منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد

منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد (https://hwazen.com/vb/index.php)
-   شعاع السيرة النبوية، الصحابة و السلف الصالح (https://hwazen.com/vb/f35.html)
-   -   مكانة مواقف النبي عليه الصلاة والسلام في نفس الداعية والمدعو (https://hwazen.com/vb/t22288.html)

عطر الجنة 02-09-2022 01:33 AM

مكانة مواقف النبي عليه الصلاة والسلام في نفس الداعية والمدعو
 
https://img-fotki.yandex.ru/get/4209...7e07547_XL.png
مكانة مواقف النبي عليه الصلاة والسلام في نفس الداعية والمدعو
تمهيد:
للنبي عليه الصلاة والسلام مواقف حكيمة مشرفة، والداعية إلى اللَّه حينما يقف ويتأمل المواقف التي وقفها

النبي عليه الصلاة والسلام في دعوته إلى اللَّه يزداد حكمة، ويستفيد من هذه المواقف في دعوته، ويطبق الحكم التي يقتبسها من مواقفه × في دعوته،
فالنبي عليه السلام هو الأسوة الحسنة التي ينبغي لكل مسلم أن يلتزمها {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}
وسنذكر بعون اللَّه – تعالى – في هذه الرسالة نماذج من مواقف
النبي عليه الصلاة والسلام التي وقفها في دعوته إلى اللَّه تعالى، ومواقفه في هذا الشأن كثيرة جداً لا يستطيع أحد أن يستغرقها، ولكني سأذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر في المبحثين الآتيين:
المبحث الأول: مواقف النبي صل الله عليه وسلم قبل الهجرة.
المبحث الثاني: مواقف النبي صل الله عليه وسلم بعد الهجرة.
من المعلوم أن مكة كانت مركز دين العرب، وكان بها سدنة الكعبة، والقوَّام على الأوثان والأصنام المقدسة عند سائر العرب، فالوصول إلى المقصود من الإصلاح فيها يزداد عسراً وشدة عما لو كان بعيداً عنها، فالأمر يحتاج إلى عزيمة قوية لا تزلزلها المصائب والكوارث، ويحتاج إلى موقف حكيم يحل الوضع الراهن، وتنجح الدعوة من خلاله، ولاشك أن الفضل والمنة لأحكم الحاكمين الذي {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}
فإنه سبحانه قد أعطى محمداً عليه الصلاة والسلام الحكمة ووفقه، وسدده وأعانه.
ولهذا بدأ بالدعوة السرية بعد أن أمره ربه – تبارك وتعالى –
بإنذار قومه عاقبة ما هم فيه من الشرك، وما هم عليه من الكفر والفساد، قال تعالى{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ* وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ* وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ* وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ* وَلا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ}
ومن هنا بدأ رسول اللَّه صل الله عليه وسلم يسلك طريق الحكمة في حل الحالة الراهنة في قريش، فوقف المواقف العظيمة التي يعجز عنها عظماء الرجال بل البشر جميعاً.
بدأ يعرض دعوته على ألصق الناس به، وأهل بيته، وأصدقائه، ومن توسم فيهم خيراً ممن يعرفهم ويعرفونه، يعرفهم بحب الخير والحق، ويعرفونه بتحري الصدق والصلاح، فأجابه من هؤلاء جمع عُرفوا في التاريخ الإسلامي بالسابقين الأولين، فكان أول من أسلم زوج النبي عليه الصلاة والسلام

خديجة بنت خويلد ’ ثم علي بن أبي طالبثم مولاه زيد بن حارثة الكلبي ثم أبو بكر الصديق رضي الله عنهم .


