منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد

منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد (https://hwazen.com/vb/index.php)
-   شعاع تعليم اللغات (https://hwazen.com/vb/f98.html)
-   -   (لغة أخرى) ظاهرة انتشار الإسلام في ألمانيا (https://hwazen.com/vb/t22589.html)

إسمهان الجادوي 07-27-2022 07:55 PM

ظاهرة انتشار الإسلام في ألمانيا
 





ظاهرة انتشار الإسلام في ألمانيا


إن الأحداث التي يمر بها المسلمون في شتى بلدان العالم قد تصيب البعض منا باليأس والإحباط؛ لكثرة المؤامرات التي تُحاك ضد المسلمين هنا وهناك، وكثرة ما يلاقيه المسلمون من الاضطهاد والتنكيل، وكثرة ما يُروج عن الإسلام من الأكاذيب والافتراءات.

غير أن هذه الحالة سريعًا ما تزول إذا ما علمنا حجم الإقبال على الإسلام في دول الغرب، وكذلك إذا ما علمنا أنه مع كل هجوم على الإسلام في الغرب، يزداد شوق الأوربيين والغربيين عمومًا للتعرف على هذا الدين، ومعرفة حقيقة ما يثار حوله، ومن ثم يزداد الإقبال على الدخول في هذا الدين الحنيف.

ومن يتابع الساحة الإسلامية اليوم في أوروبا عامة وفي ألمانيا خاصة - يلاحظ بفضل الله تعالى انتشار الإسلام الواسع بين أفراد المجتمع وكثرة بناء المساجد أو تحول الكنائس إلى مساجد، وبالأخص الولايات الشمالية والغربية من ألمانيا؛ حيث يكثر تمركز المسلمين فيها، وأيضًا يلاحظ انتشار المظاهر الإسلامية في المجتمع عامة؛ كالحجاب وكثرة المنتوجات الإسلامية، ومحلات بيع اللحم الحلال، وكثرة المصارف الإسلامية لأول مرة في تاريخ ألمانيا[1]، يرافق ذلك ظهور قوانين جديدة في صالح المسلمين، كل ذلك رغم الحملات الإعلامية القوية جدًّا لتشويه الإسلام، ورغم كثرة المؤسسات التي تحارب الإسلام، ورغم صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة المعادية للإسلام إلى دفة الحكم، سواء على مستوى الانتخابات الداخلية للولايات، أو على مستوى الدولة، ورغم التكتم الشديد على الأعداد الحقيقية للمسلمين عامة، وعدد من أسلم من الألمان خاصة في السنوات الأخيرة؛ خوفًا من أن تستغل للتخويف من امتداد الإسلام فيما يسمونه بظاهرة Islamophobie "الإسلاموفوبيا"، أو "ظاهرة انتقاد الإسلام (islam-criticism)"، أو "ظاهرة معاداة الإسلام" (anti-islam’-ism’)" - فإنه قد أعلن في آخر إحصائية ألمانية رسمية أن عددَ مَن دخل الإسلام من الألمان في السنتين الأخيرتين يقدر بـ20000 شخص، ومثله بالضبط في النمسا وسويسرا[2]، وهناك مصادر أخرى تشير إلى أن أعدادهم أكثر من هذا بكثير حتى أوصلوها إلى 40000 شخص[3]، وهذا كله ليس بمستغرب، فلا يمر أسبوع هنا إلا ونسمع أن رجلًا أسلم أو امرأة أعلنت إسلامها في أحد المراكز الإسلامية في المنطقة، والسؤال المهم هو: لماذا أسلم هؤلاء؟ وما الذي ينقصهم في أوروبا، رغم العمران والمدنية والتكنولوجيا الحديثة، لكي يسلموا؟ ما الشيء الذي يمنحه لهم الإسلام، ولا يجدونه في حياتهم اليومية؟

