منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد

منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد (https://hwazen.com/vb/index.php)
-   شعاع العلوم الشرعية (https://hwazen.com/vb/f38.html)
-   -   ما هو سد الذرائع في فقه الإسلام (https://hwazen.com/vb/t20954.html)

عطر الجنة 12-22-2020 01:04 AM

ما هو سد الذرائع في فقه الإسلام
 


https://dl5.glitter-graphics.net/pub...v21ql654tr.gif






من الأصول التي أخذ بها العلماء ما يُعرف بسد الذرائع،
فما هو سد الذرائع؟

سد الذرائع هو واحد من الأصول المختلف فيها بين العلماء رحمهم الله، أخذ به الإمام مالك وأصحابه، والإمام أحمد في رواية عنه، ومنعه الشافعية والحنابلة، ويرى المحققون أن الحنفية والشافعية أيضًا قاموا بالأخذ أيضًا في مذهبهما بسد الذرائع عند تنزيل الأحكام على الأحوال.


الذرائع في اللغة جمع ذريعة، ويراد بها: الوسيلة إلى الشيء،
أما في الاصطلاح عند الفقهاء والأصوليين فيراد بها: الأمر الذي ظاهره الإباحة إلاّ أنه يُفضي ويؤول إلى المفسدة وفعل المحرم، أما حقيقة سد الذرائع فهي التوصل بما فيه مصلحة إلى المفسدة، أما المقصود بسد الذرائع فهو: سد الطرق، وقطع الأسباب المؤدية والموصلة إلى الفساد.

ومما يدل على العمل بسد الذرائع من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية ما يأتي:

قول الله تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ
سد الذرائع هنا منع سب آلهة الكفار مخافة أن يقابلوا السب بالمثل، فيسبوا الله تعالى.

نهي رسول الله صل الله عليه وسلم عن تصوير من مات من الصالحين وعدم بناء المساجد عليهم لكي لا تتم عبادتهم.


أمثلة على سد الذرائع
المراد بسد الذرائع، أنه يقوم على المقاصد والمصالح، وأنّ الله تعالى شرع أحكامه لتحقيق المصالح ودرء المفاسد، فإذا أصبحت أحكامه تستخدم كذريعة للتوصل إلى غير ما شرعت له،ويتوصل بها إلى غير مقاصدها كان لا بد من سد الطرق المؤدية إلى الفساد.

ومن الأمثلة التي يمكن إدراجها تحت قاعدة سد الذرائع

ما يأتي:

النهي عن إبداء الزينة والضرب بالأرجل ذات الخلاخيل لأنه يعد وسيلة لإثارة الشهوة عند الرجال.

الأمر باستئذان الصغار والعبيد ثلاث مرات، لئلا يكون دخولهم ذريعة للاطلاع على العورات.

النهي عن البيع وقت صلاة الجمعة لئلا يُتخذ ذريعة للإنشغال عن الصلاة بالتجارة.

النهي عن بناء المساجد على القبور لئلا تكون ذريعة لاتخاذها أوثانًا. النهي عن طرق المسافر على أهله ليلًا.


فمثلا لم يكن تحريم المذياع في البداية إلا تماشياً مع هوس التحريم بوصفه أصلاً في الشأن المدني، حتى يثبت العكس.
وتم التحريم بتفعيل هذه القاعدة (سد الذرائع).



وكذلك تحريم التلفاز، وهو الحكم الذي لا يزال سارياً إلى اليوم بين الأوساط المتطرفة، باستثناء فضائياتهم الخاصة


فجاء الإسلام كدين عام عالمي، يخاطب الإنسانية جمعاء،

ويضع لها المحددات العامة التي تكفل لها الانطلاق والفاعلية

في أي زمان ومكان.



ولهذا كان واضحاً تمام الوضوح فيما يأمر به وينهى عنه.

الجميع - من أبناء المجتمع المسلم - يعرف الواجبات القطعية والمحرمات النهائية.



كما يعرف أن الضرورات الخاصة والعامة تبيح من كل ذلك بقدر الضرورة. وهذا الاستثناء هو ما كان شبه لازم في آيات التحريم التي تتعلق بالنهائيات.