ونشط أبو بكر في دعوة الرجال كان لهم أثر عظيم في الإسلام، أمثال: عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد اللَّه، فهؤلاء النفر الذين أسلموا على يد أبي بكر الصديق tبالإضافة إلى علي، وزيد، وأبي بكر، يصبحون ثمانية، هم الذين سبقوا الناس، وهم الرعيل الأول وطليعة الإسلام

.
ودخل الناس في دين اللَّه واحداً بعد واحد، حتى فشا الإسلام في مكة، وتُحدِّث به، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يجتمع بهم ويعلمهم ويرشدهم مختفياً؛ لأن الدعوة لا تزال فردية وسرية، وكان الوحي قد تتابع، وحمي نزوله بعد نزول أوائل المدثر، ولم يكن عليه السلام يظهر الدعوة في مجامع قريش العامة، ولم يكن المسلمون الأوائل يتمكنون من إظهار دينهم وعبادتهم، حذراً من تعصب قريش لجاهليتها وأوثانها، وإنما كانوا يخفون ذلك.

ولقد بلغ المسلمون عدداً يقرب الأربعين رجلاً، ومازالت الدعوة سراً لم يجهر بها بين صفوف قريش؛ لأن الرسول الحكيم عليه السلام يعلم أن هذا العدد غير كافٍ في دفع ما يتوقع من أذى يصيب به قريش المسلمين، وكان من الضروري أن يجتمع بهم رسول اللَّه على شكل جماعات يرشدهم، ويعلمهم؛ ليكوِّن منهم القاعدة الصلبة التي يمكن أن يواجه بها أولئك الذين يقفون في وجه دعوة التوحيد، وقد اختيرت دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي فكان يلتقي بهم على شكل أُسَر يعلمهم أمور دينهم، وكان إلى جانب دار الأرقم – المركز الرئيسي – دور أخرى تكون مراكز فرعية، حيث يذهب إليهم رسول اللَّه عليه السلام أحياناً دون انتظام،
أو ينتظم فيها الصحابة الذين يختارهم رسول اللَّه ، مثل دار سعيد بن زيد، ولكن الأرقم بن أبي الأرقم قد فاز بمنقبة عظيمة، وهي اتخاذ داره مركزاً رئيسياً للدعوة أيام ضعفها واستخفائها، وهي أحرج أوقات مرَّت بها الدعوة.
وهكذا مرت ثلاث سنين، والدعوة لم تزل سرية وفردية، وخلال هذه الفترة تكونت جماعة من المؤمنين تقوم على الأخوة، والتعاون، وتبليغ الرسالة، وتمكينها من مقامها.
وبعد أن أسلم عم النبي عليه السلام حمزة بن عبد المطلب
وبعض وجهاء قريش، الذين لهم شأن عظيم، وقويت بهم الجماعة الإسلامية: كعمر بن الخطاب رضي الله عنه

نزل قوله تعالى:
{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلـهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْمَلُونَ}
وهذا يدل دلالة واضحة على أن اللَّه Uقد أعطى نبيه الكريم الحكمة؛ ولهذا قام بهذه المواقف الحكيمة المشرفة التي تكون نبراساً للداعية إلى اللَّه يسير على مقتضاها، وخاصة في دعوة المجتمعات الوثنية الكافرة، أما المجتمعات الإسلامية فلا دليل لمن يرى سرية الدعوة في بلاد المسلمين.
أما سرية الدعوة في عهد النبي عليه السلام في أول البعثة؛ فلأن الرسول × وأصحابه yكان لا يسمح لهم أن يقولوا: لا إله إلا اللَّه، محمد رسول اللَّه، ولا أن يؤذنوا، أو يصلوا، ولما قويت شوكته أمر اللَّه رسوله بالجهر بالدعوة فجهروا بها، ولاقوا من الأذى ما هو معروف بين المسلمين( .



أمر اللَّه نبيه بإنذار عشيرته الأقربين، فقال{وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ، وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ}.

فقام رسول اللَّه عليه الصلاة والسلام بتنفيذ أمر ربه بالجهر بالدعوة والصدع بها، وإنذار عشيرته، فوقف مواقف حكيمة أظهر اللَّه بها الدعوة الإسلامية، وبين بها حكمة النبي × وشجاعته، وصبره وإخلاصه للَّه رب العالمين، وقمع بها الشرك وأهله، وأذلهم إلى يوم الدين. ومن هذه المواقف الحكيمة ما يأتي:
) أ( موقفه الحكيم في صعوده على الصفا ونداؤه العام:
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما نزلت

{وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} صعد النبي عليه السلام على الصفا فجعل ينادي : يا بني فهر، يا بني عديلبطون قريش – حتى اجتمعوا، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو، فجاء أبو لهب، وقريش، فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم، ما جربنا عليك
إلا صدقاً. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد
. فقال أبو لهب: تبًّا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟ فنزلت:
{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ}.

