منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد

منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد (https://hwazen.com/vb/index.php)
-   شعاع الفقه (https://hwazen.com/vb/f284.html)
-   -   بيان شروط وجوب الزكاة وما يتعلق بها (https://hwazen.com/vb/t10639.html)

عطر الجنة 01-16-2016 04:16 PM

بيان شروط وجوب الزكاة وما يتعلق بها
 





ضمن شرح الفقه الواضح في المذهب والقول الراجح
على متن زاد المستقنع
كتاب الزكاة (1/8)

الشيخ/ عبدالله بن حمود الفريح

بيان شروط وجوب الزكاة وما يتعلق بها[1]

http://up.movizland.com/uploads/13962899959.gif



الزَّكاة لغةً: الطَّهارة، والنَّماء

الزَّكاة اصطلاحًا: هي التعبُّد لله تعالى، بإخراج جزءٍ واجبٍ شرعًا، في مالٍ معيَّن، لطائفةٍ أو جهةٍ مخصوصة


حُكم الزَّكاة

الزَّكاة فريضة من فرائض الدِّين، وهي الركن الثالث من أركان الإسلام الخمسة.
الأدلَّة:
أولًا: من الكتاب:

قوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاة وَآتُوا الزَّكاة[المزمل: 20]. (1) .

ثانيًا: من السُّنَّة:

عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلَّ الله عليه وسلَّم قال: ((بُني الإسلام على خمس: شهادةِ أنْ لا إله إلَّا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، وإقامِ الصَّلاة، وإيتاءِ الزَّكاة، والحجِّ، وصومِ رمضان))

عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صلَّ الله عليه وآله وسلَّم قال لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعَثه إلى اليمن:((أعْلِمْهم أنَّ الله افترض عليهم صدقةً في أموالهم، تُؤخَذ من أغنيائهم فتردُّ على فقرائِهم))

ثالثًا: الإجماع:

نقل الإجماع على ذلك: ابنُ حزم ، وابنُ رُشد 5و ابنُ قُدامة ، والنوويُّ


فضائل الزَّكاة

للزكاة ثوابٌ عظيم، وفضائلُ جليلة، منها:
1- اقترانها بالصَّلاة في كتاب الله تعالى، فحيثما ورد الأمر بالصَّلاة اقترن به الأمر بالزَّكاة، من ذلك قوله تعالى:وَأَقِيمُوا الصَّلاة وَآتُوا الزَّكاة وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ[البقرة: 110]

2- أنَّها ثالث أركان الإسلام الخمسة؛ لما في الحديث: ((بُني الإسلام على خمسٍ: شهادةِ أنْ لا إله إلَّا الله، وأنَّ محمَّدًا رسول الله، وإقامِ الصَّلاة، وإيتاءِ الزَّكاة، والحجِّ، وصومِ رمضان))

3- أنَّها علامة من علامات التقوى، وسبب من أسباب دخول الجنة، كما قال سبحانه وتعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ[الذاريات: 15 – 19]

و عن أبي الدَّرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّ الله عليه وسلَّم:((خمس من جاء بهنَّ مع إيمان، دخل الجنَّة: من حافظ على الصلوات الخمس على وضوئهنَّ وركوعهنَّ وسجودهنَّ ومواقيتهنَّ، وصام رمضان، وحجَّ البيت إنِ استطاع إليه سبيلًا، وأعطى الزَّكاة طيِّبة بها نفسُه))

*أن الزَّكاة سبب للأمن يوم القيامة وذَهاب الخوف؛ قال الله تعالى: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ[البقرة:274].

*أنَّها سبب لمضاعفة الأجر والثَّواب؛ قال الله تعالى: وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ[الروم: 39]، المُضْعفُون: أي: يُضاعَف لهم الثواب والجزاء (3) ، وقال الله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ[البقرة:261]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّ الله عليه وسلَّم:
((مَن تصدَّق بعَدْل تمرة مِن كسْبٍ طيِّب، ولا يقبل الله إلَّا الطيِّب، فإنَّ الله يتقبَّلها بيمينه ثم يُربيها لصاحبه كما يُربي أحدكم فَلوَّه حتى تكون مثلَ الجبل))

4- أنَّ المحافظة عليها سببٌ من أسباب بلوغ العبد منزلة الصِّدِّيقين والشُّهداء؛ فعن عمرو بن مُرَّة الجهني رضي الله عنه قال:((جاء رجلٌ من قُضاعة إِلى رسول الله صلَّ الله عليه وسلَّم فقال: إِني شهدتُّ أنْ لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وصليتُ الصلوات الخَمْس، وصُمتُ رمضان وقمتُه، وآتيتُ الزَّكاة، فقال رسول الله صلَّ الله عليه وسلَّم: من مات على هذا كان من الصِّدِّيقين والشُّهداء))

5 ـــ أنَّ من أدَّاها طيبةً بها نفسُه، ذاق طعم الإيمان، عن عبد الله بن معاوية الغاضريِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّ الله عليه وسلَّم: ((ثلاثٌ مَن فعلهنَّ فقد طَعِمَ طعْمَ الإيمان: مَن عبَدَ الله وحْده، وعلِم أنْ لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيِّبة بها نفسُه رافدة عليه كلَّ عام، ولم يُعطِ الهَرِمةَ ولا الدَّرِنة ولا المريضة ولا الشَّرَط اللئيمة، ولكن من وسَط أموالكم، فإنَّ الله لم يسألْكم خيرَه ولم يأمركم بشرِّه))

*كل ما تقدم ذكره من الموسوعة الفقهية المختصرة*
===========================


http://www.m5zn.com/newuploads/2015/...c6edc9e95c.gif


بيان شروط وجوب الزكاة وما يتعلق بها[1]

الشيخ / عبد الله بن حمود الفريح
http://www.m5zn.com/newuploads/2015/...c6edc9e95c.gif
فيه سبعُ مسائل:

المسألة الأولى:

شروط وجوب الزكاة خمسة:

وهذه الشروط هي أيضًا عند المذهب، وهي كما يلي:

"الشرط الأول: الحرية":
ونُخرِج بهذا الشرطِ العبدَ، فلا تجب الزكاةُ على العبد؛ لأنه لا مال له، فمالُه لسيِّده.

ويدل على ذلك:
1- حديث عبدالله بن عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من ابتاع عبدًا وله مال، فمالُه للذي باعه، إلا أن يشترط المبتاع))[2].

2- إجماع العلماء على أنْ ليس على العبد زكاةٌ، ونقل الإجماعَ ابنُ هبيرة[3].

الشرط الثاني: الإسلام:
ونُخرِج بهذا الشرط الكافرَ، فلا تجب عليه، ولا تُقبل منه لو فعَلَها، وسواء كان هذا الكافر كافرًا أصليًّا أو مرتدًّا، دلَّ على ذلك الكتابُ والسنة والإجماع والنظر، وهي كما يلي:

1- قوله - تعالى - {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ} [التوبة: 54].

2- حديث ابن عباس - رضي الله عنه - في بعث معاذ إلى اليمن، وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: ((فليكن أولَ ما تَدْعوهم إليه شهادةُ أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله... فإن هم أجابوك لذلك، فأخبِرْهم أن الله افترض عليهم صدقةً تُؤخَذ من أغنيائهم، فتردُّ على فقرائهم))[4].

ووجه الدلالة: أنه أمرهم بالتوحيد قبل الزكاة، فجعل الإسلامَ شرطًا لوجوب الزكاة.

3- إجماع العلماء على أن الإسلام شرطٌ لوجوب الزكاة، ونقل الإجماعَ ابنُ هبيرة[5].

4- ومن حيثُ النظرُ، فإن الزكاة عبادةٌ، والكافرُ ليس من أهل العبادات.

وهذا باعتبار الأداء؛ أي: إن الكافر من حيث وجوبُ أداء الزكاة، لا تجب عليه، ولا تُقبَل منه لو أدَّاها، وأما باعتبار العقوبة، فإنه سيُعاقَب على ترْكها، وتقدَّم في أول كتاب الصلاة أن الكافر يُعاقَب في الآخرة على ترْكه لفروع الشريعة؛ لأنه مخاطب بها، ويدل على ذلك:
قوله - تعالى - {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} [المدثر: 42 - 45].

ووجه الدلالة: أنهم ذَكَروا سببًا لعقوبتهم، وهو تركُهم لفروعٍ من الشريعة، كالصلاة، وإطعام المسكين.

الشرط الثالث: مِلْك النصاب:
ونُخرج بهذا الشرط مَن كان عنده مالٌ يَبْلُغ النِّصابَ ولكنه لا يملِكه، وكذلك نخرج من كان عنده مال يملكه ولكنه لم يبلغ النصاب.

والنصاب: هو القَدْر الذي إذا بلغه المالُ، وجبتْ فيه الزكاةُ، وسيأتي بيان الأنصبة، وهي تختلف باختلاف المال.

مثال ذلك: سيأتينا أن نصاب الذهب عشرون دينارًا، فمَن مَلَكَ هذا النصابَ، وجبتْ عليه الزكاةُ فيه، ولكن لو ملك تسعةَ عشرَ دينارًا، فلا زكاة عليه؛ لأنه لم يبلغ النصاب.

مثال آخر: سيأتينا أن نصاب الغنم السائمة أربعون شاة، فمن ملك أربعين شاة، وجبتْ عليه الزكاة فيه، ولكن لو ملك تسعًا وثلاثين شاة، فلا زكاة عليه؛ لأنه لم يبلغ النصاب، فمِلكُ النصاب شرطٌ لوجوب الزكاة.

ويدل على ذلك:
1- حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صل الله عليه وسلم - قال: ((ليس فيما دون خمسة أَوْسُقٍ صدقةٌ، ولا فيما دون خمس أَوَاقٍ صدقة، ولا فيما دون خمس ذَوْدٍ صدقة))[6].

ووجه الدلالة: أن ما دون خمسة أوسق، أو خمس أواقٍ، أو خمس ذود، ليس فيه زكاة؛ لأنه دون النصاب، والمقصود بالصدقة الزكاة.

2- إجماع العلماء على أن ملك النصاب شرطٌ لوجوب الزكاة، ونقل الإجماع ابن هبيرة[7].

