منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد

منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد (https://hwazen.com/vb/index.php)
-   شعاع السيرة النبوية، الصحابة و السلف الصالح (https://hwazen.com/vb/f35.html)
-   -   الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه و سلم (https://hwazen.com/vb/t11468.html)

إسمهان الجادوي 03-23-2016 06:58 PM

رد: الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه و سلم
 

الفصل الثامن
في إعلام الله تعالى خلقه بصلواته عليه و ولايته له و رفعه العذاب بسببه
قال الله تعالى : وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ، أي ما كنت بمكة ، فلما خرج النبي صلى الله عليه و سلم من مكة ، و بقي من المؤمنين نزل : وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون [ سورة الأنفال / 8 ، الآية 33 ] .
و هذا مثل قوله : لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما [ سورة الفتح / 48 ، الآية 25 ] .

و قوله تعالى : ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء : فلما هاجر المؤمنون نزلت : وما لهم أن لا يعذبهم الله [ سورة الأنفال / 8 ، الآية 34 ] .
و هذا من أبين ما يظهر مكانته صلى الله عليه و سلم ، و درأ به العذاب عن أهل مكة بسبب كونه ، ثم كون أصحابه بعده [ 17 ] بين أظهرهم ، فلما خلت مكة منهم عذبهم الله بتلسيط المؤمنين عليهم ، و غلبتهم إياهم ، و حكم فيهم سيوفيهم ، و أورثهم أرضهم و ديارهم و أموالهم .
و في الآية أيضاً تأويل آخر :
حدثنا القاضي الشهيد أبو علي رحمه الله بقراءتي عليه ، قال : حدثنا أبو الفضل بن خيرو ن ، و أبو الحسين الصيرفي ، قالا : حدثنا أبو يعلى ابن زوج الحرة ، حدثنا أبو علي السنجي ، حدثنا محمد بن محبوب المروزي ، حدثنا أبو عيسى الحافظ ، حدثنا سفيان بن وكيع ، حدثنا ابن نمير ، عن إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر ، عن عباد بن يوسف ، عن أبي بردة بن أبي موسى ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أنزل الله علي أمانين لأمتي ، وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون فإذا مضيت تركت فيهم الإستغفار .
و نحو منه قوله تعالى : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين [ سورة الأنبياء / 21 ، الآية 107 ] .
و قال عليه السلام : أنا أمان لأصحابي . قيل : من البدع .
و قيل : من الإختلاف و الفتن .
قال بعضهم : الرسول صلى الله عليه و سلم هو الأمان الأعظم ما عاش ، و ما دامت سنته باقية فهو باق ، فإذا أميتت سنته فانتظر البلاء و الفتن .
و قال الله تعالى : إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [ سورة الأحزاب / 33 ، الآية 56 ] .
أبان الله تعالى فضل نبيه صلى الله عليه و سلم بصلواته عليه ، ثم بصلاة ملائكته ، و أ مر عباده بالصلاة و التسليم عليه .
[ و قد حكى أبوبكر بن فورك أن بعض العلماء تأول قوله عليه السلام : و جعلت قرة عيني في الصلاة على هذا ، أي في صلاة الله تعالى علي و ملائكته و أمره الأمة بذلك إلى يوم القيامة ] . و الصلاة من الملائكة [ استغفار ] ، و منا له دعاء ، و من الله عز و جل رحمة .
و قيل : يصلون : يباركون .
و قد فرق النبي صلى الله عليه و سلم ـ حين علم الصلاة عليه بين لفظ الصلاة و البركة .
و سنذكر حكم الصلاة عليه .
و ذكر بعض المتكلمين في تفسير حروف كهيعص أن الكاف من [ كاف ] ، أي كفاية الله تعالى لنبيه ، قال تعالى : أليس الله بكاف عبده [ سورة الزمر / 39 ، الآية 36 ] .
و الهاء هدايته له ، قال : ويهديك صراطا مستقيما [ سورة الفتح / 48 ، الآية 2 ] .
و الياء تأييده ، قال : هو الذي أيدك بنصره [ سورة الأنفال / 8 ، الآية 62 ] .
و العين عصمته له قال : والله يعصمك من الناس [س المائدة / 5 ، الآية 67 ] .
و الصاد : صلواته عليه ، قال : إن الله وملائكته يصلون على النبي [ سورة الأحزاب / 33 ، الآية 56 ] .
و قال تعالى : وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير ، مولاه أي وليه . و صالح المؤمنين : قيل : الأنبياء . و قيل :
الملائكة . و قيل : أبوبكر ، و عمر .
و قيل : علي . و قيل : المؤمنون على ظاهره .


إسمهان الجادوي 03-23-2016 08:32 PM

رد: الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه و سلم
 
الفصل التاسع
فيما تضمنته سورة الفتح من كراماته صلى الله عليه و سلم
قال الله تعالى : إنا فتحنا لك فتحا مبينا * ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما * وينصرك الله نصرا عزيزا * هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما * ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما * ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا * ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عزيزا حكيما * إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا * إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم [ سورة الفتح / 48 ، الآية 1، 10 ] .
تضمنت هذه الأيات من فضله الثناء عليه و كريم منزلته عند الله تعالى ، و نعمته لديه ـ ما يقصر الوصف عن الإنتهاء إليه ، فابتدأ جل جلاله ـ بإعلامه بما قضاه له من القضاء البين بظهور ه ، و غلبته على عدوه ، و علو كلمته و شريعته ، و أنه مغفور له ، غير مؤاخذ بما كان و ما يكون .
قال بعضهم : أراد غفران ما وقع و ما لم يقع ، أي إنك مغفور لك .
و قال مكي : جعل الله المنة سبباً للمغفرة ، و كل من عنده ، لا إله غيره ، [ 18 ] منةً بعد منة ، و فضلاً بعد فضل .

