منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد

منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد (https://hwazen.com/vb/index.php)
-   شعاع الأدب العربي (https://hwazen.com/vb/f19.html)
-   -   الأصول في النحو لأبي بكر البغدادي (https://hwazen.com/vb/t21984.html)

إسمهان الجادوي 08-31-2021 02:10 PM

الأصول في النحو لأبي بكر البغدادي
 
كتاب : الأصول في النحو
المؤلف : أبي بكر محمد بن سهل بن السراج النحوي البغدادي




بسم الله الرحمن الرحيم

قال أبو بكر محمد بن السري النحوي : النحو إنما أريد به أن ينحو المتكلم إذا تعلمه كلام العرب وهو علم استخرجه المتقدمون فيه من إستقراء كلام العرب حتى وقفوا منه على الغرض الذي قصده المبتدئون بهذه اللغة فبإستقراء كلام العرب فاعلم : أن الفاعل رفع والمفعول به نصب وأن فعل مما عينه : ياء أو واو تقلب عينُه من قولهم : قام وباع
واعتلالات النحويين على ضربين : ضرب منها هو المؤدي إلى كلام العرب كقولنا : كل فاعل مرفوع وضرب آخر يسمى علة العلة مثل أن يقولوا : لِمَ صار الفاعل مرفوعاً والمفعول به منصوباً ولم إذا تحركت الياء والواو وكان ما قبلهما مفتوحاً قلبتا ألفاً وهذا ليس يكسبنا أن نتكلم كما تكلمت العرب وإنما تستخرج منه حكمتها في الأصول التي وضعتها وتبين بها فضل هذه اللغة على غيرها من اللغات وقد وفر الله تعالى من الحكمة بحفظها وجعل فضلها غير مدفوع
وغرضي في هذا الكتاب ذكر العلة التي إذا اطردت وصل بها إلى كلامهم فقط وذكر الأصول والشائع لأنه كتاب إيجاز
الكلام :
يأتلف من ثلاثة أشياء : ( إسم ) ( وفعل ) ( وحرف )

شرح الإسم

الإسم : ما دل على معنى مفرد وذلك المعنى يكون شخصاً وغير شخص فالشخص نحو : رجل وفرس وحجر وبلد وعمر وبكر
وأما ما كان غير شخص فنحو : الضرب والأكل والظن والعلم واليوم والليلة والساعة
وإنما قلت : ( ما دل ) على معنى مفرد لا فرق بينه وبين الفعل إذا كان الفعل يدل على معنى وزمان وذلك الزمان إما ماض وإما حاضر وإما مستقبل
فإن قلت : إن في الأسماء مثل اليوم والليلة والساعة وهذه أزمنة فما الفرق بينها وبين الفعل قلنا : الفرق أن الفعل ليس هو زماناً فقط كما أن اليوم زمان فقط فاليوم معنى مفرد للزمان ولم يوضع مع ذلك لمعنى
آخر ومع ذلك أن الفعل قد قسم بأقسام الزمان الثلاثة : الماضي والحاضر والمستقبل فإذا كانت اللفظة تدل على زمان فقط فهي اسم وإذا دلت على معنى وزمان محصل فهي فعل وأعني بالمحصل الماضي والحاضر والمستقبل
ولما كنت لم أعمل هذا الكتاب للعالم دون المتعلم احتجت إلى أن أذكر ما يقرب على المتعلم
فالإسم تخصه أشياء يعتبر بها منها أن يقال : أن الإسم ما جاز أن يخبر عنه نحو قولك : عمرو منطلق وقام بكر
والفعل : ما كان خبراً ولا يجوز أن يُخبر عنه نحو قولك : أخوك يقوم
وقام أخوك فيكون حديثاً عن الأخ ولا يجوز أن تقول : ذهب يقوم ولا يقوم يجلس
الحروف : ما لا يجوز أن يخبر عنها ولا يجوز أن تكون خبراً نحو : من وإلى
والإسم قد يعرف أيضاً بأشياء كثيرة منها دخول الألف واللام اللتين للتعريف عليه نحو : الرجل والحمار والضرب والحمد فهذا لا يكون في الفعل ولا تقول : اليقوم ولا اليذهب
ويعرف أيضاً بدخول حرف الخفض عليه نحو مررت بزيد وبأخيك وبالرجل ولا يجوز أن تقول : مررت بيقوم ولا ذهبت إلى قام
ويعرف أيضاً بإمتناع قد وسوف من الدخول عليه ألا ترى أنك لا تقول : قد الرجل ولا سوف الغلام إلا أن هذا ليس خاصاً بالإسم فقط

ولكن قد يمتنع سوف وقد من الدخول على الحروف ومن الدخول على فعل الأمر والنهي إذا كان بغير لام نحو : اضرب واقتل لا يجوز أن تقول : قد اضرب الرجل ولا سوف اقتل الأسد
والإسم أيضا ينعت والفعل لا ينعت
وكذلك الحرف لا ينعت تقول : مررت برجل عاقل ولا تقول : يضرب عاقل فيكون ( العاقل ) صفة ليضرب
والإسم يضمر ويُكنى عنه تقول : زيد ضربته والرجل لقيته والفعل لا يكنى عنه فتضمره لا تقول : ( يقوم ضربته ) ولا ( أقوم تركته ) إلا أن هذه الأشياء ليس يعرف بها كل اسم وإنما يعرف بها الأكثر ألا ترى أن المضمرات والمكنيات أسماء ومن الأسماء ما لا يكنى عنه وهذا يبين في موضعه إن شاء الله
ومما يقرب على المتعلم أن يقال له : كل ما صلح أن يكون معه ( يضر وينفع ) فهو اسم وكل ما لا يصلح معه ( يضر وينفع ) فليس باسم تقول : ( الرجل ينفعني والضرب يضرني ) ولا تقول ( يضرب ينفعني ) ولا ( يقوم يضرني )

إسمهان الجادوي 08-31-2021 02:13 PM

رد: الأصول في النحو لأبي بكر البغدادي
 
شرح الفعل
الفعل : ما دل على معنى وزمان وذلك الزمان إما ماض وإما حاضر وإما مستقبل
وقلنا : ( وزمان ) لنفرق بينه وبين الإسم الذي يدل على معنى فقط
فالماضي كقولك : ( صلى زيد ) يدل على أن الصلاة كانت فيما مضى من الزمان والحاضر نحو قولك : ( يصلي ) يدل على الصلاة وعلى الوقت

الحاضر
والمستقبل نحو ( سيصلي ) يدل على الصلاة وعلى أن ذلك يكون فيما يستقبل
والإسم إنما هو لمعنى مجرد من هذا الأوقات أو لوقت مجرد من هذه الأحداث والأفعال وأعني بالأحداث التي يسميها النحويون المصادر نحو : الأكل والضرب والظن والعلم والشكر
والأفعال التي يسميها النحويون ( المضارعة ) : هي التي في أوائلها الزوائد الأربع : الألف والتاء والياء والنون تصلح لما أنت فيه من الزمان ولما يستقبل نحو أكل وتأكل ويأكل ونأكل فجميع هذا يصلح لما أنت فيه من الزمان ولما يستقبل ولا دليل في لفظه على أي الزمانين تريد كما أنه لا دليل في قولك : رجل فعل كذا وكذا أي الرجال تريد حتى تبينه بشيء آخر فإذا قلت : سيفعل أو سوف يفعل دل على أنك تريد المستقبل وترك الحاضر على لفظه لأنه أولى به إذ كانت الحقيقة إنما هي للحاضر الموجود لا لما يتوقع أو قد مضى ولهذا ما ضارع عندهم الأسماء ومعنى ضارع : شابه ولما وجدوا هذا الفعل الذي في أوائله الزوائد الأربع يعم شيئين : المستقبل والحاضر كما يعم قولك : ( رجل ) زيداً وعمراً فإذا قلت : سيفعل أو سوف يفعل خص المستقبل دون الحاضر فأشبه الرجل إذا أدخلت الألف واللام عليه فخصصت به واحداً ممن له هذا الإسم فحينئذ يعلم

المخاطب من تريد لأنك لا تقول : ( الرجل ) إلا وقد علم من تريد منهم أو كما أن الأسماء قد خصت بالخفض فلا يكون في غيرها كذلك خصت الأفعال بالجزم فلا يكون في غيرها
وجميع الأفعال مشتقة من الأسماء التي تسمى مصادر كالضرب والقتل والحمد ألا ترى أن حمدت مأخوذ من الحمد و ( ضربت ) مأخوذ من الضرب وإنما لقب النحويون هذه الأحداث مصادر لأن الأفعال كأنها صدرت عنها
وجميع ما ذكرت لك أنه يخص الإسم فهو يمتنع من الدخول على الفعل والحرف
وما تنفرد به الأفعال دون الأسماء والأسماء دون الأفعال كثير يبين في سائر العربية إن شاء الله

إسمهان الجادوي 08-31-2021 02:13 PM

رد: الأصول في النحو لأبي بكر البغدادي
 
شرح الحرف
الحرف : ما لا يجوز أن يخبر عنه كما يخبر عن الإسم ألا ترى أنك لا نقول : إلى منطلق كما تقول : ( الرجل منطلق ) ولا عن ذاهب كما تقول : ( زيد ذاهب ) ولا يجوز أن يكون خبراً لا تقول : ( عمرو إلى ) و ( لا بكر عن ) فقد بان أن الحرف من الكلم الثلاثة هو الذي لا يجوز أن تخبر عنه ولا يكون خبراً . والحرف لا يأتلف منه مع الحرف كلام لو قلت

( أمن ) تريد ألف الإستفهام ( ومن ) التي يجر بها لم يكن كلاماً وكذلك لو قلت : ثم قد تريد ( ثم ) التي للعطف وقد التي تدخل على الفعل لم يكن كلاماً ولا يأتلف من الحرف مع الفعل كلام لو قلت : أيقوم ولم تجد ذكر أحد ولم يعلم المخاطب أنك تشير إلى إنسان لم يكن كلاماً ولا يأتلف أيضاً منه مع الإسم كلام لو قلت : ( أزيد ) كان كلاماً غير تام فأما ( يا زيد ) وجميع حروف النداء فتبين استغناء المنادي بحرف النداء وما يقوله النحويون : من أن ثم فعلاً يراد تراه في باب النداء إن شاء الله
والذي يأتلف منه الكلام الثلاثة الإسم والفعل والحرف فالإسم قد يأتلف مع الإسم نحو قولك : ( الله إلهنا ) ويأتلف الإسم والفعل نحو : قام عمرو ولا يأتلف الفعل مع الفعل والحرف لا يأتلف مع الحرف فقد بان فروق ما بينهما

باب مواقع الحروف

واعلم : أن الحرف لا يخلو من ثمانية مواضع إما أن يدخل على الإسم وحده مثل الرجل أو الفعل وحده مثل سوف أو ليربط اسماً بإسم : جاءني زيد وعمرو أو فعلاً بفعل أو مفعل باسم أو على كلام تام أو ليربط جملة بجملة أو يكون زائداً
أما دخوله على الإسم وحده فنحو لام التعريف إذا قلت : الرجل
والغلام فاللام أحدث معنى التعريف وقد كان رجل وغلام نكرتين
أما دخوله على الفعل فنحو سوف والسين إذا قلت : سيفعل أو سوف يفعل فالسين وسوف بهما صار الفعل لما يستقبل دون الحاضر وقد بينا هذا
وأما ربطه الإسم بالإسم فنحو قولك : جاء زيد وعمرو فالواو ربطت عمراً بزيد
وأما ربطه الفعل بالفعل نحو قولك : قام وقعد وأكل وشرب
وأما ربطه الإسم بالفعل فنحو : مررت بزيد ومضيت إلى عمرو

وأما دخولُه على الكلام التام والجمل فنحو قولك : أعمرو أخوك وما قام زيد ألا ترى أن الألف دخلت على قولك ( عمرو أخوك ) وكان خبراً فصيرته استخباراً وما دخلت على : قام زيد وهو كلام تام موجب فصار بدخولها نفياً
وأما ربطه جملة بجملة فنحو قولك : إن يقم زيد يقعد عمرو وكان أصل الكلام يقوم زيد يقعد عمرو فيقوم زيد ليس متصلا بيقعد عمرو ولا منه في شيء فلما دخلت ( إن ) جعلت إحدى الجملتين شرطاً والأخرى جواباً
وأما دخوله زائداً فنحو قوله تعالى : ( فبما رحمة من الله ) والزيادة تكون لضروب سنبينها في موضعها إن شاء الله
(

إسمهان الجادوي 08-31-2021 02:14 PM

رد: الأصول في النحو لأبي بكر البغدادي
 
ذكر ما يدخله التغيير من هذه الثلاثة وما لا يتغير منها
)
اعلم : أنه إنما وقع التغيير من هذه الثلاثة في الإسم والفعل دون الحرف لأن الحروف أدوات تغير ولا تتغير فالتغيير الواقع فيهما على ضربين : أحدهما تغيير الإسم والفعل في ذاتهما وبنائهما فيلحقهما من التصاريف ما يُزيل الإسم والفعل ونضد حروف الهجاء التي فيهما عن حاله
وأما ما يلحق الإسم من ذلك فنحو التصغير وجمع التكسير تقول في تصغير حجر : حجير فتضم الحاء وكانت مفتوحة وتحدث ياء ثالثة فقد غيرته وأزالته من وزن فعل إلى وزن ( فعيل ) وتجمعه فتقول : أحجار فتزيد

في أوله همزة ولم تكن في الواحد وتسكن الحاء وكانت متحركة وتزيد ألفاً ثالثة فتنقله من وزن فعل إلى وزن أفعال وأما ما يلحق الفعل فنحو : قام ويقوم وتقوم واستقام وجميع أنواع التصريف لإختلاف المعاني
والضرب الثاني من التغيير : هو الذي يسمى الإعراب وهو ما يلحق الإسم والفعل بعد تسليم بنائهما ونضد حروفهما نحو قولك : هذا حكم وأحمر ورأيت حكما وأحمر ومررت بحكم وأحمر وهذان حكمان ورأيت حكمين وهؤلاء حكمون ورأيت حكمين ومررت بحكمين وهو يضرب ولن يضرب ولم يضرب وهما يضربان ولن يضربا ولم يضربا وهم يضربون ولن يضربوا ولم يضربوا ألا ترى أن ( حكماً ويضرب ) لم يَزُلْ مِن حركاتهما وحروفهما شيء فسموا هذا الصنف الثاني من التغيير الذي يقع لفروق ومعانٍ تحدث ( إعراباً ) وبدأوا بذكره في كتبهم لأن حاجة الناس إليه أكثر وسموا ما عدا هذا مما لا يتعاقب آخره بهذه الحركات والحروف ( مبنياً )

باب الإِعراب والمعرب والبناء والمبني
الإِعراب الذي يلحق الإسم المفرد السالم المتمكن وأعني بالتمكن ما لم يشبه الحرف قبل التثنية والجمع الذي على حد التثنية ويكون بحركات ثلاث : ضم وفتح وكسر فإِذا كانت الضمة إعراباً تدخل في أواخر الأسماء والأفعال وتزول عنها سميت رفعاً ن فإذا كان الفتحة كذلك سميت نصباً وإذا كانت الكسرة كذلك سميت خفضاً وجراً هذا إذا كنَّ بهذه الصفة نحو قولك : هذا زيد يا رجل ورأيت زيداً يا هذا ومررت بزيد فاعلم ألا ترى تغيير الدال واختلاف الحركات التي تلحقها
فإن كانت الحركات ملازمة سمي الإسم مبنياً فإن كان مفهوماً نحو : ( منذُ ) قيلَ : مضموم ولم يُقل : مرفوع ليفرق بينه وبين المعرب وإن كان مفتوحاً نحو : ( أين ) قيل : مفتوح ولم يقل : منصوب وإن كان مكسوراً نحو : ( أمس ) و ( حذام ) قيل : مكسور ولم يقل : مجرور