ومع أن ممارسة الواجبات الدينية، تحتاج إلى معرفة بالتفاصيل التي تبين كيفية الأداء لها، لأنها توقيفية، إلا أن خطوطها العامة التي هي محل إجماع، تؤخذ كتقليد سلوكي، لا يحتاج فيه إلى الفقيه إلا فيما ندر. هذا في الواجبات. أما المحرمات - وأقصد المحرمات القطعية النهائية - فهي حالة امتناع.



أي عمل سلبي، يعلمه - ويطيقه - الجميع، بدليل:

«وما نهيتكم عنه فانتهوا».


تبقى الأخلاق العامة التي هي من بدهيات الشرائع كافة، وليس الإسلام فحسب. وهذا أكثر وضوحاً في الذهنية العامة مما سبق. فالصدق، والوفاء، والكرم، وإعانة الضعيف، ونصرة المظلوم، وتحريم الاعتداء، وبر الوالدين، والتعاون على البر.. إلخ.



كل ذلك أخلاق عامة، لا بد من التأكيد عليها. لكنها لا تحتاج إلى فقيه ليمنحها الشرعية، لأن الجميع فيها فقهاء.

إذن، المسألة الدينية واضحة في خطوطها العامة - المتفق عليها - والتي هي مسائل دينية خالصة.



كل ما سبق من واجبات ومحرمات وأخلاقيات، تجعل من مساحات المباح المدني مساحات واسعة، لا يمتلك الديني - وأقصد الفاعل الديني - عليها سلطة.

أي أن المرجعية فيها مرجعية مدنية خالصة، بحيث يأتي الحكم الشرعي العام فيها، بعد أن يتخذ المدني قراره الأول. فالحكم - العام - وإن كان شرعياً إلا أنه مدني في مصدره.

هنا يقف الفاعل الديني حائراً، إذ ليس لديه الكثير مما يمكن أن يفعله في الواقع المتعين. ويزداد الأمر حرجاً وتعقيداً؛ عندما يكون هذا الفاعل - بالأصالة أو متلبساً - لديه هوس بالنفوذ الاجتماعي، وشهوة - غير مشروعة - لإحكام السيطرة على تفاصيل الحراك المدني.


الشريعة - كما يتضح من محدداتها العامة السابقة - لم تطلق يد الفقيه في الشأن المدني. لكن شهوة الكلام في كل آن!، وشهوة النفوذ والمكانة الاجتماعية تتجاوز به حدود الشرعي بدعاوى شرعية!.

كيف يمكن إرساء هذا النفوذ اللامشروع، والأحكام الشرعية - الخالصة - لا تتناول إلا جزئيات محدودة من المدني العام؟!.



كيف ينزل الفاعل الديني إلى الميدان المدني، وليس في يده إلا حزمة قليلة من الأحكام القطعية التي يعرفها الجميع، والتي هي من بدهيات الثقافة العامة في المجتمع المسلم، ولا يحتاج إليه فيها إلا فيما ندر من التفاصيل، غير الضرورية - في الغالب -؟!.


منذ القديم واجه الفاعل الديني هذه الإشكالية التي تحد من صلاحياته في الشأن العام.

ولهذا، بادر إلى تأسيس مجموعة من المفاهيم التي تكفل له السيطرة على تفاصيل المدني ومع أن هذه المصطلحات المفاهيم والقواعد العامة لم تكن محل تنصيص من المشرع الأول، وإنما هي استنباط من مدلولات النص الأول، أي أنها مفاهيم وقواعد اجتهادية، يتم الاجتهاد بواسطتها!، إلا أنها طغت على كثير من ممارسات الفاعل الديني، وأصبح ما يتم من خلالها أكثر مما يتم من خلال قطعيات النصوص المحكمة، لأنها تعترف بالحدود بين الديني والمدني!.

من أشهر هذه القواعد التي مارس - ويمارس - الفاعل الديني بها سلطته في الشأن المدني، قاعدة: سد الذرائع. والقاعدة لها تعريف محدد. فمرة هي: «كل ما أفضى إلى حرام فهو حرام».

ومرة هي: «ما غلب على الظن أنه يفضي إلى حرام فهو حرام». كل ذلك تحت قاعدة: للوسائل حكم الغايات.

