منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد

منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد (https://hwazen.com/vb/index.php)
-   شعاع القران الكريم وعلومه (https://hwazen.com/vb/f28.html)
-   -   تفسير ابن كثير سورة النساء من ايه 27 الى ايه 26 (https://hwazen.com/vb/t12286.html)

هوازن الشريف 05-19-2016 02:05 AM

تفسير ابن كثير سورة النساء من ايه 27 الى ايه 26
 
وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا (28) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا (31) وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32) وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ ۚ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33)

وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27)
وله : ( [ والله يريد أن يتوب عليكم ] ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما ) أي : يريد أتباع الشياطين من اليهود والنصارى والزناة ( أن تميلوا ) يعني : عن الحق إلى الباطل ( ميلا عظيما )





يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا (28)
أي : في شرائعه وأوامره ونواهيه وما يقدره لكم ، ولهذا أباح [ نكاح ] الإماء بشروطه ، كما قال مجاهد وغيره : ( خلق الإنسان ضعيفا ) فناسبه التخفيف; لضعفه في نفسه وضعف عزمه وهمته .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن إسماعيل [ الأحمسي ] حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن طاوس ، عن أبيه : ( خلق الإنسان ضعيفا ) أي : في أمر النساء ، وقال وكيع : يذهب عقله عندهن .
وقال موسى الكليم عليه الصلاة والسلام لنبينا صلوات الله وسلامه عليه ليلة الإسراء حين مر عليه راجعا من عند سدرة المنتهى ، فقال له : ماذا فرض عليكم ؟ فقال : " أمرني بخمسين صلاة في كل يوم وليلة " فقال له : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف; فإن أمتك لا تطيق ذلك ، فإني قد بلوت الناس قبلك على ما هو أقل من ذلك فعجزوا ، وإن أمتك أضعف أسماعا وأبصارا وقلوبا ، فرجع فوضع عشرا ، ثم رجع إلى موسى فلم يزل كذلك حتى بقيت خمسا [ قال الله عز وجل : " هن خمس وهن خمسون ، الحسنة بعشر أمثالها " ] الحديث .



يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)
نهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن أن يأكلوا أموال بعضهم بعضا بالباطل ، أي : بأنواع المكاسب التي هي غير شرعية ، كأنواع الربا والقمار ، وما جرى مجرى ذلك من سائر صنوف الحيل ، وإن ظهرت في غالب الحكم الشرعي مما يعلم الله أن متعاطيها إنما يريد الحيلة على الربا ، حتى قال ابن جرير :
حدثني ابن المثنى ، حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس - في الرجل يشتري من الرجل الثوب فيقول : إن رضيته أخذته وإلا رددته ورددت معه درهما - قال : هو الذي قال الله عز وجل : ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل )
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن حرب الموصلي ، حدثنا ابن فضيل ، عن داود الأودي عن عامر ، عن علقمة ، عن عبد الله [ ( ياأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) ] قال : إنها [ كلمة ] محكمة ، ما نسخت ، ولا تنسخ إلى يوم القيامة .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : لما أنزل الله : ( ياأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) قال المسلمون : إن الله قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ، والطعام هو أفضل الأموال ، فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد ، فكيف للناس ! فأنزل الله بعد ذلك : ( ليس على الأعمى حرج ) [ النور : 61 ] الآية ، [ وكذا قال قتادة بن دعامة ] .
وقوله : ( إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ) قرئ : تجارة بالرفع وبالنصب ، وهو استثناء منقطع ، كأنه يقول : لا تتعاطوا الأسباب المحرمة في اكتساب الأموال ، لكن المتاجر المشروعة التي تكون عن تراض من البائع والمشتري فافعلوها وتسببوا بها في تحصيل الأموال . كما قال [ الله ] تعالى : ( ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ) [ الأنعام : 151 ] ، وكقوله ( لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ) [ الدخان : 56 ] .
ومن هذه الآية الكريمة احتج الشافعي [ رحمه الله ] على أنه لا يصح البيع إلا بالقبول; لأنه يدل على التراضي نصا ، بخلاف المعاطاة فإنها قد لا تدل على الرضا ولا بد ، وخالف الجمهور في ذلك مالك وأبو حنيفة وأحمد وأصحابهم ، فرأوا أن الأقوال كما تدل على التراضي ، وكذلك الأفعال تدل في بعض المحال قطعا ، فصححوا بيع المعاطاة مطلقا ، ومنهم من قال : يصح في المحقرات ، وفيما يعده الناس بيعا ، وهو احتياط نظر من محققي المذهب ، والله أعلم .
قال مجاهد : ( إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ) بيعا أو عطاء يعطيه أحد أحدا . ورواه ابن جرير [ ثم ] قال :
وحدثنا ابن وكيع ، حدثنا أبي ، عن القاسم ، عن سليمان الجعفي ، عن أبيه ، عن ميمون بن مهران قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " البيع عن تراض والخيار بعد الصفقة ولا يحل لمسلم أن يغش مسلما " . هذا حديث مرسل .
ومن تمام التراضي إثبات خيار المجلس ، كما ثبت في الصحيحين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " وفي لفظ البخاري : " إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا " .
وذهب إلى القول بمقتضى هذا الحديث الشافعي ، وأحمد [ بن حنبل ] وأصحابهما ، وجمهور السلف والخلف . ومن ذلك مشروعية خيار الشرط بعد العقد إلى ثلاثة أيام ، [ كما هو متفق عليه بين العلماء إلى ما هو أزيد من ثلاثة أيام ] بحسب ما يتبين فيه مال البيع ، ولو إلى سنة في القرية ونحوها ، كما هو المشهور عن مالك ، رحمه الله . وصححوا بيع المعاطاة مطلقا ، وهو قول في مذهب الشافعي ، ومنهم من قال : يصح بيع المعاطاة في المحقرات فيما يعده الناس بيعا ، وهو اختيار طائفة من الأصحاب .
وقوله : ( ولا تقتلوا أنفسكم ) أي : بارتكاب محارم الله وتعاطي معاصيه وأكل أموالكم بينكم بالباطل ( إن الله كان بكم رحيما ) أي : فيما أمركم به ، ونهاكم عنه .
قال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا يزيد بن أبي حبيب ، عن عمران بن أبي أنس ، عن عبد الرحمن بن جبير ، عن عمرو بن العاص ، رضي الله عنه ، أنه قال لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم عام ذات السلاسل قال : احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك ، فتيممت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح ، قال : فلما قدمت على رسول الله صلى عليه وسلم ذكرت ذلك له ، فقال : " يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب! " قال : قلت يا رسول الله إني احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد ، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك ، فذكرت قول الله [ عز وجل ] ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ) فتيممت ثم صليت . فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا .
وهكذا رواه أبو داود من حديث يحيى بن أيوب ، عن يزيد بن أبي حبيب ، به . ورواه أيضا عن محمد بن أبي سلمة ، عن ابن وهب ، عن ابن لهيعة وعمر بن الحارث ، كلاهما عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عمران بن أبي أنس ، عن عبد الرحمن بن جبير المصري ، عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص ، عنه ، فذكر نحوه . وهذا ، والله أعلم ، أشبه بالصواب .
وقال أبو بكر بن مردويه : حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن حامد البلخي ، حدثنا محمد بن صالح بن سهل البلخي ، حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري ، حدثنا يوسف بن خالد ، حدثنا زياد بن سعد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن عمرو بن العاص صلى بالناس وهو جنب ، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا ذلك له ، فدعاه فسأله عن ذلك ، فقال : يا رسول الله ، خفت أن يقتلني البرد ، وقد قال الله تعالى : ( ولا تقتلوا أنفسكم [ إن الله كان بكم رحيما ] ) قال : فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثم أورد ابن مردويه عند هذه الآية الكريمة من حديث الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده ، يجأ بها بطنه يوم القيامة في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ، ومن قتل نفسه بسم ، فسمه في يده ، يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ، ومن تردى من جبل فقتل نفسه ، فهو مترد في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا " .
وهذا الحديث ثابت في الصحيحين وكذلك رواه أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ، وعن أبي قلابة ، عن ثابت بن الضحاك ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة " . وقد أخرجه الجماعة في كتبهم من طريق أبي قلابة وفي الصحيحين من حديث الحسن ، عن جندب بن عبد الله البجلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كان رجل ممن كان قبلكم وكان به جرح ، فأخذ سكينا نحر بها يده ، فما رقأ الدم حتى مات ، قال الله عز وجل : عبدي بادرني بنفسه ، حرمت عليه الجنة " .





وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)
ولهذا قال الله تعالى : ( ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما ) أي : ومن يتعاطى ما نهاه الله عنه متعديا فيه ظالما في تعاطيه ، أي : عالما بتحريمه متجاسرا على انتهاكه ( فسوف نصليه نارا [ وكان ذلك على الله يسيرا ] ) وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد ، فليحذر منه كل عاقل لبيب ممن ألقى السمع وهو شهيد .






هوازن الشريف 05-19-2016 02:08 AM

رد: تفسير ابن كثير سورة النساء من ايه 27 الى ايه 26
 
إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا (31)
وقوله : ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم [ وندخلكم مدخلا كريما ] ) . أي : إذا اجتنبتم كبائر الآثام التي نهيتم عنها كفرنا عنكم صغائر الذنوب وأدخلناكم الجنة; ولهذا قال : ( وندخلكم مدخلا كريما ) .
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا مؤمل بن هشام ، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا خالد بن أيوب ، عن معاوية بن قرة ، عن أنس [ يرفعه ] : " الذي بلغنا عن ربنا ، عز وجل ، ثم لم نخرج له عن كل أهل ومال أن تجاوز لنا عما دون الكبائر ، يقول الله [ تعالى ] ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم [ وندخلكم مدخلا كريما ] ) " .
وقد وردت أحاديث متعلقة بهذه الآية الكريمة فلنذكر منها ما تيسر :
قال الإمام أحمد : حدثنا هشيم عن مغيرة ، عن أبي معشر ، عن إبراهيم ، عن قرثع الضبي ، عن سلمان الفارسي قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : " أتدري ما يوم الجمعة ؟ " قلت : هو اليوم الذي جمع الله فيه أباكم . قال : " لكن أدري ما يوم الجمعة ، لا يتطهر الرجل فيحسن طهوره ، ثم يأتي الجمعة فينصت حتى يقضي الإمام صلاته ، إلا كان كفارة له ما بينه وبين الجمعة المقبلة ، ما اجتنبت المقتلة وقد روى البخاري من وجه آخر عن سلمان نحوه .
وقال أبو جعفر بن جرير : حدثني المثنى [ بن إبراهيم ] حدثنا أبو صالح ، حدثنا الليث ، حدثني خالد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن نعيم المجمر ، أخبرني صهيب مولى العتواري ، أنه سمع من أبي هريرة وأبي سعيد يقولان : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال : " والذي نفسي بيده " - ثلاث مرات - ثم أكب ، فأكب كل رجل منا يبكي ، لا ندري على ماذا حلف عليه ثم رفع رأسه وفي وجهه البشر فكان أحب إلينا من حمر النعم ، فقال [ صلى الله عليه وسلم ] ما من عبد يصلي الصلوات الخمس ، ويصوم رمضان ، ويخرج الزكاة ، ويجتنب الكبائر السبع ، إلا فتحت له أبواب الجنة ، ثم قيل له : ادخل بسلام " .
وهكذا رواه النسائي ، والحاكم في مستدركه ، من حديث الليث بن سعد ، رواه الحاكم أيضا وابن حبان في صحيحه ، من حديث عبد الله بن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن سعيد بن أبي هلال ، به . ثم قال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه .
تفسير هذه السبع :
وذلك بما ثبت في الصحيحين من حديث سليمان بن بلال ، عن ثور بن زيد ، عن سالم أبي الغيث ، عن أبي هريرة ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اجتنبوا السبع الموبقات " قيل : يا رسول الله ، وما هن ؟ قال : " الشرك بالله ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، والسحر ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات " .
طريق أخرى عنه : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا فهد بن عوف ، حدثنا أبو عوانة ، عن عمرو بن أبي سلمة ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الكبائر سبع ، أولها الإشراك بالله ، ثم قتل النفس بغير حقها ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم إلى أن يكبر ، والفرار من الزحف ، ورمي المحصنات ، والانقلاب إلى الأعراب بعد الهجرة " .
فالنص على هذه السبع بأنهن كبائر لا ينفي ما عداهن ، إلا عند من يقول بمفهوم اللقب ، وهو ضعيف عند عدم القرينة ، ولا سيما عند قيام الدليل بالمنطوق على عدم المفهوم ، كما سنورده من الأحاديث المتضمنة من الكبائر غير هذه السبع ، فمن ذلك ما رواه الحاكم في مستدركه حيث قال :
حدثنا أحمد بن كامل القاضي ، إملاء حدثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد ، حدثنا معاذ بن هانئ ، حدثنا حرب بن شداد ، حدثنا يحيى بن أبي كثير ، عن عبد الحميد بن سنان ، عن عبيد بن عمير ، عن أبيه - يعني عمير بن قتادة - رضي الله عنه أنه حدثه - وكانت له صحبة - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع : " ألا إن أولياء الله المصلون من يقيم الصلوات الخمس التي كتبت عليه ، ويصوم رمضان ويحتسب صومه ، يرى أنه عليه حق ، ويعطي زكاة ماله يحتسبها ، ويجتنب الكبائر التي نهى الله عنها " . ثم إن رجلا سأله فقال : يا رسول الله ، ما الكبائر ؟ فقال : " تسع : الشرك بالله ، وقتل نفس مؤمن بغير حق وفرار يوم الزحف ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا ، وقذف المحصنة وعقوق الوالدين المسلمين ، واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا ، ثم قال : لا يموت رجل لا يعمل هؤلاء الكبائر ، ويقيم الصلاة ، ويؤتي الزكاة ، إلا كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في دار أبوابها مصاريع من ذهب " .
وهكذا رواه الحاكم مطولا وقد أخرجه أبو داود والترمذي مختصرا من حديث معاذ بن هانئ ، به وكذا رواه ابن أبي حاتم من حديثه مبسوطا ثم قال الحاكم : رجاله كلهم يحتج بهم في الصحيحين إلا عبد الحميد بن سنان .
قلت : وهو حجازي لا يعرف إلا بهذا الحديث ، وقد ذكره ابن حبان في كتاب الثقات ، وقال البخاري : في حديثه نظر .
وقد رواه ابن جرير ، عن سليمان بن ثابت الجحدري ، عن سلم بن سلام ، عن أيوب بن عتبة ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عبيد بن عمير ، عن أبيه ، فذكره . ولم يذكر في الإسناد : عبد الحميد بن سنان ، فالله أعلم .
حديث آخر في معنى ما تقدم : قال ابن مردويه : حدثنا عبد الله بن جعفر ، حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا يحيى بن عبد الحميد ، حدثنا عبد العزيز بن مسلم بن الوليد ، عن المطلب عن عبد الله بن حنطب عن عبد الله بن عمرو قال : صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فقال : " لا أقسم ، لا أقسم " . ثم نزل فقال : " أبشروا ، أبشروا ، من صلى الصلوات الخمس ، واجتنب الكبائر السبع ، نودي من أبواب الجنة : ادخل " . قال عبد العزيز : لا أعلمه إلا قال : " بسلام " . قال المطلب : سمعت من سأل عبد الله بن عمرو : أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرهن ؟ قال : نعم : " عقوق الوالدين ، وإشراك بالله ، وقتل النفس ، وقذف المحصنات ، وأكل مال اليتيم ، والفرار من الزحف ، وأكل الربا " .
حديث آخر في معناه : قال أبو جعفر بن جرير في التفسير : حدثنا يعقوب ، حدثنا ابن علية ، أخبرنا زياد بن مخراق عن طيسلة بن مياس قال : كنت مع النجدات ، فأصبت ذنوبا لا أراها إلا من الكبائر ، فلقيت ابن عمر فقلت له : إني أصبت ذنوبا لا أراها إلا من الكبائر قال : ما هي ؟ قلت : أصبت كذا وكذا . قال : ليس من الكبائر . قلت : وأصبت كذا وكذا . قال : ليس من الكبائر قال - بشيء لم يسمه طيسلة - قال : هي تسع وسأعدهن عليك : الإشراك بالله ، وقتل النفس بغير حقها والفرار من الزحف ، وقذف المحصنة ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ظلما ، وإلحاد في المسجد الحرام ، والذي يستسحر وبكاء الوالدين من العقوق . قال زياد : وقال طيسلة لما رأى ابن عمر : فرقي . قال : أتخاف النار أن تدخلها ؟ قلت : نعم . قال : وتحب أن تدخل الجنة ؟ قلت : نعم . قال : أحي والداك ؟ قلت : عندي أمي . قال : فوالله لئن أنت ألنت لها الكلام ، وأطعمتها الطعام ، لتدخلن الجنة ما اجتنبت الموجبات .