والجواب والله أعلم: لعل من أهم خصائص هذا الدين وأحد أهم أسرار جاذبيته هي عالميته؛ أي: إنه دين أُرسل للعالم كله، ليس لبلد معين، أو ناس معينين، أو زمن معين؛ قال تعالى واصفًا عالمية البعثة المحمدية بقوله: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [سبأ: 28]، فهو عليه الصلاة والسلام أُرسل لكل الناس، هو رسول الإنسانية جمعاء، وشريعته وتعاليمه لكل الناس؛ يقول سبحانه مبينًا أن القرآن الكريم أُنزل لإنذار كل الناس قاطبة: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾ [الفرقان: 1]، ووصف الحق نفسه في أول آية من القرآن بقوله سبحانه: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 1]، فهو سبحانه رب الوجود كله، رب الكون كله، وليس رب العرب وحدهم، الذين هم مادة الإسلام، وحملة الرسالة الأولون، وأكد تميز هذا الدين العظيم عن باقي الرسالات بالعالمية قوله صلى الله عليه وسلم الصريح كما جاء في الصحيحين: ((أُعطيتُ خمسًا لم يُعْطَهُنَّ أحد من الأنبياء قبلي: نُصرت بالرعب مسيرة شهر، وجُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلِّ، وأُحِلَّت لي الغنائم، ولم تُحَلَّ لأحد قبلي، وأُعطيت الشفاعة، وكان النبي يُبعَث إلى قومه خاصة، وبُعثْتُ إلى الناس عامة))، فعالمية البعثة هو أول سبب لانتشاره، وقد أكد هذا المعنى الناطق الرسمي لحزب الـCDU المسيحي الحاكم في ألمانيا Christian Abdul Hadi Hoffmann في مقدمة كتابه الذي كتبه حول قصة إسلامه (بين شتى الجهات، قصة إسلام سياسي ألماني)[4]: إن من أهم ما جذبه لهذا الدين هو أنه رأى وهو يتابع مناسك الحج في إحدى القنوات الألمانية تجمع كل جنسيات الأرض من شتى أنحاء المعمورة في مكان واحد، في مكة المكرمة، وفي وقت واحد في موسم الحج، رغم اختلاف لغاتهم، وبعد قاراتهم، ورغم كبر سنهم وضعفهم، واختلاف عاداتهم وتقاليدهم في مشهد عظيم ومظاهرة مليونية سلمية لم يشهدها إلا في الإسلام، ونفس هذا السبب ذكره المهندس المعماري الألماني الذي أسلم ثم استقر في مكة، وهو الذي صمم ساعة مكة المكرمة هناك الدكتور محمود بودو راشMahmoud Bodo Rasch في آخر مقابلة معه، وهو يتحدث عن سبب إسلامه واختياره لمكة مكانًا لعمله كمهندس معماري[5]، والسبب الثاني الذي يجذب الغرب عامة والألمان خاصة للإسلام هو كونه دين الفطرة، إن الإنسان الأوروبي، بل الفطرة البشرية عامة، لا تجد راحتها وسعادتها واستقرارها النفسي إلا بالإسلام لأنه لا يأمر إلا بما يوافقها ويلائمها ويصلحها، ومن ثَمَّ يسعدها؛ كما قال سبحانه: ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30]، أكثر الناس لا يعلمون أن هذا الدين هو دين الفطرة، والإنسان الغربي اليوم حائر يعاني من الفراغ الروحي الشديد، ويعاني من سلبيات الحياة المادية التي يعيشها، ومن القلق المستمر والأرق، أو ما يسميه الألمان في حياتهم اليومية (التوتر) Stress [6]، ومن الشعور بالإحباط واليأس بسبب عدم وجود الإيمان في حياتهم، والذي يؤدي بهم إلى الانحراف والإدمان أحيانًا أو قد يصل إلى الانتحار أحيانًا أخرى والعياذ بالله، وقد نشرت مؤخرًا دوائر الإحصاء أن 25 شخصًا ينتحر Suizideيوميًّا في ألمانيا قبل ظاهرة كورونا، وأن هذا العدد ازداد في السنتين الأخيرتين بشكل واضح[7]، بل حتى عند أكثر الناس شهرة ورفاهية في المجتمع الألماني كانتحار حامي مرمى فريق كرة القدم الألماني الشهير Robert Enke بعد وفاة ابنته بمرض عضال عام 2009، وقصة الطيار الألماني الشهيرة الذي انتحر عام 2015 بسبب اليأس الذي كان يعاني منه قاتلًا معه 150 راكبًا على متن الطائرة الألمانية التي كان يقودها، رغم أن وظيفة الطيار تعد من أعلى الوظائف بالمرتبات في المجتمع الألماني[8]، وآخرها انتحار وزير المالية لمدينة هسن Finanzminister Thomas Schäfer وأحد موظفيه، بعد انتشار وباء كورونا وتصريحه بأن الحالة ميؤوس منها[9].