ثم قال : ويتم نعمته عليك : قيل بخضوع من تكبر عليك .
و قيل : يفتح مكة و الطائف .
و قيل : يرفع ذكرك في الدنيا و ينصرك و يغفر لك ، فأعلمه بتمام نعمته عليه بخضوع متكبري عدوه له ، و فتح أهم البلاد عليه و أحبها له ، و رفع ذكره ، و هدايته الصراط المستقيم المبلغ الجنة و السعادة ، و نصره النصر العزيز ، و منته على أمته المؤمنين بالسكينة و الطمأنينة التي جعلها في قلوبهم ، و بشارتهم بما لهم بعد ، و فوزهم العظيم ، و العفو عنهم ، و الستر لذنوبهم ، و هلاك عدوه في الدنيا و الآخرة ، و لعنهم و بعدهم من رحمته ، و سوء منقلبهم .
ثم قال : إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا [ سورة الفتح /48 ، الآية 8 ، 9 ] .
فعد محاسنه و خصائصه ، من شهادته على أمته لنفسه ، بتبليغه الرسالة لهم .
و قيل : شاهداً لهم بالتوحيد ، و مبشراً لأمته بالثواب . و قيل : بالمغفرة . و منذراً عدوه بالعذاب .
و قيل : محذراً من الضلالات ليؤمنوا بالله ثم به صلى الله عليه و سلم من سبقت له من الله الحسنى . و يعزروه ، و يجلونه . و قيل : ينصرونه . و قيل : يبالغون في تعظيمه . و يوقروه ، أي يعظموه .
و قرأه بعضهم : تعززوه ـ بزاءين : من العز ، و الأكثر و الأظهر أن هذا في حق محمد صلى الله عليه و سلم .
ثم قال : وتسبحوه ، فهذا راجع إلى الله تعالى .
قال ابن عطاء جمع للنبي صلى الله عليه و سلم في هذه السور نعم مختلفة ، من الفتح المبين ، و هو من أعلام الإجابة . و المغفرة ، و هي من أعلام المحبة ، و تمام النعمة ، و هي من أعلام الإختصاص . و الهداية ، و هي من أعلام الولاية ، فالمغفرة تبرئة من العيوب ، و تمام النعمة إبلاغ الدرجة الكاملة ، و الهداية و هي الدعوة إلىالمشاهدة .
و قال جعفر بن محمد : من تمام نعمته عليه أن جعله حبيبه ، و أقسم بحياته ، و نسخ به شرائع غيره ، و عرج به إلى المحل الأعلى ، و حفظه في المعراج حتى ما زاغ البصر و ما طغى ، و بعثه إلى الأحمر و ا لأسود ، و أحل له و لأمته الغنائم ، و جعله شفيعاً مشفعاً ، و سيد ولد آدم ، و قرن ذكره بذكره ، و رضاه برضاه ، و جعله أحد ركني التوحيد .
ثم قال : إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ـ يعني بيعة الرضوان ، أي إنما يبايعون الله ببيعتهم إياك .
يد الله فوق أيديهم ، يريد عند البيعة . قيل : قوة الله ، و قيل : ثوابه . و قيل : منته . وقيل : عقده ، و هذه استعارة ، و تجنيس في الكلام ، و تأكيد لعقد بيعتهم إياه . و عظم شأن المبايع صلى الله عليه و سلم .
و قد يكون من هذا قوله تعالى : فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ، و إن كان الأول في باب المجاز ، و هذا في باب الحقيقة ، لأن القاتل و الرامي بالحقيقة هو الله ، و هو خالق فعله و رميه ، و قدرته عليه و مسببه ، و لأنه ليس في قدرة البشر توصيل تلك الرمية حيث وصلت ، حتى لم يبق منهم من لم تملأ عينيه ، و كذلك قتل الملائكة لهم حقيقة .
و قد قيل في هذه الآية الأخرى إنها على المجاز العربي ، و مقابلة اللفظ و مناسبته ، أي ما قتلتموهم ، و ما رميتهم أنت إذ رميت وجوههم بالحصباء و التراب ، و لكن الله رمى قلوبهم بالجزع ، أي إن [ 19 ] منفعة الرمي كانت من فعل الله ، فهو القاتل و الرامي بالمعنى و أنت بالاسم .


