منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد

منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد (https://hwazen.com/vb/index.php)
-   شعاع القران الكريم وعلومه (https://hwazen.com/vb/f28.html)
-   -   تفسير سورة مريم الدرس الثاني (https://hwazen.com/vb/t8518.html)

دلال إبراهيم 05-03-2015 11:15 PM

تفسير سورة مريم الدرس الثاني
 
http://img.qwled.com/i/8e1a157509a97...07ab612765.gif
نكمل على بركة الله تفسير سورة مريم


قالَ رَبِّ أنى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً{8} أي كيف يكون لي غلام ؟ وهو استفهام تعجب وسرور بالأمر العجيب تعجب زكريا في هذه الآية من قدرة الله عز وجل وَكَانتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً أي والحال أن امرأتي كبيرة السن لم تلد في شبابها فكيف وهي الآن عجوز!! {وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكبر عِتِيّاً} أي بلغتُ في الكبر والشيخوخة نهاية العمر قال المفسرون: كان قد بلغ مائةً وعشرين سنة، وامرأتهُ ثمانٍ وتسعين سنة، فأراد أن يطمئنَّ ويعرف الوسيلة التي يرزقه بها هذا الغلام كما حدث في قصة موسى عليه السلام حينما كلَّمه ربه واختاره، وأفرده بهذه الميزة فأغراه الكلام في أنْ يطلب الرؤيا، فقال: {رَبِّ أرني أَنظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف: 143] .وكما حدث في قصة إبراهيم عليه السلام لما قال لربه: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الموتى} [البقرة: 260] وأبو الأنبياء لا يشكّ في قدرة الله تعالى على إحياء الموتى، قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي "ولكنه يريد أنْ يعرف هذه الطريقة العجيبة. فزكريا عليه السلام يريد الولد الذي يَرِثه {رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الوارثين} [الأنبياء: 89].فيأتي الرد: {فاستجبنا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يحيى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} [الأنبياء: 90] ونلاحظ أنه تعالى قبل أن يقول: {وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} [الأنبياء: 90] التي ستنجب هذا الولد، قال: {وَوَهَبْنَا لَهُ يحيى} [الأنبياء: 90] فصلاح الزوجَة ليس شرطاً في تحقُّق هذه البشرى وحدوث هذه الهبة. قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً{9} "قال" أي الملك مجيبا لزكريا عما استعجب منه "كذلك قال ربك هو علي هين" أجاب الله عز وجل زكريا عليه السلام عما تعجب منه ، هكذا الأمر أخلقه من شيخين كبيرين أي إيجاد الولد منك ومن زوجتك هذه لا من غيرها "هين" أي وخلقه وإيجادُه أمر هين سهلٌ يسيرٌ عليَّ ثم ذكر له ما هو أعجب مما سأل عنه فقال " وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً " أي كما خلقتُك من العدم ولم تكُ شيئاً مذكوراً كما في قوله تعالى: " هَلْ أَتَى عَلَى الإنسان حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا" سورة الإنسان