هذا الفراغ الروحي القاتل هو الذي يدفع الإنسان الغربي عامة، والألماني خاصة للبحث عن نور الهداية، وعن الرضا والقناعة، وطمأنينة القلب، والتي لا يجدها إلا في الإسلام العظيم؛ كما قال تعالى: ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ﴾ [الزمر: 22]، وهذا النور هو الذي كتبت عنه المذيعة الألمانية الشهيرة Kristiane Backerبعد أن أسلمت وذاقت حلاوة الإيمان، وكتبت قصة إسلامها في كتابها (Von MTV nach Mekka) الرحلة من مذيعة في التلفزيون إلى مكة؛ حيث ذكرت فيه: أنها كانت تبحث لسنوات طويلة رغم شهرتها وثروتها عن راحة قلبها وسعادتها التي كانت مفقودة في حياتها، ولم تجدها إلا في الإسلام وتطبيق تعاليم الإسلام، وذلك - كما تقول - في تطبيق شعائر الإسلام بصدق أن تصلي بخشوع، وأن تصوم بجوارحها، ليس فقط بجسدها، وأن تحج بالقلب وأشواق الروح ليس بمجرد شعائر ومناسك تؤديها، وفعلًا فعلت ذلك كله - كما كتبت - وذاقت حلاوة الإيمان وثمرته، وهي الآن سعيدة جدًّا بعد إسلامها بفضل الله تعالى، السبب الثالث والمهم لانتشار الإسلام في المجتمع الألماني هو التفكك الأسري، وضعف الروابط الاجتماعية، وعدم استقرار العلاقات الزوجية، ومن ثَمَّ قلة الإنجاب عندهم (عكس ما هو عليه لدى المسلمين المقيمين في ألمانيا) من قوة الروابط الاجتماعية، وتقديس الأسرة، وبر الوالدين يُضاف إلى ذلك تأثير العبادات الجماعية عليهم، والتي تقوي الأواصر الاجتماعية والأخوية كصلاة الجمعة والعيدين، والعمرة وقوافل الحجاج جماعة من ألمانيا، والإفطارات الجماعية في رمضان في مساجد ألمانيا، كل هذه الأمور تشد الألمان إلى هذا الدين وقيمه الاجتماعية وتعاليمه السمحة، في إحدى المقابلات التي أجرتها الإذاعة الألمانية مع والدين ألمانيين أسلما حديثًا سألهم المذيع مستغربًا: لماذا أسلمتم بعد إسلام ابنكم؟ فأجابا: منذ أن أسلم ابننا كان أكثر برًّا بنا وأكثر رحمة وشفقة بإخوته الصغار، وأكثر احترامًا للجيران، وعرفنا منه أن كل هذا تعلمه من الإسلام[10]؛ لعل هذه الأسباب الثلاثة هي أهم الأسباب التي جعلت هذا الدين ينتشر بشكل واضح في كل أطراف أوروبا، وفي كل مدن ألمانيا إلى درجة أنك لا تجد ولاية اليوم من الولايات 16 في ألمانيا بدون مسجد أو مركز إسلامي أو جامع، حتى وصل عدد المساجد مؤخرا إلى أكثر من 3000 بين جامع ومركز إسلامي أو مسجد والعدد بازدياد مستمر بفضل الله[11]، وقد نشرت جريدة دي فلت DIE WELT الرسمية في ألمانيا مقالًا تتحدث فيه عن ظاهرة انتشار المساجد هذا ذكرت فيه: إن عدد المساجد في مدينة هامبورغ HAMBURG الشهيرة وحدها أصبح اليوم ضعف عدد الكنائس[12]، وهذا كله تصديقٌ لقول الله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [الرعد: 41]؛ أي: سوف ينقص الكفر ويزداد الإيمان في كل نواحي وأطراف الأرض بانتشار الإسلام؛ كما قال سيدنا عبدالله بن عباس في تأويلها: "أولم يروا أنا نفتح لمحمد صلى الله عليه وسلم الأرض بعد الأرض؟"، وقد أكد هذا المعنى وهذه النبوءة قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، وهو يبشر بانتشار هذا الدين في أنحاء المعمورة بقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله قد زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زُوِيَ لي منها، وأُعطيت الكنزين الأحمر والأبيض))، فهذا الحديث الجليل فيه معجزات ظاهرة للرسول صلى الله عليه وسلم تتحقق في أوروبا اليوم، وهو علامة من علامات صدق النبوة؛ حيث نجد أن الكنائس مهجورة والمساجد بفضل الله تعالى عامرة، وذلك أن الكثير من الكنائس اليوم قلَّ روادها؛ فخسرت بذلك الممول المادي الرئيس لها، حتى اضطرت للحصول على المال إلى تأجير بناياتها للمسلمين لأداء صلاة الجمعة أو العيدين أو تحويلها لمدارس تعليم اللغة العربية، أو لتحفيظ القرآن الكريم، ووصل الحال بهم إلى أن الكثير منها تحول رسميًّا إلى مساجد خاصة بعد موجة اللاجئين عام 2015؛ حيث ظهرت الحاجة الملحة للمساجد مع كثرة المسلمين، وعندما تم تحويل أول كنيسة في مدينة هامبورغ وهي كنيسة Kapernaum-Kirche المبنية عام 1961 إلى مسجد يُرفع فيه الأذان لأول مرة وتقام فيها الصلاة لأول مرة يوم 3.07.2015[13].