إذًا هذا الشرط مكوَّن من أمرين: أن يكون مالكًا لهذا المال؛ أي: مستقرًّا في ملكه، وسيأتي بيانه، وأن يكون هذا المال بلغ النصاب، فإذا لم يبلغ النصاب، فلا زكاة فيه كما تقدم في المثالين، وكذلك إذا لم يكن مالكًا لهذا المال، فلا زكاة فيه؛ ولذا فإن هناك أموالاً لا مالك لها، فلا زكاة فيها.
ومثال ذلك:
أ- أموال الدولة التي تجمع من الزكوات أو الضرائب، وكذا الأموال التي في بيت مال المسلمين، لا زكاة فيها؛ لعدم المالك المعيَّن لها؛ لأنها ملك لجميع الأمة، ومنهم المستحقون كالفقراء وغيرهم.

ب- أموال المؤسسات الخيرية التي تكون للمشاريع الدعوية، وكذلك الأموال الموقوفة على جهة عامة، كالفقراء، والمساجد، والمدارس، وسائر الجهات الخيرية، فالصحيح أنه لا زكاة فيها؛ لعدم المالك المعيَّن لها[8].

ج- المال الحرام لا زكاة فيه، كالمال الذي يحصل عليه الإنسان من سرقةٍ، أو غصبٍ، أو رشوةٍ، أو ربًا، أو غشٍّ، وكذا مَن أخَذَ أموالَ الناس بالباطل، أو نحو ذلك؛ لأنها ليست في ملكه في الأصل، وهي محرَّمة عليه، ويجب عليه أن يُعيدَها لأصحابها؛ لأنها أموال لا يملكها، فلما كانت غير مملوكة له، لم يَصحَّ أن يزكيَها، وكذا حُلي المرأة المحرم، فإنه لا زكاة فيه بإجماع العلماء، وسيأتي بيانه عند الحديث عن مسألة زكاة الحلي.

فالمال المحرَّم لا زكاة فيه؛ لقول النبي - صل الله عليه وسلم - ((لا تُقبل صلاةٌ بغير طُهُور، ولا صدقةٌ من غُلُول))[9].
والغلول الأخْذ من مال الغنيمة قبل القسمة وهذا محرَّم.
ولقول النبي - صل الله عليه وسلم -: ((إن الله طيِّبٌ لا يقبل إلا طيبًا))[10].


الشرط الرابع: استقرار الملك:

ونُخرِج بهذا الشرط من كان عنده مالٌ لكنه ليس في ملكه كما تقدم بيانه، مثل أموال الزكوات والضرائب التي تجمعها الدولة، وكذا أموال المؤسسات الخيرية؛ لأن هذه الأموال لا مالك لها معيَّن، فهنا الملك لم يستقرَّ، ومعنى استقرار الملك: أي أن ملكه لهذا المال تامٌّ، ويتصرف فيه حسب اختياره، فلا يتعلَّق بهذا المالِ حقٌّ لغيره.

ويدل على اشتراط استقرار الملك:

1- قوله - تعالى -: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} [التوبة: 103].
ووجه الدلالة: أن الله - تعالى - أضاف الأموالَ إلى أصحابها، ولا تكون لهم إلا إذا ملكوها ملكًا تامًّا مستقرًّا.

2- إجماع العلماء على أن استقرار الملك شرط لوجوب الزكاة، ونقل الإجماعَ ابنُ هبيرة[11].

3- من حيث النظر، فإن بذْل الزكاة فيه تمليكُ المال لمستحقِّه من الفقراء وغيرهم، فإذا لم يكن صاحب الزكاة مالكًا لهذا المال ملْكًا تامًّا، فإنه لن يستطيع تمليكَ غيره من مستحقي الزكاة عند بذْلها، إذًا تمامُ الملك واستقراره من شروط وجوب الزكاة، ولا يكون المال مستقرًّا، وفي تمام ملكه، إلا إذا ملك صاحبُه تمامَ التصرف في الحال وفي المستقبل، أما إذا كان المال ليس في ملكه حالاً، أو أنه عرضة للسقوط في المستقبل، فإنه لا تجب فيه الزكاة، كـ مال المُكَاتَب.

والمكاتب:
هو العبد الذي يتَّفق مع سيده بأن يدفع لسيده مالاً، على أن يكون العبد بعدها حرًّا، فلو اتَّفقا على مبلغٍ، فإن هذا المبلغ الذي عند العبد ليس فيه زكاة، ولو مضتْ عليه سنة؛ لأن العبد يملك تعجيز نفسه، فيقول لسيده: لا أستطيع أن أوفي، وإذا لم يستطع الوفاء، سقط عنه المال، فهذا المال لا زكاة فيه؛ لأنه عرضه للسقوط.

وكذا الحبوب والثمار، لا تجب فيها الزكاةُ حتى يبدو صلاحُها، فلا يكفي أن تكون على رؤوس الشجر، وإنما لا بد من صلاحها، وحينئذٍ تستقر في ملكه، وأما قبل ذلك فلا، كأن تكون على رؤوس الشجر أو الزرع، فتأتيها آفةٌ تتلفها قبل صلاحِها من غير تفريط من صاحبها، فلا زكاة فيها؛ لأن ملكه لم يستقرَّ على هذا الشيء.

الشرط الخامس: مضي الحول:
أي: إنه لا تجب الزكاة في المال إلا إذا مضتْ عليه سنة كاملة، وهناك أشياء تستثنى من هذا الشرط ستأتي.

إذًا لا بد في المال - حتى تجب فيه الزكاة - أن يمضي عليه حولٌ.

ويدل على ذلك:
1- حديث عائشةَ - رضي الله عنها - مرفوعًا: ((لا زكاة في مال، حتى يحول عليه الحول))[12].

2- حُكي الإجماع على اشتراط مضي الحول لوجوب الزكاة، نقل هذا الإجماعَ ابن هبيرة[13]، وخالف هذا الإجماعَ داودُ الظاهري، والصواب اشتراط ذلك.

3- يؤيد اشتراطَ مضي الحول أن النبي - صل الله عليه وسلم - لم يكن يبعث السُّعاة لجمع الزكاة إلا كل عام، وهذا يدل على اشتراط الحول.

وهناك أشياء لا يشترط لها مضي الحول، فتستثنى مما سبق، وهي:
1- المعُشَّر:
وهي الأموال التي يجب فيها العُشْر أو نصف العشر، وهي الخارج من الأرض من الحبوب والثمار، فإنها لا يشترط لإخراج زكاتها مضيُّ الحول؛ بل متى ما بدا صلاحها وحُصِدت، وجبت فيها الزكاة، ولو كان ذلك في أربعة أشهر أو ستة، ويدل على ذلك: قوله - تعالى -: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141].

2- نتاج السائمة:
السائمة: هي بهيمة الأنعام (الإبل والبقر والغنم) التي تَرْعَى الحول أو أكثره فيما أنبتَه الله - عز وجل - أما ما نزرعه نحن ونُعلفه إياها، فلا تُعَدُّ به سائمة، فإذا كانت ترعى فيما أنبته الله سنةً كاملة، أو ثمانية أشهر أو سبعة، ففيها الزكاة، أما إذا كانت ترعى ستة أشهر، ونعلفها ستة أشهر فأكثر، فلا زكاة فيها؛ لأنها ليست سائمة، وهذا إذا كانت مُتخذة للدَّر والنسل لا للتجارة، وسيأتي بيان ذلك في بابه - بإذن الله.

ونتاج السائمة: أولادها، فلا يشترط في هذه الأولاد أن يمضي عليها حولٌ كامل، ما دام أن أصلها (وهي أمهاتها) مضى عليها حول؛ لأن حولها حولُ أصلها.

فمثلاً: لو أن رجلاً عنده تسعون شاة، وقبل أن يتم الحول بشهرين نتجتْ (أي: ولدت) ثلاثون منها ثلاثين شاة، هذه الثلاثون تسمى نتاجًا لتلك السائمة، فإذا ضممناها مع التسعين، صار عندنا مائة وعشرون شاة، فإذا جاء عامل الصدقة، فإنه يأخذ من صاحب هذه الماشية زكاةَ مائة وعشرين شاة، مع أنه لم يمرَّ على الثلاثين إلا شهران؛ لأنه لا يشترط فيها مضي الحول، فحولُها حولُ أصلها.

ويدل على ذلك:
1- أن النبي - صل الله عليه وسلم - كان يبعث السُّعاة لجباية الزكاة، فيأخذون الزكاة مما يجدونه عند صاحبها، ولا يسألون عما وُلد أثناء الحول، مع أن في المواشي صغارًا وكبارًا.

2- أنه صحَّ عن بعض الصحابة - رضي الله عنهم - إتباع المولود بأصله في الحول، فصح ذلك عن عمر[14].

تنبيه: لو أن رجلاً عنده ثلاثون شاة، وقبل حَوَلانِ الحول بشهرين ولدتْ عشرٌ منهن عشرَ شياهٍ، فصارت أربعين شاة، فهنا يبدأ الحول من ولادة العشر شياه؛ لأن الثلاثين شاة ليس فيها زكاة في الأصل، حيث إن نصاب الغنم يبدأ من أربعين، وهي من قبلُ لم تبلغ النصاب، وحينما ولدت عشر شياه صارت أربعين شاة، فهنا كمل النصاب، فيبدأ من كماله حتى يمضي عليه حولٌ كاملٌ، وهذا معنى قول صاحب "الزاد": "وإلا فمن كماله"، وكذا يقال في ربح التجارة فيمن كان رأسُ ماله دون النصاب.

3- ربح التجارة:
وربح التجارة لا يشترط له مضي الحول؛ فالتاجر إذا حال على ماله الأصليِّ حولٌ كاملٌ، فإنه يخرج زكاته وزكاة ما معه من أرباح، ولو لم يمض على هذه الأرباح حولٌ كاملٌ؛ لأنها تتبع أصلها.

فمثلاً: لو أن رجلاً له أرض اشتراها بخمسين ألفًا، وقبل تمام السنة بشهر ارتفع سعرُها فصارت تساوي مائة ألف، فهو في هذه الصورة ربح خمسين ألفًا، هذا الربح لا يحتاج أن يحول عليه الحول؛ لأنه فرع عن الأصل، فيزكي عن مائة ألف.

ويدل على ذلك:
1 - أن المسلمين منذ القدم حين يخرجون زكاة أموالهم لا يحذفون ربح التِّجارة، وإنَّما يخرجون زكاة رأس المال، وما معه من الأرباح، ولو لم يَمض على الأرباح حولٌ كامل.

2 - لأنَّ ربح التجارة فرع، والفَرْع يتبع أصله، ولا يفرد بحكم وحْدَه.