طريق أخرى : قال ابن جرير : حدثنا سليمان بن ثابت الجحدري الواسطي ، حدثنا سلم بن سلام ، حدثنا أيوب بن عتبة ، عن طيسلة بن علي النهدي قال : أتيت ابن عمر وهو في ظل أراك يوم عرفة ، وهو يصب الماء على رأسه ووجهه قلت أخبرني عن الكبائر ؟ قال : هي تسع . قلت : ما هي ؟ قال : الإشراك بالله ، وقذف المحصنة - قال : قلت : قبل القتل ؟ قال : نعم ورغما - وقتل النفس المؤمنة ، والفرار من الزحف ، والسحر ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، وعقوق الوالدين المسلمين ، وإلحاد بالبيت الحرام ، قبلتكم أحياء وأمواتا .
هكذا رواه من هذين الطريقين موقوفا ، وقد رواه علي بن الجعد ، عن أيوب بن عتبة ، عن طيسلة بن علي [ النهدي ] قال : أتيت ابن عمر عشية عرفة ، وهو تحت ظل أراكة ، وهو يصب الماء على رأسه ، فسألته عن الكبائر ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " هن سبع " . قال : قلت : وما هن ؟ قال : " الإشراك بالله ، وقذف المحصنة - قال : قلت : قبل الدم ؟ قال : نعم ورغما - وقتل النفس المؤمنة ، والفرار من الزحف ، والسحر ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، وعقوق الوالدين ، وإلحاد بالبيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا " .
وكذا رواه الحسن بن موسى الأشيب ، عن أيوب بن عتبة اليماني - وفيه ضعف - والله أعلم .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا زكريا بن عدي ، حدثنا بقية ، عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان : أن أبا رهم السمعي حدثهم ، عن أبي أيوب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من عبد الله لا يشرك به شيئا ، وأقام الصلاة ، وآتى الزكاة ، وصام رمضان ، واجتنب الكبائر ، فله الجنة - أو دخل الجنة " فسأله رجل : ما الكبائر ؟ فقال الشرك بالله ، وقتل نفس مسلمة ، والفرار يوم الزحف " .
ورواه أحمد أيضا والنسائي ، من غير وجه ، عن بقية .
حديث آخر : روى الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره ، من طريق سليمان بن داود اليماني - وهو ضعيف - عن الزهري ، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه ، عن جده قال : كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن كتابا فيه الفرائض والسنن والديات ، وبعث به مع عمرو بن حزم ، قال : وكان في الكتاب : " إن أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة : إشراك بالله وقتل النفس المؤمنة بغير حق ، والفرار في سبيل الله يوم الزحف ، وعقوق الوالدين ، ورمي المحصنة ، وتعلم السحر ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم " .
حديث آخر : فيه ذكر شهادة الزور; قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، حدثني عبيد الله بن أبي بكر قال : سمعت أنس بن مالك قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر - أو سئل عن الكبائر - فقال : " الشرك بالله ، وقتل النفس ، وعقوق الوالدين " . وقال : " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ " قال : " قول الزور - أو شهادة الزور " . قال شعبة : أكبر ظني أنه قال " " شهادة الزور " .
أخرجاه من حديث شعبة به . وقد رواه ابن مردويه من طريقين آخرين غريبين عن أنس ، بنحوه .
حديث آخر : أخرجه الشيخان من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ " ، قلنا : بلى يا رسول الله ، قال : " الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين " وكان متكئا فجلس فقال : " ألا وشهادة الزور ، ألا وقول الزور " . فما زال يكررها حتى قلنا : ليته سكت .
حديث آخر : فيه ذكر قتل الولد ، وهو ثابت في الصحيحين ، عن عبد الله بن مسعود قال : قلت : يا رسول الله ، أي الذنب أعظم ؟ - وفي رواية : أكبر - قال : " أن تجعل لله ندا وهو خلقك " قلت : ثم أي ؟ قال : " أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك " . قلت : ثم أي ؟ قال : " أن تزاني حليلة جارك " ثم قرأ : ( والذين لا يدعون مع الله إلها آخر [ ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما ] ) إلى قوله : ( إلا من تاب ) [ الفرقان : 68 ] .
حديث ] آخر [ فيه ذكر شرب الخمر . قال ابن أبي حاتم : أخبرنا يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، حدثني أبو صخر : أن رجلا حدثه عن عمرة بن حزم أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص وهو بالحجر بمكة وسئل عن الخمر ، فقال : والله إن عظيما عند الله الشيخ مثلي يكذب في هذا المقام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذهب فسأله ثم رجع فقال : سألته عن الخمر فقال : " هي أكبر الكبائر ، وأم الفواحش ، من شرب الخمر ترك الصلاة ووقع على أمه وخالته وعمته " غريب من هذا الوجه .
طريق أخرى : رواها الحافظ أبو بكر بن مردويه من حديث عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن داود بن صالح ، عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه : أن أبا بكر الصديق ، رضي الله عنه ، وعمر بن الخطاب وأناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورضي الله عنهم أجمعين ، جلسوا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكروا أعظم الكبائر ، فلم يكن عندهم ما ينتهون إليه ، فأرسلوني إلى عبد الله بن عمرو بن العاص أسأله عن ذلك ، فأخبرني أن أعظم الكبائر شرب الخمر ، فأتيتهم فأخبرتهم ، فأنكروا ذلك ، فوثبوا إليه حتى أتوه في داره ، فأخبرهم أنهم تحدثوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ملكا من بني إسرائيل أخذ رجلا فخيره بين أن يشرب خمرا أو يقتل نفسا ، أو يزاني أو يأكل لحم خنزير ، أو يقتله فاختار شرب الخمر وإنه لما شربها لم يمتنع من شيء أراده منه ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا مجيبا : " ما من أحد يشرب خمرا إلا لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ، ولا يموت أحد في مثانته منها شيء إلا حرم الله عليه الجنة فإن مات في أربعين ليلة مات ميتة جاهلية " .
هذا حديث غريب من هذا الوجه جدا ، وداود بن صالح هو التمار المدني مولى الأنصار ، قال الإمام أحمد : لا أرى به بأسا . وذكره ابن حبان في الثقات ، ولم أر أحدا جرحه .
حديث آخر : عن عبد الله بن عمرو وفيه ذكر اليمين الغموس . قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن فراس ، عن الشعبي ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أكبر الكبائر الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، أو قتل النفس - شعبة الشاك - واليمين الغموس " . ورواه البخاري والترمذي والنسائي من حديث شعبة : زاد البخاري وشيبان ، كلاهما عن ، به .
