منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد

منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد (https://hwazen.com/vb/index.php)
-   شعاع العلوم الشرعية (https://hwazen.com/vb/f38.html)
-   -   العفو خلق إسلامي عظيم (https://hwazen.com/vb/t1704.html)

مريم النهاري 10-07-2013 04:00 PM

العفو خلق إسلامي عظيم
 

( 1) الأخلاق بشكل عام في الإسلام
اخترت الكتابة في هذا الخلق العظيم من أخلاق الاسلام الحنيف في الوقت الذي نشاهد فيه ردات الفعل الظالمة والعنيفة وانتشار المنابذة والخصومة بين المسلمين في حين ان العفو طريق الى الجنة وقد جاء في الكتاب والسنة ما يحث على التخلق بهذا الخلق العظيم ،حيث أن الإسلام دين الأخلاق الحميدة، دعا إليها، وحرص على تربية نفوس المسلمين عليها. وقد مدح الله -تعالى- نبيه،فقال: (وإنك لعلى خلق عظيم )[القلم: 4].
وجعل الله -سبحانه- الأخلاق الفاضلة سببًا للوصول إلى درجات الجنة العالية، يقول الله -تعالى-: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين . الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين} [آل عمران: 133-134].
وأمرنا الله بمحاسن الأخلاق، فقال تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا بالذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} [فصلت: 34].
وحثنا النبي صلى الله عليه وسلم على التحلي بمكارم الأخلاق، فقال: (اتق الله حيثما كنتَ، وأتبع السيئةَ الحسنةَ تَمْحُها، وخالقِ الناسَ بخُلُق حَسَن) [الترمذي].
وإننا نستشعر هذه الاخلاق السامية في كلمات ابن مسعود رضي الله عنه حين جلس في السوق يشتري طعامًا، فلما أراد أن يدفع الدراهم وجدها قد سُرقت، فجعل الناس يدعون على من أخذها، فقال عبد الله بن مسعود: "اللهم إن كان حمله على أخذها حاجة فبارك له فيها، وإن كان حملته جراءة على الذنب فاجعله آخرذنوبه".
فعلى المسلم أن يتجمل باحسن الأخلاق، وأن يكون قدوته في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان أحسن الناس خلقًا، وكان خلقه القرآن، وبحسن الخلق يبلغ المسلم أعلى الدرجات، وأرفع المنازل، ويكتسب محبة الله ورسوله والمؤمنين، ويفوز برضا الله -سبحانه- وبدخول الجنة.
وقد جعلت بحثي هذا في نقاط هامة هي على النحو التالي : التعريف بالعفو وفضله،أوجه العفو ،آثاره،قصص عن العفو ،تطبيقاته،خطوات لغرسه راجيا من الله ان اكون قد وفقت في عرض هذا الموضوع وان قصرت فمن نفسي وأسأل الله المغفرة.
( 2) العفو هو التفضل على المخطئ والمسيء بالمسامحة والتجاوز، وعدم معاقبته أو معاملته بالمثل
والعَفُوْ من صيغ المبالغة، والعَفُوْ هو التجاوز عن الذنب وترك العقاب وهي صفة من صفات الله تعالى وسمة من سمات منهجه سبحانه. فهو عز وجل يصف نفسه بكونه{عفوا غفورا} {ويعفو عن كثير} {ويعفو عن السيئات}.
ومن عفوه الخاص في رمضان ما جاء في قوله تعالى: {علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم}.
وفي رمضان أيضا سألت السيدة عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : قلت يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها؟ قال: قولي: "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني" (حديث صحيح )
ولقد وردت أدلة كثيرة عن العفو في الكتاب والسنة النبوية في العديد من المواضع نذكر جزءاً منها :
ولا يخفى علينا أن الآيات الداعية إلى العفو وعدم رد الإساءة بمثلها هي في الوقت نفسه تدعو إلى اللاعنف، فليس العفو إلا ضربا من ضروب اللاعنف .
قال تعالى: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتقْوَى وَلاَ تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) (سورة البقرة: 237).
وقال سبحانه: (إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوء فَإِن اللهَ كَانَ عَفُواً قَدِيراً) (سورة النساء: 149).
وقال تعالى : (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر) (سورة آل عمران: 159).
وقال سبحانه: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِن اللهَ يُحِب الُْمحْسِنِينَ) (سورة المائدة: 13).
وقال تعالى: (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) (سورة البقرة: 109).
وقال سبحانه: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) (سورة البقرة: 178).
(3)وهناك العديد من الاحاديث الواردة في السنة الشريفة نكتفي بذكر طائفة منها
1739- " عفو الله أكبر من ذنوبكم‏ "
1711- عجبت لمن يشتري المماليك بماله، ثم يعتقهم، كيف لا يشتري الأحرار بمعروفه فهو أعظم ثوابا‏.
3848 - حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي ثنا بن أبي فديك أخبرني سلمة بن وردان عن أنس بن مالك قال : (أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال يا رسول الله أي الدعاء أفضل قال سل ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة ثم أتاه في اليوم الثاني فقال يا رسول الله أي الدعاء أفضل قال سل ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة ثم أتاه في اليوم الثالث فقال يا نبي الله أي الدعاء أفضل قال سل ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة فإذا أعطيت العفو والعافية في الدنيا والآخرة فقد أفلحت).(رواه النسائي)
3850- حدثنا علي بن محمد ثنا وكيع عن كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن عائشة أنها قالت : (يا رسول الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أدعو قال تقولين اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني).
3851- حدثنا علي بن محمد ثنا وكيع عن هشام صاحب الدستوائي عن قتادة عن العلاء بن زياد العدوي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما من دعوة يدعو بها العبد أفضل من اللهم إني أسألك المعافاة في الدنيا والآخرة).
(4) فضل العفو
قال تعالى: {وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم} [التغابن: 14].
وقال تعالى: {وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} [النور: 22].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كظم غيظًا وهو قادر على أن يُنْفِذَهُ دعاه الله -عز وجل- على رُؤوس الخلائق حتى يخيِّره الله من الحور ما شاء). [أبو داود والترمذي وابن ماجه].
وليعلم المسلم أنه بعفوه سوف يكتسب العزة من الله، وسوف يحترمه الجميع، ويعود إليه المسيء معتذرًا.
يقول تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما نَقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزَّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) [مسلم].
