منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد

منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد (https://hwazen.com/vb/index.php)
-   شعاع العلوم الشرعية (https://hwazen.com/vb/f38.html)
-   -   صلاة المرأة في المسجد شروطها وآدابها (https://hwazen.com/vb/t8886.html)

دكتورة سعاد 06-17-2015 07:12 AM

صلاة المرأة في المسجد شروطها وآدابها
 

لقد أذن الإسلام للمرأة أن تخرج إلى المسجد وتصلي مع الناس. ومع هذا فقد حثها على أن تصلي في بيتها؛ لأنه أستر لها، ولئلا تفتن غيرها. فعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تمنعوا نساءكم المساجد،
وبيوتهن خير لهن". وعن أم حميد الساعدية – رضي الله عنها -: أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: إني أحب الصلاة معك، فقال: "قد علمت، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجد الجماعة".
وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها:" «لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى مِنَ النِّسَاءِ مَا رَأَيْنَا، لَمَنَعَهُنَّ مِنَ الْمَسَاجِدِ، كَمَا مَنَعَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ نِسَاءَهَا»
قال ابن حجر في فتح الباري: (ووجه كون صلاتها في الإخفاء أفضل: تحقّق الأمن فيه من الفتنة، ويتأكد ذلك بعد وجود مما أحدث النساء من التبرج والزينة).
وإذا كان ابن حجر – رحمه الله – قد قال هذا في زمانه في القرن التاسع فكيف لو رأى هو وغيره من أهل العلم ما عليه النساء في زماننا من خروجهن متبرجات متطيبات كاسيات عاريات، حتى في أفضل بقعة على وجه الأرض: في بيت الله الحرام. ويستفاد من هذا الحديث مشروعية تستر المرأة في كل شيء حتى في صلاتها وعبادة ربها، وكلما كانت في مكان أستر كان ثوابها أعظم وأوفر؛ لهذا أرشدها النبي صلى الله عليه وسلم إلى أخفى مكان في بيتها وأبعده عن الناس، وهو صلى الله عليه وسلم لا يرشد إلا إلى كل خير.
والنساء لا خلاف في أن شهودهن الجماعة ليس فرضاً، وقد صح في الآثار كون نساء النبي صلى الله عليه وسلم في حجرهن لا يخرجن إلى المساجد.
وإذا استأذنت المرأة زوجها في الخروج إلى المسجد ملتزمة بالشروط المعتبرة فإنه يأذن لها؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الأزواج بذلك؛ فعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد فأذنوا لهن".
وعنه – أيضاً – رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله).

