثو التراب على رأسهوينادي: واعمّاه. قال أبو العالية: وأتى القاتل إلى موسى فقال: إن قريبي قتل ولاأجد من يبيِّن لىِ من قتله غيرك. فنادى موسى في الناس: أنشدكم اللّه من كان عنده من هذا القتيل علمإلا بينه لنا فلم يكن عندهم علم فأقبل القاتل على موسى وقال: أنت نبي اللهّ فأسألالله أن يبين لنا. فسأل ربه فأمره بذبح البقرة. أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد اللّه بن حبيب قال: أخبرنا علي بنالفضل قال: أخبرنا محمد بن عبد الصمد قال أخبرنا عبد اللّه بن أحمد بن حمويهقال: أخبرنا أحمد بن حمويه قال: أخبرنا إبراهيم بن خريم قال: حدثنا عبدالحميد بن حميد قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد الكريم قال: حدثني عبد الصمد بنمعقل أنه سمع وهبًا يقول: إن فتى من بني إسرائيل كان برًا بوالدته وكان يقوم ثلثالليل يصلي ويجلس عند رأس والدته ثلث الليل فيذكرها التسبيح والتكبير والتهليلوالتحميد ويقول: يا أماه إن كنت ضعفت عن قيام الليل فكبري اللهّ وسبحيه وهلليهوكان ذلك عملهما الدهر كله فإذا أصبح أتى الجبل فاحتطب على ظهره فيأتي به السوقفيبيعه بما شاء اللهّ أن يبيعه فيتصدق بثلثه ويبقي لعبادته ثلثًا ويعطي الثلث أمهفكانت أمه تأكل النصف وتتصدق بالنصف فكان ذلك عملهما الدهر. فلما طال ذلك عليهما قالت: يا بني اعلم إني ورثت من أبيك بقرةوختمت عنقها وتركتها في البقر على اسم اللهّ إله ابراهيم واسحاق ويعقوب وسأبين لكما لونها وهيئتها فادعها باسم إله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وإن علامتها أنهاليست بهرمة ولا فتية غير أنها بينهما وهي صفراء فاقع لونها تسر الناظرين إذا نظرتإلى جلدها خيل إليك ان شعاع الشمس يخرج من جلدها وليست بالذلول لونها واحد فإذارأيتها فخذ عنقها فأزلها تتبعك بإذن إله إسرائيل. فانطلق الفتى وحفظ وصية والدته وسار في البرية يومين أوثلاثة ثم صاحبها وقال: بإله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعَقوب إلا ما أتيتيني فأقبلت البقرةإليه وتركت الرعي وقامت بين يدي الفتى. فأخذ بعنقها فتكلمت البقرة وقالت: يا أيها الفتى البر بوالدتهاركبني فقال الفتى: لم تأمرني والدتي أن أركب عليك ولكنها أمرتني أن أسوقك فأحبأن أتبع قولها قالت: وإله إسرائيل لو ركبتني ما كنت لتقدر علي فانطلق أيها الفتىالبر بوالدته فإنك لو أمرت هذا الجبل أن ينقلع من أصله لاقتلع لبرك بوالدتك وطاعتكإلهك. فانطلق فطار طائر من بين يديه فاختلس البقرة فدعاها بإله إبراهيمفأقبلت وقالت: إن الطائر إبليس اختلسني فلما ناديتني جاء ملك من الملائكةفانتزعني منه فردني إليك لبرك بوالدتك وطاعتك إلهك. فدخل الفتى إلى أمه فأخبرها بالخبر فقالت: يا بني إني آراك تحتطبعلى ظهرك فاذهب بهذه البقرة فبعها وخذ ثمنها وتقوبه فقال: بكم أبيعها. قالت: بثلاثة دنانير على رضى مني. فانطلق إلى السوق فبعث اللهّ ملكًا من الملائكة فقال للفتى: بكمتبيعها. قال: بثلاثة دنانير على رضى من والدتي قال: لك ستة دنانير ولاتستأمر والدتك قال: لو أعطيتني زنتها لم أبيعها حتى أستأمرها. فخرج الفتى فأخبر والدته الخبر فقالت: بعها بستة دنانير على رضىمني. فانطلق فأتاه الملك وقال: ما فعلت. فقال: أبيعها بستة دنانير على رضى من والدتي فقال: فخذ اثني عشردينارًا ولا تستأمرها قال: لا. فانطلق إلى أمه فقالت: يا بني إن الذي يأتيك ملك من الملائكة فيصورة آدمي فإذا أتاك فقل له: إن والدتي تقرأ عليك السلام وتقول: بكم تأمرني أنأبيع هذه البقرة. فقال له الملك: أيها الفتى يشتري بقرتك هذه موسى بن عمران لقتيليقتل في بني إسرائيل فاشتروها منه على أن يملأوا له جلدها دنانير فعمدوا إلى جلدهافملأوه دنانير ثم دفعوه إلى الفتى. فعمد الفتى فتصمق بالثلثين على الفقراء من بني إسرائيل وتقوّىبالثلث. يتبع<<< |
أموت ويبقى ما كتبته ** فيا ليت من قرا دعاليا عسى الإله أن يعفو عني ** ويغفر لي سوء فعاليا قال ابن عون: "ذكر الناس داء،وذكر الله دواء" قال الإمام الذهبي:"إي والله،فالعجب منَّا ومن جهلنا كيف ندع الدواء ونقتحم الداءقال تعالى : (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) ولكن لا يتهيأ ذلك إلا بتوفيق الله ومن أدمن الدعاءولازم قَرْع الباب فتح له" السير6 /369 قال العلامة السعدي:"وليحذرمن الاشتغال بالناس والتفتيش عن أحوالهم والعيب لهم فإن ذلك إثم حاضر والمعصية من أهل العلم أعظم منها من غيرهم ولأن غيرهم يقتدي بهم. ولأن الاشتغال بالناس يضيع المصالح النافعة والوقت النفيس ويذهب بهجة العلم ونوره" الفتاوى السعدية 461 |
12-25-2015 | #13 |
|
رد: كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (رائع) فصل: في ذكر أن بني إسرائيل آذوا موسى فنسبوه إلى الآدر إن قومًا من بني إسرائيل عابوا موسى لكونه يغتسل مؤتزرًا فقالوا إنهآدر. والآدر: العظيم الخصيتين. حدثنا عبد الأول بن عيسى قال: أخبرنا الداودي قال: أخبرنا ابنأعين السرخسي قال: حدثنا الفربري حدثنا البخاري قال: حدثنا إسحاق بن نصر قال:حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليهوسلم قال: " كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض وكان موسى يغتسلوحده فقالوا: واللّه ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر. فذهب مرة يغتسل فوضع ثوبه على حجر ففر الحجر بثوبه فجمع موسى فيأثره يقول: ثوبي يا حجر ثوبي يا حجر حتى نظرت بنو إسرائيل إلى موسى عليه السلاموقالوا: والله ما بموسى من بأس وأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضربًا ". قال أبوهريرة: واللّه إنه لندب بالحجر ستة أو سبعة ضربًابالحجر. أخرجاه في الصحيحين. فإن قيل: كيف خرج موسى عريانًا حتى رآه الناس. فيحتمل وجهين أحدهما: انه خرج وليس هناك أحد فرأوه. والثاني: انه كان عليه مئزر والإزرة تبين تحت الثوب المبتلبالماء. [IMG]file:///C:\Users\alshamel\AppData\Local\Temp\msohtmlclip1\ 01\clip_image001.gif[/IMG]ذكر الملوك في زمان موسى عليه السلام إن أول ملك من ملوك اليمن ملك كان لهم في زمان موسى من حمير يقالله: شميربن الأهلوك. وهو الذي بنى مدينة ظفار باليمن وأخرج من كان بها من العماليق وإنهذا الملك الحميري كان من عمال ملوك الفرس يومئذ على اليمن ونواحيها. ومن الحوادث في زمانه احتراق ابني هارون قال وهب بن منبه:. كان يسرج في بيت المقدس ألف قنديل وكان يخرج زيتًا من طور سيناء مثلعنق البعيرحتى يصب في القنديل ولا يمس بالأيدي وكانت تنحدر نار من السماء بيضاءفيسرج بها وكان يلي السراج ابنا هارون. فأوحى اللّه تعالى إليهما: أن لا تسرجا بنار الدنيا فابطأت النارعنهما عشية فعمدا إلى نار من نار الدنيا فأسرجا بها فانحدرت النار فأحرقتهما. فخرج الصريخ إلى موسى فخرج إلى الموضع الذي كان يناجي فيه ربهفقال: أي رب ابنا هارون أخي قد علمت منزلتهما مني فانحدرت النار فاحرقتهماوناداه: يا موسى هكذا أفعل بأوليائي إذا عصوني فكيف أفعل بأعدائي. ومن الحوادث موت هارون في زمان موسى عليهما السلام روى السدي عنأشياخه: إن اللهّ تعالى أوحى إلى موسى: إني متوف هارون فأتى به جبل كذا كذافانطلق موسى وهارون نحو الجبل فإذا هما فيه بشجرة لم ير شجر مثلها وإذا هما ببيتمبني وإذا هما فيه بسرير عليه فرش وإذا فيه ريحٌ طيبة. فلما نظر هارون إلى ذلك الجبل والبيت وما فيه أعجبه فقال: يا موسىإني لأحب أن أنام على هذا السرير فقال له موسى: فنم عليه قال إني أخاف أن يأتي ربهذا البيت فيغضب عليّ فقال له موسى: لا ترهب أنا أكفيك رب هذا البيت فنم فقال:يا موسى نم معي. فناما فأخذ هارون الموت فلما قُبِض رفع ذلك البيت وذهبت تلك الشجرةورفع السرير به إلى السماء فلما رجع موسى إلى بني إسرائيل وليس معه هارون قالوا:إن موسى قتل هارون وحسده على حب بني إسرائيل له وكان هارون أكف عنهم وألين لهم منموسى وكان في بعض الغلظ عليهم. فلما بلغه ذلك قال لهم: ويحكم أترونني أقتل أخي فلما أكثروا عليهقام فصلى ركعتين ثم دعا اللهّ فنزل بالسرير حتى نظروا إليه من السماء والأرضفصدقوه. وقال عمرو بن ميمون: مات موسى وهارون في التيه مات هارون قبل موسىوكانا أخرجا في التيه إلى بعض الكهوف فمات فدفنه موسى وانصرف إلى بني إسرائيلفقالوا: ما فعل هارون. قال: مات قالوا: لكنك قتلته لحبنا إياه. فشكى موسى ما لقي من بني إسرائيل فأوحى اللهّ إليه: أن انطلق بهمإلى موضع قبره فإني باعثه حتى يخبرهم أنه مات موتًا. فانطلق بهم إلى قبر هارون فنادى: يا هارون فخرج من قبره ينفض رأسهفقال: أنا قتلتك قال: لا والله ولكني مت قال: فعد إلى مضجعك. قال الحسن: مات هارون وهو ابن مائة وثماني عشرة سنة قبل موسىبثلاث وفي التوراة: ان هارون مات وهو ابن عشرين ومائة سنة وكانت وفاته فيالتيه. ومن الآحداث وفاة موسى عليه السلام قال السدي عن أشياخه: بينماموسى يمشي ويوشع فتاه إذ أقبلت ريح سوداء فلما نظر إليها يوشع ظن أنها الساعةفالتزم موسى وقال: يا قوم الساعة وأنا ملتزم موسى نبي اللّه فاستل موسى من تحتالقميص وترك القميص في يدي يوشع فلما جاء يوشع بالقميص أخذته بنو إسرائيل وقالوا:قتلت نبي اللّه قال: لا والله ما قتلته ولكنه استًل مني فلم يصدقوه وأرادواقتله. قال: فإذا لم تصدقوني فأخروني ثلاثة أيام. فدعا الله فأتى كل رجل ممن كان يحرسه في المنام فأخبر أن يوشع لميقتل موسى وأنا قد رفعناه إلينا فتركوه ولم يبق ممن أبى أن يدخل قرية وزعم ابنإسحاق: أن موسى كان قد كره الموت وأعظمه فأراد اللّه أن يحبب إليه الموت ويكرهإليه الحياة فنبي يوشع وكان يغدو عليه ويروح فيقول له موسى: يا نبي الله ما أحدثالله إليك. فيقول له يوشع: يا نبي اللهّ ألم أصحبك كذا وكذا سنة فهل كنتأسألك عن شيء مما أحدث اللهّ إليك حتى تكون أنت الذي تبتدئء به وتذكره فلا يذكر لهشيئًا. فلما رأى ذلك موسى كره الحياة وأحب الموت. وكذلك قال محمد بن كعب القرظي: كان تحويل النبوة إلى يوشع بن نونقبل موت موسى وكان يختلف يوشِع إلى موسى غدوة وعشية فيقول له موسى: يا نبي اللّههل أحدث إلله إليك اليوم شيئاَ. فيقول له يوشع: يا صفي اللّه صحبتك من كذا وكذا سنة فهل سألتك عنشيء يحدثه اللّه إليك حتى تكون أنت الذي تبتدئه لي. فلما رأى موسى الجماعة عند يوشع أحب الموت. قال أبو الحسين بن المنادي: هذه العبارة توهم بعض الأغبياء أنموسى غاظه ما رأى فأحب الموت إذ ضاق ذرعًا بالذي أبصر من منزلة يوشعِ حين علت. وليس كذلك إنما أحب موسى الموت لما رأى له خلفًا في أمته كافيًايقوم مقامه فيهم فاستطاب حينئذ الموت لما وصفنا لا غير. وأما إستجابة يوشع وامتناع يوشع من إفشائه ما يكون من اللّه إليهفلم يك من باب التعزز من يوشع ولا من حبه الاقتصار من موسى إليه بل هو من استخبارموسى يوشع هل بلغ حد الأمناء الذين يكتمون ما يجب كتمه عن أقرب الناس إليهم وأعزهمعليهم فلما ألفى يوشع بالغًا هذه المرتبة لم يشك في نهوضه بالوحي واستمكانه منالحال التي أهل لها فهذا الذي صار موسى إلى السؤال. ويدل على هذا ما روي عن الحسن أنه قال: لما ودع موسى أهله وولدهأرسل إلى يوشع فاستخلفه على الناس قال: وكان موسى إنما يستظل في عريش ويأكل ويشربفي نقير من حجر تواضعًا للّه عز وجل حين أكرمه بكلامه. قال وهب: ذكر لي أنه كان من أمر وفاته انه أخرج يومًا من عريشهذلك لبعض حاجته فمر برهط من الملائكة يحفرون قبرًا فعرفهم فأقبل إليهم حتى وقفعليهم فإذا هم يحفرون قبرًا لم ير شيئًا أحسن منه ولم ير مثل ما فيه من الخضرةوالنضرة والبهجة فقال لهم: يا ملائكة اللّه لم تحفرون هذا القبر. قالوا: نحفره واللّه لعبد كريم على اللّه قال: إن هذا العبد مناللّه لبمنزلة ما رأيت كاليوم مضجعًا قالت الملائكة: يا صفي اللّه أتحب أن يكونلك. قال: وددت قالوا: فانزل فاضطجع فيه وتوجه إلى ربك ثم تنفس فنزلفاضطجع فيه وتوجه إلى ربه ثم تنفس فقبض اللهّ روحه ثم سوَّت عليه الملائكة. قال مؤلف الكتاب: وفي هذا بعد فإن الحديث الصحيح يدل على غيرهذا. أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا أحمد بنجعفر قال: حدثنا عبد اللهّ بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثنا عبد الرزاققال: حدثنا معمر عن همام منبه قال: حدثنا أبوهريرة قال: قال رسول اللهّ صلىالله عليه وسلم: " جاء ملك الموت إلى موسى فقال له: أجب ربك قال: فلطم موسىعين ملك الموت ففقأها فرجع الملك إلى اللّه عز وجل وقال: إنك أرسلتني إلى عبد لكلا يريد الموت وقد فقأ عيني قال: فرد اللّه إليه عينه وقال ارجع إلى عبدي فقلله: إن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور فما تواريت بيدك