وإذا كان الإسم متصرفاً سالماً غير معتل لحقه مع هذه الحركات التي ذكرنا التنوين نحو قولك : هذا مسلم ورأيت مسلماً ومررت بمسلم وإنما قلت ( سالم ) لأن في الأسماء معتلاً لا تدخله الحركة نحو : قفا ورحى تقول في الرفع : هذا قفا وفي النصب : رأيت قفاً يا هذا ونظرت إلى قفاً وإنما يدخله التنوين إذا كان منصرفاً
وقلت : منصرف لأن ما لا ينصرف من الأسماء لا يدخله التنوين ولا الخفض ويكون خفضه كنصبه نحو : هذا أحمر ورأيت أحمر ومررت بأحمر والتنوين نون صحيحة ساكنة وإنما خصها النحويون بهذا اللقب وسموها تنويناً ليفرقوا بينها وبين النون الزائدة المتحركة التي تكون في التثنية والجمع
فإذا ثنيت الإسم المرفوع لحقه ألف ونون فقلت : المسلمان والصالحان وتلحقه في النصب والخفض ياء ونون وما قبل الياء مفتوح ليستوي النصب والجر ونون الإثنين مكسورة أبداً تقول : رأيت المسلمين والصالحين ومررت بالمسلمين والصالحين فيستوي المذكر والمؤنث في التثنية ويختلف في الجمع المسلم الذي على حد التثنية
وإنما قلت في الجمع المسلم الذي على حد التثنية لأن الجمع جمعان جمع يقال له جمع السلامة وجمع يقال له : جمع التكسير فجمع السلامة هو الذي يسلم فيه بناء الواحد وتزيد عليه واواً ونوناً أو ياءً ونوناً نحو مسلمين ومسلمون ألا ترى أنك سلمت فيه بناء مسلم فلم تغير شيئاً من نضده وألحقته واواً ونوناً أو ياءً ونوناً كما فعلت في التثنية

وجمع التكسير هو الذي يغير فيه بناء الواحد مثل جمل وأجمال ودرهم ودراهم
فإذا جمعت الإسم المذكر على التثنية لحقته واو ونون في الرفع نحو قولك : هؤلاء المسلمون وتلحقه الياء والنون في النصب والخفض نحو : رأيت المسلمين ومررت بالمسلمين ونون هذا الجمع مفتوحة أبداً والواو مضموم ما قبلها والياء مكسورة ما قبلها
وهذا الجمع مخصوص به من يعقل ولا يجوز أن تقول في جمل جملون ولا في جبل جبلون ومتى جاء ذلك فيما لا يعقل فهو شاذ فلشذوذه عن القياس علة سنذكرها في موضعها ولكن التثنية يستوي فيها ما يعقل وما لا يعقل
والمذكر والمؤنث في التثنية سواء وفي الجمع مختلف فإذا جمعت المؤنث على حد التثنية زدت ألفاً وتاءً وحذفت الهاء إن كانت في الإسم وضممت التاء في الرفع وألحقت الضمة نوناً ساكنة فقلت في جمع مسلمة ( هؤلاء مسلمات )
والضمة في جمع المؤنث نظيرة الواو في جمع المذكر والتنوين نظير النون وتكسر التاء وتنون في الخفض والنصب جميعاً تقول : رأيت مسلمات ومررت بمسلمات والكسرة نظيرة الياء في المذكرين والتنوين نظير النون
وأما الإِعراب الذي يكون في فعل الواحد من الأفعال المضارعة فالضمة فيه تسمى رفعاً والفتحة نصباً والإِسكان جزماً وقد كنت بينت لك أن

المعرب من الأفعال التي في أوائلها الحروف الزوائد التاء والنون والياء والألف فالألف للمتكلم مذكراً كان أو مؤنثاً نحو : أنا أفعل لأن الخطاب يبينه والتاء للمخاطب المذكر والمؤنث نحو : أنت تفعل وأنت تفعلين وكذلك للمؤنث إذا كان لغائبة قلت : هي تفعل وإن كان الفعل للمتكلم ولأخر معه أو جماعة قلت : نحن نفعل والمذكر والمؤنث في ذا أيضاً سواء لأنه يبين أيضاً بالخطاب والياء للمذكر الغائب فجميعُ ما جعل لفظ المذكر والمؤنث فيه سواء على لفظ واحد فإنما كان ذلك لأنه غير ملبس فالمرفوع من هذه الأفعال نحو قولك : زيد يقوم وأنا أقوم وأنت تقوم وهي تقوم والمنصوب : لن يقوم ولن يقعدوا والمجزوم لم يقعدوا ولم يقم هذا في الفعل الصحيح اللام خاصة فأما المعتل فهو الذي آخره ياء أو واو أو ألف فإن الإعراب يمتنع من الدخول عليه إلا النصب فإنه يدخل على ما لامه واو أو ياء خاصة دون الألف لأن الألف لا يمكن تحركها تقول فيما كان معتلاً من ذوات الواو في الرفع : هو يغزو ويغدو يا هذا فتسكن الواو وتقول في النصب : لن يغزو فتحرك الواو وتسقط في الجزم فتقول : لم يغز ولم يغد وكذلك ما لامه ياء نحو : يقضي ويرمي تكون في الرفع ياؤه ساكنة فتقول : هو يقضي ويرمي وتفتحها في النصب فتقول : لن يقضي ولن يرمي وتسقط في الجزم وأما ما لامه ألف فنحو : يخشى ويخفى تقول في الرفع : هو يخشى ويخفى وفي النصب : لن يخشى ولن يخفى وتسقط في الجزم فتقول فيه لم يخشَ ولم يخف فإذا صار الفعل المضارع لإثنين مذكرين مخاطبين أو غائبين زدته ألفاً ونوناً وكسرت النون فقلت : يقومان فالألف ضمير الإثنين الفاعلين والنون علامة الرفع واعلم : أن الفعل لا يثنى ولا يجمع في الحقيقة وإنما يثنى ويجمع الفاعل الذي تضمنه الفعل فإذا قلت : يقومان فالألف ضمير الفاعلين اللذين ذكرتهما والنون علامة الرفع فإذا نصبت أو

جزمت حذفتها فقلت : لن يقوما ولن يعقدا ولم يقوما ولم يقعدا فاستوى النصب والجزم فيه كما استوى النصب والخفض في تثنية الاسم وتبع النصب الجزم لأن الجزم يخص الأفعال ولا يكون إلا فيها كما تبع النصب الخفض في تثنية الأسماء وجمعها السالم إذ كان الخفض يخص الأسماء فإن كان الفعل المضارع لجمع مذكرين زدت في الرفع واواً مضموماً ما قبلها ونوناً مفتوحة كقولك : أنتم تقومون وتقعدون ونحو ذلك فالواو ضمير لجمع الفاعلين والنون علامة الرفع
فإذا دخل عليها جازم أو ناصب حذفت فقيل : لم يفعلوا كما فعلت في التثنية فإن كان الفعل المضارع لفاعل واحد مؤنث مخاطب زدت فيه ياءً مكسوراً ما قبلها ونوناً مفتوحة نحو قولك : أنتِ تضربين وتقومين فالياء دخلت من أجل المؤنث والنون علامة الرفع وإذا دخل عليها ما يجزم أو ينصب سقطت نحو قولك : لم تضربي ولن تضربي
فإن صار الفعل لجمع مؤنث زدته نوناً وحدها مفتوحة وأسكنت ما قبلها نحو : هن يضربن ويقعدن فالنون عندهم ضمير الجماعة وليست علامة الرفع فلا تسقط في النصب والجزم لأنها ضمير الفاعلات فهي اسم ها هنا خاصة فأما الفعل الماضي فإذا ثنّيت المذكر أو جمعته قلت : فعلاً وفعلوا ولم تأت بنون لأنه غير معرب والنون في ( فعلن ) إنما هي ضمير وهي لجماعة المؤنث وأسكنت اللام فيها كما أسكنتها في ( فعلت ) حتى

لا تجتمع أربع حركات وليس ذا في أصول كلامهم والفعل عندهم مبني مع التاء في ( فعلت ) ومع النون في ( فعلن ) كأنه منه لأن الفعل لا يخلو من الفاعل وأما لام ( يفعلن ) فإنما أسكنت تشبيهاً بلام ( فعلن ) وإن لم يجتمع فيه أربع حركات ولكن من شأنهم إذا أعلوا أحد الفعلين لعلة أعلوا الفعل الآخر وإن لم تكن فيه تلك العلة وسترى ذلك في مواضع كثيرة إن شاء الله
واعلم : أن الإعراب عندهم إنما حقه أن يكون للأسماء دون الأفعال والحروف وأن السكون والبناء حقهما أن يكونا لكل فعل أو حرف وأن البناء الذي وقع في الأسماء عارض فيها لعلة وأن الإِعراب الذي دخل على الأفعال المستقبلة إنما دخل فيها العلة فالعلة التي بنيت لها الأسماء هي وقوعها موقع الحروف ومضارعتها لها وسنشرح ذلك في باب الأسماء المبينة إن شاء الله
وأما الإِعراب الذي وقع في الأفعال فقد ذكرنا أنه وقع في المضارع منها للأسماء وما عدا ذلك فهو مبني
فالأسماء تنقسم قسمين : أحدهما معرب والآخر مبني فالمعرب يقال له : متمكن وهو ينقسم أيضاً على ضربين : فقسم : لا يشبه الفعل وقسم : يشبه الفعل فالذي لا يشبه الفعل هو متمكن منصرف يرفع في موضع الرفع ويجر في موضع الجر وينصب في موضع النصب وينون وقسم يضارع الفعل غير متصرف لا يدخله الجر ولا التنوين وسنبين من أين يشبه بالفعل فيما يجري وفي ما لا يجري إن شاء الله

والمبني من الأسماء ينقسم على ضربين : فضرب مبني على السكون نحو : كم ومن وإذ وذلك حق البناء وأصله وضرب مبني على الحركة فالمبني على الحركة ينقسم على ضربين : ضرب حركته لإلتقاء الساكنين نحو أين وكيف وضرب حركته لمقاربته التمكن ومضارعته للأسماء المتمكنة نحو ( يا حكم ) في النداء وجئتك من علُ وجميع هذا يبين في أبوابه إن شاء الله
فأما الإِعراب الذي وقع في الأفعال فقد بينا أنه إنما وقع في المضارع منها للأسماء وما عدا المضارعة فمبني والمبني من الأفعال ينقسم على ضربين : فضرب مبني على السكون والسكون أصل كل مبني وذلك نحو : اضرب واقتل ودحرج وانطلق وكل فعل تأمر به إذا كان بغير لام ولم يكن فيه حرف من حروف المضارعة نحو : الياء والتاء والنون والألف فهذا حكمه
وأما الأفعال التي فيها حروف المضارعة فيدخل عليها اللام في الأمر وتكون معربة مجزومة بها نحو : ليقم زيد وليفتح بكر ولتفرح يا رجل وأما ما كان على لفظ الأمر مما يستعمل في التعجب
فحكمه حكمه نحو قولك : أكرم بزيد و ( أسمع بهم وأبصر ) وزيد ما أكرمه وما أسمعهم وما أبصرهم
والضرب الثاني مبني على الفتح وهو كل فعل ماض كثرت حروفه أو قلت نحو : ضرب واستخرج وانطلق وما أشبه ذلك

إسمهان الجادوي 08-31-2021 02:15 PM

رد: الأصول في النحو لأبي بكر البغدادي
 
ذكر العوامل
من الكلم الثلاثة الإسم والفعل والحرف وما لا يعمل منها

تفسير الأول وهو الإسم :
الإسم : يعمل في الإسم على ثلاثة أضرب :
الضرب الأول :
أن يبنى عليه اسم مثله أو يبنى على اسم ويأتلف فإجتماعهما الكلام ويتم ويفقدان العوامل من غيرهما نحو قولك : ( عبد الله أخوك ) . . فعبد الله مرتفع بأنه أول مبتدأ فاقد للعوامل ابتدأته لتبني عليه ما يكون حديثاً عنه : ( وأخوك ) مرتفع بأنه الحديث المبني على الإسم الأول المبتدأ
الضرب الثاني :
أن يعمل الإسم بمعنى الفعل والأسماء التي تعمل عمل الفعل أسماء الفاعلين وما شبه بها والمصادر وأسماء سموا الأفعال بها وإنما أعملوا اسم الفاعل لما ضارع الفعل وصار الفعل سبباً له وشاركه في المعنى وإن افترقا في الزمان كما أعربوا الفعل لما ضارع الإسم فكما أعربوا هذا أعلموا ذلك والمصدر حكمه حكم اسم الفاعل أعمل كما أعمل إذا كان الفعل مشتقاً منه إلا أن الفرق بينه وبين اسم الفاعل أن المصدر يجوز أن يضاف إلى الفاعل وإلى المفعول لأنه غيرهما تقول : عجبت من ضرب زيد عمراً فيكون زيد هو الفاعل في المعنى وعجبت من ضرب زيد عمرو فيكون زيد هو المفعول في المعنى ولا يجوز هذا في إسم الفاعل لا يجوز أن تقول : عجبت من ضارب زيد وزيد فاعل لأنك تضيف الشيء إلى نفسه وذلك غير جائز
فأما ما شبه باسم الفاعل نحو : حسن وشديد فتجوز إضافته إلى

الفاعل وإن كان إياه لأنها إضافة غير حقيقية نحو قولك : الحسن الوجه والشديد اليد والحسن للوجه والشدة لليد وإنما دخلت الألف واللام وهي لا تجتمع مع الإضافة على الحسن الوجه وما أشبهه لأن إضافته غير حقيقية ومعنى : حسن الوجه حسن وجهه وقد أفردت باباً للأسماء التي تعمل عمل الفعل اذكره بعد ذكر الأسماء المرتفعة إن شاء الله
الضرب الثالث :
أن يعمل الإسم لمعنى الحرف وذلك في الإِضافة والإِضافة تكون على ضربين : تكون بمعنى اللام وتكون بمعنى ( من )
فأما الإِضافة التي بمعنى اللام فنحو قولك : غلام زيد ودار عمرو ألا ترى أن المعنى : غلام لزيد ودار لعمرو إلا أن الفرق بين ما أضيف بلام وما أضيف بغير لام أن الذي يضاف بغير لام يكتسي مما يضاف إليه تعريفه وتنكيره فيكون معرفة إن كان معرفة ونكرة إن كان نكرة ألا ترى أنك إذا قلت غلام زيد فقد عرف الغلام بإضافة إلى زيد وكذلك إذ قلت : دار الخليفة عرفت الدار بإضافتها إلى الخليفة
ولو قلت : دار للخليفة لم يعلم أي دار هي وكذلك لو قلت : غلام لزيد لم يدر أي غلام هو وأنت لا تقول : غلام زيد فتضيف إلا وعندك أن السامع قد عرفه كما عرفته
أما الإِضافة التي بمعنى ( من ) فهو أن تضيف الإسم إلى جنسه نحو قولك : ثوب خز وباب حديد تريد ثوباً من خز وباباً من حديد فأضفت كل واحد منهما إلى