حديث آخر : في اليمين الغموس : " قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو صالح كاتب الليث ، حدثنا الليث بن سعد ، حدثنا هشام بن سعد ، عن محمد بن يزيد بن مهاجر بن قنفذ التيمي ، عن أبي أمامة الأنصاري ، عن عبد الله بن أنيس الجهني ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أكبر الكبائر الشرك بالله ، وعقوق الوالدين ، واليمين الغموس ، وما حلف حالف بالله يمين صبر فأدخل فيها مثل جناح البعوضة ، إلا كانت وكتة في قلبه إلى يوم القيامة " . وهكذا رواه ] الإمام [ أحمد في مسنده ، وعبد بن حميد في تفسيره ، كلاهما عن يونس بن محمد المؤدب ، عن الليث بن سعد ، به . وأخرجه الترمذي ] في تفسيره [ عن عبد بن حميد ] به [ ثم قال : وهذا حديث حسن غريب ، وأبو أمامة الأنصاري هذا هو ابن ثعلبة ، ولا يعرف اسمه . وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث .
قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي : وقد رواه عبد الرحمن بن إسحاق المدني ، عن محمد بن زيد ، عن عبد الله بن أبي أمامة ، عن أبيه عن عبد الله بن أنيس . فزاد عبد الله بن أبي أمامة .
قلت : هكذا وقع في تفسير ابن مردويه وصحيح ابن حبان ، من طريق عبد الرحمن بن إسحاق كما ذكره شيخنا ، فسح الله في أجله .
حديث آخر : عن عبد الله بن عمرو ، في التسبب إلى شتم الوالدين . قال ابن أبي حاتم : حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي ، حدثنا وكيع ، عن مسعر وسفيان ، عن سعد بن إبراهيم ، عن حميد بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن عمرو - رفعه سفيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ووقفه مسعر على عبد الله بن عمرو - قال : " من الكبائر أن يشتم الرجل والديه " : قالوا : وكيف يشتم الرجل والديه ؟ قال : " يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ، ويسب أمه فيسب أمه " .
وقد أخرج هذا الحديث البخاري عن أحمد بن يونس ، عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبيه ، عن عمه حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه " . قالوا : وكيف يلعن الرجل والديه ؟ ! قال : " يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ، ويسب أمه فيسب أمه " .
وهكذا رواه مسلم من حديث سفيان وشعبة ويزيد بن الهاد ، ثلاثتهم عن سعد بن إبراهيم ، به مرفوعا بنحوه . وقال الترمذي : صحيح .
وثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر " .
حديث آخر في ذلك : قال ابن أبي حاتم : حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم ، حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، حدثنا زهير بن محمد ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أكبر الكبائر عرض الرجل المسلم ، والسبتان والسبة " .
هكذا روي هذا الحديث ، وقد أخرجه أبو داود في كتاب الأدب في سننه ، عن جعفر بن مسافر ، عن عمرو بن أبي سلمة ، عن زهير بن محمد ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أكبر الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم بغير حق ، ومن الكبائر السبتان بالسبة " .
وكذا رواه ابن مردويه من طريق عبد الله بن العلاء بن زير عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله .
حديث آخر : في ذكر الجمع بين الصلاتين من غير عذر; قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا نعيم بن حماد ، حدثنا معتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن حنش عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من جمع بين الصلاتين من غير عذر ، فقد أتى بابا من أبواب الكبائر " . وهكذا رواه أبو عيسى الترمذي عن أبي سلمة يحيى بن خلف ، عن المعتمر بن سليمان ، به ثم قال : حنش هو أبو علي الرحبي ، وهو حسين بن قيس ، وهو ضعيف عند أهل الحديث ، ضعفه أحمد وغيره .
وقد روى ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا إسماعيل بن علية ، عن خالد الحذاء ، عن حميد بن هلال ، عن أبي قتادة - يعني العدوي - قال : قرئ علينا كتاب عمر : من الكبائر جمع بين الصلاتين - يعني بغير عذر - والفرار من الزحف ، والنهبة .
وهذا إسناد صحيح : والغرض أنه إذا كان الوعيد فيمن جمع بين الصلاتين كالظهر والعصر تقديما أو تأخيرا ، وكذا المغرب والعشاء هما من شأنه أن يجمع بسبب من الأسباب الشرعية ، فإذا تعاطاه أحد بغير شيء من تلك الأسباب يكون مرتكبا كبيرة ، فما ظنك بمن ترك الصلاة بالكلية ؟ ولهذا روى مسلم في صحيحه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة " وفي السنن عنه ، عليه السلام ، أنه قال : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر " وقال : " من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله " وقال : " من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله " .
حديث آخر : فيه اليأس من روح الله ، والأمن من مكر الله . قال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل ، حدثنا أبي ، حدثنا شبيب بن بشر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان متكئا فدخل عليه رجل فقال : ما الكبائر ؟ فقال : " الشرك بالله ، واليأس من روح الله ، والقنوط من رحمة الله ، والأمن من مكر الله ، وهذا أكبر الكبائر " .
وقد رواه البزار ، عن عبد الله بن إسحاق العطار ، عن أبي عاصم النبيل ، عن شبيب بن بشر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ; أن رجلا قال : يا رسول الله ، ما الكبائر ؟ قال : " الإشراك بالله ، واليأس من روح الله ، والقنوط من رحمة الله عز وجل " .
وفي إسناده نظر ، والأشبه أن يكون موقوفا ، فقد روي عن ابن مسعود نحو ذلك قال ابن جرير :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا هشيم ، أخبرنا مطرف ، عن وبرة بن عبد الرحمن ، عن أبي الطفيل قال : قال ابن مسعود : أكبر الكبائر الإشراك بالله والإياس من روح الله ، والقنوط من رحمة الله ، والأمن من مكر الله .
وكذا رواه من حديث الأعمش وأبي إسحاق ، عن وبرة ، عن أبي الطفيل ، عن ابن مسعود ، به ثم رواه من طرق عدة ، عن أبي الطفيل ، عن ابن مسعود . وهو صحيح إليه بلا شك .
حديث آخر : فيه سوء الظن بالله; قال ابن مردويه : حدثنا محمد بن إبراهيم بن بندار ، حدثنا أبو حاتم بكر بن عبدان ، حدثنا محمد بن مهاجر حدثنا أبو حذيفة البخاري ، عن محمد بن عجلان ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه قال : ] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ " أكبر الكبائر سوء الظن بالله عز وجل " . حديث غريب جدا .
حديث آخر : فيه التعرب بعد الهجرة ، قد تقدم في رواية عمرو بن أبي سلمة ، عن أبيه ، عن أبي هريرة مرفوعا ، قال أبو بكر بن مردويه : حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا أحمد بن رشدين ، حدثنا عمرو بن خالد الحراني ، حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب ، عن محمد بن سهل بن أبي حثمة عن أبيه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " الكبائر سبع ، ألا تسألوني عنهن ؟ الشرك بالله ، وقتل النفس ، والفرار يوم الزحف ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا ، وقذف المحصنة ، والتعرب بعد الهجرة " .
وفي إسناده نظر ، ورفعه غلط فاحش والصواب ما رواه ابن جرير : حدثنا تميم بن المنتصر ، أخبرنا يزيد ، أخبرنا محمد بن إسحاق ، عن محمد بن سهيل بن أبي حثمة عن أبيه قال : إني لفي هذا المسجد - مسجد الكوفة - وعلي ، رضي الله عنه ، يخطب الناس على المنبر ، فقال : يا أيها الناس ، الكبائر سبع فأصاخ الناس ، فأعادها ثلاث مرات ، ثم قال : لم لا تسألوني عنها ؟ قالوا : يا أمير المؤمنين ما هي ؟ قال : الإشراك بالله ، وقتل النفس التي حرم الله وقذف المحصنة ، وأكل مال اليتيم ، وأكل الربا ، والفرار يوم الزحف ، والتعرب بعد الهجرة . فقلت لأبي : يا أبت ، التعرب بعد الهجرة ، كيف لحق هاهنا ؟ قال : يا بني ، وما أعظم من أن يهاجر الرجل ، حتى إذا وقع سهمه في الفيء ، ووجب عليه الجهاد خلع ذلك من عنقه فرجع أعرابيا كما كان .
حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا هاشم ، حدثنا أبو معاوية - يعني شيبان - عن منصور ، عن هلال بن يساف ، عن سلمة بن قيس الأشجعي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع : " ألا إنما هن أربع : ألا تشركوا بالله شيئا ، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ، ولا تزنوا ، ولا تسرقوا " . قال : فما أنا بأشح عليهن مني ، إذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثم رواه أحمد أيضا والنسائي وابن مردويه ، من حديث منصور ، بإسناده مثله .
حديث آخر : تقدم من رواية عمر بن المغيرة ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الإضرار في الوصية من الكبائر " . والصحيح ما رواه غيره ، عن داود ، عن عكرمة ، عن ابن عباس [ قوله ] قال ابن أبي حاتم : وهو الصحيح عن ابن عباس من قوله .
حديث آخر في ذلك : " قال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ، حدثنا عباد بن عباد ، عن جعفر بن الزبير ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ; أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذكروا الكبائر وهو متكئ ، فقالوا : الشرك بالله ، وأكل مال اليتيم ، وفرار من الزحف ، وقذف المحصنة ، وعقوق الوالدين ، وقول الزور ، والغلول ، والسحر ، وأكل الربا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فأين تجعلون ( الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ) [ آل عمران : 77 ] ؟ ! إلى آخر الآية . في إسناده ضعف ، وهو حسن .
ذكر أقوال السلف في ذلك :
قد تقدم ما روي عن أمير المؤمنين عمر وعلي ، رضي الله عنهما ، في ضمن الأحاديث المذكورة . وقال ابن جرير :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن علية ، عن ابن عون ، عن الحسن : أن ناسا سألوا عبد الله بن عمرو بمصر فقالوا : نرى أشياء من كتاب الله ، أمر أن يعمل بها فلا يعمل بها ، فأردنا أن نلقى أمير المؤمنين في ذلك ؟ فقدم وقدموا معه ، فلقيه عمر ، رضي الله عنه ، فقال : متى قدمت ؟ فقال : منذ كذا وكذا قال : أبإذن قدمت ؟ قال : فلا أدري كيف رد عليه . فقال : يا أمير المؤمنين ، إن ناسا لقوني بمصر فقالوا : إنا نرى أشياء من كتاب الله ، أمر أن يعمل بها فلا يعمل بها فأحبوا أن يلقوك في ذلك فقال : اجمعهم لي . قال : فجمعتهم له - قال ابن عون : أظنه قال : في بهو - فأخذ أدناهم رجلا فقال : نشدتك بالله وبحق الإسلام عليك ، أقرأت القرآن كله ؟ قال : نعم قال فهل أحصيته في نفسك ؟ قال اللهم لا . قال : ولو قال : نعم لخصمه . قال : فهل أحصيته في بصرك ؟ فهل أحصيته في لفظك ؟ هل أحصيته في أمرك ؟ ثم تتبعهم حتى أتى على آخرهم . قال : فثكلت عمر أمه . أتكلفونه أن يقيم الناس على كتاب الله ؟ ! قد علم ربنا أنه ستكون لنا سيئات . قال : وتلا ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ] ) ثم قال : هل علم أهل المدينة - أو قال : هل علم أحد - بما قدمتم ؟ قالوا : لا . قال : لو علموا لوعظت بكم .
إسناد حسن ومتن حسن ، وإن كان من رواية الحسن عن عمر ، وفيها انقطاع ، إلا أن مثل هذا اشتهر فتكفي شهرته .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن سنان ، حدثنا أبو أحمد - يعني الزبيري - حدثنا علي بن صالح ، عن عثمان بن المغيرة ، عن مالك بن جوين ، عن علي ، رضي الله عنه ، قال : الكبائر الإشراك بالله ، وقتل النفس ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنة ، والفرار من الزحف ، والتعرب بعد الهجرة ، والسحر ، وعقوق الوالدين ، وأكل الربا ، وفراق الجماعة ، ونكث الصفقة .
وتقدم عن ابن مسعود أنه قال : أكبر الكبائر الإشراك بالله ، واليأس من روح الله ، والقنوط من رحمة الله ، والأمن من مكر الله ، عز وجل .
وروى ابن جرير ، من حديث الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، والأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، كلاهما عن ابن مسعود قال : الكبائر من أول سورة النساء إلى ثلاثين آية منها . ومن حديث سفيان الثوري وشعبة ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن زر بن حبيش ، عن ابن مسعود قال : الكبائر من أول سورة النساء إلى ثلاثين آية منها ثم تلا ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه [ نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ] )
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا المنذر بن شاذان ، حدثنا يعلى بن عبيد ، حدثنا صالح بن حيان ، عن ابن بريدة ، عن أبيه قال : أكبر الكبائر : الشرك بالله ، وعقوق الوالدين ، ومنع فضول الماء بعد الري ، ومنع طروق الفحل إلا بجعل .
وفي الصحيحين ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ " وفيهما عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه ابن السبيل " ، وذكر الحديث بتمامه .
وفي مسند الإمام أحمد ، من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده مرفوعا : " من منع فضل الماء وفضل الكلأ منعه الله فضله يوم القيامة " .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسين بن محمد بن شنبة الواسطي ، حدثنا أبو أحمد حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق ، عن عائشة ، قالت : ما أخذ على النساء من الكبائر . قال ابن أبي حاتم : يعني قوله : ( على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن [ ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك ] ) الآية [ الممتحنة : 12 ] .
وقال ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن علية ، حدثنا زياد بن مخراق ، عن معاوية بن قرة قال : أتينا أنس بن مالك ، فكان فيما حدثنا قال : لم أر مثل الذي بلغنا عن ربنا تعالى ثم لم نخرج له عن كل أهل ومال . ثم سكت هنية ثم قال : والله لما كلفنا ربنا أهون من ذلك ، لقد تجاوز لنا عما دون الكبائر ، فما لنا ولها ، ثم تلا ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه [ نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ] ) .
أقوال ابن عباس في ذلك :
روى ابن جرير ، من حديث المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن طاوس قال : ذكروا عند ابن عباس الكبائر فقالوا : هي سبع ، فقال : هي أكثر من سبع وسبع . قال سليمان : فما أدري كم قالها من مرة .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا قبيصة ، حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن طاوس قال : قلت لابن عباس : ما السبع الكبائر ؟ قال : هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع .
ورواه ابن جرير ، عن ابن حميد ، عن ليث ، عن طاوس قال : جاء رجل إلى ابن عباس فقال : أرأيت الكبائر السبع التي ذكرهن الله ؟ ما هن ؟ قال : هن إلى السبعين أدنى منهن إلى سبع .
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن طاوس ، عن أبيه قال : قيل لابن عباس : الكبائر سبع ؟ قال : هن إلى السبعين أقرب ، وكذا قال أبو العالية الرياحي ، رحمه الله .