من شعرة فإنك تعيشبها سنة. فعاد إليه فأخبره فقال: ثم مه قال: ثم تموت قال: فالآن منقريب. قال: يا رب أدنني من الأرض المقدسة رمية حجر ". قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " واللّه لو أني عندهلأريتكم قبره إلى جنب الطريق عند الكثيب الأحمر ". قال أبو عمران الجوني: لما مثل موسى عليه السلام جعل يبكيويقول: لست أجزع للموت ولكني أجزع أن ييبس لساني عن ذكر الله عند الموت. قال: وكان لموسى ثلاث بنات فدعاهن فقال: يا بناتي إن بنيإسرائيل سيعرضون عليكن الدنيا بعدي فلا تقبلن منها شيئًا تلقطن هذا قال علماءالسير: توفي موسى بعد هارون بثلاث سنين وأوصى إلى يوشع وتوفي بباب لد. قال أبو جعفر الطبري: كان جميع مدة عمر موسى عليه السلام مائةوعشرين سنة عشرون منها في ملك أفريدون ومائة منها في ملك مِنُو شِهْر وكان ابتداءأمره منذ بعثه اللّه نبيًا إلى أن قبضه الله في ملك مِنُوشِهْر. واختلفوا: هل مات بأرض الشام أم لا على قولين: أحدهما أنه توفيبأرض التيه وقد روينا عن ابن عباس انه قال: ماتوا كلهم في التيه وموسى وهارون ولميدخل بيت المقدس إلا يوشع وكالب بن يوفنا والحديث الذي قدمناه يدل على هذا. والقول الآخر: لما مضت الأربعون خرج موسى ببني إسرائيل من التيهوقال لهم: ادخلوا القرية فكلوا منها حيث شئتم. قاله الربيع بن أنس وعبد الرحمن بن زيد. وقال ابن جرير: وهذا هو الصحيح وإن موسى هو الذي فتح قريةالجبارين مع الصالحين من بني إسرائيل لأن أهل السير أجمعوا أن موسى هو قاتل عوجوكان عوج ملكهم وكان بلعام فيمن اسباه سباه موسى وقتله. قال أبو الحسين بن المنادي: وقد قيل: إن اليهود لا تدري أين قبرموسى وهارون ولوعلموا لاتخذوهما إلهين من دون اللّه. وهو يوشع بن نون بن افراييم بن يوسف بن يعقوب. وقد ذكرأن اللّه تعالى جعل يوشع نبيًا في زمن موسى فلما توفي موسىابتعثه اللّه تعالى فأقام لبني إسرائيل أحكام التوراة وهو الذي قسم الشام بين بنيإسرائيل وهو الذي أخرج الله له نهر الأردن وأمره الله تعالى بالمسير إلى أريحا لحربمن فيها من الجبارين وهي التي امتنع بنو إسرائيل من دخولها فعوقبوا بالتيه. ومات موسى وهارون في التيه ومات الكل سوى يوشع وكالب. وإنما دخل يوشع بأبنائهم فقاتل الجبارين فهزمهم واقتحم أصحابه عليهميقتلونهم فكانتَ العصابة من بني إسرائيل يجتمعون على عنق الرجل يضربونها لايقطعونها وكان القتال يوم الجمعة حتى إذا أمسوا وقاربت الشمس الغروب خافوا من دخولالسبت فقال يوشع: اللهم احبس الشمس فوقفت بينها وبين الغروب قيد رمح فثبتت مقدارساعة حتى افتتحها وقتل أعداءه وهدم أريحا ومدائن الملوك وجمع غنائهم وأمرهم يوشع أنيقربوا الغنيمة فقربوها فلم تنزل النار لأكلها فقال يوشع لهم: فبايعوني. أخبرنا هبة اللهّ بن محمد قال: أخبرنا الحسن بن علي التميميقال: أخبرنا أحمد بن جعفر قال: حدثنا عبد اللّه بن أحمد قال: حدثني أبيقال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر " غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه:لا يتبعني رجل قد ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن ولا آخرقد بنىبيوتًا ولم يرفع سقفها ولا آخر قد اشترى غنمًا أو خلفات وهو ينتظر أولادها فغزافدنى إلى القرية حتى صلى العصر أو قريبًا من ذلك. فقال للشمس: أنت مأمورة وأنا مأمور اللهم احبسها علي فحبست عليهحتى فتح الله عليه فجمعوا ما غنموا فأقبلت النار لتأكله فأبت أن تطعمه فقال: فيكمغلول فليبايعني من كل قبيلة رجل فبايعوه فلصقت يد رجل بيده فقال: فيكم الغلولأنتم غللتم. فأخرجو له مثل رأس بقرة من ذهب. قال: فوضعوه بالمال وهو بالصعيد فأقبلت النار فأكلته. فلم تحل الغنائم لأحد من قبلنا ذلك بأن اللهّ عز وجل رأى ضعفناوعجزنا فطيبها لنا ". أخرجاه في الصحيحين. ويوشع هذا هو الذي حارب العماليق وعليهم السميدع بن هوير فالتقوابأيلة فقتل السميدع وأكثر العماليق وقد ذكرنا أن موسى حارب الجبارين واللهّ أعلم. أنبأنا أحمد بن علي المجلى قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال:أخبرنا أبو الحسين بن بشران قال: أخبرنا ابن صفوان قال: حدثنا عبد اللّه بنمحمد القرشي قال: حدثني محمد بن الحسين قال: حدثني محمد بن بسطام قال: حدثناجعفر بن سليمان قال: حدثني إبراهيم بن عمرو الصنعاني قال: أوحى اللّه عز وجلإلى يوشع بن نون: إني مهلك من قومك أربعين ألفًا من خيارهم وستين ألفًا منشرارهم. قال: يا رب فما بال الأخيار قال: إنهم لم يغضبوا لغضبي وكانوايؤاكلونهم ويشاربونهم. وزعم هشام بن محمد الكلبي: أن بقية بقيت من الكنعانيين بعد قتليوشعِ من قتل منهم وأن إفريقيش بن قيس بن صيفي بن سبأ بن كعب مرَ بهم متوجهًا إلىأفريقية فاحتلها وقتل ملوكها وأسكنها البقية التي بقيت من الكنعانيين فهم البرابرةوإنما سموا بربرًا لأن أفريقيش قال لهم: ما أكثر بربرتكم فسموا لذلك بربرًا. فقالوا: ونهض يوشع إلى بعض الملوك فقاتله فغلبه وصلبه على خشبةوأحرق المدينة وقتل من أهلها اثني عشرألفًا. واحتال أهل بلد آخر حتى جعل لهم أمانًا فظهر على باطنهم فدعا اللهعليهم أن يكونوا حطابين وسقائين فكانوا كذلك. وهرب خمسة من الملوك فاختفوا في غار فأمر يوشع بسد باب الغارحتى فرغمن أعدائه ثم أخرجهم فقتلهم وصلبهم. وتتبع سائر الملوك واستباح منهم واحدًا وثلاثين ملكًا وقسم الأرضالتي غلب عليها. ثم مات يوشع عليه السلام وكان عمره مائة سنة وعشر سنين وقيل: مائةوعشرين سنة. ودفن في جبل إفراييم وكان تدبيره أمر بني إسرائيل بعد أن توفي موسىإلى أن توفي هو سبعًا. [IMG]file:///C:\Users\alshamel\AppData\Local\Temp\msohtmlclip1\ 01\clip_image001.gif[/IMG]ذكر الأحداث التي حدثت بعد يوشع عليهالسلام قال الزهري ومحمد بن كعب القرظي: لما حضرت يوشع الوفاة استخلفكالب بن يوفنّا. قال القرظي: ولم يكن لكالب نبوة ولكنه كان رجلًا صالحًا يودونهفوليهم زمانًا يقيم فيهم من طاعة الله ما كان يقيم يوشع حتى قبضه اللّه عز وجل علىمنهاج يوشع. فاستخلف كالب ابنًا له فأقام العدل في بني إسرائيل أربعين سنة فلمامات اختلفت بنو إسرائيل ودعى كل إلى نفسه وإلى سبطه ثم عملوا بالمعاصي وتشاحنوا علىالدنيا وأحبوا الملك فبعث الله تعالى حزقيل. [IMG]file:///C:\Users\alshamel\AppData\Local\Temp\msohtmlclip1\ 01\clip_image001.gif[/IMG]ذكر الملوك بعد يوشع بن نون عليه السلام فأما الملوك فإن منوشهر هلك في زمن يوشع فملك أفراسياب وكان يُكثرالمقام ببابل وبِمهْرِجان قذَق فأكثر الفساد في مملكة فارس ودفن الأنهار والقنّيوقحط الناس في سنة خمس من ملكه إلى أن خرج عن مملكة أهل فارس وغارت المياه وحالتالأشجار المثمرة إلى أن ظهر عليه ملك يقال له: " زوّ " من أولاد منوشهروبينهما عدة آباء فطرده عن مملكة أهل فارس وأصلح ما كان أفسد ووضع عن الناس الخراجسبع سنين فعمرت البلاد في مملكته وكثرت المياه فيها واستخرج بالسواد نهرًا فسماهالزاب وأمر فبنيت على حافتيه مدينة وهي التي تسمى المدينة العتيقة وغرس فيها الغروسوكان من أول من اتخذ له ألوان الطبيخ وقال يوم ملك وعقد التاج على رأسه: نحنمتقدمون في عمارة ما أخْرَبَهُ الساحر فريساب. وكان جميع ملك زو ثلاث سنين ملك ابنه بعده كيقباد وكان يشبه فرعونفي الكبر. وجاء بأولاد جبابرة وسمى المدن بأسمائها وجرت بينه وبين التركوغيرهم حروب كثيرة وكان نازلًا بالقرب من نهر بلخ ليمنع الترك أن يتطرقوا إلى حدودفارس وكان ملكه مائة سنة وكان القيم بأمر بني إسرائيل يوشع ثم كالب بن يوفنا ثمحزقيل. [IMG]file:///C:\Users\alshamel\AppData\Local\Temp\msohtmlclip1\ 01\clip_image001.gif[/IMG]ذكر حزقيل بن بوزي وهو الذي يقال له ابن العجوز ويقال إن ابن العجوز أشمويل واللهّأعلم. قال ابن إسحاق: هو حزقيل بن بوذي وإنما قيل له ابن العجوز لأنهاسألت اللّه عزّ وجلّ الولد بعد ما كبرت وعقمت فوهبه الله لها فلذلك قيل ابن العجوزوهو الذي دعى للقوم " الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت ". قال وهب بن منبه: أصاب ناسًا من بني إسرائيل بلاء وشدة من الزمانفشكوا ما أصابهم وقالوا: يا ليتنا متنا فاسترحنا مما نحن فيه فأوحى اللهّ تعالىإلى حزقيل: إن قومك صاحوا من البلاء وزعموا أنهم ودُوا لو ماتوا فاستراحوا وأيٌراحة لهم في الموت أيظنون أني لا أقدر أن أبعثهم بعد الموت فانطلق إلى جبانة كذاوكذا فإن فيها أربعة الاف قال وهب: وهم {الَّذِينَ خرَجُوا مِنْدِيَارِهِمْ وَهُمْ ألُوفٌ حَذرَ الموت} فقم فيهم فنادهم وكانت عظامهمقد تفرقت فرقتها الطير والسباع فناداها حزقيل فقال: يا أيتها العظام إن اللهيأمرك أن تجتمعي فاجتمع عظام كل إنسان منهم ثم نادى ثانية فقال: أيتها العظام إناللّه يأمرك أن تكتسي اللحم فاكتست اللحم وبعد اللحم جلدًا فكانت أجسادًا ثم نادىالثالثة أيتها الأرواح إن اللهّ يأمرك أن تعودي في أجسادك فقاموا باذن اللّه وكبرواتكبيرة واحدة. وقال السدي عن أشياخه: كانت قرية يقال لها دَاوَرْدَان وقع بهاالطاعون فهرب عامة أهلها فهلك من بقي في القرية وسلم الاخرون فلما ارتفع الطاعونرجعوا سالمين فقال الذين سلموا: أصحابنا هؤلاء كانوا أحزم منا لو صنعنا كما صنعوابقينا! ولئن وقع الطاعون ثانية لنخرجن معهم. فوقع في قابل فخرجوا وهم بضعة وستون ألفًا حتى نزلوا ذلك المكان وهوواد أفيح فناداهم ملك من أسفل الوادي وآخر من أعلاه: موتوا فماتوا. فمر بهم نبي يقال له هزقيل فوقف عليهم وجعل يفكر فيهم فأوحى اللّهإليه: أتريد أن أريك كيف أحييهم قال: نعم فقيل له: ناد فنادى: يا أيتهاالعظام إن اللّه يأمرك أن تجتمعي فجعلت العظام يطير بعضها إلى بعض حتى كانت أجسادًامن عظام ثم أوحى إليه أن ناد: يا أيتها العظام إن اللهّ يأمرك أن تكتسي لحمًاودمًا ثم قيل له: ناد فنادى يا أيتها الأجساد إن الله يأمرك أن تقومي فقاموا. قال مجاهد: قالوا حين أحيوا: سبحانك ربنا ونحمدك لا إله إلا أنتفرجعوا إلى قومهم أحياء سحنة الموت على وجوههم لا يلبسون ثوبًا إلا عاد دسمًا مثلالكفن. حتى ماتوا لآجالهم التىِ كتبت لهم. [IMG]file:///C:\Users\alshamel\AppData\Local\Temp\msohtmlclip1\ 01\clip_image001.gif[/IMG]ذكر الملوك التي كانت في زمن حزقيل إنه كان في زمن حزقيل من الملوك: بخت نصر البابلي وهو الذي أفنىملوك أهل هذا الزمان لأنه كان يفتح الحصون ويقتل من فيها وكان في هذا الزمان عدة منالأنبياء منهم: أرمياء ودانيال فلما هربت اليهود من بخت نصر إلى مصر أخذوا معهمأرمياء ودانيال فلما أهبطوه أرض مصر قتلوه ومضى قوم منهم إلى أرض بابل فوثبوابحزقيل فقتلوه وقبروه هناك. ولما قبض حزقيل ولم يذكر مدة بقائه في بني إسرائيل كثرت فيهمالأحداث فبعث اللّه عز وجل إليهم إلياس وبعض العلماء يجعل حزقيل بعد إلياسفالاختلاف في تقديم الأنبياء وتأخيرهم ذكر إلياس عليه السلام قال ابن إسحاق: لماقبض الله عز وجل حزقيل عظمت الأحداث في بني إسرائيل فنسوا ما كان اللّه عهد إليهمحتى نصبوا الأوثان وعبدوها من دون اللهّ بعث إليهم إلياس بن ياسين بن فِنْحاص بنالعيزار بن هارون بن عمران. وقال وهب: إلياس بن العازر بن العيزار بن هارون. وقال الطبري: إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون. وقال أحمد بن جعفر بن المنادي: إلياس بن يشين بن العازر بنهارون. نقلته من خطه وضبطه. قال: وهو إلياس وهو إلياسين وهو إدراسين وهذا في قراءة ابنمسعود. وإنما كانت الأنبياء تبعث من بني إسرائيل بعد موسى لتجديد ما نسوامن التوراة وقد بعث الله بين موسى وعيسى ألف نبي من بني إسراثيل سوى من أرسل منغيرهم ولم يكن بينهم فترة. وكان بنو إسرائيل قد اتخذوا صنمًا يسمونه بعلًا. قال نعيم بن أبي: مذ كان رجل من الملوك يغزو فأطال الغيبة مرة عنامرأته فاشتاقت إليه فصاغت رجلًا من ذهب وفضة وألبسته ثياب زوجها وعممته وقلدتهالسيف وأقعدته على سرير زوجها وحجبته وأقامت عليه الحرس ثم جمعت أهل أرضها وكانوايعبدون الأوثان فقالت: إن هذه الأوثان التي في أيديكم باطل فاطرحوها وإنما إلهكمالبعل فإذا كشفت لكم عنه فاسجدوا له فكشفت لهم عنه فسجدوا وعبدوه وكتبت إلى زوجهاتخبره بما صنعت. فكتب إليها: قد أصبت ثم قدم فعبد وسجد له فبعث الله إليهم إلياسيدعوهم إلى الله سبحانه وجعلوا لا يسمعون منه. قال ابن إسحاق: فأوحى الله إليه: قد جعلنا أمر أرزاقهم بيدكفدعا عليهم أن يمسك عنهم القطرفحبس عنهم ثلاث سنين حتى هلكت المواشي والهواموالشجر. وكان قد استخفى خوفًا على نفسه من أجل دعائه عليهم وكان حيث ما كانيوضعِ له رزقه فمنع الرزق ثلاثًا فبكى فنودي: أتبكي لجوع ثلاثة أيام وقومك يموتونجوعًا فارجع إليهم. وكانوا