فائدة: لو أن رجلاً جاءه مالٌ ولكنَّه ليس ربحًا للتجارة التي عنده، وإنَّما جاءه من إرث أو هبة أو راتب ونحوه، فإنَّه لا يضمه إلى رأس مال تِجارته التي عنده، وإنَّما لهذا المال حولٌ مستقلٌّ - على القول الراجح والله أعلم - وهو قول المذهب فإذا مضى عليه الحولُ زكَّّّّّاه، وكذلك لو جاءته غنم، ولكنها ليست نتاجًا للسائمة التي عنده، وإنَّما جاءته عن طريق شراء أو إرث أو هبة، فإن لها حولاً مستقلاًّ على الصحيح، وهو قول المذهب، فلا تضم إلى ما عنده من النِّتاج، فإذا مضى عليها الحول زكَّاها، فلو أنَّ عنده أربعين شاة، وقبل حَوَلاَنِ الحولِ بشهرين اشترى مائة وعشرين شاة، فإن هذه المائة والعشرين حولها مستقلٌّ عن الأربعين، وعلى هذا يكون المال المستفاد على قسمين:
1 - أن يكون فرعًا عن أصل كأن يكون نتاجًا لسائمة أو ربحًا لتجارة، فهذا حوله حول أصله.

2 - ألاَّ يكون كذلك، فليس نتاجًا لسائمة، ولا ربحًا لتجارة، ولكنه من نفس جنس المال الذي عنده، فهذا له حول مُستقل عن الذي عنده.

- إذًا يستفاد مما تقدَّم أنَّ الأصل في زكاة كلِّ شيء أن يَمضي عليه حولٌ كاملٌ إلا في ثلاثة أشياء:
1 - المعشَّرات: وهي الخارج من الأرض من الحبوب والثِّمار.
2 - نتاج السائمة.
3 - ربح التجارة.

فهذه لا يشترط أن يحول عليها حولٌ كاملٌ، وأضاف أهلُ العلم إلى هذه الثلاثة:

1- الرِّكاز: وهو ما وُجد من دفن الجاهليَّة - وسيأتي الحديث عنه - فهذا لا يشترط له حولٌ، وليس له نصاب معيَّن، بل يزكيه بمجرد وجوده، فيخرج الخُمُس - أي: ما يعادل 20% - لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - المتَّفق عليه أن النبي - صل الله عليه وسلم - قال: ((وفي الرِّكاز الخُمُس)).

2 - العسل: قالوا لا يشترط له مُضِي الحول، وإنَّما يُزَكَّى مباشرة كالحبوب والثمار إذا حُصِدت، والصواب أنَّه لا زكاةَ في العسل إلا أن تكون مُتَّخذة للتِّجارة؛ لأنَّه لا يصح في زكاة العسل حديث، وسيأتي الكلام عليها بإذن الله.

1 - الأشياء المعدَّة للأجرة: قالوا لا يشترط مضي الحول عليها، وإنَّما تجب بقبض المال، فإذا قَبَضَ قيمة تأجير البيت مثلاً، أخرج زكاتها أوَّل ما يقبض، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، والصَّواب أنه ليس في هذا المال زكاة إلاَّ إذا حال عليه الحول[15].

2 - المعادن: وهو ما يستخرج من الأرض من المعادن، وسيأتي بيانه في آخر باب زكاة الحبوب والثِّمار.

إذًا تبيَّن من المسألة الأولى أنَّ شروط وجوب الزَّكاة خمسة:
- اثنان يتعلقان بالمُزكِّي، وهما: الحرية، والإسلام.
- وثلاثة تتعلق بالمال المُزكَّى، وهي: ملك النِّصاب، واستقراره، ومضي الحول.
وكل هذه الشُّروط الخمسة نقل الإجماع عليها ابنُ هبيرة في "الإفصاح" كما تقدم.
فإن قيل: أليس العقل والبلوغ من شُرُوط الزَّكاة أيضًا، فنخرج المجنون والصَّغير فيما لو ورثا مالاً كثيرًا على سبيل المثال، أم أنه يجب في مالهما الزكاة؟
المذهب وهو القول الراجح والله أعلم: أنَّه يَجب في مالهما الزَّكاة، وهو قول جمهور العلماء.

ويدل على ذلك:

1- عموم الأدلة كقوله - تعالى -: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم} [التوبة: 103]، وحديث ابن عباس - رضي الله عنه - في بعث معاذ إلى اليمن، فإنَّ النبي - صل الله عليه وسلم - قال: ((فأخبرهم أنَّ الله افترض عليهم صَدَقة تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم))؛ متفق عليه.
وهذا يشمل الصَّغير والكبير والمجنون والعاقل؛ لعموم الخطاب.

2 - أنَّ هذا هو حكم جمع من الصَّحابة، ولا يُعلم لهم مُخالف فمن ذلك:
ما ثَبَتَ عن عمر - رضي الله عنه - أنَّه قال:
"ابتغوا في أموال اليتامى؛ لا تأكلها الصدقة"[16].
وأيضًا ورد ذلك عن علي وعائشة وابن عمر وجابر بن عبدالله - رضي الله عنهم أجمعين - كما في مصنف ابن أبي شيبة (4/24)، وسنن البيهقي (4/107)، والمحلى لابن حزم (5/208).

ووجه الدلالة: أنَّ البالغ لا يسمى يتيمًا، وإنَّما اليتيم هو الصَّبِي.

والقول الثاني: أنَّه لا يجب في مالهما الزَّكاة وهو قول الأحناف.

واستدلوا بحديث عائشة مرفوعًا: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق))[17].

ونوقش هذا الاستدلال بأنَّ هذا الاستدلال يكون في العبادات التي لا تعلُّقَ لها بحق الغير، كالصلاة مثلاً، أمَّا العبادات التي لها تعلق بحق الغير كالزَّكاة، فإنَّها حق يُبذل لأهل الزكاة من الفقراء وغيرهم، فلا ينظر فيها إلى المكلَّف، وإنَّما إلى المال نفسه، وأيضًا لأنَّ وجوب الزَّكاة عليهما هي فتوى الصَّحابة ولا مُخالف، لهم فلا بُدَّ من القول بذلك والله أعلم.


المسألة الثانية:
زكاة من له أو عليه دَيْن.

هذه المسألة لها قسمان: الأول زكاة من له دين عند أحد.
والثاني: زكاة من عليه دَيْن لأحد، وقد عبَّر صاحبُ الزاد عن هاتين المسألتين بقوله:
"ومن كان له دين أو حق من صداق وغيره على مَلِيءٍ أو غيره، أدَّى زكاته إذا قبضه لما مضى، ولا زكاةَ في مال مَنْ عليه دَيْن ينقص النِّصاب، ولو كان المال ظاهرًا".

ومسألةُ زكاةِ الدين، سواء له أم عليه - من المسائل المهمة جدًّا، لا سيما في وقتنا الحاضر؛ حيثُ كَثُرَت الحاجة للديون فمن دائن - وهو المعطي للمال - ومن مَدِين - وهو الآخذ له - وهي مسألة اختلف فيها أهل العلم اختلافًا كثيرًا، فتعدَّدت الأقوال فيها، وذلك لأنه لم يرد نص من الكتاب أو السنة يفصل زكاة الديون.

- والدَّيْن لغة: اسم لكل شيء غائب، فكل ما لم يحضر يُسمى دَيْنًا[18].

وفي الاصطلاح: اسمٌ لمال واجب في الذِّمَّة من قرض، أو ثمن مبيع، أو منفعة عقد، كالمهر أو لشيء أتلفه، أو استأجره وغير ذلك.

ومما تقدَّم من تعريف الدَّين تبيَّن أنَّ القرض هو أحد أسبابِ الدَّين، وليس كل دين لا بد أن يكون قرضًا، فالدَّين أعم من القرض.

أولاً: زكاة الدائن؛ أي: زكاة من له دَيْن عند أحد.

فالمذهب: أنَّه يَجب أداء زكاة كل مال قبضه لما مضى عليه من السنين.

فعَلَى قول المذهب يَجب أداء زكاة ما مضى إذا قبضه، سواء كان الذي عليه الدين ملتزمًا في دَيْنه كأن يسدِّد ما عليه بعد سنة واحدة، أم كان مماطلاً ولم يسدِّد إلا بعد عشر سنين، فالمذهب يقول على الدَّائن أن يخرج زكاة كل مال يقبضه لما مضى عليه من السنوات.

مثال ذلك: رجل أجَّر بيتًا لمدة سنة أو باعه على آخر بـ (200.000) ريال، فإذا التزم المشتري وسدَّد ما عليه بعد سنة، فعلى البائع أن يخرج زكاتها، فيخرج ربع العشر وهي (5000) ريال، ولو قُدِّر أن هذا المشتري مماطل، فلم يسدِّد قيمة البيع إلا بعد خمس سنوات، فإن البائع سيخرج زكاة كل سنة مَضَت فسيخرج زكاة خمس سنوات، وهي (25.000) ريال؛ لأنَّ كل سنة زكاتها (5000) ريال.

مثال آخر: رجل تزوَّج امرأة على صداق (مهر)، قدره (20.000) ريال، ولم يعطها المهر إلاَّ بعد عشر سنين من زواجها، فعلى الزوجة أن تخرج زكاة هذا المهر لعشر سنين مضت فتخرج (5000) ريال؛ لأنَّ كل سنة زكاتها (500) ريال، هذا هو قول المذهب.

إذًا؛ خلاصة قول المذهب: أنَّ الدَّائن يدفع زكاة كل سنة مضت إذا قبض المال، سواء كان هذا الدَّين مرجوًّا؛ أي: على غني باذل، أو كان هذا الدين غير مرجو؛ أي: على غني مماطل، أو جاحد، أو على فقير مُعسر.

وقالوا: إنَّ للدائن أن يُخرج زكاة كل سنة في عامها مع ماله الذي عنده، وهذا أفضل؛ لتبرأ الذِّمَّة، وله أن يؤخرها حتَّى يقبض المال، فيزكي عن جميع السنوات، وهذه رخصة، فالأولى فضيلة، والثانية رخصة.

واستدلوا:
1 - بعموم الأدلة في وجوب الزَّكاة كل سنة، كقوله - تعالى - {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} [التوبة: 103].
وحديث ابن عباس في بعث معاذ إلى اليمن، فإنَّ النبي - صل الله عليه وسلم - قال: ((فأخبرهم أنَّ الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم)) متفق عليه.