يتبــــــع

دكتورة سعاد 06-17-2015 07:16 AM

رد: صلاة المرأة في المسجد شروطها وآدابها
 
شروط حضور المرأة المسجد
ليس للمرأة أن تخرج إلى المسجد ولا يحل لزوجها أن يأذن لها إلا بشروط ذكرها العلماء. بعضها دل عليه النص، وبعضها ملحق بالمنصوص؛ لمشاركته له في علته، والشروط هي:
1) ألا تكون متطيبة. لما ورد عن زينب الثقفية رضي الله عنها قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمسّ طيباً"، أي: إذا أرادت حضور المسجد فلا تتطيب؛ لأن الطيب من أسباب الفتنة وتحريك شهوة الرجال. ويلحق به الزينة كالثياب الفاخرة والحلي وصوت الخلخال، ونحو هذا، فلابد أن تكون المرأة عند خروجها إلى المسجد على درجة تامة من التستر والبعد عن كل ما يثير الرجال.
2) أن تغض بصرها كما أمرها ربها، فلا تنظر إلى الرجل الأجنبي. قال الله تعالى: ]وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن[.
قال ابن كثير – رحمه الله -: (أي: عما حرم عليهن من النظر إلى غير أزواجهن).
وقال النووي – رحمه الله -: (الصحيح الذي عليه الجمهور من العلماء وأكثر الصحابة أنه يحرم على المرأة النظر إلى الرجل الأجنبي، كما يحرم عليه النظر إليها).
ولا ريب أن الفتنة مشتركة، فكما أن نظر الرجل إلى المرأة سبب الأفتتان بها، كذلك نظرها إليه سبب للافتتان به.
3) ألا يكون في الطريق إلى المسجد ما يخاف منه مفسدة. فإن كان الطريق غير آمن ويخشى عليها من الفساق حرم خروجها؛ لمظنة الفتنة وتحقق الفساد.
4) أن تكون متحجبة الحجاب الشرعي بستر جميع بدنها بما في ذلك الوجه والكفان والقدمان، ولا يحل لامرأة أن تخرج إلى المسجد كاشفة عن وجهها وكفيها، تذهب لأداء عبادة هي في بيتها أفضل، ولكنها تبوء بإثم عظيم بما جنت على نفسها وعلى غيرها من الفتنة وتحريك دواعي الشهوة.
5) ألا تختلط بالرجال لا في الطريق ولا في المسجد، ولا تتقدم إلى صفوف الرجال ولا إلى أماكن الرجال، بل تصلي خلفهم بعيدة عنهم.
وقد ورد عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها".
6) ألا ترفع صوتها في الصلاة لا في القراءة ولا في التأمين ولا في تنبيه الإمام إذا سها، بل تكتفي في الأخير بالتصفيق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "التسبيح للرجال والتصفيق للنساء".
7) أن تنصرف قبل الرجال لئلا تحصل لهن مزاحمة من الرجال في الطرقات أو على أبواب المساجد. وقد ورد عن أم سلمة – رضي الله عنها -: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم يمكث في مكانه يسيراً.
قال ابن شهاب: فنرى – والله أعلم – لكي ينفذ من ينصرف من النساء قبل أن يدركهن الرجال.
وقصارى القول أن المرأة مأمورة بالستر والبعد عن كل ما يثير الرجال حال خروجها من منـزلها عموماً وإلى المسجد خصوصاً.
وعلى المرأة المسلمة أن تكون وقّافة عند حدود الله تعالى، ولتعلم يقيناً أن الذي أمرها بالصلاة وأباح لها أن تخرج إلى المسجد هو الذي أمرها بالحجاب والحشمة والعفة والحياء، فكيف تطيعه في الأول وتعصيه في الثاني؟؟ كيف تكون مأجورة بفعل ما نهى عنه الشارع؟ كيف تؤدي مباحاً وسيلته محرمة؟ إنه لا يبعد أن تكون صلاتها ناقصة؛ لأن المعاصي إذا لم تبطل الأعمال فإنها تنقصها.
وعلى المرأة أن تحذر من مزاحمة الرجال في الأبواب ولا سيما في الخروج، فإما أن تنتظر حتى تذهب حطمة الناس، وإما أن تبادر بالخروج بعد سلام الإمام قبل أن يدركها الرجال، وإلا فمن المعلوم أن المستحب للرجال أن يثبتوا بقدر ما يرون أن النساء قد انصرفن. ولكن أكثرهم لا يفقهون.
والأولى تخصيص أبواب للنساء، بل هذا متعين؛ تأسياً بما حصل في القرن الأول، لما فيه من المصالح العظمية.


يتبــــع

دكتورة سعاد 06-17-2015 07:22 AM

رد: صلاة المرأة في المسجد شروطها وآدابها
 

أهم الأحكام التي تنفرد بها المرأة عن الرجل في الصلاة:

اعلمي أن الأصل في الأحكام الشرعية – ومنها الصلاة – أن المرأة تشارك الرجل فيها، فما ثبت في حق الرجل ثبت في حق المرأة إلا ما دل الدليل على استثنائه. وقد جاء في أحكام الصلاة مسائل تنفرد بها المرأة، لوجود أدلة تفيد ذلك، وأهم هذه الأحكام ما يلي:

1) موقف المرأة خلف الإمام:

لا خلاف بين أهل العلم أن السنة أن تقف المرأة خلف الرجل، فإذا صلى رجل ومعه امرأة وقفت خلفه، وإن كان معه رجل آخر وقف الرجل عن يمينه والمرأة خلفهما. وإن حضر رجال ونساء وقف الرجال خلف الإمام صفاً واحداً أو صفوفاً، ثم تقف النساء بعد الرجال صفاً واحداً أو صفوفاً.

وقد دل على ذلك حديث أنس – رضي الله عنه – قال: صليت أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأمي – أم سليم – خلفنا.

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها".