( 5) وكما قال الشاعر :
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة * فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن * فمن الذي يدعو ويرجو المجرم
أدعوك رب كما أمرت تضرعا * فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم
مالي إليك وسيلة إلا الرجا * وجميل عفوك ثم أني مسلم
( 6) وهناك اوجه للعفو
عفو الله -عز وجل-:
الله -سبحانه- يعفو عن ذنوب التائبين، ويغفر لهم، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعفُ عني) [الترمذي].
ويتمثل عفو ه أنه هو الذي يعفوا ويستر، ويصفح عن الذنوب مهما كان شأنها، ويستر العيوب ولا يحب إظهارها، يعفو عن المسيء كرما وإحسانا ويفتح عن واسع رحمته فضلا وإنعاما، حتى يزول اليأس من القلوب وتتعلق بعلام الغيوب.
الإمام القرطبي من كبار العلماء والمفسرين يقول العَفُوْ أن الله سبحانه وتعالى يعفو عن خلقه، وقد يكون هذا العفو بعد العقوبة أو قبلها..وهذا يعني أن الذنب يستحق عقاب معين،فهذا المذنب يتحمل وزر هذا الذنب، العفو هو الذي لا يعاقب على هذا الذنب، أو يعاقب في الدنيا ويعفو في الآخرة، من أقيم عليه حد يعد إقامة الحد عليه سببًا لعفو الله عنه في الآخرة.
*عفو الرسول صلّى الله عليه وسلم:
تحكي السيدة عائشة -رضي الله عنها- عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتقول: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط بيده ولا امرأة، ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله. [مسلم].
وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبيًّا من الأنبياء -صلوات ربي عليهم- ضربه قومه، فأَدْمَوْه وهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: (رب اغفر لقومي؛ فإنهم لا يعلمون) [متفق عليه].
وقد قيل للنبي: ادْعُ على المشركين، فقال: (إني لم أُبْعَثْ لَعَّانًا، وإنما بعثتُ رحمة) [مسلم].
ندب الله عباده إلى العفو فقال: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199].
إن الرحمة في قلب العبد تجعله يعفو عمَّن أساء إليه أو ظلمه، ولا يوقع به العقوبة عند القدرة عليه، وإذا فعل العبد ذلك كان أهلاً لعفو الله عنه. يقول الله تعالى: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:22].
وقد نزلت هذه الآية عندما حلف أبو بكر رضي الله عنه ألا ينفق على مِسْطَح لأنه من الذين اشتركوا في إشاعة خبر الإفك عن عائشة رضي الله عنها، وقد كان الحلف عقوبة من الصديق لمسْطَح، فأرشد الله إلى العفو بقوله: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا}. ثم ألمح الله في آخر الآية إلى أن من يعفو عمَّن يسيء إليه فإن الله يعفو عنه:{ أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}.
وقد ورد عن الصديق رضي الله عنه أنه قال: "بلغنا أن الله تعالى يأمر مناديًا يوم القيامة فينادي: مَن كان له عند الله شيء فليقم، فيقوم أهل العفو، فيكافئهم الله بما كان من عفوهم عن الناس".
(7) آثار العفو على الفرد المسلم :
1- العفو يورث الاحسان :
وإذا كان الإسلام قد قرر حق المظلوم في معاقبة الظالم على السيئة بمثلها وفق مقتضى العدل، فإن العفو والمغفرة من غير تشجيع على الظلم والتمادي فيه أكرم وأرحم. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 39 - 43].
فقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} يبرز حق المؤمنين في الانتصار لأنفسهم إذا أصابهم البغي، ويضع لجامًا لهذا الانتصار للنفس وهو الحد الذي لا يجوز تجاوزه. ثم يعرض الله مرتبة الإحسان مشجعًا عليها فيقول: { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} ثم يتبع ذلك بإعلان حرمان الظالمين من محبة الله: {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}. ثم يرجع النص فيعلن حق المظلومين في أن ينتصروا لأنفسهم، ويعلن بشدة استحقاق الظالمين للعقاب في الدنيا، وللعذاب الأليم في الآخرة فيقول: { وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، ثم لا يدع النص مرتبة العدل هذه تتجه إليها الأنظار بالكلية، بل يدفع مرة ثانية إلى مرتبة الإحسان بالصبر والمغفرة معلنًا أن ذلك من عزم الأمور: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}. وهكذا جاءت هذه الصفة في النص معروضة عرضًا متشابكًا متداخلاً، فيه إبداع بياني عجيب، يلاحظ فيه متابعة خلجات النفس، باللمسات الرفيقة، والتوجيهات الرقيقة، مع مراعاة آلام المجني عليهم، والنظر بعنف وشدةإلى البغاة الظالمين، وإعلان أن من حق المجني عليهم أن ينتصروا لأنفسهم بالحق، ثم العودة لدفعهم برفق إلى الصبر والمغفرة، كل ذلك في ألوان دائرة بين العدل والإحسان.
2-العفو دليل كرم النفس
إن الذي يجود بالعفو عبدٌ كرمت عليه نفسه، وعلت همته وعظم حلمه وصبره، قال معاوية رضي الله عنه: "عليكم بالحلم والاحتمال حتى تمكنكم الفرصة، فإذا أمكنتكم فعليكم بالصفح والإفضال".
ولما أُتي عبد الملك بن مروان بأسارى ابن الأشعث في وقت الفتنة قال عبد الملك لرجاء بن حيوة: ماذا ترى؟ قال: إن الله تعالى قد أعطاك ما تحب من الظفر فأعط الله ما يحب من العفو، فعفا عنهم.
إن العفو هو خلق الأقوياء الذين إذا قدروا وأمكنهم الله ممن أساء إليهم عفوا.
قال الإمام البخاري رحمه الله: باب الانتصار من الظالم لقوله تعالى: { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} قال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون أن يستذلوا فإذا قدروا عفوا.
3-العفو يورث صاحبه العزة
ولأن بعض الناس قد يزهد في العفو لظنه أنه يورثه الذلة والمهانة فقد أتى النص القاطع يبين أن العفو يرفع صاحبه ويكون سبب عزته. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله" [رواه مسلم].
وأولى الناس بعفوك الضعفاء من الزوجات والأولاد والخدم ومن على شاكلتهم، ولهذا لما بيَّن الله أن من الأزواج والأولاد من يكون فتنة قال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التغابن:14]. فالإنسان من عادته أن يكون البادئ بالإحسان لزوجه وأولاده، فإذا وجد فيهم إساءة آلمته جدًّا فلربما اشتد غضبه وصعب عليه أن يعفو ويصفح لأنه يعتبر إساءة الأهل حينئذ نوعًا من الجحود ونكران الجميل، لهذا احتاج إلى توجيه إرشاد خاص إليه بأن يعفو ويصفح حتى يستحق من الله المغفرة والعفو والصفح. أما الخدم ومَنْ على شاكلتهم فقد سئل عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: كم نعفو عن الخادم؟ فصمت، ثم أعاد عليه الكلام فصمت، فلما كان في الثالثة قال: "اعفوا عنه في كل يوم سبعين مرة" وكما قال الشاعر :
إذا ما الذنب وافى باعتذار فقابله بعفو وابتسام
( 8) قصص و مواقف عن العفو