2 - بما ورد عن بعض الصَّحابة من آثار كما سيأتي.
والأظهر - والله أعلم - أنَّه يفرق بين الدَّين المرجو؛ أي: يرجو وجوده كأن يكون على غني باذل كما تقدم - وبين الدين غير المرجو؛ أي: لا يرجو وجوده كأنْ يكون على غني مماطل أو جاحد، أو على فقير معسر كما تقدم.

- فأمَّا الدين المرجو: فتجب الزَّكاة فيه عن كل سنة، وتقدَّم أن هذا قول المذهب.
وبه قال جمهور العلماء.

ويدل على ذلك ما استدل به المذهب:

1 - عموم الأدلة التي فيها الأمر بأداء الزكاة.

2 - وبما ورد من آثار الصَّحابة في إيجاب الزَّكاة، فقد ورد عن عمر وعثمان وجابر وابن عمر، كما في الأموال لأبي عبيدة (ص434)، وأيضًا روي عن علي كما في الأموال لأبي عبيدة (ص436)، وسنن البيهقي (4/150)، ومصنف عبدالرزاق (4/100).

3 - أنَّ الدين المرجو كالمال الذي في اليد؛ لأنَّه سيتمكن منه، فالصحيح فيه ما قاله المذهب وهو أنَّه يؤدي زكاة كل سنة، وله أن يخرج زكاة كل سنة في عامها، وهذا أبرأ للذمة، وله أن يزكي إذا قبض لما مضى من السنين.

4- وأمَّا الدين غير المرجو، كأن يكون المَدِين مماطلاً أو جاحدَ مالِ الدائن أو يكون فقيرًا معسرًا.

فقيل: إنَّه يزكي لكل سنة مضت إذا قبض ماله، وهذا قول المذهب كما تقدم بأدلته.

وقيل: يزكيه إذا قبضه لسنة واحدة فقط، وبه قال الإمام مالك وهو رواية في مذهب أحمد، وهو اختيار الإمام محمد بن عبدالوهاب، كما في "حاشية العنقري على الروض" (1/361)، واختاره الشيخ محمد بن إبراهيم في فتاويه (4/20).

واختاره ابن باز في فتاويه (14/189)، وابن عثيمين في فتاويه (18/24).

ودليلهم: القياس على الثِّمار التي يجب إخراج زكاتها عند حصدها، فقالوا: إنَّ هذا الدين يشبه الثمرة التي لا تزكَّى إلا إذا حُصدت، فكذلك هذا الدين غير المرجو إذا جاء، فإنَّه يزكيه لسنة واحدة فقط.

ونوقش هذا التعليل بأنَّه ليس في زكاة الأموال إلا أن تجب فيه الزَّكاة لكل سنة، أو أنه ليس فيه زكاة أبدًا، والقول بأنَّ عليه أنْ يُزكي لسنة واحدة ليس عليه دليل؛ لأنَّ المال له حكم واحد في الشرع، إمَّا أن يزكى لكل سنة وإمَّا ليس فيه زكاة، وأمَّا التفريق بين السنة الأخيرة، فيخرج عليها الزكاة، وما قبلها من السنوات لا يخرج عليها، فليس عليه دليل.

- قال أبو عبيد في كتاب الأموال (ص440): "فأمَّا زكاة عام واحد، فلا نعرف لها وجهًا".

وقال عنه ابن عبدالبر في الاستذكار (3/163): "وليس لهذا المذهب في النَّظر كبير حظ".

والقول الثالث: إنَّه لا تجب فيه زكاة، وهو قول الأحناف، ورواية في مذهب أحمد، واختاره شيخُ الإسلام ابن تيميَّة.

وعلَّلوا ذلك بأنَّ هذا المال لا يُمكن أن ينتفعَ به، ولا يتصرف فيه، فهو كالمعدوم وهذا القول له وجاهة وقوة، وأمَّا من استدل لوجوب الزَّكاة بما ورد من آثار الصَّحابة، فقد جاءت آثار أخرى للصَّحابة أن ليس في الدين زكاة، فقد ورد عن عائشة وابن عمر وغيرهما ومن التابعين عكرمة وعطاء[19]،

فتعارضت أقوال السلف، فلا يكون فيها حجة.

فعلى هذا القول إذا قبض الدَّائن من مَدِينه ماله، فإنَّه لا زكاة فيه إلاَّ أنْ يَحولَ على هذا المال حولٌ كامل بعد القبض، ففيه زكاة السنة التي حال فيها، وأمَّا حين يقبض المال فلا، وهذا القول هو الذي صدر عن قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن زكاة الديون[20].

وذكر في القرار أنَّه لا يوجد نص في الكتاب ولا السنة يفصل زكاة الديون، وما ورد من آثار الصحابة والتابعين تعددت فيه وجهات النظر، ثم قرر المجمع ما يلي:

أولاً: تجب زكاة الدَّين على الدَّين عن كل سنة إذا كان المدين مليئًا باذلاً.

ثانيًا: تجب الزكاة على رب الدَّين بعد دوران الحول من يوم القبض إذا كان المدين معسرًا أو مماطلاً.

وما ذكره أصحاب المجمع الفقهي هو ملخص المسألة، ولو زكَّى صاحب الدَّين المال لسنة واحدة فقط بعد ما يقبضه من المدين المعسر أو المماطل، كان ذلك أحوط وأبرأ لذمته والله أعلم، وأمَّا من حيث الترجيح، فالأظهر والله أعلم القول الثالث، وأنَّه ليس عليه زكاة حتَّى يحولَ على المال الذي قبضه حولٌ كاملٌ.

فائدة: ومثل الدين الذي على معسر أو مماطل: المال المغصوب أو المسروق أو المال الموروث والمجهول ونحوها في الحكم.


"يتبع بإذن الله"




امي فضيلة 01-16-2016 04:24 PM

رد: بيان شروط وجوب الزكاة وما يتعلق بها
 






حياك الله ابنتي الغالية عطر الجنة


جزاك الله خيرا على الطرح القيم

اللهم املأ بالإيمان قلوبنا وباليقين صدورنا


وبالنور وجوهنا وبالحكمة عقولنا


وبالحياء أبداننا واجعل القرآن شعارنا


والسنة طريقنا يا من يسمع دبيب النمل على الصفا


ويُحصى وقع الطير في الهواء ويعلم ما في القلب


والكُلَى ويعطى العبد على ما نوى


اللهم اغفر لنا جدنا وهزلنا وخطئنا وعمدينا وكل ذلك عندنا

أسأل الله لكم راحة تملأ أنفسكم ورضى يغمر قلوبكم

وعملاً يرضي ربكم وسعادة تعلوا وجوهكم

ونصراً يقهر عدوكم وذكراً يشغل وقتكم

وعفواً يغسل ذنوبكم و فرجاً يمحوا همومكم

اللهم اجعلنا من ورثة جنتك وأهلا لنعمتك وأسكنا

قصورها برحمتك وارزقنا فردوسك الأعلى

حنانا منك ومنا و إن لم نكن لها أهلا فليس لنا من العمل ما يبلغنا


هذا الأمل إلا حبك وحب رسولك صلى الله عليه وسلم والحمد لله رب العالمين

ودمتم على طاعة الرحمن

وعلى طريق الخير نلتقي دوما

عطر الجنة 01-16-2016 05:21 PM

رد: بيان شروط وجوب الزكاة وما يتعلق بها
 



http://encrypted-tbn3.gstatic.com/im...ZIqSTDOy1X0Mc7

http://www.qwled.com/vb/imgcache-new...43537.imgcache

ثانيًا: زكاة المَدِين:


أي: زكاة من عليه دين لأحد.


وقبل ذكر هذه المسألة لا بد من التفريق بين الأموال الظاهرة والأموال الباطنة عند الفقهاء.

فالظاهرة: ما لا يُمكن إخفاؤه، وهي الزُّروع والثمار والمواشي.

والأموال الباطنة: ما يُمكن إخفاؤه، كالذَّهب والفِضَّة، ويلحق بهما الأوراق النقدية؛ لأنَّها كلها أثمان.

فمن كانت عند مزرعة وثمار أو مواشٍ، فهذا ماله ظاهر لا يُمكنه إخفاؤه، يشاهده الناس ووالي الصدقات، بخلاف من عنده ذهب أو فضة، فهو مال باطن.

واختلفوا في عروض التِّجارة، فمن نظر إلى قيمتها، جعلها أموالاً باطنة؛ لأنَّها أثمان.

وهذا قول جمهور العلماء،
ومن نظر إلى كونها لا تخفى على النَّاس كما هو واقع اليوم:

محلات تجارية مرخصة، جعلها أموالاً باطنة، والفرق بين الباطنة والظاهرة أنَّ الظاهرة كان النبي - صل الله عليه وسلم - يبعث لها السُّعاة؛ ليأخذوا الزكاة من أصحاب الأموال الظاهرة والمواشي والزُّروع؛ لأنَّها لا تخفى على السَّاعي وعلى الناس؛ وتتعلق بها قلوب الفقراء
بخلاف الأموال الباطنة، فلم يكُن النبي - صلى الله عليه وسلم - يرسل من يأخذ زكاتها؛ لأنَّه لا يعرف مَنْ عنده مال ممن ليس عنده، فيخرجها صاحبُ المال من دون أن يأتيه أحد، وعروض التِّجارة الأظهر - والله أعلم -
أنَّها من الأموال الباطنة؛ لأن المراد منها القيمة لا الأعيان - أو البضاعة - الظاهرة للناس، فالقيمة هي المرادة، وهي التي يخرج منها الزَّكاة والقيمة باطنة، فربَّما وجدت مَنْ ظَاهِرُ بضاعته الغِنَى، وحقيقة أمره من الرِّبْح الإفلاس، وأيضًا فتجارة الصحابة والسَّلف سابقًا ظاهرة للناس، ولم يرد أنه - صل الله عليه وسلم - كان يرسل إليهم السُّعاة لأخذ زكاتهم.


يتلخص مما مضى أن الأموال قسمان:

1 - أموال ظاهرة:وهي الزروع والثمار والمواشي.
2 - أموال باطنة: وهي الذهب والفضة وعروض التِّجارة، وهذا التقسيم هو قول جمهور العلماء.
واختاره من المحققين شيخ الإسلام ابن تيميَّة وتلميذه ابن القيم[21]


- فائدة هذا التقسيم في مسألتنا:

أنَّ مَن يرى وجوبَ الزَّكاة على من عليه دين، استدل بأخذ السُّعاة الذين بَعَثَهم النبي - صل الله عليه وسلم - من أصحاب الأموال الظَّاهرة، ولم يكونوا يسألونهم هل عليهم دين أو لا؟ فقالوا لا تأثير للدين في الزكاة، ومنهم من فرق بين مَنْ عنده أموال ظاهرة، فلا يَمنع دينه الزَّكاة، ومن عنده أموال باطنة، فيمنع دينه الزكاة، ومنهم من جعل الدَّيْن يمنع الزكاة، سواء في الأموال الباطنة والظاهرة، فهذه ثلاثة أقوال ستأتي.