http://mamietitine.unblog.fr/files/2008/11/0ck44a.gif


ما الفرق بين كلمة ولد وغلام واستخدام الفعل يفعل ويخلق في قصتي زكريا ومريم؟(د.فاضل السامرائى)
قال تعالى في سورة مريم (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (9)) وقال في سورة آل عمران (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40)) في تبشير زكريا بيحيى .
وقال تعالى في سورة مريم (قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19)وفي سورة آل عمران (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47)) في تبشير مريم بعيسى.
وإذا سألنا أيهما أيسر أن يفعل أوأن يخلق؟ يكون الجواب أن يفعل ونسأل أحدهم لم تفعل هذا فيقول أنا أفعل ما أشاء لكن لا يقول أنا أخلق ما أشاء. فالفعل أيسر من الخلق .
ثم نسأل سؤالاً آخر أيهما أسهل الإيجاد من أبوين أو الإيجاد من أم بلا أبّ ؟ يكون الجواب بالتأكيد الإيجاد من أبوين وعليه جعل تعالى الفعل الأيسر (يفعل) مع الأمر الأيسر وهو الإيجاد من أبوين، وجعل الفعل الأصعب (يخلق) مع الأمر الأصعب وهو الإيجاد من أم بلا أبّ.
هذا بالنسبة لما يتعلق بفعل يفعل ويخلق أما ما يتعلق باستخدام كلمة ولد أوغلام: إن الله تعالى لمّا بشّر زكريا بيحيى قال تعالى (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) فكان ردّ زكريا (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) لأن البشارة جاءت بيحيى ويحيى غلام فكان الجواب باستخدام كلمة غلام. أما لمّا بشر مريم بعيسى قال تعالى (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) فجاء ردّها (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) في سورة آل عمران لأنه جاء في الآية (كلمة منه) والكلمة أعمّ من الغلام وقد جاء في الآية (ِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ولمّا كان التبشير باستخدام (كلمة منه) جاء الردّ بكلمة ولد لأن الولد يُطلق على الذكر والأنثى وعلى المفرد والجمع وقد ورد في القرآن استخدامها في موضع الجمع (وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (39) الكهف).

http://mamietitine.unblog.fr/files/2008/11/0ck44a.gif




أما في سورة مريم فجاء التبشير في قوله تعالى (قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19)) باستخدام كلمة غلام فجاء ردّ مريم (قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20)) باستخدام نفس الكلمة غلام لأن المَلَك أخبرها أنه يبشرها بغلام. أما مع زكريا وتبشيره بيحيى فقد جاء أيضاً في سورة مريم بنفس الكلمة غلام فكان الرد في الآيتين باستخدام كلمة غلام.
قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً أراد زكريا عليه السلام دلالة وعلامة تدل على حمل زوجته العاقر فأراد بهذا أن تستقر نفسه ويطمئن قلبه وذلك لكونه شيخ كبير وامرأته عاقر فطلب آية من الله لذلك وقيل: طلب آية تدله على أن البشرى بيحيـى منه لا من الشيطان, لأن إبليس أوهمه ذلك . قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً{10} قال علامتك أن تُيدعو اللهَ ويُسَبِّحُهُ ويقرأ التوراة لم يكن الإنجيل ظهر بعد لأن هذا قبل ولادة عيسى عليه السلام فإذا أراد الناس لم يستطع أن يكلمهم اعتُأنه سبع سنين رواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل ثلاث سنين قاله قتادة ومقاتل وقد ورث يحيى أباه زكريا , ونودي ليحمل العبء وينهض بالأمانة في قوة وعزم , لايضعف ولايتهاون ولايتراجع عن تكاليف الوراثة . كما في قول الله جل وعلا : " الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ" سورة البقرة 121