إذا وجدوا ريح الخبز في دار قالوا: لقد دخل إلياس هذاالمكان فيلقى أهل ذلك المنزل منهم شرأ. فأوى ليلة إلى امرأة من بني إسرائيل لها ابن يقال له: إليسع بنأخطوب به ضُرٌّ فآوته وأخفت أمره فدعا لإبنها فعوفي من الضُرِّ وإتبع إلياس فآمن بهوصدقه ولازمه فأوحى الله إلى إلياس: إنك قد أهلكت كثيرًا من الخلق لم يعص منالدواب والبهائم والطير فقال: يا رب دعني أكن أنا الذي أدعو لهم وآتيهم بالفرجلعلهم ينزعون عما هم عليه قيل له: نعم. فجاء إلى بني إسرائيل فقال: إنكم قد هلكتم جهدًا وهلكت البهائموالطير والشجر بخطاياكم وإنكم على باطل فإن كنتم تحبون أن تعلموا ذلك وتعلموا أناللّه عليكم ساخط وإن الذي أدعوكم إليه الحق. فاخرجوا بأصنامكم هذه التي تعبدون فإن استجابت لكم فذلك كما تقولونوإن لم تفعل علمتم أنكم على باطل فنزعتم ودعوت الله ففرج عنكم ما أنتم فيه منالبلاء قالوا: أنصفت. فخرجوا بأوثانهم فدعوها فلم تستجب لهم فعرفوا ما هم فيه من الضلالةثم قالوا: ادع لنا فدعا لهم بالفرج مما هم فيه وأن يسقوا. فخرجت سحابة وهم ينظرون ثم أرسل اللهّ المطر فأغاثهم ففرج عنهم ماكانوا فيه من البلاء فلم يرجعوا وأقاموا على أخبث ما كانوا عليه. فلما رأى ذلك إلياس من كفرهم دعا ربه أن يقبضه إليه فيريحه منهمفقيل له: انظر يوم كذا فاخرج فيه إلى بلد كذا فما جاءك من شيء فاركبه ولا تهبه. فخرج وخرج معه إليسع حتى إذا كان بالبلد الذي ذكر له في المكان الذيأمر به أقبل فرس من نار حتى وقف بين يديه فوثب عليه فانطلق فكساه الله الريش وألبسهالنور وقطع عنه لذة المطعم والمشرب وطار في الملائكة فكان إنسيًّا مَلكئًا سحابيًّاأرضيًا وسميت الأرض التي كانوا فيها بعلبك ذكر من كان بعد إلياس قد اختلف العلماءفيمن كان بعد إلياس. فقال الحسن ووهب: نبي بعد إلياس اليسع وقد عوَّلنا على ذلك. وقد حكى أبو الحسين بن المنادي: أن قومًا قالوا: بل كان بعدإلياس يونس. قال: وقالوا: ان يونس بعد سليمان وأيوب بعد سليمان أيضًا. وذكر ابن أبي خيثمة أن أيوب كان بعد سليمان وان يونس بعد أيوب. ونحن نتخير من هذا الاختلاف في الترتيب أقربه إلى الصواب. والله الموفق. وهذا اليسع هواليسع بن عدي بن شويلخ بن افرائيم بن يوسف بن يعقوب. وقال وهب بن منبه: هو اليسع بن خطوب ويقال: ابن أخطوب. كان يتيمًا مضرورًا فانقطع إلى إلياس وآمن به فدعى الله له فكشف عنهضرّه وأتاه الحكمة والنبوة فبعث إلى بني إسرائيل فمكث فيهم زمانًا يدعوهم إلىالتوحيد وأن يتمسكوا بمنهاج إلياس وشريعته فلم يزل كذلك حتى قبضه الله تعالى. وقد فرق بعض العلماء بين إليسع الذي صحب إلياس وبين ابن أخطوبفقال: هما اِثنان وابن أخطوب لم يصحب إلياس ولم يذكر في القرآن. قال وهب: قام بعد إليسع شاب اسمه شمعون من أفاضل بني إسرائيل ثماستخلف عليهم رجلًا يقال له عيلوق وهو ابن ستين سنة فأقام لهم الحق أربعين سنة فتمتله مائة سنة وكان له ابنان يأخذان الرشوة ويفعلان الفسق فاستبدل الله عز وجل بهأشموئيل. أنبأنا ثابت بن بندار بن إبراهيم قال: أخبرنا أبي قال: أخبرناأبو علي الحسن بن الحسن بن دوما قال: أخبرنا مخلد بن جعفر قال: حدثنا الحسن بنعلى القطان قال: حدثنا إسماعيل بن عيسى قال: حدثنا إسحاق بن بشير القرشي قال:أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن قال: إنما غضب الله على عيلوق أنهرأى ابنًا له يتعاطى من أمر النساء ما لا يحل له فقال: مهلًا يا بنى فغضب عليهربه وقال: لم يكن من غضبك حتى انتهكت محارمي إلا أنك قلت مهلًا يا بني. فسقط عن سريره فانقطع نخاعه وأسقطت إمارته. وقتل ابن له في جيش كان بعثه وكان معهم التابوت وكان عدوهم العمالقةفظهروا عليهم وسبوا التابوت وحولت النبوة والخلافة إلى أشموئيل. وفي رواية عن وهب بن منبه قال: لما قبض الله أليسع عظمت الخطايافي بني إسرائيل وعندهم التابوت يتوارثونه كابرًا عن كابر وفيه السكينة وبقية مماترك آل موسى وآل هارون وكانوا لا يلقاهم عدو فيقدمون التابوت ويزحفون به معهم إلاهزم الله ذلك العدو. ثم خلف فيهم ملك يقال له إيلاف فكانوا إذا نزل بهم عدو فخرجوا إليهوأخرجوا التابوت فنزل بهم عدو فأخذ من أيدهم التابوت فأخبر ملكهم إيلاف بأخذالتابوت فمات كمدًا ووطئهم عدوهم حتى أصيب من أبنائهم ونسائهم فمكثوا على اضطراب منأمرهم واختلال من أحوالهم يتمادون في غيهم وضلالهم فسلط عليهم من ينتقم منهم ثميراجعون التوبة فيكف الله عنهم شر مَنْ يبغيهم إلى أن بعث الله تعالى أشموئيل. فبعث في زمانه طالوت ملكًا فاستخلص التابوت وكان أمرهم من مدة وفاةيوشع تارة إلى ما ذكرنا من الأنبياء وتارة إلى القضاة وتارة إلى الساسة وتارة إلىعدو يقهرهم إلى أن عاد الملك والنبوة إليهم بأشموئيل فكانت تلك المدة أربعمائةوستين سنة. وكان أول من ملكهم في هذه المدة رجلًا من نسل لوط يقال له " كوسان" فقهرهم وأذلهم ثماني سنين ثم أخذه من يده أخ لكالب الأصغر يقال له " عثانيلبن يوفنا " فقام بأمرهم أربعين سنة ثم سلط الله عليهم ملكًا يقال له جعلون ويقالأعلون فملكهم ثماني عشرة سنة. ثم ملك بعده " أيلون من ولد إفرائيم خمسًا وخمسين سنة فقال إنهلما تمت له خمس وثلاثون سنة من ملكه عليهم تمت للعالم أربعة آلاف سنة. ثم ملكهم رجل من سبط بنيامين يقال له " أهوز بن حنو الأشل أ فقامبأمرهم ثمانين سنة ثم سلط عليهم ملك من الكنعانيين يقال له يافين فملكهم عشرينسنة. ثم استنقذتهم امرأة نبي من أنبيائهم يقال لها " ديوار "فدبرأمرهم من قبلها رجل يقال له باراق أربعين سنة ثم سلط عليهم قوم من نسل لوطفملكوهم سبع سنين. ثم أنقذهم منهم رجل من ولد نفثالى بن يعقوب يقال له جدعون بن برانسفدبر أمرِهم أربعين سنة ثم دبر أمرهم من بعد ابنه أبيملك وقيل إنه ابن عمه ثلاثًاوعشرين سنة ثم دبرهم بعده رجل من بني إسرائيل يقال له بابين اثنتين وعشرين سنة. ثم ملكهم بعده بنوعمون وهم قوم من أهل فلسطين ثماني عشرة سنة ثم قامبأمرهم رجل منهم يقال له يفتح ست سنين. ثم دبرهم من بعده ألون عشر سنين ثم دبر أمرهم يحنون وهو رجل من بنيإسرائيل ثم دبرهم من بعده ليزون ويسميه بعضهم عكرون ثماني سنين ثم قهرهم أهل فلسطينوملكوهم أربعيمن سنة. ثم وليهم شمشون عشرين سنة ثم بقوا بغير رئيس ولا مدبرعشر سنين. ثم دبر أمرهم بعد ذلك عالي الكاهن وفي أيامه غلب أهل غزة وعسقلانعلى التابوت ثم مضى من وقت قيامه بأمرهم أربعون سنة بعث شمويل نبيًا فدبرأمرهم عشرسنين. ثم سألوه حين نالهم بالذل والهوان بمعصيتهم ربهم أعداؤهم أن يبعثلهم ملكًا معهم في سبيل الله فبعث لهم طالوت. اختلفوا هل كان نبيًا أم لا على قولين: أحدهما: إنه لم يكننبيًَا إنما كان عبدأ صالحًا. قال أبو موسى الأشعري ومجاهد في آخرين. ثم اختلف هؤلاء في علة تسميته بذي الكفل على ثلاثة أقوال:أحدها: أن رجلأ كان يصلي كل يوم مائة صلاة فتوفي فكفل هذا بصلاته فسمي ذاالكفل. قاله أبو موسى. والثاني: انه تكفل للنبي بقومه أن يكفيه أمرهم وتعهد أن يقضيبينهم بالعدل ففعل فسمي ذا الكفل. قاله مجاهد. والثالث: ان ملكًا قتل في يوم ثلاثمائة نبي وفرمنه مائة نبيفكفلهم ذو الكفل يطعمهم ويسقيهم حتى أفلتوا. فسمي ذا الكفل قاله ابن السائب. والقول الثاني: إنه كان نبيًا. قال الحسن وعطاء وأهل الكتاب. وقد روى الضحاك عن ابن عباس أن ذا الكفل هو يوشع بن نون. وفي رواية عن ابن عباس قال: كان ذو الكفل من أولاد أيوب فأرسلهالله تعالى داعيًا إلى توحيده بالشام. وقال غيره: هو اليسع بن أخطوب وكان قبل داود. قال وهب: كان بعد اليسع. قال عطاء: وإنما سمي بذي الكفل لأن الله تعالى أوحى إلى نبي منالأنبياء: إني أريد أن أقبض روحك فاعرض ملكك على بني إسرائيل فمن تكفل لك بأنهيصلي الليل لا يفتر ويصوم النهارلا يفطر ويقضي بين الناس فلا يغضب فارفع ملكك إليهففعل ذلك فقام شاب فقال: أنا أتكفل لك بهذا فكفل به فوفى. وحكى بعض علماء السير: انه كان في زمن ذي الكفل جبار من العماليقفدعاه ذو الكفل إلى الإيمان وضمن له الجنة فقال: من كفل لي بذلك قال: أنا وكتبله كتابًا تكفل له بالجنة إن هو آمن. فترك الملك ملكه ولحق بالنساك. فلما مات دفن الكتاب معه فبعث اللّه الكتاب إلى ذي الكفل وأخبره أنهوفى الملك بما ضمن له فآمن به مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا وتكفل لهم بمثل ما تكفللملكهم فسماه الله تعالى ذا الكفل. وأقام ذو الكفل عمره بالشام حتى مات وهو ابن خمس وسبعين سنة. [IMG]file:///C:\Users\alshamel\AppData\Local\Temp\msohtmlclip1\ 01\clip_image001.gif[/IMG]ذكر خبر أسابن إبيا وزرح الهندي قال وهب بن منبه: كان ملك من ملوك بني إسرائيل يقال له أسابن أبياوكان رجلًا صالحًا. وكان ملك من ملوك الهند يقال له زرح وكان جبارًا فاسقًا يدعو الناسإلى عبادته. وكان أسا لما ملك بعث منادياَ فنادى: ألا إن الكفر قد مات وأهلهوعاش الإيمان وأهله وانتكست الأصنام وعبادتها وظهرت طاعة الله وأعمالها فليس كافرمن بني إسرائيل يطلع رأسه بعد اليوم بكفر في ولايتي إلا قتلته. فإن الطوفان لم يغرق الدنيا وأهلها ولم يخسف القرى بمن فيها لو لمتمطر الحجارة والنار من السماء إلا بترك طاعة الله وإظهار معصيته فمن أجل ذلك يعملبها ولا تترك طاعة إلا أظهرنا جهدنا حتى تطهر الأرض من نجسها وننقيها من دنسهاونجاهد مَنْ خالَفنا في ذلك بالحرب والنفي من بلادنا. فلما سمع قومه ذلك ضجوا وكرهوا فأتوا أمه فشكوا إليها فعله فأتتهفعاتبته على ذلك ووبخته إذ دعا قومه إلى ترك دينهم. فغضب ودعاها إلى الصواب فأبت فقال: إن قولك هذا قد قطع ما بينيوبينك. ثم أمر بإخراجها وتغريبها وقال لصاحب شرطته ان هي ألمت بهذا المكانفاقتلها. فلما رأى قومه ما فعل بأمه ذلوا وأذعنوا له بالطاعة واحتالوا له بكلحيلة فحفظه الله من شرهم فائتمروا أن يهربوا من بلاده فخرجوا متوجهين إلى زَرْح ملكالهند. فلما دخلوا عليه سجدوا وشكو إليه ما جرى عليهم وقالوا: أنت أولىبملكنا فقال: ما كنت مجيبكم إلى مقاتلة قوم لعلكم أطوع لي منكم حتى أبعث إليهمأمناء فإن كان الأمر على ما قلتم نفعكم ذلك عندي وإلا أنزلت بكم العقوبة. فاختار من قومه جواسيس ليعلموا علم القوم ويبحثوا له عن شأن تلكالأرض. فجهزهم وأعطاهم جواهر وكسوة ليبيعوا ذلك هنالك. فساروا كالتجار حتى فصلوا عليهم ودعوا الناس إلى أن يشتروا منهم. وكان أسا الملك قد تقدم إلى نساء بني إسرائيل انه إن رأى امرأة لازوج لها بهيئة امرأة لها زوج قتلها أو نفاها لأن إبليس لم يدخل على أهل الدين فيدينهم بأشد من مكيدة النساء. فكانت المرأة التي لا زوج لها لا تخرج إلا في ثياب رثة فكان النساءيشترين من هذه الأمتعة سرًا بالليل ولم يزل أولئك ينظرون في أحوال المدينة حتىعرفوا جميع أخبارها فكانوا قد ستروا محاسن ما معهم ليجعلوه هدية للملك فقالواللناس: ما بال الملك لا يشتري منا شيئًا وعندنا من الطرائف ثم نحن نعطيهبغيرثمن. فقالوا لهم: إن له من الخزائن ما لا يقدرعلى مثله إنه استفرغالخزائن التي سار بها موسى من مصر والحليَ الذي كان بنو إسرائيل أخذوا وما جمع يوشعوسليمان والملوك. قالوا: فبماذا يقاتل عدوًا إِن عرض له فقالوا لهم: إن عدتهللقتال قليلة غير أن له صديقًا لو استعان به على أن يزيل الجبال أزالها فإذا كانمعه صديقه فليس شيء من الخلق يطيقه. قالوا: ومن صديقه وكم علا جنوده قالوا: لا تحصى جنوده وكل شيءمن الخلق له لو أمر البحر لطمّ على البر. فدخل بعض الجواسيس على أسا الملك وقال: إن معنا هدية نريد أننهديها لك من طرائف أوتشتري منا فنرخصه عليك. قال: ائتوني به فلما أتوه به قال: هل يبقى هذا لأحد أو يبقونله. قالوا: لا قال: فلاحاجة لي به إنما طلبي لما يتبقى. فساروا من بيت المقدس متوجهين إلى زرح ملكهم فأخبروه الخبر فقال:إن صديق أسا لا يطيق أن يأتي بأكثرمن جندي ولا بأكمل من عدتي. ثم جمع العساكر ألف ألف ومائة ألف سوى أهل بلاده ثم أمر بمائة مركبفقرن له البغال كل أربعة أبغل جميعًا عليها سرير وقبة وفي كل قبة منهن جارية ومع كلمركب عشرة من الخدم وخمسة أفيال من فيلته وجعل خاصته الذي يركبون معه مائة ألف. ثم قال: أين صديق أسا هل يستطيع أن يعصمه مني فبلغ الخبر أسا فدعىربه فقال: اللهم أنت القوي أنظر إلى ضعفنا وقوة عدونا فغرق عدونا في اليم كماغرقت فرعون. ثم نام فرأى في المنام: أني قد سمعت كلامك وأني إن غرقته لم يعلمبنو إسرائيل كيف صنعت بهم ولكن سأظهر لك ولمن اتبعك فيهم قدرة حتى أكفيك مؤونتهموأهب لك غنيمتهم حتى يعلم أعداؤك أن صديق أسا لا يطاق وليُه ولا يهزم جنده. فأرسل أسا إليهم طليعته فرجعوا يقولون: لم تر عيون بني آدم مثلهمولا مثل فيلهم فقد انقطع رجاؤنا. وجاء أهل البلد إلى أسا