* طلب أحد الصالحين من خادم له أن يحضر له الماء ليتوضأ، فجاء الخادم بماء، وكان الماء ساخنًا جدًّا، فوقع من يد الخادم على الرجل، فقال له الرجل وهو غاضب: أحرقْتَني، وأراد أن يعاقبه، فقال الخادم: يا مُعَلِّم الخير ومؤدب الناس، ارجع إلى ما قال الله -تعالى-. قال الرجل الصالح: وماذا قال تعالى؟!
قال الخادم: لقد قال تعالى: {والكاظمين الغيظ}.
قال الرجل: كظمتُ غيظي.
قال الخادم: {والعافين عن الناس}.
قال الرجل: عفوتُ عنك.
قال الخادم: {والله يحب المحسنين}. قال الرجل: أنت حُرٌّ لوجه الله.
*وحكى لنا القرآن الكريم مثالا رائعًا في قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- مع إخوته، بعد أن حسدوه لمحبة أبيه له، فألقوه في البئر ليتخلصوا منه، وتمرُّ الأيام ويهب الله ليوسف -عليه السلام- الملك والحكم، ويصبح له القوة والسلطان بعد أن صار وزيرًا لملك مصر.
وجاء إليه أخوته ودخلوا عليه يطلبون منه الحبوب والطعام لقومهم، ولم يعرفوه في بداية الأمر، ولكن يوسف عرفهم ولم يكشف لهم عن نفسه، وترددوا عليه أكثر من مرة، وفي النهاية عرَّفهم يوسف بنفسه، فتذكروا ما كان منهم نحوه، فخافوا أن يبطش بهم، وينتقم منهم؛ لما صنعوا به وهو صغير، لكنه قابلهم بالعفو الحسن والصفح الجميل، وقال لهم: {لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين}.