فدل الحديث على أن خير الصفوف للرجال أولها، والنساء بالعكس، وهذا يفيد أن النساء تكون خلف الرجال.

وعلى المرأة إذا حضرت المسجد أن تتأخر وتبتعد عن الرجال وعن صفوفهم، لئلا يحصل الاختلاط إذ كثرت الصفوف، أو تسمع النساء كلام الرجال وترى حركاتهم، فيتعلق القلب بهم، وتحصل الفتنة.

وقد ذكر العلماء أن المراد بالحديث السابق – حديث أبي هريرة – رضي الله عنه-: النساء اللاتي يصلين مع الرجال في مكان واحد، وأما إذا صلين في مكان خاص بهن – كما يوجد في بعض المساجد – فهن كالرجال، خير صفوفهن أولها وشرها آخرها.

وقد أفاد هذا الحديث أن النساء يقفن في الصلاة صفوفاً لا منفردات، وعليهن أن يسوين صفوفهن، لعموم الأدلة في الأمر بتسوية الصفوف، وسدّ الفرج، وتكميل الصف الأول فالأول.

فإن وقفت المرأة منفردة خلف صف النساء بدون عذر لم تصح صلاتها على الراجح من قولي أهل العلم، فيكون حكمها حكم الرجل المنفرد خلف صف الرجال؛ لأن أحكام النساء مساوية لأحكام الرجال إلا ما استثناه الدليل، وليس هنا دليل على استثناء وقوف المرأة خلف صف النساء، وإنما الدليل على استثناء وقوف المرأة المنفردة خلف صف الرجال – كما تقدم.

2) موقف إمامة النساء:

لو دخلت نساء المسجد وقد انقضت الصلاة، أو كنّ في مجمع خاص – كبيت أو مدرسة – جاز لهن أن يصلين جماعة، وكذا لو كانت الصلاة نافلة، إذا لم يتخذ ذلك عادة.

والسنة أن تقف إمامة النساء في وسط الصف ولا تبرز أمامهن؛ لأن ذلك أستر، والمرأة مطلوب منها الستر.

وقد ورد عن أم ورقة بنت نوفل: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزورها في بيتها وجعل لها مؤذناً يؤذن لها، وأمرها أن تؤم أهل دارها.

والمراد بـ (أهل دارها): النساء. وأما إمامة المرأة للرجل فإنها لا تجوز على الصحيح من أقوال أهل العلم، لما في ذلك من المفاسد العظيمة والله أعلم.
يتبـــــع


دكتورة سعاد 06-17-2015 07:30 AM

رد: صلاة المرأة في المسجد شروطها وآدابها
 

في أحكام الخروج إلى المسجد:

أولا ـ الخروج في أحسن هيئة:

الصلاة صلة بين العبد وربه، يقف المصلي بين يدي الله تعالى يناجيه، يقرأ كلامه، ويذكره، ويدعوه، فيلزم أن يكون في هذا الموقف العظيم على أحسن هيئة وأتم حال.

ومن هنا وجبت طهارة البدن والثوب والبقعة، وكانت الطهارة من الأحداث والأنجاس شرطاً في صحة الصلاة على ما هو مبين في كتب الحديث والفقه.

والمقصود هنا الحديث عن مكملات الطهارة التي ينبغي لكل مصلّ أن يتحلى بها قبل الدخول في الصلاة، وذلك لأن كثيراً من المصلين لا يهتم بها ولا يلقي لها بالاً؛ لأن الصلاة تحولت عنده من عبادة إلى عادة، فهو يأتي إليها بهيئة أقل من الهيئة التي يذهب بها إلى مكان عمله، ومما يتعلق بحسن الهيئة ما يلي:

أولاً – الزينة الظاهرة وهي بالنسبة للمرأة اللباس الشرعي الساتر لجميع البدن، وهذه الأمر يجب على النساء مراعاته في صلاتهن في بيتهن. فنجد كثير من النساء لا تهتم باللباس عند صلاتها ببيتها، بل تصلي بثيابها التي عليها ولو كانت رثة أو لها رائحة كريهة، فلا تكلف نفسها بتبديلها، بحجة أنَّا تصلي ببيتها، ولو أرادت مقابلة شخص له جاه دنيوي، أو أرادت الذهاب لمناسبة من المناسبات ما ذهبت بهذه الثياب، بل ترتدي أجمل ما تملك، فكيف تهتم للوقوف أمام المخلوق ولا تهتم للوقوف أمام الخالق؟ إن هذا دليل على التساهل في شأن الصلاة، وعدم إدراك حقيقتها. فحري بالمسلمة أن تستشعر عظمة من تقف بين يديه.