فقالوا: إنا خارجون بأجمعنا إلى هؤلاءالقوم لعلهم يرحمونا. فقال: أما معاذ الله أن نلقي بأيدينا في أيدي الكفرة قالوا:فاحتل لنا حيلة واطلب إلى صديقك الذي كنت تعدنا بنصره فإن الصديق لا يسلم صديقه علىمثل هذا فدخل أسا المصًلى ووضع تاجه وحل ثيابه ولبس المسوح وافترش الرماد ثم أخذ فيالدعاء وجعل يقول: اللهم رب السموات السبع ورب العرش العظيم إله إبراهيم وإسماعيلوإسحاق ويعقوب والأسباط أنت الذي لا يطيق كنْهُ عظمتك بشر أسألك بالمسألة التي سألكبها إبراهيم خليلك فأطفأت بها عنه النار وبالدعاء الذي دعاك به نجيك موسى فأنجيتبني إسرائيل من الظلمة وأعتقتهم من العبودية وبالتضرع الذي تضرع لك عبدك داودفرفعته ونصرته على جالوت أنت محي الموتى فقد حل بنا كرب عظيم لا يطيق كشفه غيرك ولاحول ولا قوة إلا بك. وجعل علماء بني إسرائيل يدعون الله ويقولون: اللهم اجب اليوم عبدكفإنه قد اعتصم بك وحدك ولا تخل بينه وبين عدوك واذكر حبه إياك وفراقه أمه. فألقى اللهّ عليهم النوم وهو في مصلاه ساجدًا ثم أتاه ات من اللّهتعالى فقال له: يا أسا إن الحبيب لا يسلم حبيبه وإن اللّه تعالى يقول: إني قدألقيت عليك محبتي ووجب لك نصري وأنا الذي أكفيك عدوك فإنه لا يهون من توكل عليَ ولايضعف من تقوّى بي كنت تذكرني في الرخاء وأسلمك في الشدائد وكنت تدعوني آمنًا وأسلمكخائفًا أقسم لو كايَدْتْك السموات والأرض بمن فيهن لجعلت لك من جميع ذلك مخرجًافإني معك ولن يخلص فخرج أسا من مصلاه وهو يحمد الله مسفرًا وجهه فأخبرهم بما قيل لهفصدقه المؤمنون وكذبه المنافقون. فقدم رسل من زرح فدخلوا إيلياء ومعهم كتب إلى أسا فيها شتم لهولقومه وتكذيب باللّه كتب فيها: أن ادع صديقك فليبارزني بجنوده فلما قرأها دخلمصلاه ونشرها بين يدي الله تعالى ثم قالى: اللهم ليس بي شيء من الأشياء أحب إليَّمن لقائك غير أني أتخوف أن يطفأ هذا النور الذي أظهرته في أيامي هذه. فأوحى الله إليه أنه لا تبديل لكلماتي ولا خلف لموعدي فاخرج منمصلاك ثم مُرْ خيلك أن تجتمع ثم أخرج بهم وبمن اتبعك حتى تقفوا على نَشَز منالأرض. فخرج فأخبرهم الخبر وما قيل له فخرج اثنا عشر رجلًا من رؤوسهم مع كلرجل منهم رهط من قومه وودّعوا أهاليهم وداع من لا يرجع إلى الدنيا ووقفوا على رابيةمن الأرض فأبصرهم زرح قال: إنما نهضت من بلادي وأنفقت أموالي لمثل هؤلاء ثم دعابالنفر الذين قدموا عليه يشكون من أسا وقومه فقال: زعمتم أن قومكم كثير عددهموكذبتموني ثم آمر بهم وبالأمناء الدين بعت ليخبروه حبرهم فقتلوا جميعًا ثم قال:ما أدري ما أصنع بهؤلاء القوم إني لأستقلهم عن المحاربة وأرى إن رادني أنأقاتلهم. فأرسل إلى أسا فقال: أين صديقك الذي كنت تعدنا به أفتضعون أيديكمفي يدي فأمضي فيكم حكمي أوتلتمسون قتالي. فأجابه أسا فقال: يا شقي إنك لست تعلم ما تقول أتريد أن تغالب ربكبضعفك أم تريد أن تكاثره بقلتك فاجتهد يا شقي بجهدك حتى تعلم ماذا يحل بك. فأمر زرح الرماة أن يرموهم فردتها الملائكة عليهم فأصابت كل رامنشابته وتراءت الملائكة للخلق فلما رآهم زرح وقع الرعب في قلبه وقال: إن أسالعظيم كيده ماضٍ سحره وكذلك بنو إسرائيل حيث كانوا لا يغلب سحرهم ساحر وبه ساروا فيالبحر ثم نادى في قومه: هلموا سيوفكم واحملوا عليهم حملة واحدة. فسلوا سيوفهم فقتلتهم الملائكة فلم يبق غير زرح ونسائه ورقيقه. فلما رأى ذلك ولى مدبرًا وهو يقول: إن أسا ظهر علانية وأهلكنيصديقه سرًا إني كنت أنظر إلى أسا ومن معه لا يقاتلون والحرب واقعة في قومي. فلما رأى أسا أن زرحًا قد ولى قال: اللهم إنك إن لم تخل بينيوبينه استنفر علينا قومه ثانية. فأوحى الله إليه: إنك لم تقتل من قتل منهم ولكني قتلتهم فقف مكانكة فإني لو خليت بينك وبينهم أهلكوكم جميعًا إنما يتقلب زرح في قبضتي وإني قد وهبتلك ولقومك عساكره وما فيها من فضة ومتاع ودابة فهذا أجرك إذا اعتصمت بي. فسارزرح حتى ركب البحر فغرق ومن معه. ملك بعده ابنه بهوشافاظ خمسًا وعشرين سنة. ثم ملكت عثليا ويقال: عزليا بنت عمرم كانت قتلت أولاد ملوك بنيإسرائيل فلم يبق فيهم إِلا يواش بن أخزيا فإنها طلبته فتوارى عنها ثم قتلها وكانملكها سبع سنين. ثم ملك يواش أربعين سنة. ثم ملك ابنه أمصيا تسعًا وعشرين سنة ثم قتله أصحابه. ثم ملك ابنه عوزيا ويقال لعوزيا: غوزيا اثنتين وخمسين سنة. ثم ملك بعده ابنه يوثام ست عشرة سنة. ثم ملك ابنه أحاز ست عشرة سنة. ثم ملك ابنه حزقيا وقيل إنه صاحب شعثا الذي أعلمه شعيا انقضاء عمرهفتضرع إلى ربه عز وجل فزاده وأمهله وأمر شعيا بإعلامه بذلك. قال ابن إسحاق: صاحب شعيا الذي هذه قصته إسمه صديقه. ذكر يونس عليه السلام كان يونس بعد سليمان. وبعض العلماء تجعل بينهما أيوب وتقديم أيوب على ما اخترنا أوضح. وكان قبل النبوة من عباد بني إسرائيل هرب بدينه فنزل شاطىء دجلهفبعثه الله نبيًا إلى أهل نينوي من أرض الموصل وهو ابن أربعين سنة وكانوا جبارين. قال وهب بن منبه: فضاق بالرسالة ذرعًا وشكى إلى الملك الذي أتاهضيق ذرعه فأعلمه انه إن أبلغتهم الرسالة فلم يستجيبوا له عذبهم الله وإن لم يبلغهمأصابه ما يصيبهم من العذاب وإن الأجل أربعون يومًا فأنذرهم وأعلمهم بهذا الأجلفقالوا له: إن رأينا أسباب العذاب أصابك. ثم انصرفوا عنه على ذلك فلما مضى من الميقات خمسة وثلاثون يوما غامتالسماء غيمًا أسود يدخن واسودت سطوحهم فأيقنوا بالعذاب وبرزوا من القرية بأهليهموبهائمهم وفرقوا بين كل ذات ولد وولدها ثم تضرعوا إلى ربهم فرحمهم الله تعالى وقبلتوبتهم. ثم إن يونس ساح فرأى راعيًا في فلاة فسقاه لبنًا وهومستند إلى صخرةفأعلمه إنه يونس وأمره أن يقرأ على قومه السلام فقال: يا نبي الله لا أستطيع لأنمن كذب منا قتل. قال: فإن كذبوك فالشاة التي سقيتني من لبنها وعصاك والصخرة يشهدونلك. فأتاهم الراعي فأخبرهم فأنكروا قوله فأنطق الشاة والعصى والصخرةفشهموا له فقالوا له: أنت خيرنا حين نظرت إلى نبينا فملكوه عليهم أربعين سنة. وروى عمرو بن ميمون عن ابن مسعود قال: كان يونس قد وعد قومهالعذاب وأخبرهم أنه يأتيهم إلى ثلاثة أيام ففرقوا بين كل والدة وولدها يجاورون إلىالله فكف الله عنهم العذاب فلم يرشيئًا وكان من كذب ولم تكن له بينة قتل. فانطلق مغاضبًا فركب سفينة فركدت والسفن تسير يمينًا وشمالًافقالوا: ما لسفينتكم. قالوا: ما ندري فقال يونس: إن فيها عبدًا آبق من ربه وإنها لاتسير بكم حتى تلقونه قالوا: أما أنت يا نبي الله فلا والله لا نلقيك فقال:اقترعوا فغلب ثلاث مرات. فوقع فابتلعه الحوت وأهوى به الى قرار الأرض فسمع يونس تسبيح الحصىفنادى. في الظلمات ظلمة بطن الحوت وظلمة الليل وظلمة البحر فنبذ بالعراءوهو سقيم كهيئة الطائر الممعوط الذي ليس عليه ريش فأنبت الله عليه شجرة من يقطينفكان يستظل تحتها ويصيب منها فيبس فبكى فأوحى إليه: أتبكي على شجرة أن يبست ولاتبكي على مائة ألف أويزيدون أن تهلكهم. أخبرنا سعيد بن أحمد بن البنا قال: أخبرنا أبو نصر محمد بن محمدالزينبي قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عمر الوراق قال: حدثنا محمد بن السريالتمار قال: حدثنا الحسن بن عرفة قال: حدثنا عبيد الله بن موسى قال: حدثناالأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث لما التقم الحوت يونس نبذة إلى قرارالأرضين فسمع تسبيح الحصى في الحمأة فذلك الذي نابه. فنادى {لاَ إِلَهَ إلأَ أنْتَ سُبْحَانَكَ إني كُنْتُ منَالظالمين}. وفي قدرمكثه فىِ بطن الحوت خمسة أقوال: أحدها: أربعون يومًا. قاله أنس بن مالك وابن جريج والسدي. والثاني: سبعة أيام. قاله عطاء وابن جبير. والثالث: ثلاثة أيام. قاله مجاهد وقتادة. والرابع: عشرون يومًا. قاله الضحاك. والخامس: بعض يوم. قاله الشعبي. [IMG]file:///C:\Users\alshamel\AppData\Local\Temp\msohtmlclip1\ 01\clip_image001.gif[/IMG]ذكر قصة شعيا بن أمصيا وخراب بيت المقدس وقد جعلوه بعد يونس وقبل زكريا وهو الذي بشر بعيسى ومحمد صلى اللهعليهم. قال ابن إسحاق: هو الذي قال لإيليا وهي قرية ببيت المقدس واسمهاأوري شلم فقال: أبشري أوري شلم يأتيك الآن راكب الحمار يعني عيسى ويأتيك بعدهراكب البعير يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم. وقال: كان في بني إسرائيل ملك يدعى صديقه وكان إذا ملك الملكعليهم بعث الله تعالى نبيًا يسدده ويرشده ويكون فيما بينه وبين الله عز وجل ولاتنزل عليهم الكتب إنما يؤمرون باتباع التوراة. فلما ملك ذلك الملك بعث الله معه شعيا فملك ذلك الملك بني إسرائيلوبيت المقدس زمانًا. فلما انقضى ملكه عظمت فيهم الأحداث وشعيا معه فبعث الله سنحاريث معهستمائة ألف راية فأقبل سابيا حتى نزل حول بيت المقدس والملك مريض في ساقه قرحةفجاءه النبي شعيا فقال له: يا ملك بني إسرائيل إن سنحاريث ملك بابل قد نزل بك هووجنوده ستمائة ألف راية فكبر ذلك على الملك فقال: يا نبي الله هل أتاك وحي منالله كيف يفعل الله بنا وبسنحارث وجنوده قال: لا. فبينا هم على ذلك أوحى الله تعالى إلى شعيا: أرأيت ملك بنيإسرائيل فمره أن يوصي وصيته ويستخلف على ملكه من يشاء من أهل بيته. فأتى النبي شعيا ملك بني إسرائيل فأخبره فأقبل على القبلة فصلى وسبحودعا وبكى وقال وهو يبكي وبتضرع إلى الله: زدني في عمري فاوحى الله إلى شعيا أنيخبر الملك أن ربه قد رحمه وقد أخر أجله خمس عشرة سنة وأنجاه من عدوه فقال الملكلشعيا: سل ربك أن يجعل قال: فقال الله لشعيا: قل له إني قد كفيتك عدوكوأنجيتك منهم وأنهم سيصبحون موتى كلهم إلا سنحاريث وخمسة من كتابه. فلما أصبح جاء صارخ فصرخ على باب المدينة: يا ملك بني إسرائيل إنالله قد كفاك عدوك فاخرج فإن سنحاريث ومن معه قد هلكوا. فلما خرج الملك التمس سنحاريث فلم يوجد في الموتى فبعث الملك فيطلبه فأدركه الطلب في مغارة هو وخمسة من كتابه أحدهم بخت نصر فجعلوهم في الجوامع ثمأتوا بهم ملك بني إسرائيل فلما رآهم خر ساجدًا ثم قال لسنحاريث: كيف ترى فعل ربنابكم ألم يقتلكم بحوله وقوته ونحن وأنتم غافلون! فقال سنحاريث له: قد أتاني خبرربكم ونصره إياكم ورحمته التي رحمكم بها قبل أن أخرج من بلادي فلم أطع مرشدًا ولميُلقني في الشقوة إلا قلة عقلي. فقال ملك بني إسرائيل: إن ربنا إنما أبقاك ومن معك لتخبروا منوراءكم بما رأيتم من فعل ربنا ولتنذروا من بعدكم. ثم أمر أمير حرسه فقذف في رقابهم الجوامع وطاف بهم سبعين يومًا حولبيت المقدس وكان يرزقهم في كل يوم خبزتَيْن من شعير لكل رجل منهم. فقال سنحاريث لملك بني إسرائيل: القتل خير مما تفعل بنا فافعل ماأمرت. فأمر بهم إلى سجن القتل فأوحى الله إلى شعيا النبي: أن قل لملكبني إسرائيل يرسل فبلغ النبي شعيا ذلك الملك ففعل فخرج سنحاريث ومن معه حتى قدموابابل فلما قدموا جمع الناس فأخبرهم كيف فعل الله بجنوده ثم لبث سنحاريث بعد ذلك سبعسنين ثم مات. وقد زعم بعض أهل الكتاب أن هذا الملك من بني إسرائيل الذي سار إليهسنحاريث كان أعرج وكان عرجه من عِرْق النسا وأن سنحاريث إنما طمع في مملكته لزمانتهوضعفه وأنه قد كان سار إليه قبل سنحاريب ملك من ملوك بابل يقال له " ليفر "وكان بخت نصر ابن عمه وكاتبه وأن الله أرسل عليه ريحًا أهلكت جيشه وأفلت هو وكاتبهوأن هذا البابلي قتله ابن له وأن بخت نصر غضب لصاحبه فقتل ابنه الذي قتل أباه وأنسنحاريث سار بعد ذلك إليه وكان مسكنه نِينَوى مع ملك أذربيجان يومئذ وكان يدعىسلمان الأعسر وأن سنحاريث وسلمان اختلفا فتحاربا حتى تفانى جنداهما وصار ما كانمعهما غنيمة لبني إسرائيل. وقال بعضهم: بل الذي غزاه سنحاريث حزقيا صاحب شعيا و أنه لما أحاطببيت المقدس بجنوده بعث الله تعالى ملكًا فقتل من أصحابه في ليلة واحدة مائة ألفوخمسة وثمانين ألفًا. وكان ملكه إلى أن تُوُفي تسعًا وعشرين سنة. ثم ملك بعده ابنه مِنَشَا بن حزقيا إلى أن توفى خمسًا وخمسين سنة. ثم ملك بعده ابنه أمون إلى أن قتله أصحابه اثنتي عشرة سنة. ثم ملك ابنه يوشيا إلى أن قتله فرعون المقعد ملك مصر إحدى وعشرينسنة. ثم ملك بعده ابنه ياهواحاز فغزاه فرعون المقعد فأسره وأشخصه إلى مصروملك يوثاقيم بن ياهواحاز على ما كان عليه أبوه ووظف عليه خراجًا يؤديه إليه فبقيكذلك اثنتي عشرة سنة. ثم ملك بعده ابنه يوثا حين فغزاه بخت نصر فأسره وأشخصه إلى بابل بعدثلاثة أشهر من ملكه وملك مكانه شيا عمه وسماه صديقيا فخالفه فغزاه فظفر به فذبحولده بين يديه وسَمَل عينيه وحمله إلى بابل وخرب المدينة وسبى بني إسرائيل وحملهمإلى بابل فمكثوا بها إلى أن ردهم إلى بيت المقدس كيرش بن جاما سب لقرابة كانت بينهوبينهم من قبل أمه فكان جميع ما ملك صديقيا إحدى عشرة سنة وثلاثة أشهر. ثم صار ملك بيت المقدس