منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد

منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد (https://hwazen.com/vb/index.php)
-   شعاع علم التجويد والقراءات (https://hwazen.com/vb/f110.html)
-   -   بحث ــ عن المحكم والمتشابه في القرءان (https://hwazen.com/vb/t10972.html)

عطر الجنة 02-07-2016 10:01 PM

بحث ــ عن المحكم والمتشابه في القرءان
 



http://up.3dlat.com/uploads/13472841619.gif


http://vb.tafsir.net/images/smilies/line.png
*بحث*
عن المحكم والمتشابه في القرءان الكريم


http://vb.tafsir.net/images/smilies/line.png

الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد:

إنّ من أهم علوم القرآن الكريم علم المحكم والمتشابه فقد وصف الله كتابه بأنّه محكم فقال سبحانه: " كتاب أحكمت آياته"

وبأنه متشابه فقال تعالى:
" الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني"

وجمع سبحانه بين الوصفين فقال سبحانه:
" منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات "


إن المحكم والمتشابه في اصطلاح المصنفين في علوم القرآن له اعتباران:

الأول: اعتبار عام: فالمحكم على هذا معناه: الإتقان وعدم تطرق النقص والاختلاف، والمتشابه معناه: التماثل ، والتشاكل في الحسن والصدق والإعجاز.

الثاني: اعتبار خاص:اختلف العلماء في بيان ذلك على أقوال فقيل: المحكم ما عرف المراد منه والمتشابه ما استأثر الله بعلمه، وقيل: المحكم ما لا يحتمل إلا وجهًا واحداً والمتشابه ما احتمل أكثر من وجه، وقيل: المحكم ما استقل بنفسه والمتشابه ما احتاج إلى بيان، وقيل غير ذلك.

*****

إنَّ المتشابه في القرآن مصطلحٌ عام يندرج فيه كل ما غمض ودق واحتاج إلى بيان، ويندرج فيه كل ما أشكل من الآيات مع غيره أو في نفسه، ولأجل هذا قسم بعض العلماء المتشابه باعتبار اللفظ والمعنى إلى ثلاثة أقسام: متشابه لفظي، ومتشابه معنوي، ومتشابه من جهة اللفظ والمعنى.

*****
ولبعضهم تقسيم آخر باعتبار معرفته من عدمها فقسمه إلى ثلاثة أقسام:

متشابه حقيقي :وهو الذي لا يعلمه أحد من البشر.
ومتشابه إضافي: يحتاج إلى معرفته من إضافة دليل آخر.
ومتشابه خفي: يخفى على من دون الراسخين في العلم وعلى هذا دخل الغريب، والمشكل والمنسوخ، والغيبيات عمومًا؛ لأنَّ الاشتباه فيها أتى من جهة المعنى فهي من المتشابه المعنوي، وكذلك دخل علم متشابه القرآن؛ لأنَّ الاشتباه فيه أتى من جهة اللفظ؛ فيطلق عليه المتشابه اللفظي.

*****
وقد مر معنا أنّ المتشابه نوعان: متشابه معنوي، ومتشابه لفظي، وذكرنا بأنّ المتشابه المعنوي يدخل فيه غريب القرآن، ومشكل القرآن، والمنسوخ، والغيبيات عمومًا، والمصنفون في علوم القرآن إنما يعنون بمصطلح متشابه القرآن: المتشابه اللفظي دون المتشابه المعنوي؛ لذا فقد جعلوا باباً في مؤلفاتهم لعلم متشابه القرآن الكريم، وأفردوه بالتأليف والتقسيم.

*****
إنّ السبب الذي جعل العلماء يوجهون الآيات المتشابه في القرآن الكريم هو: ظهور الطعن في القرآن من الزنادقة والملحدين والمشككين في إعجاز القرآن الكريم وبلاغته وأنه كلام الله ومن عند الله.
يقول الخطيب الإسكافي في معرض حديثه عن سبب تأليفه للكتاب:
(( ففتقت من أكمام المعاني ما أوقع فرقانًا، وصار لمبهم المتشابه وتكرار المتكرر تبيانًا، ولطعن الجاحدين رداً، ولمسلك الملحدين سداً )).


*****
تعريف المحكم :

المحكم لغة / من الحكم والقضاء ، والعلم والفقه ، وهو مصدر حكم يحكم ، والمحكم الذي لا اختلاف فيه ولا اضطراب ، فعيل بمعنى مفعل أحكم فهو محكم .

قال ابن فارس «الحاء والكاف والميم أصل واحد وهو المنع، وأول ذلك: الحُكم، وهو المنع من الظلم وسُمِّيَت حَكَمَة الدابة لأنها تمنعها...».

وتقول: أحكمت الشيء أي اتقنته. والمحكم عمومًا هو المتقن، وبمعنى أخص: ما لا يعرض فيه شبهة من حيث اللفظ ولا من حيث المعنى.

وفي حديث ابن عباس : ( قرأت المحكم على عهد رسول الله صل الله عليه وسلم ) ، يريد المفصل من القرآن لأنه لم ينسخ منه شيء ، وقيل : هو ما لم يكن متشابها لأنه أحكم بيانه بنفسه ولم يفتقر إلى غيره .

وقال صاحب القاموس (احكمه أتقنه فاستحكم ومنعه عن الفساد كحكمه حكماً وعن الأمر رجعه فحكم منعه مما يريد كحكمه)(1).

وقال في لسان العرب (أحكمت الشيء فاستحكم صار محكماً واحتكم الأمر واستحكم وثق.

ونقل عن الأزهري - إن حكمت تأتي بمعنى أحكمت)

وبملاحظة هذين النصين اللغويين الأخيرين نحصل على النتائج الثلاث التالية في شأن هذه المادة.

1 - إن (محكم) مشتق من احكم وحكم.

2 - إن (حكم) تأتي بمعنى وثق واتقن. فهي ذات معنى وجودي ايجابي.

3 - إن (حكم) تأتي بمعنى منع فهي ذات معنى عدمي سلبي.

وقد حاول بعض الباحثين في علوم القرآن إن يرجع مادة الأحكام بمشتقاتها المتعددة كالحكم والحكمة وحكم وأحكم وغيرها إلى معنى واحد يجمعها وهو المنع(3)

ولكن المتبادر من مادة الإحكام معنى وجودي ايجابي هو الاتقان والوثوق كما يشير إلى ذلك تصريح أهل اللغة في تفسير أصل المادة. والمنع يمكن أن يكون من مستلزمات هذا المعنى الايجابي الأمر الذي صحح استعمال المادة فيه أيضاً.

*****
ثانيا: المتشابه لغة :

قال ابن فارس: «الشين والباء والهاء أصل واحد يدل على تشابه الشيء وتشاكله لونًا ووصفًا... والمشبهات من الأمور المشكلات، واشتبه الأمران إذا أشكلا».

والشبه ضرب من النحاس ، يلقى عليه دواء فيصفر ، وسمي شبها لأنه شبه بالذهب ، وفي فلان شبه من فلان أي شبيهه ، وتقول : شبهت هذا بهذا ، وأشبه فلان فلانا ، وأشبه الشيء الشيء ماثله ، والمشبهات من الأمور المشكلات ، تشابه الشيئان أشبه كل منهما الآخر حتى التبسا ، وشبه فلان علي إذا خلط ، واشتبه الأمر .

قال صاحب القاموس - الشِّبَه بالكسر والتحريك.. المثل جمعه: اشباه وشابَهَه وأشبهه مائلهُ وتشابها واشتبها: أشبه كل منها الآخر حتى التبسا وأمور مشتبهة ومشبَّهة كمعظّمة،مشكّلة. والشبهة بالضم - الالتباس والمثل. وشبه عليه الأمر تشبيهاً لبّس عليه وفي القرآن المحكم والمتشابه.


