منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد

منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد (https://hwazen.com/vb/index.php)
-   شعاع العلوم الشرعية (https://hwazen.com/vb/f38.html)
-   -   لنا الظواهر والمظاهر.. والله يتولى السرائر (https://hwazen.com/vb/t22544.html)

إسمهان الجادوي 06-21-2022 03:27 PM

لنا الظواهر والمظاهر.. والله يتولى السرائر
 
لنا الظواهر والمظاهر.. والله يتولى السرائر

إن الحمد لله، نَحمَده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضل له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزاب: 70- 71].

أما بعد، فإن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

أعاذني الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عملٍ يقرِّب إلى النار، اللهم آمين آمين.

إن نبينا محمدًا صلى الله وعليه وسلم ابتُلي من أقاربه بعمين؛ أحدهما: وهو أبو لهب عبدُ العزى بن عبد المطلب: آذاه وعذَّبه عندما جهَر بدعوته، مع أنه أعتَق ثويبةَ التي بشَّرته فرحًا بولادته.

والآخر: هو أبو طالب عبدُ مناف بن عبد المطلب: الذي آواه وصانه، وأحبَّه محبة جِبِلِّيَّة طبيعية، ودافع عنه وعن دعوته، وتحمَّل معه الأذى، وصنوفَ عذابات المقاطعة.

لكن! كلاهما لم يمتْ على التوحيد، بل ماتا على الشرك بالله تعالى، وقد قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 116].

فالأول: أبو لهب في الدرك الأسفل من الجحيم.

والثاني: أبو طالب في ضحضاح أو نعلين إلى الكعبين من النار.

فعَمَلُ الخير من المشرك سيأخُذ جزاءَه في الدنيا بكثرةِ الأموالِ والأولاد ونحو ذلك، وليس له في الآخرة من نصيب، ففي صحيح مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً، يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الْآخِرَةِ، لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا"، (م) 56- (2808).

أمَّا من عمِل خيرًا من غير المسلمين نُصْرةً لدين الإسلام، وأمَّنَ المسلمين في بلاده على دينهم ودعوتهم، ومَنَحهم حريَّةَ العبادةِ في بلاده، فلعلَّه - فوقَ ما يعطيه الله في الدنيا من التمكين والصحة والعافية والثراء - ربما يكون له نصيبٌ في الآخرة من تخفيف العذاب، إذا مات على غير التوحيد، والله أعلم.

فأبو لهب فرِحَ بمولدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأعتَق مِن شدة فرحه جاريته وهي ثويبة رضي الله عنها، فهل نفع أبا لهبٍ وهو الدرك الأسفل من النار، هل نفعه فرحُه بمولده صلى الله عليه وسلم وعتقُه لثويبة؟

والجواب ما جاء في صحيح البخاري مرسلًا عن عُرْوَةَ بن الزبير رحمه الله، قال: (وَثُوَيْبَةُ مَوْلاَةٌ لأَبِي لَهَبٍ، كَانَ أَبُو لَهَبٍ أَعْتَقَهَا، فَأَرْضَعَتِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهَبٍ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ)؛ أي: في المنام، وفي رواية بينت أنه العباس أخوه، كما فتح الباري لابن حجر (1/ 321) رآه في المنام (بِشَرِّ حِيبَةٍ)؛ أي: رأى أخاه أبا لهبٍ متلبِّسًا بسوء حالٍ من الهَمِّ والحُزْن، وفي رواية: "بشر خَيبة"؛ أي: في حالة خائبة من كلِّ خيرٍ، (قَالَ لَهُ) الرائي: (مَاذَا لَقِيتَ) بعد الموت؟ (قَالَ أَبُو لَهَبٍ: لَمْ أَلْقَ بَعْدَكُمْ) خيرًا أو رخاءً أو راحةً، (غَيْرَ أَنِّي) إذًا هذا استثناء، لخير وجَده، فما هو الخير الذي وجده بسبب تلك الفرحة بمولده وعتق تلك الجارية، قال: (غيرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ)، (خ) (5101)، زاد البيهقي في سننه الكبرى: (وَأَشَارَ إِلَى النَّقِيرَةِ الَّتِي بَيْنَ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا مِنَ الْأَصَابِعِ)، السنن الكبرى للبيهقي (7/ 263 ط العلمية)، قطرة ماء في ذلك المكان يَمُصُّها، وفي رواية رزين وذلك (كل ليلة ‌اثنين بعتاقتي ثويبة)، عزاها لرزين في جامع الأصول (11/ 477)، وانظر فتح الباري لابن حجر (9/ 145)، وهو في الدرك الأسفل من النار تأتيه قطرة في ذلك المكان.