والشام لأشتاسب بن بهراسب وعامله على ذلك كلهبخت نصر. وقال محمد بن إسحاق: لما قبض الله عز وجل صديقه ملك بني إسرائيلالذي قد تقدم خبره مَرِج أمر بين إسرائيل وتنافسوا الملك حتى قتل بعضهم بعضًاونبيهم شعيا معهم لا يقبلون منه. فأوحى اللهّ تعالى إليه: قم في قومك أوح على لسانك فلما قام أنطقالله لسانه بالوحي فلما فرغ من مقالته عدوا عليه فهرب منهم فلقيته شجرة فانفلقتفدخل فيها وأدركه الشيطان فأخذ بهُدْبة من ثوبه فأراهم إياه فوضعوا المنشار فيوسطها فنشروها حتى قطعوها وقطعوه في وسطها. ذكر ملوك فارس قد ذكرنا ملوك بني إسرائيل في ذلك الزمان فأما ملوكفارس فإنه كان قد ملك إقليم بابل والمشرق من ملوك فارس كيقباذ وقد ذكرنا الملوكقبله في قصة يوشع. ثم ملك بعده كيقابوس وكان يسكن بلخ وولد له ولد لم ير أحسن منه ولاأكمل فسماه سياوخش وكان قد تزوج بنت فراسياب ملك الترك فهويت سياوخش ودعته إلىنفسها فامتنع فأفسدت ما بينه وبين أبيه فبعثه أبوه لحرب فراسياب لأمر جرى بينهمافلما صار إلى هناك جرى بينه وبين ملك الترك صلح فكتب إلى أبيه يخبره فكتب إليه أبوهيأمره بمناهضة فراسياب فرأى أن الحرب بعد الصلح لا يحسن فراسل فراسياب في أخذالأمان منه فأجابه وزوجه ابنته فحملت منه فأشفق على ملكه منه لما رأى من كماله وحرضعليه فقتله. فبلغ الخبر أباه فبعث من غزا الترك وأثخن فيهم وجاء بزوجة ابنهوولدها وإسمه كيخسرو ثم نهض طالبًا بثأر أبيه فلقي فراسياب فقتل بينهما مائة ألف ثمظفر بفرا سياب فقتله. ثم زهد في الملك وتنسك بعد أن ملك مملكة الفرس ستين سنة وأعلمالوجوه من أهله بذلك فجزعوا وتضرعوا إليه أن لا يفعل فلم يقبل منهم. قالوا: فسم لنا من يملك. وكان لهراسب حاضرًا فأشار إليه فلما ولي الأمر بنى مدينة بلخ وأقامبها يقاتل الترك. ودون الدواوين وعمر الأرض وجبى الخراج وكان بعيد الهمة محمود السيرةتقر له الملوك بأنه ملكهم وفي زمانه بعث أرميا. يتبع<<< |
أموت ويبقى ما كتبته ** فيا ليت من قرا دعاليا عسى الإله أن يعفو عني ** ويغفر لي سوء فعاليا قال ابن عون: "ذكر الناس داء،وذكر الله دواء" قال الإمام الذهبي:"إي والله،فالعجب منَّا ومن جهلنا كيف ندع الدواء ونقتحم الداءقال تعالى : (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) ولكن لا يتهيأ ذلك إلا بتوفيق الله ومن أدمن الدعاءولازم قَرْع الباب فتح له" السير6 /369 قال العلامة السعدي:"وليحذرمن الاشتغال بالناس والتفتيش عن أحوالهم والعيب لهم فإن ذلك إثم حاضر والمعصية من أهل العلم أعظم منها من غيرهم ولأن غيرهم يقتدي بهم. ولأن الاشتغال بالناس يضيع المصالح النافعة والوقت النفيس ويذهب بهجة العلم ونوره" الفتاوى السعدية 461 |
12-25-2015 | #14 |
|
رد: كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (رائع) ذكر قصة أرمياء وهوأرمياء الألف مضمومة كذلك قرأته على شيخنا أبي منصور اللغوي. أنبأنا يحيى بن ثابت بن بندار قال: أخبرنا أبي قال: أخبرنا أبوعلي بن دوما قال: أخبرنا مخلد بن جعفر قال: أخبرنا الحسن بن علي القطان قال:أخبرنا إسماعيل بن عيسى العطار قال: حدثنا أبو حذيفة إسحاق بن بشر القرشي قال:حدثنا إدريس عن وهب: ان أرمياء كان غلامًا من أبناء الملوك وكان زاهدًا ولم يكنلأبيه ابن غيره وكان أبوه يعرض النكاح وكان يأبى مخافة أن يشغله عن عبادة ربه فألحعليه أبوه وزوجه في أهل بيت من عظماء أهل مملكته فلما دخلت عليه امرأته قال لها:يا هذه إني مسر إليك أمرًا فإن كتمتِه علي وسترته سترك الله في الدنيا والآخرة وإنأنت أفشيته قصمك الله في الدنيا والاخرة. قالت: فإني سأكتمه عليك قال: فإني لا أريد النساء. فأقامت معه سنة ثم إن أباه أنكر ذلك فسأله فقال: يا أبه ما طالذلك بعد فدعى امرأته فسألها فقالت مثل ذلك ففرق بينهما وزوجه امرأة في بيت أشرافهمفأدخلت عليه فاستكتمها أمره فلما مضت سنة سأله أبوه مثل ما سأل فقال: ما طال ذلكفسأل المرأة فقالت: كيف تحمل امرأة من غير زوج ما مسني فغضب أبوه فهرب منه. فبعثه الله نبيًا مع ناشية و ناشية ملك. وذلك حين عظمت الأحداث في بني إسرائيل وعملوا بالمعاصي وقتلواالأنبياء وأوحي إليه: إني مهلك بني إسرائيل ومنتقم منهم فقم على صخرة بيت المقدسيأتيك أمري فقام وجعل الرماد على رأسه وخرَّ ساجدًا وقال: يا رب وددت أن أمي لمتلدني حين جعلتني آخر أنبياء بني إسرائيل فيكون خراب بيت المقدس وبوار بنىِ إسرائيلمن أجلي فقيل له: إرفع رأسك فرفع رأسه وبكى ثم قال: يا رب من تسلط عليهم قال:عبدة النيران لا يخافون عذابي ولا يرجون ثوابي قم يا أرميا فاستمع حتى أخبرك خبركوخبر بني إسرائيل: من قبل أن أصورك قد نبيتك من قبل أن أخرجك من بطن أمك طهرتكومن أقبل أن تبلغ الأشد اخترتك ولأمر عظيم اجتبيتك فقم مع الملك ناشية فسدده وأرشدهفكان معه يرشده ويأتيه الوحي حتى عظمت الأحداث ونسوا أنجاة الله إياهم من عدوهمسنحاريث فأوحى الله إلى أرميا: قم فقص عليهم ما أمرتك به وذكرهم نعمتي عليهموعرفهم أحداثهم. فقال أرميا: يا رب إني ضعيف إن لم تقوني عاجز إن لم تبلغني مخطىءإن لم تسددني مخذول إن لم تنصرني ذليل إن لم تعزني. فقال الله تعالى له: أو لم تعلم أن الأمور كلها تصدر عن مشيئتيوأن الخلق والأمر كله لي وأن القلوب والألسنة كلها بيدي أقلبها كيف شئت فتطيعنيوأنا الله الذي ليس شيء مثلي قامت السموات والأرض وما فيهن بكلمتي ولم تتم المقدرةإلا لي ولم يعلم ما عندي غيري وأنا الذي كلمت البحار ففهمت قولي وأمرتها فعقلت أمريوحدّدْت عليها حدودا فلا تعدو حدي وإني معك ولن يصل إليك شيء معي وإني بعثتك إلىخلق عظيم من خلقي لتبلغهم رسالاتي مستوجبًا بذلك أجر من اتبعك منهم ولا ينقص منأجورهم شيء إنطلق إلى قومك فقم فيهم وقل لهم إن اللّه تبارك وتعالى ذكركم بصلاحآبائكم فلذلك استقاكم يا معشر أبناء الأنبياء ونسلهمِ كيف وجد أباؤهم مغبة طاعتيوكيف وجدوا هم مغبة معصيتي وهل وجدوا أحدًا عصاني فسعد بمعصيتي وهل علموا أحدًاطاعني فشقي بطاعتي إن الدواب إذا ذكرت أوطانها الصالحة نزعت إليها وإن هؤلاء القومرتعوا في مروج الهلكة وتركوا الأمر الذي به أكرمت آباءهم وابتغوا الكرامة من غيروجهها. أما أحبارهم ورهبانهم فاتخذوا عبادتي خولًا يتعبدونهم دوني ويحكمونفيهم بغير كتابي حتى أنسوهم ذكري و غيروا سنني فأدان لهم عبادي بالطاعة التي لاتنبغي إلا لي فهم يطيعونهم في معصيتي. وأما ملوكهم وأمراؤهم فبطروا نعمتي وأمنوا مكري وغرتهم الدنيا حتىنبذوا كتابي ويفترون على رسلي جرأة منهم عليَّ وغِرَّة بي. فسبحان جلالي وعلو مكاني وعظمة شأني! وهل ينبغي لي أن يكون ليشريك في ملكي. وهك ينبغي لبشر أن يطاع في معصيتي وهل ينبغي لي أن أخلق عبادًاأجعلهم أربابًا من دوني وآذن بطاعة لأحد لا تنبغي لأحد إلا لي. وأما قرّاؤهم وفقهاؤهم فيدرسون ما يتخيرون فينقادون للملوكفيتابعونهم على البدع التي يبتدعون في ديني ويطيعونهم في معصيتي ويوفون بعهودهمالناقضة لعهدي. وأما أولاد النبيين فمقهورون ومفتونون يخوضون مع الخائضين فيتمنونطي مثل نصري آباءهم والكرامة التي أكرمتهم بها ويزعمون أنه لا أحد أولى بذلك منهممني بغير صدق منهم ولا تفكر ولا يذكرون كيف كان نصر آبائهم وكيف كان جهدهم في أمريحين اغتر المغترون وكيف بذلوا أنفسهم ودماءهم فصبروا وصدقوا حتى عز أمري وظهر دينيفتأنَّيْت بهؤلاء القوم لعلهم يستحييون مني ويرجعون فطولت عليهم وصفحت عنهم فأكثرتومددت لهم في العمر وأعذرت لعلهم يتذكرون وكل ذلك أمطر عليهم السماء وأنبت لهمالأرض وألبسهم العافية وأظهرهم على العدو فلا يزدادون إلا طغيانًا وبعدًا مني. فحتى متى أبي يتمرسون أم إياي يخادعون أم علي يتجرؤون فإني أقسمبعزتي لأقيمن لهم فتنة يتحير فيها الحكيم ويضل فيها رأي ذو الرأي وحكمة الحكيم ثملأسلِّطن عليهم جبارًا قاسيًا عاتيًا ألبسه الهيبة وأنزع من صدره الرحمة والبيانيتبعه عد وسواد مثل الليل المظلم له فيه عساكر مثل قطع السحاب ومراكب مثل العجاجكأن حفيف راياته طيرانَ النسور وحجل فرسانه كصوت العقبان يعيدون العمران خرابًاوالقرى وحشًا وببعثون في الأرض فسادًا ويتبرون ما علوا تتبيرًا قاسية قلوبهم لايكترثون ولا يرقون ولا يرحمون يجولون في الأسواق بأصوات مرتفعة مثل زئير الأسدتقشعر من هيبتها الجلود. فوعزتي لأعطلن بيوتهم من كتبي وقدسي ولأخلين مجالسهم من حديثهاوعروسها ولأوحشن مساجدهم من عمارها وزوارها الذين كالوا يتزينون بعمارتها لغيريويتعبدون فيها لكسب الدنيا بالدين ويتفقهون فيها لغير الدين ويتعلمون فيها لغيرالعمل. لأبدلن ملوكها بالعز الذل وبالأمن الخوف وبالغنى الفقر وبالنعمةالجوع وبطول العافية والرخاء ألوان البلاء وبلباس الحرير مدارع الوبر والعباءبالأرواح الطيبة والأدهان جيف القتلى ثم لأعيدن فيهم بعد القصور الواسعة والحصونالحصينة الخراب وبعد البروج المشيدة مساكن السباع وبعد صهيل الخيل عواء الذئاب وبعدضوء السراج دخان الحريق وبعد الأنس الوحشة والقفار. ثم لأبدلن نساءها بالأسورة الأغلال وبقلائد الدر والياقوت سلاسلالحديد وبألوان الطيب والأدهان النقع والغبار وبالمشي على الزرابي عبور الأسواقوالأنهار وبالخدور والستور الحسور عن الوجوه والسوق والأسفار. ثم لأدوسنهم بألوان العذاب حتى لوكان الكائن منهم في خالق لوصل ذلكإليه إني إنما أكرم من أكرمني وإنما أهين من هان عليه أمري ثم لآمرن السماء خلالذلك فلتكونن طبقًا من حديد ولأمرن الأرض فلتكونن سبيكة من نحاس فلا سماء تمطر ولاأرض تنبت. فإن أمطرت خلال ذلك شيئًا سلطت عليه الآفة فإن خلص منهم شيء نزعتمنه البركة وإن دعوني لم أجبهم وإن سألوني لم أعطهم وإن بكوا لم أرحمهم وإن تضرعواإِليَّ صرفت وجهي عنهم وإن قالوا: اللهم أنت الذي ابتدأتنا وآباءنا من قبلنابرحمتك وكرامتك وذلك بأنك اخترتنا لنفسك وجعلت فينا نبوتك وكتابك ثم مكنت لنا فيالبلاد واستخلفتنا فيها وربيتنا وآباءنا من قبلنا بنعمتك صغارًا وحفظتنا وإياهمبرحمتك كبارًا فأنت أحق المنعمين أن لا تغير إن غيرنا ولا تبدل إن فإن قالوا ذلكقلت لهم: إني ابتدىء عبادي بنعمتي ورحمتي فإن قبلوا أتممت وإن استزادوا زدت وإنشكروا ضاعفت وإن بدلوا غيرت وإذا غيروا غضبت وإذا غضبت عذبت وليس يقوم لغضبي شيء. وقال كعب: قال أرمياء: برحمتك أصبحت أتكلم بين يديك وهل ينبغيلي ذلك وأنا أذل وأضعف من أن ينبغي لي أن أتكلم بين يديك ولكن برحمتك أبقيتني لهذااليوم وليس أحد أحق من يخاف هذا العذاب وهذا الوعيد مني بما رضيت به مني طولًاوالإقامة في دار الخاطئين وهم يعصونك حولي بغير نكير ولا تغير مني فإن تعذبنيفبذنبي وإن ترحمني فذلك ظني بك. ثم قال: يا رب سبحانك وبحمدك وتباركت ربنا وتعاليت إنك المملك هذهالقرية وما حولها وهي مساكن أنبيائك ومنزل وحيك يا رب سبحانك وبحمدك وتباركتوتعاليت إنك لمخرب هذا المسجد وما حوله من المساجد ومن البيوت التي رفعت لذكرك يارب وإنك لتعذب هذه الأمة وهم ولد ابراهيم خليلك وأمة موسى نجيك وقوم داود صفيك يارب أي القرى يأمن عقوبتك بعد أوري شلم وأي العباد يأمنون سطوتك بعد ولدخليلكابراهيم وأمة نجيك موسى وقوم خليفتك داود تسلط عليهم عبدة النيران. فقال الله تعالى: يا أرميا من عصاني فلا يستنكر نقمتي فإني إنماأكرمت هؤلاء القوم على قال أرميا: يا رب اتخذت ابراهيم خليلًا وحفظتنا به وموسىنجيًا فنسألك أن تحفظنا ولا تسلط علينا عدونا فأوحى الله تعالى إليه: يا أرمياإني قدستك في بطن أمك وأخرتك إلى هذا اليوم فلو أن قومك حفظوا اليتامى والأراملوالمساكين وابن السبيل وكنت الداعم لهم وكانوا عندي بمنزلة جنة ناعم شجرها طامر لايغور ماؤها ولا يبور ثمرها إني كنت لهم بمنزلة الراعي الشفيق أجنبهم كل قحط وكل عزةواتبع بهم الخصب حتى صاروا كباشًا ينطح بعضها بعضًا. فيا ويلهم ثم يا ويلهم إنما أكرم من أكرمتي وأهين من هان عليه أمريإن من كان قبل هؤلاء القوم من القرون يستخفون بمعصيتي وإن هؤلاء القوم يظهرونمعصيتي في المساجد والأسواق وعلى رؤوس الجبال وظلال الأشجار حتى عجت السماء إليّمنها والأرض والجبال ونفرت منها الوحوش في كل ذلك ينتهون ولا ينتفعون بما علموا منالكتاب. قال: فلما بلغهم أرميا رسالة ربهم وسمعوا ما فيها من الوعيد عصوهوكذبوه وقالوا: أعظمت على الله الفرية وتزعم أن الله معطل أرضه ومساجده من كتابهوعباده وتوحيده فمن يعبده حين لا يبقى له في الأرض عابد ولا مسجد ولاكتاب لقد أعظمتالفرية واعتراك الجنون. فأخذوه وقيدوه وسجنوه فعند ذلك بعث الله عز وجل عليهم بخت نصر. لما ولي لهراسب وتمكن ملكه بعث بخت نصر وهو رجل من الأعاجم فأتىدمشق وصالح أهلها ووجه قائدًا له فأتى بيت المقدس فصالح ملك بني إسرائيل وأخذ منهرهائن