- ما معنى قول الفقهاء أنَّ الدين يمنع الزكاة؟
المعنى: أنَّ المسلم إذا أراد أن يخرج الزَّكاة وعليه دَيْن، فإنه يَخصم مقدار هذا الدين من المال الذي في يده الذي سيخرج زكاته، ثم ينظر في الباقي إنْ كان دون النِّصاب، فلا زكاة عليه، وإن كان لا يبقى في يده شيء بعد خَصْم الدَّين، فلا زكاة عليه أيضًا، وإن كان الباقي يبلغ نصابًا، فإنَّه يخرج زكاة الباقي فقط، إذًا المقصود هل الدين يؤثر في الزكاة أو لا؟ هذا هو موطن الخلاف.

- الخلاف في المسألة:
القول الأول: إنَّ الدَّين يؤثر في الزَّكاة مطلقًا، سواء كانت أمواله ظاهرة أم باطنة، وهذا قول المذهب[22]
.
مثال ذلك: رجل عنده (10.000) ريال، وعليه دَيْن (5.000) ريال، فإنه يخصم قيمة هذا الدين من رأس ماله، وهو(10.000) ريال، فيتبقى عنده (5.000) ريال، فيخرج زكاتها، ولكن لو كان عليه دين (9900) تسعة آلاف وتسعمائة ريال، فإنه بعد خصم الدين يتبقى عنده مائة ريال، فلا زكاةَ عليه؛ لأنَّ المائة لا تبلغ نصاب الزَّكاة كما سيأتي، وهذا المثال في الأموال الباطنة.

مثال آخر: رجل عنده (42) شاة، وعليه دَيْن (2000) ريال، ومثلاً قيمة الشاة الواحدة (500) ريال ، فلو خصم الدَّين الذي عليه، لتبقى عنده (40) شاة، فيخرج زكاتها، ولكن لو كان عليه دين (4000) ريال، فإنه بعد خصم الدين سيكون عنده (38) شاة، وهذه ليس فيها زكاة؛ لأنَّ نصاب الغنم كما سيأتي أربعون شاة وما دون ذلك فلا زكاة فيه، وبناءً على هذا المثال فلا زكاة على صاحب الدَّين هنا، وهذا المثال على الأموال الظاهرة، هذا هو قول المذهب: إنَّ الدين يؤثر في الزكاة مطلقًا.

واستدلوا:
1 - بما ورد عن السائب بن يزيد - رضي الله عنه - أنَّ عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال وهو يخطب: "هذا شهر زكاتكم، فمن عليه دَيْن فليؤدِّه، ثم ليُزكِّ بقية ماله
رواه مالك في موطئه (1/253)، وابن أبي شيبة في مصنفه (3/194)، والبيهقي في سننه (4/148).


قال ابن حجر: "إسناده صحيح، وهو موقوف" [23]
وصححه الألباني في الإرواء (3/260)،
ووجه الدلالة: "أنَّ عثمان - رضي الله عنه - لم يأمر بإخراج الزَّكاة عن المؤدَّى في الدين، بل أمر بإخراج ما تبقى من المال بعد خَصْم الدين منه، وعثمان بن عفان من الخلفاء الرَّاشدين الذين أمرنا باتِّباع أمرهم.


ومن أهل العلم من ناقش هذا الاستدلال بأنَّ عثمان - رضي الله عنه - أمرهم بأداء الديون قبل مَجيء وقت الزَّكاة، فلا يصلح أن يستدلَّ لمن جاء وقت زكاته وعليه دَيْن، ولكن هذا القول بعيد؛ لأن ألفاظ الحديث تدل على أنه أمَرَ مَنْ عنده دين وحلَّت زكاته أن يَخصم الدين من ماله ثم يزكي.

2 - قالوا: من حيث التعليل والنظر، فإن الزكاة إنَّما وجبت لمواساة المحتاجين، والذي عليه الدَّيْن محتاج لقضاء دَينه، كحاجة من يحتاج لمواساة أو أشد، وليس من الحكمة أنْ يسد حاجة غيره ويُعطِّل حاجته.

ونوقش: بأنَّ العلَّة من الزَّكاة ليس المواساة فقط، وإنَّما هذه عِلَّة وجيهة استنبطها العلماء، وللزَّكاة علل أخرى أهمها ما ذكره الله - عزَّ وجلَّ - في كتابه، وهي تطهير للمال وصاحب المال، فقال - تعالى -: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [التوبة: 103].

هذان الدليلان أبرز استدلالات أصحاب هذا القَول، وأقواها الدليل الأول، ولهم أدلة أخرى وما تقدَّم أشهرها وأقواها.

القول الثاني: إنَّ الدَّين لا يؤثر في الزكاة مطلقًا، وهو رواية في المذهب،
واختار هذا القول الشيخ ابن باز في فتاواه (14/178)،
وشيخنا ابن عثيمين في فتاواه (18/36).


واستدلوا:
1 - بعمومات الأدلة الدالة على وجوب الزَّكاة؛ حيث إنَّها لم تفرق بين مَنْ عليه دَين ومَنْ ليس عليه دين، كقوله - تعالى -: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [التوبة: 103]،

وحديث ابن عباس - رضي الله عنه - في بعث معاذ إلى اليمن وفيه: ((فأخبرهم أنَّ الله افترض عليهم صدقة تُؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم))؛ متفق عليه.


وحديث أنس - رضي الله عنه - مرفوعًا وفيه: ((وفي الرِّقَّة في كل مائتي درهم ربع العشر))؛ رواه البخاري.
والرقة هي الفضة، وهي من الأموال الباطنة، وعموم الحديث يدخل فيه المدين وغيره،
وهو كل مَن ملك نصابًا تجب فيه الزكاة.


ونوقش هذا الاستدلال بأنَّ المدين ملكه للمال ملك ناقص، فما معه من قدر الدين حقٌّ للدائن، وأيضًا هذه الأدلة العامَّة التي استدلوا بها هي فيمن توفرت فيه الشُّروط، ومنها تمام الملك واستقراره، وأيضًا هذه العمومات مَخصوصة بما جاء في أدلة أصحاب القول الأوَّل، ومنها أثر عثمان؛ حيث أمر مَنْ عليه دَيْن أنْ يقضي دينه، ويخرج زكاة ما بقي، وهذا دليل أخص من هذه العمومات، والخاص مقدَّم على العام.

2 - استدلوا بأنَّ النبي - صل الله عليه وسلم - كان يُرسل العُمَّال الذين يقبضون الزَّكاة من أصحاب الأموال الظاهرة كالمواشي والثِّمار، ولا يأمرهم أن يستفسروا من أصحابها أعليهم ديون أم لا؟ مع أنَّ أهلَ الثمار عليهم ديون؛ لأنَّ من عادتهم أنَّهم كانوا يسلفون في الثِّمار السنة والسنتين.

ونُوقش هذا الاستدلال بأنَّ عدم استفصال العمال ممن عليه الزكاة ليس دليلاً؛ لأنَّ الأصل هو براءة الذِّمة من الديون، ومَنْ عليه دين فيستخبر عن نفسه.
ولأصحاب هذا القول أدلة أخرى، وهذان الدليلان أشهرها وأقواها.

والقول الثالث: فرَّقوا بين الأموال الظاهرة، فلا يؤثر فيها الدين، وبين الأموال الباطنة، فيؤثر فيها الدين، وهذا القول رواية في المذْهَب وهو اختيار الشيخ عبدالرحمن السعدي.

واستدلوا:
1 - بما تقدم من إرسال النَّبي - صل الله عليه وسلم - للعمال؛ ليأخذوا من أصحاب الأموال الظاهرة أهل المواشي والثِّمار، ولم يكونوا يستفصلون أعليهم ديون أم لا؟

2 - قالوا: لأنَّ تعلُّق الزَّكاة بالأموال الظاهرة آكد من الباطنة، وذلك لظهورها وتعلُّق الفقراء بها.

وهذان الدليلان أقوى أدلتهم وأشهرها.

ونوقش هذان الدليلان بأنَّ عدم استفصال السُّعاة من أهل الأموال الظَّاهرة، وأخذهم للمال مُباشرة يدُلُّ على أنَّ الزكاة تتعلق بالمال، ولا فرق في هذا بين الأموال الظاهرة والباطنة، ولأنَّ الدَّين أمر مخفي يستوي فيه المال الظاهر والباطن، وأمَّا قولهم: لأن قلوب الفقراء تتعلق بالأموال الظاهرة؛ لظهورها بخلاف الأموال الباطنة؛ لخفائها، فالجواب أنَّ الخفاء والظهور لا ينضبط، فصاحب عروض التِّجارة الذي له محلات تجارية أشد ظهورًا للفقراء من صاحب الغنم الذي تنحَّى بها خارج البلدة، وسكن عندها من البدو وغيرهم.

وبعد استعراض الأقوال، فإنَّ القول الأول وهو أنَّ للدين تأثيرًا في الزكاة قول وجيه وقوي؛ وذلك لأن أثر عثمان في الأمر بقضاء الدين ثم أداء الزكاة - مما بَقِيَ قويًّا في الدلالة؛ قال ابن قدامة في "المغني" (4/164) عن قول عثمان: "وقد قال ذلك بمحضر من الصحابة، فلم ينكروه عليه، فدل على اتفاقهم عليه".

- قال ابن رشد: "والأشبه بغرض الشارع إسقاط الزَّكاة عن المدين"[24].

إلا أن هناك أمورًا وشروطًا لا بد من مراعاتها وهي ما يلي:
1 - أن يكون الدَّيْنُ حالاًّ لا مؤجلاً:
مثال ذلك: رجل عليه مائة ألف ريال بأقساط سنويَّة كل سنة عشرة آلاف، فإن الدين المعتبر الذي يؤثر في الزَّكاة هو ما حلَّ سداده، وهو عشرة آلاف، فيخصمها مما عنده من المال، وأمَّا ما تبقى من أقساطه، وهي تسعون ألفًا، فهذه مُؤجَّلة لا تأثير لها في الزكاة، فإذا كان عنده من المال خمسون ألفًا، فإنَّه يخصم منها عشرة آلاف قدر الدين، ويخرج زكاة أربعين ألفًا.