دلال إبراهيم 05-03-2015 11:23 PM

رد: تفسير سورة مريم الدرس الثاني
 
وَحَنَاناً مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وكان تقيا {13}
{مِّن لَّدُنَّا} من عندنا أي أعطيناه رحمة ومحبة وحنانا وبركة وتعظيم من عندنا ليكون داعية ناجحاً إلى الله ويكسب قلوب الناس ولأن يحيى جاء إلى الدنيا حال كِبَر وضعف والديه، وهوكطفل يحتاج مَنْ يشمله بالعطف والحنان، ويُعوِّضه حنان الوالدين، ويحتاج إلى مَنْ يُعلِّمه ويُربِّيه، لذلك تولِّى الحق سبحانه وتعالى هذه المهمة، فهو سبحانه خالقه ومُسمِّيه ومُتولّيه فوهبه حناناً منه سبحانه, لأن طاقة الحنان عند الوالدين قد نضبتْ وَزَكَاةً طهارة من الآفات والذنوب، فطهر قلبه من دنس الذنوب والمعاصي وزكى عقله، وكان مؤمنا تقياً خائفًا مطيعًا لله تعالى, مؤديًا فرائضه, مجتنبًا محارمه ولم يكن عصياً يأتمر بأوامر الله عز وجل وينتهي عن ما نهى عنه وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّاراً عَصِيّاً{14} فرغم أن يحيى عليه السلام جاء أبويْه في حال كِبَرهما وضعفهما، ولم يجد منهما الحنان الكافي والتربية المناسبة، ولم يشعر معهما بالأُبوة الكاملة، كان عليه السلام باراً بوالديه لم يكن عاقا، ولا مسيئا إلى أبويه، بل كان محسنا إليهما بالقول والفعل. لم يكن متجبرا متكبرا عن عبادة الله، ولا مترفعا على عباد الله، ولا على والديه، بل كان متواضعا، متذللا، مطيعا، أوابا لله على الدوام، فجمع بين القيام بحق الله، وحق خلقه، ولهذا حصلت له السلامة من الله، في جميع أحواله، وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً{15}أي أن الله جعل له السلامة والأمان في مواطن ثلاثة تُعَدُّ أعلام حياة للإنسان: الميلاد، والموت، والبعث. وقد خَصَّه الله بالسلام يوم مولده,لأنه وُلِد على غير العادة في الميلاد فأُمّه عاقر أسنتْ، ومع ذلك لم تتعرض لألسنة الناس ولم يعترض أحد على ولادتها، وهي على هذا الوصف، فلم يتجرأ أحد عليها, لأن ما حدث لها كان آيةً من آيات الله وقد بشّر الله بها زكريا لتكون البُشْرى إعداداً ومقدمة لهذا الحدث العجيب, وخَصَّه بالسلام يوم يموت لأنه سيموت شهيداً، والشهادة غير الموت، الشهادة تعطيه حياة موصولةً بالحياة الأبدية الخالدة. وكذلك خَصَّه بالسلام يوم القيامة يوم يُبعث حيّاً ،تنبيه على كونه من الشهداء لقوله ( بل أحياء عند ربهم يرزقون ) سورة آل عمران 169، قال أبو عبد الله الرازي : ( يوم ولد ) أي أمان عليه من أن يناله الشيطان ( ويوم يموت ) أي أمان من عذاب القبر ( ويوم يبعث حياً ) من عذاب الله يوم القيامة . وهذا السلام يحتمل أن يكون من الله وأن يكون من الملائكة . والأظهر أنه من الله لأنه في سياق ( وآتيناه الحكم ) .وَقَالَ سفيان بْن عُيَيْنَة أَوْحَش مَا يَكُون الْمَرْء فِي ثَلَاثَة مَوَاطِن : يَوْم يُولَد فَيَرَى نَفْسه خَارِجًا مِمَّا كَان فِيهِ وَيَوْم يَمُوت فَيَرَى قَوْمًا لَمْ يَكُنْ عَايَنَهُمْ وَيَوْم يُبْعَث فَيَرَى نَفْسه فِي مَحْشَر عَظِيم .وهنا أكرم الله يحيي عليه السلام فيها جميعاً وخصه بالسلام والأمان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من أحد يلقى الله يوم القيامة إلا ذا ذنب إلا يحيى بن زكريا" عن سعيد بن المسيب حدثني ابن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال " كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب إلا ما كان من يحيى بن زكريا" .قال الحسن البصري التقى يحيى وعيسى فقال يحيى لعيسى انت خير مني فقال عيسى ليحيى بل أنت خير مني سلم الله عليك وانا سلمت على نفسي أوقال اثنى الله عليك وأنا أثنيت على نفسي.

