علمونا أن الطلاق فاجعة، وأنه أبغض الحلال عند الله، وموعد مع العناء والمشقة والوجع أخبرونا أن المُطلق إنسان فاشل، والمطلقة امرأة جاحدة، فاقدة للنضج، سيئة في كل أحوالها تواطأ المجتمع على أن يجعل من أمر الانفصال أزمة كبيرة، حيث يجب أن يعقبه سجالات في المحاكم، وتبادل للاتهامات، ومحاولات مضنية من كل معسكر كي يشوه المعسكر الآخر! وربما يحدث مرة أو مرتين طوال حياتنا أن نصادف حالة طلاق متحضر، قرر أطرافه أن يشق كل واحد منهم طريقه باحثاً عن بداية جديدة، محتفظين بأسرارهم، صارمين تجاه انتهاك أحد - مهما كان - لدائرة الخصوصية التي كانت تجمعهم يوماً ما! ومع تأكيدنا أن الطلاق حدث غير هيّن، وأننا لا يجب أن نستحضره أبداً إلا في حالة واحدة، نتأكد فيها من استحالة العِشرة، إلا أننا بحاجة إلى فهم أن للطلاق حكمة وأحكام! ذلك أن الطلاق هو خيار، شرعه الله سبحانه وتعالى حينما يرى الزوجين أن حياتهما معاً تخسرهما جزءا من هنائهم وراحتهم النفسية، هو طريق شائك قد نضطر للمضي فيه إذا ما كانت الطرق الأخرى مسدودة، حينما يقر في ضمير كل طرف أنه غير قادر على العطاء، غير قادر على التضحية، أو بالمعنى الفقهي &quotيخشى ألا يقيم حدود الله&quot المؤلم أن لا أحد يخبرنا بهذا أبداً، ربما نتفهم هروب الجميع من ذكر الطلاق والاستعاذة منه، ولكن ما الداعي لكل هذا المخزون من القسوة التي تنهال علينا حينما يمتلئ كأس الصبر عن آخره ونصرخ أن طاقتنا قد نفذت لماذا يجبرونا على أن نرتدي ثوب الضحية، ونتهم الطرف الآخر بكل منقصة كي نستطيع مواجهة المجتمع المتحفز لإصدار أحكامه علينا؟! لا يوجد عاقل من حولنا يخبرنا أن الطلاق وإن كان في حقيقته إعلان فشل للمشروع إلا أنه لا يعني بالضرورة فشل أصحابه في الحفاظ عليه!، ذلك أن مسببات انهيار الزواج كثيرة، منها الاختيار الخاطئ والذي بالمناسبة يتحمل جزءا من مسؤليته الأهل، وقد يكون السبب ظهور خلل في شخصية أحد الطرفين، وقد يقع أحد الشريكين في مأزق نفسي أو أخلاقي لا يستطيع أن يتعايش معه الطرف الآخر الطلاق مر، مؤلم، قاس، له ضرائب من الحزن والألم، لكنه قد يكون القرار الأكثر ذكائاً، وقد يكون إعلانه دليل على شجاعة أصحابه، فليس أسهل من أن نعيش حياة النكد على أن نملك جسارة التغيير! وأكرر، أن رؤيتي للطلاق أنه الحدث الذي يسعد به الشيطان، لا شيء يريح إبليس كأن يفض ميثاقاً غليظاً تم عقده على عين الله، وأشدد على أهمية أن نعمل جهدنا في لملمة الشمل ومحاولة الإصلاح، لكني أشدد كذلك على أننا لا يجب أن نكون عبئاً إضافياً على كاهل الجرحى يجب أن نحترم إرادة الناس في تقرير مصائرهم، وأن نساعدهم على تخطي الجرح والألم، ونشعرهم بثقتنا فيهم وبقدرتهم على تصحيح ما هم فيه بل يجب علينا ما هو أكثر من ذلك يجب أن نتعلم فن الانفصال!، وأدبيات الفراق! لا عجب، القرآن الكريم لمح لنا بذلك &quot فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ&quot، ولا أظن أبدأ أن مجتمعنا الذي يتشدق بتدينه الظاهر يعرف معنى التسريح بإحسان! لكننا بحاجة إلى فهمه، واستيعابه، والعمل به التسريح بإحسان يعني أن نكون كبار في عين أنفسنا، فلا نشيع ما كان بالأمس سراً في الصدر، ولا نهدم جداراً كنا نتكئ عليه يوماً حتى وإن خذلنا في بعض أو كثير من المواقف التسريح بإحسان يعني أن نكون بخلاء تجاه فضول المجتمع، ألا نروي عطشه للنميمة، ولا نسمح له بأن يفرض علينا أبجدياته العفنة التسريح بإحسان هو أن ننفصل بتحضر، ونفترق بلا لكمات، وندخر ما تبقى من جهد لأجل البداية الجديدة أن نحمي أفئدة الصغار - إن وجدوا - من أن تتشتت في الانتماء لأحد المعسكرين، ونقيهم شظايا المعركة، ونعمل جهدنا ألا نُصدر للحياة أبناء مليئين بالقهر والوجع علينا أن نفهم جيداً أن جزءا من انتمائنا لهذا الدين قائم على أن نُحكم تعاليمه في حياتنا، تعاليمه في الإمساك والتسريح، في الزواج والطلاق، في شقنا لطريق مشترك أو انفصالنا كي يشق كل واحد منا طريقه منفرداً أعلم أن هذا درب من الجهاد، سيما وأن الصمت قد يُترجم على أنه ضعف، وأصالة معدنا قد يراها من حولنا دليل على أننا لا نملك حجة الرد، وأننا ملومين ومتهمين لا بأس، في كل الأحوال لا خير يرتجى من الشكوى، ولن نجد داعماً في معركتنا سواء قلنا أو صمتنا غير أنه لا شيء يساوي أن تكون كبيراً في عين نفسك لا شيء أعظم من أن تكون إنساناً فاضلاً مترفعاً عن السقوط في فخ التفاهة والصغار لا شيء أفضل من أن تفرض قيمك الأصيلة على مجتمع زائف غير حقيقي لا شيء #كريم الشاذلي