وانصرف. فلما بلغ طبرية وثب بنو إسرائيل على ملكهم فقالوا: داهنت أهل بابلوخذلتنا فقتلوه فكتب قائد بخت نصر إليه بما كان فكتب إليه أن يقيم بموضعه حتىيوافيه وأن يضرب أعناق الرهائن الذين معه. فسار بخت نصر حتى أتى بيت المقدس فهدمه وهدم المساجد ورمى فيهاالكنائس وخرب الحصون وحرق التوراة وأخذ الأموال وقتل المقاتله وسبى الذرية وكانواسبعين ألف غلام ووجد في سجن بني إسرائيل أرميا النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهبخت نصر: ما خطبك فأخبره أن الله تعالى بعثه إلى قومه ليحذرهم الذي حل بهم فكذبوهوحبسوه فقال بخت نصر: بئس القوم قوم عصوا رسول ربهم! فخلى سبيله وأحسن إليه. فاجتمع إليه من بقي من ضعفاء بني إسرائيل فقالوا: إنا قد أسأناوظلمنا ونحن نتوب مما صنعنا فادع الله أن يقبل توبتنا. فذعا ربه فأوحى إليه: إنهم غير فاعلين فإن كانوا صادقين فليقيموامعك بهذه البلد فأخبرهم فقالوا: كيف نقيم ببلدة قد خربت. فخرجوا يستجيرون بملك مصر فغزا بخت نصر أرض مصر فقتل ملكها وقتلهمثم بلغ أقصى ناحية المغرب ذكر خبر غزو بخت نصر للعرب إن بخت نصر إنما حارب بنيإسرائيل لقتلهم يحيى بن زكريا وليس بصحيح على ما سيأتي بيانه ثم حارب العرب في زمنمعد بن عدنان فجمع من في بلاده من تجار العرب فبنى لهم حيرًا على النجف وضمهم فيهووكل بهم من يحفظهم ثم تأهب للخروج إلى قتال العرب فأقبلت طوائف منهم مسالمينفأنزلهم على شاطىء الفرات فابتنوا موضع معسكرهم فسموه الأنبار وخلى عن أهل الحيرةفاتخذوها منزلًا في حياة بخت نصر. فلما مات انضموا إلى أهل الأنبار وبقي ذلك الحير خرابًا. وقال قوم: خرج بخت نصر فالتقى هو وعدنان ورجع بخت نصر بالسبايافألقاهم بالأنبار فقيل: أنبار العرب ثم مات عدنان وبقيت بلاد العرب خرابًا. فلما مات بخت نصر خرج معد بن عدنان ومعه أنبياء بني إسرائيل حتى أتىمكة فأقام أعلامها وحج وحج معه الأنبياء وأفنى أكثر جرهم وتزوج معانة بنت جوشمفولدت له نزار بن معد وولد لنزار مضر وربيعة وإياد وأنمار فقسم ماله بينهم. وأنبأنا الحسين بن محمد الدياس قال: أخبرنا أبو جعفر بن المسلمةقال: أخبرنا أبو طاهر المخلص قال: أخبرنا أحمد بن سليمان الطوسي قال: حدثناالزبير بن بكار قال: حدثني عقبة المكرم قال: حدثني محمد بن زياد عن ميمون بنمهران عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تسبوا مضروربيعة فإنهما كانا مسلمين ". أنبأنا محمد بن عبد الباقي البزاز قال: أنبأنا أبو القاسم علي بنالمحسن التنوخي قال: حدثنا أبي قال: حدثنا أحمد بن كامل بن شجرة قال: حدثناأبو أحمد محمد بن موسى بن حمار البربري قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن أبي السريقال: أخبرنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن معاوية بن عميرة أنه سمع عبد اللهبن عباس وقد سأله عن ولد نزار بن معد قال: " هم أربعة: مضر وربيعة وإيادوأنمار بنو نزار بن معد بن عدنان فكثر أولاد معد ونموا وتلاحقوا ومنازلهم مكة وماوالاها من تهامة فانتشروا وتنافسوا في المنازل والمحال وأرض العرب يومئذ خاوية ليسفيها كبير أحد إلا خراب بخت نصر وإياها وأجلى أهلها إلا من كان اعتصم برؤس الجبالولجأ إلى أوديتها وشعابها ولحق بالمواضع التي لا يقدر عليه فيها متنكبًا لمسالكجنده فاقتسموا الغور غور تهامة على سبعة أقسام لمنازلهم ومسارح أنعامهم ومواشيهموإنما سميت بلاد العرب الجزيرة لإحاطة البحر والأنهار بها فصاروا في مثل الجزيرة منجزائر البحر. وذلك أن الفرات أقبل من بلاد الروم فظهر بناحية قنسرين ثم انحط علىالجزيرة وسواد العراق حتى وقع في البحر من ناحية البصرة والأيلة فامتد البحر من ذلكالمرضع مطيفًا ببلاد العرب فأتى منها على صفوان وكاظمة ونفذ إلى القطيف وهجر وعمانوالشحر ومال منه عنق إلى حضرموت وناحية أبين وعدن واستطال ذلك العنق فطعن في تهايماليمن ومضى إلى ساحل جدة. وأقبل النيل في غربي هذا العنق من أعلى بلاد السودان مستطيلًامعارضًا للبحر معه حتى وقع في بحرمصر والشام. ثم أقبل ذلك البحر من مصر حتى بلغ بلاد فلسطين فمر بعسقلان وسواحلهاوأتى على بيروت ونفذ إلى سواحل حمص و قنسرين حتى خالط الناحية التي أقبل منهاالفرات فخطا على أطراف قنسرين والجزيرة إلى سواد العراق. وأقبل جبل الصراة من قعر اليمن حتى بلغ أطراف الشام فسمته العربحجازًا لأنه حجز بين الغور ونجد فصار ما خلف ذلك الجبل في غربيه الغور وما دونه فيشرقيه النجد. فصار لعمرو بن معد بن عدنان وهو قضاعة جدة وما دونها إلى منتهى ذاتعرق إلى حيز الحرم فانتشروا فيها وكان لجنادة بن معد الغمر. وصار لمضر بن نزار حيز الحرم إلى السروات. وصار لربيعة بن نزارمهبط الجبل من غمر ذي كندة وبطن ذات عرق إلىعمرة وما صاقبها من بلاد نجد الغور من تهامة. وصار لأياد وأنمار ما بين حذاء من مصر إلى أرض نجران وما قاربها. وصار لباقي ولد معد أرض مكة وأوديتها وشعابها وجبالها وبطاحها وماصاقبها من البلاد فأقاموا بها مع من كان في الحرم من جرهم. وسنذكر أحوال بني نزار في نسب نبينا صلى الله عليه وسلم. وفي ذلك الزمان تفرقت بنو إسرائيل ونزل بعضهم أرض الحجاز بيثربووادي القرى وغيرهما. ثم أوحى اللهّ تعالى إلى أرميا: أني عامر بيت المقدس فأخرج إليهافأنزلها فخرج حتى قدمها وهي خراب فقال في نفسه: متى تعمر هذه. فأماته الله مائة عام ثم بعثة وقيل هو عزير عليه السلام. ذكر عمارة بيت المقدس اختلفوا على قولين: أحدهما: إنه أرميا. روى عبد الصمد بن معقل عن وهب بن منبه قال: أقام أرميا بأرض مصرفأوحى الله تعالى إليه: أن الحق بأرض إيليا فإن هذه ليست لك بأرض فقام فركب حمارهحتى إذا كان ببعض الطريق وقد أخذ معه سلة من عنب وسقاء جديدًا أملاه ماء. فلما بدا له شخص بيت المقدس وما حوله من القرى نظر إلى خراب لا يوصففقال: " أنى يًحيي هذهِ اللّهُ بَعْدَ مَوتِهَا " ثم تبوأ منها منزله وربطحماره فألقى الله عليه السبات ونزع روحه مائة عام. فلما مرت منها سبعون أرسل الله ملكًا إلى ملك من ملوك فارس فقال:إن الله يأمرك أن تنْفِرَ بقومك فتعمر بيت المقدس وإيليا وأرضها حتى تعود أعمر ماكانت. فقال الملك: أنظرني ثلاثة أيام حتى أتأهب لهذا العمل. فندب ألف قهرمان مع كل قهرمان ثلاثة آلاف عامل وما يصلحه من أداةالعمل فسارت القهارمة فلما وقعوا في العمل رد الله روح الحياة في عيني إرمياء فنظرإليها تعمر. قال مجاهد: إسمه كورش ولم يتم بناؤها إلا بعد الملك الرابع بعدكورش على سماعة بن أصيد وهو من رهط داود. القول الثاني إن أرمياء لبث في موته إلى أن هلك بخت نصر وكان قد عاشثلاثمائة سنة وهلك ببعوضة دخلت في رأسه وهلك الملك الذي فوقه وهو لهراسب وكان ملكهمائة وعشرين سنة. وملك بعده ابنه بشاسب فبلغه عن بلاد الشام خراب وإن السباع قد كثرتفي بلاد فلسطين فلم يبق فيها من الإنس أحد فنادى في أرض بابل في بني إسرائيل: منشاء أن يرجع إلى الشام فليرجع وملك عليهم رجلًا من آل داود وأمره أن يعمر بيتالمقدس ويبني مسجدها فرجعوا فعمروها ورد اللّه الروح إلى أرمياء عليه السلام. القول الثالث وعلى هذا أكثر العلماء وهو عُزَير بن شرويق بن عزيا بنأيوب بن زرحيا بن عزي من ولد هارون. أخبرنا أبو الحصين قال: أخبرنا أبو طالب بن غيلان قال: أخبرناأبو بكر الشافعي قال: حدثنا أبو يعقوب الحربي قال: حدثنا أبو حذيفة النهديقال: حدثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن ناجية بن كعب: " أوْ كَالَذِي مًرعَلَى قَرْيَة " قال: هو عزير. قاد علماء السير: لما قال عزيز: " أني يحيى هذه اللّه بعدموتها " أماته اللّه مائة عام وأول ما خلق منه عيناه فجعل ينظر إلى عظامه ينضمبعضها إلى بعض ثم كسيت لحمًا ونفخ فيه قال ابن عباس: مات وهو ابن أربعين سنةوابنه ابن عشرين سنة. ثم بعث وهو ابن أربعين ومائة وابنه ابن مائة وعشرين فأقبل حتى أتىقومه في بيت المقدس فقال: أنا عزير فقالوا: حدثنا آباؤنا أن عزير مات فقال:أنا هو أرسلني الله إليكم أجدد لكم توراتكم وكانت قد ذهبت فليس أحد يقرأها فأملاهاعليهم. قال وهب بن منبه: كان عزير من السبايا التي سباها بخت نصر من بيتالمقدس فرجع إلى الشام يبكي على فقد التوراهَ فجاء ملك فقال: صم وتطهر وطهر ثيابكوتعالى إلى هذا المكان. ففعل فأتاه بإناء فيه ماء فسقاه فمثلت التوراة في صدره فرجع على بنيإسرائيل فتلاها عليهم وأقام فيهم مقيمًا بحق اللّه ثم توفاه. قال أحمد بن جعفر بن المنادي: لما تلى عليهم بعضها افتتنوا فقالوما قالوا فلما مات بدلت وكان المتولي لتبديلها ميخائيل تلميذ عزير وهو رأس بابلكلها. وقال غيره: لما خرب بيت المقدس أحرق التوراة وساق بني إسرائيل إلىبابل فذهبت التوراة فجاء عزير فجددها لهم ودفعها إلى تلميذ له ومات فذلك التلميذزاد فيها ونقص. ويدل على تبديلها أن فيها أسفار موسى وما جرى له وكيف كان موتهووصيته إلى يوشع وحزن بني إسرائيل عليِه وغير ذلك مما لا يشكل على عافل أنه ليس منكلام اللّه ولا من كلام وقال داود بن أبي هند: سأل عزير ربه عن القدر فأوحى اللّهإليه: سألتني عن علمي فعقوبتك أن لا أَسميك في الأنبياء فلم يذكرمن الأنبياء. قالت علماء السير: لما بني بيت المقدس أقام بنو إسرائيل أمرهموكثروا إلى أن غلبتهم الروم فلم يكن لهم بعد ذلك جماعة. ذكر زراديشت ويقال: زرتيشست بن سقيمان وقيل: ابن حركان بعد ثلاثين سنة منملك بشتاسب وهو الذي يزعم المجوس أنه نبيهم. وقد زعم بعض أهل الكتاب أنه كان خادمًا لبعض تلامذة أرمياء النبيصلى الله عليه وسلم وأنه كان خاصًا به فخانه وكذب عليه فدعى الله عليه فبرص فلحقبأذربيجان وشرع بها دين المجوسية ثم خرج منها متوجهًا نحو بشتاس وهو ببلخ. فلما قدم عليه ادعى النبوة وأراده على قبول دينه فامتنع من ذلك ثمصدقه وقبل ما دعاه إليه وأتاه به من كتاب ادعاه وحيًِا فكتب في جلد اثني عشر ألفبقرة حفرًا في الجلود ونقشًا بالذهب وصيّر بشتاسب ذلك في موضع من إصطخر ووكل بهالهرابذة ومنع تعليمه العامة وألزم رعيته بقبول قول زرادشست وقتل منهم مقتلة عظيمةحتى قبلوا ذلك ودانوا به وبنى بالهند بيوت النيران وتنسك وتعبد. وقال عمرو بن بحر الجاحظ: جاء زرادشت من بلخ وهو صاحب المجوسوادعى أن الوحي نزل عليه على جبل سيلان فدعى أهل تلك النواحي الباردة الذين لايعرفون إلا البرد وجعل الوعيد يضاعف البرد وأقر بأنه لم يبعث إلا إلى أهل الجبالفقط وشرع لأصحابه التوضؤ بالأبوال وغشيان الأمهات وتعظيِم النيران مع أمور سمجة. قال: ومن قول زرادثست: كان الله وحده ولا شيء معه فلما طالتوحدته فكر فتولد من فكره إبليس فلما مثل بين يديه أراد قتله فامتنع منه فلما رأىامتناعه وادعه إلى مدةّ وسالمه إلى غاية. وما زال مذهب زرادشت معمولًا به إلى زمان كسرى أنوشروان فإنه هوالذي منع من أتباع ملة زرادشت وقد ذكرنا أنه كان للمجوس نبي وكتاب إلا أنه لا يتحققمتى كان ذلك. وقد أخبرنا أبو زرعة طاهر بن محمد المقدسي قال: أخبرنا علي بنمنصور بن علان (ح). وأخبرتنا فاطمة بنت الحسين بن الحسن الرازي قالت: أخبرنا أبوبكرأحمد بن علي الخطيب قالا: أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الخيري قال: أخبرناأبو العباس الأصم قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: حدثنا الشافعي قال: حدثناسفيان عن سعيد بن المرزبان عن نصر بن عاصم قال: قال فروة بن نوفل: على ما تَؤخذالجزية من المجوس وليسوا بأهل كتاب فقام إليه المستورد فأخذ يلبيه وقال: يا عدوالله تطعن على أبي بكر وعمر وعلى أمير المؤمنين يعني عليًا وقد أخذوا منهم الجزيةفذهب به إلى القصة فخرج إليهم علي رضي الله عنه فقال: اتئدا! أنا أعلم الناسبالمجوس كان لهم علم يعلمونه وكتاب يدرسونه وإن ملكهم سكر فوقع على ابنته أو أمهفاطلع عليه بعض أهل مملكته فلما صحا جاءوا يقيمون عليه الحد فامتنع منهم فدعا أهلمملكته فقال: تعلمون دينًا خيرًا من دين آدم قد كان آدم ينكح بنيه من بناته فأناعلى دين آدم وما يرغب بكم عن دينه. فتابعوه وقاتلوا الذين خالفوهم حتى قتلوهم فأصبحوا وقد أسرى علىكتابهم فرفع بين أظهرهم وهم أهل كتاب وقد أخذ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأبوبكر وعمر منهم الجزية. أنبأنا أبو غالب الماوردي قال: أخبرنا أبو علي التستري قال:أخبرنا أبو عمرو الهاشمي قال: أخبرنا أبو علي اللؤلؤي قال: حدثنا أبو داودالسجستاني قال: حدثنا أحمد بن سنان الواسطي قال: حدثنا محمد بن بلال عن عمرانالقطان عن أبي حمزة عن ابن عباس قال: إن أهل فارس لما مات نبيهم كتب لهم إبليسالمجوسية. وصار الملك باليمن بعد بلقيس إلى ياسر بن عمرو بن يعفر وكان يقالله: ياسر أنعم سموه بذلك لأنعامه عليهم