منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد

منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد (https://hwazen.com/vb/index.php)
-   شعاع العلوم الشرعية (https://hwazen.com/vb/f38.html)
-   -   سلسلة محاسن الاخلاق (https://hwazen.com/vb/t8780.html)

امي فضيلة 06-09-2015 12:59 PM

سلسلة محاسن الاخلاق
 
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سنقدم لكم بإذن الله حلقات من تعداد محاسن الأخلاق


والحلقة الأولى ستكون عن..





الطموح


ينبغي على العاقل اللبيب ألاَّ يقنع بما عليه حاله، بل ينزع إلى معالي الأمور ويعمل على تغيير حاله

إلى ما هو أرقى وأسمى وأنفع، فكلما نال مرتبة نظر إلى ما فوقها في غير ركون إلى الدنيا أو مخالفة لشرع ربه .

وإذا كان الأمر كذلك فإنه لن تكون له غاية دون الجنة، فقد قال عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - عن نفسه :

" إن لي نفسًا تواقة (تشتاق إلى الشيء) لم تزل تتوق إلى الإمارة، فلما نالتها تاقت إلى الخلافة، فلما

نالتها تاقت إلى الجنة".

وهذا هو الطموح: أن تتطلع النفس إلى ما هو أكمل وأحسن وأسمى.

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل الأمة دائمًا على تطلب المعالي والتنزه عن الدنايا،

فها هو يقول: " إن الله -تعالى - يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفسافها ".



الفرق بين الطموح وعلو الهمة

مما لا شك فيه أن الطموح وعلو الهمة يشتركان في الهدف وهو تطلب معالي الأمور، غير أنهما يختلفان

في الباعث والوسيلة، فإن الباعث في علو الهمة قد يكون الأنفة من خمول الضعة، أو دفع مهانة النقص،

أما الباعث على الطموح فهو نزوع النفس دائمًا نحو الأعلى، وأما من حيث الوسيلة فإن علو الهمة

لا يسلك بصاحبه إلا الدروب الشريفة الموافقة لشرع رب العالمين، بينما نجد أن الطموح قد يجنح

بصاحبه إلى الغلو والإسراف.

والذي لا شك فيه أيضًا أن صاحب الطموح إن لم يبذل جهذه للوصول إلى غايته، فهي مجرد أماني

لكن الطَّمُوح حقًا هو الذي يسعى لنيل ما يريد، بل ويُتعب نفسه في هذا:

وإذا كانت النفوس كبارًا.. .. ..تعبت في مرادها الأجسامُ

وما أحسن ما قال بعضهم:

لا يدرك المجد من لا يركب الخطرا.. .. ولا يـنال العـُلاَ مــن قـدَّم الحـذرا

ومـن أراد العــُلا صـفـوًا بـلا كَــدَرٍ.. .. قَضَى ولم يقضِ من إدراكه وَطَرا

إن معالي الأمور وعرة المسالك محفوفة بالمكاره؛ ولهذا قال معاوية -رضي الله عنه- لعمرو بن العاص

-رضي الله عنه-: " من طلب عظيمًا خاطر بعظيمته ".

وكان عمرو بن العاص يقول: " عليكم بكل أمرٍ مَزْلَقَةٍ مَهْلَكَةٍ " . يعني عليكم بجسام الأمور وعظيمها.
طموح الشرفاء والأكابر



إن الكبار دائمًا يتطلعون إلى المعالي ويتنزهون عن السفاسف والدنايا؛ لذا تجدهم طامحين إلى:

1-الاستزادة من العلم:

لما علموا أن العلم أرفع المقامات التي تتطلع إليها الهمم، وأشرف الغايات التي تتسابق إليها الأمم

بذلوا فيه أوقاتهم وأموالهم، ولم يضيعوا بما وصلوا إليه، وقد تحملوا في سبيل ذلك الشدائد والصعاب

من شظف العيش وخشونته، والغربة عن الأوطان والأهل ومجافاة النوم واللهو، حتى كان الواحد منهم يرحل

من بلده إلى بلدٍ آخر طلبًا لحديث واحدٍ، بعزم لا يبلى، وحرصٍ على الاستفادة من كل لحظة.


2- الشهادة:


لما علم أصحاب الهمم العالية بما أعده الله تعالى لمن يموت في سبيله شهيدا تسابقوا إليها، ولم

يؤثروا غيرهم بها، فقد أخرج الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه قال يوم أحدٍ لأخيه:

" خُذ درعي يا أخي، فقال: أريد من الشهادة مثل الذي تريد فتركاها جميعًا " .

وهذا جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه يعقر فرسه ويقاتل القوم وهو يقول:

يا حـبذا الجـنةُ واقترابـُها.. .. ..طـيبة وباردٌ شـرابُها

والروم رومٌ قد دنا عذابها.. .. ..كـافـرٌ بعـيدةٌ أنسابُها

عليَّ إذ لاقيتها ضرابُها

حتى قتل في سبيل الله رضي الله عنه.


3-الطموح إلى الجنة:


فقد قيل للعَتَّابي: فلانٌ بعيد الهمة، قال: إذن لا يكون له غايةٌ دون الجنة " .

فكل غاية دون الجنة فهي بالنسبة إليها حقيرة.

ولا يمنع ذلك من طموح إلى الترقي في أمور الدنيا مع الالتزام بشرع الله والوقوف عند حدوده

واستصحاب النية الصالحة في ذلك كله.



امي فضيلة 06-09-2015 01:08 PM

رد: سلسلة محاسن الاخلاق
 


من محاسن الاخلاق الإثار


إذا كنت ممن يسهل عليهم العطاء ولا يؤلمهم البذل فأنت سَخِي، وإن كنتَ ممن يعطون الأكثر ويُبقون لأنفسهم فأنت جواد.

أما إن كنت ممن يعطون الآخرين مع حاجتك إلى ما أعطيت لكنك قدمت غيرك على نفسك فقد وصلت إلى مرتبة الإيثار.

ورتبة الإيثار من أعلى المراتب، وإنما ينشأ الإيثار عن قوة اليقين وتوكيد المحبة، والصبر على المشقة، مع الرغبة في الأجر والثواب.


ومن أهم الأسباب التي تعين على الإيثار:

1-الرغبة في مكارم الأخلاق، والتنزه عن سيئها، إذ بحسب رغبة الإنسان في مكارم الأخلاق

يكون إيثاره؛ لأن الإيثار أفضل مكارم الأخلاق.

2-بُغض الشُّحِّ، فمن أبغض الشُّحَّ علم ألا خلاص له منه إلا بالجود والإيثار.

3-تعظيم الحقوق، فمتى عظمت الحقوق عند امرئٍ قام بحقها ورعاها حق رعايتها، وأيقن أنه إن لم

يبلغ رتبة الإيثار لم يؤد الحقوق كما ينبغي فيحتاط لذلك بالإيثار.

4-الاستخفاف بالدنيا، والرغبة في الآخرة، فمن عظمت في عينه الآخرة هان عليه أمر الدنيا، وعلم

أن ما يعطيه في الدنيا يُعطاه يوم القيامة أحوج ما يكون إليه.

5-توطين النفس على تحمل الشدائد والصعاب، فإن ذلك مما يعين على الإيثار، إذ قد يترتب على

الإيثار قلة ذات اليد وضيق الحال أحيانًا، فما لم يكن العبد موطنًا نفسه على التحمل لم يطق أن يعطي مع حاجته.



