منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد

منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد (https://hwazen.com/vb/index.php)
-   شعاع العلوم الشرعية (https://hwazen.com/vb/f38.html)
-   -   وقفات مع حر الصيف (https://hwazen.com/vb/t21828.html)

إسمهان الجادوي 07-07-2021 01:08 PM

وقفات مع حر الصيف
 
وقفات مع حر الصيف

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

أما بعد:
أيها المؤمنون..
رأى عمرُ بنُ عبدِ العَزيزِ - رحمَه اللهُ - قومًا في جنازةٍ قدْ هَربُوا مِن الشَّمْسِ إلى الظِّلِ، وتَوقَّوا الغُبَارَ، فأَبْكَاه حَالُ الإنسانِ يَأْلَفُ النَّعيمَ والبَهْجَةَ، حتى إذا وُسِّدَ قَبْرَه فَارَقَهُمَا إلى التُّرابِ والوَحْشَةِ، وأَنْشَدَ:
مَنْ كَانَ حِينَ تُصِيبُ الشَّمْسُ جَبْهَتَهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أَوِ الْغُبَارُ يَخَافُ الشَّيْنَ وَالشَّعَثَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

وَيَأْلَفُ الظِّلَّ كَيْ تَبْقَى بَشَاشَتُهُ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فَسَوْفَ يَسْكُنُ يَوْمًا رَاغِمًا جَدَثًا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

فِي قَعْرِ مُظْلِمَةٍ غَبْرَاءَ مُوحِشَةٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يُطِيلُ فِي قَعْرِهَا تَحْتَ الثَّرَى لُبْثَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif

تَجَهَّزِي بِجَهَازٍ تَبْلُغِينَ بِهِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
يَا نَفْسُ قَبْلَ الرَّدَى لَمْ تُخْلَقِي عَبَثَا https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


أيها المسلمون..
إنَّ اللهَ تعالى هو وحدَهُ الذي يُصرِّفُ أَمرَ هذا الكون، ويُقَلِّبُهُ كيفَ يشاءُ، ومِن تَقلِيبِهِ إياه: أنْ خَلَقَ الحرَّ والبَردَ والصَّيْفَ والشِّتَاءَ لتحقِيقِ مَصالِحِ العِبادِ في دِينهِم ودُنياهُم وأبدانِهِم ومعايِشِهِم.

قال اللهُ تعالى: ﴿ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [النور: 44]، وقال تعالى: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ﴾ [إبراهيم: 33].

وإذا كُنَّا هَذِهِ الأيام في صَيْفٍ قَائِضٍ وحرٍّ لافِحٍ؛ فإنَّهُ ينبغي أنْ يَكونَ لنا فِيهِ عِظَةٌ وذِكْرَى، وذلكَ أنَّ حَرَّ الصيفَ يُذَكِرُ المسلمَ الحيَّ القلبَ بِحَرِّ جهنَّمَ؛ فيزداد خَوفُهُ مِن رَبِّهِ؛ فيُبَادِرُ إلى فِعلِ طاعاتِهِ واجتنابِ معاصِيهِ.. فإنَّ النارَ حرُّها شديد، وإنَّ المنافقينَ لمَّا قالوا: ﴿ لا تَنْفِرُوا في الحَرِّ ﴾ ردَّ الله عليهم بقوله ﴿ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ﴾ [التوبة: 81].

وحين نرى نارَ الدُّنيا كيفَ تُذيبُ صُلبَ الحديدِ والصخرَ الشَّدِيدَ؛ فَلْنَتَذَكَّر أنَّها جُزءٌ واحِدٌ مِن سَبعِينَ جزءًا مِن نارِ جَهَنَّمَ والعياذُ بالله.

قال صلى الله عليه وسلم: «نارُكُمْ هذِه الَّتي يُوقِدُ ابنُ آدَمَ جُزْءٌ مِن سَبْعِينَ جُزْءًا مِن حَرِّ جَهَنَّمَ، قالوا: واللَّهِ إنْ كانَتْ لَكافِيَةً يا رَسولَ اللهِ، قالَ: فإنَّها فُضِّلَتْ عليها بتِسْعَةٍ وسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّها مِثْلُ حَرِّها ».

