منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد

منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد (https://hwazen.com/vb/index.php)
-   شعاع القران الكريم وعلومه (https://hwazen.com/vb/f28.html)
-   -   هل تعلم هذا عن سورة الفاتحة (https://hwazen.com/vb/t2633.html)

منار الحمصية 12-30-2013 09:08 AM

هل تعلم هذا عن سورة الفاتحة
 
{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

(1) الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} [الفاتحة:1- 7].

الأدب في التعامل مع الله:


البدء باسم الله هو الأدب الذي أوحى الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في أول ما نزل من القرآن باتفاق، وهو قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق:1]، وهو الذي يتفق مع قاعدة التصور الإسلامي الكبرى من أن الله {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ }[الحديد:3]، فهو سبحانه الموجود الحق الذي يستمد منه كلُّ موجود وجودَه، ويبدأ منه كل مبدوء بدأه، فباسمه إذن يكون كل ابتداء، وباسمه إذن تكون كل حركة وكل اتجاه.

الحمد من فيوضات النعم الإلهية:


الحمد لله هو الشعور الذي يفيض به قلب المؤمن بمجرد ذكره لله، فإن وجوده ابتداء ليس إلا فيضًا من فيوضات النعمة الإلهية التي تستجيش الحمد والثناء، وفي كل لمحة، وفي كل لحظة، وفي كل خطوة تتوالى آلاء الله وتتواكب وتتجمع، وتغمر خلائقه كلها، وبخاصة هذا الإنسان، ومن ثم كان {الْحَمْدُ للهِ} ابتداء، وكان {الْحَمْدُ للهِ} ختامًا؛ قاعدة من قواعد التصور الإسلامي المباشر.

مفرق الطريق بين النظام والفوضى في العقيدة :


الربوبية المطلقة الشاملة هي إحدى كليات العقيدة الإسلامية، وهي مفرق الطريق بين وضوح التوحيد الكامل الشامل، والغبش الذي ينشأ من عدم وضوح هذه الحقيقة بصورتها القاطعة، فإطلاق الربوبية في هذه السورة؛ {رَبِّ الْعَالَمِينَ}، وشمول هذه الربوبية للعالمين جميعًا، هي مفرق الطريق بين النظام والفوضى في العقيدة، لتتجه العوالم كلها إلى رب واحد، تقر له بالسيادة المطلقة، وتنفض عن كاهلها زحمة الأرباب المتفرقة، وعنت الحيرة كذلك بين شتى الأرباب، ثم ليطمئن ضمير هذه العوالم إلى رعاية الله الدائمة وربوبيته القائمة، وإلى أن هذه الرعاية لا تنقطع أبدًا ولا تفتر ولا تغيب.

الاعتقاد بيوم الدين يحصن المرء من العبودية للنزوات والرغائب:


والاعتقاد بيوم الدين كلية من كليات العقيدة الإسلامية، ذات قيمة في تعليق أنظار البشر وقلوبهم بعالم آخر بعد عالم الأرض؛ فلا تستبد بهم ضرورات الأرض، وعندئذ يملكون الاستعلاء على هذه الضرورات، ولا يستبد بهم القلق على تحقيق جزاء سعيهم في عمرهم القصير المحدود، وفي مجال الأرض المحصور.


إن هذه الكلية {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، تعد مفرق الطريق بين العبودية للنزوات والرغائب، والطلاقة الإنسانية اللائقة ببني الإنسان، بين الخضوع لتصورات الأرض وقيمها وموازينها؛ والتعلق بالقيم الربانية، والاستعلاء على منطق الجاهلية، مفرق الطريق بين الإنسانية في حقيقتها العليا التي أرادها الله لعباده؛ والصور المشوهة المنحرفة التي لم يقدر لها الكمال.