إسمهان الجادوي 03-23-2016 11:27 PM

رد: الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه و سلم
 
الفصل العاشر
فيما أظهره الله تعالى في كتابه العزيز من كرامته عليه و مكانته عنده و ما خصه الله به من ذلك سوى ما انتظم فيما ذكرناه قبل
و من ذلك ما قصه تعالى في قصة الإسراء في سورة : سبحان ، و النجم ، و ما انطوت عليه القصة من عظيم منزلته و قربه و مشاهدته ما شاهد من العجائب .
و من ذلك عصمته من الناس بقوله تعالى : والله يعصمك من الناس . و قوله تعالى : وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين [ سورة الأنفال / 8 ، الآية 30 ] .
و قوله : إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم . و ما رفع الله به عنه في هذه القصة من أذاهم بعد تحزبهم لهلكه و خلوصهم نجيا في أمره ، و الأخذ على أبصرهم عند خروجه عليهم ، و ذهولهم عن طلبه في الغار ، و ما ظهر في ذلك من آيات ، و نزول السكينة عليه ، و قصة سراقه بن مالك حسب ماذكره أهل الحديث و السير في قصة الغار ، و حديث الهجر ة .
و منه قوله تعلى : إنا أعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر * إن شانئك هو الأبتر [ سورة الكوثر /8 0] 0
أعلمه الله تعال بما أعطاه . و الكوثر حو ضه . و قيل : نهر في الجنة . و قيل الخير الكثير . و قيل : الشفاعة . و قيل : المعجزات الكثيرة . و قيل : النبوة . و قيل : المعرفة . ثم أجاب عنه عدوه ، و رد عليه قوله ، فقال تعالى : إن شانئك هو الأبتر ، أي عدوك و مبغضك . و الأبتر : الحقير الذليل ، أو المفرد الوحيد ، أو الذي لاخير فيه . و قال تعال : ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم [سورة الحجر /15 ، الآية 7 8 ] . قيل : السبع المثاني السور الطوال الأول . و القرآن العظيم : أم القرآن . و قيل : السبع المثاني : أم القرآن . و القرآن العظيم : سائره . و قيل : السبع المثاني : ما في القرآن ، من أمر ، و نهى ، و بشرى ، و إنذار ، و ضرب مثل ، و إعداد نعم ، و آتيناك نبأ القرآن العظيم .
و قيل : سميت أم القرآن مثاني لأنها تثني في كل ركعة . و قيل : بل الله تعالى اثتثناها لمحمد صلى الله عليه و سلم ، و ذخرها له دون الأنبياء .
و سمي القرآن مثاني : لأن القصص تثني فيه . و قيل : السبع المثاني : أكرمناك بسبع كرامات : الهدي ، و النبوة ، و الرحمة ، و الشفاعة ، و الولاية ، و التعظيم ، و السكينة . و قال : وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون [ سورة النحل ، الآية /16 ، الآية 44 ] .
و قال : وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا [ سورة سبأ / 34 ، الآية 28 ] . و قال تعالى : قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون [ سورة الأعراف / 7 ، الآية 158 ] .
قال القاضي : فهذه من خصائصه .
و قال تعالى : وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ، فخصهم بقومهم ، و بعث محمداً صلى الله عليه و سلم إلى الخلق كافة ، كما قال عليه السلام : [ بعثت إلى الأحمر و الأسود ] .
و قال تعالى : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم . قال أهل التفسير : أولى بالمؤمنين من أنفسهم : أي ما أنفذه فيهم من أمر فهو ماض عليهم كما يمضي حكم السيد على عبده .
و قيل : اتباع أمره أولى من اتباع رأي النفس . و أزواجه أمهاتهم ، أي هن في الحرمة كالأمهات ، حرم نكاحهن عليهم بعده ، تكرمت له و خصوصية ، و لأنهن له أزواج في الآخرة .
و قد قرىء : و هو أب لهم . و لا يقرأ به الأن [ 20 ] لمخالفته المصحف .
و قال الله تعالى : وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما [ سورة النساء / 4 ، الآية 113 ] .
قيل : فضله العظيم بالنبوة . و قيل : بما سبق له في الأزل . و أشار الواسطي إلى أنها إشارة إلى احتمال الرؤية التي لم يحتملها موسى ، صلى الله عليهما .


إسمهان الجادوي 03-23-2016 11:44 PM

رد: الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه و سلم
 
الباب الثاني
في تكميل الله تعالى له المحاسن خلقاً و خلقاً و قرانه جميع الفضائل الدينية و الدنيوية فيه نسقاً
اعلم أيها المحب لهذا النبي الكريم صلى الله عليه و سلم ، الباحث عن تفاصيل جمل قدره العظيم أن خصال الجلال و الكمال في البشر نوعان : ضروري دنيوي اقتضته الجبلة و ضرورة الحياة الدنيا ، و مكتسب ديني ، و هو ما يحمد فاعله ، و يقرب إلى الله تعالى زلفى .
ثم هي على فنين أيضاً : منها ما يتلخص لأحد الوصفين . و منها ما يتمازج و يتداخل .
فأما الضروري المخص فما ليس للمرء فيه اختيار و لا اكتساب ، مثل ما كان في جبلته من كمال خلقته ، و جمال صورته ، و قوة عقله ، و صحة فهمه ، و فصاحة لسانه ، و قوة حواسه و أعضائه ، و اعتدال حركاته ، و شرف نسبه ، و عزة قومه ، وكرم أرضه ، و يلحق به ما تدعوه ضرورة حياته إليه ، من غذائه و نومه ، و ملبسه و مسكنه ، و منكحه ، و ما له و جاهه .
و قد تلحق هذه الخصال الآخرة بالأخروية إذا قصد بها التقوى و معونة البدن على سلوك طريقها ، و كانت على حدود الضرورة و قوانين الشريعة .
و أما المكتسبة الأخروية فسائر الأخلاق العلية ، و الأداب الشرعية : من الدين و العلم ، و الحلم ، و الصبر ، و الشكر ، و المروءة ، و الزهد ، و التواضع ، و العفو ، والعفة ، و الجود ، و الشجاعة ، و الحياء ، و المروءة ، والصمت ، و التؤدة ، و الوقار ، و الرحمة ، و حسن الأدب و المعاشرة ، و أخواتها ، و هي التي جمعها حسن الخلق .
و قد يكون من هذه الأخلاق ما هو في الغريزة و أصل الجبلة لبعض الناس .
و بعضهم لا تكون فيه ، فيكتسبها ، و لكنه لابد أن يكون فيه من أصولها في أصل الجبلة شعبة كما سنبينه إن شاء الله .
و تكون هذه الأخلاق دنيوة إذا لم يرد بها وجه الله و الدار الآخرة ، و لكنها كلها محاسن و فضائل باتفاق أصحاب العقول السليمة ، و إن اختلفوا في موجب حسنها و تفضيلها .