وقال ابن منظور في لسان العرب الشِّبهُ والشَّبَهُ والشَّبِيهُ المِثلُ والجَمعُ أشباه. وأشبه الشيءُ الشيءَ: ماثله وأَشبَهتُ فلاناً وشابَهتُهُ واشتَبَهَ علَيَّ وتشابهَ الشيئان واشتبَها: أَشبَهَ كلُّ واحدٍ منها صاحِبَه والمُشتبهاتُ من الأمور: المشكلاتُ،والمتشابهاتُ: المتماثلاتُ والتشبيه: التمثيل. والشُّبهَة: الالتباس وأمور مُشتَبهة ومُشَبِّهة ومُشَبِّهة: مشكلة يُشبِهُ بعضُها بعضاً. وشَبَّهَ عليه: خَلَّطَ عليه الأمر حتّى اِشتبَهَ بِغَيرِهِ.


*****
وبملاحظة هذين النصين الأخيرين نجد:

1- إن شابهه واشبهه بمعنى مائلهُ. وكذا تشابه واشتبه ولكنهما يدلان على وجود الوصف في الطرفين فهو من قبيل المفاعلة.

2- ان الشبه يأتي بمعنى المثل فهو معنى وجودي ذو طابع موضوعي ولكنه قد يطلق في نفس الوقت على ما يستلزمه أحيانا من (الالتباس) الذي هو من المعاني ذات الطابع الذاتي القائم في عالم النفس. بل قد تطلق المادة ويراد منها خصوص المماثلة المؤدية: إلى الالتباس كما قد يرمي إلى ذلك صاحب القاموس في قوله الآنف (وتشابها واشتبها أشبه كل منهما الآخر حتى التبسا).

وهذا النوع من الاستعمال نجده في كل مادة تطلق على معنى يقبل الشدة والضعف حيث قد يكون احد مصاديق المعنى مستلزماً لوجود شيء آخر.


*****
المطلب الثاني :
المحكم والمتشابه في الاصطلاح .


يمكن بالتتبع والاستقراء حصر الآراء التي فسرت معنى المحكم والمتشابه في القرآن الكريم في الوجوه الآتية :

1- المحكم ما عرف تأويله وفهم معناه وتفسيره ، والمتشابه ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل .
2- المحكم ما لا يحتمل إلا وجها واحدا ، والمتشابه ما يحتمل وجوها ، فإذا ردت إلى وجه واحد وأبطل الباقي ، صار المتشابه محكما .

3- المحكم ناسخه وحرامه وحلاله وفرائضه وما نؤمن به ونعمل عليه ، والمتشابه منسوخه وأمثاله وأقسامه وما نؤمن به ولا نعمل به .

4- المحكم الذي ليس فيه تصريف ولا تحريف عما وضع له والمتشابه ما فيه تصريف وتحريف وتأويل .

5- المحكم ما كان قائما بنفسه ، لا يحتاج إلى أن يرجع فيه إلى غيره ، والمتشابه ما يرجع فيه إلى غيره .

ويذكر السيوطي أن ما لم يأت في القرآن بلفظه البتة مما يقصده علماء القرآن ، من وقوع النظم الواحد على صور شتى ، تتشابه في أمور وتختلف في أخرى ، يطلقون عليه متشابه النظم أو متشابه اللفظ .

يقول الزركشي في البرهان عن المتشابه من هذا النوع : ( ويكثر في إيراد القصص والأنباء ، وحكمته التصرف في الكلام وإتيانه على ضروب ليعلمهم عجزهم عن جميع طرق ذلك مبتدأ به ومتكرر ) .

ومن أمثلة ذلك قوله تعالى : { وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ } ،

مع قوله : { وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ } .

وربما يطلق المتشابه كصفة مدح لجميع القرآن ، ولفظ المتشابه بهذا المعنى هو الوارد في قول الله تعالى { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّه ِ } .

أما تبيان كيف أن المتشابه بهذا الإطلاق نعت كمال لجميع القرآن ، فإنه من الجلي أن صوغ مادة التشابه في هذه الآية يقضى بأن الكتاب الكريم ذو أجزاء ، كلها يشبه بعضها بعضا من حيث الصحة والإحكام ، والبناء على الحق والصدق ومنفعته الخلق ، وتناسب ألفاظه وتناسقهما في التخير والإصابة ، وتجاوب نظمه وتأليفه في الإعجاز والتبكيت.