درجات الإيثار:


لقد قسم بعض العلماء الإيثار إلى مراتب ودرجات، فقد قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:

الأولى: أن تُؤْثِرَ الخلقَ على نفسك فيما لا يخْرُمُ عليك دِينًا، ولا يقطع عليك طريقًا، ولا يُفسد عليك وقتًا،

يعني أن تُقدمهم على نفسك في مصالحهم، مثل: أن تطعِمهم وتجوع، وتكسوهم وتعرَى، وتسقيهم

وتظمأ، بحيثُ لا يؤدي ذلك إلى ارتكاب إتلافٍ لا يجوز في الدين، وكلُّ سببٍ يعود عليك بصلاح قلبك ووقتك

وحالك مع الله فلا تؤثِر به أحدًا، فإن آثرت به فإنما تُؤْثِر الشيطان على الله وأنت لا تعلم.

الثانية: إيثارُ رضا الله على رضا غيره وإن عظمت فيه المحن وثقلت فيه المؤن وضعف عنه الطول والبدن

، وإيثار رضا الله عز وجل على غيره، هو أن يريد ويفعل ما فيه مرضاته، ولو أغضب الخلْق، وهي درجة الأنبياء،

وأعلاها لِلرسل عليهم صلوات الله وسلامه. وأعلاها لأولي العزم منهم، وأعلاها لنبينا صلى الله عليه وسلم،

وعليهم، فإنه قاومَ العالم كُله وتجرد للدعوة إلى الله، واحتمل عداوة البعيد والقريب في الله تعالى،

وآثر رضا الله على رضا الخلق من كل وجه، ولم يأخذه في إيثار رضاه لومةُ لائم، بل كان همُّه وعزْمُه وسعيه

كله مقصورًا على إيثار مرضاة الله وتبليغ رسالاته، وإعلاء كلماته، وجهاد أعدائه؛ حتى ظهر دين الله على

كل دين، وقامت حجته على العالمين، وتمت نعمتُهُ على المؤمنين، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة ونصح الأمة

، وجاهد في الله حق جهاد، وعبد الله حتى أتاه اليقين من ربه، فلم ينل أحدٌ من درجةِ هذا الإيثار ما نالَ،

صلوات الله وسلامه عليه.

هذا وقد جرت سنة الله التي لا تبديل لها أن من آثر مرضاة الخلق على مرضاته: أن يُسخط عليه من آثر رضاه، ويخذُله من جهته، ويجعل محنته على يديه، فيعود حامدُهُ ذامًّا، ومن آثر مرضاته ساخطًا، فلا على مقصوده منهم حصل، ولا إلى ثواب مرضاة ربه وصل، وهذا أعجز الخلقِ وأحمقهم.

قال الشافعي رحمه الله: " رضا الناس غايةٌ لا تدرك فعليك بما فيه صلاحُ نفسك فالزمهُ"، ومعلومٌ

أن لا صلاح للنفس إلا بإيثار رضا ربها ومولاها على غيره، ولقد أحسن من قال:


فليتك تحلُو والحياةُ مريرَةٌ.. .. .. وليتك ترضى والأنامُ غِضَابُ

وليت الذي بيني وبينك عامرٌ.. .. .. وبيني وبين العالمين خرابُ

إذا صحَّ منك الودُّ فالكّلُّ هينٌ.. .. .. وكل الذي فوق التراب تراب

الثالثة: أن تنسب إيثارك إلى الله دون نفسك، وأنه هو الذي تفرد بالإيثار لا أنت، فكأنك سلمت الإيثار إليه،

فإذا آثرت غيرك بشيء؛ فإن الذي آثره هو الحق لا أنت فهو المؤثر على الحقيقة، إذ هو المُعطي حقيقةً.


مواقف خالدة في الإيثار



ولقد سجل التاريخ بأحرف من نور مواقف خالدة للمسلمين بلغوا فيها المرتبة العالية والغاية القصوى من الإيثار:

فهذا سيد الخلق وخاتم النبيين وإمام المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم تأتيه امرأة بُبردة فتقول:

" يا رسول الله أكسوك هذه ؟ " فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجًا إليها، فلبسها فرآها عليه

رجل من الصحابة، فقال: " يا رسول الله ما أحسن هذه ؟ فاكسنيها " فقال: " نعم " ، فلما

قام النبي صلى الله عليه وسلم لامه أصحابه فقالوا: " ما أحسنت حين رأيت النبي صلى الله عليه وسلم

محتاجًا إليها، ثم سألته إياها وقد عرفت أنه لا يُسأل شيئًا فيمنعه، فقال: " رجوت بركتها حين

لبسها النبي صلى الله عليه وسلم لَعلِّي أُكَفَّن فيها " .

وأما أصحابه رضي الله عنهم والتابعون فحدث ولا حرج، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً أتى

النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث إلى نسائه فقلن: " ما معنا إلا الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" من يُضيف هذا ؟ " فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته، فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم

، فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني. فقال: هيئي طعامك وأصبحي سراجك (أوقديه) ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء،

فهيأت طعامها وأصبحت سراجها ونوَّمت صبيانها، ثم قامت كأنها تصلح سراجها، فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان،

فباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " ضحك الله الليلة - أو عجب -

من فعالكما، فأنزل الله: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)[الحشر:].

وهؤلاء هم الأنصار يعرض أحدهم على أخيه من المهاجرين أن يناصفه أهله وماله فيأبى المهاجر ويقول:

" بارك الله لك في أهلك ومالك ".

وهذا أبو طلحة أكثر الأنصار مالاً وأحب ماله إليه حديقة تسمى بيرحاء يسمع قول الله تعالى:

(لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون)[آل عمران:] فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم معلنًا أنه يتصدق

بها لوجه الله تعالى.

وذاك قيس بن سعد بن عبادة يمرض ويتأخر إخوانه عن زيارته فيسأل عنهم، فيقال له: "إنهم كانوا يستحيون

مما لك عليهم من الدَّين، فيقول: أخزى الله مالاً يمنع الإخوان من الزيارة " .


ثم أمر مناديًا ينادي: " من كان لقيس عليه مالٌ فهو في حلٍّ " .

فما أمسى حتى كسرت عتبة بابه لكثرة الزوار.


وإن تعجب فعجبٌ أمر هؤلاء الثلاثة الذين آثر كل منهم أخاه بالحياة، فقد قال حذيفة العَدَوي: "

انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عمٍّ لي، ومعي شيءٌ من ماء، وأنا أقول: إن كان به رمق سقيته ومسحتُ

به وجهه، فإذا أنا به، فقلت: أسقيك ؟ فأشار إليَّ أن نعم، فإذا رجل يقول: آه، فأشار ابن عمي إليَّ أن انطلق

به إليه، فجئته فإذا هو هشام بن العاص، فقلت: أسقيك ؟ فأشار إليَّ أن نعم، فسمع به آخر فقال:

آهٍ، فأشار هشام: انطلق به إليه فجئته، فإذا هو قد مات. فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات، فرجعت

إلى ابن عمي فإذا هو قد مات. رحمة الله عليهم أجمعين " .



من فوائد الإيثار:


لو لم يكن من فوائده إلا أنه دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام ورفعة الأخلاق لكفى، فكيف وهو طريق

إلى محبة الرب سبحانه، وحصول الألفة بين الناس وطريق لجلب البركة ووقاية من الشُّحِّ ؟!!



امي فضيلة 06-09-2015 01:21 PM

رد: سلسلة محاسن الاخلاق
 

من سلسلة محاسن الاخلاق -- التفاؤل

أيها القارئ الكريم.. كن دائمًا حَسَنَ الظن، متوقعًا للخير، مستبشرًا؛ فإن ذلك يجلب السعادة إلى النفس والقلب.

كما إن هذا الحال يقوي العزائم ويعين على الظَّفَر، ويبعث على الجِدِّ في الأمور كلها.

إننا باختصار ندعوك لأن تكون متفائلاً، وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متفائلاً منشرح الصدر

حسن الظن بربه سبحانه.