وفي رواية لأبي هريرة رضي الله عنه أنه عليه السلام ناداهم بطناً بطناً، ويقول لكل بطن أنقذوا أنفسكم من النار.. ، ثم قال : يا فاطمة أنقذي نفسك من النار؛ فإني لا أملك لكم من اللَّه شيئاً، غير أن لكم رحما سأبلها ببلاها..


وهذه الصحيحة العالمية غاية البلاغ، وغاية الإنذار، فقد أوضح عليه السلام لأقرب الناس إليه أن التصديق بهذه الرسالة هو حياة الصلة بينه وبينهم، وأوضح أن عصبية القرابة التي يقوم عليها العرب ذابت في حرارة هذا الإنذار، الذي جاء من عند اللَّه تعالى، فقد دعا عليه السلام قومه – في هذا الموقف العظيم – إلى الإسلام،
ونهاهم عن عبادة الأوثان، ورغبهم في الجنة، وحذرهم من النار،
وقد ماجت مكة بالغرابة والاستنكار، واستعدت لحسم هذه الصرخة العظيمة التي ستزلزل عاداتها وتقاليدها وموروثاتها الجاهلية؛ ولكن الرسول الكريم عليه السلام لم يضرب لصرخاتهم حساباً، لأنه مرسل من اللَّه عز وجل ولابد أن يبلغ البلاغ المبين عن رب العالمين، حتى ولو خالفه أو رد دعوته جميع العالمين، وقد فعل.

استمر عليه السلام يدعو إلى اللَّه – تعالى – ليلاً ونهاراً،
وسراً وجهاراً، لا يصرفه عن ذلك صارف، ولا يرده عن ذلك رادّ،
ولا يصده عن ذلك صادّ، استمر يتتبع الناس في أنديتهم ومجامعهم ومحافلهم، وفي المواسم ومواقف الحج، يدعو من لقيه من: حر وعبد، وقوي وضعيف، وغني وفقير، جميع الخلق عنده في ذلك سواء

.
وقد تسلَّط عليه وعلى من اتبعه الأشداء الأقوياء من مشركي قريش بالأذية القولية والفعلية، وانفجرت مكة بمشاعر الغضب؛ لأنها لا تريد أن تفارق عبادة الأصنام والأوثان، ومع ذلك لم يفتر نبينا محمد عليه السلام في دعوته، ولم يترك العناية والتربية الخاصة لأولئك الذين دخلوا في الإسلام، فقد كان يجتمع بالمسلمين في بيوتهم على شكل أسر بعيدة عن أعين قريش، وتتكون هذه الأسر من الأبطال الذين عقد عليهم رسول اللَّهعليه السلام
الأمل بعد اللَّه – تعالى – في حمل العبء والمهام الجسيمة لنشر الإسلام، وبذلك تكونت طبقة خاصة من المؤمنين الأوائل قوية في إيمانها، متينة في عقيدتها، مدركة لمسئوليتها، منقادة لأمر ربها، طائعة لقائدها، مطبقة لكل أمر يصدر عنه برغبة وشوق واندفاع لا يعادله اندفاع، وحب لا يساويه حب.
وبهذه المواقف الحكيمة، والتربية الصالحة المتينة استطاع محمد × أن يؤدي الأمانة، ويبلغ الرسالة، وينصح الأمة، ويجاهد في اللَّه حق جهاده، ويرسم لنا طريقاً نسير عليه في دعوتنا وعملنا وسلوكنا، فهو قدوتنا وإمامنا الذي نسير على هديه، ونستنير بحِكَمِهِ عليه السلام

.
فقد بدأ الدعوة بعناصر اختارها ورباها، فلبت الدعوة،

وآمنت به، وكانت دعوته عامة للناس، وفي أثناء هذه الدعوة يركز على من يجد عندهم الإمكانات أو يتوقع منهم ذلك، وقد تكوَّن من هذه العناصر نواة القاعدة الصلبة التي ثبتت عليها أركان الدعوة.

