#1
| |||||||||||||
| |||||||||||||
وليالٍ عشر.. ✳ الَّليلة الثالثة اسـأَل رِمالَ مكّة عن آلامِ خُطى هاجرَ و هي تتماسك ؛ كي لا تلحق بإبراهيم ! يَقولون يـا هاجَـر .. إنَّ إحساسَ المرأة بالحزن و الألم ؛ يَعدِلُ ثمانيةَ أضعاف إحساس الرجل ! فكيفَ صَمتَ الوجعُ فيكِ ؛ و إبراهيمُ يرحـلُ عنكِ و عـن الرّضيـع ؟! لا شيء كان يُخيف هاجرَ في هذه الصّحراء ؛ مثلَ مَغيبِ الشّمس في هذا المكان ! ترتعشُ هاجَـر في هذه الصّحراء الشاسعة .. وماتدري أن اليباسَ تحت قدميه سيغدو سقاية الحجيج أبدا ! تهَرع إليه ! يـا إبراهيمُ .. كيف تجمعُ عَلينا غِيابان .. غيابكَ أنتَ ، و غيـاب الشّمس ؟! هل نَذرتَنا للفَناء ؟! صدّقني لا شَـيء يوحـي بغيـرِ ذلـك ! آاللهُ َأمرَكَ بذلك يـا إبراهيم ؟ فأجابَ : نعَـم ! كَـان اللهُ فـي عَليائِه يَشهدُ تِلكَ اللّحظـة .. لحظة اختيارٍ بين خطوتَين .. نَحو ابراهيم أو نحوَ الله ! لحظةً .. سُجّلت لِهاجرَ في تاريخ الكون ، و بها اعتَلَت المَـرأةُ مكـان الشّمـس ! تسامَت على ضَعفِها ؛ حتى كأنَّها أُسطورةُ من خيال التاريخ ! أيُّ دينٍ هذا الذي يوقِظُ النِّساءَ ؛ كي يَصّعَدنَ من السَّفحِ الى حيثُ تُقيمُ النُّسور ! كَـي يُصبحنَ أيقونةَ الفِداء .. كي يملأَنَ الصُّخورَ المتشقِّقة من الجَفافِ ؛ بماءٍ لا ينقَطِع ! كانت الدُّروبُ الصّامتةَ ؛ تَسمع وَقعَ أقدام ابراهيم مثقلة بالرَحيل ! { ربّي إنّـي أسكنتُ مـن ذُريتي بوادٍ غيـرِ ذي زَرع } .. كم مرةٍ تهدَّجَ صوتُك ، أو تقطَّعَ ، أو تحشّرَجَ يـا خليلَ الله بين الكلماتِ ؟ مَشهدٌ .. تئنُّ لهُ السّماواتُ ؛ و لا تئنُّ له جارية في مُقتبل العُمر ! كَـان الرّعبُ يحيط بها ؛ الرعب في إنتظار العَتمَة الآتية ، و في بُكاءِ طفلٍ يُحرّكُ سُكونَ الصّحراء المخيفة؛ لتُلقي بأثقالِها في وجهِ الجارية ! تَنحني هاجرُ على الصغير فتبدو أمامها الحقيقة عاريةً ؛ لا شيء الا صُراخ الرّضيع ! تتشبّث بـاليَقيـنِ : ( أنَّ اللهَ لـَن يُضيّعَنا ) ! تَشُدّ اليَدَ الغارقة في عَرَقِ الخوفِ على حبلِ الثّقةِ بالله ؛ ومثلِ لِبؤةٍ مَفزوعة تَهرعُ بيـن الجَبَليـَن ! تهرعُ بين الصفا والمروة .. ثمَّةَ ما يستَحِقُّ الحَّياة .. ثَمَّةَ ما يستحِقُّ السَّعي .. ثَمَّةَ حِكمة وراءَ كلِّ هذا الهَول ! كانت الأنفاسُ المُتلاحقة في هَروَلة الخطوات تَستبيحُ الصَّدرَ المُضطَّرب بالخوفِ المُشتَعِل ! هنا الوِحدة و الوَحشة .. و مَـوتٌ يفتَرِسُ الطِّفلَ .. و رَمـلٌ ينتَثِرُ في عَينَيها ؛ كأنَّهُ اللَّهَيب .. و لا إبراهيمُ يُؤنِس الطَّريق ! ترى هَـل بَكـَت ؟ لم تُسجِّل ذاكرةَ الصَّحراء ؛ الا ارتفاعاً في صوت اليَقين ! هل كَتمَت صرخَتها ؟ لم تَشهد السَّماءُ ؛ الا صَمتَ المُوقِنين ! هل شَكَت ؟ لا .. إذْ عَلَّمَها إبراهيمُ ؛ أنَّ النّورَ لا يَعبُر الا بعدَ اكتمالِ اللَّيل ! ..وعَلَّمَها إبراهيمُ ؛ أن كل مايحجب الثقة بالله خطيئة ! تلك جراحٌ نزفت .. فأضاءت للأمـّة الطريـق ! يـا هاجَـر .. لو تَعلمين : أنَّ عَتمة الصّـحراء مـِن يَقينك تكادُ تُضـيء ! كَـانت زمـزم حينها ؛ تنتظـرُ ضَربَةَ قـَدَم الصَّغيـر .. و كانَ لا بُدَّ لذلك من اكتمالِ مَشهَد التَّضحية ، و تقديمِ كلِّ القَرَابين ! (وعند انسـداد الفـُرَج ؛ تبدو مَـطالع الفَـرج ) ! تَسعى الحَجيجُ اليوم على الخُطى الجَليلة .. على خُطى جاريةٍ ؛ كَتَبَت من خوفِها انتصار إرادةِ اللهِ عَبرَ امرَأة ! ( هَـاجـَرُ ) .. لكِ من اسمِك أوفر النَّصيب في هِجرَةٍ ؛ تَمَّت للهِ وَحدَهُ .. هـِجرة لم يلتفت فيها القلب ! أيـا سَيِّْدَةَ المَعاني الكبيرة .. [ مِنكِ تَستَلهِمُ المُرابطاتُ اليومَ في حَرَمِ الأقصى ؛ حكايَةَ النَّصرِ القَريب .. ومِنك تستلهم الأسيرات في سُجون الظُلم ؛ مَعاني الثّبات ] ! 🔸د.كــِفاح أبو هَنّـود 🔸 |
08-16-2018 | #2 |
|
Re: وليالٍ عشر.. { وليالٍ عشر } .. ✳ الَّليلةُ الرَابعة { و إذ يرفـعُ إبراهيم القَواعـدَ مِـن البيت } .. كم هوَ عُمرك يا إبراهيم ؟ هِجرات ثلاث .. و سنوات ممتلِئَة بالتّضحيات .. و بناء بيت للهٍ .. و مشاهدَ لا تُحصى ؛ مـِن مواقفِ الثَّبات ! بهذا تُقاسُ الأعمارُ يا سيّدي .. بِعُمقها ؛ و ليس بِطولها ! تسكـنُ قاماتُ النّخيل العراقيّ فـي عُمرك .. و تتجذَّر أفعالك ؛ كأنَّها جُذور شجرة زيتونة مقدسيّة .. و يتّسع عُمرك ؛ كأنـّه صحراء الجَزيرة التي بَنيْتَ للهِ فيها بيتاً ليس لهُ مثيل ! ما أطولَ عُمرك يا سيّدي .. فَرُبَّ عُمر اتّسعت آمادهُ ، و كثُرت أمدادهُ ، و أمطرت غيماته الى قيام الساعـَة ! رَفَعْتَ بيتاً لله ؛ فَرَفَعَ اللهُ لك ذِكّرَكَ ، و رفَعَ مَقامك .. فلم يَلقاكَ مُحّمدٌ ï·؛ الا في السّماء السّابعة ؛ مُسنِداً ظَهرَك إلى البيتِ المَعمور .. و وَحدكَ دُون الخلائِقِ ؛ امتلَكتَ هذا الشَّرف الجَليل ! مِـن عُمرك ؛ انبَثَقَت يَقَظةُ الإنسان يـا سيّدي .. فأنتَ مَن نَزع الحُجُب عن العَقلِ ، و أثارَ كلّ تِلك التَّساؤلات ، و علَّمَنا كيف يكونُ الإيمان مبصِراً و واعياً ! كانت آمالُكَ كُلَّ مساء ؛ تَتَبخّر الى السَـّماء .. تجمَعُها لك إرادةُ الله ، و تكتُب لك بها مَواعيدك مَع غيثٍ ؛ ستَرتوي منه البشريّة جمعاء ! كم هي المسافةُ بيننا و بينك ؟! كما هي المسافةُ بين أصواتِنا و صوتك ؛ إذ تُؤذّن { في النّاس بالحَـج } .. فتخلو الآفَاق الا مِن صَـدَى كلِماتِك ! كم هي المسافةُ بين أعمارِنا و عُمرك ؛ الذي يزدَحِمُ بالأحداثِ ، و يَسهر كلَّ ليلةٍ على الأمنياتِ الجليلة ؛ حتى استحقَّ أن يُسطِّره اللهُ على صَفَحاتِ القُرآن ! كَـم كان عُمرك .. يوم كنتَ ترفَعُ القواعدَ من البيتَ بِيدكَ التي أورقَت بناءً شامخاً ؛ لم تُغيّره الدُّهور ! لَم يكُن ابراهيم يَشيخُ .. ولَم يكُن لديه وقتٌ للنّهايات الذابلة ؛ فقد كان يعيشُ بقلبٍ يَستمّد زَيتَه مـِن نُـورِ السّـماوات و الأرض ! كان ابراهيمُ موطناً لـ { رَحمةَ الله و بركاتـه عليكُـم أهْـلَ البَيـت } ! كانَ إبراهيمُ يخلَع من خُطوته كًلَّ التَّوافِه ؛ و يُبقي قَدمه على العَتَبات الثَّقيلة ! وكان وحدَه مَن يستحقّ أن يُقال له : ( مَرَّ وهذا الأَثَر ) ! يَـا إبراهيم .. على قدرِ نِيّتك ؛ اتَّسَعت لَـك الأرض .. فأَنتَ حاضرٌ اليومَ في صلاةِ الأمّة ، و في مناسِكِها ، و في كُلّ لحظةِ التقاء بالبيتِ العَتيق ! لِـخيرِ هَذه الأمّـة و خيرنا .. أنتَ رَحلـت .. و اعتَلَيتَ الصَّخرَ ؛ و بَنَيت .. و كَتمتَ الدَّمع ؛َ و مَضَيت .. و غادَرتَ العٍراق ؛ و ما جَزِعت .. و تَركتَ للهِ جارية و طفلاً ؛ و ما انحَنَيت ! لِـخيرِنا .. تطاوَلَت كَفّكُ ؛ حتى اغتالَت كُلّ أوثانِ الضّلال .. و رَسَمَت لنا بعدَها ؛ ميلادَ أمـّةَ الهِـلال ! و لِـخيرنا .. لَـم تنكسرَ نِصفين ؛ أمام هَولِ النـّار ! لِـخيرنا .. لم تتمزّق أمامَ جَفاف الخَريف .. و كنتَ كبيراً في حُزنك ، و في سُؤلِك ، و في انتظارِ الرَّبيع ! و اليوم لِـخيرِنا يـا موطِنَ الخَليل .. يـا بَقيَّةَ الخَليل .. ابقَوا على الرِّبـاط .. ابقَوا على الطّـريـق ! د.كــِفاح أبو هَنّـود |
|
08-16-2018 | #3 |
|
Re: وليالٍ عشر.. ✳ الَّليلةُ الخَامِسة { ربّي إنّي أسكنتُ من ذُريتي بِوادٍ غَير ذي زَرعٍ عِندَ بَيتِكَ المُحرّم ربّنا لِيقيموا الصلّاة } .. كـَانَ السّاكنُ ولداً واحداً .. و كَـانَ الدُّعاء ؛ لِيقيموا " بواو " الجَماعة .. فكيفَ يتَّسِق ذلك ؟! كيفَ يَصِحّ أن يودِعَ إبراهيمُ طِفلاً ؛ ثُمَّ يَنوي بِه فِعلَ الجماعة ؟! الحقيقة ُ.. أَّنهُ لم يَكن لإبراهيم ساحِلَ في ُطموحه .. إذ رأى في الرّضيع ؛ فِعلَ أُمّة ! { لِيقيموا الصلّاة } .. تُرى هل كانت تُؤرِقُكَ إقامةُ الصّلاة يـا إبراهيم ؛ في هذا الفراغ الهائل من الصّحراء الصامتة ؟ بِمن سيُقيمُ إسماعيلُ الصّلاةَ ؟ و على أيِّ قِبلةٍ سيتّجه ؟! كان إبراهيمُ في دُعائِه ؛ يَنسَكبُ أنهاراً من الفَهم .. كان يُخبّىءُ مكنونَ أُمنية ؛ أن يصّطَفي اللهُ إسماعيلَ لِبناءِ البَيت ! و يُحّيي به مَواتَ الحَياة .. فتولدُ بِميلادِه خَيـرَ أُمـّة ! ما أبدعَ القُرآن .. إذ تصّطَفُ الحَقائق فيه ؛ لِتُنهي عصراً كانت الأُمنياتُ فيه ضَئيلة ! إنّهُ يقولُ لك .. ما أوهنَ الذُّريّة ؛ وما أسرع ذُبولها يومَ تكونُ { زينَةُ الحَياة الدُّنيا } ! و للزّينة مَواسم .. و المواسمُ لا تَدوم ! ها هو يَقلِبُ التّاريخ ؛ و يصنع زمناً جديداً .. زمناً فيه معنى : { إنّي نَذَرتُ لَكَ ما في بَطني مُحرراً } .. و مهمّة جَليلة : { ليُقيمـوا الصّـلاة } ! و مَقاماً في الحَياةِ رَفيعاً : { و إذ يرفعُ إبراهيمُ القَواعدَ مِن البَيتِ وإسماعيلُ } ! { وإذ يرفعُ } .. بِيَدٍ تَخّتَزِنُ دُعاء الأبِ الصّالح ، و تتّسع لِقدرٍ إختارها اللهُ لهُ .. " وبياءِ " المُضارع ؛ حتّى كأنَّ الفِعلَ لا زالَ حيَّاً ! سُبحان الله .. أيّ حياةٍ هذه التي لا تَمـوت ! حتّى كأنَّ دُعاءَ إبراهيم { رَبِّ اجعلني مُقيمَ الصّلاة و من ذُريتي } ؛ حَفرَ في مَسامِعِ السّماء .. فَلَم يبقَ الا أن تَنهمرُ لهُ السّماء إجابةً و عَطاء ! من يَقدِرُ ؛ أن يَنوي في الطِّفل القادم غَير فَرح نَفسه ؟! من يَقدِرُ ذلك ؛ يَجمعَ اللهُ له في الطّفل مَدائنَ الأَفـراح ! مالِحة هي النِيّات ؛ إن لَم تَكُن للغاياتِ الجَليلة .. نَتَجرّعها ؛ و لا نكادُ نُسيغُها ! و ربّما نَقطِفها ؛ مَثل عُمرِ الوَردِ القَصير .. ربّما لم يَلمس إبراهيم يَدَ الصّغير ؛ و لم يُناغِيها .. لكنَّ اللهَ خَبَّأها لهُ ؛ ساعداً شَديداً ترفًعُ مَعَهُ أَعمِدةَ البَيت ! و يا للمُفارقةِ في التَّعبيرِ القُرآنيّ .. اذ يَصِفُ اللهُ سَريرةَ إبراهيم في إسماعيل بِقولهِ { ليِقيموا الصّلاة } .. و في الإقامةِ ؛ مَعنى رفع البِنيانِ حتّى يكتمل ! ثُمَّ يَصفُ فِعلَ إسماعيلُ : إذ كَبّر بِقوله { يرفعُ } ، {القَواعدَ} .. فَيظـَلُّ بِذلك { عنـدَ رَبـِّهِ مَـرضيّاً } ! لَكَأنَّ إبراهيمُ أرادَ من رَبّه طِفلاً لِكلّ العُصور ؛ و كلّ الدّهور .. طفلاً يَكبرُ ؛ فَتكّبُرُ مَعَهُ سَنابلُ القَّمحِ ، و يعرِفُ كيفَ يَنشُر العَبير ! يَـا إبراهيم .. في سَريرتِكَ كُنتَ تصّنعُ لَنا إيقاعاً جَديداً ؛ لا نَعرِفُ عَزفَه .. و كنتَ تُعلّمنا ؛ أنَّ البُطولةَ أنْ تتفَرِدَ في إيقاعِك ! قيلَ يومـاً : { عُلوًّ في الحَياةِ و عُلوًّ في المَمَات } .. وانا أقـولُ : إنَّ عُلوَّ النِّياتِ ؛ يَنفي عـن صاحِبِها المَمَات ! ألا تَسمعُ صَوت زَمزم كَيفَ ظـَلُّ يفـور ! ألَا تَرى البَيتَ ؛ و هُوَ يَكّتَظُّ بِالحَجيج ! أَلا تُبصِرُ نَسلَ إسماعيل ؛ يَنساحُونَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميق ! مَن أرادَ صَهيلَ الخُلود في الملأ الأعلى ؛ فَليركب خَيلَ { كـانَ أُمَّـةً } د.كــِفاح أبو هَنّـود |
|
08-16-2018 | #6 |
معلمة انجليزي |
Re: وليالٍ عشر.. بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كتب الله أجرك وجزاك عنا خيرا موضوع متميز وقيم . |
|
08-18-2018 | #7 |
|