فعن أنسٍ رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا عدوى ولا طِيَرَةَ، ويعجبني الفأل:

الكلمة الحسنة، والكلمة الطيبة ". [رواه البخاري ومسلم].

ولما سمع النبي صلى الله عليه وسلم كلمة أعجبته قال لصحابها: " أخذنا فألك من فيك "

[رواه أبو داود وصححه الألباني].


أخي الحبيب، لابد لك من التفاؤل حتى تمضي في طريقك بعزم وتقضي أمورك بحزم، وإلا فماذا يفيد التشاؤم ؟!


إن التشاؤم من الشيطان يوسوس لك ويوهن عزمك ويصدك عن الخير لكلمة تسمعها أو رؤية شخص

أو حيوان أو كون الحاجة في يوم معين أو توافق تاريخًا معينًا.. إلخ.

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا إذا رأينا ما نكره أن نستعين بالله ونتوكل عليه، وألا يردنا ذلك

عن حاجاتنا، فقد روى الإمام أحمد - رحمه الله - من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما-: "

من ردته الطيرة عن حاجة فقد أشرك " قالوا: فما كفارة ذلك ؟ قال: " أن تقول: اللهم

لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك ".

فإياك أخي والتشاؤم فإنه موهن للعزائم وصاد عن الخيرات ومضيع للأوقات ومهدر للطاقات

، إنه باختصار سبيل العاجزين.

ونختم المقال بما قاله الحليمي - رحمه الله - : (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل؛

لأن التشاؤم سوء ظنٍ بالله بغير سبب مُحَقَّقٍ . وإن التفاؤل حسن ظنٍ به، والمؤمن

مأمور بحسن الظن بالله تعالى على كل حال) .




امي فضيلة 06-09-2015 01:28 PM

رد: سلسلة محاسن الاخلاق
 
من سلسلة محاسن الاخلاق -- التأني


إن الإنسان بطبعه عجول يود لو أدرك كل شيء بسرعة (وكان الإنسان عجولاً ) { الإسراء :11}.

ولما كانت هذه العجلة تجلب على صاحبها المتاعب وتوقعه في الإشكالات؛ ندب الشرع إلى تربية النفس

على التأني في أمور الدنيا ، ونقصد بالتأني هنا : عدم العجلة في طلب الأشياء والتمهل في تحصيلها .

وإذا كان الله - تعالى - قد قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم : -

(وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) (طـه:114) . وهذا في تلقي القرآن فإن التأني

يكون مطلوباً من الإنسان في أمور حياته كلها .


التأني من الله والعجلة من الشيطان :



فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم- قال

" التأني من الله ، والعجلة من الشيطان .... "الحديث

و إذا كان التأني من الله ، فإن الله يحبه ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس "

إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله : الحلم والأناة " .(البخاري ومسلم)


التأني في الدعاء :



ونقصد به أن يقدم المسلم بين يدي دعائه الثناء على الله والصلاة على نبيه فإن ذلك أرجى لقبول دعائه ؟

أما أن يدخل في الدعاء مباشرة فإنه من العجلة ، فقد سمع الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو

في صلاته لم يمجد الله ولم يصل على النبي فقال له: " عجلت أيها المصلي " ، وسمع رجلاً يصلي فمجد الله

وحمده وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ادع تُجب وسل تعط " .

ومن العجلة في الدعاء أن يستبطأ الإجابة ، فيترك الدعاء بزعم أنه يدعو ولا يستجاب له .


التأني المذموم :



على الرغم من فضائل التأني وامتداحه عقلاً وشرعاً ، فإن هناك نوعاً منه ليس من التأني الممدوح ،

إنه التأني في أمر الآخرة ،وإنه في الحقيقة تثاقل ونوع غفلة ينبغي أن يجاهد المسلم نفسه للتنزه عنه .

ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم :

" التؤدة ( أي التأني والتمهل ) في كل شيء إلا في عمل الآخرة " . (رواه أبو داود وصححه الألباني)

ومن التأني المحمود التأني في القضاء بأن يسمع القاضي طرفي النزاع فيسمع من الثاني كما سمع

من الأول فإنه أحرى أن تبين له القضاء .


من أقوال الشعراء في التأني :



انطق مصيباً لا تكـن هـذراًَ عيابة ناطقـاً بالفحش والريب

وكن رزينا طويل الصمت ذا فكر فإن نطقت فلا تكثر من الخطب

ولا تجب سائلاً من غير تروية وبالـذي مثـله تسال فلا تجب

وقال آخر :

لا تعجـلن فربمـا عجل الفتى فيما يضره

ولربما كره الفتى أمــراً عـواقـبـه تسـره


فكن أخي متأنيا في أمور دنياك كلها تسعد وتفرح ولا تندم إن شاء الله.


للاستزادة : نضرة النعيم بإشراف الشيخ صالح بن حميد

امي فضيلة 06-09-2015 01:34 PM

رد: سلسلة محاسن الاخلاق
 


من سلسلة محاسن الاخلاق -- النصرة


كم في المسلمين من ذوي الحاجة وأصحاب الهموم وصرعى المظالم وجرحى القلوب ‍‍ ‍‍!!

الذين لم يجدوا من يطرق بابهم ، أو يسأل عن حالهم ، أو يسعى في كشف

الغم عنهم بدافع من خُلُق (النُّصرة) .


نعني بالنصرة تلك الغيرة الإيمانية التي تدفع المسلم لرفع الظلم عن أخيه المسلم المستضعف ،

أو لمدّ يد العون إليه ، وبقدر ما تمارس هذا الخلق في حياتك اليومية تكون أقدر على الاستجابة

لنداء داعي الجهاد لمنازلة البغاة أو الكافرين .


النصرة ضريبة الأُخُوَّة :

الأخوة الإيمانية ضريبتها النصرة ، والقائم بحق النصرة أو المتخاذل عنها ؛ كل منهما يلقى ثمرة ذلك -

في الدنيا قبل الآخرة - جزاء وفاقـًا كما جاء في قوله - صلى الله عليه وسلم - :

(( ما من امرئٍ يخذل امرءًا مسلمـًا عند موطن تُنتهَك فيه حُرمتُه ، ويُنتَقَص فيه من عِرضه ،

إلا خذله الله عز وجل في موطن يحب فيه نُصرته ، وما من امرئٍ ينصر امرءًا مسلمـًا في موطن ينتقص

فيه من عرضه ، ويُنتهك فيه من حرمته إلاَّ نصره الله في موطن يحب فيه نصرته))(رواه أحمد وحسه الألباني) .

وقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبع كان منها (نصر المظلوم) ونصه : (( أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم

- بسبع ، ونهانا عن سبع ، فذكر عيادة المريض ، واتباع الجنائز ، وتشميت العاطس ، وردّ السلام ،

ونصر المظلوم ، وإجابة الداعي ، وإبرار القسم))(رواه البخاري) .

ويصف ابن الجوزي الظلم بأن المعصية فيه أشد من غيرها من المعاصي معللاً ذلك بقوله : "

لأنه لا يقع غالبـًا إلا بالضعيف الذي لا يقدر على الانتصار " .

وليس من شأن المسلم أن يرتضي لنفسه إيقاع الظلم بأخيه ، أو أن يدع أخاه فريسة بيد ظالم يذله

، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : "((المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه ولا يسلمه ،

ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرّج عن مسلم كربةً فرّج الله عنه كربة من كربات

يوم القيامة، ومن ستر مسلمـًا ستره الله يوم القيامة))(رواه البخاري) .