بواسطة هذه القاعدة الذرائعية، تم تحريم الكثير من الحلال.
فمع أن تحديد كيفية الإفضاء هذا، وحتميته، أو درجة التغليب في الظن، أو امتلاك تصور واقعي عن طبيعة الوسائل، كل ذلك ليس من شأن الفاعل الديني، أو - على الأقل - ليس من شأنه وحده،
إلا أن الفاعل الديني يريد أن يحتكر الحكم في كل هذا العالم الذي ينضج بالمدنية الخالصة؛ تحت مبرر من هذه القاعدة التي ليست محل إجماع.

لم يكن لهذه القاعدة أن تروج؛ لولا أن هناك هوساً بالتحريم في الثقافة الإسلامية منذ القدم. وهذا الهوس تصاعد في مجتمعاتنا، إلى درجة صبغتنا بروح (حرورية) تجاوز الأصل الشرعي العظيم، والذي يؤكد على أن التحريم استثناء، والإباحة هي الأصل. هذه الروح (الحرورية) قلبت الأصول الشرعية؛ فأصبح التحريم هو الأصل الراسخ، والإباحة استثناء عابرا، بل وضُيّق هذا الاستثناء إلى درجة تقارب الإلغاء. ولهذا، تجد صيغة الأسئلة التي يطرحها المستفتي على الفاعل الديني تنطلق من كون التحريم أصلاً، فيكون السؤال: هل هذا الأمر حلال؟. وهو سؤال كاشف، يعري واقعنا الثقافي البائس.

معظم المستحدثات المدنية، التي لم يرد فيها حكم بالنص، تم النظر إليه من خلال هذه القاعدة التي يمكن أن يتم بواسطتها تحريم كل شيء، حتى الحياة يمكن تحريمها وتفضيل الموت عليها، لأن الإنسان الحي لا بد أن يرتكب معصية ما يقيناً، ولو صغيرة، فلا أحد معصوم. ومن هنا تصبح الحياة - وفق هذا الفهم القاعدي! - مفضية إلى محرم، بل ومحرم يقيني، وليس ظنياً.


إذا، فلا بد أن تكون الحياة يقينية التحريم، لهذا السبب.
أي أن لا أحد يقول بهذا.

لكن مؤدى هذه القاعدة - وهي قابلة للتمدد إلى ما لا نهاية -
ينتهي إلى هذا.

لم يكن تحريم المذياع في البداية إلا تماشياً مع هوس التحريم بوصفه أصلاً في الشأن المدني، حتى يثبت العكس. وتم التحريم بتفعيل هذه القاعدة (سد الذرائع).


وكذلك تحريم التلفاز، وهو الحكم الذي لا يزال سارياً إلى اليوم بين الأوساط المتطرفة، باستثناء فضائياتهم الخاصة. وقد حرمت الفضائيات - خاصة قبل ظهور الفضائيات التقليدية -
بهذه القاعدة. وكذلك الإنترنت، وتعليم المرأة قبل عقود، وامتلاكها البطاقة المدنية، وقيادة السيارة الخاصة.. إلخ، تم تحريمها، لأن كل هذه تفضي - حسب زعمهم - إلى محرم، أو تيسر الوصول إليه.

لو نظرنا إلى كل هذه الأشياء التي تم تحريمها بهذه القاعدة، لوجدناها مدنية خالصة، من حيث وضعيتها الأولى المحايدة. أما كيفية الاستخدام فهي متروكة للضمير الشخصي الخاص. هذا إذا اعتبرنا الإنسان كائناً راشداً ومسؤولاً. إذن، كان من الواجب أن يكون الحكم على كيفية خاصة - ومحددة بدقة - من الاستخدام،
أي الكيفية التي تشتبك مع النص الأصلي المحرم، لا أن يتم تحريم حراك مدني كامل، بدعوى سد الذرائع.

هناك من يقول إن الحكم ارتبط بالضرر العام المتوقع.
لكن، هذا الضرر المتوقع - وأكرر: المتوقع - من يقرره،
خاصة وأنه في مسألة مدنية متواشجة مع تفاصيل أخرى في غاية المدنية.

