هكذا الدنيا قالت لي قريبتي: في كل صباح وأنا خارجة إلى وظيفتي، تقابلني جارتي -التي سكنت حديثاً في الحي- وهي جالسة باسترخاء في الحديقة، في أيام الربيع الجميلة، تراقب المناظر البديعة، وتتمتع برائحة الورود والأزهار، وتستمع إلى الأخبار وتقشر الخضار، أو تشرب قهوتها بهدوء وراحة بال وأجدها في العودة ما زالت هناك وبيدها كتاب، وأولادها الصغار يلعبون ويمرحون حولها في حين أعود أنا منهكة أحمل أغراض البيت ولوازم الطبخ وأسحب أولادي الاثنين وقد أضناهما طول الجلوس في الحضانة وأحزنهما بعدي عنهما، ونال منهما الجوع والنعاس فأشعر بالحسرة والألم؛ فجارتي في البيت تتنعم، وأنا في شقاوة العمل أتعب بعد عدة أشهر قررت قريبتي زيارتها والتعرف عليها، فلما كلمتها وآنست منها مودة قالت الجارة: لو تعلمين كم أتحسر على نفسي وكم أغبطك وأنت خارجة كل صباح: لأنك تشاركين في الحياة العامة، ولأنك أولادك يتسلون في المدرسة مع أقرانهم، ويتعلمون في سن مبكرة وتتخلصين أنت من صخبهم وطلباتهم عدة ساعات، ولأنك تحضرين لوازم البيت حسب ذوقك، والخضار حسب مزاجك في حين أنا حبيسة البيت، وأوقاتي كلها مهدرة في القيام بالمسؤوليات اليومية، والعناية بالصغار والجلوس في حديقة الدار، وقراءة القصص والأشعار حدثتني قريبتي عن وضعها، وأبدت لي كم تفاجأت من تعليق جارتها؛ والواقع أن هذا حال كثير من الناس، حيث ينظر الفرد منهم للآخر ويقول: يا ليتني كنت مكانه فأفوز فوزاً عظيماً والحقيقة أنه سوف يتذمر ولن يتحمل؛ فكل ميسر لما خلق له، ولكل مجتهد نصيب فلا يستقلن أحد دوره في الحياة ولا ضير أن يسعى كل امرئ نحو الأحسن، ويحرص على إرضاء نفسه والاتجاه لما يحبه، وعمل ما يسعده ولكن الفكرة &quotتمتع؛ فإن بعضهم يتمنى ما تتذمر أنت منه!؟&quot كتبه عابدة المؤيد