استقامة الحياة على منهج الله:


وما تستقيم الحياة البشرية على منهج الله الرفيع ما لم تتحقق هذه الكلية في تصور البشر، وما لم تطمئن قلوبهم إلى أن جزاءهم على الأرض ليس هو نصيبهم الأخير، وما لم يثق الفرد المحدود العمر بأن له حياة أخرى تستحق أن يجاهد لها، وأن يضحي لنصرة الحق والخير معتمدًا على العوض الذي يلقاه فيها.

تخليص الضمير البشري من استذلال النظم والأوضاع والأشخاص:


{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، مفرق طريق بين التحرر المطلق من كل عبودية، وبين العبودية المطلقة للعبيد، التحرر البشري الكامل الشامل، التحرر من عبودية الأوهام، والتحرر من عبودية النظم، والتحرر من عبودية الأوضاع، إذا كان الله وحده هو الذي يُعبد، والله وحده هو الذي يُستعان، فقد تخلص الضمير البشري من استذلال النظم والأوضاع والأشخاص، كما تخلص من استذلال الأساطير والأوهام والخرافات(1).

الأدب مع الله:


وأما تقديم المعبود والمستعان على الفعلين، ففيه: أدبهم مع الله بتقديم اسمه على فعلهم، وفيه الاهتمام وشدة العناية به، وفيه الإيذان بالاختصاص، المسمى بالحصر، فهو في قوة: لا نعبد إلا إياك، ولا نستعين إلا بك، والحاكم في ذلك ذوق العربية والفقه فيها(2).

لا بد في العبادة من إخلاص ومن استعانة ومن اتباع للشريعة:


لجوء الإنسان إلى الله عز وجل بعد استعانته به على العبادة أن يهديه الصراط المستقيم؛ لأنه لا بد في العبادة من إخلاص؛ يدل عليه قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}؛ ومن استعانة يتقوى بها على العبادة؛ يدل عليه قوله تعالى: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}؛ ومن اتباع للشريعة؛ يدل عليه قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}؛ لأن {الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} هو الشريعة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم(3).

حصن من شياطين الإنس والجن:

ولا نجاة اليوم من همزات شياطين الإنس وطواغيتهم إلا بتحقيق {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، بجميع معانيها ومبانيها, لاسيما في هذا العصر؛ عصر التهريج والتلبيس والمغالطات التي تحملها أمواج الأثير في الإذاعات، وتبثها دور الطبع والنشر من كل حدب وصوب, ممن غايتهم العلو في الأرض واللعب بمقدرات الشعوب تحت ستار الأوهام والأباطيل, إذ مهمة الطاغوت في كل زمان ومكان الجناية على عقولهم حتى يسخرهم لأغراضه.

عبودية الله تقضي على الضعف النفسي:

فلا يكون معها مكان للهلع والخور؛ لأنها ناشئة عن قوة عقيدة وإيمان، وكمال ثقة، وإيقان فيما عند رب العالمين، فتجد العابد الحقيقي يثق بما عند الله أكثر من ثقته فيما بين يديه, ويعرف أن الأمر كله لله, وأن تصريف الكائنات كلها بيديه, فيزداد نشاطه على الأخذ بالأسباب التي رتب الله عليها مسبباتها بمقتضى حكمته, والإقدام في سبيل الله لتطهير الأرض من الظلم والفساد, موقنًا أن النصر حليفه إذا مشى في ذات الله وفي نصرة دينه, نصحًا له وصدقًا معه وإخلاصًا.

بعبودية الله يتمايز قلب المؤمن:


بالثبات على الحق حيثما كان, والدأب في نصرته بهمة عالية وعزم قوي, لا يثنيه عنه كثرة خصومه مهما تكالبت عليه قوى الشر, إذ لا يعتبرها في جنب الله إلا كالفراش مقتديًا بعباد الله الصالحين, كموسى مع فرعون وملئه, وإبراهيم مع النمرود وأشراره, ومحمد صلى الله عليه وسلم مع صناديد قريش.