نُشر الخبر في وسائل الإعلام علانية، ولاقى معارضة شديدة من جهات مختلفة حتى أدت إلى حرق بيوت اللاجئين، وقتل بعضهم مع الأسف؛ مما اضطرت وسائل الإعلام إلى عدم نشر هذه الأخبار بشكل علني.

في آخر إحصائية جديدة عن عدد المساجد في ألمانيا، وكيفية توزيعها بين كل الولايات الألمانية، ومتى افتتحت، وتصنيفها حسب كونها بقُبَّة أو بمنارة أو بكليهما - أُضيف لأول مرة للخارطة جملة جديدة Moschee in ehemaligem Kirchenbau؛ وتعني: المساجد التي كانت سابقًا كنائس، والإشارة إليها بعلامة المثلث[14].
https://hwazen.com/vb/data:image/png...AAAElFTkSuQmCC


خارطة تبين توزيع المساجد وكثرتها في غرب ألمانيا أكثر من شرقها وأن بعض المساجد أصلها كنائس


مع الإشارة هنا إلى أن السماح برفع الأذان لأول مرة في بعض المساجد في ألمانيا أيام الانتشار الشديد لوباء كورونا كان تعاطفًا أو إظهارا للشكر لدور مسلمي ألمانيا الإيجابي في بداية هذه المحنة؛ من خياطة الكمامات بالآلاف في المساجد، إلى التبرع بالأكل للمستشفيات من قبل مطاعم المسلمين، إلى التبرع بالأكل كل يوم للمحتاجين والمرضى أيام شهر رمضان المبارك، إلى دور الأطباء المسلمين والممرضين المميز في المستشفيات الألمانية، حتى إن الكثير منهم توفي في بداية الأزمة، وتم تشيعهم تشيعًا تكريميًّا خاصًّا من قبل مستشفياتهم رحمهم الله تعالى.

الظاهرة الأخرى الحديثة هي التوجه السياسي الألماني المتعاطف مع قضايا المسلمين؛ فيُلاحَظ من جهة تزايد نسبة المسلمين من أعضاء البرلمان الألماني، وفي أعداد المحافظين للولايات الألمانية، بل تزايد نسبة الأجانب Migration (ومعظمهم مسلمون) في كل حزبحاكم أو معارض بشكل تدريجي، وهذه ظاهرة جديدة؛ حيث ثبت أن أعلى نسبة للأجانب هي في حزب الخضر 11.1%، والعجيب أنه حتى الأحزاب المسيحية فيها مسلمون، وأيضا الحزب اليميني المتطرف AFD فيه مسلمون.

https://hwazen.com/vb/data:image/png...AAAElFTkSuQmCC


جدول يبين نسبة الاجانب في كل حزب في ألمانيا وغالبهم مسلمين



لا شك أن هذه الأحزاب لها أغراض براغماتية تحاول الوصول إليها بقبولها بالمسلمين؛ حيث تحاول بذلك كسب أصوات المسلمين المتزايدين في ألمانيا في الانتخابات، ولا يخفى على العاقل أن مشارب هؤلاء المسلمين في هذه الأحزاب متضاربة بين تبنِّي قضايا المسلمين والدفاع عنهم، إلى المعارضة والمحاربة للإسلام علانية، ولكن المحصلة الأخيرة هو التعاطف مع المسلمين وقبولهم لأول مرة بينهم، خاصة مع ازدياد عدد المسلمين في الجيش الألماني مؤخرًا، والشرطة الألمانية، بل إن الشرطة بدأت رسميًّا تطلب من المسلمين التطوع والعمل معهم.