*كان النبي صلى الله عليه وسلم نائمًا في ظل شجرة، فإذا برجل من الكفار يهجم عليه، وهو ماسك بسيفه ويوقظه، ويقول: يا محمد، من يمنعك مني. فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم بكل ثبات وهدوء: (الله).
فاضطرب الرجل وارتجف، وسقط السيف من يده، فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم السيف،
وقال للرجل: (ومن يمنعك مني؟). فقال الرجل: كن خير آخذ. فعفا النبي صلى الله عليه وسلم عنه. [متفق عليه].

*وضعت امرأة يهودية السم في شاة مشوية، وجاءت بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقدمتها له هو وأصحابه على سبيل الهدية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرد الهدية، لكن الله -سبحانه- عصم نبيه وحماه، فأخبره بالحقيقة.
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإحضار هذه اليهودية، وسألها: (لم فعلتِ ذلك؟
فقالت: أردتُ قتلك. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (ما كان الله ليسلطكِ علي).
وأراد الصحابة أن يقتلوها، وقالوا: أفلا نقتلها؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (لا)، وعفا عنها. [متفق عليه].
*ذات يوم، أراد مَعْنُ بن زائــدة أن يقتل مجموعة من الأسـرى كانوا عنده؛ فقال له أحدهم: نحن أسراك، وبنا جوع وعطش، فلا تجمع علينا الجوع والعطش والقتل. فقال معن: أطعمـوهم واسقوهم. فلما أكلوا وشربوا، قـال أحدهم: لقد أكلنا وشربنا، فأصبحنا مثل ضيوفك، فماذا تفعل بضيوفك؟!
فقـال لهم: قد عفوتُ عنكم.
- ( 9) الآن من نماذج العفو البشري
الله عز وجل عفو وأرادنا أن نتخلق بهذا الكمال ,من أرقى نماذج العفو البشري عفو النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل مكة،، الذين ناصبوه العداء عشرين عاما، أخرجوه من دياره نكلوا بأصحابه حاربوه تفننوا في إيذائه ثم انتصر عليهم هم في قبضته هم تحت رحمته بإشارة تقطع رؤوسهم جميعا ينتهي وجودهم، فقال لهم: ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم.. قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.. عندها قال أبو سفيان: ما أعقلك، وما أحلمك وما أوصلك.
أحد كتاب السيرة الغربيين الذين هداهم الله إلى الإسلام يقول عن سيد الأنام : (كان محمد ملكا وسياسيا ومحاربا وقائدا ومشرعا وقاضيا وفاتحا ومهاجرا، مارس بالفعل جميع المبادئ التي كان يلقنها للناس ولم تجد في القرآن حكما أو أمرا لم يعمل به النبي صلى الله عليه وسلم إذ كان يمارس بالفعل كل ما كان يدعوا إليه بالقول.

