منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد

منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد (https://hwazen.com/vb/index.php)
-   شعاع القران الكريم وعلومه (https://hwazen.com/vb/f28.html)
-   -   مبادىء المعاملات والآداب من القرآن الكريم - سلسلة متجددة (https://hwazen.com/vb/t15288.html)

امي فضيلة 02-09-2017 10:43 PM

رد: مبادىء المعاملات والآداب من القرآن الكريم - سلسلة متجددة
 
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الرابع والعشرون
( 5 )
وبعض أيات من سورة فصلت
استكمالا للقاء السابق - الذي تحدثنا فيه عن أهمية العلم والعلماء في الإسلام -
نتحدث اليوم إن شاء الله عن عوامل صيانة ذلك العلم من الإنحراف
وجعله في خدمة الإنسانية لا وبالا ودمارا عليها.
ويبدأ ذلك بإعلان أن كل ما بنا من نعم فمن الله وحده لا شريك له. فهو وحده
الوهاب والممد لكل المواهب والعلوم والمنعم برزق كل الكائنات.
ومع هذا اليقين يجب الإلتزام بالاستقامة على طريق الحق والعدل التي بينته
رسالة الله القرآن العظيم وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
وفي ظل تلك المبادئ والمعاملات والأخلاق والأداب ينعم المؤمن في الدنيا
وتتحقق له العزة والكرامة في هذا العالم المليئ بالمتناقضات.
ويعيش المؤمن في أنوار الاستقامة على شرع الله إلى أن تتنزل
عليه ملائكة الرحمة تبشره بالنعيم الأبدي .

إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا
وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ - 30 نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي
الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ – 31 نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ – 32


يخبر تعالى عن أوليائه، وفي ضمن ذلك، تنشيطهم، والحث على الاقتداء بهم، فقال:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾ أي: اعترفوا ونطقوا ورضوا بربوبية الله تعالى،
واستسلموا لأمره، ثم استقاموا على الصراط المستقيم، علمًا وعملاً، فلهم
البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
﴿ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ ﴾ الكرام، أي: يتكرر نزولهم عليهم، مبشرين لهم عند الاحتضار.
﴿ أَلَّا تَخَافُوا ﴾ على ما يستقبل من أمركم، ﴿ وَلَا تَحْزَنُوا ﴾ على ما مضى، فنفوا
عنهم المكروه الماضي والمستقبل،
﴿ وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾
فإنها قد وجبت لكم وثبتت، وكان وعد الله مفعولاً، ويقولون لهم أيضا -
مثبتين لهم، ومبشرين:
﴿ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ يحثونهم
في الدنيا على الخير، ويزينونه لهم، ويرهبونهم عن الشر، ويقبحونه في قلوبهم،
ويدعون الله لهم، ويثبتونهم عند المصائب والمخاوف، وخصوصًا عند الموت وشدته،
والقبر وظلمته، وفي القيامة وأهوالها، وعلى الصراط، وفي الجنة يهنئونهم بكرامة
ربهم، ويدخلون عليهم من كل باب
﴿ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ -24 الرعد ﴾
ويقولون لهم أيضا: ﴿ وَلَكُمْ فِيهَا ﴾ أي: في الجنة ﴿ مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ ﴾ قد أعد وهيئ.
﴿ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ﴾ أي: تطلبون من كل ما تتعلق به إرادتكم وتطلبونه من أنواع اللذات
والمشتهيات، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
﴿ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾ أي: هذا الثواب الجزيل، والنعيم المقيم، نُزُلٌ وضيافة ﴿ مِنْ غَفُورٍ ﴾
غفر لكم السيئات، ﴿ رَحِيمٌ ﴾ حيث وفقكم لفعل الحسنات، ثم قبلها منكم. فبمغفرته
أزال عنكم المحذور، وبرحمته، أنالكم المطلوب.

******
وهذه بعض النماذج لأقوال وأعمال المؤمنين ...

وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ – 33

هذا استفهام بمعنى النفي المتقرر أي: لا أحد أحسن قولا. أي: كلامًا وطريقة،
وحالة
﴿ مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ ﴾ بتعليم الجاهلين، ووعظ الغافلين والمعرضين
، ومجادلة المبطلين، بالأمر بعبادة الله، بجميع أنواعها،والحث عليها، وتحسينها
مهما أمكن، والزجر عما نهى الله عنه، وتقبيحه بكل طريق يوجب تركه، خصوصًا
من هذه الدعوة إلى أصل دين الإسلام وتحسينه، ومجادلة أعدائه بالتي هي أحسن،
والنهي عما يضاده من الكفر والشرك، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
ومن الدعوة إلى الله، تحبيبه إلى عباده، بذكر تفاصيل نعمه، وسعة جوده،
وكمال رحمته، وذكر أوصاف كماله، ونعوت جلاله.
ومن الدعوة إلى الله، الترغيب في اقتباس العلم والهدى من كتاب الله وسنة رسوله،
والحث على ذلك، بكل طريق موصل إليه، ومن ذلك، الحث على مكارم الأخلاق،
والإحسان إلى عموم الخلق، ومقابلة المسيء بالإحسان، والأمر بصلة الأرحام، وبر الوالدين.
ومن ذلك، الوعظ لعموم الناس، في أوقات المواسم، والعوارض، والمصائب،
بما يناسب ذلك الحال، إلى غير ذلك، مما لا تنحصر أفراده، مما تشمله الدعوة
إلى الخير كله، والترهيب من جميع الشر.
ثم قال تعالى:
﴿ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴾ أي: مع دعوته الخلق إلى الله، بادر هو بنفسه،
إلى امتثال أمر الله، بالعمل الصالح، الذي يُرْضِي ربه.
﴿ وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ أي:
المنقادين لأمره، السالكين في طريقه، وهذه مرتبة الصديقين.

*******
والمؤمن ليس عنده الوقت ليقابل السيئة بالسيئة , فهو صاحب مهمة أكبر
في هذا الوجود , وهي أشرف مهمة تتعلق بجذب القلوب لتعريفهم
برسالة الله تعالى ودعوتهم إلى الخير.

وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي
بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ – 34
وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ – 35
وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ – 35
﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ﴾ أي: لا يستوي فعل الحسنات والطاعات
لأجل رضا الله تعالى، ولا فعل السيئات والمعاصي التي تسخطه ولا ترضيه،
ولا يستوي الإحسان إلى الخلق، ولا الإساءة إليهم، لا في ذاتها، ولا في وصفها،
ولا في جزائها
﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ – 60 الرحمن ﴾
ثم أمر بإحسان خاص، له موقع كبير، وهو الإحسان إلى من أساء إليك، فقال
:
﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
أي: فإذا أساء إليك مسيء من الخلق، خصوصًا من له
حق كبير عليك، كالأقارب، والأصحاب، ونحوهم، إساءة بالقول أو بالفعل، فقابله
بالإحسان إليه، فإن قطعك فَصلْهُ، وإن ظلمك، فاعف عنه، وإن تكلم فيك، غائبًا
أو حاضرًا، فلا تقابله، بل اعف عنه، وعامله بالقول اللين. وإن هجرك، وترك خطابك،
فَطيِّبْ له الكلام، وابذل له السلام، فإذا قابلت الإساءة بالإحسان، حصل فائدة عظيمة.
﴿ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ أي: كأنه قريب شفيق.
﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا ﴾ أي: وما يوفق لهذه الخصلة الحميدة ﴿ إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا ﴾ نفوسهم
على ما تكره، وأجبروها على ما يحبه الله، فإن النفوس مجبولة على مقابلة المسيء
بإساءته وعدم العفو عنه، فكيف بالإحسان؟".
فإذا صبر الإنسان نفسه، وامتثل أمر ربه، وعرف جزيل الثواب، وعلم أن مقابلته للمسيء
بجنس عمله، لا يفيده شيئًا، ولا يزيد العداوة إلا شدة، وأن إحسانه إليه، ليس بواضع
قدره، بل من تواضع للّه رفعه، هان عليه الأمر، وفعل ذلك بطيب خاطر.
﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ لكونها من خصال خواص الخلق، التي ينال بها
العبد الرفعة في الدنيا والآخرة، التي هي من أكبر خصال مكارم الأخلاق.
*******

وإلى الجزء التالي إن شاء الله تعالى


امي فضيلة 02-09-2017 10:52 PM

رد: مبادىء المعاملات والآداب من القرآن الكريم - سلسلة متجددة
 
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الخامس و العشرون
(1)
وبعض أيات من سورة الشورى


شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ
وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ
وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ , كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ, اللَّهُ
يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ – 13


لقد جاء في مطلع السورة قوله تعالى : كذلك يوحي
إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم...
فكانت هذه إشارة إجمالية إلى وحدة المصدر , ووحدة المنهج ,
ووحدة الاتجاه . وهنا يقرر أن ما شرعه الله للمسلمين هو -
في عمومه - ما وصى به نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى .
وهو أن يقيموا دين الله الواحد , ولا يتفرقوا فيه . ويرتب
عليها نتائجها من وجوب الثبات على المنهج الإلهي القديم ,
دون التفات إلى أهواء المختلفين .
والدين هو المنهاج أو الدستور للدولة بما تحويه من قوانين
ولوائح, ونفهم ذلك من الأية الكريمة
( لكم دينكم ولي دين )
فهل للكافرين دين ؟ نعم لهم دين يحكم تحركاتهم متمثل
في القوانين المطبقة لديهم , بعيدة كانت أو قريبة من شريعة الإسلام .
وللمسلمين دين أي شريعة تحكم تصرفاتهم وتبنى عليها
كافة المعاملات . والفرق كبير بين دين الله تعالى ودين البشر.
فشريعة الله رغم كونها تحكم جميع التصرفات للإنسان
الظاهرة , فهي أيضا تحكم ضميره حيث تجعل منه رقيبا على
تصرفاته, قال تعالى في سورة المجادلة :
أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ,
مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ
وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا, ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ
بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ, إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ - 7

بينما لا يوجد ذلك في شرائع البشر , وبالتالي كثرت الجرائم الأخلاقية بينهم .
ولهذا كان الأمر بإقامة الدين, أي شريعة الله المتثلة في
العبادات والمعاملات حسب التقسيمات الفقهية ,
والإجتهاد في جعل التشريعات المستحدثة تسير وفق هذه الشريعة الغراء.
وهذه أكبر منة أنعم الله بها على عباده، أن شرع لهم من
الدين خير الأديان وأفضلها، وأزكاها وأطهرها، دين الإسلام،
الذي شرعه الله للمصطفين المختارين من عباده، بل شرعه
الله لخيار الخيار، وصفوة الصفوة، وهم أولو العزم من المرسلين
المذكورون في هذه الآية، أعلى الخلق درجة، وأكملهم من كل وجه،
فالدين الذي شرعه الله لهم، لا بد أن يكون مناسبا لأحوالهم،
موافقا لكمالهم، بل إنما كملهم الله واصطفاهم، بسبب
قيامهم به، فلولا الدين الإسلامي، ما ارتفع أحد من الخلق،
فهو روح السعادة، وقطب رحى الكمال، وهو ما تضمنه هذا
الكتاب الكريم، ودعا إليه من التوحيد والأعمال والأخلاق والآداب.
فقد جاء الإسلام لينقذ البشرية كلها مما انتهت إليه من انحلال
وفساد واضطهاد . وجاء لهداية البشرية يدلها الطريق إلى
الله على هدى وعلى نور . فتم تحرير الشعوب المستضعفة
في معظم الأرض وأصبحت الشمس لا تغيب عن أرض الإسلام .
وكان ذلك في ظل إقامة الدين الإسلامي الذي هو شريعة
الله تنظم حياة البشر وتحقق العدل والمساواة بين الناس
ولا تجبر إنسان على الدخول في الإسلام بل تحميهم وتحمي
أماكن عبادتهم , وتنشر نور الإسلام في حرية , فدخل
الناس في دين الله أفواجا.
ولهذا قال تعالى :
﴿ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ﴾ أي: أمركم أن تقيموا
جميع شرائع الدين أصوله وفروعه، تقيمونه بأنفسكم، وتجتهدون
في إقامته على غيركم، وتعاونون على البر والتقوى ولا تعاونون
على الإثم والعدوان.
﴿ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ﴾ أي: ليحصل منكم الاتفاق
على أصول الدين وفروعه، واحرصوا على أن لا تفرقكم المسائل
وتحزبكم أحزابا، وتكونون شيعا يعادي بعضكم بعضا مع اتفاقكم
على أصل دينكم.
ومن أنواع الاجتماع على الدين وعدم التفرق فيه، ما أمر به
الشارع من الاجتماعات العامة، كاجتماع الحج والأعياد،
والجمع والصلوات الخمس والجهاد، وغير ذلك من العبادات
التي لا تتم ولا تكمل إلا بالاجتماع لها وعدم التفرق.
﴿ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْه ﴾ أي: شق عليهم غاية
المشقة، حيث دعوتهم إلى الإخلاص للّه وحده، كما قال عنهم
:﴿ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ
بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾45 الزمر

﴿ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾ أي يختار من خليقته من يعلم
أنه يصلح للاجتباء لرسالته وولايته ومنه أن اجتبى هذه الأمة
وفضلها على سائر الأمم، واختار لها أفضل الأديان وخيرها.
﴿ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ﴾ هذا السبب الذي من العبد، يتوصل
به إلى هداية الله تعالى، وهو إنابته لربه، وانجذاب دواعي
قلبه إليه، وكونه قاصدا وجهه، فحسن مقصد العبد مع اجتهاده
في طلب الهداية، من أسباب التيسير لها، كما قال تعالى:
﴿ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ ﴾16 المائدة
وفي هذه الآية، أن الله
﴿ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ﴾ .
مع العلم بأحوال الصحابة رضي الله عنهم، وشدة إنابتهم،
دليل على أن قولهم حجة، خصوصا الخلفاء الراشدين،
رضي الله عنهم أجمعين.

*******

وَمَا تَفَرَّقُوا إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ
سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا
الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ - 14
فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ
بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ
لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ
بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ – 15


لما أمر تعالى باجتماع المسلمين على دينهم، ونهاهم عن
التفرق، أخبرهم: أنكم لا تغتروا بما أنزل الله عليكم من الكتاب،
فإن أهل الكتاب لم يتفرقوا حتى أنزل الله عليهم الكتاب الموجب
للاجتماع، ففعلوا ضد ما يأمر به كتابهم، وذلك كله بغيا وعدوانا
منهم، فإنهم تباغضوا وتحاسدوا، وحصلت بينهم المشاحنة
والعداوة، فوقع الاختلاف، فاحذروا أيها المسلمون
أن تكونوا مثلهم.
﴿ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ ﴾ أي: بتأخير العذاب القاضي
﴿ إلى أجل مسمى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ﴾ ولكن حكمته وحلمه، اقتضى
تأخير ذلك عنهم.
﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ ﴾ أي:
الذين ورثوهم وصاروا خلفا لهم ممن ينتسب إلى العلم منهم
﴿ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ ﴾ أي: لفي اشتباه كثير يوقع في الاختلاف،
حيث اختلف سلفهم بغيا وعنادا، فإن خلفهم اختلفوا شكا وارتيابا،
والجميع مشتركون في الاختلاف المذموم.
﴿ فَلِذَلِكَ فَادْعُ ﴾ أي: فللدين القويم والصراط المستقيم، الذي
أنزل الله به كتبه وأرسل رسله، فادع إليه أمتك وحضهم عليه،
وجاهد عليه، من لم يقبله،
﴿ وَاسْتَقِمْ ﴾ بنفسك ﴿ كَمَا أُمِرْتَ ﴾ أي:
استقامة موافقة لأمر الله، لا تفريط ولا إفراط، بل امتثالا لأوامر الله
واجتنابا لنواهيه، على وجه الاستمرار على ذلك.
ومن المعلوم أن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أمر لأمته
إذا لم يرد تخصيص له.
﴿ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ﴾ أي: أهواء المنحرفين عن الدين، من
الكفرة والمنافقين .
﴿ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ ﴾ أي: لتكن مناظرتك لهم مبنية
على هذا الأصل العظيم، الدال على شرف الإسلام وجلالته وهيمنته
على سائر الأديان .
وقوله تعالى:
﴿ وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ ﴾ أي: في الحكم
فيما اختلفتم فيه.
﴿ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ﴾ أي: هو رب الجميع، لستم بأحق به منا.
﴿ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ﴾
من خير وشر ﴿ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ﴾ أي:
بعد ما تبينت الحقائق، واتضح الحق من الباطل، والهدى
من الضلال، لم يبق للجدال والمنازعة محل.
﴿ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ يوم القيامة، فيجزي كلا بعمله،
ويتبين حينئذ الصادق من الكاذب.

