منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد

منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد (https://hwazen.com/vb/index.php)
-   شعاع القفص الذهبي (https://hwazen.com/vb/f27.html)
-   -   من تختارين؟ الصفات الواجب توافرها في شريك الحيا (https://hwazen.com/vb/t17301.html)

إسمهان الجادوي 11-09-2017 11:21 AM

من تختارين؟ الصفات الواجب توافرها في شريك الحيا
 
(الصفات الواجب توافرها في شريك الحياة)
تمهيد:
إن الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله..........
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } [سورة آل عمران: 102]

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [سورة النساء: 1]

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا {70 } يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } [سورة الأحزاب:70-71]

أما بعد....
فإن أصدق الحديث كتاب الله ـ تعالى ـ وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
مقدمة:
إن الله عز وجل كرَّم المرأة، وجعلها شقيقة للرجل في الحقوق والواجبات
فقد أخرج الترمذي من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إن النساء شقائق الرجال ".
قال ابن الجوزي رحمه الله:
"إن النساء شقائق الرجال، فكما أن الرجل تعجبه المرأة، فكذلك الرجل يعجب المرأة" اهـ
فقد صار من حق المرأة أن تختار الرجل الذي ستقاسمه حياته، وتظل تحت سلطانه بقيَّة عمرها.

- وعلى الولي أن يختار لكريمته، فلا يُزوِّجها إلا لمَن له دين وخلق وشرف وحسن سمْت، فإن عاشرها عاشرها بمعروف، وإن سرَّحَها سرَّحها بإحسان.

قال الغزالي رحمه الله في "الإحياء":
"والاحتياط في حقها أهم؛ لأنها رقيقة بالنكاح لا مخلص لها، والزوج قادر على الطلاق بكل حال".

قالت عائشة رضي الله عنها:
"النكاح رِقٌّ، فلينظر أحدكم أين يضع كريمته".
ومن هنا وجب على الولي وعلى المرأة أن يتخيرا طيبًا أصيلًا.

فما هي الصفات التي ينبغي أن تتوفر في شريك الحياة ورفيق العمر؟ والذي ستسلمينه رايتك، وتبايعينه على قيادة سفينة حياتك، وستكونين معه يأخذ بيدك في ضروب الحياة؛ حتى تسمعا معًا:
{ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ } [الحجر:46]
إن حُسن الاختيار هو البوابة الأولى التي تدخلين منها إما إلى السكن والمودة والرحمة، وإما إلى الشقاق وعدم الوفاق.
فما هي الصفات التي يجب تخيُّرها في الزوج؟

للشيخ / ندا أبو أحمد

إسمهان الجادوي 11-09-2017 11:25 AM

رد: من تختارين؟ الصفات الواجب توافرها في شريك الحيا
 
أولًا: أن يكون صالحًا صاحب دين

لقوله تعالى: {وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ } [البقرة: 221]
فالزوج صاحب الدين هو الذي إذا أحبَّ زوجته أكرمها، وإن كرهها لم يظلمها.
- فقد أخرج الترمذي بسند فيه مقال وحسَّنه البعض لشواهده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتاكم مَن ترضون دينه وخُلُقه فزِّوجُوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض". (صحيح الجامع:270، الصحيحة:1022)
فصاحب الدين لا يظلم إذا غضب، ولا يهجر بغير سبب، ولا يسئ معاملة زوجته، ولا يكون سببًا في فتنة أهله: عن طريق إدخال المنكرات وآلات اللهو في البيت.
بل يعمل بقول النبي صلى الله عليه وسلم والذي أخرجه ابن ماجه:"خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"
فينبغي لولي المرأة أن ينظر في دين الرجل وأخلاقه؛ لأن المرأة تصير بالنكاح مرقوقة، ومتى زوَّجها وليُّها ظالمًا أو تاركًا للصلاة أو فاسقًا أو مبتدعًا أو شارب خمر أو مخدرات؛ فقد جنى على دينها، وتعرَّض لسخط الله؛ لأنه كان سببًا لقطع الرحم بسبب سوء الاختيار.
قال رجل للحسن رحمه الله:
"قد خطب ابنتي جماعة فمَن أزوَّجها؟ قال: ممَّن يتقي الله، فإن أحبَّها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها"

قال القرطبي رحمه الله في تفسير قوله عز وجل:{إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ}[القصص:27]
"وقد جاء موسى عليه السلام إلى صالح مدين غريبًا طريدًا خائفًا وحيدًا جائعًا عريانًا، فأنكحه ابنته لمَّا تحقق من دينه، ورأى من حاله، وأعرض عمَّا سوى ذلك.

- فممَّا لا شك فيه أن التساهل في عدم الاهتمام بتديُّن الخاطب أساس الضياع والشقاء في الدنيا والآخرة، فينبغي الحرص على صاحب الدين وإن كان فقيرًا.
- فقد أخرج البخاري من حديث أبي العباس سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال:
"مَرَّ رجل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لرجلٍ عنده جالس: ما رأيك في هذا؟ فقال: رجلٌ من أشرافِ الناس هذا والله حريٌ([1]) إن خطب أن يُنكحَ، وإن شفعَ أن يُشفَّع، قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مرَّ رجلٌ آخرُ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيك في هذا؟ فقال: يا رسول الله هذا رجلٌ من فقراء المسلمين هذا حريٌ إن خطب أن لا يُنكحَ، وإن شفع أن لا يُشفَّع، وإن قال أن لا يُسمَع لقوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خيرٌ من ملءِ الأرض مِثل هذا"