Re: وليالٍ عشر.. ✳ الَّليلةُ السـَّادِسَة { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} .. {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تؤمر } .. مابين هذين الموقفين ألفُ تاريخٍ وقصّة .. مابينَ ليلةِ الإعترافِ لإسماعيلَ بِنيّةِ الذَّبح ؛ و بينَ مقام إبراهيم فَتىً بين يديّ أبيه يُناديه : { يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مـِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُـونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً } ! يالله هل كان يَظنّ إبراهيم بنفسه ؛ أن يَذبح ابناً صالحاً يقول له : { افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ } ! مَـا فعلها " آزَر " مَعـه ! و يَـا للمُفارقةِ في الأقدار .. فَعَلى حين هُدِّدَ ابراهيم من أبيهِ بالرَّجم ؛ ها هو إبراهيمُ يَرجم إبليسَ الواقف عَقبةً في طريق ذَبحِ الطّفل الصالح الذي { اشتد َّ} حتى { بَلَغَ مَعهُ السّعي } ! ما الذي يَفعله اللهُ بإبراهيم ؟! ما الذي يَفعله اللهُ بإبراهيم ؟! تَتكـرّر المشاهـدُ فـي غَرابـةٍ عَجيبة .. تدورُ كدوّامةٍ غامضة .. يتصبّبّ الماضي ؛ عرقاً فـي جَسد الخليل .. يشتدُّ الخفقانُ المرّ في قَلبه .. و تتآكلُ قدميهِ مـن شـِدّة المَشـي ! تجفّ الكلمات في حَلقه : ياهاجر .. كَم مرةٍ سَعَينا مـن أجلِ هـذا الوليـد ! كانت الأولى .. بيـن الصّفا و المَـروة يـا ولـدي ؛ كَـي نَنِبش لكَ الحَياة ! و في الثّانية .. نَسعى بكَ بين العَقبات ؛ كَـيْ نُهيّئك للمَـوت ! هل السّعي قَدرٌ لنا ؟ هل الهِجرة و الرِّحلة و السّير حكايتنـا ؟ متى سَتهدأُ الأقدامُ التي أكلَتها تضحيات الطَّـريق ؟ يَـا بُنيّ .. قُـل لأبيك لا ؛ رُيّما أعتذرُ لك بها عند ربّـي .. و لا تقلّ يا أبت ؛ِ فثمّة موت يَعتَريني كلّما ناديتَ ! للمرة الألف ؛ يقفُ إبراهيم أمام الإبتلاء وحيداً .. فَقبلها النّار ، و بعدها النّفي .. و لكنّها المرة الأولى التي تَرتفع يَدَهُ كي يرجُمَ الشّيطان ؛ حتَـى لا يُوقفه فـي مًنتصف الأمـر .. ربّما كانت النّار أرحمُ لو عادت بها الأقدار ! تشتعلُ فتائلُ الحـُزن فـي الصّميـم .. و تشهد له السّماء رغم ذلك ؛ أنّ إبراهيم لم يُراوح بين نعم و لا ! يالله هل يَحتملُ إبراهيم ؛ صَرخة إسماعيل عند الذبح ؟ أما كان يَكفي ؛ صُراخ الرّضيع في وَحشة المَجهول ؟! فلا زال نَحيبُ ألمها في السُّويداء ؛ لم يَصمِت ! هل جرّبت أنْ لا يبقى بينك و بين إبنك ؛ إلا سِكّينة الذّبح .. أن لا يَبقى من عُمره ؛ إلا انهمار الدّم .. أن تَسوقه ؛ كي تَنثالَ على يَديـك قطَـراتُ رُوحـه و هـي تَئـِنّ ! كانت يَدُ إبراهيم تُقاوم اللّجام .. و كان الإبتلاء ؛ ينثالُ عليه و يُصبُّ صبّاً .. وكان