فهل بعد هذا ترى مصيبة واقعة بأخيك وتسلمه لها وتخذله فيها أم تحتقن دماؤك في عروقك

ولا يروق لك نوم حتى تبذل ما تستطيع من جهد لكشف ما نزل من ضرّ بأخيك ؟


المسلم أولى بالنصرة :


لقد كان أبناء الجاهلية يتناصرون في الخير والشر ، وأراد الإسلام لهذا الخلق أن يستمر بوجهه الخيّر معطيـًا

له معنى جديدًا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ((انصر أخاك ظالمـًا أو مظلومـًا ، فقال رجل :

يا رسول الله أنصره إذا كان مظلومـًا ، أفرأيت إذا كان ظالمـًا كيف أنصره ؟ قال : تحجزه - أو تمنعه - من الظلم

فإن ذلك نصرَه))(رواه البخاري) .

فإن كنت تنصر قومك وعشيرتك وعصبتك ، وتمنعهم بكل الوسائل من إيقاع ظلم بمسلم - منهم أو من غيرهم -

فتلك هي النصرة ، وإلا فهي العصية المقيتة المنتنة التي أُمرنا بأن ندعها ، وقد قال في ذلك

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشبهـًا حال صاحب العصبية ببعير هلك : ((من نصر قومه على غير

الحق فهو كالبعير الذي رُدّي ، فهو ينزع بذنبه))(رواه أبي داود) .

والقادر على النصرة لأخيه المسلم بكلمة أو شفاعة أو إشارة بخير ، إن لم يقدّمها مع قدرته على

ذلك وهو يرى بعينه إذلال أخيه ، ألبسه الله لباس ذلّ أمام الخلق يوم القيامة ؛ لتقصيره في نصرة أخيه ،

ورفع الذل عنه ، وفي ذل قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((مَن أُذلّ عنده مؤمن فلم ينصره -

وهو قادر على أن ينصره - أذله الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة))(رواه أحمد) .


النصرة لحياة الدعوة :


لابد لكل دعوة من رجال متشبعين بخلق النصرة ، وإلاّ فلن تُكتب لها الحياة ، وأدناها النصرة بالمعونة ورفع المظالم

، وأعلاها النصرة في الجهاد ، وحين كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرض دعوته في المواسم بمنى

كان يقول: ((مَن يؤويني ؟ مَن ينصرني))(مسند أحمد) .

وحين بويع بيعة العقبة اشترط النصرة ، فقال : ((… وأسألكم لنفسي ولأصحابي أن تؤوونا ، وتنصرونا ، وتمنعونا مما منعتم منه أنفسكم))(رواه أحمد).

وحتى ورقة بن نوفل كان يقول له في مطلع الرسالة : ((وإن يدركني يومُك أنصرْك نصرًا مؤزرًا))(رواه البخاري) .

والله عز وجل قادر على أن ينصر رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولكنه ترك للمؤمنين حظـًا من النصرة يؤدونه

، ويُسألون عنه ويؤجرون عليه ، قال تعالى : (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ)(الأنفال/62) ،

والمفلحون هم الذين (…آمَنُوَا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ)(الأعراف/157) .

وقد شرع للمؤمن أن يدعو بالنصرة ، كما في الحديث : ((رب أعني ولا تعن عليَّ ، وانصرني ولا تنصر عليَّ ،

وامكري لي ولا تمكر عليَّ ، واهدني ويسر الهدى إليَّ ، وانصرني على من بغى عليَّ))(رواه ابن ماجه) .

ولكن هذه النصرة لا تكون غالبـًا بسبب غيبي ، وإنما بتسخيرك يا صاحب خلق (النصرة) لتؤدي دورك بحميتك الإيمانية

، وغيرتك للحق ، أما الخذلان في ساعة الحاجة فشأن المنافقين مع أوليائهم الذين قال الله فيهم :

(لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ)(الحشر/12) .

وقد اشترط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الجالسين على قارعة الطريق أن يتحملوا ضريبة

جلوسهم هذا ، وشهودهم لمواقف تقتضي منهم التدخل وأداء الواجب ، فقال لهم : ((إن أبيتم إلا أن تجلسوا

فاهدوا السبيل ، وردّوا السلام ، وأعينوا المظلوم))(رواه أحمد) .


نصرة المسلم في غيبته :


والمبادرة إلى نصرة الأخ في الله في الدنيا - وخاصة في حال غيابه حيث تسقط المجاملات وتظهر

حقيقة المشاعر ، وتخلص النصرة لله - يكون من ثمرتها أن يسخر الله للناصر مَن يقف إلى جانبه وينصره

في الدنيا ويتولاه الله في الآخرة ، كما في الحديث : ((مَن نصر أخاه بظهر الغيب ، نصره الله في الدنيا والآخرة))

(صحيح الجامع/6574 حسن) .


نصرته عند السلطان :


وأوجب صور النصرة ما يكون فيه دفع أذى من أمير أو ذي سلطان أو صاحب سطوة ؛ لأن هؤلاء أذاهم شديد

، وناصحوهم قليل ، والمتملقون لهم كثير ، فيضيع الحق في غمرة المجاملات والمداراة ، ورسول الله -

صلى الله عليه وسلم - يتبرأ ممن يعينهم على ظلمهم ، ولا ينصرهم على أنفسهم وأهوائهم بردعهم

عن الظلم ، وقد جاء هذا المعنى في قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((إنّه ستكون بعدي أمراء ، من صدّقهم

بكذبهم ، وأعانهم على ظلمهم ، فليس مني ولستُ منه ، وليس بوارد عليَّ الحوض ، ومَن لم يصدقهم بكذبهم

، ولم يعنهم على ظلمهم فهو منّي وأنا منه ، وهو وارد عليَّ الحوض))(رواه النسائي) .


منع الظلم يمدح به غير المسلم ؛ فالمسلم أولى :


وإذا كان منع ظلم الملوك بنصرة المستضعفين خُلُقـًا يتجمل به غير المسلمين ، فالمسلمون به أولى وأحرى

، وقد صوف عمرو بن العاص الروم بخصال استحسنها فيهم ، فقال : " إن فيهم لخصالاً أربعـًا : إنّهم لأحلم

الناس عند فتنة ، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة ، وأوشكهم كرة بعد فرّة ، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف ،

وخامسة حسنة جميلة : وأمنعهم من ظلم الملوك)).


في الإعانة على الباطل غضب الله :


ومَن كانت نصرته بصورته الجاهلية نصرة على الباطل ، ودورانـًا مع العصبية ، وإعانة على الظلم ، فقد غضب الله عليه

، كما في الحديث : ((مَن أعان على خصومة بظلم - أو يعين على ظلم - لم يزل في سخط الله حتى ينزع)) .



فكن نصيرًا للحق حيث كان ، وإلاَّ فلا تطمع بوسام الجهاد ولا شرف الاستشهاد .

امي فضيلة 06-09-2015 01:40 PM

رد: سلسلة محاسن الاخلاق
 

من سلسلة محاسن الاخلاق -- البشاشة

حين تلقى إنساناً فيبتسم في وجهك ويتلطف في معاملتك فإنك لا شك تفرح وتأنس،

أما إن كان يلقاك عابساً فإنك تنفر منه ولا تحب لقاءه حتى وإن كان في هذا اللقاء شيء من المنفعة .


ومن أجل ذلك ندب الشرع إلى البشر والبشاشة التي هي السرور الذي يظهر في الوجه بما

يدل على حب اللقاء والفرح بالمقابلة .

وقد عد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لقاء الإخوان بالبشاشة والفرح عده من المعروف :


" كل معروف صدقة ، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق ...." الحديث ( رواه الترمذي وقال : حسن ) .

كما قال صلى الله عليه وسلم : " ولا تحقرن شيئاً من المعروف ، وأن تكلم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك

إن ذلك من المعروف " (رواه أبو داود ، وصححه الألباني).