هنا تكمن عظمة الأنبياء ما في مسافة أبدا بين أقوالهم وأفعالهم ما اكتشف أصحابهم أنهم يقولون شيئا، ويفعلون شيئا آخر كان يمارس بالفعل كل ما كان يدعوا إليه بالقول فالمرء مثلا لن يكون عفوا الكلام دقيق، المرء مثلا لن يكون عفوا إلا أن يكون له عدو يلقى منه أشد الإساءة ثم تدور الدائرة على هذا العدو فيقع في قبضته ويصبح تحت رحمته ثم يملك القدرة عليه، وأن ينتقم منه ثم يعفو عنه، وقد خرت جزيرة العرب صريعة تحت قديمه وأصبحت مكة قلعة العدو تحت رحمته فلو شاء لقطع رؤوس القوم الذين كانوا بالأمس ألد أعدائه الذين اتخذوا هزوا وأمعنوا في اضطهاده والاستخفاف به ولو أنه عاقبه بذنبه كان محقا، ولم يكن ملوما ولم تظهر فضيلة العفو قط بصورتها الكاملة في تاريخ أي دين من الأديان حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم، ولولاه لظلت هذه الفضيلة معطلة إلى الأبد.
هو سيد الخلق وحبيب الحق وسيد ولد آدم.. وقد أقسم الله بعمره الثمين عفو آخر له صلى الله عليه وسلم تصور (إنسان سافر إلى بلد مشيا على قدميه 80 كيلوا متر إلى الطائف، وفي الطائف دعاهم إلى الله كذبوه وسخروا منه واستهزئوا به وقال له أحدهم: لو أنك صادق فيما تقول لمزقت أثواب الكعبة، ثم أغروا صبيانهم ونالوه بالأذى حتى سال الدم من قدمه الشريف وهو يقول إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ولك العتبى حتى ترضى لكن عافيتك أوسع لي).
الآن انظروا إلى عفوه أرسل الله له ملك الجبال، وقال: يا محمد أمرني ربي أن أكون طوع إرادتك لو شئت لأطبقت عليهم الجبلين كلام دقيق يعني مكنه الله أن ينتقم منهم.
وفي رواية الأخشبين اسمعوا الجواب قال: لا يا أخي ، الله اهدي قومي انتمى له ما تخلى عنهم.. الإنسان اليوم بيذهب إلى أوروبا بيرجع كأنه ليس من هذه الأمة متخلفون ، اللهم اهدي قومي فإنهم لا يعلمون انتمى إليهم واعتذر عنهم ودعا لهم وتمنى على الله أن يخرج من أصلابهم من يوحده.. لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحده، هذه النبوة.
حاطب ابن بلتعة..أرسل كتابا إلى قريش إن محمدا سيغزوكم فخذوا حذركم ، كيف تقيم هذا الكتاب في أي نظام في العالم خيانة عظمي يستحق القتل جاءه الوحي وأبلغه ذلك، أرسل من يأتي بالمرأة التي معها الكتاب في منتصف الطريق ثم استدعى حاطب، قال: يا حاطب ما هذا؟ قال: والله يا رسول الله ما كفرت ولا ارتددت قبل أن يقول حاطب قال سيدنا عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق.. قال: لا يا عمر، إنه شهد بدرا، انظروا إلى الوفاء إنه شهد بدرا، لا يا عمر.. يا حاطب ما هذا؟ قال: والله يا رسول الله ما كفرت ولا ارتددت وإني لصيق في قريش وإني موقن أن الله سينصرك، أردت بهذا الكتاب أن تكون لي يد عندهم أحمي بها أهلي ومالي، فقال عليه
الصلاة والسلام: إني صدقته فصدقوه، ولا تقولوا فيه إلا خيرا، هذه النبوة.
(10) ما بين الواقع وتطبيق الاخلاق :
كثير من الناس لا يفطن إلى مسألة التلازم بين أداء العبادات وحسن الأخلاق وتطبيقها كواقع حياة ، فتجد الشخص يحافظ على الصلوات وعلى صيام الفرائض والنوافل ويخرج زكاة ماله .. ولكن إذا نظرنا إلى أخلاق ذلك الفرد تجدها تبعد كل البعد عن مقتضيات الأخلاق التي وضعها الإسلام ضمن شريعته ، فلا تمثل تلك العبادات وتلك النوافل التي يقوم بها .. وهذا بلا شك لا يتماشى مع تكامل وترابط الإسلام شريعة وأخلاقاً ..
وإن الأقوال والأفعال هي عبارة عن ترجمة لهذه الأخلاق ، فالإنسان صاحب الخلق إنما يتصرف في إطار هذه الأخلاق التي يحملها والتي تعلمها وتربى عليها ، فإذا تعامل مع الناس في بيع وشراء ومعاملات أخرى كالزواج إنما يتعامل في إطار الأخلاق التي تعلمها ، فهي تربطه به ارتباطا كلياً وضمنياً، فإذا نظرنا إلى خلق مثل خلق العفو كيف كان سبباً في دخول كم هائل في دين الإسلام ، وكيف كان سبباً في إزالة الأضغان والأحقاد ، كيف أن خلقا مثل خلق الكرم كان سبباً في محبة الناس وتآلفهم فيما بينهم ، يقول الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - : " تهادوا تحابوا " ، وكيف أن خلقا مثل خلق العفو يجعل الناس يدخلون في دين الله - سبحانه وتعالى - وكيف أن خلقا مثل خلق الصدق يجعل الناس يثقون في المسلمين ، فالأخلاق كثيرة جداً وكيف كان كل خلق له دور في تقويم خلق الإنسان وفي محبة الناس فيهم . إن الرسالة الاسلاميّة تزودنا بنظرة عامة إلى الحياة بجميع أبعادها، ومن خلال هذه النظرة العامة بامكان المشروع الفقهيّ ان يستوحي النظام الأمثل للمجتمع.
ومن الملاحظ ان الذي يتأمّل القرآن الكريم يرى انّ الاحكام الشرعية التي تتناول العبادات بشكل مباشر ـ كالصلاة والصيام والحجّ... ـ لا تشغل حيّزاً كبيراً منه خصوصاً اذا ما قارنّاها مع بيان القرآن للحقائق الكونية، والعبر الالهيّة، والبصائر الربانية، وسبب ذلك ان القرآن هو تزكية وتعليم للانسان قبل أن يكون تشريعاًَ له، وقبل أن يكون قانوناً اجتماعياًَ لتنظيم العلاقة بين ابناء آدم، فهو بصيرة للانسان بما ينبغي أن يعرف من سنن الله في خليقته.
فاذا ما نظرنا إلى الآيات الكريمة وبالتحديد الآيات التي تحدثنا عن الصلاة أو عن سائر العبادات أو المعاملات نجدها تتّخذ صيغة التعليم والتزكية؛ فالصلاة والصيام بل وحتى مسائل تنظيم العلاقات الاجتماعية تأتي بمثابة أمثلة الهدف منها رفع مستوى الانسان وتوعيته بما ينبغي ان يكون عليه من رفعة وسمّو في سماء الفضيلة، وبتعبير آخر فان الهدف الاسمى من القرآن الكريم هو تكامل الانسان باتجاه السمو نحو الدرجات العلى، حيث يستطيع أن يعرف الحقائق بنفسه، وأن يطبّقها على نفسه بصورة طبيعية.