والتشابه بهذا المعنى الذي يعم جميع القرآن على نحو ما رأينا ، لا يتنافي بحال مع وصف الإحكام المذكور في قول الله تعالى :
{ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } .


*****
والذي يعم هو الآخر القرآن الكريم بأسره ، بل يجب الأخد بكلا الوصفين جميعا في كتاب الله عز وجل ، دون أن يأتي كلام الحق في ذلك باطل من بين يديه أو من خلفه ، وذلك بأن التناقض إنما يلزم إذا كان بين المادتين في هاتين الآيتين تقابل التضاد ، وكيف وكل منهم صفة مدح ، لا يمكن أن تدل على ما يضاد الأخرى ، وإنما على ما يؤيدهما ويشد من أزرهما، وبانطوائهما معا في صفته شاهد صدقه وآية تنزيل رب العالمين .

*****
وأما الإحكام فمعناه أن أي القرآن كلها قد نظمت نظما محكما لا يعتريه إخلال من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى ولا من جهة الهدف والغاية ، أو أنها أحكمت بالحجج والدلائل ، أو جعلت حكمة ، فنقول : حُكِم إذا صار محكما ، لأنها مشتملة على أمهات الحكم النظرية والعملية ، وإذن فالقرآن بهذا المعنى محكم في تشابهه ، متشابه في إحكامه .

*****
وقد يرد لفظ المتشابه في القرآن مقولا على بعض منه مخصوص ، مقابلا وقسيما للبعض الآخر الذي يقال عليه وصف المحكم ، وبحيث لا يجتمع هذان الوصفان المتقابلان في شيء واحد ، وذلك هو ما جاء في قوله تعالى
{ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ }

وهذا المعنى هو الذي ينصرف إليه لفظ المتشابه عند الإطلاق ، والتجرد من القرينة ، وإن الناظر في هذين الوصفين المتقابلين ، واللذين لا يصدق واحد منهما على ما يصدق عليه الآخر من القرآن ، ليرى اختلافا عظيما بين العلماء في تبيان هذا المعنى ، وهذا ما يهمنا في هذا البحث .


*****
المطلب الثالث :
معنى وصف القرآن كله بأنه محكم ومتشابه.

أما كونه كله محكماً، فهو من الإحكام، أي: الإتقان، فكله متقن في بيانه وبلاغته وأسلوبه وأحكامه، ومهما قلبت النظر فيه وتدبرت آياته وجدته في غاية البيان والإعجاز، وفيه الشفاء والنور والهدى التام، فهو محكم لا عيب فيه ولا نقص ولا خلل بأي وجه من الوجوه، فهو:{ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ }[هود:1]، فالقرآن كله محكم بهذا المعنى.

*****

وأما كونه متشابهاً كله، فمعناه: يصدق بعضه بعضاً، فلا تضارب فيه ولا تناقض ولا تعارض، فهو متشابه متماثل في كماله وبيانه وسموه، فلا يمكن أن يكون فيه نقص أو خلل أو عيب، بل إنه متشابه يصدق بعضه بعضاً، ويشهد بعضه لبعض.

ومن ذلك التشابه اللفظي بين آياته، فقد توجد آية في سورة تشبه آية أخرى في سورة أخرى، وقد يكون موضوع هذه السورة وتلك واحداً، فهذا تشابه، ولكن ذلك مختلف عند التأمل، فكل سورة وكل آية لها موضعها وسياقها ولها دلالتها، فهي في هذا السياق غيرها في ذلك السياق وإن كان لفظهما واحداً، وهنا وضعت لحكمة وهناك لحكمة، وهذه السورة لها سياقها وترابطها وموضوعها، وهي غير الأخرى وإن تشابهتا، لكنه في جملته متشابه.


*****
المطلب الرابع :
وصف القرآن بأن منه محكماً ومتشابهاً

وأما قوله تعالى: مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ

فإن المعنى مختلف عن هذين المعنيين، فليس المحكم هنا بمعنى المتقن؛ لأن القرآن كله متقن، وليس المتشابه بمعنى المتماثل؛ لأن القرآن كله متماثل.