إسمهان الجادوي 03-24-2016 06:46 PM

رد: الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه و سلم
 
فصل
في اجتماع الخصال المحمودة فيه صلى الله عليه و سلم
إذا كانت خصال الكمال و الجمال ما ذكرناه ، و وجدنا الواحد منا يشرف بواحدة منها أو باثنتين إن اتفقت له ـ في كل عصر ، إما من نسب أو جمال ، أو قوة ، أو علم ، أو حلم ، أو شجاعة ، أو سماحة ، حتى يعظم قدره ، و يضرب باسمه الأمثال ، و يتقرر له بالوصف بذلك قي القلوب إثرة و عظمة ، و هو منذ عصور خوال رمم بوال ، فما ظنك بعظيم قدر من اجتمعت فيه كل هذه الخصال إلى ما لا يأخذه عد ، و لا يعبر عنه مقال ، و لا ينال بكسب و لا حيلة إلا بتخصيص الكبير المتعال ، من فضيلة النبوة و الرسالة ، و الخلة و المحبة ، و الإصطفاء و الإسراء و الرؤية ، و القرب و الدنو ، و الوحي ، و الشفاعة و الوسيلة ، و الفضيلة و الدرجة الرفيعة ، و المقام المحمود ، و البراق و المعراج ، و البعث إلى الأحمر و الأسود ، و الصلاة بالأنبياء ، و الشهادة بين الأنبياء و الأمم ، و سيادة ولد آدم [ 21 ] ، و لواء الحمد ، و البشارة ، و النذارة و المكانة عند ذي العرش و الطاعة ثم ، و الأمانة و الهداية و رحمة للعالمين ، و إعطاء الرضا و السول ، و الكوثر ، و سماع القول ، و اتمام النعمة و العفو عما تقدم و تأخر ، و شرح الصدر ، و وضع الوزر ، و رفع الذكر و عزة النصر ، و نزول السكينة ، و التأييد بالملائكة ، و إيتاء الكتاب و الحكمة و السبع المثاني و القرآن العظيم ، و تزكية الأمة و الدعاء إلى الله ، و صلاة الله تعالى و الملائكة ، و الحكم بين الناس بما أراه الله ، و وضع الإصر و الأغلال عنهم ، و القسم باسمه ، و إجابة دعوته ، و تكليم الجمادات و العجم ، و إحياء الموتى ، و إسماع الصم ، و نبع الماء من بين أصابعه ، و تكثير القلي ل ، و انشفاق القمر ، و رد الشمس ، و قلب الأعيان ، و النصر بالرعب ، و الإطلاع على الغيب ، و ظل الغمام ، و تسبيح الحصا ، و إبراء الآلام ، و العصمة من الناس ، إلى ما لا يحويه محتفل ، و لا يحيط بعلمه إلا مانحه ذلك و مفضله به ، لا إله غيره ، إلى ما أعد له في الدار الآخرة من منازل الكرامة ، و درجات القدس ، و مراتب السعادة و الحسنى و الزيادة التي تقف دونها العقول و يحار دون أدانيها الوهم .


إسمهان الجادوي 03-24-2016 06:47 PM

رد: الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه و سلم
 
فصل
في تفصيل هذه الخصال المحمودة : صفاته الجسمية
إن قلت أكرمك الله : لا خفاء على القطع بالجملة أنه صلى الله عليه و سلم أعلى الناس قدراً ، و أعظمهم محلاً ، و أكملهم محاسن و فضلاً ، و قد ذهب في تفاصيل خصال الكمال مذهباً جميلاً شوقني إلى أن أقف عليها من أوصافه صلى الله عليه و سلم تفصيلا . . . فاعلم نور الله قلبي و قلبك ، و ضاعف في هذا النبي الكريم حبي و حبك ـ أنك إذا نظرت إلى خصال الكمال التي هي غير مكتسبة في جبلة الخلقة و جدته حائزاً لجميعها ، محيطاً بشتات محاسنها دون خلاف بين نقله الأخبار لذلك ، بل قد بلغ بعضها مبلغ القطع . أما الصورة و جمالها ، و تناسب أعضائه في حسنها ، فقد جاءت الآثار الصحيحة و المشهورة الكثيرة بذلك ، من حديث علي ، و أنس بن مالك ، و أبي هريرة ، و البراء بن عذب ، و عائشة أم المؤمنين ،و ابن أبي هالة ،و أبي جحيفة ، وجابر بن سمرة ، و أم معبد ، و ابن عباس ، و معرض بن معيقيب ، و أبي الطفيل ، و العداء بن خالد ، و خريم بن فاتك ، و حكيم بن حزام ، و غيرهم ، من أنه صلى الله عليه و سلم كان أزهر اللون ، أدعج ، أنجل ، أشكل ، أهدب الأشفار ، أبلج ، أزج ، أقنى ، أفلج ، مدور ال وجه ، واسع الجبي ، كث اللحية تملأ صدره ، سواء البطن و الصدر ، واسع الصدر ، عظيم المنكبين ، ضخم العظام ، عبل العضضين و الذراعين و الأسافل ، رحب الكفين و القدمين ، سائل الأطراف ، أنور المتجرد ، دقيق المسربة ، ربعة القد ، ليس بالطويل البائن ، و لا بالقصير المتردد ، مع ذلك فلم يكن يماشيه أحد ينسب الى الطول إلا طاله صلى الله عليه و سلم رجل الشعر ، إذا افتر ضاحكاً افتر عن مثل سنا البرق ، و عن مثل حب الغمام ، إذا تكلم رئى كالنور يخرج من ثناياه ، أحسن الناس عنقاً ، ليس بمعطهم و لا مكلثم ، متماسك البدن ، ضرب اللحم . قال البراء بن عاذب : مارأيت من ذي لمه في حلة حمراء أحسن من رسول صلى الله عليه و سلم [0 1 ] .
و قال أبو هريرة رضي الله عنه : [ مارأيت شيئاً أحسن من رسول الله صلى الله عليه و سلم [22] ، كأن الشمس تجري في وجهه ، و إذا ضحك يتلألأ في الجدر ] .
و قال جابر بن سمرة ـ و قال له رجل : كان و جهه صلى الله عليه و سلم مثل السيف ؟ فقال : [ لا ، بل مثل الشمس و القمر . و كان مستديراً] .
و قالت أم معبد ـ في بعض ما وصفته به ـ : [ أجمل الناس من بعيد ، و أحلاه و أحسنه من قريب ] [ صلى الله عليه و سلم تسليمًا كلما ذكره الذاكرون ، و غفل عن ذكره الغافلون ] . و في حديث ابن أبي هالة : [ يتلألأ وجهه تلألأ القمر ليلة البدر ] . و قال علي رضي الله عنه في آخر و صفة له : [ من رآه بديهة هابه ، و من خالطه معرفة أحبه ، يقول ناعته : لم أر قبله و لا بعده مثله صلى الله عليه و سلم ] . و الأحاديث في بسط صفته مشهورة كثيرة ، فلا نطول بسردها . و قد اختصرنا في و صفه نكت ما جاء فيها ، و جملة مما فيه الكفاية في القصد إلى المطلوب ، و ختمنا هذه الفصول بحديث جامع لذلك تقف عليه هناك إن شاء الله .