********

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى


امي فضيلة 02-09-2017 11:01 PM

رد: مبادىء المعاملات والآداب من القرآن الكريم - سلسلة متجددة
 
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الخامس و العشرون
(2)
وبعض أيات من سورة الشورى


فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ
وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ - 36
وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ - 37
وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ
وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ - 38
وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ – 39


تقرر الآيات السابقة ثلاثة مبادئ هامة لبناء المجتمعات المتحضرة..
أولا . طهارة الأفراد , بالزهد وإجتناب الكبائر والفواحش.
ثانيا . الاستجابة لأوامر الله تعالى وعلى رأسها إقامة الصلاة
وتفعيل أوقاتها كما ذكرنا من قبل , ثم تفعيل مبدء الشورى
كأهم مبدء في تسير أمور الدول والمجتمعات... ثم النهوض
بالجانب الأقتصادي بحيث يزيد وتنفق على الفقراء سواء في
مجتمعك أو للأمم الفقيرة وتحبيبهم في الإسلام .
ثالثا . يترتب على المبدئين السابقين العزة والنصر للأمة الإسلامية.

*******



فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى
لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ - 36 وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ
الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ - 37


هذا تزهيد في الدنيا وترغيب في الآخرة، وذكر الأعمال الموصلة
إليها فقال:
﴿ فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾ من ملك ورياسة، وأموال
وبنين، وصحة وعافية بدنية.
﴿ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ لذة منغصة منقطعة.
﴿ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ ﴾ من الثواب الجزيل، والأجر الجليل، والنعيم المقيم
﴿ خَيْرٌ ﴾ من لذات الدنيا، خيرية لا نسبة بينهما ﴿ وَأَبْقَى ﴾ لأنه نعيم
لا منغص فيه ولا كدر، ولا انتقال.
ثم ذكر لمن هذا الثواب فقال:
﴿ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ أي:
جمعوا بين الإيمان الصحيح، المستلزم لأعمال الإيمان الظاهرة
والباطنة، وبين التوكل الذي هو أساس لكل عمل، فكل عمل
لا يصحبه التوكل غير تام.
والتوكل هو الاعتماد بالقلب على الله في جلب ما يحبه العبد،
ودفع ما يكرهه, مع الثقة به تعالى.
﴿ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثْمِ وَالْفَوَاحِشَ ﴾ والفرق بين الكبائر
والفواحش - مع أن جميعهما كبائر- أن الفواحش هي الذنوب
الكبار التي في النفوس داع إليها، كالزنا ونحوه، والكبائر
ما ليس كذلك، هذا عند الاقتران، وأما مع إفراد كل منهما
عن الآخر فإن الآخر يدخل فيه.
﴿ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ﴾ أي: قد تخلقوا بمكارم الأخلاق
ومحاسن الشيم، فصار الحلم لهم سجية، وحسن الخلق لهم طبيعة
حتى إذا أغضبهم أحد بمقاله أو فعاله، كظموا ذلك الغضب فلم
ينفذوه، بل غفروه، ولم يقابلوا المسيء إلا بالإحسان والعفو والصفح.
فترتب على هذا العفو والصفح، من المصالح ودفع المفاسد
في أنفسهم وغيرهم شيء كثير، كما قال تعالى:
﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ – 34
وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ – 35 فصلت ﴾


*****
مبدأ الشورى

وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى
بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ - 38

﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ ﴾
أي: انقادوا لطاعته، ولبَّوْا دعوته،
وصار قصدهم رضوانه، وغايتهم الفوز بقربه.
﴿ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾
﴿ وَأَمْرُهُمْ ﴾ الديني والدنيوي ﴿ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾ أي: لا يستبد
أحد منهم برأيه في أمر من الأمور المشتركة بينهم، وهذا لا يكون
إلا فرعا عن اجتماعهم وتوالفهم وتواددهم وتحاببهم وكمال
عقولهم، أنهم إذا أرادوا أمرا من الأمور التي تحتاج إلى إعمال
الفكر والرأي فيها، اجتمعوا لها وتشاوروا وبحثوا فيها، حتى
إذا تبينت لهم المصلحة، انتهزوها وبادروها، وذلك كالرأي
في مصالح البلاد العليا والدفاع والجهاد لصد المعتدين،
وإعداد الميزانيات المالية لجميع القطاعات بحيث ينشأ التوازن
لتلبية الحاجات الملحة للإنسان من التطوير والبحث العلمي
والتصنيع الثقيل كتصنيع الطائرات والبوارج البحرية والغواصات
والتعمير وتوفير المساكن والخدمات اللازمة من طعام وشراب
والعمل على التنمية المستمرة في مجال إنشاء المدن وشبكات
الطرق والعمل على صيانتها, وتولية الموظفين لإمارة أو قضاء،
أو غيره، وكالبحث في المسائل الدينية عموما، فإنها من الأمور
المشتركة، والبحث فيها لبيان الصواب مما يحبه الله،
وهو داخل في هذه الآية.
والشورى كأهم مبدأ تنادي به اليوم الدول المتحضرة تحت
مسمى الديمقرطية , وجد في الإسلام منذ 15 قرن كمعيار
من أهم معاير الحكم في الإسلام القائم على الشورى وعدم الاستبداد بالرأي.
وقد أمر الله تعالى نبيه بالإلتزام بذلك المبدأ كي يكون
ملزما للأمة من بعده فقال تعالى :
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ
لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ
فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُتَوَكِّلِينَ – 159 ال عمران ﴾

﴿وشاورهم في الأمر﴾ أي: الأمور التي تحتاج إلى استشارة
ونظر وفكر، فإن في الاستشارة من الفوائد والمصالح
الدينية والدنيوية ما لا يمكن حصره:
منها: أن المشاورة من العبادات المتقرب بها إلى الله.
فإن من له الأمر على الناس -إذا جمع أهل الرأي: والفضل
وشاورهم في حادثة من الحوادث- اطمأنت نفوسهم وأحبوه،
وعلموا أنه ليس بمستبد عليهم، وإنما ينظر إلى المصلحة الكلية
العامة للجميع، فبذلوا جهدهم ومقدورهم في طاعته، لعلمهم
بسعيه في مصالح العموم، بخلاف من ليس كذلك، فإنهم
لا يكادون يحبونه محبة صادقة، ولا يطيعونه وإن أطاعوه فطاعة غير تامة.
ومنها: أن في الاستشارة تنور الأفكار، بسبب إعمالها فيما
وضعت له، فصار في ذلك زيادة للعقول.
ومنها: ما تنتجه الاستشارة من الرأي: المصيب، فإن المشاور
لا يكاد يخطئ في فعله، وإن أخطأ أو لم يتم له مطلوب،
فليس بملوم، فإذا كان الله يقول لرسوله -صلى الله عليه وسلم-
وهو أكمل الناس عقلا، وأغزرهم علما، وأفضلهم رأيا-:
﴿ وشاورهم في الأمر ﴾ فكيف بغيره؟!
ثم قال تعالى:
﴿ فإذا عزمت ﴾ أي: على أمر من الأمور بعد
الاستشارة فيه، إن كان يحتاج إلى استشارة
﴿ فتوكل على الله ﴾ أي:
اعتمد على حول الله وقوته، متبرئا من حولك وقوتك،
﴿ إن الله يحب المتوكلين ﴾ عليه، اللاجئين إليه.

*******

وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ – 39

﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ ﴾ أي: وصل إليهم من أعدائهم
﴿ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾ لقوتهم وعزتهم، ولم يكونوا أذلاء عاجزين عن الانتصار.
فوصفهم بالإيمان، وعلى الله، واجتناب الكبائر والفواحش
الذي تكفر به الصغائر، والانقياد التام، والاستجابة لربهم، وإقامة الصلاة،
والمشاورة في أمورهم ، والإنفاق في وجوه الإحسان ، والقوة
والانتصار على أعدائهم، فهذه خصال الكمال قد جمعوها
فحق لهم النصر والعزة والسعادة في الدنيا والأخرة.

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

امي فضيلة 02-09-2017 11:09 PM

رد: مبادىء المعاملات والآداب من القرآن الكريم - سلسلة متجددة
 
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الخامس و العشرون
(3)
وبعض أيات من سورة الشورى


وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ - 40
وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ – 41
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ
أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ – 42 وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ – 43


ومازالت المبادئ تتوالى مع سورة الشورى, ونعيش فيها مع مبدء العفو والانتصار للحق
وعدم الظلم ثم نختم بمبدء الصبر والغفران لمن أساء من غير ضعف ولا تفريط للعدالة.