فقوله تعالى: مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ [آل عمران:7 ]
إما أنها غير منسوخة، أو محكمة بينة واضحة الدلالة بحيث لا تحتمل إلا معنى واحداً، كما في قوله تعالى: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ، فهذه الآية وأمثالها لا تحتمل إلا معنى واحداً.

وفي الأحكام قوله تعالى :
فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ فهذه آية محكمة بمعنى أنها لا تحتمل إلا معنى واحداً، فكل من يقرأ القرآن -
وإن قل حظه من لغة العرب أو عِلْم التفسير- يعلم ذلك.

ومن أعظم الآيات المحكمات ما يتعلق بتوحيد الله عز وجل، مثل قوله تعالى

[
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ]

فهذه سورة واضحة محكمة بينة، ولا سيما في الرد على اليهود والنصارى الذين جعلوا لله ولداً، وكذلك ما يتعلق بصفات الله، وهي من أوجب ما يؤمن به الإنسان عند إيمانه بالله وبكتابه، فالعليم والحكيم والعلي والعظيم والسلام والمؤمن والمهيمن والعزيز والجبار والمتكبر وغيرها، كلها محكمة بينة واضحة الدلالة؛ ولهذا فإن أوضح شيء في القرآن هو أصل موضوع الأسماء والصفات والتعريف بالله سبحانه وتعالى.


ومن أوضح الأمور وأحكمها في القرآن إثبات اليوم الآخر، وكذلك الإيمان بالرسل والإيمان بالملائكة .. إلى آخر أركان الإيمان، فأصول الإيمان خاصة هي أوضح شيء في القرآن من حيث الدلالة والمعنى.

إذاً: فقوله تعالى
[ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ]
أي: أصله وأساسه الذي يرجع إليه، فلا بد من إرجاع المتشابه إلى هذا المحكم.

وقوله تعالى
[وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ] (أخر) جمع أخرى. أي: أن هناك آيات أخرى متشابهات تحتمل أكثر من معنى، وهي التي تختلف فيها الأنظار والأفهام، فمن واجبنا في هذه الحالة أن نؤمن بها وأن نرد ما تشابه علينا إلى المحكم، فإذا قلنا: إن المحكم هو الناسخ.

والمتشابه هو المنسوخ؛ فإننا نعمل بالناسخ، وأما المنسوخ فنؤمن بأن الله تكلم بهذه الآية وأنزلها لكنها نسخت، كما قال تعالى
[مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ]
فالله سبحانه وتعالى ينسخ ما يشاء ويحكم ما يشاء، بمعنى: أن المحكم هو الناسخ، والمتشابه هو المنسوخ.


*****
المطلب الخامس :
الحكمة في تنوع القرآن إلى محكم ومتشابه :-

لو كان القرآن كله محكما لفاتت الحكمة من الاختبار به تصديقا وعملا لظهور معناه ، وعدم المجال لتحريفه ، والتمسك بالمتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، ولو كان كله متشابها لفات كونه بيانا ، وهدى للناس ، ولما أمكن العمل به ، وبناء العقيدة السليمة عليه ، ولكن الله تعالى بحكمته جعل منه آيات محكمات ، يرجع إليهن عند التشابه ، وآخر متشابهات امتحانا للعباد ، ليتبين صادق الإيمان ممن في قلبه زيغ ، فإن صادق الإيمان يعلم أن القرآن كله من عند الله تعالى ، وما كان من عند الله فهو حق ، ولا يمكن أن يكون فيه باطل ، أو تناقض لقوله تعالى
(لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِتَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) فصلت:42

وقوله تعالى (لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)(النساء: الآية 82

وأما من في قلبه زيغ ، فيتخذ من المتشابه سبيلا إلى تحريف المحكم واتباع الهوى في التشكيك في الأخبار والاستكبار عن الأحكام ، ولهذا تجد كثيرا منا لمنحرفين في العقائد والأعمال ، يحتجون على انحرافهم بهذه الآيات المتشابهة .