فسار نحو المغرب غازيًا فبلغ إلى واديالرمل ولم يبلغه أحد قبله فلم يقدر على الجواز فبينا هو مقيم انكشف الرمل فأمررجلًا من أهل بيته أن يعبر هو وأصحابه فعبروا فلم يرجعوا. فأمر حينئذ بصنم من نحاس فنصب على صخرة على شفير الوادي وكتب فيصدره: هذا الصنم لياسر الحميري وليس وراءه مذهب فلا يتكلف أحد ذلك فيعطب. ذكر قصة تبع ثم ملك من بعده تُبًع بن زيد بن عمرو بن تبع بن أبرهة بن ذي المناربن الرائش بن قيس بن صيفي بن سبأ. وكان تبع هذا في أيام بشتاسب وبهمن وأنه شخص متوجهًا من اليمن حتىخرج على جبلي طيء ثم سار يريد الأنبار فلما انتهى إلى موضع الحيرة تحير وذلك فيالليل فأقام مكانه فسمي ذلك الموضع الحيرة. ثم سار وخلف به قومًا من الأزد ولخم وجُذام وعاملة وقضاعة فبنواوأقاموا به ثم توجه إلى الأنبار ثم إلى الموصل ثم أذربيجان فلقي الترك بها فهزمهموقتل المقاتلة وسبى الذرية ثم انكفأ راجعًا إلى اليمن فهابته الملوك وأهدت إليه ثمغزا الصين فاكتسح ما فيها وقتل مقاتلتها. أنبأنا يحيى بن ثابت بن بندار قال: أخبرنا أبي قال: أخبرنا أبوعلي بن دوما قال: أخبرنا مخلد بن جعفر قال: أخبرنا الحسن بن علي القطان قال:أخبرنا إسماعيل بن عيسى العطار قال: أخبرنا إسحاق بن بشر قال: حدثنا علي بنعاصم قال: أخبرني عمران بن حدير عن أبي مجلز قال: جاء ابن عباس إلى عبد اللّهبن سلام فسأله فقال: سمعت الله تعالى يذكر تبعًا فلم يذمه وذم قومه فقال: نعمإن تبعًا غزا بيت المقدس فسبى أولاد الأحبار فقدم بهم على قومه فأعجب بفتية منهمفجعل يدنيهم ويسمع منهم وجعل الفتية يخبرونه عن اللّه عز وجل وما في الآخرة فأعجببهم فتكلم قومه فقالوا: إن هؤلاء الفتية قد غلبونا على تبع ونخاف أن يدخلوه فيدينهم. فبلغ تبعًا ما يقول قومه فأعلم الفتية بذلك فقالوا: بيننا وبينهمالنصيف قال: وما هو قالوا: النار التي تحرق الكاذب ويبرأ فيها الصادق. فأرسل إلى أحبار قومه فأدخلهم عليه فقال: اسمعوا ما يقول هؤلاءقالوا: وما يقولون قال: يقولون إن لنا ربًا خلقنا وإليه نعود وان بين أيديناجنة ونارًا فإن أبيتم علينا فإن بيننا وبينكم فمر الفتية في النار وخرجوا منهافاختار تبع من قومه عدتهم فقال: ادخلوها فلما دخلوها أحرقتهم فأسلم تبع وكانرجلًا صالحًا فذكره الله تعالى ولم يذمه وذم قومه. وروى سفيان عن قتادة قال: كان تبع رجلًا من حمير سار بالجنود حتىأتى الحيرة ثم أتى سمرقند فهدمها. أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا القطيعيقال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثنا حسن بن موسى قال:حدثنا ابن لهيعة قال: حدثنا أبو زرعة عمرو بن جابر عن سهل بن سعد قال: سمعترسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لاتسبوا تبعًا فإنه قد كان أسلم ". وقال أبو الحسين بن المنادي: ليس ببعيد أن يكون قوم تبع نسبواإليه لأنه نبي. وقد ذهب قوم إلى أنه كان في الفترة بعد عيسى والله أعلم. ذكر خبر أردشير وابنته خماني قال علماء السير: وجرت لبشتاسب حروبعظيمة مع الترك وغيرهم ومات وكان ملكه مائة واثنتي عشرة سنة وقيل مائة وخمسين. وملك بعد بشتاسب ابن ابنه بهمن بن إسفنديار بن بشتاسب فلما عقدالتاج على رأسه قال: نحن محافظون على الوفاء ودائنون برعيتنا بالخير وكان يدعىأردشير الطويل الباع. وإنما قيل له ذلك لتناوله كل ما يمد يده إليه من الممالك التي حولهحتى ملك الأقاليم كلها. وابتنى بالسواد مدينة وسماها آبادان وابتنى الأبُلّة. وهو أبو دارا الأكبر وأبو ساسان أبي ملوك الفرس الآخر. وكانت أم بهمن من أولاد طالوت وأم ولده من أولاد سليمان بن داود. وتفسير بهمن بالعربية: الحسن النية وأنه ولى في زمانه على بيتالمقدس جماعة ثم ولى كيرش العيلمي من ولد عيلم بن سام بن نوح وكتب إليه أن يرفقببني إسرائيل وأن يطلق لهم النزول حيث أحبوا وأن يولي عليهم من يختارونه فاختاروادانيال النبي صلى الله عليه وسلم فولى أمرهم. ذكر دانيال عليه السلام لما تمت عمارة بيت المقدس سأل أرميا ربه عز وجل أن يقبضه إليه فماتوأنقذ اللّه بني إسرائيل من أرض بابل على يدي دانيال. وكان دانيال ممن سباه بخت نصر في تخريب بيت المقدس فرمى به في جبمغلولًا في فلاة من الأرض وألقى معه سبعَين وأطبق عليه الجب فبقى تسعة أيام. فأوحى الله تعالى إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل: انطلق فاستخرجدانيال من الجب فقال: يا رب من يدلني عليه قال: يدلك عليه مركبك فركب أتانًا لهفخرج يطوف فقال: يا صاحب الجب فأجابه دانيال فقال: قد أسمعت فما تريد قال:أنا رسول الله إليك لأستخرجك من هذا الموضع فقال دانيال: الحمد لله الذي لا ينسىمن ذكره والحمد لله الذي لا يَكِل من توكَلَ عليه إلى غيره والحمد لله الذي يجزيبالإحسان إحسانًا وبالإساءة غفرانًا. ثم استخرجه والسبعان يمشيان معه فعزم عليهما دانيال أن يرجعا إلىالغيضة. وقد روينا أن بخت نصر اتخذ صنمًا وأمر بالسجود له فلم يسجد دانيالوأصحابه فأمر بهم فألقوا في أتون فلم يحترقوا. أنبأنا يحيى بن ثابت بن بندار قال: أخبرنا أبي قال: أخبرنا ابندوما قال: أخبرنا مخلد بن جعفر قال: أخبرنا الحسن بن علي القطان قال: أخبرناإسماعيل بن عيسى العطار قال: حدثنا أبو حذيفة القرشي قال: حدثنا سعيد بن بشر عنقتادة عن كعب قال: كان سبب استنقاذ بني إسرائيل من أرض بابل أن بخت نصر لما صدرمن بيت المقدس بالأسارى وفيهم دانيال وعزير فاتخذ بني إسرائيل خولًا زمانًا طويلًاوإنه رأى رؤيا فزع منها فدعا كهنته وسحرته فأخبرهم بما أصابه من الكرب في رؤياهوسألهم أن يعبروها فقالوا: قصها علينا قال: قد أنسيتها فأخبروني بتأويلهاقالوا: لا نقدر حتى تقصها فغضب وقال: قد أجلتكم ثلاثة أيام فإن أتيتمونيبتأوبلها وإلا قتلتكم. وشاع ذلك في الناس فبلغ دانيال وهو محبوس فقال لصاحب السجن: هل لكأن تذكرني للملك فإن عندي علم رؤياه وإني أرجو أن تنال بذلك عنده منزلة فقال له:إني أخاف عليك سطوة الملك لعل غم السجن حملك على أن تروح بما ليس عندك فيه علم قالدانيال: لا تخف عليً فإن لي ربًا يخبرني بما شئت من حاجتي. فانطلق صاحب السجن فأخبر بخت نصر بذلك فدعا دانيال فدخل ولا يدخلعليه أحد إلا سجد له فوقف دانيال ولم يسجد فقال الملك لمن في البيت: اخرجوافخرجوا فقال: ما منعك أن تسجد لي قال: إن لي ربًا أتاني هذا العلم على أن لاأسجد لغيره فخشيت أن أسجد لك فينسلخ عنيِ العلم ثم أصير في يديك أميًا لا تنتفع بىِفتقتلني فرأيت ترك السجدة أهون من القتل وخطر سجدة أهون من الكرب الذي أنت فيهفتركت السجود نظرًا إلى ذلك. فقال بخت نصر: لم يكن قط أوثق في نفسي منك حيث وفيت لإلهك وأعجبالرجال عندي الذين يوفون لأربابهم بالعهود فهل عندك علم بهذه الرؤيا التي رأيتقال: نعم عندي علمها وتفسيرها. قال: رأيت صنمًا عظيمًا رجلاه في الأرض ورأسه يمس السماء أعلاه منذهب ووسطه من فضة وأسفله من نحاس وساقاه من حديد ورجلاه من فخار فبينا أنت تنظرإليه قد أعجبك حسنه وأحكام صنعته قذفه الله بحجر من السماء فوقع على قبة رأسه فدقهحتى طحنه فاختلط ذهبه وفضته ونحاسه وحديده وفخاره حتى يخيل اليك أنه لو اجتمع الإنسوالجن على أن يميزوا بعضه من بعض لم يقدروا على ذلك ولو هبت الريح لأذرته. ونظرت إلى الحجر الذي قذف به يربو ويعظم وينتشر حتى ملأ الأرضينكلها فصرت لا ترى إلا السماء والحجر. قال له بخت نصر: صدقت هذه الرؤيا التي رأيت فما تأويلها. قال: أما الصنم فأمم مختلفة في أول الزمان وفي أوسطه وفي آخره. وأما الذهب فهذا الزمان وهذه الأمة التي أنت فيها وأنت ملكها. وأما الفضة ابنك من بعدك يملكها وأما النحاس فإنه الروم وأما الحديدففارس. وأما الفخار فأمتان تملكهما امرأتان إحداهما في مشرق اليمن والأخرىفي غربي الشام. وأما الحجر الذي قذف به الصنم حذف الله به هذه الأمم في آخر الزمانفيظهر عليها حتى يبعث نبي أمي من العرب فيدوخ به الأمم والأديان كما رأيت الحجر دوخأصناف الصنم ويظهره على الأديان والأمم كما رأيت الحجر ظهر على الآرض وانتشر فيهاحتى ملأها فيحق الله به الحق ويزهق به الباطل ويعز به الأذلة وينصر بهالمستضعفين. فقال له بخت نصر: ما أعلم أحدًا استفتيت به منذ وليت الملك علىشيء غلبني غيرك ولا لأحد عندي يد أعظم من يدك وأنا أجازيك بإحسانك فاختر من ثلاثخلال أعرضهن عليك: إن أحببت أن أردك إلى بلادك وأعمر لك كل شيء خربته وإن أحببتكتبت لك أمانًا تأمن به حيث ما ملكت وإن أحببت أن تقيم معي فأواسيك. قال دانيال: أما قولك تردني إلى بلادي وتعمر لي ما خربت فإنها أرضكتب الله عز وجل عليها الخراب وعلى أهلها الفناء إلى أجل معلوم فليس تقدر علي أنتعمر ما خرب الله ولا ترد أجلًا أجله الله حتى يبلغ الكتاب أجله وينقضي هذا البلاءالذي كتب الله على إيليا وأهلها. وأما قولك أن تكتب لي أمانًا آمن به حيث ما توجهت فإنه لا ينبغي ليأن أطلب مع أمان الله أمان مخلوق. وأما ما ذكرت من مواساتك فإن ذلك أرفق لي يومي هذا حتى يُقضى فيناقضاء. فجمع بخت نصر ولده وحشمه وأهل العلم والرأي من أهل المملكة فقاللهم: هذا رجل حكيم قد فرج اللهّ به عني الكرب الذي عجزت عنه وإني رأيت أن أوليهأمركم فخذوا من أدبه وحكمته وأعظموا حقه فإذا جاءكم رسولان أحدهما مني والآخر مندانيال فآثروا حاجته على حاجتي. قال: فنزل منه دانيال أفضل المنازل فجعل تدبير ملكه إليه فلما رأىذلك عظماء أهل بابل حسدوا دانيال فاجتمعوا إلى بخت نصر فقالوا له: لم يكن علىالأرض ملك أعز من ملكنا ولا قوم أهيب في صدور أهل الأرض منا حتى دانت لنا الأرضوالأن قد طمعوا فينا منذ قلدت ملكك هذا العبد الإسرائيلي فقال أتنقموني إِني عمدتإلى أحكم أهل الأرض فاستعنت به. ثم ان بخت نصر هلك ببعوضة سلطت عليه وملك مكانه ابنه بلطا فبطش بطشالجبارين وكان يشرب الخمر في آنية مسجد بيت المقدس التي غنمها أبوه فنهاه دانيال ثمقال له: إنك تقتل إلى ثلاثة ويسلب الله ملكك فدخل بيته وأغلق بابه ودعى أوثقالناس عنده وقال: الزم عتبة بابي فلا يمر بك أحد في هذه الأيام الثلاثة إلا قتلتهوإن قال إني أنا الملك. فلما مضت الأيام الثلاثة قام الملك فخرج من الباب فرحًا فمر بالحارسفقام الحارس فضربه بالسيف وهو يقول: أنا الملك فيقول: كذبت فقتله. ورجع بنو إسرائيل إلى بيت المقدس فمكثوا بأحسن حال حتى مات دانيالثم كثرت فيهم الأحداث والبغي فسلط الله عليهم أرطاصوس فقتل وسبى. وهذا دانيال من بني إسرائيل وهو مدفون بالسوس ولما فتح أبو موسىالسوس دل على جثة دانيال فقام رجل إلى جثته فكانت ركبة دانيال محاذية رأسه وليسبدانيال الأكبر فإن ذاك كان بين نوح وإبراهيم وقد سبق ذكره. ذكر الملوك بعد ذلك وتوفي بهمن وكان ملكه مائة واثنتي عشرة سنة وقيل ثمانين سنة. ثم ملكت بعده ابنته خماني واختلفوا في سبب تمليكهما. فقال بعضهم: إنما ملكوها لعقلها ونجدتها وإحسان أبيها إليهم. وقال آخرون: كانت حاملًا من أبيها بهمن بدار الأكبر فسألت أباهاأن يعقد له التاج وهو في بطنها ففعل. وكان ساسان من امرأة أخرى وكان حينئذ رجلًا ينتظر الملك لا يشك فيهفلما فعل أبوه ذلك لحق بإصطخر وتزهد وتعبد في رؤس الجبال واتخذ غُنَيْمة فكانيتولاه بنفسه. وقيل: إن خماني ولدت بعد أشهر من ملكها فأخفت من إظهار الولدفجعلته في تابوت وصيرت معه جوهرًا نفيسًا وأجرته تحت نهر من أنهار إصطخر وقيل منأنهار بلخ فوقع التابوت إلى رجل طحان من أهل إصطخر فأخذه ورباه وظهر أمره حين شبوأقرت خماني بإساءتها إليه وتعريضها إياه للتلف فلما تكامل امتحن فوجد على غاية مايكون عليه أبناء الملوِك فحولت التاج عن رأسها إليه وتقلد أمر المملكة وتنقلت خمانيإلى فارس وبنتْ مدينة إصطخر وقمعت الأعداء ومنعتهم من بلادها وأغزت أرض الروم فسبىسبي كثير فأمرت أن يبنى لها في كل موضع بنيانًا منيفًا فأحد ذلك البنيان في مدينةإصطخر. والثاني على المدرجة التي يسلك فيها إلى دار بجرد على فرسخ منالمدينة. والثالث على أربعة فراسخ منها في المدرجة التي تسلك فيها إلىخراسان. وإنها أجهدت نفسها في طلب مرضاة الله تعالى. وكان ملكها ثلاثين سنة. وكان بعض ملكها في زمن كيرش العيلمي الذي ذكرنا آنفًا أنه تولى بيتالمقدس على بني إسرائيل. وعاشت خماني بعد هلاك كيرش ستًا وعشرين سنة وكانت مدة خراب بيتالمقدس من لدن خربه بخت نصر إِلى أن عمر سبعين سنة بعضها في أيام بهمن وبعضها فيأيام خماني. ذكر دارا وأولاده فلما ملك دارا بن بهمن بن إِسفنديار بن بشتاسب وكان ضابطًا لملكهقاهرًا لمن حوله من الملوك فابتنى بفارس مدينة سماها دارا بجرد وولد له ولد فأعجببه فسماه دارا باسم نفسه وصير له الملك من بعده فملك اثنتي عشرة سنة. ثم ملك ابنه دارا بن دارا بن بهمن فأساء