ملكوتُ الله كلّه ؛ يشهدُ دويّ اللّحظة الأخيرة حين { أسلما و تَلّه ُللجَبين } ! ودّت الشّمسُ ؛ لو تتوقّف عن المَسير .. و صمتَ الكَـونُ ؛ فقد كان الحَدث فوق طاقة الحياة ! انزَوَت الكائناتُ ؛ قبل أن تنكسر أُرجوحة الصّغير بِيَدٍ كانت تَفيض بالقَمح و السّلام ، و لم تَعرف إلا تكّسير الأصنام ! ماذا يفعلً الله بك يا إبراهيم ؟! النّجمة التي اشتَهيتُها طويلاً وَوهَبتُها كلَّ الدّعاء ؛ هَـا أنـا أغمِضها للمَـوت .. و سأُبصر دَمَها كلّ صباح ؛ٍ فـي أطباق الطّعام ! ما بين ليلة المَنام حتى لحظة النّهاية ؛ قَطَعَ إبراهيمُ ألفَ خَطوة بألفِ تَنهيدةٍ و تَنهيدة ! ووحده كان الله يسمع .. {يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً } .. ها أنذا أحتاجُ أن أرتّلها كثيراً .. أحتاجُ ؛ أن أُقاتل الشّيطان بكلّ حجارة الدُّنيا ! ياللأقدار كيف نُبتلى بما نقول .. و عند النّهاية قالت الحياة : ( ما ذَنبُ اليَمامة أن تَرى بِعينيها العُشّ مُحترقاً و تَجلس فوقَ الرّماد ) ! لِلمشهدِ بقيّة .. فالمَقامات عِندَ الله ؛ِ لا تُورَّثُ .. و لكنّها ؛ تُنـال بِسَبقِ القٌـلوب ! د.كــِفاح أبو هَنّـود |
|
08-19-2018 | #8 |
|
Re: وليالٍ عشر.. ✳ الَّليلةُ السَابعة { فَلمّا أسلَما } .. هذه الآية ؛ هي عَرشُ الحَكاية ! { فلما أسلما } .. و ارتَدَيا ثِيابَ الخُروجِ من ذَواتِهما .. و َنَزعا حُليّ الحَياة ؛ و تَخلَّصَا كِلاهِما .. فلا ألوانَ في عَينَيهِما ؛ إلا لون الحَقيقة .. و أيقَـنَا ؛ ما ثمّ إلا الله ! ما ثمّ إلا هو ؛ كي يَقِلبَ النّار بَرداً وسَلاماً .. ما ثمّ إلا الله ! هي لحظةُ الإعترافِ ؛ أنَّ الأمر كلُّه لله ، و أنَّ الهَزيمة نَصيبنا ؛ إن أَفلَتنا الحَبلَ المُوصول بالله ! كانَ اللهُ يُعلِّمُنا عبر مدرسة إبراهيم .. أن لا عَقل ضَرير و لا مشاعرَ مُحايدة مع الله؛ بل هو إيمانٌ أبيض واضح لا مَناطق رَماديَّةَ فيه .. لا مناطق مترددة فية ! إيمان أبيض تماماً كَلونِ ثياب الحَجيج .. يرى الحقيقة جليّة : أن مـا في الكون إلا الله ! إيمانٌ يَفهمُ ؛ أنَّ المُختارين لصناعةِ الحَياة هم قمم الحياة .. لذا لا بدّ أن تَغسلهم السَّماءُ ؛ فلا يَبقى فيهم شائِبة ! { أسلَما } .. هكذا إذن اطوِ نَفسك و استَوطِن أمر الله ؛ حتّى لو كان فيه نَحيبك و صوت وَجعِك ! { أسلَما } .. فماذا يَملِكان ؟ إذ لا مَفَرَّ منهُ إلا إليه ! في هُنيهة من الزَّمن ؛ انحنى الألمُ بين يديِّ الله .. فقد كانت اللَّحظاتُ تَضيقُ وتَضيقُ؛ و لا تَحتملُ دَمعةً أخيرة ! { أسلما } .. حتّى أنَّ ذاكرةً بحجم الكونِ لن تُطيق أن تَفهم ؛ كيف َيستسلِم الأبُّ للسِّكين في يدهِ تَنهَشُ رَقَبَةَ الوَلَيد ! { أسلَما } .. بيقينٍ أن لا مَدَّ و لا جَزر ، و لا صيفَ و لا شِتاء ، و لا نَقصَ و لا اكّتِمال ؛ إلا بِه ! { أسلَما } .. حتّى تَراءى لَهُما أنَّ الأصوات يتيمةٌ بلِا صدىً ؛ إن لم يَنفخُ فيها الله ! و أنَّ الحَطب تهّجُره النَّار ؛ُ إن أرادَهُ اللهُ بلا معنى ! واهمٌ من يظنُّ .. أن له حولاً أو قوة ! ربّما لأجلِ هذا ؛ أوصى الخَليلُ محمداً في رِحلة المِعراج أن يُعلّمنا : " لا حول و لاقوة إلا بالله " ! كم هو ثَمينٌ .. أن نرى أسبابَ هَشاشَتِنا .. أن نفهم أن قيود الحَياة ؛ مـن مالٍ و بنينَ و جـاه .. هي أغلال الأرض التي تعُرقل صَعُودنا نَحوَ المَجد ! كم هو مُهم . ٌّ أن نُرمِّمَ أنقَاضَنا ؛ إذا أَردنا أن نَبنِيَ بَيتاً لله ! الأشياء الصغيرة من متاعِ الدّنيا لها جاذبيةٌ مَخفيّة ؛ قد تَسحَبُنا الى أفراحٍ كثيرة .. لكنّها تَزول ! و الله كان يُريد للمُصطفين حضوراً في الكونِ ؛ لا يَغيب ! هاهو الوقتُ في لحظةٍ من الصِّدق ؛ِ يَتوقَّفُ لا يأتي و لا يَمضي .. و في لحظة من انبثاقِ إيمانٍ لم تُجرّبه الملَائكة ؛ يُولَدُ الهلال ، و يَكّبُر و يَستدير ! تنفَتِحُ بوابة من النَّعيم .. تنفجرُ أنهارُ الجنّة ؛ بِغِناءٍ أُسطوريٍّ عَجيب .. ينطفىءُ لهيبُ السِّكّين ؛ و يُفتدى الذّبيح ! فقد وصلت لحظةُ الوعي ؛ و بَلَغَ الاثنان تَسامٍ عَجيب ! كان اللهُ يعلمُ كل ذلك .. لكنّه يريدُ ؛ أن يَسمع صوت إبراهيم بالتّسليم ! ثمَّةَ صوت سيمنحُكَ اللهُ إيّاه يا إبراهيم ؛ سيبلُغ كل الآفاق .. سيأتونك بـه { مِـن كلِّ فَـجٍّ عَميق } .. صوتٌ لابدَّ أن يُمَتَحَن ؛ كـي يَبلُغَ المقـام ! وتلك ضريبة الاصطفاء .. وأنّى لكَ يا إسماعيل شَرف الدّهر ؛ إن لم تَترك لله بعض نَفسِك ! أن تتخلّص يا إسماعيل ؛ من مَتاهَة الذّاتِ ، و تكّتشف أنَّ لديك قوّةً ؛ يُمكن أن تُودِعَ بها نقاطَ ضَعفِكَ البشريّة .. فذاكَ نوعٌ من الإنتصار ؛ِ يَستحقُّ كَبشاً من فوق سَبعِ سّماوات ! كان اللهُ يريدُ لك ؛ زمنـاً بلا حُدود و بلا نهاية .. و يريدُ أن يُبقيكَ في التّاريخ .. فقد كنتَ دعاءَ أبيك ! و قديماً في جاهلية عمياء قِيل : ( للبيتِ ربٌّ يَحمِيه ) ! و الحقيقةُ .. أنَّ للبيتِ أهلٌ تَبنيه .. يَصطَفيهم حين يُبرهِنون ؛ أنَّهم قاربوا مَرحلَةَ { وإذ ابتلى إبراهيمُ ربّه بِكلماتٍ فأتمَهُنّ } ! وهنا يكمن الدرس الخفي .. و اليوم ( لِلأقصى ) .. أهلٌ تَحميه و تَبنيه .. و على خُطى الخَليل و إسماعيل ؛ سَتُعليه ! فهذا زمنُ القَرابين المُباركة للبيوتَ التي ستَرتَفِعُ ؛ فلا تـزول .. لـو تَنتَبِهون ! 🔸د.كــِفاح أبو هَنّـود 🔸 |
|
مواقع النشر (المفضلة) |
(مشاهدة الكل) عدد الذين شاهدوا هذا الموضوع : 4 : | |
, , , |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|