أما أبو طالب، فقد سأل عنه أخوه العَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، سأل اِلنَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا أَغْنَيْتَ عَنْ عَمِّكَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ)، (وَيَنْصُرُكَ فَهَلْ نَفَعَهُ ذَلِكَ؟)، قَالَ صلى الله عليه وسلم: "نَعَمْ، وَجَدْتُهُ فِي غَمَرَاتٍ مِنَ النَّارِ"، يعني يغرق في النار غرقًا، "فَأَخْرَجْتُهُ إِلَى ضَحْضَاحٍ، مِنْ نَارٍ"، "وَلَوْلاَ أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ»، الحديث بزوائده عند: (خ) (3883)، (م) 358- (209).

[فَهَذَانَ الْعَمَّانِ كَافِرَانِ، أَبُو طَالِبٍ وَأَبُو لَهَبٍ، وَلَكِنَّ هَذَا يَكُونُ فِي الْقِيَامَةِ فِي ‌ضَحْضَاحٍ ‌مِنْ نَارٍ - قدم للدعوة والدين أمرًا عظيمًا، ويخفف عنه العذاب، وَذَلِكَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ سُورَةً فِي كِتَابِهِ تُتْلَى عَلَى الْمَنَابِرِ، وَتُقْرَأُ فِي الْمَوَاعِظِ وَالْخُطَبِ، تَتَضَمَّنُ أَنَّهُ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ، وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ]؛ السيرة النبوية لابن كثير (1/ 461).

وصنفٌ آخر قدَّم خير للمسلمين، فأخذ جزاءه في الدنيا، وهو ذاك المنافقُ، المشهورُ بنفاقه؛ عبدُ الله بن أبي ابن سلول، وقد قال سبحانه في شأن أمثاله: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ﴾ [النساء: 145]، فما الذي فعله حتى ينالَ شرفَ تكفينِه بقميصِ النبي صلى الله عليه وسلم الذي يلي جلده؟!

والجواب: لأنه فعل خيرًا في الدنيا وهو أنه كسا العباس رضي الله عنه، عمَّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قميصا، (وَكَانَ الْعَبَّاسُ) - أسيرًا من أسرى بدر، وذهبوا به إلى المدينة وليس عليه ثوب، وكان - (بِالْمَدِينَةِ، فَطَلَبَتِ الْأَنْصَارُ ثَوْبًا يَكْسُونَهُ، فَلَمْ يَجِدُوا قَمِيصًا يَصْلُحُ عَلَيْهِ) - القمصان كُثُرٌ؛ لكن لا يصلح له أيٌّ منها؛ لأنه كان طوالًا عريضًا، كان لا يلبس الملابس العادية، فلم يوافقه، ولم يجدوا - (إِلَّا قَمِيصَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ) - ابن سلول المنافق - (فَكَسَوْهُ إِيَّاهُ)، (س) (1902).

لذلك لما (أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ حُفْرَتَهُ؛ فَأَمَرَ بِهِ، فَأُخْرِجَ، فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ) - انظروا كيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجل المنافق، فاليهودُ والنصارى، أفضل من المنافقين، الذين هم في الدرك الأسفل من النار، ماذا يفعل معه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضعه على ركبتيه - (وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ)، في رواية: (فَتَفَلَ عَلَيْهِ مِنْ قَرْنِهِ إِلَى قَدَمِهِ)، (وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ)، يقول الراوي: (فَاللَّهُ أَعْلَمُ)؛ أي: فالله أعلم بسبب إلباس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إياه قميصَه؛ لأن مثل هذا لا يفعل إلا مع مسلم- (وَكَانَ كَسَا عَبَّاسًا قَمِيصًا)، (وَكَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصَانِ)، (فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ)، واسمه عبدالله وهو صحابي جليل رضي الله عنه، كان اسمه الحُباب، فسماه صلى الله عليه وسلم عبدَ الله بن عبدِ الله ابن أبي سلول المنافق، قال ابنه عبد الله الصحابي: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلْبِسْ أَبِي قَمِيصَكَ الَّذِي يَلِي جِلْدَكَ)، قَالَ سُفْيَانُ بن عيينة: (فَيُرَوْنَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْبَسَ عَبْدَ اللَّهِ قَمِيصَهُ مُكَافَأَةً لِمَا صَنَعَ)، (خ) (1350)، (م) 2- (2773)، (حم) (14986)، من يصنَع خيرًا يَلقَ خيرًا.