2 - ألاَّ يكون عنده شيء زائد يسدد به دينه، فليس عنده إلاَّ ماله الذي سيزكيه وحاجاته الأصلية.

مثال ذلك: رجل عنده سيارة زائدة غير سيارته الأصلية، وعنده مال وقدره أربعون ألفًا، وعليه دين وقدره عشرة آلاف فإنه يزكي الأربعين ألفًا، ولا يخصم منها قدر الدين؛ لأن هذا الرجل عنده شيء غير ماله يسدد به دينه، وهو سيارته الزائدة، فيبيعها ويسدد دينه.

وذلك لأنَّ عدم اعتبار الأشياء الزَّائدة يُؤدي إلى الاستغراق في الدَّين في أمور كمالية ليست من حاجة الإنسان الأصليَّة، وتكون مقدَّمة على حقِّ الله، وهو فرض الزكاة؟! فربَّما تجد مَنْ عنده سيارات زائدة وعقارات زائدة واستراحات، وعليه أقساط منها، ثم يقول: إنَّ ديني يؤثر في زكاتي.

ولأن قيمة الأشياء الزائدة أولى بسداد الدَّين من المال الذي فيه حق الزَّكاة، فيأخذ من أمواله الزائدة ما يسد دينه، وهذا الشرط الثاني نص عليه المرداوي من الحنابلة[25].

هذا هو الخلاف في المسألة، ولا شكَّ أن الأحوط للمسلم والأبرأ لذمته أن يبادر في قضاء دينه الذي حلَّ، ثم يزكي ما بقي، فهذا فيه براءة لذمَّته من الدَّين، واحتياطٌ في باب الزكاة، وتطبيق لما أمر به عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أصحابه.

- قال شيخنا ابن عثيمين في "الممتع" (6/32): "وأما أثر عثمان - رضي الله عنه - فإننا نُسَلِّم أنَّه إذا كان على الإنسان دين حال، وقام بالواجب وهو أداؤه، فليس عليه زكاة؛ لأنَّه سيؤدي من ماله، وسَبْقُ الدين يقتضي أن يُقدَّم في الوفاء على الزَّكاة؛ لأن الزكاة لا تجب إلا إذا تم الحول، والدين سابق، فكان لسبقه أحق بالتقديم من الزكاة، ونحن نقول لمن اتَّقى الله، وأوفى ما عليه: لا زكاة عليك إلاَّ فيما بقي، أمَّا إذا لم يوف ما عليه، وماطل لينتفع بالمال، فإنَّه لا يدخل فيما جاء عن عثمان - رضي الله عنه - فعليه زكاته".

فائدة: قد يكون الدَّيْن ليس لآدمي، وإنَّما في حقٍّ وجب عليه لله كالكفَّارة، فإنَّها تدخل ضمن الدين، وهو قول المذهب أيضًا؛ لحديث ابن عباس - رضي الله عنه - مرفوعًا، وفيه: ((دين الله أحق بالوفاء))؛ متفق عليه.

مثال ذلك: رجل عنده مال يريد أنْ يزكيه وعليه كفَّارة ظهار أو قتل، أو كفارة يمين، فإن هذه الكفارة حكمها حكم الدين في التأثير في الزَّكاة بما تقدم من خلاف، فلو كان عنده ثلاثة آلاف ريال، وعليه كفارة يمين والإطعام في كفارة اليمين يكلف مثلاً مائة ريال، فإنه يخصم قيمة الكفارة من ماله، فيخرج زكاة ألفين وتسعمائة ريال .


يتبع بإذن الله


http://www.qwled.com/vb/imgcache-new...43537.imgcache


http://encrypted-tbn3.gstatic.com/im...ZIqSTDOy1X0Mc7

عطر الجنة 01-16-2016 05:39 PM

رد: بيان شروط وجوب الزكاة وما يتعلق بها
 


http://www.qwled.com/vb/imgcache-new...43537.imgcache


المسألة الثالثة

ينعقد الحول بصغير الماشية حين ملكها إذا كملت نصابًا.

مثال ذلك: رجل عنده ثلاثون رأسًا من الأغنام، وفي شهر محرم ولدت عشر منهن عشر شياه، فصارت أربعين رأسًا - ومعلوم أن نصاب الغنم يبدأ من أربعين ومن كان عنده دون ذلك فلا زكاة عليه - ونقول لصاحب هذه الشياه أنَّه بدأ الحول من حين ملكه لأربعين شاة، ولو كان بعضها صغارًا، فإن الحول ينعقد بها على القول الصَّحيح وهو قول المذهب خلافًا لمن قال: إنَّ هذه الشياه لا ينعقد بها الحول حتى تبلغ سنًّا معينة.

ويدل على ذلك: عموم حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - الطويل، وفيه: إنَّ النبي - صل الله عليه وسلم - قال: ((في أربعين شاة شاة))؛ رواه البخاري.
ولم يحدد النبي - صل الله عليه وسلم - سنًّا معينة، بل في كل أربعين شاة نخرج للزكاة شاة واحدة، وسواء كانت هذه الأربعين صغيرة أو كبيرة.


تنبيه: سيأتينا - بإذن الله - في الباب القادم زكاة بهيمة الأنعام، وأنَّ من شرطها أنْ تكون سائمة؛ أي: ترعى الحول أو أكثره، فإذا كانت هذه الصِّغار ليست سائمة كأن تتغذى باللبن فقط، فلا ينعقد بها الحول، وهو قول المذهب أيضًا، ليس لأنَّها صغيرة، وإنَّما لأنَّها غير سائمة.

المسألة الرابعة:
ينقطع الحول في أمور منها:

وهذه الأشياء التي تقطع الحول هي اختيار المذهب أيضًا.

أولاً: لو نقص النِّصاب في أثناء الحول:
مثال ذلك: رجل يملك خمسًا من الإبل - ومعلوم أن نصاب الإبل خمس - كما سيأتي - وفي أثناء الحول بعد سبعة أشهر مثلاً ماتت واحدةٌ من الإبل، فهنا نقص النِّصاب وصار عنده أربع من الإبل، فلا زكاة فيها، فإذا اكتمل النِّصاب بأنِ اشترى واحدة فيما بعد، فإنَّه يستأنف فيبدأ الحول من جديد.

مثال آخر: لو فرضنا أنَّ نصابَ النُّقود ألف ريال، وبعد ثلاثة أشهر اشترى بمائة ريال، فإنَّ الحول انقطع حينئذ، فإذا ملك ما يكمل به النِّصاب فيما بعد، فإنه يستأنف حولاً جديدًا.

ثانيًا: لو باع النصاب أثناء الحول:
مثال ذلك: رجل عنده (40) شاة سائمة، وبعد تسعة أشهر من الحول باع شاة واحدة، فإنَّ الحول انقطع حينئذ، فإذا ملك ما يكمل به النِّصاب بأن اشترى شاة فيما بعد، فإنَّه يستأنف حولاً جديدًا.

ثالثًا: لو أبدل النِّصاب بغير جنسه أثناء الحول:
والإبدال بيع في حقيقته، فلو أبدل أربعين شاةً بخمس من الإبل، فهذا بيعٌ فهو اشترى الإبل بالشياه، وسيأتينا في تعريف البيع: "أنَّه مبادلة مال..."، وصاحب "الزاد" ذكر البيع والإبدال، ولا شك أنه يريد المغايرة والتفريق، فيعمل البيع على النُّقود،
والإبدال بغير النقود؛ ولذا قال رحمه الله: "بغير جنسه".

مثال الإبدال: رجل عنده (40) شاة، وبعد خمسة أشهر أبدلها بخمسة من الإبل، فإن الحول انقطع حينئذ، فيستأنف حولاً جديدًا.

مثال آخر: رجل عنده (20) دينارًا من ذهب، وبعد عشرة أشهر أبدلها بـ (200) درهم من الفضة، فهل ينقطع فيستأنف، أو أنَّه يبني على حوله؟

المذهب: أنَّه يبني على الحول فلا ينقطع؛ لأنَّهم يرون أنَّ الذهب والفضة من جنس واحد، فالجنس عندهم لم يختلف.

والقول الراجح - والله أعلم -: أن الحول ينقطع؛ لاختلاف الجنس، وهو اختيار شيخنا ابن عثيمين في "الممتع"، (6/40).

وسيأتي في باب زكاة النقدين أن الذهب والفضة لا يكمِّل أحدهما الآخر في النِّصاب؛ لاختلاف الجنس بخلاف أصحاب المذهب الذين قالوا: إذا كان الذهب دون النصاب وعنده من الفضة ما يكمل به نصاب الذهب، ففيه الزكاة، والعكس كذلك، والصواب غير ذلك كما سيأتي.


ويدل على ذلك: أنَّ النبي - صل الله عليه وسلم - جعلهما جنسين مُختلفين كما في حديث عبادة بن الصامت مرفوعًا: ((الذهب بالذهب، والفضة بالفضة... فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كَيف شئتم إذا كان يدًا بيد))؛ رواه مسلم (1587).

- إذًا من خلال ما تقدَّم عرفنا أنَّه إذا أُبدل بغير جنسه، فإنَّه يستأنف حولاً جديدًا، ولا يبني على الحول السَّابق، فالغنم والبقر هذان جنسان مُختلفان، وكذا الذَّهب والفضة على الصَّحيح جنسان مُختلفان، والاختلاف في الجنس هنا حقيقة، فالغنم حقيقته تختلف عن البقر، وقد يكون الاختلاف في الجنس ليس حقيقة، وإنَّما حكمًا؛ أي: في حكم المختلف.

مثال ذلك: رجل عنده (40) رأسًا من الأغنام السَّائمة، فأبدلها بعد خمسة أشهر بنصاب عروض التِّجارة - وسيأتي أنَّ لبهيمة الأنعام المتَّخذة للدَّر والنَّسل نصابًا، وهو: أربعون من الأغنام وما دونها، فليس فيه زكاة، وأنَّ لعروض التِّجارة نصابًا آخر وبابًا يختلف عن باب زكاة بهيمة الأنعام، وعُرُوض التجارة؛ أي: يتاجر بالأغنام، فيبيع ويشتري، فقد يكون عنده دون الأربعين من الأغنام، ومع ذلك فيها زكاة؛ وذلك إذا كانت عروض تجارة - كما سيأتي بيانه في بابه - وهذا الرجل أَبدل، فانتقل من نصاب إلى نصاب، فيستأنف حولاً جديدًا مع أنَّ الانتقال من أغنام لأغنام، ولكن الاختلاف في النِّصاب من بهيمة الأنعام السَّائمة إلى عُرُوض التِّجارة، فصار في حكم المختلف.