ومع هذا الجهد المبارك العظيم لم يلجأ رسول اللَّه عليه السلام
إلى الاغتيال السياسي، ولم يتخلص بالاغتيال من أفراد بأعينهم، وكان بإمكانه ذلك وبكل يسر وسهولة، إذ كان يستطيع أن يكلف أحد الصحابة بقتل بعض قادة الكفر: كالوليد بن المغيرة المخزومي، أو العاص بن وائل السهمي، أو أبي جهل عمرو بن هشام، أو أبي لهب: عبد العزى ابن عبد المطلب، أو النضر بن الحارث، أو عقبة بن أبي معيط، أو أُبّي بن خلف،

أو أُمية بن خلف...،


وهؤلاء هم من أشد الناس أذية لرسول اللَّه عليه السلام ، فلم يأمر أحداً من أصحابه باغتيال أحد منهم أو غيرهم من أعداء الإسلام؛ فإن مثل هذا الفعل قد يُوْدي بالجماعة الإسلامية كاملة، أو يعرقل مسيرتها مدة ليست باليسيرة، كرد فعل من أعداء الإسلام، الذين يتكالبون على حربه، والنبي عليه السلام لم يؤمر في هذه المرحلة باغتيالهم؛ لأن الذي أرسله هو أحكم الحاكمين

.
وعلى هذا يجب أن يسير الدعاة إلى اللَّه فوق كل أرض،
وتحت كل سماء، وفي كل وقت، يجب أن تكون الدعوة على حسب المنهج الذي سار عليه رسول اللَّهعليه السلام

سواء كان ذلك قبل الهجرة أو بعدها، فطريق الدعوة الصحيح هو هديه والتزام أخلاقه وحكمه وتصرفاته على حسب ما أرادها.
(ب)صموده وثباته أمام ممثلي قريش واضطهادهما:
رأت قريش أن تجرب أسلوباً آخر تجمع فيه بين الترغيب والترهيب، فلترسل إلى محمد × تعرض عليه من الدنيا ما يشاء، ولترسل إلى عمه الذي يحميه تحذره مغبة هذا التأييد والنصر لمحمد عليه السلام وتطلب منه أن يكف عنها محمداً ودينه...
وكانت أساليبهم كالآتي:
1-جاءت سادات قريش إلى أبي طالب، فقالوا لـه: يا أبا طالب، إن لك سناً وشرفاً ومنزلة فينا، وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه، وإنا واللَّه لا نصبر على هذا، مِنْ: شَتْم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا، حتى تكفه عنا، أو ننازله وإياك في ذلك، حتى يهلك أحد الفريقين.
فعظم على أبي طالب هذا الوعيد والتهديد الشديد، وعظم عليه فراق قومه وعداوته لهم، ولم يطب نفساً بإسلام رسول اللَّه عليه السلام لهم، ولا خذلانه، فبعث إلى رسول اللَّه فقال لـه: يا ابن أخي، إن قومك جاءوني فقالوا لي كذا وكذا، للذي كانوا قالوا لـه، فأبق عليّ وعلى نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق أنا ولا أنت، فاكفف عن قومك ما يكرهون من قولك.
فثبت النبي عليه السلام على دعوته إلى اللَّه، ولم تأخذه في اللَّه لومة لائم؛ لأنه على الحق، ويعلم بأن اللَّه سينصر دينه ويعلي كلمته، وعندما رأى أبو طالب هذا الثبات ويئس من موافقة النبي عليه السلام لقريش على ترك دعوته إلى التوحيد قال: واللَّه لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أُوسَّد في التراب دفينا فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة
وأبشر وقر بذاك منك عيونا.