- أخرج البخاري ومسلم في "صحيحيهما" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة([2]): عيسى ابن مريم، وصاحب جريج، وكان جريج رجلًا عابدًا، فاتخذ صومعة([3]) فكان فيها، فأتته أمه وهو يُصلِّي، فقالت: يا جريج، فقال: يا رب أمي وصلاتي([4]) ؟ فأقبل على صلاته فانصرفت، فلما كان من الغد أتته وهو يُصلِّي، فقالت: يا جريج، فقال: يا رب أمي وصلاتي؟ فأقبل على صلاته فانصرفت، فلما كان من الغد أتته وهو يُصلِّي، فقالت: يا جريج، فقال: أي رب أمي وصلاتي؟ فأقبل على صلاته، فقالت: اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات ([5])، فتذاكر بنو إسرائيل جريجًا وعبادته، وكانت امرأة بغي يتمثل بحسنها، فقالت: إن شئتم لأفتننَّه لكم، قال: فتعرَّضت له فلم يلتفت إليها، فأتت راعيًا كان يأوي إلى صومعته؛ فأمكنته من نفسها فوقع عليها؛ فحملت، فلما ولدت قالت: هو من جريج؛ فأتوه فاستنزلوه، وهدموا صومعته، وجعلوا يضربونه، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: زنيتَ بهذه البغي؛ فولدت منك، فقال: أين الصبي؟ فجاءوا به، فقال: دعوني حتى أُصلِّي([6])، فصلَّى، فلما انصرف أتى الصبي فطعَنَ في بطنه، وقال: يا غلام، مَن أبوك؟ قال: فلان الراعي، قال: فأقبلوا على جريج يُقبِّلُونه ويتمسَّحون به، وقالوا: نبني لك صومعتك من ذهب؟ قال: لا. أعيدوها من طين كما كانت؛ ففعلوا، وبينا الصبي يرضع من أمه؛ فمرَّ رجلٌ راكبٌ على دابة فارهة([7])، وشارة حسنة([8])، فقالت أمه: اللهم اجعل ابني مثل هذا، فترك الثدي، وأقبل إليه فنظر إليه، فقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديه، فجعل يرتضع، قال: فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحكي ارتضاعه بإصبعه السبابة في فمه، فجعل يمصُّها، قال: ومروا بجارية وهم يضربونها، ويقولون: زنيتْ... سرقتْ، وهي تقول: حسبي الله ونعم الوكيل، فقالت أمه: اللهم لا تجعل ابني مثلها، فترك الرضاع ونظر إليها، فقال: اللهم اجعلني مثلها، فهناك تراجعا الحديث([9])، فقالت: مرَّ رجلٌ حسن الهيئة، فقلت: اللهم اجعل ابني مثله، فقلت: اللهم لا تجعلني مثله، ومرُّوا بهذه الأَمَة وهم يضربونها، ويقولون: زنيتْ... سرقتْ، فقلت: اللهم لا تجعل ابني مثلها، فقلت: اللهم اجعلني مثلها، قال: إن ذاك الرجل كان جبارًا، فقلت: اللهم لا تجعلني مثله، وإن هذه يقولون لها: زنيتْ ولم تزنِ، وسرقت ولم تسرق، فقلت: اللهم اجعلني مثلها".

قال الحافظ رحمه الله في "فتح الباري":
"في هذا الحديث عظم بر الوالدين وإجابة دعائهما ولو كان معذورًا، وفيه أن صاحب الصدق مع الله لا تضره الفتن، وفيه أن المفزع في الأمور المهمة إلى الله يكون بالتوجه إليه في الصلاة".

· وانظر لحرص السلف على اختيار الزوج صاحب الدين وإن كان فقيرًا
  • فها هو سعيد بن المسيب وهو سيد التابعين وأكثرهم علمًا وفقهًا (ت: 94)
كانت له ابنة من أحسن النساء، وأكثرهن أدبًا وعلمًا، وأعلمهن بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فخطبها الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان لابنه الوليد بن عبد الملك، ولكن سعيد بن المسيب أَبَىَ أن يُزوجه إياها، وزوجها لتلميذ من تلامذته (وهو كثير بن أبي وداعة) وكان فقيرًا، فأرسل إليه بخمسة آلاف درهم، وقال: استنفق هذه، فلما جاء الصباح أراد كثير بن وداعة الخروج إلى حلقة سعيد بن المسيب، فقالت له: إلى أين؟ قال: إلى حلقة سعيد أتعلَّم العلْمَ، فقالت: اجلس أُعلِّمك علم سعيد بن المسيب، فجلس فعلَّمَتْهُ، فانظر كيف فضَّل سعيد بن المسيب العبد التقي على الجبَّار الغني، وأن هذا العبد التقي يعرف حقها ويرعى حق الله فيها.

  • وها هو ثابت بن إبراهيم
يمر على بستان من البساتين، وكان قد جاع حتى أعياه الجوع، فوجد تفاحة ساقطة منه؛ فأكل منها النصف، ثم تذكَّر أنها لا تحلُّ له إذ ليست من حقه، فدخل البستان فوجد رجلًا جالسًا، فقال: أكلت نصف تفاحة فسامحني فيما أكلت، وخذ النصف الآخر، فقال الرجل: أما إني لا أملك العفو، ولكن اذهب إلى سيدي، فالبستان ملك له، فقال: أين هو؟ قال: بينك وبينه مسيرة يوم وليلة، فقال:
لأذهبنَّ إليه مهما كان الطريق بعيدًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل لحم نبت من سُحت فالنار أولى به"
حتى وصل إلى صاحب البستان، فلما دخل عليه وقصَّ عليه القصص، قال صاحب البستان: والله لا أسامحك إلا بشرط واحد، فقال ثابت: خذ لنفسك ما رضيت من الشروط، فقال: تتزوَّج ابنتي؟ ولكن هي صمَّاء عمياء بكماء مُقعدة، فقال ثابت: قبلت خِطبتها، وسأتاجر فيها مع ربي، ثم أقوم بخدمتها، وتم عقد الزواج، فدخل ثابت لا يعلم هل يُلقي السلام عليها أم يسكت؟ لكنه آثر إلقاء السلام؛ لترد عليه الملائكة، فلما ألقى السلام؛ وجدها تردّ السلام عليه، بل وقفت وسلَّمت عليه بيدها، فعلم أنها ليست كما قال الأب، فسألها فقالت: إن أبي أخبرك بأني عمياء، فأنا عمياء عن الحرام، فلا تنظر عيني إلى ما حرَّم الله، صمَّاء من كل ما لا يرضي الله، بكماء لأن لساني لا يتحرك إلا بذكر الله، مُقعدة لأن قدمي لم تحملني إلى ما يُغضب الله، ونظر ثابت إلى وجهها فكأنه القمر ليلة التمام، ودخل بها وأنجب منها مولودًا ملأ طباق الأرض علمًا؛ إنه الفقيه أبو حنيفة النعمان


فمن نسل الورع جاء الفقيه
  • كان المبارك عبدًا رقيقًا، يشتغل أجيرًا عند صاحب بستان
وفي ذات يوم خرج صاحب البستان مع أصحاب له إلى البستان، وقال للمبارك: ائتنا برمانٍ حلو، فقطف رمانات ثم قدمها إليهم، فإذا هي حامضة، فقال صاحب البستان: أنت ما تعرف الحلو من الحامض؟ قال: لم تأذن لي أن آكل حتى أعرف الحلو من الحامض، فقال له: أنت من كذا وكذا سنة تحرس البستان وتقول هذا! – وظن أنه يخدعه - فسأل الجيران، فقالوا: ما أكل رمانة واحدة، فقال له صاحب البستان: يا مبارك، أريد أن أستشيرك في أمر مهم، إنني ليس عندي إلا ابنة واحدة، فلمَن أزوجها؟ فقال له: يا سيدي، لقد كان اليهود يزوجون للمال، والنصارى للجمال، والعرب للحسب، والمسلمون يزوجون للتقوى، فمن أي الأصناف أنت؟ زوِّج ابنتك للصنف الذي أنت منه، فقال: والله لا أزوجها إلا على التقوى، وما وجدت إنسانًا أتقى منك لله، فقد أعتقتك وزوجتك ابنتي".

سبحان الله! عفَّ المبارك عن رمانة من بستان؛ فسيق إليه البستان وصاحبته، والجزاء من جنس العمل، ومَن ترك شيئًا لله عوَّضه الله خيرًا منه.