ذكر الله في هذه الآية، مراتب العقوبات، وأنها على ثلاث مراتب: عدل وفضل وظلم.

1- مرتبة العدل

جزاء السيئة بسيئة مثلها، لا زيادة ولا نقص، فالنفس بالنفس، وكل جارحة
بالجارحة المماثلة لها، والمال يضمن بمثله.


2- مرتبة الفضل

وهي العفو والإصلاح عن المسيء، ولهذا قال:
﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾
يجزيه أجرا عظيما، وثوابا كثيرا، وشرط الله في العفو الإصلاح فيه، ليدل ذلك على
أنه إذا كان الجاني لا يليق العفو عنه، وكانت المصلحة الشرعية تقتضي عقوبته،
فإنه في هذه الحال لا يكون مأمورا به.

وفي جعل أجر العافي على الله ما يحث على العفو، وأن يعامل المؤمن غيره من
الخلق بما يحب أن يعامله الله به، فكما يحب أن يعفو الله عنه، فَلْيَعْفُ عنهم، وكما
يحب أن يسامحه الله، فليسامحهم، فإن الجزاء من جنس العمل.


3- مرتبة الظلم

وأما مرتبة الظلم فقد ذكرها بقوله:
﴿ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ الذين يعتدون على غيرهم
ابتداء، أو يقابلون الجاني بأكثر من جنايته، فالزيادة ظلم.

﴿ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ ﴾ أي: انتصر ممن ظلمه بعد وقوع الظلم عليه
﴿ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ﴾ أي: لا حرج عليهم في ذلك.
فالذي ينتصر بعد ظلمه , ويجزي السيئة بالسيئة , ولا يعتدي , ليس عليه من جناح .
وهو يزاول حقه المشروع . فما لأحد عليه من سلطان . ولا يجوز أن يقف في طريقه أحد .
إنما الذين يجب الوقوف في طريقهم هم الذين يظلمون الناس , ويبغون في الأرض بغير الحق .

فإن الأرض لا تصلح وفيها ظالم لا يقف له الناس ليكفوه ويمنعوه من ظلمه ;
وفيها باغ يجور ولا يجد من يقاومه ويقتص منه .

والله يتوعد الظالم الباغي بالعذاب الأليم . ولكن على الناس كذلك أن
يقفوا له ويأخذوا عليه الطريق.

﴿ إِنَّمَا السَّبِيلُ ﴾ أي: إنما تتوجه الحجة بالعقوبة الشرعية ﴿ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ
وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾
وهذا شامل للظلم والبغي على الناس، في دمائهم
وأموالهم وأعراضهم.
﴿ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ أي: موجع للقلوب والأبدان،
بحسب ظلمهم وبغيهم.


وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ – 43

ومجموعة النصوص في هذه القضية تصور الاعتدال والتوازن بين الاتجاهين ;
وتحرص على صيانة النفس من الحقد والغيظ , ومن الضعف والذل , ومن الجور والبغي ,
وتعلقها بالله ورضاه في كل حال . وتجعل الصبر زاد الرحلة الأصيل .

ومجموعة صفات المؤمنين ترسم طابعاً مميزاً للأمة التي تقود البشرية وترجو
ما عند الله وهو خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون.


﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ ﴾ على ما يناله من أذى الخلق ﴿ وَغَفَرَ ﴾ لهم، بأن سامح لهم عما يصدر منهم،
﴿ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ أي: لمن الأمور التي حث الله عليها وأكدها، وأخبر أنه
لا يلقاها إلا أهل الصبر والحظوظ العظيمة، ومن الأمور التي لا يوفق لها إلا
أولو العزائم والهمم، وذوو الألباب والبصائر.

فإن ترك الانتصار للنفس بالقول أو الفعل، من أشق شيء عليها، والصبر على الأذى،
والصفح عنه، ومغفرته، ومقابلته بالإحسان، أشق وأشق، ولكنه يسير على من يسره
الله عليه، وجاهد نفسه على الاتصاف به، واستعان الله على ذلك، ثم إذا ذاق العبد
حلاوته، ووجد آثاره، تلقاه برحب الصدر، وسعة الخلق.

قال تعالى:
وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ
عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ – 34 وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ – 35 فصلت

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

امي فضيلة 02-09-2017 11:14 PM

رد: مبادىء المعاملات والآداب من القرآن الكريم - سلسلة متجددة
 

بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الخامس و العشرون
(4)
وبعض أيات من سورة الزخرف



أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً
وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ - 32
وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً
مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ – 33 وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ – 34
وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ – 35


مبدأ التكامل وحقيقة السنن الإلهية.

ومبدأ التكامل بين البشر يقتضي أن يسخر الجميع لخدمة الجميع. وليس كما نرى
من مبادئ البشر خدمة طبقة لصالح طبقة. أو استعلاء طبقة على طبقة ,
أو استعلاء فرد على فرد . . . إن كل البشر مسخر بعضهم لبعض . والأرض تدور
بالجميع , والتفاوت في الرزق هو الذي يسخر هذا لذاك , ويسخر ذاك لهذا في دورة الحياة .
العامل مسخر للمهندس ومسخر لصاحب العمل . والمهندس مسخر للعامل
ولصاحب العمل . وصاحب العمل مسخر للمهندس وللعامل على السواء . .
وكلهم مسخرون للخلافة في الأرض بهذا التفاوت في المواهب والاستعدادات ,
والتفاوت في الأعمال والأرزاق . .

إن الإسلام يقرر الحقائق الخالدة المركوزة في فطرة هذا الوجود ; الثابتة ثبات
السماوات والأرض ونواميسها التي لا تختل ولا تتزعزع .
وطبيعة هذه الحياة البشرية قائمة على أساس التفاوت في مواهب الأفراد
والتفاوت فيما يمكن أن يؤديه كل فرد من عمل ; والتفاوت في مدى اتقان هذا العمل .
وهذا التفاوت ضروري لتنوع الأدوار المطلوبة للخلافة في هذه الأرض .
ولو كان جميع الناس نسخاً مكرورة ما أمكن أن تقوم الحياة في هذه الأرض بهذه الصورة .
ولبقيت أعمال كثيرة جداً لا تجد لها مقابلاً من الكفايات , ولا تجد من يقوم بها -
والذي خلق الحياة وأراد لها البقاء والنمو , خلق الكفايات والاستعدادات متفاوتة
تفاوت الأدوار المطلوب أداؤها .
ذلك شأن الرزق والمعاش في هذه الحياة الدنيا . ووراء ذلك رحمة الله تعالى.

( وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ )

والله يختار لهذه الرحمة من يشاء , ممن يعلم أنهم لها أهل . ولا علاقة بينها وبين
عرض الحياة الدنيا ; ولا صلة لها بقيم هذه الحياة الدنيا . فهذه القيم عند الله
زهيدة زهيدة . ومن ثم يشترك فيها الأبرار والفجار , وينالها الصالحون والطالحون .
بينما يختص برحمته المختارين. .
وإن قيم هذه الأرض لمن الزهادة والرخص بحيث - لو شاء الله - لأغدقها إغداقاً
على الكافرين به . ذلك إلا أن تكون فتنة للناس , تصدهم عن الإيمان بالله.

وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً
مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ – 33 وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ – 34
وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ – 35


فهكذا - لولا أن يفتتن الناس . والله أعلم بضعفهم وتأثير عرض الدنيا في قلوبهم -
لجعل لمن يكفر بالرحمن صاحب الرحمة الكبيرة العميقة - بيوتاً سقفها من فضة ,
وسلالمها أو مصاعدها من ذهب. بيوتاً ذات أبواب كثيرة . قصورا . فيها سرر للاتكاء ,
وفيها زخرف للزينة . . رمزاً لهوان هذه الفضة والذهب والزخرف والمتاع ; بحيث
تبذل هكذا رخيصة لمن يكفر بالرحمن.
( وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )
متاع زائل , لا يتجاوز حدود هذه الدنيا . ومتاع زهيد يليق بالحياة الدنيا
( وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ )
وهؤلاء هم المكرمون عند الله بتقواهم ; فهو يدخر لهم ما هو أكرم وأبقى ;
ويؤثرهم بما هو أقوم وأغلى . ويميزهم على من يكفر بالرحمن ممن يبذل
لهم من ذلك المتاع الرخيص ما يبذله للحيوان.
وإن عرض الحياة الدنيا الذي ضرب الله له بعض الأمثال من المال والزينة والمتاع
ليفتن الكثيرين . وأشد الفتنة حين يرونه في أيدي الفجار , ويرون أيادي الأبرار منه خالية ;
أو يرون هؤلاء في عسر أو مشقة أو ابتلاء , وأولئك في قوة وثروة وسطوة واستعلاء .
والله يعلم وقع هذه الفتنة في نفوس الناس . ولكنه يكشف لهم عن زهادة هذه
القيم وهوانها عليه ; ويكشف لهم كذلك عن نفاسة ما يدخره للأبرار الأتقياء عنده .
والقلب المؤمن يطمئن لاختيار الله للأبرار وللفجار.
فزخارف الدنيا لا تدل على قربى من الله تعالى ولا تنبىء عن رضى , ولا تشي باختيار.