.

ثانياً – طيب الرائحة ( وطيب المرأة الماء والصابون) فلا تذهب إلى المسجد برائحة الثوم والبصل التي كانت تحضره في مطبخها، ولا تتعطر بطيب بل تكتفي بالغسل بالماء والصابون، وطيب الرائحة لا يتأذى منه المسلمين فقط بل تتأذى منه الملائكة أيضا.

ثالثاً – السواك. وهو من مكملات الطهارة، لأنه تنظيف للفم مما علق به من أوساخ تسبب الروائح الكريهة، وقد اعتنى الشارع بالسواك عند الصلاة، ورغب فيه النبي صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً.

فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة"، وفي رواية لمالك: "عند كل وضوء".

وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب"، فهو مرضاة للرب تبارك وتعالى من جهة أن الإتيان بالمندوب امتثالاً موجب للثواب، ومن جهة أنه مقدمة للصلاة، والصلاة مناجاة، ولا ريب أن طيب الرائحة يحبه صاحب المناجاة، فإذا كان السواك مطهرة للفم مرضاة لله تعالى فحري بالمسلم والمسلمة أن يهتم كل منهما به عند الصلاة فرضاً كانت أو نفلاً، فإن من الناس من لا يقيم للسواك وزناً، إما للجهل بقدره أو التساهل، والتساهل عند النساء أكثر، فليحرص المسلم على ما يحبه مولاه ويقربه إليه ويستاك حتى عند النافلة، فإن من الناس من يتساهل به ولا سيما في النافلة التي بعد الصلاة.

ثانياً ـ الدعاء عند الخروج إلى الصلاة:

إذ ارتدى المصلي ثيابه النظيفة واهتم برائحته وسواكه وخرج من بيته إلى المسجد سنّ له أن يدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي ورد في حديث ابن عباس – رضي الله عنهما: "اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي لساني نوراً، واجعل في سمعي نوراً، واجعل في بصري نوراً، واجعل من خلفي نوراً، ومن أمامي نوراً، واجعل فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، اللهم اعطني نوراً ".

وأحسب أن هذا الدعاء من السنن المهجورة اليوم، التي قلما يفطن لها كثير من الناس، لاسيما وأنه يحتاج إلى حفظ، فينبغي حفظه والاعتناء به؛ فإنه دعاء عظيم؛ لأنه دعاء بالعلم والهداية، والمسلم إذا اجتمع له نور الفطرة ونور الإيمان ونور العلم حاز الخير كله، وليس كل أحد يصلح لذلك. قال تعالى: ]يهدي الله لنوره من يشاء [.

ثالثاً ـ المشي بسكينة ووقار:

عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة، وعليكم بالسكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا".

وعنه – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا ثوّب للصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا، فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة".

وعنه أيضاً – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ثوّب بالصلاة فلا يسعى إليها أحدكم، ولكن ليمش، وعليه السكينة والوقار، فصلّ ما أدركت، واقض ما سبقك.

إن هذه النصوص تبين أدب الحضور لأداء الصلاة، وأن المصلي يمشي إليها بسكينة ووقار، والسكينة هي: التأني في الحركات واجتناب العبث، والوقار: غض البصر، وخفض الصوت، وعدم الالتفات في الطريق.

ولا ريب أن المسلم إذا حضر المسجد بهذه الصفة فقد حاز على ثلاثة أمور:

الأول: الراحة والطمأنينة؛ لأنه إذا أسرع ودخل الصلاة على هذه الحال فإنه يثور نفسه، فلا يحصل له تمام الخشوع في القراءة وغيرها، وهذا ملاحظ، بخلاف ما إذا دخلها وهو ساكن مرتاح فإنه إلى الخشوع والخضوع أقرب.