ومن هذا البيت خرج عبد الله بن المبارك الذي ملأ الدنيا علمًا وورعًا، وكان يقول: لئن أردُّ درهمًا من شبهة خير لي من أن أتصدق بمائة ألف درهم، ومائة ألف درهم... حتى عدّ ستمائة ألف درهم
قال تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ } [الأعراف:58]


([1]) حري: أي حقيقة.

([2]) إلا ثلاثة: أي من بني إسرائيل.

([3]) صومعة: البناء المرتفع المحدد أعلاه.

([4]) أمي وصلاتي: أي اجتمع عليَّ إجابة أمي وإتمام صلاتي، فأيهما أُجيب؟

([5]) المومسات: وهن الزواني.

([6]) دعوني حتى أُصلِّي: دليل على أن البلاء يدفع بطاعة الله.

([7]) دآبة فارهة: حاذقة، نفيسة.

([8]) شارة حسنة: هي الجمال الظاهر في الهيئة والملبس.

([9]) تراجعا الحديث: أي حدثت الصبي وحدثها.



إسمهان الجادوي 11-09-2017 11:26 AM

رد: من تختارين؟ الصفات الواجب توافرها في شريك الحيا
 
ثانيًا: أن يكون حاملًا لقدر من كتاب الله عز وجل

فلقد كان أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة (ذلك الصحابي المهاجري) من أوائل المهاجرين والمسلمين، وأبو عتبة وعمه شيبة وأخوه الوليد بن عتبة كانوا جميعًا من أسياد مكة وأغنيائها، إلا أن أبا حذيفة زوَّج أخته هند من سالم مولاه (سالم مولى أبي حذيفة)؛ لأنه كان واحدًا من حفظة القرآن؛ ليهدم كل أصل من أصول الجاهلية؛ ويعلن بداية فجر جديد من المساواة التي لا تعترف بالفوارق إلا بالتقوى والعمل الصالح فالكل عبيد في مملكة الله تعالى.

ومما يدل على أن شريك الحياة يستحب فيه أن يكون حاملًا لقدر من كتاب الله عز وجل
- ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال:
"جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، جئت أهب لك نفسي، فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد النظر فيها وصوبه، ثم طأطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئًا؛ جلست، فقام رجل من أصحابه، فقال: يا رسول الله، إن لم يكن لك بها حاجة فزوِّجنيها، فقال: فهل عندك من شيء؟ فقال: لا والله يا رسول الله، فقال: اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئًا، فذهب ثم رجع، فقال: لا والله ما وجدت شيئًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انظر ولو خاتم من حديد، فذهب ثم رجع، فقال: لا والله يا رسول الله ولا خاتم من حديد، ولكن هذا إزاري (قال سهل: ما له رداء) فلها نصفه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تصنع بإزارك إن لَبِسْتُه لم يكن عليها منه شيء، وإن لبِسَتْه لم يكن عليك منه شيء، فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم موليًا فأمر به، فدعي، فلما جاء قال: ماذا معك من القرآن، قال: معي سورة كذا وسورة كذا... عددها، فقال: تقرؤهن عن ظهر قلبك، قال: نعم، قال: اذهب فقد ملكتها بما معك من القرآن".

إسمهان الجادوي 11-09-2017 11:27 AM

رد: من تختارين؟ الصفات الواجب توافرها في شريك الحيا
 
ثالثًا: أن يكون من بيئة كريمة

- فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا"

رابعًا: أن يكون رفيقًا لطيفًا بأهله (حسن الخلق)

- فقد أخرج مسلم من حديث سفيان عن أبي بكر بن أبي الجهم بن صخير العدوي قال:
"سمعت فاطمة بنت قيس تقول: إن زوجها طلقها ثلاثًا، فلم يجعل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم سكنى ولا نفقة، قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا حللت فآذنيني فآذنته، فخطبها معاوية وأبو جهم وأسامة بن زيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما معاوية فرجل ترب لا مال له، وأما أبو جهم فرجل ضرَّاب للنساء،ولكن أسامة بن زيد، فقالت بيدها: هكذا أسامة أسامة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: طاعة الله وطاعة رسوله خير لك، قالت: فتزوجته فاغتبط ".

- فحذَّرها النبي صلى الله عليه وسلم من أن تتزوج من أبي جهم لأنه ضرَّاب للنساء.

- وأخرج البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"أكمل المؤمنين إيمانًا: أحسنهم خلقًا، وألطفهم بأهله".
فعلى المسلمة أن تحرص حرصًا كبيرًا على التأكد من حُسن خُلق الخاطب، ولا تقصر في هذا الأمر، فإن الزوج إن كان سيء الأخلاق قبيح المعاملة؛ ساءت الحياة الزوجية.

جاء في كتاب "تحفة العروس" (صـ77):
"أن أعرابية تقدم لخطبتها شاب، فأعجبها جماله، ولم تهتم بأخلاقه وسلوكه، فنصحها والدها بعدم صلاحه، فلم ترضَ، فأكد عليها عدم قبوله، فرفضت، وأخيرًا تزوجته، وبعد شهر من زواجها زارها أبوها في دارها فوجد جسمها عليه علامات الضرب من زوجها، فتغافل عنه، وسألها: كيف حالك يا بُنيتي؟ فتظاهرت بالرضا، فقال لها أبوها: وما هذه العلامات التي في جسدك؟ فبكت ونحبت طويلًا، ثم قالت: ماذا أقول لك يا أبتاه؟ إني عصيتك واخترته دون أن أهتم بمعرفة الأخلاق، وحُسن المعاملة"
واعلموا أيها الأحبة... أن أساس حُسن الخُلق: الحلم، والتواضع، والكرم، والرحمة.


إسمهان الجادوي 11-09-2017 11:28 AM

رد: من تختارين؟ الصفات الواجب توافرها في شريك الحيا
 
خامسًا: أن يكون مستطيعًا للباءة بنوعيها

(وهي القدرة على الجماع، وعلى مؤن الزواج وتكاليف المعيشة)
- فلقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس رضي الله عنها كما في "صحيح مسلم":
"أما معاوية فصعلوك لا مال له".
فنهاها أن تتزوج معاوية لأنه فقير لا مال له (أي ليس له قدرة على مؤن الزواج)

- ولقد حث النبي صلى الله عليه وسلم الشباب على الزواج عند استطاعتهم الباءة
فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومَن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".
قال الشوكاني رحمه الله في "نيل الأوطار" نقلًا عن الخطابي قوله:
"المراد بالباءة: (النكاح)"
قال النووي رحمه الله:
"اختلف العلماء في المراد بالباءة هنا على قولين، يرجعان إلى معني واحد:-
أصحهما: أن المراد معنـاها اللغوي: وهو الجماع؛ فتقديره: مَن استطاع منكم الجمـاع لقدرته على مؤنة - وهي مؤنة النكاح – فليتزوج، ومَن لم يستطع لعجزه عن مؤنته؛ فعليه بالصوم؛ ليدفع شهوته؛ ويقطع شر منيِّه كما يقطع الوجاء.
والقول الثاني: أن المراد بالباءة: مؤنة النكاح، سميت باسم ما يلازمها، وتقديره: مَن استطاع منكم مؤن النكاح فليتزوج، ومن لم يستطع فَلْيَصُم".