جنسه الذي هو منه وهذا لا فرق فيه بين إضافته بغير ( من ) وبين إضافته ( بمن ) وإنما حذفوا ( من ) هنا استخفافاً فلما حذفوها التقى الإسمان فخفض أحدهما الآخر إذا لم يكن الثاني خبراً عن الأول ولا صفة له ولو نصب على التفسير أو التمييز لجاز إذاً نون الأول نحو قولك : ثوبٌ خزاً
واعلم : أن الإسم لا يعمل في الفعل ولا في الحرف بل هو المعرض للعوامل من الأفعال والحروف
تفسير الثاني وهو الفعل :
اعلم : أن كل فعل لا يخلو من أن يكون عاملاً وأول عمله أن يرفع الفاعل أو المفعول الذي هو حديث عنه نحو : قام زيد وضرب عمرو وكل اسم تذكره ليزيد في الفائدة بعد أن يستغني الفعل بالإسم المرفوع الذي يكون ذلك الفعل حديثاً عنه فهو منصوب ونصبه لأن الكلام قد تم قبل مجيئه وفيه دليل عليه وهذه العلل التي ذكرناها ها هنا هي العلل الأول وها هنا علل ثوان أقرب منها يصحبها كل نوع من هذه الجمل إن شاء الله
تفسير الثالث وهو العامل من الحروف :
الحروف تنقسم إلى ثلاثة أقسام : الأول منها يدخل على الأسماء فقط دون الأفعال فما كان كذلك فهو عامل في الإسم

والحروف العوامل في الأسماء نوعان :
نوع منها يخفض الأسماء ويدخل ليصل اسماً بإسم أو فعلاً بإسم
أما وصله أسماً بإسم فنحو قولك : خاتم من فضة وأما وصله فعلاً بإسم فنحو قولك : مررت بزيد
والنوع الثاني : يدخل على المبتدأ والخبر فيعمل فيهما مررت الإسم ويرفع الخبر نحو ( إن وأخواتها ) كقولك : زيد قائم وجميع هذه الحروف لا تعمل في الفعل ولا تدخل عليه لا تقول : مررت بيضرب وإلى ذهبت إلا قام ولا أن يقعد قائم
والقسم الثاني من الحروف :
ما يدخل على الأفعال فقط ولا يدخل على الأسماء وهي التي تعمل في الأفعال فتنصبها وتجزمها نحو : ( أن ) في قولك : أريد أن تذهب فتنصب و ( لم ) في قولك : لم يذهب فتجزم ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول : لم زيد ولا : أريد أن عمرو
والقسم الثالث من الحروف :
ما يدخل على الأسماء وعلى الأفعال فلم تختص به الأسماء دون الأفعال ولا الأفعال دون الأسماء وما كان من الحروف بهذه الصفة فلا يعمل في اسم ولا فعل نحو ألف الإستفهام تقول : أيقوم زيد فيدخل حرف الإستفهام على الفعل ثم تقول : أزيد أخوك فيدخل الحرف على الإسم وكذلك ( ما ) إذا نفيت بها في لغة من لم يشبهها بليس فإنه يدخلها

على الإسم والفعل ولا يعملها كقولك : وما زيد قائم ما قام زيد ومن شبهها ( بليس ) فاعملها لم يجز أن يدخلها على الفعل إلا أن يردها إلى أصلها في ترك العمل ونحن نذكر جميع الحروف منفصلة في أبوابها إن شاء الله
فإن قال قائل : ما بال لام المعرفة لم تعمل في الإسم وهي لا تدخل إلا على الإسم ولا يجوز أن تدخل هذه اللام على الفعل قيل : هذه اللام قد صارت من نفس الإسم ألا ترى قولك : رجل يدلك على غير ما كان يدل عليه الرجل وهي بمنزلة المضاف إليه الذي يصير مع المضاف بمنزلة اسم واحد نحو قولك : عبد الملك ولو أفردت عبداً من الملك لم يدل على ما كان عليه عبد الملك وكذلك الجواب في السين وسوف إن سأل سائل فقال : لِمَ لَمْ يعملوها في الأفعال إذ كانتا لا تدخلان إلا عليها فقصتهما قصة الألف واللام في الإسم وذلك أنها إنما هي بعض أجزاء الفعل فتفهم هذه الأصول والفصول فقد أعلنت في هذا الكتاب أسرار النحو وجمعته جمعاً يحضره وفصلته تفصيلاً يظهره ورتبت أنواعه وصنوفه على مراتبها بأخصر ما أمكن من القول وأبينه ليسبق إلى القلوب فهمه ويسهل على متعلميه حفظه
واعلم : أنه ربما شذ الشيء عن بابه فينبغي أن تعلم : أن القياس إذا اطرد في جميع الباب لم يعن بالحرف الذي يشذ منه فلا يطرد في نظائره وهذا يستعمل في كثير من العلوم ولو اعترض بالشاذ على القياس المطرد لبطل أكثر الصناعات والعلوم فمتى وجدت حرفاً مخالفاً لا شك في خلافه لهذه الأصول فاعلم : أنه شاذ فإن كان سمع ممن ترضى عربيته فلا بد من أن

يكون قد حاول به مذهباً ونحا نحواً من الوجوه أو استهواه أمر غلطه والشاذ على ثلاثة أضرب : منه ما شذ عن بابه وقياسه ولم يشذ في استعمال العرب له نحو : استحوذ فإن بابه وقياسه أن يُعل فيقال : استحاذ مثل استقام واستعاذ وجميع ما كان على هذا المثال ولكنه جاء على الأصل واستعملته العرب كذلك ومنه ما شذ عن الإستعمال ولم يشذ عن القياس نحو ماضي يدع فإن قياسه وبابه أن يقال : ودع يدع إذ لا يكون فعل مستقبل إلا له ماض ولكنهم لم يستعملوا ودع استغنى عنه ( بترك ) فصار قول القائل الذي قال : ودعه شاذاً وهذه أشياء تحفظ ومنه ما شذ عن القياس والإستعمال فهذا الذي يطرح ولا يعرج عليه نحو ما حكى من إدخال الألف واللام على اليّجدعُ وأنا أتبع هذا الذي ذكرت من عوامل الأسماء والأفعال والحروف بالأسماء المفعول فيها فنبدأ بالمرفوعات ثم نردفها المنصوبات ثم المخفوضات فإذا فرغنا من الأسماء وتوابعها وما يعرض فيها ذكرنا الأفعال وإعرابها وعلى الله تعالى يتوكل وبه نستعين

إسمهان الجادوي 08-31-2021 02:18 PM

رد: الأصول في النحو لأبي بكر البغدادي
 
ذكر الأسماء المرتفعة
:
الأسماء التي ترتفع خمسة أصناف : الأول : مبتدأ له خبر
والثاني : خبر لمبتدأ بنيته عليه
والثالث : فاعل بني على فعل ذلك الفعل حديثاً عنه
والرابع : مفعول به بني على فعل فهو حديث عنه ولم تذكر من فعل به فقام مقام الفاعل
والخامس : مشبه بالفاعل في اللفظ
شرح الأول : وهو المبتدأ :
المبتدأ : ما جردته من عوامل الأسماء ومن الأفعال والحروف وكان القصد فيه أن تجعله أولاً لثانٍ مبتدأ به دون الفعل يكون ثانيه خبره ولا يستغني واحد منهما عن صاحبه وهما مرفوعان أبداً فالمبتدأ رفع بالإبتداء والخبر رفع بهما نحو قولك : الله ربنا ومحمد نبينا والمبتدأ لا يكون كلاماً تاماً إلا بخبره وهو معرض لما يعمل في الأسماء نحو : كان وأخواتها وما أشبه ذلك من العوامل تقول : عمرو أخونا وإن زيداً أخونا وسنذكر العوامل التي تدخل على المبتدأ وخبره فتغيره عما كان عليه في موضعها إن شاء الله
والمبتدأ يبتدأ فيه بالإسم المحدث عنه قبل الحديث وكذلك حكم كل مخبر والفرق بينه وبين الفاعل : أن الفاعل مبتدأ بالحديث قبله ألا ترى أنك إذا قلت : زيد منطلق فإنما بدأت ( بزيد ) وهو الذي حدثت عنه بالإنطلاق والحديث عنه بعده وإذا قلت : ينطلق زيد فقد بدأ بالحديث وهو انطلاقه ثم ذكرت زيداً المحدث عنه بالإنطلاق بعد أن ذكرت الحديث
فالفاعل مضارع للمبتدا من أجل أنهما جميعاً محدث عنهما وإنهما جملتان

لا يستغني بعضهما عن بعض وحق المبتدأ أن يكون معرفة أو ما قارب المعرفة من النكرات الموصوفة خاصة فأما المعرفة فنحو قولك : عبد الله أخوك وزيد قائم وأما ما قارب المعرفة من النكرات فنحو قولك : رجل من تميم جاءني وخير منك لقيني . وصاحب لزيد جاءني
وإنما امتنع الإبتداء بالنكرة المفردة المحضة لأنه لا فائدة فيه وما لا فائدة فيه فلا معنى للتكلم به ألا ترى أنك لو قلت : رجل قائم أو رجل عالم لم يكن في هذا الكلام فائدة لأنه لا يستنكر أن يكون في الناس رجل قائماً أو عالماً فإذا قلت : رجل من بني فلان أو رجل من إخوانك أو وصفته بأي صفة كانت تقربه من معرفتك حسن لما في ذلك من الفائدة ولا يكون المبتدأ نكرة مفردة إلا في النفي خاصة فإن الإبتداء فيه بالنكرة حسن بحصول الفائدة بها كقولك : ما أحد في الدار وما في البيت رجل ونحو ذلك في لغة بني تميم خاصة : وما أحد حاضر وإنما يراعى في هذا الباب وغيره الفائدة فمتى ظفرت بها في المبتدأ وخبره فالكلام جائز وما لم يفد فلا معنى له في كلام غيرهم
وقد يجوز أن تقول : رجل قائم إذا سألك سائل فقال : أرجل قائم أم امرأة
فتجيبه فتقول : رجل قائم وجملة هذا أنه إنما ينظر إلى ما فيه فائدة فمتى كانت فائدة بوجه من الوجوه فهو جائز وإلا فلا فإذا اجتمع اسمان معرفة ونكرة فحق المعرفة أن تكون هي المبتدأ وأن تكون النكرة الخبر لأنك إذا ابتدأت فإنما قصدُك تنبيه السامع بذكر الإسم الذي تحدثه عنه ليتوقع الخبر بعده فالخبر هو الذي ينكره ولا يعرفه ويستفيده والإسم لا فائدة له لمعرفته به وإنما ذكرته لتسند إليه الخبر وقد يجوز أن تقدم الخبر على المبتدأ ما لم يكن فعلاً خاصة فتقول : منطلق زيد وأنت تريد : زيد

منطلق فإن أردت أن تجعل منطلقا في موضع ( ينطلق ) فترفع زيداً بمنطلق على أنه فاعل كأنك قلت : ينطلق زيد قبح إلا أن يعتمد اسم الفاعل وهو ( منطلق ) وما أشبهه على شيء قبله وإنما يجري فجرى الفعل إذا كان صفة جرت على موصوف نحو قولك : مررت برجل قائم أبوه ارتفع ( أبوه ) ( بقائم ) أو يكون مبنياً على مبتدأ نحو قولك : زيد قائم أبوه وحسن عندهم : أقائم أبوك وأخارج أخوك تشبيهاً بهذا إذا اعتمد ( قائم ) على شيئ قبله فأما إذا قلت قائم زيد فأردت أن ترفع زيدا بقائم وليس قبله ما يعتمد عليه البتة فهو قبيح وهو جائز عندي على قبحه وكذلك المفعول لا يعمل فيه اسم الفاعل مبتدأ غير معتمد على شيء قبله نحو : ضارب وقاتل لا تقول : ضارب بكراً عمرو فتنصب بكراً ( بضارب ) وترفع عمراً به لا يجوز أن تعمله عمل الفعل حتى يكون محمولاً على غيره فتقول : هذا ضارب بكراً جعلوا بين الإسم والفعل فرقاً فإذا قلت : قائم أبوك ( فقائم ) مرتفع بالإبتداء وأبوك رفع بفعلهما وهما قد سدا مسد الخبر ولهذا نظائر تذكر في مواضعها إن شاء الله
فأما قولك : كيف أنت وأين زيد وما أشبهما مما يستفهم به من الأسماء ( فأنت وزيد ) مرتفعان بالإبتداء ( وكيف وأين ) خبران فالمعنى في : كيف أنت على أي حال أنت وفي : ( أين زيد ) في أي مكان ولكن الإستفهام الذي صار فيهما جعل لهما صدر الكلام وهو في الحقيقة الشيء المستفهم عنه ألا ترى أنك إذا سئلت : كيف أنت فقلت : صالح إنما أخبرت بالشيء الذي سأل عنه المستخبر وكذلك إذا قال : أين زيد فقلت : في داري فإنما أخبرت بما اقتضته أين ولكن جميع هذا وإن كان خبراً فلا

يكون إلا مبدوءاً به وقد تدخل على المبتدأ حروف ليست من عوامل الأسماء فلا تزيل المبتدأ عن حاله كلام الإبتداء وحروف الإستفهام ( وأما وما ) إذا كانت نافية في لغة بني تميم وأشباه ذلك فتقول : أعمرو ( قائم ) ولبكر أخوك وما زيد قائم وأما بكر منطلق فهذه الحروف إنما تدخل على المبتدأ وخبره لمعان فيها ألا ترى أن قولك : عمرو منطلق كان خبراً موجباً فلما أدخلت عليه ( ما ) صار نفياً وإنما نفيت ( بما ) ما أوجبه غيرك حقه أن تأتي بالكلام على لفظه وكذلك إذا استفهمت إنما تستخبر خبراً قد قيل أو ظن كأن قائلاً قال : عمرو قائم فأردت أن تحقق ذلك فقلت أعمرو قائم وقع في نفسك أن ذلك يجوز وأن يكون وأن لا يكون فاستخبرت مما وقع في نفسك بمنزلة ما سمعته أذنك فحينئذ تقول : أعمرو قائم أم لا لأنك لا تستفهم عن شيء إلا وهو يجوز أن يكون عندك موجبة أو منفية واقعاً ولام الإبتداء تدخل لتأكيد الخبر وتحقيقه فإذا قلت : لعمرو منطلق أغنت اللام بتأكيدها عن إعادتك الكلام فلذلك احتيج إلى جميع حروف المعاني لما في ذلك من الإختصار ألا ترى أن الواو العاطفة في قولك : قام زيد وعمرو لولاها لاحتجت إلى أن تقول : قام زيد قام عمرو وكذلك جميع الحروف ويوصل بلام القسم فيقال : والله لزيد خير منك لأنك