الثاني: امتثال قوله e: "فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة". أي: أنه في حكم المصلي، فينبغي له اعتماد ما ينبغي للمصلي اعتماده واجتناب ما ينبغي للمصلي اجتنابه.

الثالث: كثرة الخطا إلى المسجد، وهذا لا يتأتى مع السرعة. وهو معنى مقصود لذاته وردت فيه أحاديث، كقوله صلى الله عليه وسلم: "إن لكم بكل خطوة درجة".

رابعًا ـ لا تشبك بين أصابعك:

وهذا من آداب الخروج إلى المسجد التي نهي المصلي عنها، كما في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضأ أحدكم في بيته ثم أتى المسجد كان في صلاة حتى يرجع، فلا يفعل هكذا" وشبك بين أصابعه.وعن أبي ثمامة الحنّاط أن كعب بن عجرة أدركه وهو يريد المسجد، أدرك أحدهما صاحبه، قال: فوجدني وأنا مشبك بيد، فنهاني عن ذلك وقال: إن رسول الله e قال: "إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامداً إلى المسجد فلا يشبكن يديه فإنه في صلاة ". فهذا وما قبله دليل على النهي عن تشبيك الأصابع حال المشي إلى المسجد للصلاة؛ لأن هذا العامد إلى المسجد في حكم المصلي. قال الخطابي – رحمه الله -: (تشبيك اليد هو: إدخال الأصابع بعضها في بعض، والاشتباك بهما، وقد يفعله بعض الناس عبثاً، وبعضهم ليفرقع أصابعه عندما يجده من التمدد فيها، وربما قعد الإنسان فشبك بين أصابعه واحتبى بيديه، يريد به الاستراحة، وربما استجلب به النوم، فيكون ذلك سبباً لانتقاض طهره.

خامسًا ـ في دخول الجنب والحائض المسجد:

دخول الجنب والحائض المسجد إما أن يكون عبوراً ومروراً به لأخذ شيء منه كسجادة أو كتاب ونحو ذلك، أو يكون لبثاً وجلوساً فيه.

فإن كان مروراً به فإنه يجوز ذلك للجنب والحائض على الراجح من أقوال أهل العلم، لقوله تعالى: ]يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا[.

والمراد بالصلاة: أماكنها وهي المساجد، والمعنى: لا تقربوا المصلّى للصلاة وأنتم سكارى . . ولا تقربوه جنباً حتى تغتسلوا ]إلا عابري سبيل[ أي: مجتازين للخروج منه.

وأما الحائض فقد ورد عن عائشة – رضي الله عنها – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: "ناوليني الخُمرة من المسجد"، قالت: إني حائض، قال: "إن حيضتك ليست في يدك".

فهذا يدل على جواز مرور الحائض في المسجد وأنها ليست نجسة، ولكن النجس منها هو موضع الدم وهو الفرج؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرها أن تأتيه بالخًمرة من المسجد. والخُمرة: بضم الخاء: حصير صغير.

وأما لبث الجنب في المسجد فلا يجوز، على الراجح من أقوال أهل العلم، استدلالاً بالآية السابقة، وأخذاً بحديث عائشة – رضي الله عنها – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا أحل المسجد لحائض ولا جنب".

وأما الحائض – ومثلها النفساء – فليس في منعها من المسجد إلا حديث عائشة – المتقدم – والأحوط ألا تلبث في المسجد إلا لضرورة – كما قال ابن تيمية – كما لو خافت على نفسها أو كان البرد شديداً أو كان فيه مطر أو نحو ذلك.



يتيــــع


دكتورة سعاد 06-17-2015 07:43 AM

رد: صلاة المرأة في المسجد شروطها وآدابها
 

أحكام حضور المسجد:

أولاً ـ تقديم اليمنى عند الدخول:

اعلم أن لدخول المسجد صفة خاصة، وهي تقديم الرجل اليمنى؛ لأن اليمين أعدت لكل ما هو من باب التكريم، واليسار لما هو بضد ذلك، وهذه الصفة يخل بها كثيرون جهلاً أو عجلة، مع أنه ثبت فيها نصوص عامة ونصوص خاصة.

فعن أنس – رضي الله عنه – أنه قال: (من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى).

