بسم الله الرحمن الرحيم لماذا تختلف طريقة كتابة بعض كلمات القرآن الكريم عمّا يقرّره إملاؤنا ؟ ( العلمين – العالمين ) ، ( النبين – النبيين ) ، ( اليل ، الليل ) ، ( سأوريكم – سأريكم ) ، ( الصلوة – الصلاة ) . و لماذا تُكتب بعض الكلمات بأكثر من صورة في القرآن الكريم ؟ ( نعمت و نعمة ) ، ( يمحو و يمح ) ، ( إبراهيم و إبراهم ) . القصة من البداية : أمر عثمان بن عفان رضي الله عنه بكتابة عدد من المصاحف و أرسلها إلى بلاد المسلمين ، و طريقة الكتابة التي اتبعها الكاتبون يومَها سُمّيت بـ الرسم العثماني ، و قد حرص المسلمون على نسخ المصاحف فيما بعد بنفس طريقة الكتابة تلك ، و استمروا على ذلك إلى الآن . و قد اختلف موقف المسلمين من التمسك بالرسم العثماني في كتابة المصاحف منذ القدم . 1- فريق رأى أن الرسم العثماني هو أمرٌ تَوقيفي ، و أن الرسول صلى الله عليه و سلم هو الذي وجّـه كُـتّاب الوحي إلى الكتابة بهذا الشكل فيجب الأخذ به . و يرى أصحاب هذا الرأي أن هناك أسرارا قرآنية في الكلمات المختلفة الشكل ، فمثلا يعلّلون زيادة الياء في قوله تعالى { وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } و عدم زيادتها في قوله تعالى : { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ } و { أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا } ، أنها هناك تتحدث عن قوة الله العظيمة فاستحق الأمر زيادة الياء لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى . و يعلّلون حذف الألف من ( بسم الله ) في نحو { بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا } ، و إثباتها في ( باسم ربك ) في نحو { فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ } بأن لفظ ( الله ) هو العَلَم على ربنا سبحانه و تعالى فهو خاص به وحده ، فحُذِفت الألف إشارة إلى أن الوصول إلى الله ينبغي أن يكون بأسرع الطرق و أقصرها . أما رب فـتُطلق على أي معبود .
2- و هناك فريق - و هو يمثّـل رأي أكثر المسلمين - يقول إن الرسم العثماني اصطلاحيٌّ و ليس توقيفيا ، و أن تلك الاختلافات في كتابة بعض الكلمات القرآنية تعود إلى أن الكتابة العربية كانت في بداياتها الضعيفة حين كتابة المصاحف الأولى ، و ليس إلى أسرار قرآنية كما يرى أصحاب الفريق الأول . و لكنّ أصحاب الفريق الثاني أيضا لا يجيزون أن تُكتَب المصاحف بغير الرسم العثماني ، فقد صدر عن المجمع الفقهي الإسلامي قرار بـعدم جواز كتابة القرآن بالرسم الإملائي و جاء فيه : ( العدول عن الرسم العثماني إلى الرسم الإملائي الموجود حاليا ، بقصد تسهيل القراءة ، يفضي إلى تغيير آخر إذا تغيّر الاصطلاح في الكتابة ؛ لأن الرسم الإملائي نوع من الاصطلاح قابل للتغيير باصطلاح آخر . و هذا الأمر قد يؤدي إلى تحريف القرآن بتبديل بعض الحروف ، أو زيادتها ، أو نقصها ، فيقع الاختلاف بين المصاحف على مر السنين ، ويجد أعداء الإسلام مجالاً للطعن في القرآن الكريم ) . و هو قرار يتفق مع قرار سابق لهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية و فتوى للجنة الفتوى في الأزهر الشريف . و يقول الشيخ يوسف القرضاوي : ( و لكن الأكثرين – و أنا منهم - في الحقيقة يميلون إلى أن يبقى المصحف كما هو . برسمه ، و بطريقته التي كُتب بها أول الأمر ، مبالغة في الحفاظ على هذا الكتاب الإلهي ؛ ليعلم الناس أننا نقرأ كتابنا كما أُنزل ، كما قرأه محمد - صلى الله عليه و سلم - على أصحابه ، و كما نزل به جبريل على قلب محمد -صلى الله عليه و سلم - فليس لأحد أن يزيد أو ينقص أو يغيّر شيئًا فيه ، هذا بالنسبة للمصحف ككل . و لكن إذا أخذنا آيات من المصحف لنستشهد بها في كتاب ، أو لنكتبها على السبّورة ، أو نحو ذلك ، فلا بأس في هذه الحالة أن تُكتب على الطريقة الإملائية الحديثة ، لتكون أسهل في التعليم ) . و يندرج في هذا الفريق عضو هيئة كبار العلماء الشيخ محمد بن إبراهيم بن جبير و لكنه رأى ( أن تُطبع المصاحف بالرسم العثماني؛ حفظاً لهذا الأثر العظيم الذيهو أصل ديننا ، على أن يعاد طبع الكلمات بالرسم الإملائي المعتاد على الهامش في حيّزخاص ، و ذلك تسهيلاً لتعلم الصغار و قراءة الكبار الذين لم يتلقوا القرآن عن قارئ. و بهذا نجمع بين حفظ أهم شيء في تاريخ ديننا و بين تسهيل التعليم و عدم اشتباهالقارئين ).
3- و الفريق الثالث يرى أن الرسم العثماني اصطلاحيّ و تجوز مخالفته ، و بناء على رأيهم تجوز كتابة المصاحف بأسلوب الإملاء العادي ، و من أشهر أصحاب هذا الرأي ابن خلدون ، الذي كان يسخر من محاولات أصحاب الفريق الأول إيجاد أسرار و معجزات في اختلاف كتابة الكلمات القرآنية ، و فسّـر ذلك بأنه حماس غير مبرر باتجاه تنزيه الصحابة رضوان الله عليهم عن صفة عدم إجادة الخط .
و أخيرا فإنه ينبغي التنويه إلى أنه لا يسوء القرآن الكريم أبدا تلك الاختلافات في كتابة بعض كلمات القرآن الكريم لأن سببها هو اختلاف اصطلاح الناس حول إملاء الكلمات ، فقد تتغير طريقة كتابة الكلمة بتغيُّر اصطلاح إملاء الناس لها ، كما أن القرآن الكريم لم ينزل مكتوبا بل متلوا ، و لا يتم تلقيه من المصاحف بل من صدور الـحُـفّاظ الثقات ، فلا يضيره وقوع أخطاء في طريقة الكتابة . |