منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد

تمُرّ في حياتنا لحظات فرح وسعادة تتضاءل أمامها كل لحظة حزن ولحظة شقاء.. ما السبب يا تُرى؟!
لا تذهب بعيدًا، انظر في نفسك، ستجد أنك في الحقيقة تمتلك «وعاء» يتمدّد بالمحبّة ويتقلّص بالكراهية!
كل محبة تنبعث من قلبك، كل مساعدة تمنحها للآخرين، كل سعادة تصنعها في شخص، كل ابتسامة، كل شربة ماء تسقيها ظمآن، كل بر تفعله لوالديك وأقربائك وأحبابك، وما إليها.. كل هذه أفعال تجعل من وعاءك يتّسع ليحوي هذا الكون الفسيح. يتسع حتى لا تأخذ الأشياء السيئة مكانًا فيك.. مكانًا في وعاءك!

هناك أشياء جميلة ورائعة في هذه الحياة قد تُحرم منها دون أن تشعر، أتدري لماذا؟ دعْ جبران يجيبك على هذا السؤال دون مراوغة: «المحبة عندما ترى فيك استحقاقًا لنعمتها هي من تتسلط على مسارات ومسالك حياتك». يا لهُ من وصف رائع وعميق، يبعث في القلوب العارية من الحُب والخاوية من المحبّة الروح لتراجع حساباتها، وتعيد الحُب القديم الذي سلبته الحياة ومسالكها الشائكة منّا وعلى مرأى من أعيننا.

يُحكى أن شابًا عانى كثيرًا في حياته، وقرّر أن يذهب إلى حكيم يساعده في بَليّته. وبعد أن وصل، وروى له معضلته، قال له الحكيم: خذ ملعقة من الملح وضعها في كوب من الماء، وحرّكه جيدًا، ثم اشربه. نفذ الشاب ما طُلب منه، وامتعض وجهه إشارة منه بأن الماء شديد الملوحة. أشار الحكيم حينها إلى نبع ماء، وقال: خذ ملعقة من الملح وضعها في هذا النبع. استجاب الشاب لهذا الطلب الغريب، وبعد أن وضع ملعقة من الملح في النبع، ذاق طعمه ووجده عذبًا زُلالاً، لا يكاد يظهر طعم الملح الذي وضعه. قال الحكيم حينها: يا بنيّ، ليست المشكلة في الملح، وإنما في الوعاء.. عليك أن تجعل الوعاء أكبر!

نعم عليك أن تجعل الوعاء أكبر، ولا تجعله ينكمش ويتقلّص بفعل كل ما هو دنيء، من كذب ونفاق وحقد وكراهية وبغضاء.. إنما هي تُضيّق عليك حياتك الواسعة، وتجعلها لا تتسع لشيء.. حتى نفسك التي تظن بأنها تسع هذا الكون الفسيح، هي في الحقيقة لا تسعه. ليس الذنب نفسك، إنما الذنب تصرّفات نفسك القبيحة التي غفلت عنها وتركتها تسْرح وتمْرح دون أن تكْبح جماحها.
يقول ميخائيل نعيمة على لسان ليوناردو مخاطبًا أحد رجال بديعته «لِقاء»: «ساعدني على تنقية الجوّ في هذه الغرفة.
- إن الهواء في الغرفة نقيّ، وها هي ذي نافذة مفتوحة.. أتريدني أن أفتح الأخرى؟
- بل أغلق النافذة المفتوحة وساعدني على تنقية الجوّ ممّا فيه من أفكارٍ سود، وحقد، وبغض، ورياء، وما إليها.. أما تشعر بثقلها؟!!»
جاوب، مع نفسك، بصدق ودون مراوغة: أما تشعر بثقلها؟ أما تشعر بأنها أخذت الكثير من أوقاتك الثمينة؟

يا صديقي، إنما نحن تحت سقفٍ واحد وفوق أرضٍ واحدة، يخنقنا هواء الحقد المنبعث من القلب الحقود، وينعشنا هواء البهجة المنبعث من القلب الودود. تسعدنا الأفعال الجميلة، وتحزننا الأفعال المشينة.
تعبر الأشياء من أمامنا بشكلٍ متوالٍ دون أن نشعر، لا هي التي عَرَفَتْ طريقها إلينا لنقبض عليها، ولا هي التي عرّفتنا بالطريق لنَعْبُر إليها.. يكمن الحل في عينيك إن كانت ترى بالحُب أم بالكراهية!

الوعاء وعاءك، لا أحد يمكنه أن يعبث فيه ويفسده، مالم تسمح له «أنت» بذلك. إن أردته بحجم هذه المجرّة العظيمة أمكنك ذلك، وإن أردته بحجم ثقب الإبرة الدقيقة أمكنك ذلك، وإن أردته بيْن بيْن أمكنك ذلك أيضًا.. لا أحد سيعيق فعلتك هذه إلا شخص وحيد ستتعجب منه ولا تتوقعه: إنه أنت!
إما أن تجعلك سعيد وفي داخلك عالَم فسيح..
وإما أن تجعلك تعيس ولا شيء تحمله في داخلك..
وإما أن تجعلك في منطقة رماديّة لا تعرف كنهها.. تقبع بين النور والظلام، بين السعادة والتعاسة!

وائل السالمي 17/6/2015

راقت لي