وقد حصل مؤخرًا تضييق شديد على المسلمين في الجامعات الألمانية لكثرتهم، حتى لم تكفِ غرف المصليات لأداء صلاة الجمعة؛ فطالبوا بغرف أخرى في كلية التكنولوجيا في برلين للصلاة بعد أن أدُّوا الصلاة في الساحة العامة، فكان رد فعل عميد الجامعة أن أغلق المصليات جميعًا، فجُوبِه بردِّ فعل شديد من المؤسسات الإسلامية في ألمانيا؛ اضطر على إثره إلى فتحها مرة ثانية[15].

https://hwazen.com/vb/data:image/png...AAAElFTkSuQmCC
صلاة الظهر في الجامعة التكنولوجية في برلين في الساحة العامة




هذا يبين مظهر من مظاهر التأييد الإلهي لهذا الدين، ووعد الله تعالى بتمكينه هو الذي يجعله يظهر على خصومه؛ كما قال سبحانه: ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [الصف: 8، 9]، فالله سبحانه قد وعد قبل أكثر من خمسة عشر قرنًا بإتمام نوره؛ وهو الإسلام، ووعده يتحقق اليوم والحمد لله، ويلاحظ هنا دقة التعبير القرآني؛ حيث استخدم الفعل (يطفئ) دون الفعل (يخمد)، وكلاهما يستعملان في النار، والضياء عند العرب، ولكن الفرق هو أن الإطفاء يستعمل في القليل والكثير، والإخماد إنما يستعمل في الكثير دون القليل [16]، وهذا معناه أنهم يريدون إبطال ما استطاعوا من الحق الذي جاء به نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم قليلًا كان أم كثيرًا، ولكن رغم ذلك كله، فإن الله سبحانه متم نوره، بل ويأبى إلا أن يتم نوره: ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 32].


ولعل من أعجب مظاهر التأييد الإلهي لهذا الدين في ألمانيا أنه سبحانه وتعالى يسخِّر غير المسلمين من علية القوم للدفاع عنه، والوقوف بجانب المسلمين، والقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن، يقلبهما كيفما شاء، وإن الله لينصر دينه بالرجل الكافر أو الفاجر، كوقوف المستشار الألماني السابق مثلًا هلموت شمت Helmut Schmidt بجانب المسلمين عامة، وناصحًا الحكومة الألمانية والغرب بضرورة تغير موقفهم السياسي العدائي للمسلمين بكلمته المشهورة[17]:"Westen verhält sich unsensibel gegenüber Islam"، وهو الذي طالب بتغير مناهج التعليم الألمانية، وتصحيح كل المشوه عن الإسلام في الكتب المنهجية قبل وفاته، وكان قد صرح في آخر مقابلة له أنه تعلم من زيارته لمصر أن الأديان السماوية الثلاثة أصولها واحدة، وكلها ترجع لإبراهيم الخليل عليه السلام، وأن السياسات الخاطئة هي التي أدت إلى الحروب بين الشعوب وليست الأديان[18]، وكوقوف المستشارة الألمانية الإيجابي اليوم بجانب قضايا المسلمين مثل موقفها الإيجابي من اللاجئين واستقبالهم، ومثل تحسين علاقتها مع تركيا، وكذلك رفعها لقانون منع الحجاب المطلق؛ حيث سمحت للمحجبات بالعمل بعد موافقة رب العمل بالحجاب، بعد أن كان ممنوعًا قبلها بشكل عام، وقالت: إن الحجاب ليس رمزًا للظلم واحتقار المرأة[19]، وكذلك تصريحاتها المهمة في صالح الإسلام، كما صرحت لأول مرة في تاريخ الحكومة الألمانية بصفتها مستشارة[20]:"Der Islam gehört zu Deutschland" (إن الإسلام هو جزء من ألمانيا، وإنه بنى الحضارة الألمانية).