وقال ابن جرير : حدثنا المثنى ، حدثنا أبو حذيفة ، حدثنا شبل ، عن قيس عن سعد ، عن سعيد بن جبير ; أن رجلا قال لابن عباس : كم الكبائر ؟ سبع ؟ قال : هن إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع ، غير أنه لا كبيرة مع استغفار ، ولا صغيرة مع إصرار . وكذا رواه ابن أبي حاتم ، من حديث شبل ، به .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ) قال : الكبائر كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب . ورواه ابن جرير .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن حرب الموصلي ، حدثنا ابن فضيل ، حدثنا شبيب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : الكبائر : كل ما وعد الله عليه النار كبيرة . وكذا قال سعيد بن جبير والحسن البصري .
وقال ابن جرير : حدثني يعقوب ، حدثنا ابن علية ، أخبرنا أيوب ، عن محمد بن سيرين قال : نبئت أن ابن عباس كان يقول : كل ما نهى الله عنه كبيرة . وقد ذكرت الطرفة [ فيه ] قال : هي النظرة .
وقال أيضا : حدثنا أحمد بن حازم ، أخبرنا أبو نعيم ، حدثنا عبد الله بن معدان ، عن أبي الوليد قال : سألت ابن عباس عن الكبائر فقال هي كل شيء عصي الله فيه فهو كبيرة .
أقوال التابعين
قال ابن جرير : حدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن علية ، عن ابن عون ، عن محمد قال : سألت عبيدة عن الكبائر ، فقال : الإشراك بالله ، وقتل النفس التي حرم الله بغير حقها ، وفرار يوم الزحف ، وأكل مال اليتيم بغير حقه ، وأكل الربا ، والبهتان . قال : ويقولون : أعرابية بعد هجرة . قال ابن عون : فقلت لمحمد : فالسحر ؟ قال : إن البهتان يجمع شرا كبيرا .
وقال ابن جرير : حدثني محمد بن عبيد المحاربي حدثنا أبو الأحوص سلام بن سليم ، عن أبي إسحاق ، عن عبيد بن عمير قال : الكبائر سبع ، ليس منهن كبيرة إلا وفيها آية من كتاب الله : الإشراك بالله منهن : ( ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح ) [ الحج : 31 ] و ( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا ) [ النساء : 10 ] ( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ) [ البقرة : 275 ] و ( إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات ) [ النور : 23 ] والفرار من الزحف : ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا [ فلا تولوهم الأدبار ] ) [ الأنفال : 15 ] ، والتعرب بعد الهجرة : ( إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى ) [ محمد : 25 ] ، وقتل المؤمن : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها ) الآية [ النساء : 93 ] .
وكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث أبي إسحاق ، عن عبيد ، بنحوه .
وقال ابن جرير : حدثنا المثنى ، حدثنا أبو حذيفة ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء - يعني ابن أبي رباح - قال : الكبائر سبع : قتل النفس ، وأكل الربا وأكل مال اليتيم ، ورمي المحصنة ، وشهادة الزور ، وعقوق الوالدين ، والفرار من الزحف .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن مغيرة قال : كان يقال شتم أبي بكر وعمر ، رضي الله عنهما ، من الكبائر .
قلت : وقد ذهب طائفة من العلماء إلى تكفير من سب الصحابة ، وهو رواية عن مالك بن أنس ، رحمه الله : وقال محمد بن سيرين : ما أظن أحدا ينتقص أبا بكر ، وعمر ، وهو يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم . رواه الترمذي .
وقال ابن أبي حاتم أيضا : حدثنا يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني عبد الله بن عياش ، قال زيد بن أسلم في قول الله عز وجل : ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ) من الكبائر : الشرك ، والكفر بآيات الله ورسوله ، والسحر ، وقتل الأولاد ، ومن دعا لله ولدا أو صاحبة ، ومثل ذلك من الأعمال ، والقول الذي لا يصلح معه عمل ، وأما كل ذنب يصلح معه دين ، ويقبل معه عمل فإن الله يغفر السيئات بالحسنات .
وقال ابن جرير : حدثنا بشر بن معاذ ، حدثنا يزيد ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه ) الآية : إنما وعد الله المغفرة لمن اجتنب الكبائر . وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " اجتنبوا الكبائر ، وسددوا ، وأبشروا " .
وقد روى ابن مردويه من طرق عن أنس ، وعن جابر مرفوعا : " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " ولكن في إسناده من جميع طرقه ضعف ، إلا ما رواه عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن ثابت ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " . فإنه إسناد صحيح على شرط الشيخين وقد رواه أبو عيسى الترمذي منفردا به من هذا الوجه ، عن عباس العنبري ، عن عبد الرزاق ثم قال : هذا حديث حسن صحيح وفي الصحيح شاهد لمعناه ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم بعد ذكر الشفاعة : " أترونها للمؤمنين المتقين ؟ لا ولكنها للخاطئين ال متلوثين " .
وقد اختلف علماء الأصول والفروع في حد الكبيرة فمن قائل : هي ما عليه حد في الشرع .
ومنهم من قال : هي ما عليه وعيد لخصوصه من الكتاب والسنة . وقيل غير ذلك . قال أبو القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي ، في كتابه " الشرح الكبير " الشهير ، في كتاب الشهادات منه : ثم اختلف الصحابة ، رضي الله [ تعالى ] عنهم ، فمن بعدهم في الكبائر ، وفي الفرق بينها وبين الصغائر ، ولبعض الأصحاب في تفسير الكبيرة وجوه :
أحدها : أنها المعصية الموجبة للحد .
والثاني : أنها المعصية التي يلحق صاحبها الوعيد الشديد بنص كتاب أو سنة . وهذا أكثر ما يوجد لهم ، وهو وإلى الأول أميل ، لكن الثاني أوفق لما ذكروه عند تفسير الكبائر .
والثالث : قال إمام الحرمين في " الإرشاد " وغيره : كل جريمة تنبئ بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة ، فهي مبطلة للعدالة .
والرابع : ذكر القاضي أبو سعيد الهروي أن الكبيرة : كل فعل نص الكتاب على تحريمه ، وكل معصية توجب في جنسها حدا من قتل أو غيره ، وترك كل فريضة مأمور بها على الفور ، والكذب في الشهادة ، والرواية ، واليمين .
هذا ما ذكره على سبيل الضبط .
ثم قال : وفصل القاضي الروياني فقال : الكبائر سبع : قتل النفس بغير الحق ، والزنا ، واللواط ، وشرب الخمر ، والسرقة ، وأخذ المال غصبا ، والقذف . وزاد في " الشامل " على السبع المذكورة : شهادة الزور . وأضاف إليها صاحب العدة : أكل الربا ، والإفطار في رمضان بلا عذر ، واليمين الفاجرة ، وقطع الرحم ، وعقوق الوالدين ، والفرار من الزحف ، وأكل مال اليتيم ، والخيانة في الكيل والوزن ، وتقديم الصلاة على وقتها ، وتأخيرها عن وقتها ، بلا عذر ، وضرب المسلم بلا حق ، والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم عمدا ، وسب أصحابه ، وكتمان الشهادة بلا عذر ، وأخذ الرشوة ، والقيادة بين الرجال والنساء ، والسعاية عند السلطان ، ومنع الزكاة ، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع القدرة ، ونسيان القرآن بعد تعلمه ، وإحراق الحيوان بالنار ، وامتناع المرأة من زوجها بلا سبب ، واليأس من رحمة الله ، والأمن من مكر الله ويقال : الوقيعة في أهل العلم وحملة القرآن . ومما يعد من الكبائر : الظهار ، وأكل لحم الخنزير والميتة إلا عن ضرورة .
ثم قال الرافعي : وللتوقف مجال في بعض هذه الخصال .
قلت : وقد صنف الناس في الكبائر مصنفات ، منها ما جمعه شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي الذي بلغ نحوا من سبعين كبيرة ، وإذا قيل : إن الكبيرة [ هى ] ما توعد الشارع عليها بالنار بخصوصها ، كما قال ابن عباس ، وغيره ، وتتبع ذلك ، اجتمع منه شيء كثير ، وإذا قيل : كل ما نهى الله [ تعالى ] عنه فكثير جدا ، والله [ تعالى ] أعلم .

وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32)
قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : قالت أم سلمة : يا رسول الله ، يغزو الرجال ولا نغزو ، ولنا نصف الميراث . فأنزل الله عز وجل : ( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض )
ورواه الترمذي عن ابن أبي عمر ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن أم سلمة أنها قالت : قلت : يا رسول الله . . . فذكره ، وقال : غريب ورواه بعضهم عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، أن أم سلمة قالت . . .
ورواه ابن أبي حاتم ، وابن جرير وابن مردويه ، والحاكم في مستدركه ، من حديث الثوري ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : قالت أم سلمة : يا رسول الله ، لا نقاتل فنستشهد ، ولا نقطع الميراث! فنزلت : ( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ) ثم نزلت : ( أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى ) [ آل عمران : 195 ] .
ثم قال ابن أبي حاتم : وكذا روى سفيان بن عيينة ، يعني عن ابن أبي نجيح بهذا اللفظ . وروى يحيى القطان ووكيع بن الجراح ، عن الثوري ، وعن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن أم سلمة قالت : قلت : يا رسول الله . . . وروي عن مقاتل بن حيان وخصيف نحو ذلك .
وروى ابن جرير من حديث ابن جريج ، عن عكرمة ومجاهد أنهما قالا أنزلت في أم سلمة .
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن شيخ من أهل مكة قال : نزلت هذه الآية في قول النساء : ليتنا الرجال فنجاهد كما يجاهدون ونغزو في سبيل الله عز وجل .
وقال ابن أبي حاتم أيضا : حدثنا أحمد بن القاسم بن عطية ، حدثني أحمد بن عبد الرحمن ، حدثني أبي ، حدثنا الأشعث بن إسحاق ، عن جعفر - يعني ابن أبي المغيرة - عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في ] قوله [ ( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ) قال : أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا نبي الله ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، وشهادة امرأتين برجل ، فنحن في العمل هكذا ، إن عملت امرأة حسنة كتبت لها نصف حسنة . فأنزل الله هذه الآية : ( ولا تتمنوا ) فإنه عدل مني ، وأنا صنعته .
وقال السدي : قوله : في الآية ( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ) فإن الرجال قالوا : نريد أن يكون لنا من الأجر الضعف على أجر النساء ، كما لنا في السهام سهمان . وقالت النساء : نريد أن يكون لنا أجر مثل أجر الرجال الشهداء ، فإنا لا نستطيع أن نقاتل ، ولو كتب علينا القتال لقاتلنا فأبى الله ذلك ، ولكن قال لهم : سلوني من فضلي قال : ليس بعرض الدنيا .
وقد روي عن قتادة نحو ذلك . وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : قوله : ( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ) قال ولا يتمنى الرجل فيقول : " ليت لو أن لي مال فلان وأهله! " فنهى الله عن ذلك ، ولكن يسأل الله من فضله .
وكذا قال محمد بن سيرين والحسن والضحاك وعطاء نحو ذلك وهو الظاهر من الآية ولا يرد على هذا ما ثبت في الصحيح : " لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ، فيقول رجل : لو أن لي مثل ما لفلان لعملت مثله . فهما في الأجر سواء " فإن هذا شيء غير ما نهت الآية عنه ، وذلك أن الحديث حض على تمني مثل نعمة هذا ، والآية نهت عن تمني عين نعمة هذا ، فقال : ( ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ) أي : في الأمور الدنيوية ، وكذا الدينية أيضا لحديث أم سلمة ، وابن عباس . وهكذا قال عطاء بن أبي رباح : نزلت في النهي عن تمني ما لفلان ، وفي تمني النساء أن يكن رجالا فيغزون . رواه ابن جرير .
ثم قال : ( للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن ) أي : كل له جزاء على عمله بحسبه ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر . وهو قول ابن جرير .
وقيل : المراد بذلك في الميراث ، أي : كل يرث بحسبه . رواه الترمذي عن ابن عباس :
ثم أرشدهم إلى ما يصلحهم فقال : ( واسألوا الله من فضله ) ] أي [ لا تتمنوا ما فضل به بعضكم على بعض ، فإن هذا أمر محتوم ، والتمني لا يجدي شيئا ، ولكن سلوني من فضلي أعطكم; فإني كريم وهاب .
وقد روى الترمذي ، وابن مردويه من حديث حماد بن واقد : سمعت إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سلوا الله من فضله; فإن الله يحب أن يسأل وإن أفضل العبادة انتظار الفرج " .
ثم قال الترمذي : كذا رواه حماد بن واقد ، وليس بالحافظ ، ورواه أبو نعيم ، عن إسرائيل ، عن حكيم بن جبير ، عن رجل ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وحديث أبي نعيم أشبه أن يكون أصح
وكذا رواه ابن مردويه من حديث وكيع ، عن إسرائيل . ثم رواه من حديث قيس بن الربيع ، عن حكيم بن جبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله : " سلوا الله من فضله ، فإن الله يحب أن يسأل ، وإن أحب عباده إليه الذي يحب الفرج " .
ثم قال : ( إن الله كان بكل شيء عليما ) أي : هو عليم بمن يستحق الدنيا فيعطيه منها ، وبمن يستحق الفقر فيفقره ، وعليم بمن يستحق الآخرة فيقيضه لأعمالها ، وبمن يستحق الخذلان فيخذله عن تعاطي الخير وأسبابه; ولهذا قال : ( إن الله كان بكل شيء عليما )

