منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد

هتك أسرار البيوت جريمة مجتمعية

هتك أسرار الحياة الزوجية هو قاصمة الظهر لاستمرار تلك الحياة، ذلك لأنه يجعل الزوجين أحدهما أو كليهما في حرج وخجل شديدين من مواجهة المجتمع من حولهما، لم لا وقد هتكت أسرار حياتهما الزوجية؟ وأصبح هذا وهذه، وهم وهن يتحدثون عن هذا البيت وعما يدور فيه، وعن مشاكله التي لا تنتهي، ولا يجد المصلحون لها حلولاً، وإن وجدت لا يجدون لها آذانا صاغية.

والبيت المسلم يقوم أساسه ومعاملاته خاصة بين الزوجين على الستر والصون، وحفظ الأسرار بينهما، فلا يطلع عليها أحد، قريب أو بعيد، حتى الأبناء، وهذا أدعى الى نجاح هذا البيت والى تحقيق السكن والمودة والرحمة التي هي أركان الحياة الزوجية، فلا بد من سر قائم بين الزوجين في أمور ما، هذا السر يعد بمثابة العهد بينهما، لا يجوز نقضه، بل يجب الوفاء به، لأن هذا من شيم المؤمنين الذين خاطبهم الله تعالى في صيغة الأمر قائلاً: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم}(النحل -91)، وقال سبحانه: {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً}(الأسراء - 34)، والذي ينقض هذا العهد ولا يفي به فيه خصلة من النفاق، فقد روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان»، وفي زيادة للإمام مسلم «وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم»، وإن كانت هذه الأدلة تحث على الوفاء بالعهود بشكل عام إلاَّ ان الاسلام شدد على أهمية حفظ قدسية العلاقة الزوجية فقال عنها: {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن}(البقرة -187)، فتخيل أخي الكريم وأختي الكريمة هذا الوصف، وكيف ينسحب على جميع شؤون الحياة الزوجية الخاصة منها والعامة؟ كذلك قال الله تعالى واصفاً هذه العلاقة: {وقد أفضى بعضكم الى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً}(النساء -21)، هذا الافضاء الذي يشمل كل الاسرار الزوجية بما فيها القول والفعل، التلميح والتصريح، فمن العبث أن تفشى هذه الأسرار أو يباح بها خارج جدران غرفة نومهما، وخص النبي (صلى الله عليه وسلم) العلاقة الزوجية بهذا الوفاء حفظاً للأسرار وحماية للأسرة المسلمة من التفكك والانهيار، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «ان من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة، الرجل يفضي الى المرأة وتفضي اليه ثم ينشر سرها».

فضفضة مقيتة

والعجب كل العجب من الذي يهتك سر بيته بإرادته لا رغما عنه فيذهب الى أصدقائه في العمل ليتحدث معهم عما يدور في بيته وعن حواراته مع زوجته، وربما تطرق الحديث الى أخص علاقاته بزوجته، والمرأة كذلك تنتشي بإفشاء هذه الأسرار أمام قريناتها في العمل، وهي تظن أنها تفضفض عن نفسها بما تفعل، ولا تدري ان من بين من تحدثهن التي تحبها فتحفظ سرها ولا تفشيه، والتي تكرهها وتتمنى هدم بيتها وتقويض أركانه، هذا فضلاً عن ان من فعل ذلك، يستحق وصف النبي (صلى الله عليه وسلم) له، فقد روى الامام أحمد في مسنده عن أسماء بنت يزيد - رضي الله عنها- قالت: كنت عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والرجال والنساء قعود عنده فقال: «لعل رجلاً يقول ما يفعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها، فأرم القوم» (عضوا على أضراسهم) فقالت أسماء: أي والله يا رسول الله إنهن يفعلن، وانهم يفعلون، قال: «فلا تفعلوا، فإنما ذلك مثل الشيطان لقي شيطانة في الطريق فغشيها والناس ينظرون»، فهذا أقل ما يوصف به من يهتك أسرار بيته.
وغالباً فإن المشكلات الأسرية التي تحدث هي الاساس في افشاء الاسرار لان الزوجين لايحسنان ادارة المشكلة والوصول الى حلول سريعة لها، فأول ما تحدث المشكلة تعلو الاصوات وتُتَبادل الاتهامات بينهما، ويحكي هذا وتحكي هذه، ويتسع الخرق على الراقع، وان تم التوصل الى حل يكون بعد ان اذيعت الاسرار التي كانت، ولو أن الزوجين اغلقا الباب عليهما وتناقشا بطريقة هادئة بعيدة عن از الشيطان وهمزه ولمزه لتوصلا الى حلول مرضية لكل شقاق.

بيت الزهراء

فهذه زوجة تربت في بيت النبوة تعطينا القدرة في حفظ اسرار بيتها حتى عن أبيها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن سهل بن سعد الساعدي (رضي الله عنه) قال: «جاء النبي (صلى الله عليه وسلم) الى بيت فاطمة رضي الله عنها فلم يجد علياً (رضي الله عنه) فقال «اين ابن عمك؟» فقالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني، فخرج النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال لرجل: «انظر اين هو»؟، فقال: هو في المسجد راقد، فجاء وهو مضطجع وقد سقط رداؤه عن شقه فأصابه تراب، فجعل النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: «قم يا أبا تراب، قم يا أبا تراب»، يقول سهل بن سعد: ما كان لعلي اسم أحب إليه منه.
فكم من الحكم في هذه القصة الرائعة في حسن تصرف الرسول (صلى الله عليه وسلم) في عدم سؤاله عن سبب الغضب حتى لا تتسع دائرة المعرفة بما حدث بين الزوجين، وتباح الأسرار، وفي حسن تصرف الزوجة البتول فاطمة الزهراء في عدم إفشائها أسرار بيتها ولو لأبيها النبي المختار، وفي حسن تصرف الزوج علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) حيث خرج «مؤقتا» من المكان الذي أجج فيه الشيطان نار الخلاف بينه وبين زوجته، فلم يعطه الفرصة كي يزيد من اشتعال تلك النار، فأين ذهب اذن؟ انه لم يذهب الى فلان كي يقص عليه ما حدث، ولم يشتك حتى لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، بل جلس في المسجد لأن المسلم فيه ابعد ما يكون عن وسوسة الشيطان.

قدوة للأبناء

إن الزوجين اذا حفظا اسرار بيتهما يكون ذلك قدوة للأبناء للتخلق بهذا الخلق، فقد روى مسلم في صحيحه عن ثابت عن انس بن مالك - رضي الله عنهما - قال: «أتى علي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأنا ألعب مع الغلمان فسلم علينا، فبعثني في حاجة، فأبطأت على أمي، فلما جئت قالت: ما حبسك؟
فقلت: بعثني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لحاجة، قالت: ما حاجته؟ قلت: إنها سر، قالت: لا تخبرن بسر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أحداً، قال أنس: «والله لو حدثت به أحداً لحدثتك به يا ثابت»، فهذا مثال عظيم للابن الذي يصون الأسرار ولا يفشيها، ومثال رائع للأم التي ساعدت ابنها في حفظ الأسرار، فقد ربته وعلمته ذلك.
إن المرأة العربية نصحت ابنتها في ليلة عرسها قائلة لها: «لا تفشي له سراً، ولا تعصى له أمراً، فإنك ان افشيت سره لم تأمني غدره، وان عصيت أمره أو غرت صدره».
فالمرأة المسلمة تصون سر بيتها وكذا الزوج، فهما يتعاهدان أمام الله على ذلك، والا فان حياتهما مهددة بالفشل والانهيار، جراء افشاء الأسرار.
فكوني كفاطمة الزهراء في حفظ اسرار البيت، وقولي لزوجك: زوجي العزيز، سرك في بئر، وإياك ان يكون هذا البئر سقيا للرائح والغادي!! وأنت كذلك أيها الزوج الكريم.