كما أنَّ أشدَّ الحرِّ الذي نَجِدُهُ في الدنيا هُوَ في الحَقِيقَةِ مِن فَيْحِ جَهنَّمَ؛ كما قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "اشْتَكَتِ النَّارُ إلى رَبِّهَا، فَقالَتْ: يا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا. فأَذِنَ لَهَا بنَفَسَيْنِ؛ نَفَسٍ في الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ في الصَّيْفِ؛ فَهْوَ أَشَدُّ ما تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وَأَشَدُّ ما تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ".

فإذا كانَ هذا نَفَسُهَا؛ فكيفَ بِنَفْسِ عَذَابِها!!.. نعوذ بالله من حالِ أهلِ النار.

عباد الله..
وإنَّ في حرِّ الصيفِ لَذِكرَى للمؤمنينَ.. يُذكِّرُهُم بِبَعضِ مَواقِفِ يومِ القيامةِ؛ فإنَّ هَذِهِ الشمس التي يُؤذِينَا حَرُّهَا في الدُّنيا، وبَينَنَا وبَينَهَا مِنَ المسافاتِ العظيمةِ.. تَدنُو يومَ القِيامَةِ مِنْ رُؤُوسِ الخَلائِقِ في أَرضِ المَحشَرِ حتَّى ما يَكونُ بَينَهُمْ وبَيْنَهَا إلا مِقدارَ مِيلٍ؛ يقول الصَّادِقُ المَصدُوقُ -صلى الله عليه وسلم-: "تُدْنَى الشَّمْسُ يَومَ القِيامَةِ مِنَ الخَلْقِ، حتَّى تَكُونَ منهمْ كَمِقْدارِ مِيلٍ. قالَ سُلَيْمُ بنُ عامِرٍ: فَواللَّهِ ما أدْرِي ما يَعْنِي بالمِيلِ؟ أمَسافَةَ الأرْضِ، أمِ المِيلَ الذي تُكْتَحَلُ به العَيْنُ. قالَ: فَيَكونُ النَّاسُ علَى قَدْرِ أعْمالِهِمْ في العَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَن يَكونُ إلى كَعْبَيْهِ، ومِنْهُمْ مَن يَكونُ إلى رُكْبَتَيْهِ، ومِنْهُمْ مَن يَكونُ إلى حَقْوَيْهِ، ومِنْهُمْ مَن يُلْجِمُهُ العَرَقُ إلْجامًا. قالَ: وأَشارَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بيَدِهِ إلى فِيهِ".

فَمَنْ تَأمَّلَ هَذِهِ الكُرُبَاتِ وكَانَ مِنَ المُوفَّقِينَ السُّعَدَاءِ؛ بَادَرَ إلى مَرضَاتِ رَبِّهِ؛ لعلَّهُ أن يَكُونَ في ذلِكَ اليومِ في ظِلِّ ظَلِيلٍ؛ مِمَّنْ قَالَ فيهم -صلى الله عليه وسلم-: "سَبعَةٌ يظلُّهمُ اللَّهُ في ظلِّهِ يومَ لا ظلَّ إلَّا ظِلُّه"، جعلني الله وإياكم منهم.

أيها المؤمنون..
إنَّ أَعظَمَ أسبابِ النجاةِ من النارِ ومِن أهوالِ يومِ القيامة: هُوَ تَحقِيقُ توحيدِ اللهِ تعالى؛ فإنَّ مَنْ حَقَّقَهُ وَكَمَّلَهُ دَخَلَ الجَنَّةَ بِغَيرِ حِسَابٍ ولا عَذَاب.

ومِن أعظمِ أسبابِ النجاةِ مِنها: التمسكُ بالسُّنَّةِ واجتنابِ البِدَعِ.