2-بعد أن أسلم حمزة بن عبد المطلب، وعمر بن الخطاب أخذت السحائب تتقشع، وأقلق هذا الموقف الجديد مضاجع المشركين، وأفزعهم وزادهم هولاً وفزعاً تزايد عدد المسلمين، وإعلانهم إسلامهم، وعدم مبالاتهم بعداء المشركين لهم، الأمر الذي جعل رجال قريش يساومون رسول اللَّه ×، فبعث المشركون عتبة بن ربيعة ليعرض على رسول اللَّه × صلى الله عليه وسلم أموراً لعله يقبل بعضها فيُعطَى من أمور الدنيا ما يريد.
فجاء عتبة حتى جلس إلى رسول اللَّه، فقال: يا ابن أخي إنك منا حيث قد علمت من السطوةفي العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرَّقت به جماعتهم، وسفَّهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفَّرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أموراً، تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها، قال رسول اللَّه صل الله عليه وسلم: قل أبا الوليد أسمع قال: يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا،
حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت إنما تريد به شرفاً سوَّدناك علينا، حتى لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد به ملكاً ملَّكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا، حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه...
حتى إذا فرغ عتبة، ورسول اللَّه يستمع منه، قال: أفرغت أبا الوليد؟قال نعم، قال:فاستمع منيقال: افعل، فقال:
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم * حم * تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ ... }
ثم مضى رسول اللَّه فيها يقرؤها عليه، فلما سمعها منه عتبة أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليها يسمع منه، ثم انتهى رسول اللَّه × إلى السجدة منها فسجد، ثم قال: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك.
وفي رواية أخرى أن عتبة استمع حتى جاء الرسول الله
إلى قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ}، فقام مذعوراً فوضع يده على فم رسول اللَّه يقول: أنشدك اللَّه والرحم، وطلب منه أن يكف عنه، فرجع إلى قومه مسرعاً كأن الصواعق ستلاحقه، واقترح على قريش أن تترك محمداً وشأنه، وأخذ يرغبهم في ذلك.
لقد تخير رسول اللَّه بفضل اللَّه – تعالى - ثم بحكمته العظيمة هذه الآيات من الوحي، ليعرف عتبة حقيقة الرسالة والرسول، وأن محمداً عليه السلام يحمل كتاباً من الخالق إلى خلقه، يهديهم من الضلال، وينقذهم من الخبال،
ومحمداً عليه السلام قبل غيره مكلف بتصديقه والعمل به، والوقوف عند أحكامه، فإذا كان اللَّه يأمر الناس بالاستقامة على أمره، فمحمد عليه السلام أولى الناس بذلك، وهو لا يطلب ملكاً
ولا مالاً ولا جاهاً، لقد مكنه اللَّه من هذا كله، فعف عنه وترفع أن يمد يديه إلى هذا الحطام الفاني؛ لأنه صادق في دعوته، مخلص لربه، صل الله عليه وسلم .

وهذا موقف من أعظم مواقف الحكمة التي أوتيها النبي عليه السلام ، فهو قد ثبت وصدق في دعوته، ولم يرد مالاً، ولا جاهاً، ولا ملكاً، ولا نكاحاً، من أجل أن يتخلى عن دعوته، وقد اختار الكلام المناسب في الموضع المناسب، وهذا هو عين الحكمة