وقد سبقها في هذا التصريح المهم الرئيس الألماني السابق الدكتور كريستيان وولف Christian Wulff، وتعرض - كما تعرضت هي - لانتقادات واسعة جدًّا من جهات مختلفة، ولا شك أن هناك أغراضًا سياسية خلف هذه التصريحات، ولكن النتيجة الحتمية هو أنها تصب في صالح المسلمين.

ويجدر الإشارة هنا إلى أن الرئيس الألماني السابق هذا - وهو أستاذ جامعي - دافع عن نفسه في وقتها بأن الاكتشافات الحديثة تشير إلى دور المسلمين في بناء الحضارة الألمانية، وأن هناك إثباتات في علم الآثار تشير إلى وجود أول مسلم في ألمانيا عام 720 ميلادية في مدينة هايتهابو Haithabu شمال ألمانيا؛ بسبب إسلام بعض القبائل هناك، بعد احتكاكها بتجار مسلمين، واكتشاف مقبرة هناك تتجه باتجاه مكة المكرمة، واكتشاف أن بعض الفايكنك Wikings كانوا مسلمين باحتكاكهم بمسلمي الأندلس، وخاصة بعد اكتشاف مخطوطات نادرة مهمة للمؤرخ الطرطوسي تشير إلى وجود الإسلام في ألمانيا[21].


ولذلك يلاحظ حرص الرئيس الألماني الحالي Frank-Walter Steinmeie والمستشارة الألمانية على تهنئة المسلمين بمقدم شهر رمضان وبأيام العيد رسميًّا على كل وسائل الإعلام في السنتين الأخيرتين وخاصة في ظل أزمة كورونا.

يشكل تعداد المسلمون اليوم أكثر من 7% من مجموع تعداد الشعب الألماني البالغ 81 مليون، وفي السنتين الأخيرتين ازداد عدد الطلبة المسلمين في الجامعات الألمانية بشكل ملحوظ، وازداد عدد المحجبات حتى إن معظم نقابات الطلبة في الجامعات أعضاؤها مسلمون، وقبل شهرين نشرت إحدى الصحف الألمانية الرسمية أن عدد المسلمين هو 6 مليون مسلم، وليس 4 مليون، كما كان ينشر سابقًا، وأنه لا توجد جامعة ألمانية اليوم تخلو من المحجبات أو المسلمين سواء طلبة أو أساتذة أو إدارة، وأشارت الجريدة إلى تزايد عدد الطبيبات والمهندسات المحجبات في المجتمع الألماني في السنوات الأخيرة[22].

وهذا أدى - من ثَمَّ - إلى انتشار شركات الأكل الحلال بشكل واسع جدًّا، وافتتاح أجنحة للمنتوجات الحلال في معظم المحلات الألمانية الشهيرة مثل: Lidl و AldiوReal وغيرها، وأدى إلى انتشار المصارف الإسلامية في ألمانيا بعد نجاح تجربة المصرف التركي الكويتي KT-Bank منذ عام 2015 بفروعه الأربعة الرئيسية، وفتح فروع جديدة له بين الحين والآخر، كما حصل السنة الماضية في مدينة ميونخ بافتتاح رسمي ترعاه الحكومة[23]، وتوجه البنك الألماني مؤخرًا Deutsche Bankلفتح جناح للمعاملات الإسلامية، ومنح قروض دون فوائد بعد أن كتبت وسائل الإعلام عن نجاح تجربة المصارف الإسلامية في أوروبا دون فوائد مصرفية[24]، هذه كلها بشارات وبدايات للاعتراف الرسمي للإسلام في ألمانيا، هذا الاعتراف الذي لو حصل، فسوف يترتب عليه خير كبير جدًّا يصيب المسلمين في ألمانيا وأبناءهم، ويبشر بأن المستقبل للإسلام في ألمانيا.