لا تقسم إلا مع تحقيق الخبر ( وأما ) فإنما تذكرها بعد كلام قد تقدم أخبرت فيه عن اثنين أو جماعة بخبر فاختصصت بعض من ذكر وحققت الخبر عنه ألا ترى أن القائل يقول : زيد وعمرو في الدار فتقول : أما زيد ففي الدار وأما عمرو ففي السوق وإنما دخلت الفاء من أجل ما تقدم لأنها إنما تدخل في الكلام لتتبع شيئاً بشيء وتعق ما دخلت عليه من الكلام بما قبله ( ولأما ) موضع تذكر فيه وما لم أذكر من سائر الحروف التي لا تعمل في الأسماء فالمبتدأ والخبر بعدها على صورتهما
شرح الثاني وهو خبر المبتدأ :
الإسم الذي هو خبر المتبدا هو الذي يستفيده السامع ويصير به المبتدأ كلاماً وبالخبر يقع التصديق والتكذيب
ألا ترى أنك إذا قلت : عبد الله جالس فإنما الصدق والكذب وقع في جلوس عبد الله لا في عبد الله لأن الفائدة هي في جلوس عبد الله وإنما ذكرت عبد الله لتسند إليه ( جالساً ) فإذا كان خبر المبتدأ اسماً مفرداً فهو رفع نحو قولك : عبد الله أخوك وزيد قائم وخبر المبتدأ ينقسم على قسمين : إما أن يكون هو الأول في المعنى غير ظاهر فيه ضميره نحو : زيد أخوك وعبد الله منطلق فالخبر هو الأول في المعنى إلا أنه لو قيل لك من أخوك هذا الذي ذكرته لقلت : زيد أو قيل لك : من المنطلق لقلت : عبد الله أو يكن غير الأول ويظهر فيه ضميره نحو قولك : عمرو ضربته وزيد رأيت أباه فإن لم يكن على أحد هذين فالكلام محال
وخبر المبتدأ الذي هو الأول في المعنى على ضربين فضرب يظهر فيه الإسم الذي هو الخبر نحو ما ذكرنا من قولك : زيد أخوك

وزيد قائم وضرب يحذف منه الخبر ويقوم مقامه ظرف له وذلك الظرف على ضربين : إما أن يكون من ظروف المكان وإما أن يكون من ظروف الزمان
أما الظروف في المكان فنحو قولك : زيد خلفك وعمرو في الدار
والمحذوف معنى الإستقرار والحلول وما أشبههما كأنك قلت : زيد مستقر خلفك وعمرو مستقر في الدار ولكن هذا المحذوف لا يظهر لدلالة الظرف عليه واستغنائهم به في الإستعمال
وأما الظرف من الزمان فنحو قولك : القتال يوم الجمعة والشخوص يوم الخميس كأنك قلت : القتال مستقر يوم الجمعة أو وقع في يوم الجمعة والشخوص واقع في يوم الخميس فتحذف الخبر وتقيم الظرف مقام المحذوف فإن لم ترد هذا المعنى
فالكلام محال لأن زيداً الذي هو المبتدأ ليس من قولك : ( خلفك ) ولا في الدار شيء لأن في الدار ليس بحديث وكذلك خلفك وإنما هو موضع الخبر
واعلم : أنه لا يجوز أن تقول : زيد يوم الخميس ولا عمرو في شهر كذا لأن ظروف الزمان لا تتضمن الجثث وإنما يجوز ذلك في الأحداث نحو الضرب والحمد وما أشبه ذلك وعلة ذلك أنك لو قلت : زيد اليوم لم تكن فيه فائدة لأنه لا يخلو أحد من أهل عصرك من اليوم إذ كان الزمان لا يتضمن واحداً دون الآخر والأماكن ينتقل عنها فيجوز أن تكون خبراً عن الجثث وغيرها كذلك
والظرف من الأماكن تكون إخباراً عن المعاني التي ليست بجثث يعني المصادر نحو قولك : البيع في النهار والضرب عندك فإن قال قائل فأنت قد تقول : الليلة الهلال والهلال جثة فمن أين جاز هذا فالجواب في ذلك : أنك إنما أردت : الليلة حدوث الهلال لأنك إنما تقول ذلك عند توقع طلوعه ألا ترى أنك لا تقول : الشمس اليوم ولا القمر الليلة لأنه غير متوقع وكذلك إن قلت : اليوم زيد وأنت تريد هذا

المعنى جاز وتقول : أكل يوم لك عهد لأن فيه معنى الملك ويوم الجمعة عليك ثوب إنما جاز ذلك لإستقرار الثوب عليك فيه وأما القسم الثاني من خبر المبتدأ : وهو الذي يكون غير الأول ويظهر يفه ضميره فلا يخلو من أن يكون الخبر فعلاً فيه ضمير المبتدأ نحو : زيد يقوم والزيدان يقومان فهذا الضمير وإن كان لا يظهر في فعل الواحد لدلالة المبتدأ عليه يظهر في التثنية والجمع وذلك ضرورة خوف اللبس ومضمره كظاهره وأنت إذا قلت : زيد قائم فالضمير لا يظهر في واحده ولا في تثنيته ولا في جمعه فإن قال قائل : فإنك قد تقول : الزيدان قائمان والزيدون قائمون قيل له : ليست الألف ولا الواو فيهما ضميرين إنما الألف تثنية الإسم والواو جمع الإسم وأنت إذا قلت : الزيدون قائمون فأنت بعد محتاج إلى أن يكون في نيتك ما يرجع إلى الزيدين ولو كانت الواو ضميرا والألف ضميرا والألف ضميرا لما جاز أن تقول القائمان الزيدان ولا القائمون الزيدون أو يكون جملة فيها ضميره والجمل المفيدة على ضربين : إما فعل وفاعل وإما مبتدأ وخبر أما الجملة التي هي مركبة من فعل وفاعل فنحو قولك : زيد ضربته وعمرو لقيت أخاه وبكر قام أبوه وأما الجملة التي هي مركبة من ابتداء وخبر فقولك : زيد أبوه منطلق وكل جملة تاتي بعد المبتدأ فحكمها في إعرابها كحكمها إذا لم يكن قبلها مبتدأ ألا ترى أن إعراب ( أبوه منطلق ) بعد قولك : بكر كإعرابه لو لم يكن بكر قبله فأبوه مرتفع بالإبتداء ( ومنطلق ) خبره فبكر مبتدأ أول وأبوه مبتدأ ثانٍ ومنطلق خبر الأب والأب ( منطلق ) خبر بكر

وموضع قولك : ( أبوه منطلق ) رفع ومعنى قولنا : الموضح أي لو وقع موقع الجملة اسم مفرد لكان مرفوعاً وقد يجوز أن يأتي مبتدأ بعد مبتدأ بعد مبتدأ وأخبار كثيرة بعد مبتدأ وهذه المبتدآت إذا كثروها فإنما هي شيء قاسه النحويون ليتدرب به المتعلمون ولا أعرف له في كلام العرب نظيراً فمن ذلك قولهم : زيد هند العمران منطلقان إليهما من أجله فزيد مبتدأ أول وهند مبتدأ ثان والعمران مبتدأ ثالث وهند وما بعدها خبر لها والعمران وما بعدهما خبر لهما وجميع ذلك خبر عن زيد والراجع الهاء في قولك من أجله والراجع إلى هند ( الهاء ) في قولك : إليها والمنطلقان هما العمران وهما الخبر عنها
وفيهما ضميرهما فكلما سئلت عنه من هذا فهذا أصله فإذا طال الحديث عن المبتدأ كل الطول وكان فيه ما يرجع ذكره إليه جاز نحو قولك : ( عبد الله قام رجل كان يتحدث مع زيد في داره ) صار جميع هذا خبراً عن ( عبد الله ) من أجل هذه الهاء التي رجعت إليه بقولك : ( في داره ) وموضع هذا الجملة كلها رفع من أجل أنك لو وضعت موضعها ( منطلقاً ) وما أشبهه ما كان إلا رفعاً فقد بان من جميع ما ذكرنا أنه قد يقع في خبر المبتدأ أحد أربعة أشياء الإسم أو الفعل أو الظرف أو الجملة
واعلم أن المبتدأ أو الخبر من جهة معرفتهما أو نكرتهما أربعة : الأول : أي يكون المبتدأ معرفة والخبر نكرة نحو : عمرو منطلق وهذا الذي ينبغي أن يكون عليه الكلام
الثاني : أن يكون المبتدأ معرفة والخبر معرفة نحو : زيد أخوك وأنت

تريد أنه أخوه من النسب وهذا ونحوه إنما يجوز إذا كان المخاطب يعرف زيداً على إنفراده ولا يعلم أنه أخوه لفرقة كانت بينهما أو لسبب آخر ويعلم أن له أخاً ولا يدري أنه زيد هذا فتقول له : أنت زيد أخوك أي زيد هذا الذي عرفته هو أخوك الذي كنت علمته فتكون الفائدة في اجتماعهما وذلك هو الذي استفاده المخاطب فمتى كان الخبر عن المعرفة معرفة فإنما الفائدة في مجموعهما فأما أن يكون يعرفهما مجتمعين وإن هذا هذا فذا كلام لا فائدة فيه فإن قال قائل : فأنت تقول : الله ربنا ومحمد نبينا وهذا معلوم معروف قيل له : هذا إنما هو معروف عندنا وعند المؤمنين وإنما نقوله رداً على الكفار وعلى من لا يقول به ولو لم يكن لنا مخالف على هذا القول لما قيل إلا في التعظيم والتحميد لطلب الثواب به فإن المسبح يسبح وليس يريد أن يفيد أحداً شيئاً وإنما يريد أن يتبرر ويتقرب إلى الله بقول الحق وبذلك أمرنا وتعبدنا وأصل ذلك الإعتراف بمن الله عليه بأن عرفه نفسه وفضله على من لا يعرف ذلك وأصل الكلام موضوع للفائدة وإن اتسعت المذاهب فيه ولكن لو قال قائل : النار حارة والثلج بارد لكان هذا كلاماً لا فائدة فيه وإن كان الخبر فيهما نكرة
الثالث : أن يكون المبتدأ نكرة والخبر نكرة وقد بينا أن الجائز من ذلك ما كانت فيه فائدة
فأما الكلام إذا كان منفياً فإن النكرة فيه حسنة لأن الفائدة فيه واقعة نحو قولك : ما أحد في الدار وما فيها رجل

الرابع : أن يكون المبتدأ نكرة والخبر معرفة وهذا قلب ما وضع عليه الكلام وإنما جاء مع الأشياء التي تدخل على المبتدأ والخبر فتعمل لضرورة الشاعر نحو قوله :
( كأنَّ سلافةً مِنْ بَيْتِ رَأْسٍ ... يَكُونُ مزاجَهَا عَسلٌ ومَاءُ )
فجعل إسم ( كان ) عسل وهو نكرة وجعل مزاجها الخبر وهو معرفة بالإِضافة إلى الضمير ومع ذلك فإنماحسن هذا عند قائله أن عسلاً وماءً نوعان وليسا كسائر النكرات التي تنفصل بالخلقة والعدد نحو : تمرة وجوزة والضمير الذي في ( مزاجها ) راجع إلى نكرة وهو قوله : سلافة فهو مثل قولك : خمرة ممزوجة بماء
وقد يعرض الحذف في المبتدأ وفي الخبر أيضاً لعلم المخاطب بما حذف والمحذوف على ثلاث جهات :

الأولى : حذف المبتدأ وإضماره إذا تقدم من ذكره ما يعلمه السامع فمن ذلك أن ترى جماعة يتوقعون الهلال فيقول القائل : الهلال والله أي : هذا الهلال فيحذف هذا وكذلك لو كنت منتظراً رجلاً فقيل : عمرو جاز على ما وصفت لك ومن ذلك : مررت برجل زيد لأنك لما قلت : مررت برجل أردت أن تبين من هو فكأنك قلت هو زيد وعلى هذا قوله تعالى : ( بشر من ذلكم النار )
الجهة الثانية : أن تحذف الخبر لعلم السامع فمن ذلك أن يقول القائل : ما بقي لكم أحد فتقول : زيد أو عمرو أي : زيد لنا ومنه لولا عبد الله لكان كذا وكذا فعبد الله مرتفع بالإبتداء والخبر محذوف وهو في مكان كذا وكذا فكأنه قال : لولا عبد الله بذلك المكان ولولا القتال كان في زمان كذا وكذا ولكن حذف حين كثر استعمالهم إياه وعرف المعنى فأما قوله : لكان ( كذا وكذا ) فحديث متعلق بحديث ( لولا ) وليس من المبتدا في شيء ومن ذلك : هل من طعام فموضع ( من طعام ) رفع كأنك قلت : هل طعام والمعنى : هل طعام في زمان أو مكان و ( من ) تزاد توكيداً مع حرف النفي وحرف الإستفهام إذا وليهما نكرة وسنذكرها في موضعها إن شاء الله
وقد أدخلوها على الفاعل والمفعول أيضاً كما أدخلوها على المبتدأ فقالوا : ما أتاني من رجل في موضع : ما أتاني رجل . ( وما وجدنا لأكثرهم من عهد ) و ( هل تحس منهم من أحد )
وكذلك قولك : هل من طعام وإنما هو : هل طعام فموضع ( من طعام ) رفع بالإبتداء

الجهة الثالثة : أنهم ربما حذفوا شيئاً من الخبر في الجمل وذلك المحذوف على ضربين : إما أن يكون فيه الضمير الراجع إلى المبتدأ نحو قولهم : السمن منوان بدرهم يريد : منه وإلا كان كلاماً غير جائز لأنه ليس فيه ما يرجع إلى الأول
وإما أن يكون المحذوف شيئا ليس فيه راجع ولكنه متصل بالكلام نحو قولك : الكر بستين درهماً فأمسكت عن ذكر الدرهم بعد ذكر الستين لعلم المخاطب
وتعتبر خبراً لمبتدأ بأنك متى سألت عن الخبر جاز أن يجاب بالمبتدأ لأنه يرجع إلى أنه هو هو في المعنى
ألا ترى أن القائل إذا قال : عمرو منطلق فقلت : من المنطلق قال : عمرو وكذلك إذا قال : عبد الله أخوك فقلت : من أخوك قال : عبد الله وكذلك لو قال : عبد الله قامت جاريته في دار أخيه فقلت : من الذي قامت جاريته في دار أخيه لقال : عبد الله وخبر المبتدأ يكون جواب ( ما ) واي وكيف وكم وأين ومتى يقول القائل : الدينار ما هو فتقول : حجر فتجيبه بالجنس ويقول الدينار أي الحجارة هو فتقول : ذهب فتجيبه بنوع من ذلك الجنس وهذا إنما يسأل عنه من سمع بالدينار ولم يعرفه
ويقول : الدينار كيف هو فتقول : مدور أصفر حسن منقوش ويقول : الدينار كم قيراطاً هو فتقول : الدينار عشرون قيراطاً فيقول : أين