هل الفاعل الديني هو الأقدر على تحديد مستويات الضرر في هذا الحراك المدني؟!.
لماذا لا يكون التعامل مع هذا المدني مدنياً، أي، إذا تحقق الضرر؛ يكون الموقف منه: المنع بواسطة النظام القانوني. فيقال: هذا ممنوع نظاماً.

وبهذا نحفظ للتحريم مكانته في النفوس، ولا يكون مبتذلاً في كل قضية مدنية.

هناك فرق كبير بين كلمتي: ممنوع ومحرم. التحريم له صفة قدسية، والقدسية لا تتكون إلا بالاستمرارية والثبات، ولو نسبياً. وهذا متعذر في القضايا المدنية التي تتغير بين عشية وضحاها، تبعاً للتغير المدني السريع، وخاصة في هذا العصر. المنع المدني، قابل لأن يتغير؛ متى ما رأى المشرع المدني أن صلاحيته قد انتهت.
إذا أعطي الممنوع المتغير صفة المحرم الثابت، تزعزعت صفة (الحرمة) في النفوس، وأصبح التعدي عليها كالتعدي على القانون المدني (البشري). وقد يمتد هذا الأثر النفسي - اللامبالاة بالحرمة - إلى المحرمات الأصلية، فيصبح التعدي عليها كالتعدي على النظام. وبهذا، يختلط الإلهي بالبشري. وهذا غير مقبول دينياً.

كل هذا التأكيد على عدم إقحام الحكم الديني (التحريم هنا) في المدني، والاكتفاء بصيغة: المنع، يأتي على افتراض أن الفاعل الديني مدرك لتفاصيل المدني وعلائقه الموغلة في مدنيتها. وهذا افتراض قلما يقع في الواقع!. فالفاعل المدني - وكل من زاويته - أكثر إدراكاً للواقع المدني، وأقرب إليه - بواقعيته - من الديني الذي يشتغل على المثالي في غالب أحواله.

ويكون الأمر أكثر إشكالاً، عندما نعرف أن كثيراً من المحرمات بواسطة قاعدة سد الذرائع، إنما حرمت لغلبة الظن أنها تؤدي إلى محرم. أي أن التحريم بكل صرامته المرتبطة بالإلهي قام على أمر ظني، على الأقل في مستوى الضرر المقدر. وهذا الظني -
أيضاً - هو ظن لا يتفق عليه الجميع، بل هو ظن خاص بالفاعل الديني الذي أصدر الحكم، خاصة، وأنه لا يخلو أمر من أمور الحياة العامة من جوانب سلبية. لكن يختلف الجميع في تقدير مستوياتها. فهل نرضى أن تصبح أحكامنا المقدسة في مهب الظنون البشرية التي لا تستقر على حال؟!.

بقي أمر هام. وهو أن الفاعل الديني يستشهد لهذه القاعدة بعدد من الشواهد، أو الأدلة، مثل: نهى الله - عز وجل - عن سب آلهة المشركين؛ لأن ذلك يؤدي إلى أن يسبوا الله.

مثل: منع الصلاة عند شروق الشمس وغروبها. ومثل: تحريم الخلوة بالأجنبية.. إلخ هذه الشواهد. وليس محل النزاع فيما ورد تحريمه بالنص الشرعي، وقامت الشريعة - وليس الفاعل الديني - بسد الذريعة إليه؛ لأن الفاعل الديني إذا مارس هذا الدور فقد مارس التشريع. وهذا ليس من حقه، بل هو حق خاص بالله - عز وجل -. الذي حرّم في هذه الشواهد هو الله - عز وجل -.



ومن ثمَّ يمكن تقسيم سد الذرائع إلى: شرعية

(وهي ما نص عليها الشرع)، وغير شرعية

(وهي من ظنون الفاعل الديني، وغير منصوص عليها شرعاً). الخلوة - مثلاً - ذريعة إلى الخطيئة، كما في النص الشرعي. والذي حكم بأنها ذريعة ليس أنا أو أنت - بصرف النظر من تكون -، بل هو الذي يمتلك حق تحديد الذرائع والتحريم.

لا يمكن أن يأتي أحد - قياساً على تحريم الخلوة - فيحرم -
مثلاً - مشاركة المرأة في بناء المجتمع المدني، تحت ذريعة الاختلاط، بدعوى أن الاختلاط ذريعة إلى محرم.