وإذا ما أتيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - وجدته مستبشراً بشوشاً حتى مع الجفاة الشداد .

فذاك رجل أعرابي يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيجبذه بردائه جبذة شديدة تؤثر في عاتقه ،

ثم يقول له في غلظة :يا محمد ، مر لي من مال الله الذي عندك ، وإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يقابل

هذه الغلظة والجفاء ببشاشة ورحابة صدر ثم يأمر له بعطاء .

إن هذه البشاشة التي يلقى بها المسلم إخوانه تزرع له في قلوبهم وداً ومحبة ، تجعلهم

راغبين في لقائه والأنس به .

ولقد صدق والله القائل :
أزور خليلي ما بدا لي هشُّه
وقابلني منه البشاشة والبشرُ
فإن لم يكن هشٌ ، وبشٌ ، تركته
ولو كان في اللقيا الولاية والبشرُ
وحق الذي ينتاب داري زائراً
طعام وبر وقد تقدمه بشرُ

إننا - بلا شك - لا نستطيع أن نسع الناس بأموالنا، لكننا أيضا نستطيع أن نأسرهم

ببسط الوجه والبشاشة وحسن الخلق.

وتزداد الحاجة إلى البشاشة وطلاقة والوجه إذا كان للناس حاجة وطلبوا قضاءها ،

وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتوانى عن خدمة المسلمين وقضاء حوائجهم

ببشاشة وسعة صدر ، وإنه لأحق الناس بقول الشاعر :

تعود بسط الكف حتى لو أنه

ثناها لقبض لم تطعه أنامله

تراه إذا ما جئته متهللاً

كأنك تعطيه الذي أنت سائله

هو البحر من أي النواحي أتيته

فلجته المعروف والجود ساحله

ولو لم يكن في كفه غير روحه

لجاد بها .. فليتق الله سائله .


فكن أخي بشوشاً هيناً لينا طلق الوجه ولا تكن عابساً

لاقِ بالبشر من لقيت من النا س وعاشر بأحسن الإنصاف

لا تخالف وإن أتـوا بمحالٍ تستفد ودهم بترك الخلاف

امي فضيلة 06-09-2015 04:08 PM

رد: سلسلة محاسن الاخلاق
 
من سلسلة محاسن الاخلاق -- الفتور


الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، والصلاة والسلام على نبي الهدى، ومن بهديه اهتدى ، وبعد:

فإن الفلاح مطلب العاملين ، وقد رتبه الله (تعالى) على تزكية النفس وتربيتها وتطهيرها ، فـقــال (عز وجل): ((قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى)) [الأعلى: 14] ، وقال: ((قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)) [الشمس: 9 ، 10].

وقد بـعــث الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- معلماً ومربياً ، فقال: ((هُوَ الَذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَـــلالٍ مُّبِينٍ)) [الجمعة: 2] ، فكان -صلى الله عليه وسلم- يتعاهد نفوس أصحابه بالتربية والتزكية.

وإن إصــلاح النفوس وتزكيتها دأبُ السائرين إلى الله (تعالى): الأنبياء وأتباعهم ، فقد كان -صلى الله عليه وسلم- يكابد من دعوة قومه الشدائد ، فإذا أظلم الليل انتصب لربه راكعاً وساجداً ، يسأله ويرجوه ، ويخضع بين يديه ويتذلل له ، وقد كان قيام الليل واجباً على المسلمين عاماً كاملاً ، وذلك لما له من أثر في إصلاح القلب ، وانطلاقة المسلم وثباته ـ في آنٍ معاً ـ ، مما يجعله ضرورة ملحة لا غنى عنها.

ومن ثَم: كــان واجب كل مسلم ، ـ وخاصة المشتغلين بالعلم والدعوة ـ أن يجعل من أكبر همه إصلاح نـفـسه وتهذيبها ، وتعاهدها في صلته مع الله ، وأخلاقه وسلوكه مع الخلق ، ويجعل من ذلك منطلقاً لدعوة الناس وإصلاحهم.

التخلية والتحلية والمجاهدة:

من أعظم قواعد تربية النفس: تخليتها من اتباع الهوى؛ فإن اتباع الهوى موجب لأمراض لا حصر لها ، وعلـّـة المرض لا تعالج إلا بضدها ، فالطريق لمعالجة القلوب: سلوك مسلك المضادة لكل ما تهواه النفس وتميل إليه ، وقد جمع الله ذلك كله في كلمة واحدة ، فقال (عز وجل)http://www.noo-problems.com/vb/images/smilies/frown.gif(وَأَمَّا منْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى(40) فَإنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى)) [النازعات:40،41]، وقالhttp://www.noo-problems.com/vb/images/smilies/frown.gif(وَالَّذِِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا...)) [العنكبوت: 69].

والأصل المهم في المجاهدة: الوفاء بالعزم ، فإذا عزم على ترك شهوة،وابتلاه الله وامتحنه

بتيسير أسبابها ، فالواجب الصبر والاستمرار ، فإن النفس إذا عُوِّدت تــرك العزم ألفت ذلك ، فَفَسَدَت.

ثم يتعين بعد ذلك: تحلية النفس وتعويدها على الخير ، حتى تألفه ويكون سجية لها ، قال: "إنما العلم بالتعلم ،

وإنما الحلم بالتحلم ، ومن يتحرّ الخير يُعطَه ، ومن يتق الشر يوقه"." صحيح الجامع ، فإن الأعمال لها أثر يمتد

حتى يصل إلى القلب ، فكما أن كل صفة تظهر في القلب يفيض أثرها على الجوارح: فإن كل فعل يجري

على الجوارح قد يرتفع منه أثر إلى القلب ، والأمر فيه دَوْر ، وهذا من عجيب العلاقة بين القلب والجوارح.

الحذر من الفتور :

فإذا ما تمت تخلية النفس من اتباع الهوى وتحليتها بفعل الخيرات والفضائل: وجب بعد ذلــك أن يَنْصبّ

الاهـتـمــــام على مـتــابعة النفس في فعل الواجبات والمستحبات،وتــرك المحرمات والمكروهات والنية في

المباحات، فإن النفس من طبعها الكسل والتراخي والفتور.

قال: "لكل عمل شَرّة ، ولكل شرة فترة ، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح ، ومن كانت إلى غير ذلك

فقد هلك"" المسند: 2/21 ، وصحح أحمد شاكر إسناده ، وانظر: صحيح الجامع ، ح/ 2152 .

قال ابن القيم (رحمه الله): "تخلل الفترات للسالكين أمر لا بد منه ، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد ،

ولم تخرجه من فرض ، ولم تدخله في محرم ، رُجي له أن يعود خيراً مما كان" (انظر أيضاً بمعنى

هذا الكلام: مدارج السالكين ، جـ3 ، ص (5).

درجات الفتور:

إذن: فالفتور أمر لا بد منه ، ولكن الفتور درجات وأقسام:

1- أخطرها كسل وفتور عام في جميع الطاعات ، مع كره لها ، وهذه حال المنافقين.

2- ثم كسل وفتور في بعض الطاعات ، مع عدم رغبة ، دون كره لها ، وهذه حال كثير من فساق المسلمين.

3- كسل وفتور سببه بدني، فهناك الرغبة في العبادة، ولكن الكسل والفتور مستمر، وهذه حال كثير من
المسلمين.

والخطير في هذه الحالة أن العمر يمضي، والأيام تنصرم دون إنتاج ولا عمل يذكر،والأخطر من ذلك:

الانتقال إلى حالة أشد منها، فتعظم المصيبة، أو يقع الشبه بالمنافقين في التكاسل عن الطاعات، والتثاقل

عن الخيرات؛ لذا: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ من العجز ، ومن الكسل في الصباح والمساء

ويعلم أصحابه أن يستعيذوا منه.