هو فتقول : في بيت المال والكيس ونحو ذلك ولا يجوز أن تقول : الدينار متى هو وقد بينا أن ظروف الزمان لا تتضمن الجثث إلا على شرط الفائدة والتأول ولكن تقول : القتال متى هو فتقول : يوم كذا وكذا فأما إذا كان الخبر معرفة أو معهوداً فإنما يقع في جواب ( من وأي ) نحو قوله : زيد من هو والمعنى : أي الناس هو وأي القوم هو فتقول : أخوك المعروف أو أبو عمرو أي الذي من أمره كذا وتقول : هذا الحمار أي الحمير هو فتقول : الأسود المعروف بكذا وما أشبهه . واعلم : أن خبر المبتدأ إذا كان اسماً من أسماء الفاعلين وكان المبتدأ هو الفاعل في المعنى وكان جارياً عليه إلى جنبه أضمر فيه ما يرجع إليه وانستر الضمير نحو قولك : عمرو قائم وأنت منطلق فأنت وعمرو الفاعلان في المعنى لأن عمراً هو الذي قام وقائم جار على ( عمرو ) وموضوع إلى جانبه لم يحل بينه وبينه حائل فمتى كان الخبر بهذه الصفة لم يحتج إلى أن يظهر الضمير إلا مؤكداً فإن أردت التأكيد قلت : زيد قائم هو وإن لم ترد التأكيد فأنت مستغن عن ذلك وإنما احتمل ( ضارب وقائم ) وما أشبههما من أسماء الفاعلين ضمير الفاعل ورفع الأسماء التي تبنى عليه لمضارعته الفعل فأضمروا فيه كما أضمروا في الفعل إلا أن المشبه بالشيء ليس هو ذلك الشيء بعينه فضمنوه الضمير متى كان جارياً على الإسم الذي قبله وإنما يكون كذلك في ثلاثة مواضع : إما أن يكون خبراً لمبتدأ نحو قولك : عمرو منطلق كما ذكرنا أو يكون صفة نحو : مررت برجل قائم أو حالاً نحو : رأيت زيداً قائماً ففي اسم الفاعل ضمير في جميع هذه المواضع فإن وقع بعدها اسم ظاهر ارتفع ارتفاع الفاعل بفعله ومتى جرى اسم الفاعل على غير من هو له فليس يحتمل أن يكون فيه ضمير الفاعل كما يكون في الفعل لأن انستار ضمير الفاعل إنما هو للفعل

ولذلك بنيت لام ( فعل ) مع ضمير الفاعل المخاطب في ( فعلت ) والمخاطب والمخاطبة أيضاً في ( فعلتَ ) وفعلتِ كما بينا فيما مضى
فإن قلت : هند زيد ضاربته لم يكن بد من أن تقول : هي من أجل أن قولك : ( ضاربته ) ليس لزيد في الفعل نصيب وإنما الضرب كان من هند ولم يعد عليها شيء من ذكرها والفعل لها فإنما ( ضاربته ) خبر عن زيد وفاعله هند في المعنى ولم يجز إلا إظهار الضمير فقلت حينئذ هي مرتفعة ( بضاربته ) كما ترتفع هند إذا قلت : زيد ضاربته هند فالمكنى ها هنا بمنزلة الظاهر ولا يجوز أن تتضمن ( ضاربته ) ضمير الفاعل فإن أردت أن تثني قلت : الهندان الزيدان ضاربتهما هما لأن ( ضاربه ) ليس فيه ضمير الهندين إنما هو فعل فاعله المضمر هذا على قول من قال : أقائم أخواك فأما من قال : أكلوني البراغيث فيجعل في الفعل علامة التثنية والجمع ولم يرد الضمير ليدل على أن فاعله مثنى أو مجموع كما كانت التاء في ( فعلت هند ) فرقاً بين فعل المذكر والمؤنث فإنه يقول : الهندان الزيدان ضاربتاهما هما فإذا قلت : هند زيد ضاربته هي ( فهند ) مرتفعة بالإبتداء ( وزيد ) مبتدأ ثان وضاربته خبر زيد ( وهي ) هذه اللفظة مرتفعة بأنها فاعلة والفعل ( ضاربته ) والهاء ترجع إلى زيد وهي ترجع إلى هند والجملة خبر عنها فإن جعلت موضع فاعل يفعل فقلت : زيد هند تضربه أضمرت الفاعل ولم تظهره فهذا مما خالفت فيه الأسماء الأفعال ألا ترى أنك تقول : زيد أضربه وزيد تضربه . فإن

كان في موضع الفعل اسم الفاعل لم تقل إلا زيد ضاربه أنا أو أنت لأن في تصاريف الفعل ما يدل على المضمر ما هو كما قد ذكرنا فيما قد تقدم وليس ذلك في الأسماء وحكم اسم المفعول حكم اسم الفاعل تقول : زيد مضروب فتكون خبراً لزيد كما تكون ( ضارب ) ويكون فيه ضميره كما يكون في الفاعل فتقول : عمرو الجبة مكسوته إذ كان في ( مكسوته ) ضمير الجبة مستتراً فإن كان فيه ضمير ( عمرو ) لم يجز حتى تقول : عمرو الجبة مكسوها هو فحكم المفعول حكم الفاعل كما أن فُعِلَ ( كفَعَلَ ) في عمله وحق خبر المبتدأ إذا كان جملة أن يكون خبراً كاسمه يجوز فيه التصديق والتكذيب ولا يكون استفهاماً ولا أمراً ولا نهياً وما أشبه ذلك مما لا يقال فيه صدقت ولا كذبت ولكن العرب قد اتسعت في كلامها فقالت : زيد كم مرة رأيته فاستجازوا هذا لما كان زيدٌ في المعنى والحقيقة داخلاً في جملة ما استفهم عنه لأن الهاء هي زيدٌ وكذلك كل ما اتسعوا فيه من هذا الضرب
شرح الثالث من الأسماء المرتفعة وهو الفاعل :
الإسم الذي يرتفع بأنه فاعل هو الذي بنيته على الفعل الذي بني للفاعل
ويجعل الفعل حديثاً عنه مقدماً قبله كان فاعلاً في الحقيقة أو لم يكن

كقولك : جاء زيدٌ ومات عمروٌ وما أشبه ذلك ومعنى قولي : بنيته على الفعل الذي بني للفاعل أي : ذكرت الفعل قبل الإسم لأنك لو أتيت بالفعل بعد الإسم لأرتفع الإسم بالإبتداء وإنما قلت على الفعل الذي بني للفاعل لأفرق بينه وبين الفعل الذي بني للمفعول إذ كانوا قد فرقوا بينهما فجعلوا ( ضرب ) للفاعل مفتوح الفاء و ( ضرب ) للمفعول مضموم الفاء مكسور العين وقد جعل بينهما في جميع تصاريف الأفعال ماضيها ومستقبلها وثلاثيها ورباعيها وما فيه زائد منها فروق في الأبنية وهذا يبين لك في موضعه إن شاء الله
وإنما قلت : كان فاعلاً في الحقيقة أو لم يكن لأن الفعل ينقسم قسمين : فمنه حقيقي ومنه غير حقيقي والحقيقي ينقسم قسمين : أحدهما أن يكون الفعل لا يتعدى الفاعل إلى من سواه ولا يكون فيه دليل على مفعول نحو : قمت وقعدت والآخر أن يكون فعلاً وأصلاً إلى اسم بعد اسم الفاعل والفعل الواصل على ضربين : فضربٌ واصل مؤثر نحو : ضربت زيداً وقتلت بكراً والضرب الآخر واصل إلى الإسم فقط غير مؤثر فيه نحو : ذكرت زيداً ومدحت عمراً وهجوت بكراً فإن هذه تتعدى إلى الحي والميت والشاهد والغائب وإن كنت إنما تمدح الذات وتذمها إلا أنها غير مؤثرة
ومنها الأفعال الداخلة على الإبتداء والخبر وإنما تنبىء عن الفاعل بما هجس في نفسه أو تيقنه غير مؤثرة بمفعول ولكن أخبار الفاعل بما وقع عنده نحو : ظننت زيداً أخاك . وعلمت زيداً خير الناس

القسم الثاني : من القسمة الأولى : وهو الفعل الذي هو غير فعل حقيقي فهو على ثلاثة أضرب فالضرب الأول : أفعال مستعارة للإختصار وفيها بيان أن فاعليها في الحقيقة مفعولون نحو : مات زيدٌ وسقط الحائط ومرض بكر
والضرب الثاني : أفعال في اللفظ وليست بأفعال حقيقية وإنما تدل على الزمان فقط وذلك قولك : كان عبد الله أخاك وأصبح عبد الله عاقلاً ليست تخبر بفعل فعله إنما تخبر أن عبد الله أخوك فيما مضى وأن الصباح أتى عليه وهو عاقل
والضرب الثالث : أفعال منقولة يراد بها غير الفاعل الذي جعلت له نحو قولك : لا أرينك ها هنا فالنهي إنما هو للمتكلم كأنه ينهي نفسه في اللفظ وهو للمخاطب في المعنى
وتأويله : لا تكونن ها هنا فإن ( من ) حضرني رأيته ومثله قوله تعالى : ( ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) لم ينههم عن الموت في وقت لأن ذلك ليس المهم تقديمه وتأخيره ولكن معناه : كونوا على الإسلام
فإن الموت لا بد منه فمتى صادفكم صادفكم عليه وهذا تفسير أبي العباس رحمه الله
فالإسم الذي يرتفع بأنه فاعل هو والفعل جملة يستغني عليها

السكوت وتمت بها الفائدة للمخاطب ويتم الكلام به دون مفعول والمفعول فضلة في الكلام كالذي تقدم فأما الفعل فلا بد له من فاعل وما يقوم مقام الفاعل بمنزلة الإبتداء والخبر ألا ترى أنك إذا قلت : قام زيد فهو بمنزلة قولك : القائم زيد
فالفاعل رفع إذا أخبرت عنه أنه ( فَعَلَ ) وسيفعل أو هو في حال الفعل أو استفهمت عنه هل يكون فاعلاً أو نفيت أن يكون فاعلاً نحو : قام عبد الله ويقوم عبد الله . وسيقوم عبد الله
وفي الإستفهام : أيقوم عبد الله وفي الجزاء إِنْ يذهب زيد أذهب
وفي النفي ما ذهب زيد ولم يقم عمرو فالعامل هو الفعل على عمله أين نقلته لا يغيره عن عمله شيء أدخلت عليه ما يعمل فيه أو لم يعمل فسواء كان الفعل مجزوماً أو منصوباً أو مرفوعاً أو موجباً أو منفياً أو خبراً أو استخباراً هو في جميع هذه الأحوال لا بدّ من أن يرفع به الإسم الذي بني له فالأفعال كلها ماضيها وحاضرها ومستقبلها يرفع بها الفاعل بالصفة التي ذكرناها ومن الأفعال ما لا يتصرف في الأزمنة الثلاثة : الماضي والحاضر والمستقبل ويقتصر به على زمان واحد فلا يتصرف في جميع تصاريف الأفعال وقد أفردناها وقد أعملوا اسم الفعل وتأملت جميع ذلك فوجدت الأشياء التي ترتفع بها الأسماء ارتفاع الفاعل ستة أشياء : فعل متصرف وفعل غير متصرف وأسم الفاعل والصفة المشبهة باسم الفاعل والمصدر والأسماء التي سموا فيها الفعل في الأمر والنهي
فأما الأول : وهو الفعل المتصرف فنحو : قام وضربَ وتصرفه أنك تقول : يقوم وأقوم وتقوم
وضربَ ويضرب وأضرب وجميع تصاريف الأفعال جارية عليه ويشتق منه اسم الفاعل فتقول : ضارب

إسمهان الجادوي 08-31-2021 02:28 PM

رد: الأصول في النحو لأبي بكر البغدادي
 
والثاني : وهو الفعل الذي هو غير متصرف نحو : ليس وعسى وفعل التعجب ونعم وبئس لا تقول منه يفعل ولا فاعل
ولا يزول عن بناءٍ واحدٍ وسنذكر هذه الأفعال بعد في مواضعها إن شاء الله
الثالث : وهو اسم الفاعل الجاري على فعله نحو قولك : قام يقوم فهو قائم : وضرب يضرب فهو ضارب وشرب يشرب فهو شارب فضارب وشارب وقائم أسماء الفاعلين
وقد بينا أن اسم الفاعل لا يحسن أن يعمل إلا أن يكون معتمدا على شيء قبله
وذكرنا ما يحسن من ذلك وما يقبح في باب خبر الإبتداء
والرابع : الصفة المشبهة باسم الفاعل نحو قولك : حسن وشديد تقول : الحسن وجه زيد و الشديد ساعدك وما أشبهه
والخامس : المصدر نحو قولك عجبت من ضرب زيدٍ عمرو وتأويله : من أن ضربَ زيداً عمرو
السادس : الأسماء التي يسمى الفعل بها في الأمر والنهي نحو قولهم : تراكها ومناعها يريدون : أترك وأمنع ورويد زيداً وهلم الثريد وصه ومه يريدون : اسكت وعليك زيداً فهذه الأسماء إنما جاءت في الأمر وتحفظ حفظاً ولا يقاس عليها وسنذكر جميع هذه الأسماء التي أوقعت موقع الفعل في بابها مشروحة إن شاء الله
شرح الرابع من الأسماء المرتفعة :
وهو المفعول الذي لم يسم من فَعَلَ به إذا كان الإسم مبنياً على فعلٍ بني للمفعول ولم يذكر من فعلَ به فهو رفع وذلك قولك : ضرب بكر وأخرج خالد واستخرجت الدراهم فبني الفعل للمفعول على ( فعل ) نحو :

( ضُرِبَ ) وأفعلَ نحو : ( أكرِمَ ) وتفعل نحو : تضرب ونفعل نحو : نضرب فخولف بينه وبين بناءِ الفعل الذي بني للفاعل لئلا يلتبس المفعول بالفاعل وارتفاع المفعول بالفعل الذي تحدثت به عنه كإرتفاع الفاعل إذا كان الكلام لا يتم إلا به ولا يستغني دونه ولذلك قلت : إذا كان مبنياً على فعلٍ بني للمفعول أردت به ما أردت في الفاعل من أن الكلام لا يتم إلا به وقلت ولم تذكر من فعل به لأنك لو ذكرت الفاعل ما كان المفعول إلا نصباً وإنما ارتفع لما زال الفاعل وقام مقامه
واعلم : أن الأفعال التي لا تتعدى لا يبنى منها فعل للمفعول لأن ذلك محال نحو : قام وجلس
لا يجوز أن تقول : قيم زيد ولا جلس عمرو إذ كنت إنما تبني الفعل للمفعول فإذا كان الفعل لا يتعدى إلى مفعول فمن أين لك مفعول تبنيه له فإن كان الفعل يتعدى إلى مفعول واحد نحو : ضربت زيداً أزلت الفاعل وقلت : ضرب زيد فصار المفعول يقوم مقام الفاعل وبقي الكلام بغير اسم منصوب لأن الذي كان منصوباً قد ارتفع وإن كان الفعل يتعدى إلى مفعولين نحو : أعطيت زيداً درهماً فرددته إلى ما لم يسم فاعله قلت : أُعطي زيد درهماً فقامَ أحد المفعولين مقامَ الفاعلِ وبقيَ منصوب واحد في الكلام وكذلك إن كان الفعل يتعدى إلى ثلاثة مفعولين نحو : أعلم الله زيداً بكراً خير الناس إذا رددته إلى ما لم يسم فاعله قلت : أعلم زيد بكراً خير الناس
فقام أحد المفعولين مقام الفاعل
وبقي في الكلام اسمان منصوبان فعلى هذا يجري هذا الباب
وإن كان الفعل لا يتعدى لم يجز ذلك فيه وإن كان يتعدى إلى مفعول واحدٍ بقي الفعل غير متعمدٍ وإن كان يتعدى إلى اثنين بقي الفعل متعدياً إلى واحد وإن كان يتعدى إلى ثلاثة بقي الفعل يتعدى إلى إثنين فعلى هذا فقس متى نقلت ( فعل ) الذي هو