تحقيق عبودية الله وفق شرعه هو القيم على الروحانية في العالم:


وبدونها تنبعث الأزمات النفسية, ويستحكم طغيان المادية, فتسخر الناس لأغراضها بأي نحلة ينتحلها طغاتها, وتنتشر الفوضى الجنسية بسبب انحلال الأخلاق لضياع الإيمان بالله، والحرمان من عصمة عبوديته, حتى تصبح العفة النفسية شذوذًا جنسيًا, كما هي الآن في بعض الأقطار, ويكون الربا الماحق روحًا للمعاملات، وشرايين لحياة أولئك الذين فقدوا عبودية الله حتى ينزلقوا إلى الجحيم الحمراء, فالمادية القائمة على نوازع الأثرة وقوانين المنفعة، وانتهاز اللذائذ واشترائها بأي ثمن, لا ينقذ الناس من جحيمها المستعرة بكل لون إلا تحقيق {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}؛ لأنها تعمر القلوب وتشغلها عن أن يغزوها شيء من الثقافات والمبادئ المادية, وتطهرها بالعقيدة الصحيحة التي توجب عليها العدل والرحمة والإحسان, من إطعام المحروم وتشغيل العاطل وتسخير جميع القوى والإمكانيات, وعدم الاعتراف بمال حرام أو كسب, ولا تجيز معاوضة الجهد الشاق بأجر بخس, ولا مكافأة العمل التافه بأجر كبير, ولا تبيح التعطل والتسول والفوضى والاتكال على الغير في القوى والإنتاج, وتعد الدولة مسئولة عن جميع ذلك, ولا تبيح لأحد ممالأة الظالم فضلًا عن موالاته وحبه, وامتداحه وإسباغ صيغة حسنة على ظلمه, شأن أهل هذا الزمان الذين أضاعوا عبودية الله, فكانوا عبيدًا لشياطين الجن وطواغيت الإنس, ومولعين بكل نقيصة ورذيلة.


عبودية الله الحقة أساس النهضات الصالحة:


لأن حياة أصحابها تكون إشعاعًا من القرآن يتحقق منها جميع أساليب الحرية والعدالة، والقوة المادية والمعنوية، ونفاذ البصيرة وانطلاق التفكير، والاستعانة بالشورى، وإيجاد التعاون الذي يثبت عرى الروابط الأخوية، ويزيل الفوارق الطبيعية: فوارق اللون والبلد والعصبية، التي تفاقم شرها في هذا الزمان، ولها الأثر السيئ في كل زمان ومكان، الذي لا يزيله إلا تحقيق عبودية الرحمن.

عبودية الله تصحح ضمير العابد، وتطهر قلبه:


وتجعله سليمًا مستقيمًا؛ ليس في قلبه سوى محبة الله ورسوله، ومحبة من يحبهما، وبغض من يبغضهما، كائنًا من كان, فلا تميل به العاطفة عن تلك القاعدة الحنيفية أبدًا، أما من لم يحقق عبودية الله فلا بد أن يصاب بأزمة الضمير، وتذهب نفسه حسرات على من تعلق به من أشخاص ومبادئ؛ كما هي الحال المشاهدة في أهل هذا الزمان.

عبودية الله ترتفع بصاحبها عن الضعف النفسي:


المؤدي إلى سقوط الضمائر، والتفاف الطباع حول المرائع الخصبة, والتذلل والملق للجبابرة والطواغيت؛ لأن هذا من الشرك الذي نصه الله بقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ} [البقرة:165]، وبقدر ما تنقص عبودية الله أو تتضاءل يتفشى الضعف النفسي ويبدو سقوط الضمائر بأبشع صورة.

التجرد عن السطحية:


من حصر الاستعانة بالله تعالى ينبعث التجرد عن السطحية، ويتولد الفهم العميق لدور المسلم في هذه الحياة على أنه خليفة الله في أرضه, وأن الله سبحانه هيأه لهذه الخلافة والقيام بها, فعليه أن يخلف كما أمره الله, وأن يقوم بهذه المهمة دون تقصير أو تخاذل.