ولذا فإنَّ عروض التِّجارة بابها واحد وجنسها واحد؛ لأنَّ زكاتَها تخرج قيمة، وليس من جنس عروض التِّجارة، فصاحب الأغنام الذي يبيع ويشتري لا يَخرج في الزكاة شاة، وإنَّما نقودًا كما سيأتي، وعليه فإذا أبدل ذهبًا بفِضَّة أثناء الحول، فلا يستأنف حولاً جديدًا إذا كانت عروض تجارة، بل يبني على حوله السابق؛ لأنَّ هذه المبادلة على سبيل التجارة كالذين يتعاملون بالعملات، فيشترون مثلاً بالريال السعودي جنيهًا مصريًّا أو درهمًا إماراتيًّا، فإن هذه المبادلة لا تقطع الحول.

والخلاصة: أنَّه إذا أبدل جنسًا بغيره، فإنه يستأنف حولاً جديدًا إلا في عروض التجارة كما سبق.

مسألة: ما الحكم لو فعل واحدًا من الأسباب الثلاثة السابقة التي ينقطع بها الحول ليفر من الزكاة؟

مثال ذلك: شخص عنده (40) شاة سائمة، وقبل تمام الحول بشهر، ذَبَح واحدة؛ لتكون ناقصة عن النِّصاب فلا يزكي، أو باع واحدة، أو أبدلها بخمس من الإبل، وفعل ذلك كله؛ ليفر من الزكاة، فما حكمه؟
الجواب: أنه تجب في حقِّه الزكاة بعد تمام الحول، فلا ينقطع وهو قول المذهب أيضًا.

والتعليل: لأنه فعل ذلك؛ ليتحايل على الشَّرع، فيعاقب بضد قصده؛ لأنَّ التحايل على إسقاط الواجب لا يسقطه، كما أن التحايُل على الحرام لا يبيحه؛ لقول النبي - صل الله عليه وسلم -: ((لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، فتستحلوا مَحارمَ الله بأدنى الحيل)).
أخرجه ابن بطة في "إبطال الحيل" (24).


وجوَّد إسناده شيخُ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (3/123).

ولأنَّ العبرة في الأفعال بالمقاصد؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - ((إنَّما الأعمال بالنيات، وإنَّما لكل امرئ ما نوى))؛ متفق عليه
عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه.


فالتحايل على إسقاط الواجب لا يسقطه كما في هذا المثال، وكمن يُطَلِّق امرأته وهو في مرض الموت؛ حتَّى لا ترث، فهنا لا يسقط الواجب فترث، وكذلك التحايل على فعل المحرم لا يُبيحه، وهذه قاعدة الحيل.

مسألة أخرى: لو أبدل النصاب بجنسه، فإن الحول لا ينقطع، وبه قال المذهب أيضًا.

مثال ذلك: رجل عنده ذهب يبلغ النِّصاب وقبل تَمام الحول بشهرين أبدله بذهب آخر، فإن الحول لا ينقطع؛ لأنَّه أبدله بجنسه، فيبني على حوله السابق.

مثال آخر: رجل عنده ثلاثون من البقر، وقبل تَمام الحول باعها بثلاثين من البقر أخرى، فإن الحول لا ينقطع، فيبني على حوله؛ لاتِّفاق الجنس.

إذًا ملخص المسألة أن يقال:
أولاً: أنَّ من نقص نصابه أو باع منه أو أبدله بغير جنسه أثناء الحول، فإنه يستأنف حولاً جديدًا، وإن فعل ذلك فرارًا من الزكاة، فإنه لا يستأنف، بل يبني على حوله.

ثانيًا: أن إبدال النصاب بغيره ينقسم أقسامًا:
1 - أنْ يبدل نصابًا بغير جنسه، فإنَّه يستأنف حولاً جديدًا إلاَّ في عروض التجارة كما سيأتي، مثاله: خمسًا من الإبل بثلاثين بقرة، أو ذهبًا بفضة على القول الصحيح.
2 - أن يبدل نصابًا بغير جنسه، وكلاهما عروض تجارة، فإنه يبني على حوله الأول، مثاله: كأن يتاجر بثلاثين رأسًا من الأغنام، فأبدلها بخمس من الإبل؛ ليتاجر بها أيضًا، فيبيع ويشتري.
3 - أن يبدل نصابًا ليس عروضَ تجارة بنصاب آخر عروض تجارة، سواء من جنسه أم من غير جنسه، فإنه يستأنف حولاً جديدًا، مثاله: كأن يكون عنده ثلاثون بقرة سائمة، أو أربعون شاة سائمة مُتَّخذة للدَّرِّ والنسل، فأبدلها بثلاثين شاة عروض تجارة.
4 - أن يبدل نصابًا بآخر من جنسه، فإنه يبني على حوله الأول، مثاله: كأن يبدل ذهبًا بذهب أو إبلاً سائمة بإبل سائمة.
5 - أن يبدل نصابًا بغير جنسه؛ ليفر من الزَّكاة، فإنَّه يبني على حوله الأوَّل، مثاله: كأن يبدل ثلاثين من البقر بأربعين شاة؛ ليفر من الزكاة.


"يتبع بإذن الله"



http://www.qwled.com/vb/imgcache-new...43537.imgcache



عطر الجنة 01-16-2016 06:05 PM

رد: بيان شروط وجوب الزكاة وما يتعلق بها
 


المسألة الخامسة:
هل تتعلق الزكاة بالذمة أو بعين المال؟


فائدة الخلاف: لو أن رجلاً عنده (40) شاة، فحال عليها حولان، ولم يخرج الزكاة، فمن علَّق الزَّكاة بالذمة، أوجب عليه شاتين لكل حول شاة، ومن علَّقها بعين المال، أوجب عليه شاة واحدة؛ لأنَّه لو أخرج عن الحول الأول شاة من أربعين، لصار عنده (39) شاة، وهذه دون النصاب، فلا تجب عليه الزكاة للحول الثاني، وفي هذا إشكال.

وإشكال آخر: لو قلنا: إنَّها تتعلق بعين المال يترتب عليه أنَّ صاحب المال لا يجوز له أنْ يبيع من هذه الشياه أو يهبها؛ لأن عين هذا المال فيه الزكاة؛ وكذا لو أراد أن يخرج زكاتها، فلا يجوز أن يشتري من السوق شاة؛ ليخرجها زكاة عن الأربعين التي عنده؛ لأنه لا بد أن يخرجها من عين المال، فيخرجها من التي عنده، والواقع اليوم أنَّ صاحب المال يتصرف في ماله بيعًا وشراءً وهبة، ويجوز له أنْ يشتري غير ما عنده؛ لتكون هي الزكاة.

إشكال آخر: لو قلنا: إنَّها متعلقة بعين المال، لو تلف هذا المال بعد مضي الحول، فلا شيء عليه؛ لأنَّ عين المال تلف إن كان من غير تفريط، ولو قلنا: إنَّها متعلقة بالذمة، لوجبت عليه الزَّكاة مع أنَّ الأظهر أنه ليس عليه زكاة؛ لأنَّه غير متعدٍّ ولا مفرط، وهناك إشكالات ومسائل أخرى تنبني على هذا الخلاف ذكرها ابن رجب في "القواعد" بتفريعات فريدة يحسن الرُّجوع إليها والاستفاد منها[26].

وسنذكر الخلاف بعد معرفة فائدته.


للمذهب روايتان قيل: إنَّها تتعلق بالذِّمة.
وعلَّلوا ذلك: بأنه لو تلف المال بعد وجوب الزَّكاة، لوجبت على صاحب المال الزكاة؛ لأنَّها في ذمته.

وقيل: إنَّها تتعلق بالمال.

واستدلوا:
بقوله - تعالى - {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بها} [التوبة: 103]،
ولقول النبي - صل الله عليه وسلم - ((فأعلمهم أنَّ الله افترض عليهم صدقة في أموالهم))؛ متفق عليه من حديث ابن عباس - رضي الله عنه.


وهاتان الروايتان في مذهب الإمام أحمد[27].

والقول الثالث: إنَّ الزكاة محلها عين المال ولها تعلق بالذِّمة، وهذا القول هو الذي ذكره صاحب الزاد، وهو قول يجمع بين الأمرين، وهو الأظهر - والله أعلم - فيصح أن يبيع المال أو يهبه ويتصرف فيه؛ لأن هذا التعلُّق بالمال ليس تعلقًا كاملاً، ويضمن الزكاة؛ لانشغال ذمته بها.

تنبيه: يستثنى من هذه المسألة عروض التجارة، فإن الزكاة لا تجب في عينها، بل في قيمتها، فمن يتاجر بمحلات مواد غذائيَّة لن يخرج الزكاة مما فيها كالسكر والشاي والأرز ونحوها، بل يُخرجها قيمة، وكذا من يُتاجر بالأغنام أو الأراضي، فما دام أنَّها عروض تجارة، فإن زكاتها في قيمتها.


المسألة السادسة:
لا يشترط في وجوب الزَّكاة التمكن من أدائها، ولا بقاء المال، والمقصود أنَّ التمكن من أداء الزكاة وبقاء المال ليسا من شروط وجوب الزكاة.


أولاً: التمكن من أداء الزكاة:
المذهب وهو القول الرَّاجح والله أعلم: أنه لا يشترط لإيجاب الزَّكاة على المسلم أن يتمكن من أدائها، فمثلاً: تقدم أنَّ الزكاة تجب في الدَّيْن مع أنَّ الدائن لا يتمكن من أداء الزَّكاة، ولكن الزَّكاة واجبة في حقه، لكن إخراج الزَّكاة لا يجب إلا بعد التمكن من الأداء، وبهذا نعرف أن هناك فرقًا بين وجوب الزَّكاة وبين وجوب إخراج الزَّكاة، فالأول يجب وإن لم يتمكَّن، والثاني لا يجب إلا بعد التمكن.

والتعليل: أنَّ هذا كسائر العبادات، فالصَّوم واجب على الحائض؛ أي: في ذمتها، ولكن لا يَجب فعله إلا إذا تمكنت بعد الطهر وكذلك المريض، وكذلك النائم في وجوب الصلاة.