وقال ابن علان في شرح الأذكار: (وخصت اليمنى بالدخول؛ لشرفه واليسرى بالخروج؛ لخسته، وهذا مما ينبغي الاعتناء بها كغيره من الآداب).

ثانيًا ـالدعاء عند دخول المسجد:


لما كانت المساجد أحب البقاع إلى الله تعالى؛ لأنها بيوت الطاعة ومظنة لنـزول الرحمة وأساسها على التقوى، فيها يعبد الله ويوحد، أرشد النبي صلى الله عليه وسلم من دخل المسجد إلى أدعية جامعة مناسبة للحال، فقد ورد عن أبي حميد أو أبي أسيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك". وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي رضي الله عنه: أنه كان إذا دخل المسجد قال: "أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم"، وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله قال: "إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وليقل: اللهم أجرني من الشيطان الرجيم". وسر تخصيص طلب الرحمة بالدخول وسؤال الفضل بالخروج أن من دخل المسجد اشتغل بما يقربه إلى الله تعالى وإلى رضوانه وجنته من الصلاة والذكر والدعاء، فناسب ذكر الرحمة، وإذا خرج اشتغل بابتغاء الرزق الحلال فناسب ذكر الفضل، قال تعالى: ]فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون[. فإذا دخل المسجد وانتهى إلى الصف سنّ له أن يدعو بما ورد في حديث سعد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – أن رجلاً جاء إلى الصلاة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فقال حين انتهى إلى الصف: اللهم آتني أفضل ما تؤتي عبادك الصالحين، فما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة، قال: "من المتكلم آنفاً"؟ قال الرجل: أنا يا رسول الله، قال: "إذ يعقر جوادك، وتستشهد في سبيل الله".

وكثير من الناس لا يعرف هذه الأدعية، أو يخلّ بها، أو يقولها على صفة تخالف ما هي عليه، فليحرص المصلي على الدعاء

فما أقرب الإجابة لمن توفرت عنده شروط الدعاء!!

ثالثًا ـ التقدم للصف الأول:

من آداب حضور المساجد: التقدم للصف الأول، كما دلت على ذلك النصوص؛ لما في الصف الأول من الفضل العظيم.

ملاحظة: المراد بالصف الأول بالنسبة للنساء في حالة كانت أماكن صلاة النساء غير اماكن الرجل، وإذا كانت النساء تصلي خلف الرجال في المسجد الواحد فالصف الأول بالنسبة للنساء هو الصف الأخير.

فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا،ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً". والتهجير: التبكير إلى الصلاة، والمبادرة إليها.

وعن أبيّ بن كعب – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصف الأول على مثل صف الملائكة، ولو تعلمون فضيلته لابتدرتموه".

وعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في أصحابه تأخراً، فقال لهم: "تقدموا فائتموا بي وليأتم بكم من بعدكم، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله".

فهذه الأحاديث وغيرها تدل على فضل الصف الأول، وأنه ينبغي الحرص عليه بالتبكير إلى الصلاة، حتى أنه لو أدى الأمر إلى القرعة لكانت مشروعة فيه.

ومن النساء من لا تهتم بالصف الأول مع إمكان الصلاة والجلوس فيه،

فتراها تدخل المسجد مبكراً وتقف متنفلة وسط المسجد، أو في مؤخره، وهذا رغبة عن الخير، وزهد فيه، مبعثه الجهل أو عدم المبالاة باكتساب الفضائل، فالله المستعان.

يقول شيخ الإسلام بان تيمية – رحمه الله -: (فمن جاء أول الناس وصف في غير الأول فقد خالف الشريعة، وإذا ضم إلى ذلك إساءة الصلاة أو فضول الكلام أو مكروهه أو محرمه ونحو ذلك مما يصان المسجد عنه، فقد ترك تعظيم الشرائع، وخرج عن الحدود المشروعة من طاعة الله، وإن لم يعتقد نقص ما فعله ويلتزم اتباع أمر الله استحق العقوبة البليغة التي تحمله وأمثاله على أداء ما أمر الله به وترك ما نهى الله عنه، والله أعلم).

رابعًا ـ السلام على من في المسجد:

ومن آداب دخول المساجد السلام على من فيه ولو كان يصلي، فإن السلام على المصلي مشروع، كما هو مذهب الجمهور من أهل العلم، وذلك لما ورد عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: كنت أسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد عليّ فلما رجعنا سلمت عليه فلم يردّ علي، وقال: "إن في الصلاة شغلاً".