سادسًا: أن يكون قويًا أمينًا

قال تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ } ([1])، ([2]) [القصص 26]
فالرجل الغير أمين يضرب المرأة ويهينها، فأين هي كلمة الله إذًا؟ فلا يحل له أن يضربها بغير جريرة، ولا يحل له أن يهجرها بغير جريرة، وينبغي أن يتلطف معها.
وهذا كله داخل تحت الأمانة، ومَن يفعل فهو خائن؛ لأنه أخذها بكلمة الله، فهو إما أن يعاشرها بالمعروف، أو يسرحها بإحسان.
فالمرأة تبذل مجهود غير طبيعي: من تربية الأولاد، وترتيب البيت، وتعليم الأولاد، والله عز وجل أعطاك القوامة، وأعطاك من سعة الصدر لما يسع أربعة نسوة، فكيف لا تصبر على امرأة واحدة؟ إذًا هناك خلل.

يقول الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم – حفظه الله - في "عودة الحجاب"(2 /357):
يجب على ولي المرأة أن يتقي الله فيمن يزوجها به، وأن يراعي خصال الزوج، فلا يزوِّجها ممَّن ساء خلقه، أو ضعف دينه، أو قصر عن القيام بحقها، فإن النكاح يشبه الرِّقَّ، والاحتياط في حقها أهم؛ لأنها رقيقة بالنكاح لا مخلص لها، والزوج قادر على الطلاق بكل حال.
- وفي الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"استوصوا بالنساء خيرًا؛ فإنما هن عندكم عوان"
فالمرأة عند زوجها تشبه الأسير والرقيق، فليس لها أن تخرج من منزله إلا بإذنه، سواء أمرها أبوها أو أمها أو غير أبويها باتفاق الأئمة.


([1]) قوي: لاكتساب الرزق وللدفاع عن المرأة.

([2]) أمين: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بكلمة الله ".



إسمهان الجادوي 11-09-2017 11:29 AM

رد: من تختارين؟ الصفات الواجب توافرها في شريك الحيا
 
سابعًا: أن يكــون كفؤًا

ومعنى الكفاءة: المساواة والمماثلة، ورجل كُفء لامرأة، أي: يساويها ويماثلها.
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم كما في سنن أبي داود: "والمسلمون تتكافأ دماؤهم "
فالكفاءة: هي المساواة والتقارب بين الزوج والزوجة، في المستوى الديني والأخلاقي والاجتماعي والمادي، ولا ريب أن تكافؤ الزوجين من الأسباب الأساسية في نجاح الزواج، وعدم التكافؤ يُحدِث نوعًا من النفرة ويسبب الفسخ والشقاق.

Ÿ والكفاءة تشمل:
1. الكفاءة في الدين:
وهي معتبرة في النكاح، بل هي شرط في صحته باتفاق أهل العلم، فلا يجوز للمرأة أن تتزوج كافرًا بالإجماع، فالمسلمة لا يكافئها إلا مسلم، والكفاءة في الدين معتبرة بالإجماع.

وكذلك لا ينبغي للمسلم أن يُزوِّج وليته الصالحة من رجل فاسق، فقد قال تعالى:
{الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ }([1]) [النور 26]
وإن كان هذا لا يشترط في صحة العقد إلا أنه من الأهمية بمكان.
فإن الرجل يدفع بوليته إلى فاسق، ويقدِّمه على صاحب الدين، ويكون الدافع لذلك؛ إما لكثرة ماله؛ وإما لمنصبه، وربما كانوا أصحاب وظائف محرمة ومُعْرِضون عن طاعة الله عز وجل، ومُضيِّعون لأوامره، وهؤلاء الأولياء سيُسألون أمام الله عز وجل عن تضييعهم لبناتهم.

- وروى ابن حبان عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه أَحَفِظَ ذلك أم ضيَّعه؟ حتى يُسأل الرجل عن أهل بيته؟"

قال ابن رشد كما في "بداية المجتهد ونهاية المقتصد"(2/16):
"ولم يختلف المذهب (المالكي) أن البكر إذا زوَّجها الأب من شارب الخمر وبالجملة من فاسق أن لها أن تمنع نفسها من النكاح، وينظر الحاكم في ذلك فيُفرِّق بينهما، وكذلك إذا زوَّجها ممَّن ماله حرام، أو ممَّن هو كثير الحلف بالطلاق".

2. الكفاءة في النسب:
وهي معتبرة عند جمهور العلماء خلافًا للإمام مالك.
ومعنى كونها معتبرة، فحاصله: أنهم يعتبرون للهاشمي الحق في أن لا يزوج ابنته إلا بهاشمي.

3. الكفاءة في المـال:
قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } [النساء:34]
وهي معتبرة عند الحنفية، والحنابلة، وقول عند الشافعية.
فقد أخرج الإمام أحمد بسند حسن من حديث بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن أحساب أهل الدنيا هذا المال"

4. الكفاءة في الحرية:
وهي معتبرة عند الجمهور، خلافًا لمالك.

5. الكفاءة في الصنعة والمهنة:
وقد اعتبرها الحنفية والشافعية والحنابلة.

6. السلامة من العيوب (أي العيوب الفاحشة)
وهي معتبرة عند المالكية، والشافعية، وابن عقيل من الحنابلة.
واستدلوا بحديث: "فِر من المجزوم فرارك من الأسد".
وحديث: "لا يوردن ممرض على مصح"

لكن هناك سؤال: هل الكفاءة شرط في صحة النكاح؟
اختلف أهل العلم على قولين:-
× القول الأول: إن الكفاءة ليست شرطًا في صحة النكاح (وهو القول الراجح)
وهو قول جمهور العلماء منهم: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد في رواية، وهو مروي عن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما، ومما يدل على ذلك:-
1. تزويج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش (وهي أسدية من أعلى العرب نسبًا) بزيد بن حارثة رضي الله عنه وهو مولى، وقصتها في كتاب الله عز وجل، فقال الله تعالى:
{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا } [الأحزاب:37]


2. تزويج النبي صلى الله عليه وسلم (وهو هاشمي) ابنتيه بعثمان بن عفان (وهو قرشي)
وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الإمام مسلم:
"إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم".
فالهاشمي أعلى درجة في الشرف من القرشي، ومع هذا تم الزواج وصحَّ.



3. تزويج النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد (وهو مولى) بفاطمة بنت قيس (وهي قرشية)
والحديث في "صحيح مسلم" عندما جاءت تستشير النبي صلى الله عليه وسلم في زواجها من معاوية وأبي جهم، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:
"أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فرجل لا يضع عصاهُ عن عاتقه، ولكن انكحي أسامة"

4. أن الفخر في الأحساب من أمر الجاهلية:
- فقد أخرج الإمام مسلم من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" أربع من أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة ".