للفاعل مبني إلى ( فُعِلَ ) الذي هو مبني للمفعول فانقص من المفعولات واحداً
وإذا نقلت ( فَعَلَت ) إلى أفعلتَ فإن كان الفعل لا يتعدى في ( فعلت ) فعدهِ إلى واحدٍ إذا نقلته إلى أفعلت تقول قمت فلا يتعدى إلى مفعول فإن قلت أفعلت منه قلت أقمت زيدا وإن كان الفعل يتعدى إلى مفعول واحد فنقلته من ( فعلت ) إلى ( أفعلت ) عديته إلى إثنين نحو قولك : رأيت الهلال هو متعدٍ إلى مفعول واحدٍ فإن قلت : أريت زيداً الهلال فيتعدى إلى إثنين وإن كان الفعل يتعدى إلى مفعولين فعلت إلى أفعلت تعدي إلى ثلاثة مفعولين تقول علمت بكراً خير الناس فإن قلت : أعلمتُ قلت : أعلمتُ بكراً زيداً خير الناس فتعدى إلى ثلاثة فهذان النقلان مختلفان إذا نقلت ( فعلتُ ) إلى ( فعلتُ ) نقصت من المعفولات واحداً أبداً وإذا نقلت ( فعلت ) إلى ( أفعلت ) زدت في المفعولات واحداً أبداً فتبين ذلك فإني إنما ذكرت ( فعّلتُ ) وإن لم يكن من هذا الباب لأن الأشياء تتضح بضمها إلى أضدادها واسم المفعول الجاري على فعله يعمل عمل الفعل نحو قولك : مضروب ومعط يعمل عمل أعطى ونعطي تقول : زيد مضروب أبوه فترفع ( وأبوه ) بمضروب كما كنت ترفعه بضاربٍ إذا قلت : زيد ضارب أبوه عمراً وتقول : زيد معط أبوه درهماً ( فترفع الأب ) ( بمعط ) وتقول : دفَع إلى زيد درهم فترفع الدرهم لأنك جررت زيداً فقام الدرهم مقام الفاعل ويجوز أن تقول : سير بزيد فتقيم ( بزيد ) مقام الفاعل فيكون موضعه رفعاً ولا يمنعه حرف الجر من ذلك كما قال : ما جاءني من أحد فأحد فاعل وإن كان مجروراً ( بمن ) وكذلك قوله تعالى : ( أن ينزل عليكم من خير من ربكم )

فإن أظهرت زيداً غير مجرور قلت : أعطى زيد درهماً وكسى زيد ثوباً فهذا وجه الكلام ويجوز أن تقول : أعطى زيداً درهم وكسى زيداً ثوب كما كان الدرهم والثوب مفعولين وكان لا يلبس على السامع الآخذ من المأخوذ جاز ولكن لو قلت : أعطى زيد عمراً وكان زيد هو الآخذ لم يجز أن تقول : أعطى عمرو زيداً لأن هذا يلبس إذ كان يجوز أن يكون كل واحد منهما آخذاً لصاحبه وهو لا يلبس في الدرهم وما أشبه لأن الدرهم لا يكون إلا مأخوذاً وإنما هذا مجاز والأول الوجه
ومن هذا : أدخل القبر زيداً وألبستُ الجبة زيداً ولا يجوز على هذا ضرب زيداً سوطٌ لأن سوطاً في موضع قولك : ضربةً بسوطٍ فهو مصدر
واعلم : أنه يجوز أن تقيم المصادر والظروف من الأزمنة والأمكنة مقام الفاعل في هذا الباب إذا جعلتها مفعولات على السعة وذلك نحو قولك : سير بزيد سير شديد وضرب من أجل زيد عشرون سوطاً واختلف به شهران ومضى به فرسخان وقد يجوز نصبهما على الموضع وإن كنت لم تقم المجرور مقام الفاعل أعني قولك : بزيد على أن تحذف ما يقوم مقام الفاعل وتضمره وذلك المحذوف على ضربين إما أن يكون الذي قام مقام الفعل مصدراً استغنى عن ذكره بدلالة الفعل عليه وإما أن يكون مكاناً دلَّ الفعل عليه أيضاً إذ كان الفعل لا يخلو من أن يكون في مكان كما أنه لا بد من أن يكون مشتقاً من مصدره نحو قولك : سير بزيد فرسخاً أضمرت السير لأن ( سير ) يدل على السير فكأنك قلت : سير السير بزيد فرسخاً ثم حذفت السير فلم تحتج إلى ذكره معه كما تقول : من كذب كان شراً له تريد : كان الكذب شراً له
ولم تذكر الكذب لأن ( كذب ) قد دل عليه ونظيره قوله تعالى : ( لا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم )
يعني البخل الذي دل عليه ( يبخلون ) وأما الذي يدل عليه الفعل من المكان فأن تضمر في

هذه المسألة ما يدل عليه ( سير ) نحو الطريق وما أشبهه من الأمكنة
ألا ترى أن السير لا بد أن يكون في طريق فكأنك قلت : سير عليه الطريق فرسخاً ثم حذفت لعلم المخاطب بما تعني فقد صارَ في ( سيرَ بزيدٍ ) ثلاثة أوجه : أجودها أن تقيم ( بزيد ) مقام الفاعل فيكون موضعه رفعاً وإن كان مجروراً في اللفظ وقد أريناك مثل ذلك
والوجه الثاني : الذي يليه في الجودة أن تريد المصدر فتقيمه مقام الفاعل وتحذفه
والوجه الثالث : وهو أبعدها أن تريد المكان فتقيمه مقام الفاعل وتحذفه
واعلم : أنك إذا قلت : سير يزيد سيراً فالوجه النصب في ( سير ) لأنك لم تفد بقولك ( سيراً ) شيئاً لم يكن في ( سير ) أكثر من التوكيد فإن وصفته فقلت : شديداً أو هيناً فالوجه الرفع لأنك لما نعته قربته من الأسماء وحدثت فيه فائدة لم تكن في ( سير ) والظروف بهذه المنزلة لو قلت : سير بزيد مكاناً أو يوماً لكان الوجه النصب فإن قلت : يوم كذا أو مكاناً بعيداً أو قريباً أختير الرفع والتقديم والتأخير والإِضمار والإِظهار في الإسم الذي قام مقام الفاعل ولم يسم من فعل به مثله في الفاعل يجوز فيه ما جاز في ذلك لا فرق بينهما في جميع ذلك وتقول : كيف أنت إذا نحى نحوك ونحوك على ما فسرنا فإن قلت : نحى قصدك فالإختيار عند قوم من النحويين النصب لمخالفة لفظ الفعل لفظ المصدر والمصادر والظروف من الزمان والمكان لا يجعل شيء منها مرفوعاً في هذا الباب حتى يقدر فيه أنه إذا كان

الفاعل معه أنه مفعول صحيح فحينئذ يجوز أن يقام مقام الفاعل إذا لم تذكر الفاعل
فأما الحال والتمييز فلا يجوز أن يجعل واحد منهما في محل الفاعل إذا قلت : سير بزيد قائماً أو تصبب بدن عمرو عرقاً لا يجوز أن تقيم ( قائماً وعرقاً ) مقام الفاعل لأنهما لا يكونان إلا نكرة فالفاعل وما قام مقامه يضمر كما يظهر والمضمر لا يكون إلا معرفة وكذلك المصدر الذي يكون علة لوقوع الشيء نحو : جئتك ابتغاء الخير لا يقوم مقام الفاعل ابتغاء الخير لأن المعنى لإبتغاء الخير ومن أجل ابتغاء الخير فإن أقمته مقام الفاعل زال ذلك المعنى وقد أجاز قوم في ( كان زيد قائماً ) أن يردوه إلى ما لم يسم فاعله فيقولون : كين قائم
قال أبو بكر : وهذا عندي لا يجوز من قبل أن ( كان ) فعل غير حقيقي وإنما يدخل على المبتدأ والخبر فالفاعل فيه غير فاعل في الحقيقة والمفعول غير مفعول على الصحة فليس فيه مفعول يقوم مقام الفاعل لأنهما غير متغايرين إذ كان إلى شيء واحد لأن الثاني هو الأول في المعنى
وقد نطق بما لم يسم فاعله في أحرف ولم ينطق فيها بتسمية الفاعل فقالوا : أنيخت الناقة وقد وضع زيد في تجارته ووكس وأغرى به وأولع به وما كان من نحو هذا مما أَخذ عنهم سماعاً وليس بباب يقاس عليه
شرح الخامس :
وهو المشبه بالفاعل في اللفظ : المشبه بالفاعل على ضربين : ضرب منه

إسمهان الجادوي 08-31-2021 02:29 PM

رد: الأصول في النحو لأبي بكر البغدادي
 
ارتفع ( بكان وأخواتها ) وضرب آخر ارتفع بحروف شبهت ( بكان ) والفعل وأخوات ( كان ) : صار وأصبح وأمسى وظل وأضحى وما دام وما زال وليس وما أشبه ذلك مما يجيىء عبارة عن الزمان فقط وما كان في معناهن مما لفظه لفظ الفعل وتصاريفه تصاريف الفعل تقول : كان ويكون وسيكون وكائن فشبهوها بالفعل لذلك فأما مفارقتها للفعل الحقيقي فإن الفعل الحقيقي يدل على معنى وزمان نحو قولك : ضرب يدل على ما مضى من الزمان وعلى الضرب الواقع فيه وكان إنما يدل على ما مضى من الزمان فقط ( ويكون ) تدل على ما أنت فيه من الزمان وعلى ما يأتي فهي تدل على زمان فقط فأدخلوها على المبتدأ وخبره فرفعوا بها ما كان مبتدأ تشبيهاً بالفاعل ونصبوا بها الخبر تشبيهاً بالمفعول فقالوا : كان عبد الله أخاك كما قالوا : ضرب عبد الله أخاك إلا أن المفعول في ( كان ) لا بد من أن يكون هو الفاعل لأن أصله المبتدأ وخبره كما كان خبر المبتدأ لا بد من أن يكون هو المبتدأ فإذا قالوا ( كان زيد قائماً ) فإنما معناه : زيد قام فيما مضى من الزمان فإذا قالوا : أصبح عبد الله منطلقاً فإنما المعنى : أتى الصباح وعبد الله منطلق فهذا تشبيه لفظي وكثيراً ما يعملون الشيء عمل الشيء إذا أشبهه في اللفظ وإن لم يكن مثله في المعنى وسترى ذلك إن شاء الله فقد بان شبه ( كان وأخواتها ) بالفعل إذ كنت تقول : كان يكون وأصبح يصبح وأضحى ويضحى ودام يدوم وزال يزال فأما ليس فالدليل على أنها فعل وإن كانت لا تتصرف تصرف الفعل قولك : لست كما تقول : ضربت ولستما كضربتما ولسنا كضربنا ولسن كضربن

ولستن كضربتن وليسوا كضربوا ولسيت أمة الله ذاهبة كقولك : ضربت أمة الله زيداً
وإنما امتنعت من التصرف لأنك إذا قلت ( كان ) دللت على ما مضى وإذا قلت ( يكون ) دللت على ما هو فيه وعلى ما لم يقع وإذا قلت : ليس زيد قائماً الآن أو غداً أدت ذلك المعنى الذي في يكون فلما كانت تدل على ما يدل عليه المضارع استغني عن المضارع فيها ولذلك لم تبن بناء الأفعال التي هي من بنات الياء مثل باع وبات
وإذا اجتمع في هذا الباب معرفة ونكرة فاسم ( كان ) المعرفة كما كان ذلك في الإبتداء هو المبتدأ لا فرق بينهما في ذلك تقول : كان عمرو منطلقاً وكان بكر رجلاً عاقلاً وقد يكون الإسم معرفة والخبر معرفة كما كان ذلك في الإبتداء أيضاً تقول : كان عبد الله أخاك وكان أخوك عبد الله أيهما شئت جعلته اسم ( كان ) وجعلت الآخر خبراً لها والشعراء قد يضطرون فيجعلون الإسم نكرة والخبر معرفة لعلمهم أن المعنى يؤول إلى شيء واحد فمن ذلك قول حسان :
( كأنَّ سلافةً منْ بيت رأسٍ ... يكون مزاجَها عسَل وماءُ )
وقال القطامي :
( قفي قبل التفرقِ يا ضباعا ... ولا يك موقف منكِ الوداعا )

وقد مضى تفسير هذا وقد تخبر في هذا الباب بالنكرة عن النكرة إذا كان فيه فائدة وذلك قولك : ما كان أحد مثلك وليس أحد خيراً منك وما كان رجل قائماً مقامك وإنما صلح هذا هنا لأن قولك : ( رجل ) في موضع الجماعة إذا جعلوا رجلاً رجلاً يدلك على ذلك قولك : ما كان رجلان أفضل منهما
والمعول في هذا الباب وغيره على الفائدة كما كان في المبتدأ والخبر
فما كانت فيه فائدة فهو جائز فأنت إذا قلت : ليس فيها أحد فقد نفيت الواحد والإثنين وأكثر من ذلك ومثل هذا لا يقع في الإيجاب ونظير أحد عريب وكتيع وطوريء وديار قال الراجز :
( وبلدة ليس بها ديار ... )
ومن هذه الأسماء ما يقع بعد ( كل ) لعمومها تقول : يعلم هذا كل أحد وأما قول الشاعر :

( حتى ظهرت فما تخفى على أحدٍ ... إلا على أحدٍ لا يعرف القمرا )
فقد فسر هذا البيت على ضربين : أحدهما : أن يكون ( أحد ) في معنى واحد كأنه قال : إلا على واحد لا يعرف القمرا فأحد هذه هي التي تقع في قولك : أحد وعشرون وتكون على قولك ( أحد ) التي تقع في النفي فتجريه في هذا الموضع على الحكاية لتقديم ذكره إياه ونظير ذلك أن يقول القائل : أما في الدار أحد فتقول مجيباً بلى وأحد إنما هو حكاية للفظ ورد عليه وتقول : ما كان رجل صالح فمشبه زيداً في الدار إذا جعلت في الدار خبراً ومعنى هذا الكلام أن زيداً صالح فمشبهه مثله
فإن نصبت ( مشبهاً ) فقد ذممت زيداً أو أخبرت أن ما كان صالحاً غير تشبيه
فإذا قلت : ما كان أحد مثلك وما كان مثلك أحد فكلها نكرات لأن ( مثل وشبه ) يكن نكرات وإن أَضفن إلى المعارف لأنهن لا يخصصن شيئاً بعينه لأن الأشياء تتشابه من وجوه وتتنافى من وجوه فإن أردت ( بمثلك ) المعروف ( بشبهك ) خاصة كان معرفة كأخيك
وتقول : ما كان في الدار أحد مثل زيد إذا جعلت ( في الدار ) الخبر وإن جعلت ( في الدار ) لغواً نصبت المثل قال الله تعالى : ( ولم يكن له كفوا أحد )