*****
المطلب السادس:
موقف أهل العلم من المحكم والمتشابه:

اختلف العلماء في المحكمات والمتشابهات على أقوال عديدة نذكرها فيما يلي:

الأول: أن المتشابه هو المنسوخ فمعنى المنسوخ معروف.

وهذا القول مأثور عن ابن مسعود وابن عباس وقتادة والسُّدي وغيرهم، وابن مسعود
وابن عباس، وقتادة، هم الذين نقل عنهم أن الراسخين في العلم لا يعلمون تأويله، ومعلوم قطعًا باتفاق المسلمين أن الراسخين يعلمون معنى المنسوخ، وأنه منسوخ، فكان هذا النقل عنهم يناقض ذلك النقل، ويدل على أنه كذب إن كان هذا صدقًا، وإلا تعارض النقلان عنهم، والمنقول عنهم أن الراسخين يعلمون معنى المتشابه.

الثاني: مأثور عن جابر بن عبد الله أنه قال:
المحكم ما علم العلماء تأويله، والمتشابه ما لم يكن للعلماء إلى معرفته سبيل، كقيام الساعة.

ومعلوم أن وقت قيام الساعة مما اتفق المسلمون على أنه لا يعلمه إلا الله، فإذا أريد بلفظ التأويل هذا كان المراد به لا يعلم وقت تأويله إلا الله وهذا حق، ولا
يدل ذلك على أنه لا يعرف معنى الخطاب بذلك، وكذلك إن أُريد بالتأويل حقائق ما يوجد، وقيل: لا يعلم كيفية ذلك إلا الله.

الثالث: أن المتشابه الحروف المقطعة في أوائل السور يروى هذا عن ابن عباس، وعلى هذا القول فالحروف المقطعة ليست كلامًا تامًا من الجمل الاسمية والفعلية، وإنما هي أسماء موقوفة، ولهذا لم تعرب، فإن الإعراب إنما يكون بعد العقد والتركيب، وإنما نطق بها موقوفة كما يقال: ا ب ت ث، ولهذا تكتب بصورة الحرف، لا بصورة الاسم الذي ينطق به، فإنها في النطق أسماء.

الرابع: أن المتشابه ما اشتبهت معانيه قاله مجاهد، وهذا يوافق قول أكثر العلماء، وكلهم يتكلم في تفسير هذا المتشابه؛ ويبين معناه.


*****
الخامس :
أن المتشابه ما تكررت ألفاظه
قاله عبد الرحمن بن زيد بن أسد. قال المحكم: ما ذكر الله تعالى في كتابه، من قصص الأنبياء ففصله وبينه، والمتشابه هو ما اختلفت ألفاظه في قصصهم عند التكرير
كما قال في موضع من قصة نوح
[احْمِلْ فِيهَا ]
وقال في موضع آخر
[ اسْلُكْ فِيهَا ]
وقال في عصى موسى:
[فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ ]
[تَسْعَى ] وفي موضع آخر [فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ] وصاحب هذا القول جعل المتشابه اختلاف اللفظ مع اتفاق المعنى، كما يشتبه على حافظ القرآن هذا اللفظ بذاك اللفظ.

وقد صنف بعضهم في هذا المتشابه ؛ لأن القصة الواحدة يتشابه معناها في الموضعين، فاشتبه على القارئ أحد اللفظين بالآخر، وهذا التشابه قد ينفي معرفة المعاني بلا ريب.

السادس: أنه ما احتاج إلى بيان كما نقل عن الإمام أحمد.

السابع: أنه ما احتمل وجوهًا، كما نقل عن الشافعي
وأحمد، وقد روى عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: إنك لا تفقه كُلَّ الفقه حتى ترى للقرآن وجوهًا.

الثامن: أن المتشابه هو القصص والأمثال وهذا أيضًا يعرف معناه.

التاسع: أنه ما يؤمن به ولا يعمل به، وهذا أيضًا مما يعرف معناه.