إسمهان الجادوي 03-24-2016 06:49 PM

رد: الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه و سلم
 
فصل
في نظافة جسمه ، و طيب رائحته ، و نزاهته عن الأقذار و عورات الجسد
و أما نظافة جسمه ، و طيب ريحه و عرقه ، و نزاهته عن الأقذار و عورات الجسد ـ فكان قد خصه الله في ذلك بخصائص لم توجد في غيره ، ثم تممها بنظافة الشرع و خصال الفطرة العشر ، و قال : [ بني الدين على النظافة ] .
حدثنا سفيان بن العاصي و غير واحد ، قالوا : حدثنا أحمد بن عمر . حدثنا أبو العباس الرازي ، حدثنا أبو أحمد الجلودي ، حدثنا ابن سفيان ، حدثنا مسلم ، قال : حدثنا قتيبة ، حدثنا جعفر بن سليمان ، عن ثابت ، عن أنس ، قال : [ ما شممت عنبراً قط ، و لا مسكاً ، و لا شيئاً أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه و سلم ] .
و عن جابر بن سمرة : أنه صلى الله عليه و سلم مسح خده ، قال : فوجدت ليده برداً و ريحاً ، كأنما أخرجها من جونة عطار .
قال غيره : مسها بطيب أو لم يمسها ، يصافح المصافح فيظل يومه يجد ريحها ، و يضع يده على رأس الصبي فيعرف من بين الصبيان بريحها .
و نام رسول الله صلى الله عليه و سلم في دار أنس فعرق ، فجاءت أمه بقارورة تجمع فيها عرقه فسألها رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذلك ، فقالت : نجعله في طيبنا ، و هو من أطيب الطيب .
و ذكر البخاري في تاريخه الكبير ، عن جابر : [ لم يكن النبي صلى الله عليه و سلم يمر في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه سلكه من طيبه ] .
و ذكر اسحاق بن راهويه أن تلك كانت رائحته بلا طيب ، صلى الله عليه و سلم .
[ و روى المزني : عن جابر : أردفني النبي صلى الله عليه و سلم خلفه ، فالتقمت خاتم النبوة بفمي ، فكان ينم على مسكا ] .
و قد حكى بعض المعتنين بأخباره و شمائله صلى الله عليه و سلم أنه كان إذا أراد أن يتغوط انشقت الأرض فابتلعت غائطه و بوله ، و فاحت لذلك رائحة طيبة . صلى الله عليه و سلم .
[ و أسند محمد بن سعد كاتب الواقدي في هذا خبراً عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه و سلم : إنك تأتي الخلاء فلا نرى منك شيئاً من الأذى ! فقال : يا عائشة ، أو ما علمت أن الأرض تبتلع ما يخرج من الأنبياء ، فلا يرى منه شيء ] .
و هذا الخبر ، و إن لم يكن مشهوراً فقد قال قوم من أهل العلم بظهارة الحدثين منه صلى الله عليه و سلم . و هو قول بعض أصحاب الشافعية ، [ حكاه الإمام أبو نصر ابن الصباغ في شامله ] .
و قد حكى القولين عن العلماء في ذلك أبو بكر بن سابق المالكي في كتابه البديع في فروع المالكية ، و تخريج ما لم يقع لهم منها على مذهبهم من تفاريع الشافعية .
و شاهد هذا أنه صلى الله عليه و سلم لم يكن منه شيء يكره ، و لا غير طيب . و منه حديث علي رضي الله عنه : [ غسلت النبي صلى الله عليه و سلم ، فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أجد شيئاً ، فقلت : طبت حياً و ميتاً ، قال : و سطعت منه ريح طيبة لم نجد مثلها قط ] .
و مثله قال أبوبكر رضي الله عنه حين قبل النبي صلى الله عليه و سلم بعد موته .
و منه شرب مالك بن سنان دمه يوم أحد ، و مصه إياه [23 ] ، و تسويغه صلى الله عليه و سلم ذلك له ، و قوله : لن تصيبه النار .
و مثله شرب عبد الله بن الزبير دم حجامته ، فقال له عليه السلام : ويل لك من الناس ، و ويل لك منك و لم ينكره عليه .
و قد روي نحو من هذا عنه في امرأة شربت بوله ، فقال لها : لن تشتكي وجع بطنك أبداً . و لم يأمر واحداً منهم بغسل فم ، و لا نهاه عن عودة .
و حديث هذه المرأة التي شربت بوله صحيح ألزم الدار قطني مسلماً و البخاري إخراجه في الصحيح ، و اسم هذه المرأة بركة . و اختلف في نسبها .
و قيل : هي أم أيمن : و كانت تخدم النبي صلى الله عليه و سلم ، قالت : و كان لرسول الله صلى الله عليه و سلم قدح من غيدان يوضع تحت سريره يبول فيه من الليل ، فبال فيه ليلة ، ثم افتقده ، فلم يجد فيه شيئاً . فسأل بركة عنه ، فقالت : قمت و أنا عطشانة فشربته و أنا لا أعلم .
روى حديثها ابن جريج و غيره .
و كان صلى الله عليه و سلم قد ولد مختوناً مقطوع السرة .
[ و روي عن أمه آمنة أنها قالت : قد ولدته نظيفاً ما به قذر ] .
و عن عائشة رضي الله عنها : [ ما رأيت فرج رسول الله صلى الله عليه و سلم قط ] .
و عن علي رضي الله عنه : أوصاني النبي صلى الله عليه و سلم لا يغسله غيري ، فإنه لا يرى أحد عورتي إلا طمست عيناه .
و في حديث عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : [ أنه نام حتى سمع له غطيط ، فقام فصلى و لم يتوضأ ] ، قال عكرمة : لأنه صلى الله عليه و سلم كان محفوظاً .