.
3- قرر المشركون ألا يألوا جهداً في محاربة الإسلام وإيذاء النبي عليه السلام ومن دخل معه في الإسلام، والتعرض لهم بألوان النكال والإيلام.
ومنذ جهر النبي بدعوته إلى اللَّه، وبين أباطيل الجاهلية، انفجرت مكة بمشاعر الغضب، وظلت عشرة أعوام تعد المسلمين عصاة ثائرين، فزلزلت الأرض من تحت أقدامهم، واستباحت في الحرم الآمن دماءهم وأموالهم وأعراضهم، وصاحبت هذه النار المشتعلة حرب من السخرية والتحقير، والاستهزاء والتكذيب، وتشويه تعاليم الإسلام، وإثارة الشبهات، وبث الدعايات الكاذبة، ومعارضة القرآن، والقول بأنه أساطير الأولين، ومحاولة المشركين للنبي × أن يعبد آلهتهم عاماً، ويعبدون اللَّه عاماً! إلى غير ذلك من مفاوضاتهم المضحكة!
واتهموا النبي صل الله عليه وسلم بالجنون، والسحر، والكذب والكهانة، والنبي صلى الله عليه وسلم ثابت صابر محتسب يرجو من اللَّه النصر لدينه، وإظهاره( .
لقد نال المشركون من النبي ما لم ينالوه من كثير من المؤمنين،
فهذا أبو جهل يعتدي على النبي ليعفر وجهه في التراب، ولكن اللَّه حماه منه، ورد كيده في نحره،

فعن أبي هريرة رضي الله عنهقال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قال: قيل: نعم. فقال: واللات والعزى، لئن رأيته يفعل ذلك لأ طأن على رقبته، أو لأعفرن وجهه في التراب، قال: فأتى رسول اللَّه وهو يصلي،
زعم ليطأ على رقبته. قال: فما فاجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه، قال: فقيل لـه: ما لك؟ فقال:

إن بيني وبينه لخندقاً من نار، وهولاً، وأجنحة، فقال رسول اللَّه لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً. قال

: فأنزل اللَّه {كَلا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَىC إلى آخر السورة
وقد عصم اللَّه النبي صل الله عليه وسلم من هذا الطاغية ومن غيره، وصبر على هذا الأذى العظيم ابتغاء وجه اللَّه – تعالى -، فضحى بنفسه وماله ووقته في سبيل اللَّه تعالى

.
4- ومما أُصيب به محمد عليه السلام من الأذى بتحريض
هذا الطاغية ما رواه ابن مسعود رضي الله قال: بينما رسول اللَّه صل الله عليه وسلم يصلي عند البيت، وأبو جهل وأصحاب لـه جلوس، وقد نحرت جزور بالأمس، فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلاجزور بني فلان، فيأخذه فيضعه على ظهر محمد إذا سجد، فانبعث أشقى القوم فأخذه، فلما سجد النبي عليه السلام وضعه بين كتفيه،
قال: فاستضحكوا، وجعل بعضهم يميل على بعض، وأنا أنظر، لو كانت لي منعة طرحته عن ظهر رسول اللَّه عليه السلام ، والنبي عليه السلام ساجد ما يرفع رأسه، حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة، فجاءت وهي جويرية، فطرحته عنه، ثم أقبلت عليهم تشتمهم، فلما قضى النبي × صلاته، رفع صوته،

ثم دعا عليهم، وكان إذا دعا دعا ثلاثاً،
وإذا سأل سأل ثلاثاً، ثم قال: اللَّهم عليك بقريش ثلاث مرات، فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك، وخافوا دعوته، ثم قال:
اللَّهم عليك بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وذكر السابع ولم أحفظه، فو الذي بعث محمداً عليه السلام بالحق لقد رأيت الذي سمى صرعى يوم بدر، ثم سحبوا إلى القليب، قليب بدر.


5-ومن أشد ما صنع به المشركون × ما رواه البخاري في صحيحه عن عروة بن الزبير، قال: قلت لعبد اللَّه بن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد ما صنع المشركون برسول اللَّه ×؟ قال: بينما رسول اللَّه يصلي في حجر الكعبة، إذ أقبل عقبة بن أبي معيط، فأخذ بمنكب رسول اللَّه ولوى ثوبه في عنقه، فخنقه خنقاً شديداً، فأقبل أبو بكر، فأخذ بمنكبه، ودفعه عن رسول اللَّه وقال{أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ}
وقد اشتد أذى المشركين لرسول اللَّه ولأصحابه، حتى جاء بعض الصحابة إلى رسول اللَّه يستنصره، ويسأل منه الدعاء والعون، ولكن النبي الحكيم واثق بنصر اللَّه وتأييده، فإن العاقبة للمتقين

.
عن خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول اللَّه وهو متوسد بردة لـه في ظل الكعبة، ولقد لقينا من المشركين شدة،
فقلنا: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا؟ فقال:قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر لـه في الأرض، فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم وعصب، فما يصده ذلك عن دينه، واللَّه ليُتَمَّنَّ هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا اللَّه والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون.