ثانيًا: بقاء المال:
المذهب: أنه لا يشترط في وجوب الزَّكاة بقاء المال، بمعنى أنه لو تلف المال بعد مضي الحول ووجوب الزكاة فيه، يجب عليه أنْ يخرج زكاة هذا المال؛ لأنه لا يشترط أن يكون باقيًا عنده، سواء تلف هذا المال بتفريط منه أم لم يفرط؛ لأنَّه صار المال بعد مضي الحول كالدَّيْن عليه، وهذا يجعله متعلقًا بالذمة.

والقول الراجح - والله أعلم -: التفريق بين المفرِّط في إتلافه، فيجب عليه أداء الزكاة ولا يشترط بقاء المال، وبين الغير مفرِّط فلا تجب عليه الزَّكاة، وهذا القول رواية في المذهب.

والتعليل: لأنَّ المال بعد مضي الحَوْل ووجوب الزكاة كالأمانة عنده، والأمانة إذا تلفت من غير تفريطٍ ولا تعدٍّ لا يضمنها باتِّفاق العلماء، وإذا فرَّط فإنه يضمن، وهذا القول هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيميَّة واختيار شيخنا ابن عثيمين.


المسألة السابعة:
الزكاة تخرج من تركة الميت كالدَّين:

مثاله: شخص مات وترك مالاً مضى عليه الحول ولم يُزَكِّ، فإن الزَّكاة تخرج من ماله قبل إنفاذ الوصية وتقسيم الإرث، ومعلومٌ أنَّ الديون تدفع لأصحابها قبل الوصية والإرث والزكاة دين، وهذا قول المذهب وهو القول الراجح والله أعلم.

ويدل على ذلك: حديث ابن عباس - رضي الله عنه - أنَّ امرأةً سألت النبي - صل الله عليه وسلم - أنَّ أمَّها نذرت أن تحج، فلم تحج حتى ماتت، فقال لها رسول الله - صل الله عليه وسلم -: ((أرأيت لو كان على أمِّك دين أكنت قاضيته؟))، قالت: نعم، قال: ((اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء))[28].
فدل هذا على أن دين الله كدين الآدمي في القضاء.


وظاهر كلام صاحب الزَّاد أنَّه لا فرق بين كون الميت أخَّر زكاته متعمدًا، فمنعها بخلاً أو لا، فإنَّها تبرأ ذمته إذا أخرجها الورثة، وهذا قول المذهب[29].

والقول الثاني: أنه يُفَرَّق بين من أَخَّر زكاته عمدًا ومات على ذلك، فإنها لا تبرأ ذمته، فلا ينفعه إخراج الورثة لزكاته، وهو اختيار الإمام ابن القيم في "بدائع الفوائد"، (3/104).

وعلَّل ذلك: بأن هذا الميت أصرَّ على عدم الإخراج، فكيف ينفعه إخراج غيره لزكاته، وقال: إنَّ نصوصَ الكتاب والسنة وقواعد الشرع تدل على هذا.

ورجح شيخنا ابن عثيمين قول ابن القيم وأنَّها لا تبرأ ذمته، ولا تنفعه عند الله، وأنَّها تخرج من تركته؛ لتعلق حق أهل الزكاة بها[30].

فائدة: لو مات شخص وعليه دين لآدمي وزكاة، فأيهما يقدَّم؟

مثاله: مات شخص عنده (1000) ريال، وعليه دين قدره (1000) ريال، وزكاة قدرها (1000) فأيهما يقدم؟

قيل: يقدم دين الآدمي؛ لأنه مبنيٌّ على المشاحة، وقيل: يقدم حق الله؛ لأن النبي - صل الله عليه وسلم - قال: ((فالله أحق بالوفاء)).

والصواب: أنَّهما يتحاصَّان؛ أي: لكل حق حصته؛ أي: نصيبه، فيعطى صاحب الدين (500)، وتدفع (500) للزكاة، وهذا قول المذهب وهو الأظهر - والله أعلم -
وهو اختيار شيخنا ابن عثيمين[31]،
وأمَّا حديث ابن عباس، فالمراد فيه بيان أنه كما أن دين الآدمي يجب أن يُقضى، فكذلك دين الله من باب أولى.



http://cdn.top4top.net/i_9031523c721.png

http://up.harajgulf.com/do.php?img=237162
_ _ _ _ __ _ _ _ _

المراجع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] هذا الباب من وضع الشارح، وليس من وضع الماتن.
[2] رواه البخاري (2203)، ومسلم (1543).
[3] في "الإفصاح" 1/195.
[4] رواه البخاري (1395)، ومسلم (19).
[5] في "الإفصاح" 1/195.
[6] رواه البخاري (1405)، ومسلم (979).
[7] في "الإفصاح" 1/196.
[8] انظر: "فتاوى اللجنة الدائمة"، فتوى برقم (4460).
[9] رواه مسلم من حديث ابن عمر.
[10] رواه مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه.
[11] في "الإفصاح" 1/196.
[12] والحديث رواه ابن ماجه (1792)، وهو حديث ضعيف؛ لأن في سنده حارثةَ بنَ أبي الرجال، وحارثةُ ضعيف، إلا أن لهذا الحديث ما يعضده من آثار الصحابة، لا سيما الخلفاء الراشدين منهم، كأبي بكر كما في "موطأ الإمام مالك" و"سنن البيهقي" (4/95) وصححه، وورد عن عثمان كما في "موطأ مالك" والبيهقي أيضًا (4/95) وصححه، وورد عن علي، كما في "مصنف ابن أبي شيبة"، وغيرهم من الصحابة.
ولحديث عائشة شاهدٌ من حديث علي عند أبي دواد (1573)، قال عنه ابن حجر (في "التلخيص" 2/156): "حديث علي لا بأس بإسناده، والآثار تعضده؛ فيصلح للحجة".
[13] في "الإفصاح" (1/196).
[14] كما في "موطأ مالك" (1/265)، ورواه الشافعي في "الأم" (2/10)، وعبدالرزاق في "مصنفه" (6806)، قال النووي في "المجموع" (5/317): "رواه مالك في "الموطأ" والشافعي بإسنادهما الصحيح".
[15] انظر: فتاوى شيخنا ابن عثيمين، (18/208).
[16] رواه البيهقي (4/107)، وصححه.
[17] رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وحسنه.
[18] انظر: "العين"، للخليل، 8/72.
[19] انظر: "مصنف عبدالرزاق"، 4/103، وانظر: "سنن البيهقي"، 4/150.
[20] في تاريخ 10 - 16 ربيع الآخر 1406هـ، انظر: مجلة المجمع العدد (2)، ج1/61.
[21] انظر: "مجموع الفتاوى"، 25/25، وانظر: "زاد المعاد"، 2/10.
[22] انظر: "الإنصاف"، 3/24.
[23] انظر: "المطالب العالية"، 5/ 504.
[24] انظر: "بداية المجتهد"، 1/246.
[25] انظر: "الإنصاف مع الشرح الكبير"، 6/344.
[26] انظر: "القاعدة"، ص85، 138.
[27] انظر: "الإنصاف"، للمرداوي، 3/35.
[28] رواه البخاري، (1852).
[29] انظر: "الإنصاف"، 3/41.
[30] انظر: "الممتع"، 6/47.

[31] انظر: "الممتع"، 6/48.


http://www.qwled.com/vb/imgcache-new...43537.imgcache




عطر الجنة 01-16-2016 06:13 PM

رد: بيان شروط وجوب الزكاة وما يتعلق بها
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة دمعة الم (المشاركة 81060)






حياك الله ابنتي الغالية عطر الجنة


جزاك الله خيرا على الطرح القيم

اللهم املأ بالإيمان قلوبنا وباليقين صدورنا


وبالنور وجوهنا وبالحكمة عقولنا


وبالحياء أبداننا واجعل القرآن شعارنا


والسنة طريقنا يا من يسمع دبيب النمل على الصفا


ويُحصى وقع الطير في الهواء ويعلم ما في القلب


والكُلَى ويعطى العبد على ما نوى


اللهم اغفر لنا جدنا وهزلنا وخطئنا وعمدينا وكل ذلك عندنا

أسأل الله لكم راحة تملأ أنفسكم ورضى يغمر قلوبكم

وعملاً يرضي ربكم وسعادة تعلوا وجوهكم

ونصراً يقهر عدوكم وذكراً يشغل وقتكم

وعفواً يغسل ذنوبكم و فرجاً يمحوا همومكم

اللهم اجعلنا من ورثة جنتك وأهلا لنعمتك وأسكنا

قصورها برحمتك وارزقنا فردوسك الأعلى

حنانا منك ومنا و إن لم نكن لها أهلا فليس لنا من العمل ما يبلغنا


هذا الأمل إلا حبك وحب رسولك صلى الله عليه وسلم والحمد لله رب العالمين

ودمتم على طاعة الرحمن

وعلى طريق الخير نلتقي دوما



سرني تواجدك أمي الغالية
وردك المحب
لا حرمت إطلالتك العطرة في شعااع
دمت بحفظ الله ورعاايته.

http://up.movizland.com/uploads/13587807869.gif

أم يعقوب 01-16-2016 06:57 PM

رد: بيان شروط وجوب الزكاة وما يتعلق بها
 
جزاك الله خيرا
موضوع قيم
يثبت للاهمية

إسمهان الجادوي 01-16-2016 07:12 PM

رد: بيان شروط وجوب الزكاة وما يتعلق بها
 
يعطيك الله العافية..
كلّ الشكرُ والتقديرلك

عطر الجنة 01-18-2016 10:31 PM

رد: بيان شروط وجوب الزكاة وما يتعلق بها
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم يعقوب (المشاركة 81095)
جزاك الله خيرا
موضوع قيم
يثبت للاهمية

شكرا على مرورك العطر
وردك للموضوع

http://www.ro-ehsas.net/uploads/1413485018772.gif

عطر الجنة 01-18-2016 10:33 PM

رد: بيان شروط وجوب الزكاة وما يتعلق بها
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إسمهان فتحي (المشاركة 81098)
يعطيك الله العافية..
كلّ الشكرُ والتقديرلك

زينت صفحتي بتواجدك
شكرا لك

http://lh3.googleusercontent.com/-Y9...0/2015%2B-%2B1


الساعة الآن 10:48 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.1 TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
يرحل الجميع ويبقي شعاع بيت العلم والحب(ملك الكلمة)