وفي الحديث القدسي :
من أصبح منكم معافى في جسده آمنا في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا.
الراوي: عبيد الله بن محصن الأنصاري
- المصدر: صحيح ابن ماجه - لصفحة أو الرقم: 3357
خلاصة حكم المحدث: حسن


وهكذا يضع القرآن الأمور في نصابها ; ويكشف عن سنن الله في توزيع الأرزاق
في الدنيا والآخرة ; ويقرر حقيقة القيم كما هي عند الله ثابتة .


******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

امي فضيلة 02-11-2017 09:07 PM

رد: مبادىء المعاملات والآداب من القرآن الكريم - سلسلة متجددة
 
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الخامس و العشرون
(5)
وبعض أيات من سورة الدخان

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, حم - 1 وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ – 2

إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ – 3

فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ – 4 أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ – 5

رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ – 6

رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ – 7

لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ – 8


والليلة المباركة التي أنزل فيها القرآن هي - والله أعلم -

الليلة التي بدأ فيها نزوله ; وهي إحدى ليالي رمضان , الذي قيل فيه:

( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ).

وكانت هذه الليلة موعد هذا الاتصال المبارك .
قال تعالى:
إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ-1 وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ -2
لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ -3 تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا
بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ -4 سَلاَمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ - 5


وهي ليلة بدء نزول هذا القرآن على قلب نبينا محمد ـ
صلى الله عليه وأله وسلم ـ ليلة ذات الحدث العظيم الذي
لم تشهد الأرض مثله في عظمته، وفي دلالته، وفي آثاره
في حياة البشرية جميعاً . والعظمة التي لا يحيط بها الإدراك البشري.


وإنها لمباركة حقاً تلك الليلة التي يفتح فيها ذلك الفتح
على البشرية , والتي يبدأ فيها استقرار هذا المنهج الإلهي
في حياة البشر ; والتي يتصل فيها الناس بالنواميس
الكونية الكبرى مترجمة في هذا القرآن ترجمة يسيرة ,
تستجيب لها الفطرة السليمة ; وتقيم على اساسها عالماً
إنسانياً مستقراً على قواعد الفطرة واستجاباتها , متناسقاً
مع الكون الذي يعيش فيه , طاهراً نظيفاً كريماً ;
يعيش فيه الإنسان على الأرض موصولاً بالسماء في كل حين.
ولقد عاش الذين أنزل القرآن لهم أول مرة فترة عظيمة
في كنف السماء , موصولين مباشرة بالله ; يطلعهم أولاً
بأول على ما في نفوسهم ; ويشعرهم أولاً بأول بأن عينه
عليهم , ويحسبون هم حساب هذه الرقابة , وحساب هذه الرعاية
, في كل حركة وكل هاجسة تخطر في ضمائرهم ; ويلجأون
إليه أول ما يلجأون , واثقين أنه قريب مجيب. وقد انسحب
ذلك الإيمان في كل معاملاتهم وأخلاقهم .
ومضى ذلك الجيل وبقي بعده القرآن كتاباً مفتوحاً موصولاً
بالقلب البشري , يصنع به حين يتفتح له ما صنعه في قلوب
المؤمنين الأوائل ; خير أمة أخرجت للناس , نشروا رسالة
ربهم في ربوع الأرض في أقل من ثلاثين سنة , مع السيادة
المطلقة كدولة أولى في العالم استمرت أكثر
من عشرة قرون متتالية,
وبقي هذا القرآن منهجاً واضحاً كاملاً صالحاً لإنشاء حياة إنسانية
نموذجية في كل بيئة وفي كل زمان . حياة إنسانية تعيش
في بيئتها وزمانها في نطاق ذلك المنهج الإلهي المتميز
الطابع , بكل خصائصه دون تحريف . وهذه سمة المنهج
الإلهي وحده . الذي يحمل طابع الدوام والكمال , والصلاحية
المستمرة وتلبية الحاجات في كل ظرف وفي كل حين .
أنزل الله هذا القرآن في هذه الليلة المباركة . .
أولاً للإنذار والتحذير:
( إنا كنا منذرين ). فالله يعلم غفلة هذا الإنسان
ونسيانه وحاجته إلى الإنذار والتنبيه .
وهذه الليلة المباركة بنزول هذا القرآن كانت فيصلاً وفارقاً بهذا التنزيل:
( فيها يفرق كل أمر حكيم )
وقد فرق فيها بهذا القرآن في كل أمر , وفصل فيها كل شأن ,
وتميز الحق الخالد والباطل الزاهق , ووضعت الحدود ,
وأقيمت المعالم لرحلة البشرية كلها بعد تلك الليلة إلى يوم الدين ;
فلم يبق هناك أصل من الأصول التي تقوم عليها الحياة غير واضح .
فالقرآن العظيم أنار العقول والقلوب بنور العلم والإيمان.

*****

رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ - 5
رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ – 6
لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ – 7


و تتجلى رحمة الله بالبشر في تنزيل هذا القرآن , بهذا اليسر ,
الذي يجعله سريع اللصوق بالقلب , وتحول الكائن البشري
إلى إنسان كريم , والمجتمع البشري إلى مجتمع متراحم مترابط
في ظل عقيدة الرحمة.
إن هذه العقيدة - التي جاء بها القرآن - في تكاملها وتناسقها -
جميلة في ذاتها جمالاً يحبّ ويعشق ; وتتعلق به القلوب ..

( رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ ) نزل بها هذا القرآن في الليلة المباركة . .
( إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ). يسمع ويعلم , وينزل ما ينزل للناس
على علم وعلى معرفة بما يقولون وما يعملون ,
وما يصلح لهم ويصلحون به من السنن والشرائع والتوجيه السليم. .

( رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ )

فما ينزله للناس يربيهم به , هو طرف من ربوبيته للكون كله ,
وطرف من نواميسه التي تصرف الكون , بشرط الثبات واليقين.
وهو الإله الواحد الذي يملك الموت والحياة ; وهو رب الأولين والآخرين.

( لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ )

******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

امي فضيلة 02-11-2017 09:18 PM

رد: مبادىء المعاملات والآداب من القرآن الكريم - سلسلة متجددة
 
بسم الله الرحمن الرحيم

مع الجزء الخامس و العشرون
(6)
وبعض أيات من سورة الجاثية


حم - 1 تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ – 2 إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ - 3

وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ – 4

وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ
بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ – 5 تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا
عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ - 6


مازلنا نعيش مع أنوار مبادئ الإسلام التي التزم بها المسلمون الأوائل
فسادوا العالم , فملأوا الدنيا نورا وعدلا.

منطق العلم واليقين

آيات الله تعالى في الكون من حولنا لا تدع مجالا للشك لأي عاقل لأن يدرك
أن للكون إله خالق مدبر حكيم عليم يدير هذا الكون الهائل. وكان يجب على
هذا الإنسان العاقل أن يذعن لرسالة ربه التي تنير له طريق السعادة في الدنيا والأخرة,
فلو أرسل لك شخص برسالة فمن السفه أن تلقها دون أن تعرف محتواها ,
فما بالك برسالة الله رب العالمين للبشر. فمن رحمة الله تعالى بالإنسانية أن أرسل
لهم خير البشر صلوات ربي وسلامه عليه بخير كتاب على وجه الأرض
القرآن العظيم لتحقيق الرحمة والعدل فيما بينهم والنجاة والنعيم في الأخرة.


تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ – 2 إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ - 3


وكتاب الله تعالى يطلب منك التدبر والتأكد والتفحص والعلم بالآيات المكتوبة
والآيات الكونية من حولك , وذلك لكونه الحق من عند الله تعالى لا يأتيه الباطل
من قريب أو بعيد بل هو الحق المطلق
.