في الاستعانة بالله قوة معنوية:


في حصر الاستعانة بالله قوة معنوية تكسب العابد لله رباطة جأش، وعظيم صراحة، وجرأة فلا يداهن، ولا يتصنع للناس في أي حال من الأحوال, بل يصدع بعقيدته ويجهر بدينه بحدود ما فرض الله دون الخروج إلى حد التهور, أو يخرجه من المقابلة بالحكمة إلى نقمة الهجوم، ومرارة التحدي الذي يحل به الفساد بدل الإصلاح.

الاستقامة على مكارم الأخلاق:


إن العابد لله تحصل له الاستقامة على مكارم الأخلاق؛ وكلما ازداد توكله على الله واستعانته به قويت شهامته وعزة نفسه، فلا تزلزلها الأحداث, ولا تصرفها كثرة المال عما تدرعت به من الحق؛ كما أن الضراعة إلى الله بـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} مؤذنة بحب الله,

والتعلق به, والرغبة إليه, وحسن الظن به.


إن كمال العبودية تابع لكمال المحبة, وكمال المحبة تابع لكمال المحبوب, والله عز وجل له الكمال المطلق من كل وجه.

البراءة مما سوى الله:


بحصر العبودية والاستعانة بالله براءة مما سوى الله, مهما كان هذا الشيء ومهما كانت هذه القوة، كما أن فيها إعلان العزيمة الصادقة بالإقبال على الله، وجعل أوقاته كلها في طاعته, وتكريسها في العمل المثمر الجاد الذي يعود على العبد ومجتمعه بالنفع العميم.

النجاة من اليأس والقنوط:


في حصر العبودية والاستعانة بالله نجاة من اليأس والقنوط، وتحصيل أضدادها التي هي خير وهداية، والتي هي قوة الثقة واليقين بالله, فتحصل للمسلم صفات الفتوة المحمدية المطلوبة منه شرعًا وعقلًا.

الإقدام على كل عمل مُرْضٍ لله بنشاط:


في حصر استعانة العبد بربه تأكيده الإقدام على كل عمل مُرْضٍ لله بنشاط, وأن يقاوم المصاعب والمتاعب في سبيل ذلك, فلا تضعف همته, ولا تلين عريكته؛ لأنه يشعر أن الله معه ينور بصيرته، ويسدد خطاه، ويصوب رميته.

أصول الضراعة الصادقة:


الضراعة الصادقة من المؤمن الصادق بـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} منبثقة من أصلين ينبني عليهما جميع ما قدمناه وما سنذكره أيضًا:
أحدهما: أن الإيمان بالله وتحقيق عبوديته بصدق وإخلاص هو غذاء الإنسان الروحي وقوته وصلاحه وقوامه وفلاحه, وهذا يخالف قول المبطلين: إن العبادة تكليف ومشقة تخالف مقصود القلب ولذته, وما هي إلا مجرد ابتلاء.
ثانيهما: أن تعلق العبد بما سوى الله مضرة عليه إذا زاد على قدر حاجته المعينة له, فإن من نال من الطعام والشراب فوق حاجته ضرّه أو أهلكه, وكذلك من النكاح وغيره حتى الدواء والعسل, ومن أحب شيئًا وتتيم به, فلا بد أن يسأمه أو يفارقه, فالضرر حاصل إن وجد وإن فقد, بل قد يحصل له من الضرر بالفراق أكثر مما حصل له من اللذة قبل ذلك, وكل من أحب شيئًا دون الله لغير الله, فإن مضرته أعظم من نفعه, وعذابه أعظم من نعيمه, بل في الغالب يعاقبه الله به , فالعبد لا ينفع ولا يضر, ولا يعطي ولا يمنع إلا بإذن الله ودفعه وتسخيره, فالأمر كله لله أولًا وآخرًا وظاهرًا وباطنًا.