5. قال تعالى: {وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى([2]) مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [النور: 32]
فالفقر في الحال لا يمنع التزويج؛ لاحتمال حصول المال في المآل.


6. أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه:
"أن زينب امرأة ابن مسعود قالت: يا نبي الله إنك أمرت اليوم بالصدقة، وكان عندي حُلِيٌ لي فأردت أن أتصدَّقَ بها، فزعم ابن مسعود أنه وولده أحقَّ مَن تصدقتُ عليهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صَدَق ابن مسعود زوُجكِ وولدُك أحق مَن تصدَّقتِ به عليهم ".
فدلَّ على أنها كانت أثري منه بكثير. والله أعلم.
- وكذلك زوَّج النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا فقيرًا لا يملك إلا إزارًا بالمرأة التي جاءت تهب نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم.
- وتزوج بلال رضي الله عنه أخت عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.

7. ومن هذه الأدلة ما أخرجه البخاري من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أنه قال:
"مَرَّ رجل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لرجلٍ عنده جالس: ما رأيك في هذا؟ فقال: رجلٌ من أشرافِ الناس هذا والله حريٌ([3])إن خطب أن يُنكحَ، وإن شفعَ أن يُشفَّع، قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مرَّ رجلٌ آخرُ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيك في هذا؟ فقال: يا رسول الله هذا رجلٌ من فقراء المسلمين هذا حريٌ إن خطب أن لا يُنكحَ، وإن شفع أن لا يُشفَّع، وإن قال أن لا يُسمَع لقوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خيرٌ من ملءِ الأرض مِثل هذا ".

8. أخرج أبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:
"أن أبا هندٍ حَجَّم النبي صلى الله عليه وسلم في اليافوخ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا بني بياضة أنكحوا أبا هندٍ وانكحوا إليه".
وأبو هند هو مولى بني بياضة وليس من أنفسهم ثم هو يعمل حجَّامًا وقد كانت هذه الصناعة من أحقر الصناعات في زمانهم، وهذا ما ذهب إليه أبو حنيفة، حيث قال: إن هذا ليس بنقص

9. أخرج البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت:
"اشتريت بريرة فاشترط أهلها ولاؤها، فذكرتُ ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فخَيَّرها من زوجها، فقالت: لو أعطاني كذا وكذا ما ثبتُّ عنده".

- وفي رواية أخرى عند البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما:
"أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: لو راجعتِهِ، قالت: يا رسول الله تأمرني؟، قال: إنما أنا أشفع، قالت: لا حاجة لي فيه ".
ولا يشفع إليها النبي صلى الله عليه وسلم أن تنكح عبدًا إلا والنكاح صحيح إن تمّ، ورضيت بريرة بالزواج منه. والله أعلم.

فهذا هو القول الأول، وهذه هي أدلتهم على أن الكفاءة ليست شرطًا في صحة النكاح.


([1]) في الآية وجهان من التفسير:-
أحدهما: أن الكلمات الخبيثة تصدر من الخبيثين، والكلمات الطيبة تصدر من الطيبين.
والثاني: أن المراد النساء الصالحات الطيبات ينبغي أن يتزوجن بالصالحين الطيبين، والنساء الخبيثات يتزوجن بالخبيثين.
فإن قال قائل: كيف وامرأة نوح وامرأة لوط كانتا كافرتين؛ كما قال تعالى: { ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ{10} وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ...} [التحريم:10-11]
فالإجابة من وجوه: أولها: أنه قد يكون ظاهر امرأة نوح وامرأة لوط الصلاح، لكنهما في حقيقة أمرهما فاسدتان، ويؤيد ذلك قوله تعالى: { فَخَانَتَاهُمَا}، الثاني: أن هذا شرع من قبلنا، وكان يجوز فيه الزواج بالكافرة، كما كان جائزًا في أوائل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم.
الثالث: أن الحكم للأغلب، فالغالب أن الصالحين يحرصون على الزواج بالصالحات، والطيبون يحرصون على الزواج بالطيبات، وكذلك الخبيثون يحرصون على الزواج بالخبيثات، لكن قد يحدث أحيانًا أن يُخدع رجل صالح ويقع في الزواج بامرأة فاسدة، أو تُخدع صالحة وتقع في شراك رجل فاسد، والله تعالى أعلم.


([2]) الأيامى: جمع أيم، ويقال ذلك للمرأة التي لا زوج لها، وللرجل الذي لا زوجة له، وسواء كان قد تزوج ثم فارق، أو لم يتزوج واحد منهما.

([3]) حري: أي حقيقة.



إسمهان الجادوي 11-09-2017 11:30 AM

رد: من تختارين؟ الصفات الواجب توافرها في شريك الحيا
 
× والقول الثاني: أن الكفاءة شرط في صحة النكاح (وهو المرجوح)
وهو مذهب الإمام أحمد في الرواية المشهورة عنه، والثوري، وبعض الأحناف
واستدلوا بجملة أدلة لا يثبت منها شيء، وما ثبت منها فليس صريحًا في الشرطية، ولا يقوى على معارضة ما تقدَّم من النصوص.
والتحقيق في المسألة: أن الإسلام لم يشترط الكفاءة بين الزوجين إلا في الدين والخُلق، كذلك من شروط الكفاءة: السلامة من العيوب المُخلة بأغراض النكاح في الإسلام، كأن يكون الزوج عِنينًا أو حصورًا لا يأتي النساء أو خنثى.

· فلم يشترط الإسلام الكفاءة في النسب، وقد مرَّ بنا طرفًا من ذلك، وكذلك فالنبي تزوَّج صفية بنت حُيي رضي الله عنها وهي يهودية، وتزوَّج جويرية بنت الحارث رضي الله عنها وأسرتها مُشرِكَة، وزوَّج أبا العاصي بن الربيع زينب رضي الله عنها (بنت النبي صلى الله عليه وسلم)
- وقد تزوَّج الحسين بن علي رضي الله عنهما أعجمية من الفُرس؛ فولدت له علي زين العابدين.

وقال ابن قدامة رحمه الله: "فأما الحرية فالصحيح أنها من شروط الكفاءة، فلا يكون العبد كفء لحرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خيَّر بريرة حين عُتقت تحت عبد، فإذا ثبت الخيار بالحرية الظاهرية فبالحرية المقارنة أولى؛ لأن نقص الرق كبير، وضرره بين، فإنه مشغول عن امرأته بحقوق سيده، ولا ينفق نفقة الموسرين، ولا ينفق على ولده فهو كالمعدوم بالنسبة لنفسه، ولا يمنع صحة نكاح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبريرة:
"لو راجعتيه، قالت: يا رسول الله أتأمرني؟ قال: إنما أنا شفيع، قالت: فلا حاجة لي فيه"
(رواه البخاري)
ومراجعتها له ابتداء النكاح، فإنه قد انفسخ نكاحها باختياره، ولا يشفع إليها النبي صلى الله عليه وسلم في أن تنكح عبدًا إلا والنكاح صحيح.