كل ذلك مكافأةً لفعله، وتطييبًا لخاطر ابنه وولده الصحابي عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سَلول رضي الله عنه، لذلك من صنع إليكم معروفًا فكافِؤوه الدنيوية المعاملات لا مانعَ منها، من صنع إليكم هذا الصانع كافر أو مسلم يهودي أو نصراني، يصنع خيرًا نكافئه في الدنيا بالمعاملات الطيبة.

أقول قولي هذا وأستغفرُ الله لي ولكم.

الخطبة الآخرة
الحمد لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:
فالدعاء لغير المسلم بسببِ خيرٍ قدَّمه، أو عونٍ مدَّه، لا مانعَ منه إذا كان في أمور الدنيا، كيف ندعو لغير المسلم؟ مثل: كثَّرَ الله مالَك، أو كثَّر عقِبَك وأولادك، أو جمَّلك الله وأعطاك الصحة والعافية، هذه أمور دنيوية، لا يدعى له بعد مماته برحمة ولا مغفرة، ويجوز أن تدعو لغير المسلمين في حياتهم بالهداية، ونحو ذلك عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه أنه مر برجل، هيَّأته هيئة مُسْلِمٍ فَسَلَّمَ - أي الرجلُ عليه - فَرَدَّ عَلَيْهِ: (وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ)، فَقَالَ لَه الْغُلَامُ: (إِنَّهُ ‌نَصْرَانِي)، فَقَامَ عُقْبَةُ فَتَبِعَهُ حَتَّى أَدْرَكَهُ، فَقَالَ: (إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ وَبَرَكَاتَهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، لَكِنْ أَطَالَ اللَّهُ حياتك، ‌وأكثَرَ ‌مالَك وولدَك)؛ حسن - «الإرواء» (1274).

وهذه الدعوات الدنيوية يفرحُ بها غيرُ المسلمين أكثرُ من دعائنا لهم بالآخرة.

قال الألباني رحمه الله عندما حسن هذا الأثر: [في هذا الأثر إشارةٌ من هذا الصحابي الجليل إلى جواز الدعاء بطول العمر ولو للكافر، فللمسلم أولى؛ ولكن لا بدّ أن يلاحِظَ الداعيَ ألاّ يكون الكافرَ عدوًّا للمسلمين]؛ أي: محاربًا لهم، فالذي يحاربنا لا ندعو له لا بطول العمر ولا بكثرةِ الأموال، لكن من يُساندنا ويُعيننا ويُعين المسلمين، هذا ندعو له، [ويترشح منه جواز تعزية] الكافر، [مثله بما في هذا الأثر]، إذا عزيت، فالمسلم يعزي غير المسلم فيقول له: أحسَن الله عزاءك، وكثر الله مالَك وولدك ونحو ذلك، [فخذها منا فائدة تذكر].

إنَّ معاملةَ غيرِ المسلم من يهوديٍّ أو نصرانيٍّ، أو بوذيٍّ أو شيوعيٍّ، حالَ كونِه مساعدًا ومساندًا، ومناصرًا ومؤيدًا للمسلم، هذه أمور يُشكَر عليها، من باب قوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ، لَا يَشْكُرُ اللهَ عز وجل"، (ت) (1954)، (حم) (7495)، (11703)، انظر صحيح الجامع: (6601)، كما قال سبحانه: ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن: 60]، وفي رواية: "لَا يَشْكُرُ اللهَ، مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ"، (خد) (218)، (د) (4811)، (حم) (7939)، انظر صَحِيح الْجَامِع: (7719)، الصَّحِيحَة: (416).

فالممنوع الدعاءُ ‌للكفار الحربيين، فالكافر الحربي ندعو عليه لا ندعو له، أما غيرُ الحربي، مواطن مسالم، وربما يفعل خيرًا للمسلمين وللقضية، الممنوع هو الترحُّم عليهم، والاستغفارُ لهم إذا ماتوا، وأمَّا الدعاءُ لهم بالهداية، فقد ثبت في السنة الصحيحة عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عمدًا يفتعلون العطاس لماذا؟ حتى يقال يرحمكم الله، قال: (يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ: لَهُمْ يَرْحَمُكُمْ اللهُ)، ولو قالها لرحمهم الله، لكنهم يبقون على دينهم لا، (فَكَانَ يَقُولُ لَهُمْ صلى الله عليه وسلم: "يَهْدِيكُمُ اللهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ"، (خد) (940)، (حم) (19586)، (ت) (2739)، (د) (5038)، انظر المشكاة: (4740)، الإرواء: (1277)، صحيح الأدب المفرد: (723).