والآيات المبثوثة في السماوات والأرض لا تقتصر على شيء دون شيء , ولا حال
دون حال . فحيثما مد الإنسان ببصره وجد آيات الله تطالعه في هذا الكون العجيب . .

وأي شيء ليس آية ؟

وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ – 4

هذه السماوات بأجرامها الضخمة , وأفلاكها الهائلة , وهي - على ضخامتها –
تدور في أفلاكها في دقة واطراد وتناسق .

وهذه الأرض الواسعة العريضة بالقياس إلى البشر , وهي ذرة , أو هباءة
بالقياس إلى النجوم الكبيرة . ثم بالقياس إلى هذا الفضاء الفسيح . . تتوه لولا القدرة
التي تمسك بها وتنتظمها في العقد الكوني الذي لا يتوه شيء فيه.

وقد أودع الله تعالى خصائص دقيقة مقصودة متراكبة متجمعة متناسقة .
لو اختلت خصيصة واحدة منها أو تخلفت ما أمكن أن تقوم فيها الحياة أو تدوم على الأرض.

وكل شيء في هذه الأرض وكل حي . . آية . . وكل جزء من كل شيء ومن كل
حي في هذه الأرض . . آية . . والصغير الدقيق كالضخم الكبير . . آية . .
هذه الورقة الصغيرة في هذه الشجرة الضخمة أو النبتة الهزيلة . . آية . .
آية في شكلها وحجمها , آية في لونها وملمسها . آية في وظيفتها وتركيبها .
وهذه الشعرة في جسم الحيوان أو الإنسان . . آية . . آية في خصائصها ولونها
وحجمها . وهذه الريشة في جناح الطائر . . آية . . آية في مادتها وتنسيقها ووظيفتها .
وحيثما مد الإنسان ببصره في الأرض أو في السماء تزاحمت الآيات وتراكبت ,
وأعلنت عن نفسها لقلبه وسمعه وبصره.

ولكن , من الذي يرى هذه الآيات ويستشعرها ؟ لمن تعلن هذه الآيات عن نفسها ؟ لمن ؟

إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ – 3

فالإيمان هو الذي يفتح القلوب لتلقي الأصداء والأضواء والأنداء ; والإحساس
بما فيها من آيات الله المبثوثة في الأرض والسماء . تشير كلها إلى الخالق العظيم .

ثم ينتقل بهم السياق من آفاق الكون إلى ذوات أنفسهم ; وهي أقرب إليهم , وهم بها أكثر حساسية.:

وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ – 4

وخلق هذا الإنسان بهذا التكوين العجيب , وبهذه الخصائص الفريدة ,
وبهذه الوظائف اللطيفة الدقيقة المتنوعة الكثيرة . خارقة . خارقة نسيناها لطول
تكرارها , ولقربها منا ! ولكن التركيب العضوي لجارحة واحدة من جوارح هذا الإنسان
مسألة تدير الرأس عجباً ودهشة واستهوالاً لهذا التركيب العجيب.

إن الحياة في أبسط صورها معجزة . في الإميبا ذات الخلية الواحدة . وفيما هو
أصغر من الإميبا ! فكيف بها في هذا الإنسان الشديد التركيب والتعقيد ؟
وهو في تركيبه النفسي أشد تركباً وتعقداً من تركيبه العضوي.

وحوله تلك الخلائق التي تدب على الأرض أنواعاً وأجناساً , وأشكالاً وأحجاماً ,
لا يحصيها إلا الله . وأصغرها كأكبرها معجز في خلقه . معجز في تصريفه .
معجز في تناسب حياته على هذه الأرض , بحيث لا يزيد جنس عن حدود معينة ,
تحفظ وجوده وامتداده , وتمنع طغيانه على الأجناس الأخرى طغيان إبادة وإفناء .
واليد الممسكة بزمام الأنواع والأجناس تزيد فيها وتنقص بحكمة وتقدير ;
وتركب في كل منها من الخصائص والقوى والوظائف ما يحفظ التوازن بينها جميعاً . .

النسور جارحة ضارية وعمرها مديد . ولكنها في مقابل هذا نزرة قليلة البيض
والفراخ بالقياس إلى العصافير والزرازير . . ولنا أن نتصور كيف كان الأمر يكون
لو كان للنسور نسل العصافير ؟ وكيف كانت تقضي على جميع الطيور ؟

والأسود كذلك في عالم الحيوان كاسرة ضارية . فكيف لو كانت تنسل كالظباء والشاء ؟
إنها ما كانت تبقي على لحم في الغابة ولا غذاء . . ولكن اليد التي تمسك
بالزمام تجعل نسلها محدوداً بالقدر المطلوب ! وتكثر من ذوات اللحوم من الظباء
والشاء وما إليها لسبب معلوم... .

والذبابة الواحدة تبيض في الدورة الواحدة مئات الألوف . . وفي مقابل هذا لا تعيش
إلا حوالي أسبوعين اثنين . فكيف لو افلت الزمام فعاشت الذبابة الواحدة أشهراً أو سنين ؟
لكان الذباب يغطي الأجسام ويأكل العيون ؟ ولكن اليد المدبرة هناك تضبط الأمور
وفق تقدير دقيق محسوب فيه حساب كل الحاجات والأحوال والظروف... .

وهكذا وهكذا . في الخلق ذاته . وفي خصائصه . وفي تدبيره وتقديره . في عالم الناس ,
وعالم الدواب . . في هذا كله آيات . آيات ناطقة . ولكن لمن ؟
من الذي يراها ويتدبرها ويدركها ؟

إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ - 3

وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ – 4

واليقين هو الحالة المهيئة للقلوب كي تحس , وكي تتأثر , وكي تنيب . .
اليقين الذي يدع القلوب تقر وتثبت وتطمئن ; وتتلقى حقائق الكون في هدوء
ويسر وثقة من غير شك أعمى يتخبط في ظلمات الجهل والشتات.

ثم ينتقل بهم من ذوات أنفسهم وحركة الأحياء حولهم , إلى الظواهر الكونية ,
وما ينشأ عنها من أسباب الحياة لهم وللأحياء جميعاً.

وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ
بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ – 5 تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ
بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ - 6

واختلاف الليل والنهار ظاهرتان قد لا يلحظهما الإنسان من كثرة التكرار,

ولكن أية عجيبة تطالع الحس البشري وهو يواجه الليل أول مرة أو يواجه النهار ؟
إن القلب الشاعر المتفتح يرى هذه العجيبة دائماً , وينتفض لها دائماً ;
ويرى يد الله التي تدير الكون كله كلما رأى الليل والنهار.

وتنمو معارف البشر , ويتسع علمهم عن بعض الظواهر الكونية , ويعرفون
أن الليل والنهار ظاهرتان تنشآن عن دورة الأرض حول محورها أمام الشمس مرة
في كل أربع وعشرين ساعة . ولكن العجيبة لا تنقص شيئاً بهذه المعرفة .
فإن دورة الأرض هذه عجيبة أخرى . دورة هذا الجرم حول نفسه بهذه السرعة المنتظمة ,
وهو عائم في الهواء , سابح في الفضاء , غير مستند إلى شيء إلا إلى القدرة التي
تمسك به وتديره كما شاءت بهذا النظام الذي لا يتخلف , وبهذا القدر الذي يسمح للأحياء
والأشياء أن تظل على سطح هذا الكوكب السابح السارح الدائر في الفضاء.

ويتوسع البشر في علمهم فيدركون أهمية هاتين الظاهرتين على سطح الأرض بالقياس
إلى الحياة والأحياء ;ويعرفون أن تقسيم الأوقات بين الليل والنهار بهذه النسبة
على سطح هذا الكوكب عامل رئيسي لوجود الحياة وبقاء الأحياء ; وأنه لو لم توجد هاتان
الظاهرتان بهذا القدر وعلى هذا النظام لتغير كل شيء على هذه الأرض ,
وبخاصة تلك الحياة الإنسانية التي تخص المخاطبين . من الأحياء ! ومن ثم تزداد
هاتان الظاهرتان أهمية في الحس البشري ولا تنقصان.

وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ
بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ – 5

فهذه الأشعة التي تنزل من السماء ليست أقل أثراً في إحياء الأرض من الماء .
فحرارة الشمس تبخر الماء من البحار فتتكاثف وتنزل أمطاراً , وتجري عيوناً وأنهاراً ;
وتحيا بها الأرض بعد موتها . تحيا بالماء وتحيا بالحرارة والضياء سواء.

وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.

والرياح تمضي شمالاً وجنوباً , وشرقاً وغرباً , منحرفة ومستقيمة , دافئة وباردة ,
وفق النظام الدقيق المنسوق المقصود في تصميم هذا الكون العجيب ;
وحساب كل شيء فيه حساباً دقيقاً لا يترك شيئاً للمصادفة العمياء . .
ولتصريف الرياح علاقة معروفة بدورة الأرض , وبظاهرتي الليل والنهار , وبالرزق
الذي ينزل من السماء . وكلها تتعاون في تحقيق مشيئة الله في خلق هذا الكون .

آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.

فللعقل هنا عمل , وله في هذا الميدان مجال.

وبهذه المبادئ يعيش المؤمن حياة اليقين مع آيات الله تعالى , سواء المكتوبة
في القرآن العظيم أو المبثوثة في الكون.

*******

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى



امي فضيلة 02-11-2017 09:25 PM

رد: مبادىء المعاملات والآداب من القرآن الكريم - سلسلة متجددة
 
بسم الله الرحمن الرحيم


مع الجزء الخامس و العشرون
(7)
وبعض أيات من سورة الجاثية


تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ - 6


لاحظنا في اللقاء السابق كيف بنيت مبادئ الإسلام على العلم والمنطق واليقين
المحسوس. ورأينا كيف خاطب القرآن العقول والضمائر.
فمن لم يؤمن بهذه الآيات فلا رجاء في أن يؤمن بسواها ; ومن لم توقظه
هذه الإشارات الموحية فلن توقظه الصرخات من غير هذا الصوت المستجاب.

تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ - 6


إن أي كلام لن يبلغ كلام الله في القرآن . وإن أي إبداع لن يبلغ إبداع الله في الكون .
وإن أية حقيقة لن تبلغ حقيقة الله في الثبوت والوضوح واليقين .
فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ...؟؟؟

*****

وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ - 7 يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا
فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ - 8 وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ – 9
مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ
أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ – 10 هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ
رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ – 11


وهنا لا يليق بمن لا يؤمن إلا التهديد والتنكيل.:

﴿ وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ﴾
أي: كذاب في مقاله أثيم في فعاله.
وأخبر أن له عذابا أليما وأن
﴿ مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ ﴾
تكفي في عقوبتهم البليغة.
وأنه
﴿ لا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا ﴾
من الأموال
﴿وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ﴾
يستنصرون بهم.

( وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ )
. ولا سبيل للنجاة من هذا العذاب إلا بهداية الله تعالى.

﴿ هَذَا هُدًى ﴾
وهذا وصف عام لجميع القرآن فإنه يهدي إلى معرفة الله تعالى بصفاته
المقدسة وأفعاله الحميدة، ويهدي إلى معرفة رسله وأوليائه وأعدائه، وأوصافهم،
ويهدي إلى الأعمال الصالحة والمبادئ الخالدة في الأخلاق والمعاملات ويدعو إليها
ويبين الأعمال السيئة وينهى عنها، ويهدي إلى بيان الجزاء على الأعمال ويبين
الجزاء الدنيوي والأخروي، فالمهتدون اهتدوا به فأفلحوا وسعدوا،
﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ ﴾

الواضحة القاطعة
﴿ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ ﴾


*******

وكما رأينا أيات الله تعالى في الأنفس والآفاق كالشمس لا ينكرها إلا من فقد عقله وقلبه.
ثم بعد تلكموا الآيات الواضحة نجد شيئا في غاية الأهمية ألا وهو التسخير ..
فلولا أن سخر لنا الله تعالى كل ماحولنا سواء في الأرض أو السماء لهلك الإنسان
على ضعفه أمام كل هذا الكون المهول بكل بحاره وأنهاره و جباله وبراكينه وزلازله ووحوشه ,
ولكنها نعمة التسخير لذلك الإنسان.

اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ – 12
وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ – 13


يخبر تعالى بفضله على عباده وإحسانه إليهم بتسخير البحر لسير المراكب والسفن
والغواصات بأمره وتيسيره،
﴿ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ﴾
بأنواع التجارات والمكاسب،

﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾
الله تعالى فإنكم إذا شكرتموه زادكم من نعمه وأثابكم على شكركم أجرا جزيلا.

﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ﴾
أي: من فضله وإحسانه،
وهذا شامل لأجرام السماوات من نجوم وكواكب وأقمار, والأرض وأنواع الحيوانات
وأصناف الأشجار والثمرات وأجناس المعادن وغير ذلك مما هو معد لمصالح بني آدم
ومصالح ما هو من ضروراته، فهذا يوجب عليهم أن يبذلوا غاية جهدهم في شكر نعمته
وأن تتغلغل أفكارهم في تدبر آياته وحكمه ولهذا قال:
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ

وجملة ذلك أن خلقها وتدبيرها وتسخيرها دال على نفوذ مشيئة الله وكمال قدرته،
وما فيها من الإحكام والإتقان وبديع الصنعة وحسن الخلقة دال على كمال حكمته
وعلمه، وما فيها من السعة والعظمة والكثرة دال على سعة ملكه وسلطانه،
وما فيها من التخصيصات والأشياء المتضادات دليل على أنه الفعال لما يريد، وما فيها
من المنافع والمصالح الدينية والدنيوية دليل على سعة رحمته، وشمول فضله وإحسانه
وبديع لطفه وبره، وكل ذلك دال على أنه وحده المألوه المعبود الذي لا تنبغي العبادة
والذل والمحبة إلا له وأن رسله صادقون فيما جاءوا به، فهذه أدلة عقلية واضحة لا تقبل ريبا ولا شكا.
فالعلم واليقين هما أساس جميع مبادئ الإسلام.
فلا مجال للشك والخرافات والأوهام.

********

وإلى الجزء التالى إن شاء الله تعالى

امي فضيلة 02-11-2017 09:33 PM

رد: مبادىء المعاملات والآداب من القرآن الكريم - سلسلة متجددة
 
بسم الله الرحمن الرحيم


مع الجزء السادس و العشرون
(1)
وبعض أيات من سورة الاحقاف


مبدأ الاستقامة على الحق



إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ -13
أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ -14


والاستقامة على الحق من أهم المبادئ الإسلامية , حيث بدأت مع أول
سور القرآن العظيم ...
( اهدنا الصرط المستقيم )
وفي الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل آمنت بالله ثم استقم.
الراوي: سفيان بن عبدالله الثقفي - المصدر: صحيح الجامع
خلاصة حكم المحدث: صحيح


فالإسلام عقيدة في القلب تنعكس على كل تصرفات الإنسان , من أول الإقرار
بوحدانية الخالق جل وعلا الذي خلقنا من العدم وأمدنا بكل وسائل الحفاظ
على الحياة من هواء ومياه وغذاء...قال تعالى:
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ
رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأنْهَارَ – 32
وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ - 33
وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا
إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ – 34 " إبراهيم


فنعم الله لا تعد ولا تحصى..ثم أمدنا بمنهج التربية في المعاملات والأخلاق
ومبادئ التشريع القائمة على العدل في الحكم بين الناس..وهكذا نجد أمامنا
طريق واضح المعالم لا غموض فيه يصل القلب بخالقه بالعبادات المفروضة
وعلى رأسها الصلاة حيث يقف المؤمن بين يدي ربه خمس مرات في اليوم
والليلة يستمد منه العون والمغفرة على التقصير والغفلة ..ويسئله الثبات
على الطريق المستقيم. وبذلك يعم الأمن بين البشر والحب والرخاء .
فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ
فالذين أقروا بربهم وشهدوا له بالوحدانية والتزموا طاعته
وداموا على ذلك، و
﴿ اسْتَقَامُوا ﴾ مدة حياتهم ﴿ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾ من كل شر أمامهم،
﴿ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ على ما خلفوا وراءهم.
﴿ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ﴾ أي: أهلها الملازمون لها الذين لا يبغون عنها حولا
ولا يريدون بها بدلا،
﴿ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ من الإيمان بالله
المقتضى للأعمال الصالحة التي استقاموا عليها.