مدرسة الاستشراق الألماني ودورها في انتشار الإسلام:
اهتم الباحثون الألمان بالدراسات العربية الإسلامية منذ عهد مبكر، فقد ثبت أن مارتن لوثر كان من الذين تأثروا بالفكر الإسلامي حينما تمرد على الكنيسة الكاثوليكية في روما، ولكن موقف لوثر من الإسلام كان عدائيًّا جدًّا، وبخاصة الدولة العثمانية، وقد تميز المستشرقون الألمان بالجدية في البحث، حتى اصطبغت الدراسات الإسلامية في أوروبا في وقت من الأوقات بالصبغة الألمانية، وعلى يدهم ظهرت كتب لأول مرة لم تكن معروفة لولا جهودهم؛ مثل: كتاب مغازي الواقدي، وتحقيق كتاب الطبري من نسخ قديمة جدًّا، وما زال الاستشراق الألماني مزدهرًا في العديد من الجامعات، وقد لحق الاستشراق الألماني غيره في الاهتمام بالقضايا المعاصرة؛ فقد قدم المستشرق راينهارد شولتز محاضرة في شهر سبتمبر 1986 في جامعة برنستون بالولايات المتحدة بعنوان: "الإسلام السياسي في القرن العشرين".

ولعل الصفة البارزة للاستشراق الألماني أنه لم يزدهرْ نتيجةً للاستعمار - كما هي الحال مع فرنسا وإنجلترا وهولندا - أو يرتبط بأهداف دينية تبشيرية كسواه.

ساهم المستشرقون الألمان أكثر من سواهم بجمع ونشر وفهرسة المخطوطات العربية، وخصوصًا كتب المراجع والأصول المهمة، وإلى نشر المخطوطات، فإن أهم ما قام به المستشرقون الألمان وضع المعاجم العربية.لا بد لمن يتناول الاستشراق الألماني ألَّا يُهمل ثيودور نولدكه (1836 - 1930م)، الذي اهتم بالأبحاث القرآنية، إلى جانب اهتمامه بالشعر العربي القديم وخصوصًا المعلقات، وكذلك كارل بروكلمان (1868 - 1956م)، الذي اهتم بتاريخ الأدب العربي، ووضع كتابه الشهير تاريخ الأدب العربي، الذي ظهر الجزء الأول منه أواخر القرن التاسع عشر، الذي عمل عليه طوال نصف قرن من الزمن، ونقله إلى العربية بتكليف من جامعة الدول العربية، عبدالحليم النجار، ونشرته دار المعارف في مصر في ثلاثة أجزاء، وكتاب آخر مهم تركه لنا "بروكلمان" هو (تاريخ الشعوب والدول الإسلامية)، الذي ظهر سنة 1939م، ونقله إلى العربية نبيه أمين فارس، ومنير بعلبكي سنة (1949 - 1951م)، وكتابه الرائد (قواعد اللغات السامية) في مجلدين ضخمين 1961م.

ويجب ألَّا ننسى أنَّ وليتمان (1875- 1958م)، الذي ترجم كتاب (ألف ليلة وليلة) إلى الألمانية في ستة مجلدات بأسلوب رائع، وهي أول ترجمة كاملة لهذا الكتاب الهام، الذي كان له تأثير كبير في أوروبا.

ولا يمكن أن ننسى هنا العلامة الباحث الأديب والشاعر البروفسور فؤاد سزكين ودوره العظيم في التعريف بالحضارة الإسلامية والعلوم الإسلامية في الجامعات الألمانية، وهو تلميذ المستشرق الألماني لموت رتر (1892 - 1971 م)، وهذا الأخير تتلمذ على تيوور نيلدكه، وكارل بروكلمن، وله دور عظيم في نشر وتحقيق مخطوطات نادرة من التراث الإسلامي نُشرت لأول مرة في ألمانيا.

ولا يمكن أن ننسى الدكتورة زيغريد هونكه صاحبة كتابها الشهير (الله ليس كذلك)، المترجم إلى عدة لغات ترد فيه على شبهات الغرب والمستشرقين، وتفندها الواحدة تلو الأخرى، وكذلك كتابها (شمس الإسلام تسطع على الغرب)، وهو أشهر من أن يُعرَّف به.

وكذلك الدكتورة آنا ماري شميل Annemarie Schimmel (1922)وهي من أشهر المستشرقين الألمان المعاصرين، اهتمت بدراسة الإسلام والتعريف به، وحاولت تقديم هذه المعرفة بأسلوب علمي موضوعي لبني قومها، حتى نالت من رئيس الجمهورية آنذاك شخصيًّا أسمى جائزة ينالها كاتب في ألمانيا تسمى جائزة السلام للأدب.