هذا ليس من حق أي أحد، لأن الذريعة لا يحددها إلا الله - عز وجل - وهو الأعلم بمستويات الضرر، وهل يرقى هذا الضرر إلى درجة التحريم، فحكمه يقيني، وأحكامنا - الاجتهادية - ظنية.



ولو كان الاختلاط (المشاركة في العمل المدني، دون خلوة)

ذريعة إلى الحرام؛ لكان الشرع قد نص عليها كما نص على تحريم الخلوة. وقس على ذلك كثيراً من الاجتهادات الخاصة

التي راجت، بسبب ذهنية التحريم المسيطرة على وعينا الثقافي التقليدي.



https://upload.3dlat.com/uploads/13402818558.gif



عطر الجنة 12-22-2020 01:37 AM

رد: ما هو سد الذرائع في فقه الإسلام
 


فعماد التعريف في الذريعة
أنها هي كل مسألة ظاهرها الإباحة ويتوصل بها إلى فعل محظور، وبيان ذلك أن الوسيلة إذا أفضت إلى مفسدة كانت فاسدة، فوجب قطع الذريعة لما ينجم عنها من مفاسد، والوسائل إذا كانت مؤدية إلى مصلحة كانت صالحة، فتكون الذريعة عندئذ غير ممنوعة.

قال القرافي: "الوسيلة إلى أفضل المقاصد أفضل الوسائل، وإلى أقبح المقاصد أقبح الوسائل، وإلى ما هو متوسط متوسطة".

فحسب الإمام القرافي أن الأمور ليست بحسب مآل نية الفاعل، وإنما بحسب نتائجها وغاياتها، و هذا ما أقرَّه أبو زهرة فقال: "إن أصل سدِّ الذرائع لا يعتبر النية فيه على أنها الأمر الجوهري في الإذن أو المنع، وإنما النظر به إلى النتائج والثمرات"، فلما كان المقصد الأساس للشريعة الإسلامية هو إقامة المصالح ودفع المفاسد، فكل ما يؤدي إلى ذلك من ذرائع وأسباب يكون له حكم ذلك المقصد الأصلي.

ومن تأمل مصادر الشريعة ومواردها، علِم أن الشارع الحكيم سدَّ الذرائع المفضية إلى المحارم بأن حرمها ونهى عنها، وهذا سنلحظه من خلال القسم الأول من أقسام الذرائع.

أقسام الذرائع:
وقد قسم علماء أصول الفقه الذرائع خمسة أقسام:
القسم الأول: ما أدى إلى مفسدة مقطوع بها، وهذا القسم أجمعت الأمة على سدِّه ومنعه وحسمه، وقد عبَّر ابنُ القيم عن هذا القسم بقوله: "لا يجوز الإتيانُ بفعل يكون وسيلة إلى حرام وإن كان جائزًا".

ومن أمثلة هذا القسم -
على سبيل المثال - ما يلي:
1 - قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [الأنعام: 108]،
فحرَّم الله تعالى سبَّ آلهة المشركين - مع كون السب حميةً لله وإهانةً لآلهتهم - لكونه ذريعةً إلى سبِّ الله عز وجل فكانت مصلحة ترك مسبته تعالى أولى من مصلحة سبِّ آلهتهم، وجاء التصريح على المنع لئلا يكون سببًا في فعل الحرام.

2 - وقالل تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ[البقرة: 104]،
"وذلك أن المسلمين كانوا يقولون: راعنا يا رسول الله، من المراعاة؛ أي: أَرْعِنا سمعَك، وفرغ سمعك لكلامنا، وكانت هذه اللفظة شيئًا قبيحًا بلغة اليهود، وقيل: كان معناها عندهم: اسمع لا سمعت، و قيل: هي من الرعونة"
"فنهى تعالى المسلمين عن قولها؛ سدًّا لذريعة المشابهة، ولئلا يكون ذلك ذريعةً إلى أن يقولها اليهود للنبي تشبُّهًا بالمسلمين، يقصدون بها غيرَ ما يقصده المسلمون، ولئلا يخاطب بلفظ يحتمل معنًى فاسدًا".