· ولم يشترط الإسلام الحرية، فقد تزوَّج زيد بن حارثة (وهو مولى) زينب بنت جحش (وهي أسدية)، كما تزوج ابنه أسـامة فاطمة بنت قيس، وزوَّج أبو حذيفة هندًا بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة ( أخته – وهي قرشية -) بسالم مولاه، وتزوَّج المقداد بن الأسود مولى الأسود بن عبد يغوث ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب الهاشمية.

ملاحظة: الأَمَةُ إذا كانت متزوجة من عبد ثم أعتقت، فهي تُخيَّر
وذلك لما أخرجه البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "اشتريت بريرة فاشترط أهلها ولاءها، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أعتقيها، فإن الولاء لمَن أعطى الوَرِق([1])، فأعتقتها، فدعاها النبي صلى الله عليه وسلم فخيَّرَهَا، فقالت: لو أعطاني كذا وكذا ما ثبتُّ عنده".
وفي رواية للبخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما:
"أن زوج بريرة كان عبدًا يُقال له: مُغيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس: يا عباس ألا تعجب من حب مُغيث بريرة؟ ومن بُغض بريرة مُغيثًا ـ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ـ لو راجعته؟، فقالت: يا رسول الله أتأمرني؟ قال: إنما أنا أشفع، قالت: لا حاجة لي فيه".
- إذًا فالكفاءة المعتبرة بين الزوجين هي الكفاءة في الدين، وأما غاية ما في النكاح غير الكفء أنه نقص على المُزوجة والولاة، فإذا رضيت المُزوجة ومن له الأمر معها بالنقص لا يرد النكاح، وهذا عند كثير ممَّن قال باعتبار الكفاءة.
قال القرطبي رحمه الله معلقًا ومُعقبًا على قصة موسى عليه السلام مع صالح مدين:
"الكفاءة في النكاح معتبرة، واختلف العلماء: هل هي في الدين والمال والحسب أو في بعض ذلك، والصحيح: جواز نكاح الموالي للعربيات والقرشيات؛ لقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ }
[الحجرات:13]
وقد جاء موسى عليه السلام إلى صالح مدين غريبًا طريدًا خائفًا وحيدًا جائعًا عُريانًا فأنكحه ابنته لما تحقق من دينه ورأى من حاله وأعرض عما سوى ذلك.
فالراجح: أن الكفاءة المشترطة هي الكفاءة في الدين وهي محل اتفاق بين العلماء.

قال ابن حجر رحمه الله كما في "فتح الباري" (9/1329):
واعتبار الكفاءة في الدين متفق عليه فلا تحل المسلمة لكافر أصلًا.
وقال ابن القيم رحمه الله كما في "زاد الميعاد" (5/159):
والذي يقتضيه الحكم اعتبار الدين في الكفاءة أصلًا وكمالًا فلا تزوج عفيفة لفاجر ولم يعتد القرآن والسنة في الكفاءة أمرًا وراء ذلك.


- والأدلة على ذلك متواترة في الكتاب والسنة:

× أما الأدلة القرآنية
1. قال تعالى: {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }[البقرة:221]
2. وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } [الممتحنة:10]
3. وقوله تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ }[النور:26]
4. وقوله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ }[النور:3]
5. وقوله تعالى: {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ } [النور:26]
6. وقوله تعالى: { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } [الحجرات:13]
7. وقوله تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } [الحجرات:10]
8. بعد أن ذكر الله المحرمات من النساء، قال تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ } [النساء:24]
ولم يشترط حسبًا ولا مالًا؛ فقال تعالى: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء } [النساء: 3]

×وأما الأدلة النبوية
1. ما أخرجه الإمام أحمد بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لا فضل لعربيٍّ على عجمي ولا لعجميٍّ على عربي، ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى، الناسُ من آدم وآدم من تراب".
2. وأخرج البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء، إن أوليائي المتقون حيث كانوا وأين كانوا".

3. وفي الحديث الذي أخرجه الترمذي بسند فيه مقال، وحسَّنه البعض بشواهده من حديث أبي حاتم المزني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إذا جاءكم مَن ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفسادٍ كبير"
4. أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"فاظفر بذات الدين تربت يداك"

فهذه الآيات وتلك الأحاديث العامة المُطلقة تبين كفاءة الدين ولم تشترط شيئًا آخر.

- لكن يُستحب لأولياء المرأة النظر بعين الاعتبار إلى الكفاءة في بعض الأمور (بجانب الدين)، والتي تناسب المرأة، وحتى تستمر الحياة الزوجية ولا يحدث نُفرة وشِقاق؛ لوجود فوارق مالية أو علمية أو اجتماعية... أو ما شاكل ذلك.
فقد اعتبر بعض أهل العلم الكفاءة في الصناعة، بل ذهب بعضهم إلى أنها شرط، فمَن كان من أهل الصنائع الدنيئة: كالحائك والحجَّام والحارس والكسَّاح والدبَّاغ والقيِّم والحمَّامِي والزبَّال، فليس بكفء لبنات ذوات المروءات، أو أصحاب الصنائع الجليلة كالتجارة والبناية؛ لأن ذلك نقص في عرف الناس فأشبه نقص النسب، قالوا: وقد جاء في الحديث:
"العرب بعضهم أكفاء لبعض إلا حائكًا أو حجَّامًا"
قيل لأحمد رحمه الله: وكيف تأخذ به وأنت تضعِّفه؟، قال: العمل عليه"
يعني: أنه ورد موافقًا لأهل العرف.

فعلى سبيل المثال إذا تزوجت طبيبة (مديرة مستشفى مثلًا) بعامل نظافة في تلك المُستشفى (ولا شك أن هذا حلال وجائز)؛ فسيحدث نشوز وتعالٍ ونفور من مثل هذه الزوجة على الزوج في غالب الأحوال.
كذلك إذا كانت المرأة أكثر مالًا، أو تعمل وتنفق في البيت؛ فسيفقد الرجل جزءًا من القوامة، ولا يستطيع أن يسيطر عليها، وخصوصًا مع قِلة الوازع الديني في هذا الزمان.
قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } [النساء:34]
فقوامة الرجل على المرأة تكمن في شيئين:
أحدهما: شيء جبلِّي (وهي ما اختص الله به الرجل في خِلقته)
الثاني: شيء خارج وهو الإنفاق من الأموال، سواء كان في الصداق أوفي الإنفاق على البيت.
فبهذين تتم القوامة وتتحقق، فإذا اختل أحدهما اختلت القوامة.
فإذا كانت المرأة هي التي تنفق على البيت؛ فلا شك حينئذٍ أنه سيكون لها نصيب من القوامة، مما يُحدِث مشاكل في البيت وهذا في الغالب.
وكذلك فالطبيبة لا يحسن بحال أن تتزوج القهوجي والسمكري والكُمسري (مُحَصِّل الأوتوبيس) والصرَّمَي والحذَّاء (مع احترامنا لأصحابها وهذا ليس تقليلًا من شأنهم) وهذا لا يكون في الغالب؛ لاختلاف المستوى الخُلقي والعلمي، ولا تقبل وهي صاحبة المنصب والجاه والمال والعلم أن تخضع لمن تفوقت عليه علميًا وماليًا وأخلاقيًا وتربويًا، وإن خضعت في مبادئ الزواج فستتضح صورتها عند الشدائد الصِلاب والمشكلات الصِعاب.
وبهذا يتضح لنا ممَّا سبق:- أنه يستحب لنا النظر بعين الاعتبار إلى الكفاءة في باقي الأمر، وإن كان هذا ليس شرطًا في صحة النكاح؛ إلا أنه أساس في استمرار الحياة، وعدم النُفرة والشِقاق، وهناك أدلة تشهد لما نقول:
1. ما أخرجه الإمام مسلم من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها:
"أنها جاءت تستشير النبي صلى الله عليه وسلم وقد خطبها معاوية وأبو جهم (ولا شك أن الكفاءة من حيث الدين هنا موجودة فضلًا عن شرف الصحبة)، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: " أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فضرَّاب للنساء".