والظروف يجوز أن يفصل بها بين ( كان ) وما عملت فيه لإشتمالها على الأشياء فتقديمها وهي ملغاة بمنزلة تأخيرها واعلم : أن جميع ما جاز في المبتدأ وخبره من التقديم والتأخير فهو جائز في ( كان ) إلا أن يفصل بينها وبين ما عملت فيه بما لم تعمل فيه فإن فصلت بظرف ملغى جاز فأما ما يجوز فقولك : كان منطلقاً عبد الله وكان منطلقاً اليوم عبد الله وكان أخاك صاحبنا وزيد كان قائماً غلامه والزيدان كان قائماً غلامهما تريد كان غلامهما قائماً وكذلك : أخوات ( كان ) قال الله تعالى ( وكان حقا علينا نصر المؤمنين )
وتقول : من كان أخاك إذا كانت ( من ) مرفوعة كأنك قلت : أزيد كان أخاك وتقول : من كان أخوك إذا كانت ( من ) منصوبة كأنك قلت : أزيداً كان أخوك وهذا كقولك : من ضرب أخاك ومن ضرب أخوك فما أجزته في المبتدأ والخبر من التقديم والتأخير فأجزه فيها ولكن لا تفصل بينها وبين ما عملت فيه بما لم تعمل فيه ولا تقل : كانت زيداً الحمى تأخذ ولا : كان غلامه زيد يضرب لا تجز هذا إذا كان ( زيد والحمى ) أسمين لكان
فإن أضمرت في ( كان ) الأمر أو الحديث أو القصة وما أشبه ذلك وهو الذي يقال له المجهول
كان ذلك المضمر اسم ( كان ) وكانت هذه الجملة خبرها فعلى ذلك يجوز كان زيداً الحمى تأخذ وعلى هذا أنشدوا :
( فَأَصْبَحُوا والنَّوى عَالي مُعَرّسِهم ... وَلَيَس كُلَّ الّنوى يَلقَى المَسَاكِين )
كأنه قال : وليس الخبر يلقى المساكين كل النوى ولكن هذا المضمر

لا يظهر وأصحابنا يجيزون : غلامه كان زيد يضرب فينصبون الغلام ( بيضرب ) ويقدمونه لأن كلَّ ما جاز أن يتقدم من الأخبار جاز تقديم مفعوله فلو قلت : غلامه ضرب زيد كان جيداً فكان هذا بمنزلة : ضرب زيد غلامه
ولو رفعت الغلام كان غير جائز لأنه إضمار قبل الذكر فلا يجوز أن ينوى به غيره فإن قال قائل : فأنت إذا نصبت فقد ذكرته قبل الإسم قيل له : إذا قدم ومعناه التأخير فإنما تقديره والنية فيه أن يكون مؤخراً وإذا كان في موضعه لم يجز أن تعني به غير موضعه ألا ترى أنك تقول : ضرب غلامه زيد لأن الغلام في المعنى مؤخراً والفاعل على الحقيقة قبل المفعول ولكن لو قلت : ضرب غلامه زيداً لم يجز لأن الغلام فاعل وهو في موضعه فلا يجوز أن تنوي به غير ذلك الموضع

وتقول : كان زيد قائماً أبوه وكان زيد منطلقة جارية يحبها والتقديم والتأخير في الأخبار المجملة بمنزلتها في الأخبار المفردة ما لم تفرقها تقول : أبوه منطلق كان زيد تريد كان زيد أبوه منطلق وقائمة جارية يحبها كان زيد تريد : كان زيد قائمة جارية يحبها
وفي داره ضرب عمرو خالداً كان زيد
فإن قلت : كان في داره زيد أبوه وأنت تريد : كان زيد في داره أبوه لم يجز لأن الظرف للأب فليس من كان في شيء وقد فصلت به بينها وبين خبرها ولو قلت : كان في داره أبوه زيد صلح لأنك قدمت الخبر بهيئته وعلى جملته فصار مثل قولك : كان منطلقاً زيد ومثل ذلك : كان زيداً أخواك يضربان هذا لا يجوز فإن قدمت : ( يضربان زيداً ) جاز وتجوز هذه المسألة إذا أضمرت في ( كان ) مجهولاً وتقول : زيد كان منطلقا أبوه فزيد مبتدأ وما بعده خبر له وفي ( كان ) ضمير زيد وهو اسمها ومنطلقاً أبوه ( خبره ) وإن شئت رفعت ( أبا ) ب ( كان ) وجعلت ( منطلقاً ) خبره وتقول : زيد منطلقاً أبوه كان تريد : زيد كان منطلقاً أبوه
مثل المسألة التي قبلها
وقال قوم : أبوه قائم كان ( زيد ) خطأ لأن ما لا تعمل فيه ( كان ) لا يتقدم قبل ( كان ) والقياس ما خبرتك به إذ كان قولك : أبوه قائم في موضع قولك : ( منطلقاً ) فهو بمنزلته فإذا لم يصح سماع الشيء عن العرب لُجىءَ فيه إلى القياس ولا يجيزون أيضاً : كان أبوه قائم زيد
وكان أبوه زيد أخوك وكان أبوه يقوم أخوك
هذا خطأ عندهم لتقديم المكنى على الظاهر
وهذا جائز عندنا لأنك تقدم المكنى على الظاهر في الحقيقة وقد مضى تفسير المكنى : أنه إذا كان في غير

موضعه وتقدم جاز تقدمه لأن النية فيه أن يكون متأخراً والذي لا يجوز عندنا أن يكون قد وقع في موقعه وفي مرتبته فحينئذ لا يجوز أن ينوى به غير موضعه ولأصول التقديم والتأخير موضع يذكر فيه إن شاء الله
ولا يحسن عندي أن تقول : ( آكلاً كان زيد طعامك ) من أجل أنك فرقت بين آكل وبين ما عمل فيه بعامل آخر ومع ذلك فيدخل لبس في بعض الكلام وإنما يحسن مثل هذا في الظروف نحو قولك : راغباً كان زيد فيك لإتساعهم في الظروف وأنهم جعلوا لها فضلاً على غيرها في هذا المعنى ولا أجيز أيضاً : آكلاً كان زيد أبوه طعامك أريد به : كان زيد آكلا أبوه طعامك للعلَّة التي ذكرت لك بل هو ها هنا أقبح لأنك فرقت بين ( آكل ) وبين ما أرتفع به وفي تلك المسألة إنما فرقت بينه وبين ما انتصب به والفاعل ملازم لا بد منه والمفعول فضلة وقوم لا يجيزون : كان خلفك أبوه زيد وهو جائز عندنا وقد مضى تفسيره ويقولون : لا يتقدم ( كان ) فعل ماضٍ ولا مستقبل
وما جاز أن يكون خبراً فالقياس لا يمنع من تقديمه إذا كانت الأخبار تقدم إلا أني لا أعلمه مسموعاً من العرب ولا

يتقدم خبر ( ليس ) قبلها لأنها لم تصرف تصرف ( كان ) لأنك لا تقول : منها يفعل ولا فاعل وقد شبهها بعض العرب ب ( ما ) فقال : ليس الطيب إلا المسك فرفع وهذا قليل فإذا أدخلت على ( ليس ) ألف الإستفهام كانت تقريراً ودخلها معنى الإيجاب فلم يجىء معها أحد لأن أحداً إنما يجوز مع حقيقة النفي لا تقول : أليس أحد في الدار لأن المعنى يؤول إلى قولك : أحد في الدار وأحد لا يستعمل في الواجب ولذلك لا يجوز أن تجيء إلا مع التقرير لا يجوز أن تقول فيها لأن المعنى يؤول إلى قولك : زيد إلا فيها وذا لا يكون كلاماً وقد أدخلوا الباء في خبر ( ليس ) توكيداً للنفي تقول : ألست بزيد ولست بقائم : وقالوا : أليس إنما قمت
ولا يجيء ( إنما ) إلا مع إدخال الألف كذا حكى وتقول : ليس عبد الله بحسن ولا كريماً فتعطف ( كريماً ) على ( بحسن ) لأن موضعه نصب وإنما تدخل الباء هنا تأكيداً للنفي
وتقول : ليس عبد الله بذاهب ولا خارج عمرو على أن تجعل عمراً ( مبتدأ ) وخارجاً خبره ولك أن تنصب فتقول : ليس عبد الله بذاهب ولا خارجاً عمرو على أنه معطوف على خبر ( ليس ) قبل الباء ولا يحسن ليس عبد الله بذاهب ولا خارج زيد فتجر بالباء ويرتفع زيد ب ( ليس ) لا يجوز هذا لأنك قد عطفت بالواو على عاملين وإنما تعطف حروف العطف على عامل واحد ولكن تقول : ليس زيد بخارج ولا ذاهب أَخوه فتجري ( ذاهباً ) على ( خارج )

إسمهان الجادوي 08-31-2021 02:30 PM

رد: الأصول في النحو لأبي بكر البغدادي
 
وترفع الأخ ب ( ذاهب ) لأنه ملبس ب ( زيد ) وهو من سببه فكأنك قلت : ليس زيد ذاهب ولا خارج ولو حملت ( الأخ ) على ( ليس ) لم يجز من أجل أنك تعطف على عاملين على ( ليس ) وهي عاملة وعلى ( الباء ) وهي عاملة وقالوا : ما كان عبد الله ليقوم ولم يكن ليقوم فأدخلوا اللام مع النفي ولا يجوز هذا في أخوات ( كان )
ولا تقول : ما كان ليقوم وهذا يتبع فيه السماع
واعلم : أن خبر ( كان ) إذا كنيت عنه جاز أن يكون منفصلاً ومتصلاً والأصل أن يكون منفصلاً إذ كان أصله أنه خبر مبتدأ تقول : كنت إياه وكان إياي هذا الوجه لأن خبرها خبر ابتداء وحقه الإنفصال ويجوز كأنني وكنته كقولك : ( ضربني وضربته ) لأنها متصرفة تصرف الفعل فالأول استحسن للمعنى والثاني لتقديم اللفظ قال أبو الأسود :
( فإنْ لا يَكُنْهَا أَوْ تَكُنْهُ فإنَّهُ ... أَخُوها غَذَتهُ أُمهُ بِلِبَانِهَا )
و ( لكان ) ثلاثة مواضع : الأول : التي يكون لها اسم وخبر
الثاني : أن يكون بمعنى وقع وخلق فتكتفي بالإسم وحده ولا

تحتاج إلى خبر وذلك قولك : أنا أعرفه مذ كان زيد أي : مذ خلق وقد كان الأمر أي : وقع وكذلك أمسى وأصبح تكون مرة بمنزلة ( كان ) التي لها خبر ومرة بمنزلة استيقظ ونام فتكون أفعالاً تامة تدل على معان وأزمنة
ولا ينكر أن يكون لفظ واحد لها معنيان وأكثر فإن ذلك في لغتهم كثير
من ذلك قولهم وجدت عليه من الموجدة ووجدت يريدون
وجدان الضالة وهذا أكثر من أن يذكر هنا
الثالث : أن تكون توكيداً زائدة نحو قولك : زيد كان منطلق إنما معناه : زيد منطلق وجاز الغاؤها لإعتراضها بين المبتدأ والخبر
ذكر الضرب الثاني : وهو ما ارتفع بالحروف المشبهة بالأفعال
فمن ذلك ( ما ) وهي تجري مجرى ( ليس ) في لغة أهل الحجاز شبهت بها في النفي خاصة لأنها نفي كما أنها نفي يقولون : ما عمرو منطلقاً فإن خرج معنى الكلام إلى الإيجاب لم ينصبوا كقولك : ما زيد إلا منطلق وإن قدموا الخبر على الإسم رفعوا أيضاً فقالوا : ( ما منطلق زيد ) فتجتمع

اللغة الحجازية والتميمية فيهما معاً لأن بني تميم لا يعملونها في شيء ويدعون الكلام على ما كان عليه قبل النفي يعني الإبتداء فإذا قلت : ما يقوم زيد فنفيت ما في الحال حسن
فإن قلت : ما يقوم زيد غداً كان أقبح لأن هذا الموضع خصت به ( لا ) يعني نفي المستقبل
ولو قلت : ( ما قام زيد ) كان حسناً كأنه قال : ( قام ) فقلت أنت : ما قام فإن أخرت فقلت : ما زيد قام أو يقوم كان حسناً أيضاً وتقول : ما زيد بقائم فتدخل الباء كما أدخلتها في خبر ( ليس ) فيكون موضع ( بقائم ) نصباً فإن قدمت الخبر لم يجز لا تقول : ما بقائم زيد من أجل أن خبرها إذا كان منصوباً لم يتقدم والمجرور كالمنصوب ولو قلت : ما زيد بذاهب ولا بخارج أخوه : وأنت تريد أن تحمل ( الأخ ) على ما لم يكن كلاماً لأن ( ما ) لا تعمل في الإسم إذا قدم خبره وتقول : ما كل يوم مقيم فيه زيد ذاهب فيه عمرة منطلقاً فيه خالد تجعل ( مقيماً ) صفةً ( ليوم ) وذاهب فيه صفة ( لكل ) و ( منطلقاً ) موضع الخبر هذا على لغة أهل الحجاز وتقول : ما كل ليلة مقيماً فيها زيد وإذا قلت : ما طعامك زيد آكل وما فيك زيد راغب ترفع الخبر لا غير من أجل تقديم مفعوله فقد قدمته في التقدير لأن مرتبة العامل قبل المعمول فيه ملفوظاً به أو مقدراً وقوم

يجيزون إدخال الباء في هذه المسألة فيقولون : ما طعامك زيد بآكل وما فيك زيد براغب
إلا أنهم يرفعون الخبر إذا لم تدخل الباء ولا يجيزون نصب الخبر في هذه المسألة
وتقول : ما زيد قائماً بل قاعد لا غير لأن النفي نصبه ومن أجل النفي شبهت ( ما ) بليس فلا يكون بعد التحقيق إلا رفعاً وتقول زيد ما قام وزيد ما يقوم ولا يجوز : زيد ما قائماً ولا زيد ما قائم ولا زيد ما خلفك حتى تقول : ما هو قائماً وهو خلفك لأن ( ما ) حقها أن يستأنف بها ولا يجوز أن تضمر فيها إذ كانت حرفاً ليس بفعل وإنما يضمر في الأفعال ولا يجوز : طعامك ما زيد آكل أبوه على ما فسرت لك وقد حكي عن بعض من تقدم من الكوفيين إجازته ويجوز إدخال من على الإسم الذي بعدها إذا كان نكرةً تقول : ما من أحد في الدار وما من رجل فيها
ويجوز أن تقول : ما من رجل غيرك وغيرك بالرفع والجر ويكون موضع رجل رفعا قال الله تعالى : ( ما لكم من إله غيره ) وغيره على المعنى وعلى اللفظ
وإنما تدخل ( من ) في هذا الموضع لتدل على أنه قد نفى كل رجل وكل أحد
ولو قلت : ما رجل في الدار لجاز أن يكون فيها رجلان وأكثر وإذا قلت : ما من في الدار لم يجز أن يكون فيها أحد البتة
وقال الأخفش : إن شئت قلت وهو رديء : ما

ذاهبا إلا أخوك وما ذاهبا إلا جاريتك تريد : ما أحد ذاهباً وهذا رديء لا يحذف ( أحد ) وما أشبهه حتى يكون معه كلام نحو : ما منهما مات حتى رأيته يفعل كذا وكذا و ( مات ) في موضع نصب على مفعول ( ما ) في لغة أهل الحجاز وفي كتاب الله تعالى : ( وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به )
والمعنى : ما من أهل الكتاب أحد ( وإن منكم إلا واردها )
أي : وإن أحد منكم ومعنى : ( إن ) معنى : ( ما ) فقد بان أن في ( ما ) ثلاث لغات : ما زيد قائماً وما زيد بقائم وما زيد قائم والقرآن جاء بالنصب وبالباء ومما شبه من الحروف ب ( ليس ) ( لات ) شبهها بها أهل الحجاز وذلك مع الحين خاصة قال الله تعالى : ( ولات حين مناص ) قال سيبويه : تضمر فيها مرفوعاً قال : نظير ( لات ) في أنه لا يكون إلا مضمراً فيها ( ليس ) و ( لا يكون ) في الإستثناء إذا قلت : أتوني ليس زيداً ولا يكون