فالقرآن يأمرنا ـ على سبيل المثال ـ بالقصاص، ولكنّه في ذات الوقت يأمرنا بالعفو إذ يقول: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) وفي آية أخرى يقول: (وان تعفوا أقرب للتقوى) فما هو السبب في ذلك؟، الجواب يكمن في ان القصاص ـ من الناحية القانونية ـ رادع للانسان عن ارتكاب الجرائم، ولكنّ (العفو) من الناحية الانسانية، ومن ناحية تكامل حياة الانسان يكون هو الرادع، وقد يرتدع الانسان بالعفو أكثر ممّا يرتدع بالقصاص، فاذا تعرّض لك شخص بالأذى فعفوت عنه فعفوك هذا قد يكون وسيلة لتأديبه.
والمجتمع الذي ينمو الى مرحلة التكامل ومرحلة التحابب بين ابنائه، فانه ـ بطبيعته ـ لا يرتكب الجرائم لان منشأ الجريمة ـ عادة ـ هو جهل الانسان او انطواء المجرم على بعض العقد النفسية وما اشبه ذلك، فالمجتمع الذي يعيش حالة الرشد والوعي والحكمة، لا ريب انه لا يقدم على ارتكاب أية جريمة.
وخلاصة القول أننا في هذه الأيام نعيش في أزمة أخلاقية ، وهذه لا ينكرها أي إنسان في جميع الأقطار ، وهي بطبيعة الحال تختلف من بلد إلى بلد آخر فقد يكون هناك خلق غير موجود في بلد آخر، لكن بكل تأكيد نحن نعيش في أزمة أخلاقية ، فكل ما نحن فيه بلاء الآن وكل الأزمات التي نعيشها الآن كل ذلك بسبب الأزمة الأخلاقية ، فنحن في حاجة لأن نرجع إلى أخلاقنا مرة أخرى وأن نتأسى بالنبي (صلى الله عليه وسلم) في أخلاقه وفي أفعاله ، ونقول في هذا المقام على كل الدعاة أن يركزوا هذه الأيام على مسألة الأخلاق والسلوكيات الحسنة لأنها هي المخرج والسبيل لما نحن فيه من أزمات نعيشها
وكما قال الشاعر :
وما قتل الأحرار كالعفو عنهم * ومن لك بالحر أن يحفظ اليدا
اذا أنت أكرمت الكريم ملكته * وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
فوضع الندى في موضع السيف بالعلا * مضرُّ كوضع السيف في موضع الندى
اذا ماالذنب وافى باعتذار * فقابله بعفوٍ وابتسام
ولاتحقد وان ملئت غيظاً * فإن العفو من شيم الكرام
(11) خطوات لغـرس العفو في أبنائك
سؤال : كيف أنشئ أبنائي على العفو والتسامح؟