إسمهان الجادوي 03-24-2016 11:29 PM

رد: الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه و سلم
 
فصل
وفور عقله ، وقوة حواسه ، و فصاحة لسانه
و أما وفور عقله ، و ذكاء لبه ، و قوة حواسه ، و فصاحة لسانه ، و اعتدال حركاته ، و حسن شمائله ـ فلا مرية أنه كان أعقل الناس و أذكاهم .
و من تأمل تدبيره أمر بواطن الخلق و ظواهرهم ، و سياسة العامة و الخاصة ، مع عجيب شمائله ، و بديع سيره ، فضلاً عما أفاضه من العلم ، و قرره من الشرع دون تعلم سبق ، و لا ممارسة تقدمت ، و لا مطالعة للكتب منه ، لم يمتر في رجحان عقله ، و ثقوب فهمه لأول بديهة ، و هذا ما لا يحتاج إلى تقريره لتحقيقه .
و قد قال وهب بن منبه : قرأت في أحد و سبعين كتاباً ، فوجدت في جميعها أن النبي صلى الله عليه و سلم أرجح الناس عقلاً ، و أفضلهم رأياً .
و في رواية أخرى : فوجدت في جميعها أن الله تعالى لم يعط جميع الناس من بدء الدنيا إلى انقضائها من العقل في جنب عقله صلى الله عليه و سلم إلا كحبة رمل من بين رمال الدنيا .
و قال مجاهد : [ كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قام في الصلاة يرى من خلفه كما يرى من بين يديه ] . و به فسر قوله تعالى : وتقلبك في الساجدين .
و في الموطأ عنه عليه السلام : إني لأراكم من وراء ظهري .
و نحوه ـ عن أنس في الصحيحين ، و عن عائشة مثله ، قالت : زيادة زاده الله إياها في حجته .
و في بعض الروايات : إني لأنظر من ورائي كما أنظر من بين يدي .
و في أخرى : إني لأبصر من قفاي كما أبصر من بين يدي .
و حكى بقي بن مخلد ، عن عائشة ، قالت : كان النبي صلى الله عليه و سلم يرى في الظلمة كما يرى في الضوء .
و الأخبار كثيرة صحيحة في رؤيته صلى الله عليه و سلم للملائكة و الشياطين .
و رفع النجاشي له حتى صلى عليه ، و بيت [ 24 ] المقدس حين وصفه لقريش و الكعبة حين بنى مسجده .
و قد حكي عنه صلى الله عليه و سلم أنه كان يرى في الثريا أحد عشر نجماً .
و هذه كلها محمولة على رؤية العين ، و هو قول أحمد بن حنبل و غيره .
و ذهب بعضهم إلى ردها إلى العلم ، و الظواهر تخالفه ، و لا إحالة في ذلك ، و هي من خواص الأنبياء و خصالهم ، كما أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد العدل من كتابه ، حدثنا أبو الحسن المقري الفرغاني ، حدثتنا أم القاسم بنت أبي بكر عن أبيها ، حدثنا الشريف أبو الحسن علي بن محمد الحسني ، حدثنا محمد بن محمد بن سعيد ، حدثنا محمدبن أحمد بن سليمان ، حدثنا محمد بن محمد بن مرزوق ، حدثنا همام ، قال : حدثنا الحسن ، عن قتادة ، عن يحيى بن وثاب ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه و سلم ، قال : لما تجلى الله لموسى عليه السلام كان يبصر النملة على الصفا في الليلة الظلماء مسيرة عشرة فراسخ : و لا يبعد على هذا أن يختص نبينا بما ذكرناه من هذا الباب بعد الإسراء و الحظوة بما رأى من أيات ربه الكبرى .
و قد جاءت الأخبار بأنه صرع أبا ركانة أشد أهل وقته ، و كان دعاه إلى الإسلام و صارع أبا ركانة في الجاهلية ، و كان شديداً ، و عاوده ثلاث مرات ، كل ذلك يصرعه رسول الله صلى الله عليه و سلم .
و قال أبو هريرة : ما رأيت أحداً أسرع من رسول الله صلى الله عليه و سلم في مشيه ، كأنما الأرض تطوى له ، إنا لنجهد أنفسنا و هو غير مكترث .
و في صفته أنه ضحكه كان تبسماً ، إذا إلتفت إلتفت معاً ، و إذا مشى مشى تقلعاً كأنما ينحط من صبب .