******
وقال تعالى في سورة فصلت:

إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلا تَخَافُوا ولا تَحْزَنُوا
وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ - 30 نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي
الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ –
31 نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ – 32

أي: اعترفوا ونطقوا ورضوا بربوبية الله تعالى، واستسلموا لأمره، ثم استقاموا
على الصراط المستقيم، علمًا وعملاً، فلهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

********
وقد ورد ذكر الصراط المستقيم 23 مرة في القرآن العظيم مما يدل على
أهمية ذلك الأمر. .. وجدير بالذكر أن الصراط المستقيم وهو الطريق الموصل
إلى رضوان الله تعالى يحاول كل من شياطين الإنس والجن الصد عنه.
فقد ورد في سورة الأعراف مقولة إبليس بعد إمتناعه عن السجود لأدم :
قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ - 16 ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ
أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ – 17

أي: قال إبليس - لما أبلس وأيس من رحمة اللّه -
﴿ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأقْعُدَنَّ لَهُمْ ﴾
أي: للخلق ﴿ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾ أي: لألزمن الصراط ولأسعى غاية جهدي
على صد الناس عنه وعدم سلوكهم إياه..
﴿ ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ﴾ أي:
من جميع الجهات والجوانب، ومن كل طريق يتمكن فيه
من إدراك بعض مقصوده فيهم.
ولما علم الخبيث أنهم ضعفاء قد تغلب الغفلة على كثير منهم، وكان جازما ببذل
مجهوده على إغوائهم، ظن وصدق ظنه فقال: ﴿ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾
فإن القيام بالشكر من سلوك الصراط المستقيم،

******
ولذلك يجب أن يستعين الإنسان بربه في سلوك هذا الطريق المستقيم,
قال تعالى في سورة يونس:
وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ – 25

والله يختص برحمته من يشاء، وذلك عدله وحكمته، وليس لأحد عليه
حجة بعد البيان والرسل،
والصرط المستقيم واضح المعالم بالحجة والبرهان لا غموض فيه....
قال تعالى في سورة النساء:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا - 174 فَأَمَّا الَّذِينَ
آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ
إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا – 175


يمتن تعالى على سائر الناس بما أوصل إليهم من البراهين القاطعة والأنوار
الساطعة، ويقيم عليهم الحجة،
وهذا يشمل الأدلة العقلية والنقلية، الآيات الأفقية والنفسية
﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي
الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقّ ﴾ -53 فصلت

وفي قوله:
﴿ مِن رَّبِّكُمْ ﴾ ما يدل على شرف هذا البرهان وعظمته، حيث كان
من ربكم الذي رباكم التربية الدينية والدنيوية، فمن تربيته لكم التي يحمد عليها
ويشكر، أن أوصل إليكم البينات، ليهديكم بها إلى الصراط المستقيم،
والوصول إلى جنات النعيم.
﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ﴾ وهو هذا القرآن العظيم، الذي قد اشتمل على علوم
الأولين والآخرين والأخبار الصادقة النافعة، والأمر بكل عدل وإحسان وخير، والنهي
عن كل ظلم وشر، فالناس في ظلمة إن لم يستضيئوا بأنواره، وفي شقاء
عظيم إن لم يقتبسوا من خيره.
﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّه ِ﴾ أي: اعترفوا بوجوده واتصافه بكل وصف كامل، وتنزيهه
من كل نقص وعيب. ﴿ وَاعْتَصَمُــوا بِـهِ ﴾ أي: لجأوا إلى الله واعتمدوا عليه وتبرأوا
من حولهم وقوتهم واستعانوا بربهم.
﴿ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ ﴾ أي:
فسيتغمدهم بالرحمة الخاصة، فيوفقهم للخيرات ويجزل لهم المثوبات،
ويدفع عنهم البليات والمكروهات.
﴿ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ﴾ أي: يوفقهم للعلم والعمل،
معرفة الحق والعمل به.


وقال تعالى في سورة المائدة:

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ
وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ - 15 يَهْدِي بِهِ اللَّهُ
مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ
وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ - 16


نسئل الله تعالى أن يهدينا الصراط المستقيم فبه سعادة الدنيا والآخرة.

*********

وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى

امي فضيلة 02-11-2017 09:41 PM

رد: مبادىء المعاملات والآداب من القرآن الكريم - سلسلة متجددة
 
بسم الله الرحمن الرحيم


مع الجزء السادس و العشرون
(2)
وبعض أيات من سورة الاحقاف



عشنا في اللقاء السابق مع مبدأ الاستقامة , والجدير بالذكر أن الاستقامة
تبدأ من البيت حيث التراحم والترابط بين أفراد الأسرة التي تنعكس على المجتمع
بصفة عامة , ولذلك كان التشديد والتأكيد على الأمر بالإحسان إلى الوالدين
وخاصة الأم , وقد فطر الله تعالى الوالدين على حب أولادهم فلا يأكلوا حتى يأكل
أولادهم وإن مرضوا سهروا على تمريضهم. وقد ينسى الإنسان هذه المرحلة
العمرية التي ظل يتلقى فيها الرعاية, وذلك من فضل الله تعالى أن فطر الأبوين
على ذلك, وزد على ذلك تحمل الأم متاعب الحمل والام الوضع والرضاعة ,
والنظافة للرضيع والأخذ بيده خطوة بخطوة حتى يشتد عوده.

قد ينسى الإنسان كل هذا , ولكن الله تعالى الرحيم بعباده يذكره دائما بالإحسان
إلى من جعلهما سببا في وجوده على الأرض. وخاصة الأم.


وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ
وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي
أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ
لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ - 15 أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ
عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ
وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ – 16


هذا من لطفه تعالى بعباده وشكره للوالدين أن وصى الأولاد وعهد إليهم أن
يحسنوا إلى والديهم بالقول اللطيف والكلام اللين وبذل المال والنفقة
وغير ذلك من وجوه الإحسان.

ثم نبه على ذكر السبب الموجب لذلك فذكر ما تحملته الأم من ولدها وما قاسته
من المكاره وقت حملها ثم مشقة ولادتها المشقة الكبيرة ثم مشقة الرضاع
وخدمة الحضانة، وليست المذكورات مدة يسيرة ساعة أو ساعتين،

وإنما ذلك مدة طويلة قدرها
﴿ ثَلاثُونَ شَهْرًا ﴾ للحمل تسعة أشهر ونحوها
والباقي للرضاع هذا هو الغالب.

ويستدل بهذه الآية مع قوله:
﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ﴾
أن أقل مدة الحمل ستة أشهر لأن مدة الرضاع - وهي سنتان - إذا سقطت منها
السنتان بقي ستة أشهر مدة للحمل، وفي الغالب تكون فترة الحمل تسعة أشهر
قد تزيد أيام قليلة بعدها أو تقل , فلكل إنسان موعد نزول إلى هذه الدنيا ,
كما أن له موعد خروج.
﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ ﴾ أي: نهاية قوته وشبابه وكمال عقله،
﴿ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي ﴾ أي: ألهمني ووفقني
﴿ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ ﴾ أي: نعم الدين ونعم الدنيا،
وشكره بصرف النعم في طاعته سبحانه, والاعتراف بالعجز عن الشكر والاجتهاد
في الثناء بها على الله، والنعم على الوالدين نعم على أولادهم وذريتهم لأنهم
لا بد أن ينالهم منها ومن أسبابها وآثارها، خصوصا نعم الدين فإن صلاح الوالدين
بالعلم والعمل من أعظم الأسباب لصلاح أولادهم.

﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ ﴾ العمل الذي يرضاه الله ويقبله ويثيب عليه.
﴿ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ﴾ لما دعا لنفسه بالصلاح دعا لذريته أن يصلح الله أحوالهم،
وذكر أن صلاحهم يعود نفعه على والديهم لقوله:
﴿ وَأَصْلِحْ لِي ﴾
﴿ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ ﴾ من الذنوب والمعاصي ورجعت إلى طاعتك ﴿ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
﴿ أُولَئِكَ ﴾ الذين ذكرت أوصافهم ﴿ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا ﴾
وهو الطاعات لأنهم يعملون أيضا غيرها. ﴿ وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ ﴾ فِي جملة
﴿ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ﴾ فحصل لهم الخير والنعيم الأبدي وزال عنهم الشر والمكروه.
﴿ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ﴾ أي: هذا الوعد الذي وعدناهم هو وعد صادق
من أصدق القائلين الذي لا يخلف الميعاد.


*********


وإلى بقية الجزء إن شاء الله تعالى


الساعة الآن 07:16 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.1 TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
يرحل الجميع ويبقي شعاع بيت العلم والحب(ملك الكلمة)