1ـ القدوة كأن يكون الأب والأم قدوة لهذا الابن فعليهما إذا كانا يريدان ابنًا قادرًا على العفو والتسامح مع الآخرين أن يضربا المثل بنفسيهما حتى يشعر بذلك ويدركه الأبناء.

2ـ مدارسة الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التي تحث على العفو.

3ـ سرد القصص التاريخية التي تبين احترام أربابها على العفو والتسامح.

4ـ بيان الأثر الإيجابي للعفو على النفس حتى لو كان الإنسان مظلومًا.

5ـ الاستماع إلى العلماء الذين يتحدثون عن هذا الأمر عبر الأشرطة 'الفيديو، الكاسيت' أو الدروس بالمساجد.

6ـ خلق حالة من المنافسة بين الأبناء من أجل تعميق هذه الأخلاق في نفوسهم.

7ـ رصد جوائز للابن الذي يجاهد نفسه على تبني خلق العفو حتى يصبح من ديدنه ونهج حياته
المسلمين دعاهم دينهم الحنيف إلى التخلق بهذا الخلق فلا عجب أن نرى القرآن العظيم يأمر به ويحض عليه في أكثر من آية في كتاب الله عز وجل :
( إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم ) الحجرات : 10
( ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ) الأنفال : 1
( وأن تعفوا أقرب للتقوى . ولا تنسووا الفضل بينكم ) البقرة : 237
( فمن عفا وأصلح فأجرة على الله ) الشورى : 40
وأمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالعفو عن أصحابه والاستغفار لهم، كما قال تعالى: ((فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين)). [آل عمران: 159
وأثنى سبحانه على المتصفين بالعفو عن الناس وكظم الغيظ وجعل تلك الصفة من الصفات التي يستحقون بها مغفرة الله وعفوه ودخول جنته.
كما قال تعالى: ((وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)) [آل عمران: 133ـ134].
ومن الآيات القرآنية الكريمة التي أنزلها الله تعالى، لتسمو بالمؤمن إلى أعلى درجات العفو والتسامح، تلك الآية التي نزلت في شأن أبي بكر الصديق وابن خالته مسطح بن أثاثة، الذي شارك في حديث الإفك الباطل، فقد كان مسطح من فقراء المهاجرين، وكان أبو بكر، رضي الله عنه ينفق عليه لقرابته منه، فلما وقع حديث الإفك، وعلم أن مسطحاً كان من المتورطين فيه، حلف أن لا ينفق عليه أبد الدهر لظلمه لابنته ووقوعه في عرضها.
فأنزل الله تعالى في ذلك: ((ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم، والله غفور رحيم)) [النور:22، وراجع الجامع لأحكام القرآن (12/207ـ209) في تفسير الآية].