وقد عاتب الله المؤمنين في تثاقلهم عن الجهاد،ودعاهم إلى المسارعة والمبادرة إلى الخيرات

ورغبهم في جزاء السابقين المسارعين إلى الخيرات ، وبيّنه لهم.

الداعية والفتور:

والفتور والكسل داء يدب في الناس على مختلف درجاتهم ، وأخطر ما يكون على الدعاة وطلبة العلم ،

مما يجعل تفاديه قبل حلوله ، أو تلافيه بعد نزوله أمراً ضروريّاً ، والدفع أسهل من الرفع.

ومن هنا: وجب تعاهد النفس؛ لئلا تقع في فتور ينقلها من مرحلة إلى مرحلة، فـيـتـعــسر الداء،

وتصعب المعالجة؛ لأن أمراض النفس كالنبتة ، أسهل ما يكون قلعها وإزالتها أول نباتها ، فإذا ما تركت

أخذت في النمو والكبر والثبات في الأرض ، حتى يحتاج قلعها إلى الرجال والفؤوس، وكذلك أمراض القلوب:

تبدأ في ظواهر يسيرة، فــــإذا أهمل صاحبها علاجها تمكنت منه حتى تكون هيئات راسخة ، وطباع ثابتة.

لذلك: كان الواجب علينا ـ معشر الدعاة ـ أن نتفحص أنفسنا ، ونتأمل أحوالنا: هل نجد شيئاً من مظاهر الفتور؟

، فنبادر إلى معرفة الأسباب والسعي في العلاج.

مظاهر الفتور:

مظاهر الفتور كثيرة ، منها:

ـ التكاسل عن الطاعات ، والشعور بالضعف والثقل أثناء أدائها ، والغفلة عن الذكر ، وقراءة القرآن.

ـ الشعور بقسوة القلب ، وضعف تأثره بالقرآن والمواعظ .

ـ التساهل في ارتكاب المعاصي وإلفها.

ـ عدم استشعار المسؤولية والأمانة ، وضعف هم الدعوة في القلب.

ـ انفصام عرى الأُخُوّة بين المتحابين.

ـ الاهتمام بالدنيا ، والانشغال بها عن فعل الخير.

ـ كثرة الكلام الذي لا طائل تحته ، وكثرة الجدال والمراء ، والحديث عن الأمجاد ، والمشكلات ، والانشغال

بذلك عن العمل الجاد والمثمر المفيد للأمة.

ـ ضعف جذوة الإيمان ، وانطفاء الغيرة على محارم الله.

ـ ضياع الوقت ، وعدم الإفادة منه.

ـ عدم الاستعداد للالتزام بشيء ، والتهرب من كل عمل جدي.

ـ الفوضوية في العمل.

ـ خداع النفس؛ بأن يتوهّم بأنه يعمل ، لكنه في الحقيقة فارغ ، أو عمله بلا هدف.

ـ النقد لكل عمل إيجابي.


ـ التسويف ، والتأجيل ، وكثرة الأماني.

أسباب الفتور:

وإذا تساءلنا: ما أسباب هذا الفتور الذي نعاني منه ، وما دواعيه؟ ،

فالجواب: إنها كثيرة ، متفاوتة في الأهمية ، ومنها:

ـ عدم الإخلاص في الأعمال ، أو عدم مصاحبته؛ بأن يطرأ الرياء على الأعمال.

ـ ضعف العلم الشرعي؛ فيضعف علم فضائل الأعمال وثوابها ، وفضل الصبر وأثره ، ونحو ذلك.

ـ تعلق القلب بالدنيا ونسيان الآخرة.


ـ فتنة الزوجة والأولاد ، فإنها ملهاة عن كثير من الطاعات ، إذا لم ينتبه لها.

ـ عدم فهم الدين نفسه ، وهذا غريب! ، والأغرب: أن يفهم طبيعة الدين ، ويتذوق حلاوة الإيمان ، ثم ينصرف
عن العمل في ميدانه.

ـ الوقوع في شيء من المعاصي والمنكرات ، وأكل الحرام أو المشتبه بالحرام.

ـ عدم وضوح الهدف الذي يدعو من أجله ، وهو: طلب مرضاة الله ، وتعبيد الناس لرب العالمين ، وإقامة دين الله في الأرض.

ـ ضعف الإيمان بالهدف ، أو الوسيلة الدعوية التي يسلكها.

ـ الغلو والتشدد ، بحيث ينقلب ذلك سبباً للملل وترك العمل.

ـ العقبات والمعوقات الكثيرة في طريق الدعوة والداعية ، وتلك سنة الله في الدعاة والدعوات.

ـ الفردية وإيثار العزلة ، فيدركه الملل والسأم.


ـ الجمود في أساليب الدعوة وعدم التفكير في وسائل وأساليب توصل المقصود إلى المدعوين

، وتحافظ على أصول الدعوة وروحها ، ومن ذلك مثلاً: التنويع في أساليب مخاطبة الناس ، كلٍّ حسب مستواه:

بالكلمة المسموعة ، والمقروءة ، بشتى صورها وأشكالها ، ومنه: التنويع في كيفية إلقاء دروس العلم والقرآن ،

من حيث المكان والوسائل.

ـ عدم استحضار عداوة الشيطان المستمرة ، وأيضاً: عدم استشعار تحدي الكفار للمسلمين ،

وأنهم يبذلون كل وسيلة لصد المسلمين عن دينهم والكيد لهم.

ـ الأوهام ووساوس الشيطان التي تزرع الخوف في القلوب ، وتشكك الداعية في سلامة الطريق.

ـ أمراض القلوب: كالحسد ، وسوء الظن ، والغل ، وحب الصدارة ، والكبر...

ـ التقصير في العبادة وعمل اليوم والليلة من الرواتب والسنن والأذكار والورد اليومي...

ـ استبطاء النصر ، واستعجال النتائج.

ـ عدم الاستقرار على برنامج أو عمل معين ، وترك العمل قبل إتمامه ، ثم الانتقال إلى غيره.. وهكذا.

ـ النظر إلى مَنْ دونه في العلم والعبادة ، وذلك مثبط للهمم .

ـ الدخول على أهل الدنيا ومخالطتهم ، وفيه مفاسد عظيمة ، لا ينجو منها إلا من سلّمه الله.

ـ الفتور في معالجة الفتور .

علاج الفتور:

ما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء، والفتور من أشد الأمراض المعنوية، وتتأكد خطورته حينما لا يحس

به الإنسان حتى ينـقـلــه إلى الانحراف ، فيقضي عليه ـ والعياذ بالله ـ ، ومن هنا تتأكد أهمية العلاج باتخاذ سـبـل

الـوقـايــة منه ابتداء ، أو عمل الأسباب التي تذهب به بعد وقوعه ، وأهم سبل العلاج: تلافي أسبابه ، وذلك أعظم

وسيلة للنجاة ، وإن القناعة بخطورة هذا المرض ووجوب التخلص منه ـ وقاية وعلاجاً ـ أمر ضروري

للإفادة من سبل العلاج ، ومنها:

ـ الدعاء والاستعانة؛ فإن الله يجيب المضطر إذا دعاه ، والمصاب بدينه الذي يخاف على نفسه: أعظم


المضطرين ، والله هو المستعان على كل خير ، ولذا: أوصى النبي -صلى الله عـلـيـه وسلم- معاذاً أن يقول دبر كل صلاة:

"اللهم أعني على ذكرك ، وشكرك ، وحسن عبادتك".

ـ تعاهد الإيمان وتجديده ، والحرص على زيادته بكثرة العبادة؛ مما يكون زاداً للمؤمن ، ومخففاً عنه عناء الطريق.