العاشر: قول بعض المتأخرين أن المتشابه آيات الصفات، وأحاديث الصفات، وهذا أيضًا مما يعلم معناه، فإن أكثر آيات الصفات اتفق المسلمون على أنه يعرف معناها، والبعض الذي تنازع الناس في معناه إنما ذم السلف منه تأويلات الجهمية، ونفوا علم الناس بكيفيته: كقول مالك: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة.


*****
وكذلك قال سائر أئمة السنة، وحينئذٍ فرق بين المعنى والمعلوم، وبين الكيف المجهول. هذه هي معظم الأقوال التي قيلت في المحكم والمتشابه.

واعلم أن المتشابه في هذه الآية من باب الاحتمال والاشتباه من قول
{ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا} أي: التبس علينا، أي يحتمل أنواعًا كثيرة من البقر، والمراد بالمحكم ما في مقابلة هذا، وهو ما لا التباس فيه ولا يحتمل إلا وجهًا واحدًا.

وقيل: إن المتشابه ما يحتمل وجوهًا، ثم إذا رُدت الوجوه إلى وجه وأبطل الباقي صار المتشابه محكمًا، فالمحكم: أبدًا أصلٌ تُرد إليه الفروع والمتشابه هو الفرع.

السلف فسروا جميع القرآن لأن التشابه نسبي إضافي. لقد أنزل الله تعالى كتابه بلسان عربي مبين، على نبي من العرب، وخاطب به أول من خاطب أمة عربية، كي يكون هاديًا ومرشدًا إلى الحق، وهذا يعني أنه مفهوم لدى المخاطبين به، كي تقوم الحجة، وتنقطع المعذرة.

هذا، وقد جلّى هذه المسألة وفصلها، ورد على المخالفين لها من وجوه عدة الإمام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله، ومن ذلك قوله: «والمقصود هنا: أنه لا يجوز أن يكون الله أنزل كلامًا لا معنى له، ولا يجوز أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم وجميع الأمة لا يعلمون معناه، كما يقول ذلك من يقوله من المتأخرين، وهذا القول يجب القطع بأنه خطأ، سواء كان مع هذا تأويل القرآن لا يعلمه الراسخون أو كان

للتأويل معنيان:
يعلمون أحدهما، ولا يعلمون الآخر.
فإن معنى الدلائل الكثيرة من الكتاب والسنة وأقوال السلف على أن جميع القرآن مما يمكن علمه وفهمه وتدبره، وهذا مما يجب القطع به،

وليس معناه قاطعًا على أن الراسخين في العلم لا يعلمون تفسير المتشابه، فإن السلف قد قال كثير منهم إنهم يعلمون تأويله، منهم مجاهد - مع جلالة قدره - والربيع بن أنس، ومحمد بن جعفر بن الزبير، ونقلوا ذلك عن ابن عباس، وأنه قال: أنا من الراسخين الذين يعلمون تأويله.

قالوا: والدليل على ما قلناه إجماع السلف، فإنهم فسروا جميع القرآن، وقال مجاهد: عرضت المصحف على ابن عباس من فاتحته إلى خاتمته أقِفُه عند كل آية وأسأله عنها، وتلقوا ذلك عن النبي صل الله عليه وسلم .

كما قال أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذين كانوا يُقْرئوننا القرآن: عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صل الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا.

وكلام أهل التفسير من الصحابة والتابعين شامل لجميع القرآن، إلا ما قد يُشْكل على بعضهم فيقف فيه، لا لأن أحدًا من الناس لا يعلمه، لكن لأنه هو لم يعلمه،
وأيضًا فإن الله قد أمر بتدبر القرآن مطلقًا ولم يستثن منه شيئًا لا يُتدبَّر، ولا قال: لا تدبَّروا المتشابه، والتدبر بدون الفهم ممتنع، ولو كان من القرآن ما لا يتدبر لم يعرف، فإن الله لم يجعل المتشابه مميزًا بحد ظاهر حتى يجتنب تدبره.