إن الدعاء بالهداية للكفار والمشركين وحتى المحاربين، أمر مشروع، فقد جَاءَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو من أهل اليمن من قبيلة دوس جاء - فَقَالَ: (إِنَّ دَوْسًا قَدْ هَلَكَتْ عَصَتْ وَأَبَتْ؛ فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ)، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ»، (خ) (4392)، (م) 197- (2524).

وقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه: (كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ، ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ) وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ»، (خ) (3477)، (م) 105- (1792)، يدعو أن يغفر لقومه، ولا يغفر لهم، إلا إن آمنوا ورجعوا إلى الله عز وجل.

ودعا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليهودي سقاه ماءً، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (اسْتَسْقَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ‌فَسَقَاهُ ‌يَهُودِي) - يعني قال: من يسقيني ماء؟ فقام يهوديٌّ فسقى النبي صلى الله عليه وسلم، (فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «جَمَّلَكَ الله»؛ أي دعا له بالصحةِ والجمال، (فَمَا رَأَى الشَّيْبَ) - ذلك اليهودي - (حَتَّى مَاتَ)، عمل اليوم والليلة لابن السني (ص253) ح (289) وفيه ضعف، [وأُخِذ منه؛ جواز ‌الدعاء ‌للكفار في المخاطبات]، صبح الأعشى (ص: 344) من الجزء السادس.

إذا خاطبت كافرًا مسؤولًا، أو نحو ذلك، تكتب رسالة فتدعو له بالهداية، والكلمات الرقيقة لا مانع، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما وهو حبر الأمة - قَالَ: (لَوْ قَالَ لِي فِرْعَوْنُ: بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ. قُلْتُ: وَفِيكَ، وَفِرْعَوْنُ قد مات)، الأدب المفرد «الصحيحة» (2/ 329).

إذًا معاملة من يعيش بيننا ولا يعادينا، تختلف عن معاملة المحارب المعتدي الظالم، ففرقوا بين هذا وهذا، وفرقوا بين الدنيا والمعاملة فيها، وبين الآخرة، فالآخرة بما فيها من جنة أو نار نكل أمرها إلى الله جلَّ جلاله.

وصلُّوا على رسول الله فقد صلى اللهُ عليه في كتابه، فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

اللهم ‌انصُر ‌مَن ‌نصَر الدين، واخذل من خذل المسلمين، اللهم ‌انصُر ‌من ‌نصر الحقَّ، واهدنا إلى سواء السبيل.

اللهم احفَظنا في هذه البلاد وفي جميع بلدان المسلمين، اللهم احفَظنا من الشرور والويلات، اللهم إنا نعوذ بك من مُضِلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن.

واحفَظ إخواننا في القدس والضفة والخليل، وجنين وغزة وفي كلِّ مكان، احفَظنا يا رب، وردَّ كيد أعدائنا في نحورهم.

اللهم مَن وقَف معنا في قضيتنا العادلة ضد أعدائنا المغتصبين، فدافَعَ عنَّا في المحافلِ الدولية، أو أمدَّنَا بالأموال والمساعدات المادية والمعنوية، وكلُّ من ناصرَ مظلومًا، أو سعى في إحقاقِّ الحقِّ وردِّه إلى أهله، اللهم فأكثِر أولادَهم وأموالَهم، وامنحهُم الصحةَ والعافية، وأصلِح بالهم، وبارِك لهم في اقتصادهم وأقواتهم، واهدِهم لكلِّ خير، ووفِّقهم لعبادتك وتوحيدك يا رب العالمين.

اللهم اغفِر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيبٌ الدعوات يا ربَّ العالمين.

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت: 45].


الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد
م ق الألوكة







عطر الجنة 07-19-2022 09:04 PM

رد: لنا الظواهر والمظاهر.. والله يتولى السرائر
 
سلمت يداك اختي
ع النقل الطيب
بوركت جهودك
جزاك الله خيرا


الساعة الآن 05:30 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.1 TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
يرحل الجميع ويبقي شعاع بيت العلم والحب(ملك الكلمة)