السيرة في رعيته وقتلرؤساءهم فغزاه الإسكندر بن فيلبوس اليوناني وقد ملَّه أهل مملكته فلحق كثير منهمبالإسكندر فأطلعوه على عورة دارا وقووه عليه فالتقيا ببلاد الجزيرة فاقتتلا سنة ثمأن رجالًا من أصحاب دارا وثبُوا به فقتلوه وتقربوا برأسه إلى الإسكندر فأمر بقتلهموقال: هذا جزاء من اجترأ على ملكه. وتزوج ابنته روشنك بنت دارا وغزا الهند ومشارق الأرض ثم انصرف وهويريد الإسكندرية فهلك بناحية السواد فحمل إلى الإسكندرية في تابوت من ذهب. وكان ملكه أربع عشرة سنهَ وقيل كان ملك دارا أربع عشرة سنة أيضًاواجتمع ملك الروم وكان قبل الإسكندر متفرقًا وتفرق ملك فارس وكان قبل الإسكندرمجتمعًا. ذكر هلاك دارا بن دارا إن دارا بن دارا لما مَلَك وكان فيلبوس أبو الأسكندر اليوناني قدملك بلادًا من بلاد اليونانيين فصالح دارا على خراج يحمل إِليه في كل سنة ثم ملكابنه الإسكندر فلم يحمل الخراج فغضب دارا وكتب إليه يوبخه وبعث إليه بصولجان وكرةوقفيز من سمسم وقال فيما كتب إليه: أنت صبي ينبغي أن تلعب بالصولجان وإنك إناستعصيت بعثت إليك من يأتيني بك في وثاق وإن عدة جندي كعدة حب السمسم الذي بعثتبه. فكتبإليه الإسكندر أنه قد فهم كتابه وتيَمّن بإرساله الصولجانوالكرة لإلقاء الملقي الكرة إلى الصولجان واحترازه إياها ويشبه الأرض بالكرة وإنهمحيز ملك دارا إلى ملكه وبلاده إلى حيزه من الأرض. وإنه تيمن بالسمسم لدسمه وبعده عن المرارة والحرافة. وبعث إلى دارا بِصُرةٍ من خردل فهي تجمع الكرة والحرافة والمرارة. فلما وصل إليه الكتاب جمع جنده وتأهب لمحاربة الإسكندر وتأهبالإسكندر وسار نحو بلاد دارا. فالتقيا فاقتتلا أشد القتال وصارت الدّبْرة على جند دارا. فلما رأى ذلك رجلان من حرس دارا طعناه من خلفه فوقع ليحظيا عندالإسكندر. ونادى الإسكندر: أن لا يقتل دارا. ثم سار حتى وقف عليه فرآه يجود بنفسه فنزل الإسكندر عن دابته وجلسعند رأسه وأخبره أنه ما هم قط بقتله وأن الذي أصابه لم يكن عن رأيه وقال له: سلنيما بدا لك فقال دارا: إليَ لك حاجتان: إحداهما أن تنتقم لي من الرجلين اللذينفتكا بي والأخرى أن تتزوج ابنتي روشنك. فأجابه وصلب الرجلين وتوسط بلاد دارا فكان له ملكه. وقال آخرون: كان ملك الروم في أيام دارا الأكبر يؤدي إلى داراالخراج فلما هلك ملك الإسكندر وكان ذا حزم ومكر فمن مكره أنه خرج في بعض الحروب منصف أصحابه وأمر من نادى: يا معشر الفرس قد علمتم ما كتبنا لكم من الأمان فمن كانمنكم على الوفاء فليعتزل العسكر وله منا الوفاء. فاتهمت الفرس بعضها بعضًا فكان أول اضطراب حدث فيهم. وتلقاه بعض ملوك الهند بألف فيل عليها السلاح وفي خراطيمها السيوففلم تقف دواب الإسكندر فأمر باتخاذ قلة من نحاس مجوفة وربط خيله بين تلك التماثيلحتى التقيا ثم أمر فملئت نفطًا وكبريتًا وألبسها الدروع وجرت على العجل إلى المعركةوبين كل تمثالين منها جماعة من أصحابه. فلما نشبت الحرب أمر بإشعال النيران في أجواف التماثيل فلما حميتانكشفت أصحابه عنها فغشيتها الفيلة فضربتها بخراطيمها فتشيطت فولت مدبرة راجعة علىأصحابها فصارت وغزا الإسكندر بعض ملوك المغرب فظفر به فآنس لذلك من نفسه القوة فنشزعلى دارا الأصغر وامتنع عما كان يحمله إليه وكان الخراج الذي يؤديه آل الإسكندر إلىملوك الفرس بيضًا من ذهب ألف ألف بيضة في كل بيضة مائة مثقال. فلما امتنع الإسكندر أن يبعث كتب إليه دارا يطالبه. فكتب إليه: إني قد ذبحت تلك الدجاجة التي كانت تبيض ذلك البيضوأكلت لحمها. فالتقيا للقتال بناحية خراسان مما يلي الحرز. ذكر نبذ من أحوال الإسكندر قد ذكرنا أن هذا الإسكندر هو ابن فيلبوس وبعضهم يقول: ابن بيلبوسبن مطريوس. ويقال: ابن مصريم بن هرمس بن هردسر بن مسطون بن رومي بن يلظي بنيونان بن يافث بن توبة بن سرحون بن رومية بن يرثط بن توفيل بن زوفي بن الأصفر بنأليفز بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليه السلام. ولما هلك دارا ملك الإسكندر ملك دارا فملك العراق والروم والشامومصر وعرض جنده بعد هلاك دارا فوجدهم ألف ألف وأربع مائة ألف رجل منهم من جندهثمانمائة ألف ومن جند دارا ستمائة ألف. فجلس على سريره وقال: أدالنا الله من دارا ورزقنا خلاف ما كانيتوعدنا به وهدم ما كان ببلاد الفرس من المدن والحصون وبيوت النيران وقتل الهرابذةوأحرق كتبهم ودواوين دارا واستعمل على مملكة دارا رجلًا من أصحابه وسار إلى أرضالهند فقتل ملكها وفتح مدينتها. ثم سار منها إلى الصين وصنع بها كصنيعه بالهند ودانت له عامة الأرضوملك الصين والتبت. أنبأنا محمد بن عبد الباقي البزاز قال: أنبأنا علي بن المحسنالتنوخي عن أبيه قال: حدثني أبو الفرج الأصفهاني قال: قرأت في بعض كتب الأوائلأن الإسكندر لما انتهى إلى ملك الصين أتاه صاحبه وقد مضى من الليل شطره وقال له:هذا رسول ملك الصين بالباب يستأذن عليك فقال: احضروه. فوقف بين يديه وسلم ثم قال: إن رأى الملك أن تخليني فأمر الإسكندرمن بحضرته من أصحابه فانصرفوا وبقي صاحبه فقال: الذي جئت فيه لا يحتمل أن يسمعهغيرك. فقال الإسكندر فتشوه ففتش فلم يصب معه حديد فوضع الإسكندر بين يديهسيفًا وقال له: كن بمكانك وقل ما شئت وخرج كل ما كان عنده فقال: قل. فقال له: إني أنا الملك لا رسوله وقد جئتك أسألك عما تريد ممايمكن عمله ولو على أصعب الأمور فإني أعمله فأغنيك عن الحرب فقال له الإسكندر: ماآمنك مني قال: علمي بأنك رجل عاقل وليس بيننا عداوه ولا مطالبة قد حل. وأنت تعلم إنك إن قتلتني لم تحظ بطائل ولم يكن سببًا لأخذ مملكةالصين ولم يمنعهم قتلي أن ينصبوا لأنفسهم ملكًا ثم تنسب أنت إلى غير الجميل وصيدالحريم. فأطرق الإسكندر وعلم أنه رجل عاقل فقال: الذي أريد منك ارتفاعمملكتك لثلاث سنين عاجلًا ونصف ارتفاع مملكتك في كل سنة فقال: هل غيرذلك شيءقال: لا قال: قد أجبتك قال: كيف يكون حالك حينئذ قال: أكون قتيلًا وأكلة كلمفترس. قال: فإن قنعت منك بارتفاع سنتين كيف يكون حالك قال: أصلح مماكانت قال: فإن قنعت منك بارتَفاع سنة قال: يكون ذلك كمالًا لأمر ملكي ومذهباٌجميع أذاني قال: فإذا اقتصرت منك على النصف من ارتفاع السنة قال: يكون الملكثابتًا وأسبابه مستقيمة قال: فإذا اقتصرت منك على ارتفاع الثلث قال: يكون السدسوقفًا ويكون الباقي لجيشي وأسباب الملك. قال: فقد اقتصرت منك على هذا فشكره وانصرف. فلما طلعت الشمس أقبل جيش الصين حتى طبق الأرض وأحاط بجيش الإسكندرحتى خافوا الهلاك فتواثب أصحابه فركبوا الخيل واستعدوا للحرب. فبينما هم كذلك إذ طلع وعليه التاج فلما رأى الإسكندر ترجل له فقالله الإسكندر: غدرت قال: لا والله قال: فما هذا الجيش قال: أردت أن أريكأنني لم أطعك عن قلة وضعف وأنت ترى الجيش وما غاب عنك أكثره ولكن رأيت العالمالكبير مقبلًا فملكنا لك ممن هو أقوى منك وأكثر من عددك ومن حارب العالم الكبير غلبوأردت طاعته بطاعتك والذلة بأمره بالذلة لك. فقال الإسكندر: ليس مثلك من يؤخذ منه خراج فما رأيت بينيِ وبينكأحدًا يستحق الفضل والوصف بالعدل غيرك فقد أعفيتك من جميع ما أردته منك وأنا منصرفعنك. فقال له ملك الصين: أما إذا فعلت ذلك فليس بحسن. ثم انصرف الإسكندر فبعث إليه ملك الصين هدايا أضعاف ما كان قررمعه. وكان أرسطاطاليس مؤدب الإسكندر فىِ صغره فقال له ولصبيان معه: أيشيء تعملون إذا ملكتم فكل واحد بذل من نفسه شيئًا فقال الإسكندر: أعمل حسب مايوجبه الوقت ويقتضيه العقل فقال له: أنت أدرى بالرئاسة والملك. فلما ملك الأسكندر كان أرسطاطاليس له كالوزير يكاتبه ويعمل برأيهفكتب إليه: إن في عسكري جماعة لا آمنهم على نفسي لبعد هممهم وشجاعتهم ولا أرى لهمعقولًا تفي بتلك الفضائل. فكتب إليه: أما ما ذكرت من بعد هممهم فإن الوفاء من بعد الهمة. وأما شجاعتهم ونقص عقولهم فمن هذه حاله فَرَفِّهْهُ في معيشتهوأخصصه بحسان النساء فإن رفاهية العيش توهي العزم وتحبب السلامة وليكن خلقك حسنًاتخلص لك النيات ولا تتناول من لذيذ العيش ما لا يمكن أوساط رعيتك مثله فليس معالاستئثار محبة ولا مع المواساة بغضة. واعلم أن المملوك إذا اشترى لا يسأل عن مال سيده وإنما يسأل عنخلقه. وهذا أرسطاطاليس كان من كبار الحكماء قال يومًا أفلاطون لأصحابه:ما العجب فتكلموا فقال أرسطاطاليس: ما ظهر وخفيت علته قال: أنت أفضل الجماعة. وكان أرسطاطاليس يقول: لكل شيء صناعة وصناعة العقل حسنالاختيار. وقال: إعصَ الهوى وأطع من شئت. وقيل له: ألا تجتمع الحكمة والمال فقال: آخر الكمال. وكتب إلى بعض ملوك يونان وكان مستهترًا باللعب: إذا علمت الرعاياتسليط الهوى على الملك تسلطت عليه فاقهر هواك تفضل حكمتك والسلام. فكتب الملك: أيها الحكيم إذا كانت بلادنا عامرة وسبلنا آمنةوعمالنا عادلة فلم تمنع لذة عاجلة. فكتب إليه: إنما تمهدت الأمور على ما ذكرت بيقظتك بالحكمة دونغفلتك باللذة فما أخوفني أن تهدم ما بنته الحكمة ما جنته الغفلة. فأقبل الملك على السياسة. وقد ذكر بعض من لا يعلم إن الإسكندر هو الذي دخل الظلمات وهذا غلطوإنما أشكل عليهم لاشتراك الاثنين في الإسم والتسمية بالإسكندر. وقد ذكرنا خبر ذاك في زمن إبراهيم الخليل وإنه عاش ألف سنة وستمائةسنة وهذا اليوناني عاش ستًا وثلاثين سنة. وملك ثلاث عشرة سنة وأشهرًا وبنى مدنًا كثيرة وتوفي في بعض قرىَبابل. انتهى الجزء الاول تابعوا البقيه في الكتاب |
أموت ويبقى ما كتبته ** فيا ليت من قرا دعاليا عسى الإله أن يعفو عني ** ويغفر لي سوء فعاليا قال ابن عون: "ذكر الناس داء،وذكر الله دواء" قال الإمام الذهبي:"إي والله،فالعجب منَّا ومن جهلنا كيف ندع الدواء ونقتحم الداءقال تعالى : (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) ولكن لا يتهيأ ذلك إلا بتوفيق الله ومن أدمن الدعاءولازم قَرْع الباب فتح له" السير6 /369 قال العلامة السعدي:"وليحذرمن الاشتغال بالناس والتفتيش عن أحوالهم والعيب لهم فإن ذلك إثم حاضر والمعصية من أهل العلم أعظم منها من غيرهم ولأن غيرهم يقتدي بهم. ولأن الاشتغال بالناس يضيع المصالح النافعة والوقت النفيس ويذهب بهجة العلم ونوره" الفتاوى السعدية 461 |
12-29-2015 | #15 |
|
رد: كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (رائع) جزاك الله خيرا معلمتي وبارك الله فيك aqzse aqzse |
|
03-01-2016 | #16 |
|
رد: كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (رائع) طرح رائـع معلمتي يعطيك ألف عافية وسلمت الأنامـل المتألقة على روعة جلبها وانتقائها الراقي بإنتظار روائعك القادمة |
|
03-18-2016 | #17 |
|
رد: كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (رائع) دلال اسمهان شرفني اطلاعكم وردكم حقا كتاب يستحق المتابعه |
أموت ويبقى ما كتبته ** فيا ليت من قرا دعاليا عسى الإله أن يعفو عني ** ويغفر لي سوء فعاليا قال ابن عون: "ذكر الناس داء،وذكر الله دواء" قال الإمام الذهبي:"إي والله،فالعجب منَّا ومن جهلنا كيف ندع الدواء ونقتحم الداءقال تعالى : (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) ولكن لا يتهيأ ذلك إلا بتوفيق الله ومن أدمن الدعاءولازم قَرْع الباب فتح له" السير6 /369 قال العلامة السعدي:"وليحذرمن الاشتغال بالناس والتفتيش عن أحوالهم والعيب لهم فإن ذلك إثم حاضر والمعصية من أهل العلم أعظم منها من غيرهم ولأن غيرهم يقتدي بهم. ولأن الاشتغال بالناس يضيع المصالح النافعة والوقت النفيس ويذهب بهجة العلم ونوره" الفتاوى السعدية 461 |
03-18-2016 | #18 |
مشرفة سابقة |
رد: كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والأمم (رائع) بوركت معلمتي كتاب مميز كتب الله اجرك ولاحرمنامن روعة اختيارك دمت متميزة |
التعديل الأخير تم بواسطة أم إلياس ; 03-18-2016 الساعة 11:54 PM |
مواقع النشر (المفضلة) |
(مشاهدة الكل) عدد الذين شاهدوا هذا الموضوع : 13 : | |
, , , , , , , , , , , |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
الموسوعة الفقهية للدرر السنية كتاب الكتروني رائع | أم انس السلفية | مكتبة العقيدة والفقه الإسلامي | 5 | 02-16-2015 02:16 AM |
أسرار التكرار في القرآن للكرماني كتاب الكتروني رائع | أم انس السلفية | مكتبة القران الكريم | 5 | 11-08-2013 07:02 PM |
تاريخ الخلفاء للسيوطي كتاب الكتروني رائع | هوازن الشريف | مكتبة الحديث والسيرة النبوية | 3 | 07-20-2013 04:12 AM |
صحيح الأحاديث القدسية للعدوي كتاب الكتروني رائع | هوازن الشريف | مكتبة الحديث والسيرة النبوية | 4 | 07-20-2013 04:07 AM |
اعراب القرآن للسيوطي كتاب الكتروني رائع | هوازن الشريف | مكتبة القران الكريم | 3 | 07-20-2013 04:01 AM |