2. ما أخرجه النسائي عن عبد الله بن بُريدة عن أبيه رضي الله عنه قال:
"خطب أبو بكر وعمر فاطمة رضي الله عنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها صغيرة، فخطبها عليٌّ فزوَّجها منه"

قال السندي رحمه الله في "حاشيته على النسائي"(6/62):
"قوله: "فخطبها عليٌّ" أي عقب ذلك بلا مهلة كما تدل عليه الفاء فعلم أنه لاحظ الصغر بالنظر إليها، وما بقي ذاك بالنظر إلى علىَّ فزوجها منه، ففيه أن الموافقة في السن أو المقاربة مرعية لكونها أقرب إلى المؤالفة.
وقد يترك ذاك لما هو أعلى منه كما في تزويج عائشة رضي الله عنها والله أعلم.

ونقل النووي رحمه الله في "روضة الطالبين"(7/183):
"رأى الشافعي أن الشيخ لا يكون كفؤًا للشابة على الأصح (وقلنا من قبل أن هذا ليس شرطًا) فكيف سيكون هناك وِفاق بين شيخ فاني له عادات وتقاليد غير عادات عصر الفتاة؟ بل وقدرات تقل عن الوفاء بحاجاتها من الناحية الجنسية، والله تعالى يقول: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:228]

3. ما أخرجه البخاري ومسلم من حديـث يحي بن أبي كثير عن أبي سلمة
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تنكح البكر حتى تُستأذن، ولا الثيب حتى تُستأمر"

- وفي رواية هي عند البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" لا تُنكَح الأيمُ حتى تُستأمر، ولا تُنكح البكر حتى تُستأذَن، قالوا: يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت ".

خلاصة ما سبق:
أن الكفاءة في الدين هي الشرط الوحيد في النكاح، وأما فيما عدا ذلك فليس بشرط، لكن لكل من الزوجين وأولياء الزوجة الحق في اختيار مَن يناسبها ويساويها، وتحسن معه العشرة، وتتحقق معه دواعي الاستقرار والانسجام في الأسرة، وتجنب دواعي الشِقاق والضرر والتنغيص، لكنها إن تنازلت عمّن يناسبها من حيث الحسب والصنعة والمال... ونحو ذلك؛ فزواجها صحيح لا شيء فيه.









([1]) الوَرِق: الفضة.



إسمهان الجادوي 11-09-2017 11:30 AM

رد: من تختارين؟ الصفات الواجب توافرها في شريك الحيا
 
فــوائد وملاحظــات

1) الكفاءة عند مَن يشترطها إنما هي في حق المرأة والأولياء:
بمعنى أن المرأة وأولياءها إن رضوا بعدم الكفء صح النكاح، ولم يقل الإمام أحمد ولا غيره من العلماء أنه باطل. (زاد الميعاد)
2) كثير ممن لا يشترطون الكفاءة في صحة النكاح يرون أنها شرط لزوم:
بمعنى أنه: إن عُقد النكاح مع وجودها لزم النكاح، وإن عُقد النكاح مع عدم وجودها برضا المرأة والأولياء صحَّ، وإن لم يرضَ أحد الأولياء فله فسخ النكاح.
وهذا مذهب الشافعية، وظاهر مذهب الحنفية، والمعتمد عند المالكية، ومُتأخري الحنابلة. (المغني: 6/480)
3) الكفاءة معتبرة في الرجل دون المرأة:
فإذا تزوج الرجل امرأة ليست كفؤًا له فلا غبار عليه لأن القوامة بيده والأولاد يُنسبون إليه والطلاق بيده - وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من أحياء العرب – ولا مكافئ له في دين ولا نسب وتسرَّى بالإماء.
- وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه البخاري ومسلم: "من كانت عنده جارية فعلَّمها وأحسن تعليمها، وأحسن إليها، ثم أعتقها وتزوَّجها، فله أجران"
ومن المعلوم كذلك أن الرجل له أن يتزوج يهودية، أو نصرانية؛ لقوله تعالى:
{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ } [المائدة:5]
4) ينبغي للمرأة أن تختار صاحب الخلق والدين ولو كان فقيرًا:
بل إنها لو كانت غنية واختارته لدينه، واستعملت مالها له في الدعوة إلى الله عز وجل؛ لكانت مُثابةً عند الله، ولكان لها أسوة بأم المؤمنين خديجة بنت خويلد.
5) الرجل العالم كفء لكل امرأة:
قال الشيخ محمد إسماعيل المقدم – حفظه الله - كما في "عودة الحجاب" (2/253):
"اعلم أن الفقهاء الذين تشددوا في اشتراط الكفاءة وتوسعوا فيه، قالوا: الرجل العالم كفء لكل امرأة مهما كان سنها وإن لم يكن له نسب معروف؛ وذلك لأن شرف العلم دونه كل نسب وكل شرف".
قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ } [الزمر:9]
وقال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } [المجادلة:11]
- وأخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ:
"مَن أكرم الناس؟ فقال: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: فأكرمهم عند الله اتقاهم، قالوا: وليس عن هذا نسألك، فقال: عن معادن العرب، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ".


إسمهان الجادوي 11-09-2017 11:31 AM

رد: من تختارين؟ الصفات الواجب توافرها في شريك الحيا
 
واحذري هذا النوع من الرجال

1. احذري الفاسق:
قال تعالى: {أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا ([1]) لَّا يَسْتَوُونَ }[السجدة:18]
فمَن زوَّج ابنته بفاسق؛ فقد جنى على دينها وتعرض لسخط الله؛ لأنه كان سببًا لقطع الأرحام بسبب سوء الاختيار.
- أخرج ابن حبان في الضعفاء ورواه في الثقات من قول الشعبي بإسنادٍ حسن:
" مَن زوَّج كريمته من فاسق؛ فقد قطع رحمها "
والفاسق يجر فسقه إلى الصالحة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافح الكير..." الحديث.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
ومن كان مُصرًا على الفسوق لا ينبغي أن يُزَوَّج.