ومِنْ أسبابِ السَّلَامَةِ مِنْ حَرِّ النارِ: بذلُ الصَّدَقَاتِ ولو كانَتْ قَلِيلة؛ فقد قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "اتَّقُوا النَّارَ ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ".

فاستكثروا - رحمكم اللهُ - مِن فِعلِ الخيراتِ، واجتنبوا المُنكرَاتِ، واستَعِدُّوا للآخرةِ بِصالِحِ الأقوالِ والأعمال.

واعلموا - رحمكم الله - أنَّ بَعضَ الناسِ قَد يَفِرُّ مِن حَرِّ الصيفِ بالسِّيَاحَةِ بِلا مُرَاعَاةٍ لِحُدُودِ اللهِ وأحكَامِه، فيَرجِعُ مِنها بالأوزارِ والآثامِ..، ورُبَّما عادَ مِنهَا بَعدَمَا أَفسَدَ قُلُوبَ أهلِهِ وأخلاقَهُم وأفكارَهُم -عافانا اللهُ وإياكُم والمسلمين-.. فلنحذَر؛ ألا نَفِرَّ مِنْ حَرِّ الدُّنيا إلى حرِّ الآخرة.

أقول قولي هذا .. وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه..
الخطبة الثانية
الحمد لله عَلَى إحسانِه، والشّكرُ لَه على توفِيقِه وامتنانِه، وأشهد أن لاَ إلهَ إلاّ اللهُ وحدَه لا شريكَ لهُ تعظيمًا لشَأنه، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمّدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان واقتفى أثرهم. وسلم تسليما.

أمّا بعدُ:
أيها المؤمنون..
روى البخاريُّ ومسلمُ عن أبي هريرةَ رضي الله عنه، أن رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: « قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: يُؤْذِينِي ابنُ آدَمَ؛ يَسُبُّ الدَّهْرَ، وأنا الدَّهْرُ، بيَدِي الأمْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ والنَّهارَ ».

ومِمَّا يدخُلُ في هذا الحديث: سبُّ اليومِ الحارِّ، أو سبُّ الصيفِ، ونحو ذلكَ..

وقولُه تعالى "وأنا الدَّهرُ": أي: خالِقُهُ، "بِيَدِي الأمرُ أُقَلِّبُ الليلَ والنَّهار" يَعني: أنَّ ما يَجري فيهِما مِن خَيرٍ وَشَرٍّ؛ بِإرادةِ اللَّهِ وَتَدبيرِهِ، وَبِعِلمٍ مِنهُ تَعالى وَحِكمةٍ.

أيها المؤمنون..
استشعروا ما أنعمَ اللهُ تعالى به عليكم من نِعمَةِ المسكنِ، وأجهزةِ التكييفِ في البيتِ والسيارةِ والعملِ، ونِعمَةِ الثَّلَّاجَاتِ والبرَّادَاتِ فنتناولُ الماءَ والمشروباتِ البارِدَةِ في أيِّ وقتٍ أردنا.. إلى غيرِ ذلكَ مِنَ النِّعَمِ التي حُرِمَ منها خَلقٌ كثير.

فَلْنَتَذَكَّر هذِهِ النِّعَمِ ولْنَتَحَدَّث بِهَا على سبيلِ الشُّكرِ والاعترافِ بِفضلِ اللهِ تعالى.. فللهِ الحمدُ ربِّ العالمين.

ونسألُهُ تعالى أن يُعينَنَا على ذِكرِهِ وشُكرِهِ وحُسنِ عِبادتِه.


م ق


عطر الجنة 07-08-2021 02:30 AM

رد: وقفات مع حر الصيف
 
اللهم ربنا اجعلنا من عتقائك من النار برحمتك
اللهم أظلنا تحت ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك

بوركت حبيبتي أم سبأ
اختيارمفيد

جزاك الله كل خير



الساعة الآن 09:47 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.1 TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
يرحل الجميع ويبقي شعاع بيت العلم والحب(ملك الكلمة)