بشراً قال : وليست لات ك ( ليس ) في المخاطبة والإِخبار عن غائب تقول : لست وليسوا
وعبد الله ليس منطلقاً ولا تقول : عبد الله لات منطلقاً ولا قومك لاتوا منطلقين
قال : وزعموا : أن بعضهم قرأ : ولات حين مناص وهو عيسى بن عمر وهي قليلة كما قال بعضهم في قول سعيد بن مالك :
( مَنْ صَدَّ عَنْ نِيرانِهَا ... فَأَنَا ابْنُ قَيْسٍ لا بَراحُ )
فجعلها بمنزلة ( ليس ) قال : و ( لات ) بمنزلة ( لا ) في هذا الموضع في الرفع ولا يجاوز بها الحين يعني : إذا رفعت ما بعدها تشبيهاً ( بليس ) فلم يجاوز بها الحين أيضاً وأنها لا تعمل إلا في ( الحين ) رفعت أو

نصبت وقال الأخفش الصغير أبو الحسن سيعد بن مسعدة : إنها لا تعمل في القياس شيئاً
قال أبو بكر : والذي قال سيبويه : أنه يضمر في ( لات ) إن كان يريد أن يضمر فيها كما يضمر في الأفعال فلا يجوز لأنها حرف من الحروف والحروف لا يضمر فيها وإن كان يريد أنه حذف الإسم بعدها وأضمره المتكلم كما فعل في قوله في ( ما ) ما منهما مات أراد ( أحداً ) فحذف وهو يريده فجائز
وقوم يدخلون في باب ( كان ) عودة الفعل كقولك : لأن ضربته لتضربنه السيد الشريف وقولك : عهدي بزيد قائماً وهذا يذكر مع المحذوف والمحذوفات ومما شبه ايضاً بالفاعل في اللفظ أخبار الحروف التي تدخل على المبتدأ وخبره فتنصب الإسم وترفع الخبر وهي إن وأخواتها وسنذكرها مع ما ينصب وهذه الحروف أعني ( إن واخواتها ) خولف بين عملها وبين عمل الفعل بأن قدم فيها المنصوب على المرفوع
وإنما أعملوا ( ما ) على ( ليس ) لأن معناها معنى ليس لأنها نفي كما أنها نفى ومع ذلك فليس كل العرب يعملها عمل ( ليس ) إنما روي ذلك عن أهل الحجاز وكان حق ( ما ) أن لا تعمل شيئاً إذ كانت تدخل على الأسماء والأفعال ورأيناهم إنما أعملوا من الحروف في الأسماء ما لا يدخل على الأفعال وأعملوا منها في الأفعال ما لا يدخل على الأسماء
فأما ما يدخل على الأسماء والأفعال منها فألغوه من العمل وقد بين هذا فيما مضى وإذ قد ذكرنا ما يرتفع من الأسماء فكان

ما يرتفع منها بأنه مبتدأ وخبر ومبتدأ معنيان فقط لا يتشعب منهما فنون كما عرض في الفعل أن منه متصرفاً أو غير متصرف ومنه أسماء شبهت بالفعل وقد ذكرنا الفعل المتصرف فلنذكر الفعل الذي هو غير متصرف ثم نتبعه بالأسماء إن شاء الله

إسمهان الجادوي 08-31-2021 02:31 PM

رد: الأصول في النحو لأبي بكر البغدادي
 
ذكر الفعل الذي لا يتصرف
اعلم : أن كل فعل لزم بناء واحداً فهو غير متصرف وقد ذكرت أن التصرف أن يقال فيه فعل يفعل ويدخله تصاريف الفعل وغير المتصرف ما لم يكن كذلك فمن الأفعال التي لم تتصرف ولزمت بناءً واحداً فعل التعجب نحو : ما أحسن زيداً وأكرم بعمرو والفعلان المبنيان للحمد والذم وهما نعم وبئس
فهذه الأفعال وما جرى مجراها لا تتصرف ولا يدخلها حروف المضارعة ولا يبني منها اسم فاعل
شرح التعجب
فعل التعجب على ضربين وهو منقول من بنات الثلاثة إما إلى أفعل ويبنى على الفتح لأنه ماض وإما إلى أفعل به ويبنى على الوقف لأنه على لفظ الأمر
فأما الضرب الأول : وهو أفعل يا هذا فلا بد من أن تلزمه ( ما ) تقول : ما أحسن زيداً وما أجمل خالداً وإنما لزم فعل التعجب لفظاً واحداً

ولم يصرف ليدل على التعجب ولولا ذلك لكان كسائر الأخبار لأنه خبر ويدل على أنه خبر أنه يجوز لك أن تقول فيه صدق أو كذب فإذا قلت : ما أحسن زيداً ف ( ما ) اسم مبتدأ وأحسن خبره وفيه ضمير الفاعل وزيد مفعول به و ( ما ) هنا اسم تام غير موصول فكأنك قلت : شيء حسن زيداً ولم تصف أن الذي حسنه شيء بعينه فلذلك لزمها أن تكون مبهمة غير مخصوصة كما قالوا : شيء جاءك أي : ما جاءك إلا شيء وكذلك : شر أهر ذا ناب أي : ما أهره إلا شر ونظير ذلك إني مما أن أفعل يريد : أني من الأمر أن أفعل فلما كان الأمر مجهولاً جعلت ( ما ) بغير صلة ولو وصلت لصار الإسم معلوماً وإنما لزمه الفعل الماضي وحده لأن التعجب إنما يكون مما وقع وثبت ليس مما يمكن أن يكون ويمكن أن لا يكون وإنما جاء هذا الفعل على ( أفعل ) نحو : أحسن وأجمل لأن فعل التعجب إنما يكون معفولاً من بنات الثلاثة فقط نحو : ضرب وعلم ومكث : لا يجوز غير ذلك نحو : ضرب زيد ثم تقول : ما أضربه وعلم ثم تقول : ما أعلمه ومكث ثم تقول : ما أمكثه فتنقله من فَعَلَ أو فَعِلَ أو فَعُلَ إلى ( أفعل يا هذا ) كما كنت تفعل هذا في غير التعجب ألا ترى أنك تقول : حسن زيد فإذا أخبرت أن فاعلاً فعل ذلك به قلت : حسن الله زيداً فصار الفاعل مفعولاً وقد بينت لك كيف ينقل ( فعَل ) إلى ( فعِل ) فيما مضى وإذا قلت : ما أحسن زيداً كان الأصل حسن زيد ثم نقلناه إلى ( فُعل ) فقلنا : شيء أحسن زيداً وجعلنا ( ما ) موضع شيء ولزم لفظاً واحداً ليدل على التعجب كما يفعل ذلك في الأمثال
فإن قال قائل فقد قالوا : ما أعطاه وهو من ( أعطى يعطي ) وما أولاه

بالخير قيل : هذا على حذف الزوائد لأن الأصل عطا يعطو إذا تناول وأعطى غيره إذا ناوله وكذلك ولي وأولى غيره وقال الأخفش : إذا قلت : ما أحسن زيداً ف ( ما ) : في موضع الذي وأحسن : زيداً صلتها والخبر محذوف واحتج من يقول هذا القول بقولك : حسبك لأن فيه معنى النهي ولم يؤت له بخبر وقد طعن على هذا القول : بأن الأخبار إنما تحذف إذا كان في الكلام ما يدل عليها وهذا الباب عندي يضارع باب ( كان وأخواتها ) من جهة أن الفاعل فيه ليس هو شيئاً غير المفعول ولهذا ذكره سيبويه بجانب باب ( كان وأخواتها ) إذ كان ( باب كان ) الفاعل فيه هو المفعول
فإن قال قائل : فما بال هذه الأفعال تصغر نحو : ما أُميلحه وأُحيسنه والفعل لا يصغر فالجواب في ذلك : أن هذه الأفعال لما لزمت موضعاً واحداً ولم تتصرف ضارعت الأسماء التي لا تزول إلى ( يفعل ) وغيره من الأمثلة فصغرت كما تصغر ونظير ذلك : دخول ألفات الوصل في الأسماء نحو : ابن واسم وامريءٍ وما أشبهه لما دخلها النقص الذي لا يوجد إلا في الأفعال والأفعال مخصوصة به فدخلت عليها ألفات الوصل لهذا السبب فأسكنت أوائلها للنقص وهذه الأسماء المنقوصة تعرفها إذا ذكرنا التصريف إن شاء الله

وقولك : ما أحسنني يعلمك أنه فعل ولو كان اسماً لكان ما أحسنني مثل ضاربي ألا ترى أنك لا تقول : ضاربني
والضرب الثاني : من التعجب : يا زيد أكرم بعمروٍ ويا هند أكرم بعمروٍ ويا رجلان أكرم بعمرو ويا هندان أكرم بعمرو وكذلك جماعة الرجال والنساء قال الله تعالى ( أسمع بهم وأبصر )
وإنما المعنى : ما أسمعهم وأبصرهم
وما أكرمه ولست تأمرهم أن يصنعوا به شيئاً فتثنيّ وتجمع وتؤنث وأفعل هو ( فَعَلَ ) لفظه لفظ الأمر في قطع ألفه وإسكان آخره ومعناه إذا قلت : أكرم بزيد وأحسن بزيد كرم زيد جداً وحسن زيد جداً
فقوله : بعمرو في موضع رفع كما قالوا : كفى بالله والمعنى : كفى الله لأنه لا فعل إلا بفاعل وزيد فاعله إذا قلت : أكرم بزيد لأن زيداً هو الذي كرم وإنما لزمت الباء هنا الفاعل لمعنى التعجب وليخالف لفظه لفظ سائر الأخبار فإن قال قائل : كيف صار هنا فاعلاً وهو في قولك : ما

أكرم زيداً مفعول قلنا : قد بينا أن الفاعل في هذا الباب ليس هو شيئاً غير المفعول ألا ترى أنك لو قلت : ما أحسن زيداً فقيل لك فسره وأوضح معناه وتقديره
قلت على ما قلناه : شيء حَسن زيداً وذلك الشيء الذي حسن زيداً ليس هو شيئاً غير زيد لأن الحسن لو حل في غيره لم يحسن هو به فكأن ذلك الشيء مثلاً وجهه أو عينه وإنما مثلت لك بوجهه وعينه تمثيلاً ولا يجوز التخصيص في هذا الباب لأنك لو خصصت شيئاً لزال التعجب لأنه إنما يراد به أن شيئاً قد فعل فيه هذا وخالطه لا يمكن تحديده ولا يعلم تلخيصه
والتعجب كله إنما هو مما لا يعرف سببه فأما ما عرف سببه فليس من شأن الناس أن يتعجبوا منه فكلما أبهم السبب كان أفخم وفي النفوس أعظم
واعلم : أن الأفعال التي لا يجوز أن تستعمل في التعجب على ضربين
الضرب الأول : الأفعال المشتقة من الألوان والعيوب
الضرب الآخر : ما زاد من الفعل على ثلاثة أحرف وسواء كانت الزيادة على الثلاثة أصلاً أو غير أصل
فأما الألوان والعيوب فنحو : الأحمر والأصفر والأعور والأحول وما أشبه ذلك لا تقول فيه : ما أحمره ولا ما أعوره قال الخليل رحمه الله : وذلك أنه ما كان من هذا لوناً أو عيباً فقد

ضارع الأسماء وصار خلقة كاليد والرجل والرأس ونحو ذلك فلا تقل فيه : ما أفعله كما لم تقل ما أيداه وما أرجله إنما تقول : ما أشد يده وما أشد رجله وقد اعتل النحويون بعلة أخرى فقالوا : إن الفعل منه على أفعل وإفعال نحو : أحمر وإحمار وأعور وإعوار وأحول وإحوال فإن قال قائل : فأنت تقول : قد عورت عينه وحولت : فقل على هذا : ما أعوره وما أحوله فإن ذلك غير جائز لأن هذا منقول من ( أفعل ) والدليل على ذلك صحة الواو والياء إذا قلت : عورت عينه وحولت ولو كان غير منقول لكان : حالت وعارت وهذا يبين في بابه إن شاء الله
وأما الضرب الثاني : وهو ما زاد من الفعل على ثلاثة أحرف نحو : دحرج وضارب واستخرج وانطلق واغدودن اغدودن الشعر : إذا تم وطال وافتقر وكل ما لم أذكره مما جاوز الثلاثة فهذا حكمه وإنما جاز : ما أعطاه وأولاه على حذف الزوائد وأنك رددته إلى الثلاثة
فإن قلت في افتقر : ما أفقره فحذفت الزوائد ورددته إلى ( فقر ) جاز وكذلك كل ما كان مثله

مما جاء اسم الفاعل منه على ( فعيل ) ألا ترى أنك تقول : رجل فقير وإنما جئت به على ( فقر ) كما تقول : كرم فهو كريم وظرف فهو ظريف ولكن تقول إذا أردت التعجب في هذه الأفعال الزائدة على ثلاثة أحرف كلها ما أشد دحرجته وما أشد استخراجه وما أقبح افتقاره ونحو ذلك
واعلم : أن كل ما قلت فيه : ما أفعله قلت فيه : أفعل به وهذا أفعل من هذا وما لم تقل فيه : ما أفعله لم تقل فيه : هذا أفعل من هذا ولا : أفعل به تقول : زيد أفضل من عمرو وأفضل بزيد كما تقول : ما أفضله
وتقول : ما أشد حمرته وما أحسن بياضه وتقول على هذا : أشدد ببياض زيد وزيد أشد بياضاً من فلان وهذا كله مجراه واحد لأن معناه المبالغة والتفضيل وقد أنشد بعض الناس :
( يَا لَيْتَني مِثْلُك في البَيَاضِ ... أبيضَ مِن أخت بني إبَاضِ )

قال أبو العباس : هذا معمول على فساد وليس البيت الشاذ والكلام المحفوظ بأدنى إسناد حجة على الأصل المجمع عليه في كلام ولا نحو ولا فقه وإنما يركن إلى هذا ضعفة أهل النحو ومن لا حجة معه وتأويل هذا وما أشبهه في الإِعراب كتأويل ضعفه أصحاب الحديث وأتباع القصاص في الفقه
فإن قال قائل فقد جاء في القرآن : ( ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا )
قيل : له في هذا جوابان : أحدهما : أن يكون من عمى القلب وإليه ينسب أكثر الضلال
فعلى هذا تقول : ما أعماه كما تقول : ما أحمقه
الوجه الآخر : أن يكون من عمى العين
فيكون قوله : ( فهو في الآخرة أعمى ) لا يراد به : أنه أعمى من كذا وكذا ولكنه فيها أعمى كما كان في الدنيا أعمى وهو في الآخرة أضل سبيلا
وكل فعل مزيد لا يتعب منه نحو قولك : ما أموته لمن مات إلا أن تريد : ما أموت قلبه فذلك جائزٌ


الساعة الآن 06:03 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.1 TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
يرحل الجميع ويبقي شعاع بيت العلم والحب(ملك الكلمة)