3 - وحرم الشارع الطِّيبَ على الْمُحْرِمِ؛ لكونه من أسباب دواعي الوطء، فتحريمه من باب سدِّ الذرائع.

4 - وأمر عليه السلام أن يفرَّق بين الأولاد في المضاجع، فلا ينام الذكر مع الأنثى في فراش واحد؛ لأن ذلك قد يكون بابًا من تلبيس إبليس عليهما، فيتحد الفراش وهما لا يشعران؛ قال عليه السلام: "مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ".

5 - ونهى المرأة عن السفر بغير محرم؛ قطعًا لذريعة الطمع فيها والفجور بها.

القسم الثاني: ملغًى إجماعًا، لأن مفسدته نادرةُ الوقوع؛ لذلك أجمعت الأمة على عدم منعه، وأنه ذريعة لا تُسد ووسيلة لا تُحسم، كالمنع من زراعة العنب خشيةَ الخمر، فإنه لم يقل به أحد، ومنه كذلك المنع من المجاورة في البيوت خشية الزنا.

القسم الثالث: مختلف فيه بين السدِّ والترك، وذلك كبيوع الآجال، ومثاله "كمن باع سلعة بعشرة دراهم إلى شهر، ثم اشتراها بخمسة قبل الشهر،
فالإمام مالك قال: إنه أخرج من يده خمسةً الآن، وأخذ عشرةً آخر الشهر، فهذه وسيلة لسلف خمسة بعشرة إلى أجلٍ توسلاً بإظهار صورة البيع لذلك، والشافعي يقول: ينظر إلى صورة البيع ويحمل الأمر على ظاهره، فيُجوِّز ذلك، وهذه البيوع يقال: إنها تصل إلى ألف مسألة، اختص بها مالك وخالفه فيها الشافعي. وكذلك اختلف في تضمين الصناع؛ لأنهم يؤثرون في السلع بصنعتهم، فتتغير السلع فلا يعرفها ربُّها إذا بيعت، فيضمنون سدًّا لذريعة الأخذ، أم لا يضمنون لأنهم أُجَرَاء، وأصل الإجارة على الأمانة قولان.
وكذلك تضمين حملة الطعام لئلا تمتدَّ أيديهم إليه، وهو كثير في المسائل، فنحن قلنا بسدِّ هذه الذرائع، ولم يقل بها الشافعي".

القسم الرابع: الذرائع والوسائل المشروعة المفضية إلى البدعة، وإليه أشار الإمام الشاطبي في "الاعتصام" بقوله: " قد يكون أصل العمل مشروعًا، لكنه يصير جاريًا مجرى البدعة من باب الذرائع"، فضرب أمثلة لذلك منها:

1 - أن يكون للمكلَّف طريقان في سلوكه للآخرة، أحدُهما أسهل والآخر صعب، فيأخذ بالطريق الأصعب ويترك الأسهل بناء على التشديد على النفس، كالذي يجد للطهارة ماءين، ساخنًا وباردًا، فيتحرَّى الباردَ الشاقَّ استعماله، بدليل إسباغ الوضوء على المكاره، فهذا لم يعطِ النفسَ حقَّها، وخالف دليلَ رفع الحرج؛ ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا[النساء: 29].

2 - ومن ذلك الاقتصارُ على البشع في المأكل، والخشن في الملبس من غير ضرورة.

3 - ومنه أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أمر بقطع الشجرة التي بويع تحتها النبي - صل الله عليه وسلم - لأن الناس كانوا يذهبون إليها، فيصلون تحتها، فخاف عليهم الفتنة.

"فهذه الأمور جائزة أو مندوب إليها، ولكن العلماء كرهوا فعلَها؛ خوفًا من البدعة، لأن اتخاذها سنة، إنما هو بأن يواظب الناس عليها مظهرين لها، وهذا شأن السنة، وإذا جرت مَجرى السنن، صارت من البدع بلا شك".