.
وهكذا اشتد أذى قريش على رسول اللَّه صل الله عليه وسلم وعلى أصحابه، وما ذلك كله إلا من أجل إعلاء كلمة اللَّه، والصدع بالحق، والثبات عليه، والدعوة إلى التوحيد الخالص، ونبذ عادات الجاهلية وخرافاتها الوثنية

.
6-لقي النبي أشد الأذى، ووصل الأمر إلى تغيير اسمه احتقاراً لـه ولدينه، وحسداً وبغضاً لـه، فقد كان المشركون من قريش من شدة كراهتهم للنبي × لا يسمونه باسمه الدال على المدح، فيعدلون إلى ضده، فيقولون: مذمم، وإذا ذكروه بسوء قالوا: فعل اللَّه بمذمم، ومذمم ليس هو اسمه ولا يعرف به، فكان الذي يقع منهم في ذلك مصروفاً إلى غيره بحمد اللَّه تعالى قال : ألا تعجبون كيف يصرف اللَّه عني شتم قريش، ولعنهم؟! يشتمون مذمماً، ويلعنون مذمماً، وأنا محمد.
والنبي عليه السلام لـه خمسة أسماء ليس منها مُذَمَّماً( .

جاءت أم جميل زوجة أبي لهب – حين سمعت ما أنزل اللَّه فيها وفي زوجها من القرآن – إلى رسول اللَّه × وهو جالس في المسجد عند الكعبة، ومعه أبو بكر الصديق، وفي يدها ملء الكف من حجارة، فلما وقفت عليهما أخذ اللَّه ببصرها عن رسول اللَّه × فلا ترى إلا أبا بكر، فقالت: يا أبا بكر! أين صاحبك؟ قد بلغني أنه يهجوني، واللَّه لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه، أما واللَّه إني لشاعرة، ثم قالت:
مُذَمماً عصينا
وأمره أبينا
ودينه قلينا

7_ استمر المشركون في إلحاق الأذى برسول اللَّه وبأصحابه الذين أسلموا، وبعد أن زاد عدد المسلمين وكثر عددهم ازداد حنق المشركين على المسلمين، وبسطوا إليهم أيديهم وألسنتهم بالسوء،
ولما رأى رسول اللَّه ذلك، ورأى أنه في حماية اللَّه ثم عمه أبي طالب، وهو لا يستطيع أن يمنع المسلمين مما هم فيه من العذاب –
فقد مات منهم من مات، وعذب من عذب حتى عمي وهو تحت العذاب – فأذن رسول اللَّه لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة، فكان أهل هذه الهجرة الأولى اثني عشر رجلاً، وأربع نسوة، ورئيسهم عثمان بن عفانذهبوا فوفق اللَّه لهم ساعة وصولهم إلى الساحل سفينتين، فحملوهم فيها إلى أرض الحبشة، وكان ذلك في رجب، في السنة الخامسة من البعثة، وخرجت قريش في آثارهم حتى جاءوا البحر فلم يدركوا منهم أحداً، ثم بلغ هؤلاء المهاجرين أن قريشاً قد كفوا عن النبي ة فرجعوا إلى مكة من الحبشة، وقبل وصولهم مكة بساعة من نهار بلغهم أن الخبر كذب، وأن قريشاً أشد ما كانوا عداوة