2. احذري العقيم:
فقد حثَّنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نتزوج الولود، فإننا نحذِّر الزوجة ألا تتزوج العقيم.
وذلك للحديث الذي أخرجه أبو داود والنسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" تزوجوا الودود الولود؛ فإني مُباهٍ بكم الأمم يوم القيامة ".

3. احذري الضرَّاب للنساء:
فقد أخرج الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت قيس في شأن أبي جهم:
" أما أبو جهم فرجل لا يضع عصاه عن عاتقه، ولكن انكحي أسامة ".
جاء في روايات الصحيح: " وأما أبو جهم فضرَّاب للنساء ".
وهذا تفسير لرواية: "لا يضع عصاه عن عاتقه"

4. احذري دميم الخِلقة:
فالإنسان منا مفطور على حب الجمال، وكراهية القبح، ودمامة الوجه وقبح المنظر يبعثان على الكراهية وهذا في الغالب.
- فقد أخرج البخاري بسنده:
"أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه رأت زوجها يومًا قد أقبل ومعه جماعة من الرجال، فإذا هو أقصرهم، وأقبحهم منظرًا، فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله ما أعتب عليه في خُلق ولا دين ([2])، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتُردِين عليه حديقته؟، قالت: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقبل الحديقة وطلِّقها تطليقة"
وهذا ما يسمى بالخلع.

- وفي رواية أخرى عند البخاري أيضًا:
"أن جميلة بنت أبي ابن سلول (أخت عبد الله بن أبي بن سلول) قالت: يا رسول الله، لا يجتمع رأسي ورأس ثابت أبدًا، إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدة رجال، فإذا هو أشدهم سوادًا، وأقصرهم قامة، وأقبحهم وجهًا، فقال صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، فردتها وأمره أن يطلقها".

فليس من الخير أن تستمر الحياة الزوجية مع ذلك النفور وتلك الكراهية؛ حتى لا تزل المرأة وتنجرف إلى طريق الانحراف والغواية (إن لم يكن عندها دين يردعها).

([1]) والفاسق في الآية محمول على الكافر أيضًا؛ لقوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ }[السجدة:20]، ومما لا شك فيه أن المُكذب بعذاب النار كافر.

([2]) ما أعتب عليه في خلق ولا دين: أي أنها لا تريد مفارقته لسوء خلقه ولا لنقصان دينه، ولكن كانت تكرهه لدمامته، وهي تكره أن تحملها الكراهية على التقصير فيما يجب له من حق، والمقصود بالكفر (كفران الزوج ) أي حقه.

إسمهان الجادوي 11-09-2017 11:33 AM

رد: من تختارين؟ الصفات الواجب توافرها في شريك الحيا
 
لكن قد يكون الرجل الدميم أفضل من كثير من الرجال، فعلى المرأة أن تصبر إن استطاعت، فإننا قد نجد في الصبر على ما نكره خيرًا كثيرًا.
- فقد أخرج الإمام أحمد من حديث أنس رضي الله عنه قال:
"خطب النبي صلى الله عليه وسلم امرأة من الأنصار من أبيها لرجل يدعى (جلبيب) وكان جلبيب قصيرًا دميمًا، فكأن الأنصاري أبا الجارية كره ذلك، فقال: حتى استأمر أمها فقال صلى الله عليه وسلم: نعم إذًا، فانطلق الرجل إلى امرأته فذكر ذلك لها فأبت أشد الإباء، فقالت الجارية بعدما سمعت حديثهما: أتريدون أن تردُّوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره، ثم تلت قول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ }[الأحزاب:36]، وقالت: رضيت وسلمت لما يرضي به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم أصبب عليها الخير صبا ولا تجعل عيشها كدًا، فكانت من أكثر الأنصار نفقة ومالًا، قال أنس: فما كان من الأنصار أيم انفق منها".
ولقد تأيَّمت بعدما خرج جلبيب مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة.

وذكر صاحب "تحفة العروس" (صـ147):
"أن العتبي كان يمشي في شوارع البصرة، وإذا بامرأة من أجمل النساء وأظرفهن تلاعب شخصًا سمجًا قبيحًا، وكلما كلمته تضحك في وجهه، فدنوت منها وقلت لها: مَن يكون هذا منك؟ فقالت: هو زوجي، فقلت لها: كيف تصبرين على سماجته وقبحه مع حسنك؟ فقالت: يا هذا لعله رزق مثلي فشكر، وأنا رزقت مثله فصبرت، والصبور والشكور من أهل الجنة، أفلا أرضى بما قسمه الله لي؟ قال العتبي رحمه الله: فأعجزني جوابها، فمضيت وتركتها".

1. احذري مَن به عيب مُنفر، أو مرض ساري، أو عِلة معدية:
ومن العيوب التي ذكرها العلماء والتي تختص بالرجل (الجُب والعُنة):-
ومعنى المجبوب: المقطوع الذكر.
والعِنين: وهو من به عُنة وهو أن يُحبس عن الجماع، أي لا يتمكن من جماع زوجته، وقد يكون ذلك طبيعيًا وقد يكون حادثًا.


وقال ابن عثيمين رحمه الله كما في "الشرح الممتع":
"وأما ضعف الرجل في الجماع فليس بعُنة، حتى لو كان لا يجامع إلا في الشهر مرة واحدة؛ لأنه ثبت أنه يجامع".

ملاحظة:
إذا كانت العُنة طارئة ثبت لها حق الفسخ إذا ثبت أنها لن تعود قدرته على الجماع، وأما إن كانت تزول بالعلاج فقد ذهب ابن عثيمين رحمه الله إلى أننا لا نمكنها من الفسخ.
- وثبت عن عمر وعثمان وابن مسعود والمُغيرة رضي الله عنهم:
أن العنين يؤجل سنة
وبعضهم يقول: "عشرة أشهر، فإن جامع خلال هذه السنة ولو مرة فليس بعنين، وإن لم يجامع فلها حق الفسخ".

قال ابن عثيمين رحمه الله:
"وهل هذا حكم تشريعي أم قضائي؟ ثم بيَّن رحمه الله أنه لو كان تشريعًا فلابد من العمل به، وإن كان قضائيًا فإن نظر القاضي يختلف من حين لآخر، وعليه فلا بأس من الاستعانة بمجال الطب في فحصه، ومعرفة ما إذا كان عنينًا أم أنه يمكنه أن تعود إليه قوة الجماع".

- والأظهر: أنه حكمٌ قضائيٌ، ولا بأس بالاستعانة بالأطباء ذوي الخبرة على تحديد هذا الموقف، خاصة وأن المرأة قد تتسبب بسوء عِشرتها إلى سوء الحالة النفسية للرجل، بحيث إنه لا يتمكَّن من غشيانها وقد تعكَّر عليه وطئها.


2. ومن العيوب التي ذكرها العلماء أيضًا: (الخصيّ والسَّل)
الخصي: وهو مقطوع الخصيتين.
السَّل: بفتح السين، وهو مسلول الخصيتين.




الساعة الآن 06:02 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.1 TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
يرحل الجميع ويبقي شعاع بيت العلم والحب(ملك الكلمة)