شيفرة بلال
 

صار النداء للصلاة مؤذياً بالنسبة لي.. مليئاً بمشاعر وحنين.
في أول نداء للصلاة بعد أن دفن، وقفت لأنادي للصلاة وأنا كالساهم، لست مصدقاً أنه لم يعد هناك ليسمع صوتي مباشرة.
عليه الصلاة والسلام.
ضربتني الفكرة في رأسي حتى شعرت بالصداع.
وعندما وصلت إلى ذكر اسمه، (وأشهد أن محمداً رسول الله) أجهشت بالبكاء كما لا أظنني فعلت حتى في طفولتي.
حاولت أن أعيد الأمر ثلاث مرات، وكل مرة أجهش بالبكاء..
فهمت معنى اليتم وأنا واقف أنادي للصلاة الأولى بعد موته.
لم أعرف أبي حقاً، وماتت أمي منذ زمن بعيد.
لكن اليوم فقط أحسست بمعنى أني صرت يتيماً.
عرفت معنى اليتم.
كنت أفهم تماماً ما قاله (أبو بكر) في الناس عندما صرخ فينا وهو يرانا منهارين: أيها الناس، من كان يعبد محمدا فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت.
نعم.. أيقظني أبو بكر بهذه الجملة من نحيبي..
محمد مات. انتهى الأمر.
الله لا يموت. هنا لا ينتهي الأمر. هنا يستمر.
نعم، أفهم ذلك..
لكن الافتقاد سيبقى أمراً لا يمكن أن نعالجه بالفهم أو بالكلمات الحكيمة.
الافتقاد سيبقى مؤلماً.
وهذا ما واجهته – وجهاً لوجه - مع أول نداء للصلاة بعد وفاته..
لن يكون موجوداً بعد الآن..
لن يكون هنا بعد الآن..
زاد بكاء الناس وهم يسمعونني أبكي. جعلني ذلك أتماسك قليلاً، قررت أن صوتي الذي نقل لهم كلمة الإيمان وشهادتيه يجب أن لا ينقل لهم رسالة حزن..
تحاملت على حنجرتي، وأكملت الكلمات وأنا أتحشرج.
لكن أكملتها.
في كل نداء للصلاة بعدها كان هناك شيء من هذا، لكن بنسبة أقل.
كان هناك ذلك الألم، ألم الافتقاد الذي لا تخففه الكلمات.
لكني بقيت من أجل أبي بكر، كانت المرحلة حرجة جداً، وبعض القبائل ارتدت ونقضت عقودها التي كانت قد عقدتها مع النبي، والناس لم تتعود غياب النبي بعد، لو أني كنت اختفيت بصوتي عن النداء للصلاة، لكان الناس شعروا بوجود اختلافات أكبر وأكبر بين عهد النبي وعهد أبي بكر.. ربما مثل غيابي طعنة في الظهر ولو غير مقصودة..
بقيت من أجل أبي بكر.
رغم ألمي في كل مرة أنادي فيها للصلاة..
لكني بقيت من أجله..
كان في عنقي نحوه ذلك الموقف الذي لا يمكن أن أنساه.. كان في عنقي أنه جعل عنقي حرة..
وكان أقل ما يمكن أن أفعله لأبي بكر.

#أحمد_خيري_العمري

رد: شيفرة بلال