http://mamietitine.unblog.fr/files/2008/11/0ck44a.gif


ثم لما ذكر تعالى قصة زكريا عليه السلام وأنه أوجد منه في حال كبره وعقم زوجته ولدا زكيا طاهرا مباركا ، وكانت من الآيات العجيبة، انتقل منها إلى ما هو أعجب منها، تدريجا من الأدنى إلى الأعلى عطف بذكر قصة مريم في إيجاده ولدها عيسى عليه السلام منها من غير أب فإن بين القصتين مناسبة ومشابهة ولهذا ذكرهما في آل عمران وههنا وفي سورة الأنبياء يقرن بين القصتين لتقارب ما بينهما في المعنى ليدل عباده على قدرته وعظمة سلطانه وأنه على ما يشاء قادر وقصة مريم في واقع الأمر كانت قبل قصة زكريا ويحيى، لأن طلب زكريا للولد جاء نتيجة لما سمعه من مريم حين سألها عن طعام عندها لم يأْتِ به، وهو كافلها ومُتولّي أمرها، فتعجب أنْ يرى عندها رِزْقاً لم يحمله إليها، وهي مقيمة على عبادتها في محرابها، فقال لها: {يامريم أنى لَكِ هذا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ الله إِنَّ الله يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 37] فقال وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتبذت مِنْ أَهْلِهَا مكانا شَرْقِيًّا " يخاطب الله عز وجل نبينا محمد r بقوله واذكر أي واذكر يا نبينا في الكتاب أي القرآن الكريم الذي أنزلناه إليك لقومك قصة مريم , وهي مريم بنت عمران من سلاله داوود بن سليمان عليهما السلام وكانت من بيت طاهر طيب في بني إسرائيل ، وذكر مريم عليها السلام في القرآن دلالة على عظيم شأنها وعلو منزلتها وشرفها وفضلها "فقد جاء في حديث أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون وأن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام " صحيح البخاري ،

http://mamietitine.unblog.fr/files/2008/11/0ck44a.gif

وقال صلى الله عليه وسلم: " خير نساء العالمين مريم ابنة عمران " .وقد ذكر الله تعالى قصة ولادة أمها لها في سورة آل عمران وأنها نذرتها محررة أي تخدم مسجد بيت المقدس وكانوا يتقربون بذلك "فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا" ونشأت في بني إسرائيل نشأة عظيمة فكانت إحدى العابدات الناسكات المشهورات بالعبادة العظيمة والتبتل الدءوب وكفلها الله تبارك وتعالى زكريا زوج أختها فكان كفيلها وراعيها ومربيها أي أن يحي عليه السلام وعيسى عليه السلام ابنا الخالة وكان زكريا نبي بني إسرائيل إذ ذاك وعظيمهم الذي يرجعون إليه في دينهم ولقد عاشت السيدة مريم في بيت المقدس تحت رعاية الأنبياء وعباد الله الصالحين.فنشأت نشأة إيمانية.ورأى لها زكريا من الكرامات الهائلة ما بهره "كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب" فذكر أنه كان يجد عندها ثمر الشتاء في الصيف وثمر الصيف في الشتاء .
فلما أراد الله تعالى _وله الحكمة والحجة البالغة_ أن يوجد منها عبده ورسوله عيسى عليه السلام أحد الرسل أولي العزم الخمسة العظام " انتبذت مِنْ أَهْلِهَا مكانا شَرْقِيًّا " انتبذت :هنا بمعني ابتعدت بمسافة تقدر بمقدار نبذ الحجر الذي يحذف قال ابن عباس ( انتبذت ) انفردت لتطهر من الحيض وتمتشط وقيل لتعبد الله أي اعتزلتهم وتنحت عنهم وانفردت وذهبت إلى شرقي المسجد المقدس فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا أي غابت عن الأنظار واستترت منهم وتوارت عنهم بحجاب اتخذته لها وقيل : قعدت في مشرقة للاغتسال من الحيض محتجبة بحائط أي شيء يسترها ،قال السدي لحيض أصابها وقيل لغير ذلك وقيل أنها لشدة عفتها وحشمتها اتخذت لها حجابا حتى لا يراها احد . " فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا فبينا هي في مغتسلها فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا أي أرسل الله سبحانه وتعالي جبريل عليه السلام فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا [مريم: 17] أي: أتاها الملَك شاب من جنسها في صورة آدمي صورة بشرية لتأنس به، ولا تفزع إنْ رأتْه على صورته الملائكية ،{سَوِيّاً} [مريم: 17] .أي: سويّ الخِلْقة والتكوين، وسيماً، أمرد وضيء الوجه حسن الصورة جعد الشعرلم ينتقص من الصورة الآدمية شيئاً .