ـ مراقبة الله، والإكثار من ذكره ، ومراقبته تستلزم خوفه وخشيته ، وتعظيمه ، ومحبته، ورجــاءه ، والإيمان

بعلمه وإحاطته وقدرته ، أما الذكر: فهو قوت القلوب ، وبه تطمئن، وأعـظــــم ذلك: الصلة بكتاب الله (تعالى):

تلاوة ، وفهماً ، وتدبراً ، وعملاً ، وحكماً ، وتحاكماً ، فإن من لم ينضبط بالقرآن أضله الهوى.

ـ الإخلاص والتقوى؛ ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً)) [الأنفال:29].

ـ تصفية القلوب من الأحقاد ، والغل ، والحسد ، وسوء الظن؛ مما يشرح الصدر ، ويسلم القلب.

ـ طلب العلم ، والمواظبة على الدروس وحلق الذكر والمحاضرات؛ فإن العلم طريق الخشية ، وهو قوت القلوب.

ـ الوسطية والاعتدال في العبادة ، وفي عمل الخير.

ـ تنظيم الوقت ، ومحاسبة النفس.

ـ لزوم الجماعة ، وتقوية روابط الأخوة.

ـ تعاهد الفاترين ومتابعتهم؛ لئلا يؤدي بهم الفتور إلى الانحراف.

ـ التربية الشاملة المتكاملة على منهاج النبوة التي تقي من الفتور ـ بإذن الله (تعالى) ـ.

ـ تنويع العبادة والعمل ، من: الذكر ، وقراءة القرآن ، والصلاة ، وقراءة الكتب المفيـدة ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وقضاء حوائج الناس ، وإغاثة الملهوفين...

ـ الاقتداء بالأنبياء (عليهم الصلاة والسلام) ، والدعاة المخلصين.. في نشاطهم ، وحرصهم على أوقاتهم وأعمالهم.

ـ علو الهمة ونبل المقصــد والأخذ بالعزيمة ، بأن يكون الهمّ: الجنة ، والمقصود: مرضاة الله ؛ بالسعي في العبادة حتى الموت.

ـ الإكثار من ذكر الموت،وخوف سوء الخاتمة، بزيارة المقابر، ورؤية المحتضرين، فإن ذلك يورث:

تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة.. ونسيان الموت: يورث أضداها.

ـ جعل ذكر الجـنـــــة والنار من الإنسان على بال ، وقراءة صفة كلٍّ منهما في كتاب الله (تعالى)

وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ، فإن ذلك يشحذ الهمم ويذكي العزائم.

ـ الحرص علـى زيادة العمل ، والاستمرار فيه ، والحذر من التكاسل ، خاصة فيما حافظ عليه من عمل

، فإن من ترك سنة يوشك أن يترك واجباً.. وهكذا.

ـ الـصـبـر والمصابرة؛ فإن طريق العلم والعبادة والدعوة إلى الله طريق شاق وطويل ، وكثير المتاعب والمصاعب.

نسأل الله (عز وجل) أن يثبتنا على دينه ويختم لنا بخاتمة الخير..


مراجع أخرى مهمة:

1 - روحانية الداعية ، عبد الله ناصح علوان. 2 - الفتور ، جاسم الياسين



امي فضيلة 06-09-2015 04:14 PM

رد: سلسلة محاسن الاخلاق
 


من سلسلة محاسن الاخلاق -- مفهوم الاخلاق في الاسلام


الأخلاق في الإسلام عبارة عن المبادئ والقواعد المنظمة للسلوك الإنساني ، والتي

يحددها الوحي لتنظيم حياة الإنسان على نحو يحقق الغاية من وجوده في هذا العالم على الوجه الأكمل

والأتم ، ويتميز هذا النظام الإسلامي في الأخلاق بطابعين :

الأول : أنه ذو طابع إلهي، بمعنى أنه مراد الله سبحانه وتعالى .

الثاني : أنه ذو طابع إنساني، أي للإنسان مجهود ودخل في تحديد هذا النظام من الناحية العملية .

وهذا النظام هو نظام العمل من أجل الحياة الخيرية ، وهو طراز السلوك وطريقة التعامل مع النفس والله والمجتمع .

وهو نظام يتكامل فيه الجانب النظري مع الجانب العملي منه، وهو ليس جزءًا من النظام الإسلامي

العام فقط ، بل هو جوهر الإسلام ولبه وروحه السارية في جميع نواحيه : إذ النظام الإسلامي -

على وجه العموم -مبني على مبادئه الخلقية في الأساس ، بل إن الأخلاق هي جوهر الرسالات السماوية

على الإطلاق. فالرسول صلى الله وسلم يقول : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " [ رواه أحمد في مسنده ] .


فالغرض من بعثته -صلى الله عليه وسلم - هو إتمام الأخلاق ، والعمل على تقويمها ، وإشاعة مكارمها ،

بل الهدف من كل الرسالات هدف أخلاقي ، والدين نفسه هو حسن الخلق .


ولما للأخلاق من أهمية نجدها في جانب العقيدة حيث يربط الله سبحانه وتعالى ورسوله -

صلى الله عليه وسلم - بين الإيمان وحسن الخلق ، ففي الحديث لما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم :

أي المؤمنين أفضل إيمانا ؟ قال صلى الله عليه وسلم : "أحسنهم أخلاقاً " [رواه الطبراني في الأوسط ] .


ثم إن الإسلام عدّ الإيمان برًّا، فقال تعالى : ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ

الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ)(البقرة: 177)


وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " البر حسن الخلق " [ رواه مسلم ]. والبر صفة للعمل الأخلاقي

أو هو اسم جامع لأنواع الخير.

وكما نجد الصلة بين الأخلاق والإيمان ، نجدها كذلك بين الأخلاق والعبادة إذ إن العبادة روح أخلاقية

في جوهرها؛ لأنها أداء للواجبات الإلهية. ونجدها في المعاملات - وهي الشق الثاني من الشريعة الإسلامية

بصورة أكثر وضوحاً .

وهكذا نرى أن الإسلام قد ارتبطت جوانبه برباط أخلاقي ، لتحقيق غاية أخلاقية، الأمر الذي يؤكد أن الأخلاق

هي روح الإسلام ، وأن النظام التشريعي الإسلامي هو كيان مجسد لهذه الروح الأخلاقية .

الخلق نوعان


1- خلق حسن : وهو الأدب والفضيلة، وتنتج عنه أقوال وأفعال جميلة عقلا وشرعاً .


2- خلق سيئ : وهو سوء الأدب والرذيلة، وتنتج عنه أقوال وأفعال قبيحة عقلا وشرعاً.

وحسن الخلق من أكثر الوسائل وأفضلها إيصالاً للمرء للفوز بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والظفر

بقربه يوم القيامة حيث يقول : " إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً" [ رواه الترمذي ] .


الأخلاق والممارسة الإيمانية


إن الأخلاق في الإسلام لا تقوم على نظريات مذهبية ، ولا مصالح فردية ، ولا عوامل بيئية تتبدل وتتلون

تبعا لها ، وإنما هي فيض من ينبوع الإيمان يشع نورها داخل النفس وخارجها ، فليست الأخلاق فضائل منفصلة

، وإنما هي حلقات متصلة في سلسلة واحدة ، عقيدته أخلاق ، وشريعته أخلاق ، لا يخرق المسلم إحداها

إلا أحدث خرقا في إيمانه .. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ،

ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا يسرق السارق وهو مؤمن " [ رواه البخاري].


وسئل صلى الله عليه وسلم : أيكذب المؤمن ؟ قال: (لا) ثم تلا قوله تعالى : (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ

لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ) (النحل:105) .


فالأخلاق دليل الإسلام وترجمته العملية ، وكلما كان الإيمان قوياً أثمر خلقا قوياً.

