منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد

منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد (https://hwazen.com/vb/index.php)
-   شعاع العلوم الشرعية (https://hwazen.com/vb/f38.html)
-   -   التفكيـر بالمفقـود (https://hwazen.com/vb/t5841.html)

أم يعقوب 08-29-2014 03:33 AM

التفكيـر بالمفقـود
 



التفكير بالمفقود

المشاهَد أن لغةَ التذمُّر من الزمن، ومِن الواقع المُعاش -سواء على المستوى الفردي أو المجتمعي- ترتفع بشكل مستمر، ساعد على ذلك: مواقع التواصل الاجتماعي؛ التي صارت متَنَفَّساً للتعبير عن الظروف التي يمرّ بها أكثرُ الناس، خاصة ما يتعلق بالأقدار المؤلمة، والأحوال الاقتصادية السيئة.

وبثُّ الشكوى قد يُخفِّف من الألم، على حد قول الشاعر:
ولا بُدّ من شكوى إلى ذي مروءةٍ ** يواسيك أو يسليكَ أو يتوجّعُ

لكن ثمةَ طريقةٌ مجرّبة في التعاطي مع الظروف التي تمرّ بالإنسان، وهي ما يمكن تسميته بـ"التفكير بالمفقود"، وهو أسلوب ناجِع ومجرّب، وقد طبّقه العقلاءُ من المسلمين وغيرهم.


وفي القصة المشهورة عن عروة بن الزبير (ت: 94هـ) ما يوضح المراد بشكل أدقّ؛ فقد ابتُلي عروةُ ـ رحمه الله ـ في وقتٍ واحدٍ بفَقد ولدٍ له، ركَلهَ حصانٌ فمات، وسرى داءُ الآكِلة إلى رجله فقُطعت! فأتته قريشٌ والأنصار يعزونه في ابنِه ورِجله؛ فقال له عيسى بن طلحة بن عبيد الله: أبشر يا أبا عبد الله، قد صنع الله بك خيراً، والله ما بك حاجةٌ إلى المشي. قال: ما أحسن ما صنع اللهُ إلي! وهبَ لي سبعةَ بنين، فمتعني بهم ما شاء، ثم أخذ واحداً وترك ستةً، ووهب لي ست جوارح، فمتعني بهن ما شاء، ثم أخذ واحدة، وأبقى لي خمسةً -يدين ورجلاً وسمعاً وبصراً- ثم قال: اللهم لئن كنتَ أخذتَ لقد أبقيتَ، ولئن كنتَ ابتليتَ لقد عافيتَ(1).


فتأمل في كلمات عروة ـ
رحمه الله ـ إذْ نَسب المفقود إلى الموجود؛ فوجد أنه في خير عظيم، فلئن ذهب ولدٌ فلقد أبقى له ستة، ولئن ذهبت جارحة فلقد أبقى اللهُ له الكثير.

لو أردنا أن نُعبّر عن هذه المصيبة على طريقة المتذمرين؛ لوجدنا أنه سيقارن نفسَه بمن لم يفقد أي جارحة، وبمن لديه أولاد أكثر منه، أو من لم يبتلوا بفَقْد أحدهم! وهذا كله لا يُجدي على صاحبه شيئاً، فلن يُعيد هذا التذمرُ عَجَلة الزمن، ولن يعيد له ولدَه ولا قَدَمَه، مع زيادةٍ في الهمّ والغمّ قد تُذهب الأجر وتَجلب الوزر -إن صحبه تسخط- وربما تبع ذلك مشاعر سلبية -من القلق والاكتئاب- تزيد الطينَ بلّة.


إن هذا الأسلوب في التفكير ـ التفكير بالمفقود ـ يحتاج إليه الأبُ والزوجُ حين يكثر الإلحاحُ من داخل البيت على شراء الكماليات بدافع التقليد والمحاكاة للآخرين، وذلك بذِكر ما عندهم وفقَدَه الآخرون، وليس العكس؛ مستشعراً قوله
http://im54.gulfup.com/8XcrvB.gif وهو يربي أمّتَه على التعامل مع ما يراه أحدنا من تميّز غيرنا علينا في أمر الدنيا: «انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أَجدَر أن لا تزدروا نعمةَ الله عليكم»(2 )وهذا كلُّه ليس تهرباً من النفقة، ولكن لكبح جماح الرغبة في الشراء لمجرد الشراء والتقليد، وليس الحاجة.

وهذا الأسلوب في طريقة التفكير، كما هو مفيد في التعامل مع أقدار الله المؤلمة؛ فهو مفيد أيضاً في باب التذكير والتنبيه على الفضائل، ومن الأمثلة على ذلك: أن أحد الإخوة أراد أن يتحدث عن فضل صلاة الجماعة؛ فقرَّر أن يغير طريقةَ الطرح المعتادة ـ مع أهميتها ـ ولكن هذه المرة بأسلوب "التفكير بالمفقود"، فذكر الفضائلَ المتعلقة بحضور الجماعة، وما الذي يخسره من لم يحضرها؟ ومن جملةِ ما ذَكر:


إذا كان الذي يحضر الجماعةَ يَفضُل صلاةَ الفَذِّ بسبع وعشرين درجة؛ فهذا يعني أن الفذ "يفقد" مائة وخمسة وثلاثين درجة يومياً، وقرابة الألف درجة أسبوعياً!