وذكر جبريل عليه السلام بالروح كما في قوله سبحانه " نَزَلَ بِهِ الرُّوح الْأَمِين عَلَى قَلْبك لِتَكُونَ مِنْ الْمُنْذِرِينَ " سورة الشعراء 193 " قَالَتْ إني أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إن كُنْتَ تَقِيًّا" هنا استعاذت السيدة مريم بالله من هذا البشر ومن شره أي لما تبدى لها الملك في صورة بشر وهي في مكان منفرد وبينها وبين قومها حجاب خافته وظنت أنه يريدها على نفسها فقالت "إني أعوذ بالرحمن منك ألتجئ به وأعتصم برحمته، أن تنالني بسوء إن كنت تقيا" تذكيرا له بالله إن كنت تخاف الله، وتعمل بتقواه، فاترك التعرض لي، فجمعت بين الاعتصام بربها، وبين تخويفه وترهيبه، وأمره بلزوم التقوى، ذكرته بتقوى الله لأنها تعلم أن التقوى تبعد عن الحرام وهي تريد منه بذلك أن يخرج ويتركها ويقال إنها لما ذكرت الرحمن انتفض جبريل فرقا وعاد إلى هيئته . " وحكي عن ابن عباس أنه كان في زمانها رجل اسمه تقي وكان فاجرا فظنته إياه.
نستفيد من هذه الآية أن على المؤمن الاستعاذة من شركل ما يخافه ويهابه بالله سبحانه وتعالى فقد قال تعالى { إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ الأعراف (201) قَالَ إنمَا أنا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا" أي فقال لها الملك مجيبا لها ومزيلا لما حصل عندها من الخوف على نفسها لست مما تظنين ولكني رسول ربك ، بعثني الله إليك لِيَهَبَ لك غلاما زكيا" طاهرا غير مدنس المولد , ولا مدنس السيرة , ليطمئن بالها هكذا قرأ أبو عمرو بن العلاء أحد مشهوري القراء وقرأ الآخرون "لأهب لك غلاما زكيا" وكلا القراءتين له وجه حسن ومعنى صحيح. لأهب: لأكون سبباً في هبة الغلام بالنفخ في الروع ، المقصود الله ، ولكن جبريل هو من سيكون السبب وهو من جاء بالروح إلى السيدة مريم عليها السلام .

" قَالَتْ أنى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا"
هنا استغربت وتعجبت السيدة مريم من كلام جبريل عليه السلام وقالت كيف يكون لي ولد وأنا لم يمسسني بشر لا بالحلال ولا بالحرام، المسّ هنا كناية وتعبير مُهذَّب عن النكاح، لم أكن ذات زوج ولم أكن بغيا أي زانية , كيف يكون هذا الغلام مني ولست بذات زوج ولا يتصور مني الفجور "