*****

:خلاصة :
وحاصل القول في موضوع المحكم والمتشابه الوارد في القرآن، أنه من جهة اللغة لا تنافي بينهما؛ إذ القرآن كله محكم بمعنى أنه متقن غاية الإتقان، وهو أيضًا متشابه، بمعنى أنه يصدق بعضه بعضًا؛ أما من جهة الاصطلاح، فالمحكم ما عُرف المقصود منه، والمتشابه ما غَمُض المقصود منه. وظهر لنا أيضًا الموقف السليم من النصوص الواردة في باب الصفات، وأن القول الصواب فيها ما ذهب إليه السلف من إجراء تلك النصوص على ظاهرها، دون أن يقتضي ظاهر تلك الن
صوص تمثيل الخالق بالمخلوق.


*تم أخذ هذا الموضوع من عدة مصادر لتكتمل الفائدة *

"والله ولي التوفيق"


http://vb.almastba.com/imgcache/alms...585777_671.gif



http://up.3dlat.com/uploads/13472841619.gif



أم منير 02-08-2016 12:08 AM

رد: بحث ــ عن المحكم والمتشابه في القرءان
 
بوركت اخيتي معلومات قيمة جزاك الله خيرا

http://img.el-wlid.com/imgcache/2014/10/890293.gif

أم إلياس 02-08-2016 12:23 AM

رد: بحث ــ عن المحكم والمتشابه في القرءان
 
عطر الجنة ماشاء الله تبارك الرحمان
اسعد بتصفحي مواضيعك كلك ذوق
لاحرمنا تواجدك وروعة مواضيعك
دمت متالقة





http://lh3.googleusercontent.com/-hN...9xY8/photo.jpg




عطر الجنة 02-08-2016 03:16 PM

رد: بحث ــ عن المحكم والمتشابه في القرءان
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ام مروة (المشاركة 83704)
بوركت اخيتي معلومات قيمة جزاك الله خيرا

http://img.el-wlid.com/imgcache/2014/10/890293.gif



جزاك الله خيرا ..أخيتي
نورت الموضوع بحضورك الكريم
pppoشكرا لكpppo


عطر الجنة 02-08-2016 03:19 PM

رد: بحث ــ عن المحكم والمتشابه في القرءان
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم إلياس (المشاركة 83706)
عطر الجنة ماشاء الله تبارك الرحمان
اسعد بتصفحي مواضيعك كلك ذوق
لاحرمنا تواجدك وروعة مواضيعك
دمت متالقة





http://lh3.googleusercontent.com/-hN...9xY8/photo.jpg





القلوب شواهد *أم إليااس*
كذلك حضورك الجميل وردك العطر
يبهج قلبي ويزين مواضيعي
pppoشكرا جزيلا لكpppo



دلال إبراهيم 02-08-2016 08:04 PM

رد: بحث ــ عن المحكم والمتشابه في القرءان
 
بارك الله فيك اختي عطر

لا حرمنا مواضيعك المميزة

عطر الجنة 02-09-2016 02:25 PM

رد: بحث ــ عن المحكم والمتشابه في القرءان
 
وفيك بارك الرحمن ..أختي دلال
ولا حرمت تواصلك الكريم
"دمت بخير وسرور"

http://store1.up-00.com/2015-07/1437953930631.gif

أم يعقوب 02-10-2016 03:57 PM

رد: بحث ــ عن المحكم والمتشابه في القرءان
 
http://store2.up-00.com/2015-01/1422032303171.gif

http://store2.up-00.com/2015-03/1425416933141.gif

بوركت

عطر الجنة 02-13-2016 08:38 PM

رد: بحث ــ عن المحكم والمتشابه في القرءان
 
http://uploads.sedty.com/imagehostin...1332702904.gif


http://www2.0zz0.com/2012/07/21/17/759447622.gif

منار الحمصية 02-25-2016 11:42 PM

رد: بحث ــ عن المحكم والمتشابه في القرءان
 
جزاك الله كل الخير

rftgrftgrftgrftg


الساعة الآن 02:43 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.1 TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
يرحل الجميع ويبقي شعاع بيت العلم والحب(ملك الكلمة)