لقد كان أبو بكر، رضي الله عنه رفيقا رحيما كثير الشفقة والرحمة، ولم يكن من عادته الشدة والقسوة، كما هو معروف عنه وعن سيرته رضي الله عنه، ولكن شأن هذه الحادثة المفتراة كان لا يحتمل، فقد كان يتناول عرض ابنته أعف نساء العالم وامرأة أفضل الأنبياء والرسل، ينزل جبريل في بيتها فيتلو وحي الله على نبيه، فلم يكن غضب أبي بكر رضي الله عنه انتقماً لنفسه وإنما كان لله - وإن كانت نفسه البشرية لا ترضى بالضيم الواقع عليها – وكان ما ينفقه على مسطح فضلا منه وإحسانا -.
فرأى أنه لا يستحق ذلك الفضل والإحسان، لعظم مساءته التي اقترفها، فقطع عنه النفقة، ومع ذلك يؤكد الله تعالى عليه تلك التأكيدات المتوالية، ليعفو ويصفح عن مرتكب ذلك الذنب العظيم، ويعيد إليه فضله: فقد نهاه في الآية الأولى عن الاستمرار في حلفه: ((ولا يأتل)) وذكره بالقرابة التي شرع الله وصلها، وبالمسكنة التي يستحق صاحبها الرحمة والإحسان، وبالهجرة التي هي من أعظم ما يتقرب به المسلم إلى ربه في سبيل دينه، ثم أمره بالعفو والصفح.
ثم أتبع ذلك بالتشويق الذي لا يقدر المؤمن العادي على عدم الاستجابة له، فضلا عن أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبي بكر الصديق رضي الله عنه: ((ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم)) وكأن الله تعالى يذكر المؤمن بأنه إذا اعتدى عليه أخوه المؤمن فليغضب لانتهاك حرمة الله المتعلقة به، ولكن عليه أن يتجاوز عن زلة أخيه ويعفوكما يحب أن يعفو الله عنه إذا عصاه.
ومن المعلوم أن نفسية المؤمن حينما تكون متخلقة بأخلاق الحلم والعفو والتسامح فإنه يكون مثلا يُحتذى في الملاطفة وسمو الخلق ولين الجانب وحسن المعشر ..
ودعا الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك إلى هذا الخلق فقال : ( لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخواناً ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ) رواه البخاري
وقال صلى الله عليه وسلم ( اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن ) أخرجة الترمذي

وقال صلى الله عليه وسلم ( من كانت عنده مظلمة لأخية من عرض أو من شيء فليتحلله منه اليوم ، من قبل ألا يكون دينارٌ ولا درهم ، إذ كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحُمل عليه رواه البخاري

فما أسعدك أخي الكريم إن عفا عنك من أخطأت في حقه فتجاوز وأغض الطرف .. وانظر معي إلى قوله تعالى حين قال (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ) قال عقبة رضى الله عنه : ثم لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذت بيده ، فقلت : يا رسول الله أخبرني بفواضل الأعمال فقال: يا عقبة صل من قطعك وأعط من حرمك وأعرض عمن ظلمك ) رواه أحمد

وعن أنس بن مالك رضى الله عنه أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها ، فجىء بها ، فقيل : ألا نقتلها؟ قال : لا ، فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم ) رواه البخاري
وقال صلى الله عليه وسلم 0 ( إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ) رواه البخاري .

وحث الرسول صلى الله عليه وسلم على العفو والسماحة حثاً عاماً وذكر ما يترتب على ذلك عند الله سبحانه وتعالى.
روى أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) [مسلم (4/2001) والترمذي (4/376)].
* * * * *
إن مشروع التسامح يا أيها الأحبة من أفضل المشاريع المعمارية في حياتنا اليومية وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً ) ينبغي أن يكون دائماً نصب أعيننا في كل تعاملاتنا ، وشؤون حياتنا . وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابو داود : ( من كظم غيظاً وهو يستطيع ان ينفذه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخَير في أي الحور العين شاء )
وروى الطبراني عن عبادة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألا أنبئكم بما يشرف الله به البنيان ، ويرفع الدرجات ؟ قالوا : نعم يا رسول الله ، قال : ( تحلم على من جهل عليك ، وتعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك ، وتصل من قطعك )
* * * * * *
منقــول




مريم النهاري 10-07-2013 04:07 PM

اخواتي الغاليات عذرا على الإطالة في الموضوع ولكن احسسته جميل جدا وقد لامسني بموضوعيته
واسلوب طرحه حين قرأته ,فوددت مشاركتكم به

إسمهان الجادوي 10-11-2013 11:34 AM

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته


http://www.waraqat.net/2009/06/al3foo_card1.gif

جزاك الله خيرا و بارك الله فيك أختي

ينقل للقسم المناسب

http://forum.sedty.com/imagehosting/...1287213007.gif

هوازن الشريف 03-06-2014 01:27 PM

عظيم ماكتبتي
جزاك الله خيرا

ونفع بك الامة

حمامة الاسلام 06-09-2014 12:07 PM

رد: العفو خلق إسلامي عظيم
 


الساعة الآن 06:28 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.1 TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
يرحل الجميع ويبقي شعاع بيت العلم والحب(ملك الكلمة)