العبودية الحقة:


تحقيق العبودية يتطلب احتمال الأذى في سبيل الله، والجرأة في الحق, وقوله كلمة الحق دون خوف من ظلم أو رهبة من سلطان, ولذا قال صلى الله عليه وسلم: "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر"، ويستلزم محاسبة النفس بشكل دائم ومستمر, محاسبتها على الأقوال والأفعال والنيات, ليبقى العبد في ذلك كله متفقًا مع وحي الله سبحانه وتعالى, ومحاسبة النفس دليل على الشعور بالرقابة الإلهية, وبلوغ العبد مرتبة الإحسان: "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك"(4).

التحرر من العبودية لغير الله تعالى:


في حصر الضراعة الصادقة بـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} تخليص للنفس من عبادة آلهة شتى, وتحرير لها من رق الهوى والشهوات، وارتفاع بها من الأنانية والانتهازية إلى شرف الصدق والإخلاص, المكون للإنسانية الحقة, وإذا حصر العبد اتجاهه إلى الله في سائر نواحي حياته وجميع أموره فقد خلص نفسه من كل رق وأسر, وكان قلبه خاليًا مما سوى الله ومنشغلًا بحب الله ورسوله وتعظيمهما, فلا يكون لشياطين الجن والإنس عليه سبيل.

عبادة الله ضرورة اجتماعية وفطرة أساسية:


وهو أن عبادة الله ضرورة اجتماعية كما هي فطرة أساسية في الإنسان {فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم:30]، لأنه لابد للإنسان منها، فإن سلك منهجها الصحيح كملت إنسانيته, وقويت شخصيته, وتحرر التحرر الصحيح الذي يرتفع به عن مستوى البهائم, وإن لم يسلك ما رسمه الله لعبادته في سائر نواحي حياته؛ فإن أمره سينعكس مهما حاول خلافه, فإنه إذا لم يحقق عبادة الله ويحصر اتجاهه إليه في كل شيء؛ استعبده الهوى والمادة, واستحوذ عليه شياطين الإنس بشتى أنواع المبادئ والمذاهب المادية والعصبية والنفعية, فتستعبده طواغيت الهوى وشياطين الإنس من اليهود وأذنابهم.

اتزان العبد و ضبط طاقاته:


عبودية الله الحقة تضبط اتزان العبد الصادق, فيكون متزنًا في سائر شئونه, لا يطغيه مال ولا عز ولا منصب؛ لأنه يعتبر المال نعمة من الله, وعارية معارة منه إليه, سيسترجعها منه، وينقلها إلى غيره في وقت مجهول لا يعلمه, فهو إذًا ينتهز الفرصة في حسن التصرف به، واستغلاله استغلالًا صحيحًا, يكسبه المحمدة والخير في الدنيا والدرجات العالية في الآخرة, ولا يطغى فيتجاوز حدود الله فيه, فيتطاول به على الناس, أو يصرفه في شهواته.

لا يصلح العالم إلا بتحقيق عبادة الله:


العابد لله حقًا والضارع إليه ب {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} يعلم أنه لا يصلح نفسه ولا مجتمعه, بل ولا يصلح جميع أوضاع العالم, إلا بتحقيق عبادة الله وإقامة دينه حسبما شرعه, وليس حسب نظريات قلقة من فلسفات اليهود والملاحدة باسم الحرية والديمقراطية أو الاشتراكية .. إلى آخر المصطلحات الجوفاء.

تأثير العبادة على السلوك والمعاملات والأخلاق:


يجب أن تسيطر عبودية الله على العابد الصادق في سائر أنحاء سلوكه في تصرفه بماله, وفي تربيته لعياله, وفي معاملته مع الناس في الشارع, والمتجر, والمصنع, والمؤسسة والدائرة, وفي جميع واقعيات الحياة, من شئونه الاجتماعية, ونظرته السياسية, ومعاملاته الاقتصادية, وسلوكه في الحكم, إن كان حاكمًا, أو منتظمًا في دواوين الحكم، فيراقب الله ويخشاه ويتقيه في كل من ذلك.
لا تقوم أي دعوة إصلاحية, ولا ينجح أي مجهود لتقويم الأخلاق, وتطهير المجتمع من أنواع الفساد, وتزكية النفوس من الغش والأحقاد, والنفاق والشهوات و الأنانية؛ إلا بتحقيق عبودية الله على أساس تصحيح العقيدة، والاستقامة على الإخلاص لله والصدق معه, حبًا له وطمعًا في ثوابه, وشوقًا إلى لقائه, والأنس بقربه ورضوانه, وخوفًا من غضبه وعقابه, وطرده من رحمته, وحرمانه من رؤيته, فيخضع لسلطانه بتدبر وحيه من كتاب وسنة والقيام بنتفيذهما, وتقرير القيم, ووضع موازين النظم على أساسهما, وجعل سلطته خاضعة لهما, مسيرة في فرضهما وتنفيذهما على المجتمع.

الاستعانة الصادقة تحي الأمل في النفس:


الاستعانة الصادقة بالله تحيي الأمل في الإرادة الضعيفة الباردة أو المخدرة المسلولة, وينهض عزيمة العبد الراقدة أو المتبرة, فتجعله يستأنف سيره إلى الله, ويسترجع قواه حسيًا ومعنويًا, وتزيل عنه الكنود القديم الذي يعوقه عن ذلك, ويجعله ينال منزلته الحقيقية في الدنيا وفي الآخرة, ذلك أن المستعين بالله محب له, واثق به, معتمد عليه, ناصب وجهه إليه, ملتزم لحكمه, ساعٍ فيما يرضيه, فيكون متسلحًا بالأسلحة الروحية مع الأسلحة المادية فلا يغلبه غالب, وقد جربت الدنيا ذلك على أيدي الصحابة الكرام.

الاستعانة الصادقة تجدد الحياة:


الضراعة الصادقة المتكررة من عبد الله بـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} حياة متجددة من المقبل عليه, وعودة ونقلة حاسمة من الغافل عنه, تتغير بها معالم النفس المتغذية بوحي الله, كما تتغير الأرض الموات بالمقادير الكافية من الماء والمخصبات, إنه بالتكرار لهذه الضراعة يصقل قلبه بتكرير مناجاة محبوبه الأعظم, وتتحرك جوارحه لتصديق ما في قلبه بتكرير مناجاة محبوبه الأعظم, وتتحرك جوارحه لتصديق ما في قلبه من الحب والإخلاص لله, فتنفجر طاقاته في حمل رسالة ربه والجهاد في سبيله, ويتوقد ذكاؤه, وتتبارك جهوده ومساعيه ببركة قربه من ربه وعمله لوجهه الكريم؛ لأن الضارع الصادق بهذه الآية تنحصر تحركاته من أقوال وأعمال لله وفق شرعه, لا يشوبها شائبة من نزغات الهوى والشيطان, فيحظى بهذه الثمرة باطنًا وظاهرًا.

الاستعانة الصادقة تشد العزيمة وتقويها:


تكرار الضراعة الصادقة مع الله بـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} يجعل المؤمن صلب العود, عظيم المراس, لا يميل مع كل ريح, ولا يضعف أو يلين أمام أي قوة, ولا ينحني مع أي خلة ولا يندهش أمام أي مفاجأة, أو يحزن عند أي مصيبة؛ لتوجهه إلى الله بكليته, واعتماده عليه في كل نائبة, واحتسابه العوض منه عن كل شيء, فحبيبه الأوحد هو الله, وهو ذخيرته وملجؤه, وهو هدفه وغايته, وبذلك تكون شجاعته كاملة, وبطولته خالدة, وأخلاقه فاضلة, وصبره معينًا لا ينفذ, بخلاف ماعداه من أهل الهوايات المادية, والغوايات النفسية, فإنهم وإن كان في بعضهم شجاعة وصبر، واستخفاف بالنوائب, فإنهم لابد أن تنال منهم الأحداث مأربها ويلويهم خصمهم على ما يريد في أدنى ما يصابون به من كوارث.

