تَسْلِيَةُ الكَظِيمْ.
 

( وهي كلماتٌ تَحْكِي طَرفًا من معاناة كاتبِ هذه الأحرفِ مع أذى بعضِ الناس قَريبِهم وبعيدِهم. معاناة جَاوَزَتِ العشرين عاما ولا تزال. هذا وفي الناس أخيار وأفاضل. ولولاهم بعد فَضْلِ المنان. للاذ كاتبُ هذه الأحرف بقُلَلِ الجبال. حيث الوُعول والصُّخور التي تتفجر منها الأنهار. وحيثُ التَّفَكُّر والاعتبار )

بسم الله الرحمن الرحيم.
والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أحبابي الكرام:
الدنيا دار أكدار.والناسُ فيها على أَضْرُبْ.فأخيار وأشرار. وأذكياء وأغبياء. وأصحاب ذوق وثقلاء. فالبعض تُسْعِدُك رؤيته. وآخَرُ تُشقيكَ طَلَّتُه.وآخر يشرح الصدر. وآخر في رؤيته القفر. هي معادن..تبر. ورصاص. ونحاس. ( ونَحْسْ) هناك النجم وهناك الفحم. وهناك اللحم وهناك الورَم.وكُلُّنا تعرَّضَ للطعنات. وأشدُّها طعناتُ القريب..قد تكون ذُقتَ ذلك. قد أكون أنا( يقينا ذقتُ من ذلك صنوفا ولا أزال ) انطلاقا من بعض ماذقت أشارك أحبابي هذه الكلمات. عسى أن يكون فيها بعضُ التخفيف عن الذين استهدفتهم طعنات المكر والغدر. فهي سلوة المحزون. هذا وفي النبي صلى الله عليه وسلم عزاءٌ لكلِّ صاحب همٍّ وحَزَن. فقد آذاه القريب والبعيد. ولكنه فاز بِوَسْمِ ( إنا فتحنا لك ) صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أَيْ عَبْدَ الله: مَنْ عَاشَ بين دَفَّتي الكتاب مُجِيلا النظر. مُسْتَخرِجًا العبر. واصلا الخَتمَ بالإفتتاح. تَفَتَّقَت يَنابيعُ الحكمةِ من كل أنحائه وأحنائه. وأدركَ حقِيقةَ كلِّ شيء. واكتسب مناعةً ذاتيةً تجعله عَصِيًّا عن كل محاولاتِ وَخْزِه وإيذائه. لأنَّ معرفةَ الشيء قبل حصوله تُشكِّل طرفا مهما في تهوينه وتخفيفه ساعةَ حُصوله.
فالقرآن أخبر أن الدنيا دارُ امتحانٍ واختبار. والتَّعاطي مع هذا الإخبارِ القرءاني يجعلُ عنصرَ الفُجأة ينمحي. فإذا صُوِّبَتْ نَحْوَكَ سِهامُ الأذى. وَجَدَتْكَ على بينة من أنَّ الدنياهذه حالها. فلا غرابة إذن. وهكذا قِسْ على كل الأمور. قد تُبتلى وتُؤذى مِنْ إِخوانك من أَصْهارِك من أَصْحابِك من أقربِ الناس إليك. فتأتي سورة يوسف كأنها غمامةٌ فوق رأسك تمنحكَ الظِّل. وتواسيك وتُسلِّيك. فقد أراد إخوة يوسفَ بِيوسفَ الكيدَ فألقوهُ في جُبِّ الوحشة والذل. فإذا بهم يأتونه صاغرين قائلين( يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ) حينما أوذي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من ذلك الأعرابيِّ السليطِ اللسان. الذي اتَّهَم سيدَّنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بِعَدمِ العدلِ في القِسمة. سلَّى صلى الله عليه وسلم نفسه بقوله( يرحم الله أخي موسى. أوذي بأكثرَ من هذا فصبر ) هكذا شأنُ الكبارِ مع صنوف الإذاية. والتي في الغالب لا يتعرض لها إلا الكبار. إمَّا تشويشا أو حقدا أو غير ذلك من ألوان الإفلاس. التي هي من شيم أراذل الناس.
لا تَستغْرِب أيها الحبيب أذى الناس. فما الأمرُ إلا كما تَرى. وإن الكَثْرةَ الكاثِرة. في طريق الإذاية سائرة( وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك ) نعم. إن وَقْعَ الأذى الصادرِ مِمَّن كنتَ تَعُدُّهم للنَّائبات أمر عسير على النفس. يُرهقها وَيُعنتها. كما قال الشاعر:
وَظُلم ذوي القربى أشدُّ مضاضة # على المرء من وَقْعِ الحُسَامِ المُهنَّد..
ومع ذلك إياك أن تستغرب. كن مُتأهِّبا حتى لا يعْتريكَ الذُّهول المُفْضي إلى الذُّبول. ومِن ثَمَّ الأفول. لذلك فإنَّ القرآنَ حِصنٌ عظيم. يُمِدُّك بِحُقَنِ الإنْمَاءِ وَلِقَاحِ الإحتماء. مَنْ عاش في رِحابه. هانت عليه ضرباتُ التافهين. وطعناتُ الغادرين. وَتَلوُّناتُ المتلونين الزِّئْبَقِيين الذين عندهم استعدادٌ لأن يكونوا أيَّ شيء. الذين لا يُتْقِنونَ إلا الهمزَ واللمزَ في الخبايا. إذا رأوا وجهك رحَّبُوا. وإذا غِبتَ حاربوا. فبئس القوم وبئس الصنيع. والرقيع لا يجاوز رتبة الوضيع. إياك أيها الحبيب أن يستفِزَّك هؤلاء. فإنهم أهون وأوهن من بيت العنكبوت. وتعلَّقْ بالحيِّ الذي لا يَموت. ودَعْ كل حاقد بغِلِّهِ يموت( قل موتوا بغيظكم ) وَسِرْ في طريقك واثق الخُطى. معتمدا على الله. متعلقا به شاكيا إليه. فإنك إن راقبتَ الناس ومايقولون مِتَّ كَمَدا. أو عشت عيشا نَكِدا. فلا تبتئس بما يقولون ولا بما يفعلون.
نعم إن بشرية الإنسان تَجعلُه يقعُ أحيانا تحت وطأة الأذى. فيَضِيقُ الصدر. وهذا أمر فطري جِبِلِّي..فقد قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم( ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون. فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين ) يعلمنا القرآن أن نكون صادقين في اللَّجأِ إلى الله. في كل الأحوال. يسرا وعسرا. مَنْشَطًا وَمَكْرَهَا. فذلك التِّرياقُ الشافي. والغطاء الضَّافي. والعطاء الوافي. قد تُبتلى بأناس جهلة. ليس لهم لا في العير ولا في النفير. فسلاحك الأقوى ساعتَها هو الصبر والإعراض( وأعرض عن الجاهلين ) أو فَفِرَّ منهم فرارك من المجذوم. فاعتزال أهلِ الجهالات. من أعظم الرحمات.
ومن باب الطُّرَفْ .والطُّرَفُ مسموح بها عند من عَرَف. كما قال من سَلَف
وَرَوِّحِ النفس بذكر الطُّرَفْ/ فذاك مِنْ فِعلِ السلف..
يقول أحد الشعراء:
إذا جلس الثقيلُ إليك يوما: أتتك عقوبةٌ من كل باب.
فهل لك ياثقيلُ إلى خصالٍ: تنال ببعضها كَرَمَ المآب.
إلى مالي فتأخذَه جميعا: أحلَّ لديك من ماء السحاب..
وتنْتِفَ لِحيتي وتَدقَّ أنفي: ومافِيَّ من ضِرسٍ ونابِ..
على أن لا أراك ولا تراني: مقاطعةً إلى يوم الحساب..
أحسن ما يمكن أن يُقدِّمه إليك الجهول الحسود الثقيل. أن يريحك من النظر إليه. فتلك نعمة عظيمة. ومنة جليلة. كما قال شاعرنا المغربي. شاعر الحمراء رحمه الله..
أيها الثقلاء بالله فينا: اتقوا الله أيها الثقلاء.
اتقوا الله في قلوب ضِعافٍ: ليس لها سوى بُعْدِكم دواء..
اتقوا الله في عيون تراكم: أنتم والعمى لديها سواء..
هذا وفي الله عِوض عن الجميع..
مُدبِّرَ الكونِ أنت القصدُ والغَرضُ: وأنت عن كل ما فاتنا عِوضُ..
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..

محبكم وحافظ عهدكم وودكم عمر بن أحمد القزابري

رد: تَسْلِيَةُ الكَظِيمْ.
 

بارك الله فيك و نفعك و نفع بك

رد: تَسْلِيَةُ الكَظِيمْ.
 

جزاك الله خيرا