هوازن الشريف 05-19-2016 02:09 AM

رد: تفسير ابن كثير سورة النساء من ايه 27 الى ايه 26
 
وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ ۚ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33)
قال ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وأبو صالح ، وقتادة ، وزيد بن أسلم ، والسدي ، والضحاك ، ومقاتل بن حيان ، وغيرهم في قوله : ( ولكل جعلنا موالي ) أي : ورثة . وعن ابن عباس في رواية : أي عصبة . قال ابن جرير : والعرب تسمي ابن العم مولى ، كما قال الفضل بن عباس :
مهلا بني عمنا مهلا موالينا لا تظهرن لنا ما كان مدفونا
قال : ويعني بقوله : ( مما ترك الوالدان والأقربون ) من تركة والديه وأقربيه من الميراث ، فتأويل الكلام : ولكلكم - أيها الناس - جعلنا عصبة يرثونه مما ترك والداه وأقربوه من ميراثهم له .
وقوله : ( والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم ) أي : والذين تحالفتم بالأيمان المؤكدة - أنتم وهم - فآتوهم نصيبهم من الميراث ، كما وعدتموهم في الأيمان المغلظة ، إن الله شاهد بينكم في تلك العهود والمعاقدات ، وقد كان هذا في ابتداء الإسلام ، ثم نسخ بعد ذلك ، وأمروا أن يوفوا لمن عاقدوا ، ولا ينشئوا بعد نزول هذه الآية معاقدة .
قال البخاري : حدثنا الصلت بن محمد ، حدثنا أبو أسامة ، عن إدريس ، عن طلحة بن مصرف ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( ولكل جعلنا موالي ) قال : ورثة ، ( والذين عقدت أيمانكم ) كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجري الأنصاري ، دون ذوي رحمه; للأخوة التي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم ، فلما نزلت ( ولكل جعلنا موالي ) نسخت ، ثم قال : ( والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم ) من النصر والرفادة والنصيحة ، وقد ذهب الميراث ويوصى له .
ثم قال البخاري : سمع أبو أسامة إدريس ، وسمع إدريس عن طلحة .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو أسامة ، حدثنا إدريس الأودي ، أخبرني طلحة بن مصرف ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : ( والذين عقدت أيمانكم [ فآتوهم نصيبهم ] ) الآية ، قال : كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرث المهاجري الأنصاري ، دون ذوي رحمه; بالأخوة التي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم ، فلما نزلت هذه الآية : ( ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون ) نسخت . ثم قال : ( والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم )
وحدثنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج - وعثمان بن عطاء ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : ( والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم ) فكان الرجل قبل الإسلام يعاقد الرجل ، يقول : ترثني وأرثك وكان الأحياء يتحالفون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كل حلف كان في الجاهلية أو عقد أدركه الإسلام ، فلا يزيده الإسلام إلا شدة ، ولا عقد ولا حلف في الإسلام " . فنسختها هذه الآية : ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) [ الأنفال : 75 ] .
ثم قال : وروي عن سعيد بن المسيب ، ومجاهد ، وعطاء ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، وأبي صالح ، والشعبي ، وسليمان بن يسار ، وعكرمة ، والسدي ، والضحاك ، وقتادة ، ومقاتل بن حيان أنهم قالوا : هم الحلفاء .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا شريك ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس - ورفعه - قال : " ما كان من حلف في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا حدة وشدة " .
وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب ، حدثنا وكيع ، عن شريك ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وحدثنا أبو كريب ، حدثنا مصعب بن المقدام ، عن إسرائيل عن يونس ، عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا حلف في الإسلام ، وكل حلف كان في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة ، وما يسرني أن لي حمر النعم وإني نقضت الحلف الذي كان في دار الندوة " هذا لفظ ابن جرير .
وقال ابن جرير أيضا : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن علية ، عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " شهدت حلف المطيبين ، وأنا غلام مع عمومتي ، فما أحب أن لي حمر النعم وأنا أنكثه " . قال الزهري : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لم يصب الإسلام حلفا إلا زاده شدة " . قال : " ولا حلف في الإسلام " . وقد ألف النبي صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار .
وهكذا رواه الإمام أحمد عن بشر بن المفضل عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن الزهري ، بتمامه .
وحدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا هشيم ، أخبرني مغيرة ، عن أبيه ، عن شعبة بن التوأم ، عن قيس بن عاصم : أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحلف ، قال : فقال : " ما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا به ، ولا حلف في الإسلام " .
وكذا رواه أحمد عن هشيم .
وحدثنا أبو كريب حدثنا وكيع ، عن داود بن أبي عبد الله ، عن ابن جدعان ، عن جدته ، عن أم سلمة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا حلف في الإسلام ، وما كان من حلف في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة " .
وحدثنا أبو كريب ، حدثنا يونس بن بكير حدثنا محمد بن إسحاق ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده قال : لما كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة عام الفتح قام خطيبا في الناس فقال : " يا أيها الناس ، ما كان من حلف في الجاهلية ، لم يزده الإسلام إلا شدة ، ولا حلف في الإسلام " .
ثم رواه من حديث حسين المعلم ، وعبد الرحمن بن الحارث ، عن عمرو بن شعيب ، به .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا ابن نمير وأبو أسامة ، عن زكريا ، عن سعد بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا حلف في الإسلام ، وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة " .
وهكذا رواه مسلم عن عبد الله بن محمد ، وهو أبو بكر بن أبي شيبة ، بإسناده ، مثله . ورواه أبو داود عن عثمان عن محمد بن أبي شيبة ، عن محمد بن بشر وابن نمير وأبي أسامة ، ثلاثتهم عن زكريا - وهو ابن أبي زائدة - بإسناده ، مثله .
ورواه ابن جرير من حديث محمد بن بشر ، به . ورواه النسائي من حديث إسحاق بن يوسف الأزرق ، عن زكريا ، عن سعد بن إبراهيم ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، به .
وقال الإمام أحمد : حدثنا هشيم ، قال : مغيرة أخبرني ، عن أبيه ، عن شعبة بن التوأم ، عن قيس بن عاصم : أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحلف ، فقال : " ما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا به ، ولا حلف في الإسلام " .
وكذا رواه شعبة ، عن مغيرة - وهو ابن مقسم - عن أبيه ، به .
وقال محمد بن إسحاق ، عن داود بن الحصين قال : كنت أقرأ على أم سعد بنت الربيع ، مع ابن ابنها موسى بن سعد - وكانت يتيمة في حجر أبي بكر - فقرأت عليها ( والذين عقدت أيمانكم ) فقالت : لا ولكن : ( والذين عقدت أيمانكم ) قالت : إنما نزلت في أبي بكر وابنه عبد الرحمن ، حين أبى أن يسلم ، فحلف أبو بكر أن لا يورثه ، فلما أسلم حين حمل على الإسلام بالسيف أمر الله أن يؤتيه نصيبه .
رواه ابن أبي حاتم ، وهذا قول غريب ، والصحيح الأول ، وأن هذا كان في ابتداء الإسلام يتوارثون بالحلف ، ثم نسخ وبقي تأثير الحلف بعد ذلك ، وإن كانوا قد أمروا أن يوفوا بالعقود والعهود ، والحلف الذي كانوا قد تعاقدوا قبل ذلك تقدم في حديث جبير بن مطعم وغيره من الصحابة : لا حلف في الإسلام ، وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة .
وهذا نص في الرد على ما ذهب إلى التوارث بالحلف اليوم كما هو مذهب أبي حنيفة وأصحابه ، ورواية عن أحمد بن حنبل ، رحمه الله .
والصحيح قول الجمهور ومالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه; ولهذا قال تعالى : ( ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون ) أي : ورثه من أقربائه من أبويه وأقربيه ، وهم يرثونه دون سائر الناس ، كما ثبت في الصحيحين ، عن ابن عباس ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ألحقوا الفرائض بأهلها ، فما بقي فهو لأولى رجل ذكر " أي : اقسموا الميراث على أصحاب الفروض الذين ذكرهم الله في آيتي الفرائض ، فما بقي بعد ذلك فأعطوه العصبة ، وقوله : ( والذين عقدت أيمانكم ) أي : قبل نزول هذه الآية فآتوهم نصيبهم ، أي من الميراث ، فأيما حلف عقد بعد ذلك فلا تأثير له .
وقد قيل : إن هذه الآية نسخت الحلف في المستقبل ، وحكم الماضي أيضا ، فلا توارث به ، كما قال ابن أبي حاتم .
حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو أسامة ، حدثنا إدريس الأودي ، أخبرني طلحة بن مصرف ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : ( فآتوهم نصيبهم ) قال : من النصرة والنصيحة والرفادة ، ويوصى له ، وقد ذهب الميراث .
ورواه ابن جرير ، عن أبي كريب ، عن أبي أسامة وكذا روي عن مجاهد ، وأبي مالك ، نحو ذلك .
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : ( والذين عقدت أيمانكم ) قال : كان الرجل يعاقد الرجل ، أيهما مات ورثه الآخر ، فأنزل الله : ( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا ) [ الأحزاب : 6 ] . يقول : إلا أن يوصوا لأوليائهم الذين عاقدوا وصية فهو لهم جائز من ثلث مال الميت ، وذلك هو المعروف .
وهذا نص غير واحد من السلف : أنها منسوخة بقوله : ( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا )
وقال سعيد بن جبير : ( فآتوهم نصيبهم ) أي : من الميراث . قال : وعاقد أبو بكر مولى فورثه . رواه ابن جرير .
وقال الزهري عن سعيد بن المسيب : أنزلت هذه الآية في الذين كانوا يتبنون رجالا غير أبنائهم ، يورثونهم ، فأنزل الله فيهم ، فجعل لهم نصيبا في الوصية ، ورد الميراث إلى الموالي في ذي الرحم والعصبة وأبى الله للمدعين ميراثا ممن ادعاهم وتبناهم ، ولكن جعل لهم نصيبا من الوصية . رواه ابن جرير .
وقد اختار ابن جرير أن المراد بقوله : ( فآتوهم نصيبهم ) أي : من النصرة والنصيحة والمعونة ، لا أن المراد فآتوهم نصيبهم من الميراث - حتى تكون الآية منسوخة ، ولا أن ذلك كان حكما ثم نسخ ، بل إنما دلت الآية على الوفاء بالحلف المعقود على النصرة والنصيحة فقط ، فهي محكمة لا منسوخة .
وهذا الذي قاله فيه نظر ، فإن من الحلف ما كان على المناصرة والمعاونة ، ومنه ما كان على الإرث ، كما حكاه غير واحد من السلف ، وكما قال ابن عباس : كان المهاجري يرث الأنصاري دون قراباته وذوي رحمه ، حتى نسخ ذلك ، فكيف يقول : إن هذه الآية محكمة غير منسوخة ؟ ! والله أعلم .

حمامة الاسلام 09-03-2016 01:24 PM

رد: تفسير ابن كثير سورة النساء من ايه 27 الى ايه 26
 
من 27الى33من سورة النساء
بارك الله فيك و نفعك و نفع بك


الساعة الآن 05:32 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.1 TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
يرحل الجميع ويبقي شعاع بيت العلم والحب(ملك الكلمة)