والدكتورة متخصصة في دراسة أدب محمد إقبال حكيم وشاعر باكستان الكبير، وترجمت إلى الألمانية له ديوان "جاويد نامة" وكتاب "رسالة المشرق عن الفارسية"، وتنصف الإسلام والمسلمين في كتبها ومحاضراتها وتدافع عن حقائق الإسلام أمام أباطيل خصومه، وقد أصدرت العديد من الكتب في التعريف بالإسلام منها كتاب "محمد رسول الله" صلى الله عليه وسلم، بسطت فيه مظاهر تعظيم وإجلال المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

هذه لمحة سريعة عن الاستشراق الألماني المُشرق، الذي سيبقى محافظًا على تفوُّقه وتفرُّده ودوره الإيجابي في انتشار الإسلام، رغم الملاحظات عليه، وهو أحد أسباب انتشار الإسلام في ألمانيا.

وصدق محمد إقبال رحمه الله عندما قال:
فكم زالت رياض من رباها https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وكم بادت نخيل في البوادي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ولكن نخلة الإسلام تنمو https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
على مر العواصف والعوادي https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
ومجدك في حمى الإسلام باقٍ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
بقاء الشمس والسبع الشدادِ https://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif


والحمد لله رب العالمين أولًا وآخرًا، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

[1] http://www.welt.de/wirtschaft/articl...schlands-erste islamische-Bank.html
[2] http://www.schattenblick.de/infopool.../risbe084.html

[3] انظر: http://www.spiegel.de/spiegelwissen/...-a-898624.html
[4] انظر: "بين شتى الجبهات"، الصادر بطبعته الأولى في بافاريا، عام 1997.

[5] انظر: المقابلة معه في الجريدة الإسلامية الألمانية: http://www.islamische-zeitung.de/all...-innen-kommen/

[6] تم اختيار هذه الكلمة كأهم كلمة تردد على الألسنة وتكرر في وسائل الإعلام وأول عائق لنجاح الأعمال في الاقتصاد الألماني: http://arbeitsblaetter.stangl-taller.at/STRESS/

[7] https://www.destatis.de/DE/Themen/Ge...n/suizide.html
[8] انظر مقارنة المرتبات: https://gehaltsreporter.de/gehaelter...bis-z/200.html

[9] https://www.fr.de/hessen/hessen-thom...-13655044.html
[10]http://www.deutschlandradiokultur.de/warum-deutsche-zum-islam konvertieren.945.de.html?dram:article_id=132287
[11] انظر: إحصائية عدد المراكز والمساجد في ألمانيا: http://de.statista.com/statistik/dat...n-deutschland/

[12]http://www.welt.de/print/die_welt/hamburg/article138402403/Mehr-Moscheen-als-katholische-Kirchen.html

[13] http://www.welt.de/vermischtes/artic...baut-wird.html

[14] https://www.wissenschaft.de/rubriken...rten/moscheen/
[15] https://www.bz-berlin.de/berlin/char...-gebetsraeumen

[16] مفردات ألفاظ القرآن، للأصفهاني، كتاب الطاء.

[17]https://www.welt.de/politik/article2118063/Westen-verhaelt-sich-unsensibelgegenueber-Islam.html

[18]https://www.helmut-schmidt.de/fileadmin/Aktuelles/Aktuelles_Presse/2018_10_26_Schmidt_Sadat_Vortrag_Prof._Karl-Josef_Kuschel_Hamburg.pdf

[19] https://www.lto.de/recht/hintergruen...ole-zulaessig/
[20]http://www.zeit.de/politik/deutschland/2015-01/angela-merkel-islam deutschland-wulff
[21]https://www.deutschlandfunkkultur.de/schleswig-holstein-am-aeussersten-ende-des-weltmeeres.1001.de.html?dram:article_id=296661

[22]https://www.tagesspiegel.de/politik/muslimische-einwanderung-der-islam-ist-fast-sieben-prozent-von-deutschland/27144646.html

[23] https://www.kt-bank.de/ueber-uns/news-aktuelles/

[24] https://www.dw.com/de/eine-bank-ohne-zinsen/a-16380319






إبراهيم الراوي
م ق الألوكة

عطر الجنة 07-28-2022 04:53 PM

رد: ظاهرة انتشار الإسلام في ألمانيا
 
نفع الله بك يالحبيبة
ونفعنا بما قدمت
جزاك الله خيرا


الساعة الآن 08:41 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.1 TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
يرحل الجميع ويبقي شعاع بيت العلم والحب(ملك الكلمة)