القسم الخامس: تجويز الحيل[14] يناقض سدَّ الذرائع، فقد كتَب ابن القيم فصلاً هامًّا، بيَّن فيه الأهمية القصوى لمبدأ سدِّ الذرائع، وانتهى فيه إلى أن سدَّ الذرائع هو أحد أرباع الدين، ثم بنى عليه بحثًا في تحريم الحيلة، معتبرًا إياها رافعةً للتحريم ومسقطة للوجوب ".
ومن أمثلة الحيل المفضية إلى فتح الذرائع المحرمة:

1 - إبطال حيلة إسقاط الزكاة، وذلك ببيع ما في اليد من النصاب قبلَ حلول الحول، ثم استرداده بعد ذلك، وهذه حيلة محرمة باطلة.

2 - ومن الحيل الباطلة لإسقاط حدِّ السرقة: أن يحفر الحرُّ السقف، ثم يدخل عبده، فيخرج المتاع من السقف.
فهذه الحيل وأمثالها لا يحلُّ لمسلم أن يفتي بها في دين الله، "ومن أفتى بها فقد قلب الإسلامَ ظهرًا لبطن، ونقض عُرى الإسلام عروةً عروةً، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ مَرْوَانَ: كَانَتْ امْرَأَةٌ هَاهُنَا بِمَرْوَ، أَرَادَتْ أَنْ تَخْتَلِعَ مِنْ زَوْجِهَا، فَأَبَى زَوْجُهَا عَلَيْهَا، فَقِيلَ لَهَا: لَوْ ارْتَدَدْتِ عَنْ الإِسْلَامِ لَبِنْتِ مِنْهُ، فَفَعَلْت، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِعَبْدِاللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، فَقَالَ: مَنْ وَضَعَ هَذَا الْكِتَابَ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ سَمِعَ بِهِ وَرَضِيَ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ حَمَلَهُ مِنْ كُورَةٍ إلَى كُورَةٍ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَرَضِيَ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ عَبْدِالْمَلِكِ: إنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ قَالَ فِي قِصَّةِ بِنْتِ أَبِي رَوْحٍ، حَيْثُ أُمِرَتْ بِالِارْتِدَادِ، وَذَلِكَ فِي أَيَّامِ أَبِي غَسَّانَ، فَذَكَرَ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَهُوَ مُغْضَبٌ: أَحْدَثُوا فِي الإسلامِ، وَمَنْ كَانَ أَمَرَ بِهَذَا فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ كَانَ هَذَا الْكِتَابُ عِنْدَهُ، أَوْ فِي بَيْتِهِ لِيَأْمُرَ بِهِ، أَوْ هَوِيَهُ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: مَا أُرى الشَّيْطَانَ كَانَ يُحْسِنُ مِثْلَ هَذَا، حَتَّى جَاءَ هَؤُلاءِ فَأَفَادَهَا مِنْهُمْ فَأَشَاعَهَا حِينَئِذٍ، أَوْ كَانَ يُحْسِنُهَا وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُمْضِيهَا فِيهِمْ حَتَّى جَاءَ هَؤُلاءِ.


وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ: قَالَ شَرِيكٌ - يَعْنِي: ابْنَ عَبْدِاللَّهِ قَاضِي الْكُوفَةِ - وَذُكِرَ لَهُ كِتَابُ الْحِيَلِ، فَقَالَ: مَنْ يُخَادِعِ اللَّهَ يَخْدَعْهُ".

الخلاصة

أن قاعدة سد الذرائع تقوم على المقاصد والمصالح، فهي تقوم على أساس أن الشارع ما شرع أحكامه إلا لتحقيق مقاصدها من جلب المصالح ودرء المفاسد، فإذا أصبحت أحكامه تستعمل ذريعة لغير ما شرعت له، ويتوسل بها إلى خلاف مقاصدها الحقيقية، فإن الشرع لا يُقرُّ إفساد أحكامه وتعطيل مقاصده.



إسمهان الجادوي 06-08-2021 02:38 PM

رد: ما هو سد الذرائع في فقه الإسلام
 
جزاك الله خيرا وبارك الله فيك

عطر الجنة 06-10-2021 12:47 AM

رد: ما هو سد الذرائع في فقه الإسلام
 
شكرا لك من القلب
ع المرور والتعقيب البااهي
نورت المتصفح

دمت بحفظ الله


الساعة الآن 10:39 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.1 TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
يرحل الجميع ويبقي شعاع بيت العلم والحب(ملك الكلمة)