إسمهان الجادوي 03-24-2016 11:30 PM

رد: الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه و سلم
 
فصل
فصاحة لسانه ، و بلاغة قوله
و أما فصاحة اللسان ، و بلاغة القول ، فقد كان صلى الله عليه و سلم من ذلك بالمحل الأفضل و الموضع الذي لايجهل ، سلاسة طبع ، و براعة منزع ، و إجاز مقطع ، و نـصاعة لـفظ .
و جزالة قول ، و صحة معان ، و قلة تكلف ، أوتي جوامع الكلم ، و خص ببدائع الحكم ، و علم ألسنة العرب ، يخاطب كل أمة منها بلسانها ، و يحاورها بلغتها ، و يباريها في منزع بلاغتها ،حتى كان كثير من أصحابه يسألونه في غير موطن عن شرح كلامه و تفسير قوله . و من تأمل حديثه و سيره علم ذلك و تحققه ، و ليس كلامه مع قريش و الأنصار ، و أهل الحجاز و نجد ككلامه مع [ ذي المشعار الهمداني ، و طهفه الهندي ] ، و قطن بن حارثة العليمي ، و الأ شعث بن قيس ، و وائل بن حجر الكندي ، و غيرهم من أقيال حضرموت و ملوك اليمن . و انظر كتابة إلى همدان : إن لكم فراعها و وهاطها و عزازها ، تأ كلون علافها و ترعون عفاءها ، لنا من دفئهم و صرامهم ماسلموا بالميثاق و الأمانة ، و لهم من الصدقة الثلب و الناب و الفصيل ، و الفارض و الداجن ، و الكبش الحوري ، و عليهم فيها الصالغ و القرح .
و قوله لنهد : اللهم بارك لهم في محضها و مخضها و مذقها ، و ابعث راعيها في الدثر ، و افجر له الثمد ، و بارك له في المال و الولد ، من أقام الصلاة كان مسلماً ، و من آتىالزكاة كان محسناً ، و من شهد أن لا إله إلا الله كان مخلصاً ، لكم يابني نهد و دائع الشرك ، و وضائع الملك ، لاتلطط في الزكاة ، و لا تلحد في الحياة ، و لا تتثاقل عن الصلاة . و كتب لهم : في الوظيفة الفريضة : و لكم الفارض و الفريش ، و ذو العنان الركوب ، و الفلو الضبيس ، [ 5 2 ] ، لايمنع سرحكم ، و لا يعضد طلحكم ، و لا يحبس دركم ما لم تضمروا الرماق ، و تأكلوا الرباق ، من أقر فله الوفاء بالعهد و الذمة ، و من أبي فعليه الربوة .
و من كتابه لوائل بن حجر .
إلى الأقيال العباهلة ، و الأرواع المشابيب . و فيه : في التيعة شاة ، لا مقورة الألياط و لا ضناك ، و أنطوا الثبجة ، و في السيوب الخمس . و من زنى مم بكر فاصعقوه مائة ، و استوفضوه عاماً ، و من زنى مم ثيب فضرجوه باللأضاميم ، و لا توصيم في الدين و لا غمة في فرائض الله ، و كل مسكر حرام . و وائل بن حجر يترفل على الأقيال . أين هذا من كتابة لأنس في الصدقة المشهور . لما كان كلام هؤلاء على هذا الحد ، و ب لاغتهم على هذا النمط ، و أكثر استعمالهم هذه الألفاظ استعملها معهم ، ليبين للناس ما نزل إليهم ، و ليحدث الناس بما يعلمون . و كقوله في حديث عطية السعدي : [ فإن اليد العليا هي المنطية و اليد السفلى هي المنطاة ] . قال : فكلمنا رسول الله صلى الله عليه و سلم بلغتنا . و قوله في حديث العامري حين سأله ، فقال له النبي صلى الله عليه و سلم : سل عنك أي سل عم شئت ، و هي لغة بني عامر . و أما كلامه المعتاد ، و فصاحته المعلومة ، و جوامع كلمه ، و حكمة المأثورة ـ فقد ألف الناس فيها الدواوين و جمعت في ألفاظها و معانيها الكتب ، و فيها ما لا يوازي فصاحة ، و لا يباري بلاغة ، كقوله : المسلمون تتكافأ دماؤهم ، و يسعى بذمهم أدناهم ، و هم يد على من سواهم . و قوله : الناس كأسنان المشط .
و المرء مع من أحب .
و لا خير في صحبة من لايرى لك ما ترى له .
و الناس معادن .
و ما هلك امروء عرف قدره . و المستشار مؤتمن ، و هو بالخير ما لم يتكلم . و رحم الله عبداً قال خيراً فغنم أو سكت فسلم . و قوله : أسلم تسلم ، و أسلم يؤتك الله أجرك مرتين . و إن أحبكم إلي و أقربكم مني مجالس يوم القيامة ، أحاسنكم أخلاقاً الموطئون أكنافاً الذين يألفون و يؤلفون . و قوله : لعله كان يتكلم بما لا يعنيه ، و يبخل بما لا يغنيه . و قوله : ذو الوجهين لا يكون عند الله و جيهاً . و نهيه عن قيل و قال ، و كثرة السؤال ، و إضاعة المال ، و منع و هات ، و عقوق الأمهات ، و وأد البنات . و قوله : اتق الله حيثما كنت ، و أتبع السيئة الحسنة تمحها ، و خالق الناس بخلق حسن .
و قوله : و خير الأمور أوسطها .
و قوله : أحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما .
و قوله : الظلم ظلمات يوم القيامة .
و قوله في بعض دعائه : اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي ، و تجمع بها أمري ، و تلم بها شعثي ، و تصلح بها غائبي و ترفع بها شاهدي ، و تزكي بها علمي ، و تلهمني بها رشدي ، و ترد بها ألفتي ، و تعصمني بها من كل سوء .
اللهم إني أسألك الفوز في القضاء ، و نزل الشهداء ، و عيش السعداء ، و النصر على الأعداء .
إلى ما روته الكافة عن الكافة عن المقاماته ، و محاض راته ، و خطبه ، و أدعيته ، و مخاطباته ، و عهوده ، مما لا خلاف أنه نزل من ذلك مرتبة لا يقاس بها غيره ، و حاز فيها سبقاً لا يقدر . و قد جمعت من كلماته التي لم يسبق إليها ، و لا قدر أحد أن يفرغ في قالبه [ 26 ]عليها ، كقوله : حمي الوطيس .
و مات حتف أنفه و لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين .
و السعيد من و عظ بغيره . . في أخواته مما يدرك الناظر العجب في مضمنها ، و يذهب به الفكر في أداني حكمها .
و قد قال له أصحابه : ما رأينا الذي هو أفصح منك . فقال : و ما يمنعني ؟ و إنما أنزل القرآن بلساني ، لسان عربي مبين .
و قال مرة أخرى : بيد أني من قريش و نشأت في بني سعد .
فجمع له بذلك صلى الله عليه و سلم قوة عارضة البادية و جزالتها ، و نصاعة ألفاظ الحاضرة و رونق كلامها ، إلى التأييد الإلهي الذي مدده الوحي الذي لا يحيط بعلمه بشري .
و قالت أم معبد في وصفها له :
حلو المنطق ، فضل لا نزر و لا هذر ، كأن منطقه خرزات نظمن . و كان جهير الصوت ، حسن النعمة صلى الله عليه و سلم .