http://mamietitine.unblog.fr/files/2008/11/0ck44a.gif

ما سر الاختلاف بين استخدام كلمة غلام في سورة مريم (قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20)) وعلى لسان زكريا في سورة آل عمران (قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40)) يبنما جاءت كلمة ولد في سورة آل عمران (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47)) في قصة مريم عليها السلام؟(د.حسام النعيمى)
لما تأتي الرواية وتذكر لنا كلمة غلام ترد كلمة غلام (قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) هو يقول لها سأهب لك غلاماً قطعاً هي تقول (قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ) ونفس الأمر بالنسبة لزكريا (أنى يكون لي غلام) لأن الكلمة كانت مكررة. أما كلمة ولد قالتها ولاحظ الصورة تختلف هنا. هناك الملك لما بلغها أنه جاء ليهب لها غلاماً تقول للملك (أنى يكون لي غلام) الصورة الأخرى الملائكة تبشرها (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) هنا أُدخل إسم الله والصورة واضحة: هناك قال (لأهب لك) مهمتي أن أجعلك ذات غلام قالت (أنى يكون لي غلام) مباشرة لكن هنا (إن الله يبشرك) هنا في هذا الظرف الملائكة تبشرها وذكرت لها الله سبحانه وتعالى بكل صفاته هي ماذا اختارت؟ قالت (رَبِّ) من أسماء الله سبحانه وتعالى الربّ والمربي بكل ما فيه من صفات الحنو والرعاية (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ). الولد في اللغة للذكر أوالأنثى أصلاً هي مستغربة أن تكون أماً بصرف النظر عن أن يكون هذا الذي سترزق به ذكراً أوأنثى قالت (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) لأن ما وردت هنا كلمة غلام ما قيل لها غلام حتى ترد بكلمة غلام وإنما الكلام عن المولود بُشّرت بمولود وذُكِرت كلمة المهد والذي في المهد الوليد حديثاً فالمهد يناسبه الولد والله أعلم.
قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَان أَمْرًا مَقْضِيًّا" ، قال لها الملك جبريل مجيبا لها عما سألت كذلك قال ربك أنه سيكون منك غلاما وإن لم يكن لك بعل ولا يوجد منك فاحشة فإنه على ما يشاء قدير، لا مغير لأمره ولا مبدل لحكمه ، فهذا الأمر الخارق الذي لا تتصور مريم وقوعه , هين على الله . فأمام القدرة التي تقول للشيء كن فيكون , كل شيء هين , وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ أي وأنه أراد أن يجعل هذا الحادث العجيب آية للناس أمراً عجيباً، يخرج عن مألوف العادة. أي دلالة وعلامة على عظمة وقدرة بارئهم وخالقهم الذي نوع في خلقهم ، فخلق آدم من غير ذكر ولا أنثى وخلق حواء من ذكر بلا أنثى وخلق الناس جميعا من ذكر وأنثى، إلا سيدنا عيسى عليه السلام فقد خلقه من أنثى فقط دون ذكر فتمت القسمة الرباعية الدالة على كمال قدرته وعظيم سلطانه فلا إله غيره ولا رب سواه .

http://mamietitine.unblog.fr/files/2008/11/0ck44a.gif

وَرَحْمَةً مِنَّا رحمه هنا الرحمة تنقسم ثلاثة أقسام فهي :
1- رحمة بالمولود عيسى عليه السلام بأن جعله الله نبيا من الأنبياء يدعو إلى عبادة الله تعالى وتوحيده ، رسولا بل من أولى العزم من الرسل وهم خمسه (آدم وإبراهيم وعيسى وموسى ومحمد عليهم السلام" "

2- ورحمة بالأم : بأن اصطفاها لتكون أم لنبي وذكرها الله وأعلى شأنها وقدرها.
3- ورحمة بالناس : بأن أرسل لهم رسولا رحمة وحجة عليهم ليدعوهم لعبادة الله .

وَكَان أَمْرًا مَقْضِيًّا يحتمل أن هذا من تمام كلام جبريل لمريم، يخبرها أن هذا أمر مقدر في علم الله تعالى وقدرته ومشيئته، ويحتمل أن يكون من خبر الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم أي وكان خلقه أمرا منتهيا محكوما به مفروغا عنه سابقا في علم الله تعالى ولا راد لأمر الله ولا معقب لحكمه

إسمهان الجادوي 05-04-2015 01:15 PM

رد: تفسير سورة مريم الدرس الثاني
 
http://store2.up-00.com/2014-10/1413534192662.gif

ام محمد ياسين 05-04-2015 01:33 PM

رد: تفسير سورة مريم الدرس الثاني
 
Tgy بارك الله فيك ونفع بك وزادك علما وحرصا tgy

ام محمد ياسين 05-04-2015 01:37 PM

رد: تفسير سورة مريم الدرس الثاني
 
Sdf بارك الله فيك استاذة ونفع بك وزادك علما وحرصا sdf


الساعة الآن 06:17 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.1 TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
يرحل الجميع ويبقي شعاع بيت العلم والحب(ملك الكلمة)