دوام الأخلاق وثباتها


كما أن الأخلاق في الإسلام ليست لونا من الترف يمكن الاستغناء عنه عند اختلاف البيئة ، وليست

ثوبًا يرتديه الإنسان لموقف ثم ينزعه متى يشاء ، بل إنها ثوابت شأنها شأن الأفلاك والمدارات التي تتحرك

فيها الكواكب لا تتغير بتغير الزمان لأنها الفطرة (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ)(الروم:30) .


امي فضيلة 06-09-2015 04:20 PM

رد: سلسلة محاسن الاخلاق
 
حاجتنا إلى مكارم الأخلاق
خلق الله الإنسان وجعل له صورتين: صورة ظاهرة وهي الخَلق ، وصورة باطنة وهي الخُلُق ،

وكما تفاوت الناس في صورة خَلقهم ما بين حسن وقبيح ، وجميل ودميم ، كذلك تفاوتت صورهم الباطنة

المتمثلة في أخلاقهم تمام التفاوت أو أوسع .


الخلق وحسن الخلق



يعرف فلاسفة الأخلاق الخلق بأنه " الطبع والسجية" ، ولكن ليس كل ما يصدر عن الإنسان من أفعال

يدخل تحت مسمى الخُلق ، وإنما يعتبر خُلقا منها ما كان صادرًا عن قصد وإرادة ، وقابلاً للوصف بخير أو شر .

وعليه فخلاصة تعريف الخلق هو أنه: هيئة راسخة في النفس ، تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر ،

من غير حاجة إلى فكر وروية . فإذا كانت هذه الأفعال محمودة شرعًا وعقلا سُميت خُلقا حسنا، وإن كانت

قبيحة مذمومة سميت خلقًا سيئًا.

وقال القرطبي في المفهم: الأخلاق أوصاف الإنسان التي يعمل بها غيره ، وهي محمودة ومذمومة ،

فالمحمودة على الإجمال أن تكون مع غيرك على نفسك ، فتنصف منها ولا تنصف لها، وعلى التفصيل العفو

والحلم والجود والصبر وتحمل الأذى والرحمة والشفقة وقضاء الحوائج والتوادد ولين الجانب ، ونحو ذلك والمذموم

منها ضد ذلك.
وقال بعضهم : حسن الخلق هو: حالة نفسية تبعث على حسن معاشرة الناس، ومجاملتهم بالبشاشة،

و طيب القول، ولطف المداراة.


وقيل: هو أن تلين جناحك، وتطيب كلامك، وتلقى أخاك بوجه طليق.


وعلى العموم فإن حسن الخلق ملاك الفضائل ونظام عقدها، ومحور فلكها، وأكثرها إعدادًا وتأهيلاً لكسب

المحامد والأمجاد، ونيل المحبة بين الناس والاعتداد. ومهما حصَّل الإنسان من الفضائل والخصائص التي

تؤهله كفاءته لبلوغها، ونيل أهدافها، كالعلم والأريحية والشجاعة ونحوها من الخلال الكريمة. بيد أن جميع

تلك القيم والفضائل، لا تكون مدعاة للإعجاب والإكبار وسمو المنزلة، ورفعة الشأن، إلا إذا اقترنت بحسن

الخلق، وازدانت بجماله الزاهر، ونوره الوضاء الباهر، فإذا ما تجردت عنه فقدت قيمتها الأصيلة،

وغدت صورًا شوهاء تثير السأم والتذمر.

ولحسن الخلق في الإسلام مكانة خاصة ، بل إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لخص رسالة الإسلام

بأنها تتميم مكارم الأخلاق كما في الحديث : " إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق" (رواه أحمد وصححه ابن عبد البر) .

وآيات القرآن الكريم وأحاديث النبي الأمين صلى الله عليه وسلم تنضح بالأمر بحسن الخلق وتعظيم

شأن أهله، وأنهم أكمل الناس إيمانا ، وأقربهم وأحبهم إلى الله ورسوله ، وأن ثوابهم في الدنيا عظيم

وفي الآخرة أعظم وأكبر وأكرم.


قال النبي صلى الله عليه وسلم : أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا" رواه الترمذي وحسنه.


وقال عليه الصلاة والسلام : " إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا ،

الموطؤون أكنافا ، الذين يألفون ويؤلفون"


وكفى بحسن الخلق شرفا وفضلا، أن الله عز وجل لم يبعث رسله وأنبياءه للناس إلا بعد أن حلاهم

بهذه السجية الكريمة، وزانهم بها، فهي رمز فضائلهم، وعنوان شخصياتهم.



ولقد كان سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم ) المثل الأعلى في حسن الخلق، وغيره من كرائم

الفضائل والخلال. فقد كان أجود الناس كفّا، وأجرأ الناس صدرًا، وأصدق الناس لهجة، وأوفاهم ذمة، وألينهم

عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابة، ومن خالطه فعرفه أحبه ، وكما وصفته الصادقة البرَّة

أمُ المؤمنين خديجة رضي الله عنها قالت : "إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلَّ ، وتكسب المعدوم ،

وتعين على نوائب الحق " ، وحسبك أن تذكر ما أصابه من قريش، فبعد أن تألبت عليه، وجرعته ألوان الغصص،

حتى اضطرته إلى مغادرة أهله وبلده، فلما نصره الله عليهم، وأظفره بهم، لم يشكـّوا أنه سيثأر منهم،

وينكـّل بهم، فما زاد أن قال: ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا: خيرًا، أخٌ كريم وابن أخٍ كريم. فقال:

أقول كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء.


وبمثل هذه الأخلاق استطاع أن يملك القلوب والعقول، واستحق بذلك ثناء الله تعالى عليه

بقوله عز من قائل: ((وإنك لعلى خلق عظيم)).


لقد تمثل الأخلاق فزانها حتى أصبح خلقه القرآن وصار قرآنا يمشي بين الناس ، ثم أمر أصحابه

أن يتزينوا بصالحها ويتمسكوا بأحسنها : فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" ما من شيء يوضع في الميزان أثقلُ من حسن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق ليبلُغُ به درجة

صاحب الصوم والصلاة "


وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال معاذ : " يا رسول الله أوصني ، فقال صلى الله عليه وسلم :

" استقم وليحسنُنْ خُلقك للناس ".


وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : اتق الله حيثما كنت،

وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن .


وكان حسن الخلق مطلبا نبويا يدعو ربه أن يجمله به ويديمه عليه فكان من دعائه عليه الصلاة والسلام :

" اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي " (أحمد وصححه ابن حبان) ، وكان يقول: " واهدني لأحسن

الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت" (رواه مسلم).

لقد صار حسن الخلق مطلبا ملحا للأمة تعود به إلى محاسن الإسلام ، وتظهر به مكارم أخلاقه ،

وتسترجع به سالف عزها وسابق مجدها، فقد ملك المسلمون في قرونهم الأولى ـ قرون الخير أعلى

مستوى من التربية الأخلاقية ، وكان الناس يدخلون في دين الله أفواجا لما يرون من حسن المعاملة ،

وجميل الأخلاق ، و حين بدأ الانحراف عن هذا المنهج القويم وساءت أخلاق الناس ؛ فُقدت القدوة وضاعت

القيم ، وتبدلت المفاهيم ، ولقد صدق الإمام مالك ـ رحمه الله ـ حين قال :

( ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها).



إسمهان الجادوي 06-09-2015 09:30 PM

رد: سلسلة محاسن الاخلاق
 
http://store2.up-00.com/2014-10/1413534192662.gif


الساعة الآن 04:07 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.1 TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
يرحل الجميع ويبقي شعاع بيت العلم والحب(ملك الكلمة)