إسمهان الجادوي 03-24-2016 11:33 PM

رد: الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى الله عليه و سلم
 
فصل
شرف نسبه ، و كرم بلده و منشئه
و أما شرف نسبه و كرم بلده و منشئه فمما لا يحتاج إلى إقامة دليل عليه ، و لا بيان مشكل و لا خفي منه ، فإنه نخبة من بني هاشم ، و سلالة قريش و صميمها ، و أشرف العرب ، و أعزهم نفراً من قبل أبيه و أمه ، و من أهل مكة من أكرم بلاد الله على الله و على عباده .
حدثنا قاضي القضاة حسين بن محمد الصدفي رحمه الله ، قال : حدثنا القاضي أبو الوليد سليمان بن خلف ، حدثنا أبو ذر عبد بن أحمد ، حدثنا أبو محمد السرخسي ، و ابن إسحاق ، و أبو الهيثم : قالوا : حدثنا محمد بن يوسف ، قال حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا قتيبة بن سعيد ، قال : حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن عمرو ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ـ أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : بعثت من خير قرون بني آدم قرناً فقرنا ، حتى كنت من القرن الذي كنت منه .
و عن العباس ، قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم : إن الله خلق الخلق فجعلني من خيرهم ، من خير قرنهم ، ثم تخير القبائل فجعلني من خير قبيلة ، ثم تخير البيوت فجعلني من خير بيوتهم ، فأنا خيرهم نفساً ، و خيرهم بيتاً .
و عن واثلة بن الأسقع ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل ، و اصطفى من بني كنانة قريشاً و اصطفى من قريش بني هاشم ، و اصطفاني من بني هاشم .
قال الترمذي : و هذا حديث صحيح .
و في حديث عن ابن عمر ، رواه الطبري أنه صلى الله عليه و سلم قال : إن الله اختار خلقه ، فاختار منهم بني آدم ، ثم اختار بني آدم فاختار منهم العرب ، ثم اختار العرب فاختار منهم قريشاً ، ثم اختار قريشاً فاختار منهم بني هاشم ، ثم اختار بني هاشم فاختارني منهم ، فلم أزل خياراً من خيار ، ألا من أحب العرب فبحبي أحبهم ، و من أبغض العرب فببغضي أبغضهم .
و عن ابن عباس : إن قريشاً كانت نوراً بين يدي الله تعالى قبل أن يخلق آدم بألفي عام ، يسبح ذلك النور ، و تسبح الملائكة بتسبيحه ، فلما خلق الله آدم ألقى ذلك النور في صلبه ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فأهبطني الله إلى الأرض في صلب آدم ، و جعلني في صلب نوح ، و قذف بي في صلب ابراهيم ، ثم لم يزل الله تعالى ينقلني من الأصلاب الكريمة و الأرحام الطاهرة ، حتى أخرجني من بين أبوي لم يلتقيا على سفاح قط . و يشهد لصحة هذا الخبر شعر الع باس في مدح النبي صلى الله عليه و سلم المشهور .


الساعة الآن 01:22 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.1 TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
يرحل الجميع ويبقي شعاع بيت العلم والحب(ملك الكلمة)