وإذا كان الذي يحضر الجماعةَ يناله هذا الفضل: «من غدا إلى المسجد، أو راح(
[3]؛ أعدّ اللهُ له في الجنة نُزُلاً(4) كلما غدا أو راح»(5)، فكم نُزُلاً "يفقِد" المتخلفُ عنها يومياً؟(6)

وإذا كان الذي يحضر الجماعة "لم يخط خطوة، إلا رُفعت له بها درجة، وحُط عنه بها خطيئة"(7)؛ فكم سيفوت المتخلف عنها مِن رفعةٍ للدرجات وحطٍ للخطايا؟


وهكذا، يمكن تفعيل هذا النوع من التفكير في نظرتنا لسائر أنماطنا في الحياة، فأنا واثق أن النتائج ستكون ـ بإذن الله ـ أكثر إيجابية، وأعظم نفعاً.


د.عمر بن عبد الله المقبل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ

(
[1]) ينظر: "التعازي" للمدائني (ص: 56).

([2]) رواه مسلم ح(2963).

([3]) أصل غدا: خرج بغدوة، أي مبكرًا.
وراح: رجع بعشي، وقد يستعملان في الخروج مطلقًا توسعًا، وللحديث روايتين يتبين بهما أن المراد بالغدوّ: الذهاب، وبالرواح: الرجوع. انظر: شرح القسطلاني (2/ 33).

([4]) النُّزُل: ما يهيأ للضيف. انظر: كشف المشكل (3/ 402).

([5]) البخاري ح(662)، مسلم ح(669).
النُّزُل: ما يُهيأ للضيف. انظر: كشف المشكل (3/ 402).

([6]) وهذا الفضل فقط لمن غدا أو راح! قال ابن بطال: "فما ظنك بما يُعِدُّ له ويتفضل عليه بالصلاة فى الجماعة واحتساب أجرها والإخلاص فيها لله تعالى!" شرح صحيح البخارى لابن بطال (2/ 285).

([7]
) البخاري ح(647).


عطر الجنة 08-29-2014 06:17 AM

رد: التفكيـر بالمفقـود
 
الله ؛؛؛؛ ما أجمل ما تقدميه

أختي أم يعقوب

موضوع رائع في مضمونه القيم النافع

سلمت يمناكـ


http://www.majaless.com/up/get-8-2008-tixv6ozp.gif

هوازن الشريف 08-29-2014 12:57 PM

رد: التفكيـر بالمفقـود
 
http://im38.gulfup.com/RRvCi.gif

إسمهان الجادوي 08-29-2014 01:26 PM

رد: التفكيـر بالمفقـود
 
تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

ناجية عثمان 08-29-2014 04:33 PM

رد: التفكيـر بالمفقـود
 

http://hwazen.com/vb/mwaextraedit4/extra/30.gif



ويتواصل الإبداع مضيا مؤسسا كوكبا تميل إليه العقول الشغوفة بنور المعارف

كلما رغبت في تذوق فن المقالات تنبهني ذاكرتي إلى ما أبدعت فيه غاليتي

أم يعقوب 08-29-2014 06:27 PM

رد: التفكيـر بالمفقـود
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عطر الجنة (المشاركة 43682)
الله ؛؛؛؛ ما أجمل ما تقدميه

أختي أم يعقوب

موضوع رائع في مضمونه القيم النافع

سلمت يمناكـ


http://www.majaless.com/up/get-8-2008-tixv6ozp.gif


ام بشري 08-29-2014 11:38 PM

رد: التفكيـر بالمفقـود
 
ما وما وما اروع وما اجمل ما تتحفننا به من مقالات
ما عساى اقول بحق مبدعة افتقدناك كتيرا فى رمضان
يارب ماتحرمنا من المبدعة ام يعقوب
http://www.amiraa.com/bsh/uploads/im...b198e6f252.gif

أم يعقوب 09-03-2014 02:53 PM

رد: التفكيـر بالمفقـود
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هوازن الشريف (المشاركة 43690)


أم يعقوب 09-04-2014 02:21 AM

رد: التفكيـر بالمفقـود
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إسمهان (المشاركة 43692)
تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها


أم يعقوب 09-04-2014 06:37 PM

رد: التفكيـر بالمفقـود
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناجية عثمان (المشاركة 43708)

http://hwazen.com/vb/mwaextraedit4/extra/30.gif



ويتواصل الإبداع مضيا مؤسسا كوكبا تميل إليه العقول الشغوفة بنور المعارف

كلما رغبت في تذوق فن المقالات تنبهني ذاكرتي إلى ما أبدعت فيه غاليتي



الساعة الآن 08:47 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.1 TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
يرحل الجميع ويبقي شعاع بيت العلم والحب(ملك الكلمة)