لرسول اللَّه عليه السلام فدخل من دخل مكة بجوار، وكان من الداخلين ابن مسعود، ووجد أن ما بلغهم من إسلام أهل مكة كان باطلاً، فلم يدخل منهم أحد إلا بجوار – كابن مسعود – أو مستخفياً،
ثم اشتد البلاء من قريش على من دخل مكة من المهاجرين وغيرهم، ولقوا منهم أذىً شديداً، فأذن لهم رسول اللَّه في الخروج إلى الحبشة مرة ثانية، وكان عدد من خرج في هذه المرة الثانية ثلاثة وثمانين رجلاً، إن كان فيهم عمار بن ياسر، ومن النساء تسعة عشرة امرأة، فكان المهاجرون في مملكة أصحمة النجاشي آمنين، فلما علمت قريش بذلك أرسلت للنجاشي بهدايا وتحف ليردهم عليهم، فمنع ذلك عليهم، ورد عليهم هداياهم، وبقي المهاجرون في الحبشة آمنين حتى قدموا إلى رسول اللَّه عام خيبر

.
8- ولما رأت قريش انتشار الإسلام، وكثرة من يدخل فيه، وبلغها ما لقي المهاجرون في بلاد الحبشة، من: إكرام وتأمين، مع عودة وفدها خائباً، اشتد حنقها على الإسلام، وأجمعوا على أن يتعاقدوا على بني هاشم، وبني عبد المطلب، وبني عبد مناف، وأن لا يبايعوهم، ولا يناكحوهم، ولا يكلموهم، ولا يجالسوهم، حتى يسلموا إليهم رسول اللَّه عليه السلام ، وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في سقف الكعبة، فانحاز بنو هاشم، وبنو عبد المطلب مؤمنهم وكافرهم إلا أبا لهب، فإنه بقي مظاهراً لقريش على رسول اللَّه × وعلى بني هاشم، وبني عبد المطلب

.
وحُبِسَ رسول اللَّه في شعب أبي طالب ليلة هلال محرم، سنة سبع
من البعثة، وبقوا محصورين محبوسين، مضيقاً عليهم جداً، مقطوعاً عليهم الطعام والمادة نحو ثلاث سنين حتى بلغهم الجهد، وسُمِعَ أصوات صبيانهم بالبكاء من وراء الشعب، ثم أطلع اللَّه رسوله على أمر الصحيفة، وأنه أرسل عليها الأرضة فأكلت جميع ما فيها من جور وقطيعة وظلم إلا ذكر اللَّه فأخبر عمه، فخرج إلى قريش فأخبرهم أن محمداً قد قال كذا وكذا، فإن كان كاذباً خلينا بينكم وبينه، وإن كان صادقاً رجعتم عن قطيعتنا وظلمنا،
قالوا: قد أنصفت، فأنزلوا الصحيفة، فلما رأوا الأمر كما أخبر به رسول اللَّهازدادوا كفراً إلى كفرهم،
وخرج رسول اللَّه عليه السلام ومن معه من الشعب بعد عشرة أعوام من البعثة، ومات أبو طالب بعد ذلك بستة أشهر، وماتت خديجة بعده بثلاثة أيام، وقيل غير ذلك.


ولما نُقِضَت الصحيفة وافق موت أبي طالب وموت خديجة وبينهما زمن يسير، فاشتد البلاء على رسول اللَّه × من سفهاء قومه، وتجرئوا عليه فكاشفوه الأذى، وخرج إلى الطائف رجاء أن يستجيبوا لدعوته أو يؤووه أو ينصروه على قومه، فلم ير من يؤوي، ولم ير ناصراً، وآذوه مع ذلك أشد الأذى، ونالوا منه
ما لم ينله قومه.



إسمهان الجادوي 02-11-2022 01:51 PM

رد: مكانة مواقف النبي عليه الصلاة والسلام في نفس الداعية والمدعو
 
http://e.top4top.net/p_117qfjm3.gif

عطر الجنة 02-25-2022 04:44 PM

رد: مكانة مواقف النبي عليه الصلاة والسلام في نفس الداعية والمدعو
 
الجميل حضورك الباهي
وتعقيبك العطر
شكرا لك ياجميلة الرووح


الساعة الآن 08:28 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.1 TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
يرحل الجميع ويبقي شعاع بيت العلم والحب(ملك الكلمة)