الاستعانة الصادقة ملاذ في الأزمات والصعاب:


بصدق الضراعة إلى الله بـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} يحصل الانتعاش النفسي في هزيمة الأعداء, والتغلب على الأزمات والصعاب, والاستطالة على العوائق, والانتصار في أغلب المعارك, للاستهانة بما يلاقيه الصادق الضارع بها من الشدائد والأهوال والمتاعب, لارتفاع قوته المعنوية وصفاء روحه, لما تضمنت من الروافد الروحية العظيمة.

الترابط بين المسلمين:

تعليم الله للمؤمنين هذه الضراعة {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} بصيغة الجمع, وكون الفرد منهم ملزمًا بهذه الصيغة, فيه إعلام من الله مؤكد بالتذكير بأن هذا الدين الإسلامي الحنيف هو الرابطة الوحيدة بين المسلمين؛ على اختلاف أجناسهم ولغاتهم، وتباعد أقطارهم وبلادهم (5).

روح العبادة تشرب القلوب خشية الله وهيبته:


الفاتحة بجملتها تنفخ روح العبادة في المتدبر لها، وروح العبادة هي إشراب القلوب خشية الله وهيبته، والرجاء لفضله لا الأعمال المعروفة من فعل وكف، وحركات اللسان والأعضاء، فقد ذكرت العبادة في الفاتحة قبل ذكر الصلاة وأحكامها، والصيام وأيامه، وكانت هذه الروح في المسلمين قبل أن يكلفوا بهذه الأعمال البدنية، وقبل نزول أحكامها التي فصلت في القرآن تفصيلًا ما، وإنما الحركات والأعمال مما يتوسل به إلى حقيقة العبادة، ومخ العبادة الفكر والعبرة، وأما الأخبار والقصص ففي قوله تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} تصريح بأن هنالك قومًا تقدموا، وقد شرع الله شرائع لهدايتهم، فبيّن أن القصص إنما هو للعظة والاعتبار(6).

أسباب الخروج عن الصراط المستقيم:


إما الجهل أو العناد؛ والذين سببُ خروجهم العناد هم المغضوب عليهم، وعلى رأسهم اليهود؛ والآخرون الذين سبب خروجهم الجهل كل من لا يعلم الحق، وعلى رأسهم النصارى؛ وهذا بالنسبة لحالهم قبل البعثة، أعني النصارى؛ أما بعد البعثة فقد علموا الحق وخالفوه؛ فصاروا هم واليهود سواءً، كلهم {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}.

تقديم الأشد فالأشد:


إن الله تعالى قدم المغضوب عليهم على الضالين؛ لأنهم أشد مخالفة للحق من الضالين؛ فإن المخالف عن علم يصعب رجوعه، بخلاف المخالف عن جهل(7).


ـــــــــــــــــــــ

(1) في ظلال القرآن، (1/21- 25)، بتصرف.
(2) مدارج السالكين، (1/98).
(3) تفسير العثيمين، (1/16).
(4) متفق عليه: أخرجه البخاري، (50), ومسلم، (9) من حديث أبي هريرة.
(5) صفوة الآثار والمفاهيم، (1/64- 181)، بتصرف كثير.
(6) محاسن التأويل، (1/238 - 239).
(7) تفسير العثيمين، (1/20).

إسمهان الجادوي 12-30-2013 01:07 PM

http://im39.gulfup.com/vd7kg.gif

منار الحمصية 12-30-2013 01:11 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إسمهان (المشاركة 16424)

شكرا لكِfgyr

هوازن الشريف 12-30-2013 05:03 PM

ماشاء الله تبارك الله

مميز جدا طرحك

نفع الله بك

منار الحمصية 01-01-2014 03:57 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هوازن الشريف (المشاركة 16452)
ماشاء الله تبارك الله

مميز جدا طرحك

نفع الله بك


نورتي الموضوع


الساعة الآن 01:35 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.1 TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
يرحل الجميع ويبقي شعاع بيت العلم والحب(ملك الكلمة)