فهذا وما قبله دليل على جواز السلام على المصلي، فإن ابن مسعود – رضي الله عنه – كان يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في صلاته، فيرد عليه السلام باللفظ، ولما حرّم الكلام في الصلاة، ورجع المسلمون من الهجرة الثانية إلى الحبشة سلم ابن مسعود – رضي الله عنه – كعادته فلم يرد عليه النبي رضي الله عنه باللفظ، وإنما رد بالإشارة كما في حديث ابن عمر الآتي قريباً، وبين أن سبب امتناع الرد باللفظ هو أن المصلي مشغول شغلاً عظيماً متنوعاً من ذكرو قراءة ودعاء وغير ذلك مما يتعلق بمناجاة الله تعالى التي تستدعي الاستغراق بخدمته، فلا يصلح فيها الاشتغال بغيره، ولو كان السلام على المصلي غير مشروع لبيّنه صلى الله عليه وسلم ولو بعدم الإشارة في الرد؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، فلما ثبت الرد بالإشارة وعدم الإنكار علم أن السلام على المصلي مشروع.

والسلام على المصلين يكون بلفظ جامع على الجميع ولا يكون بما تفعله بعض النساء بالسلام باليد على جميع من في المسجد فتشغل نفسها وغيرها عن استغلال وقت تواجدها في المسجد بما يجب فيه.

خامسًا ـ صلاة تحية المسجد:

ومن آداب حضور المساجد – وهي بيوت الله تعالى وأمكنة عبادته – أن يصلي الداخل ركعتين تعظيماً لله تعالى، وإكراماً لموضع العبادة. وهذه الصلاة هي تحية المسجد؛ لأن الداخل يبتدئ بهما كما يبتدئ الداخل على القوم بالتحية.

وقد دلّ على مشروعية تحية المسجد حديث أبي قتادة السلمي – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين". وفي رواية: "فيركع ركعتين قبل أن يجلس".

اعلم أن النافلة لا تشرع إذا دخل المسجد والإمام في الفريضة، أو قد شرع المؤذن في الإقامة، أو دخل والصلاة ستقام، فلا تصلي تحية المسجد في هذه الحالات؛ وذلك لعموم حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة".

قال النووي: (الحكمة فيه أن يتفرغ للفريضة من أولها فيشرع فيها عقب شروع الإمام، والمحافظة على مكملات الفريضة أولى من التشاغل بالنافلة).

لكن إذا أقيمت الصلاة وهو في تحية المسجد، أو في راتبة، فهل يقطعها؟ ثلاثة أقوال:

الأول: أنه يقطعها؛ لعموم "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة". فإن الحديث عام يشمل من شرع في النافلة بعد سماع الإقامة للفريضة، أو كان قد شرع في النافلة وسمع الإقامة بعد ذلك، وقد أخرج ابن أبي شيبة عن بيان قال: (كان قيس بن أبي حازم يؤمنا فأقام المؤذن للصلاة وقد صلى ركعة، قال: فتركها، ثم تقدم فصلى بنا).

ولأجل أن يدرك الفريضة من أولها بإدراك تكبيرة الإحرام بعد تكبير الإمام، كما ذكر النووي سابقاً، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا كبر فكبروا" وهذه الجملة تدل على أن تكبير المأموم يقع عقب تكبير الإمام فلا يقارنه ولا يتقدم عليه، بدليل رواية أبي داود: "ولا تركعوا حتى يركع، ولا تسجدوا حتى يسجد".

القول الثاني: أنه لا يقطعها بل يتمها. واستدل من قال بهذا بعموم قوله تعالى: ]ولا تبطلوا أعمالكم[.

ووجه الدلالة: أن قطع النافلة وعدم إتمامها إبطال للمؤدي، والآية تنهى عن إبطال الأعمال مطلقاً، فيدخل ذلك في عمومها، قال الشوكاني في فتح القدير: (والظاهر النهي عن كل سبب من الأسباب التي توصل إلى بطلان الأعمال كائناً ما كان، من غير تخصيص بنوع معين).

وأجابوا عن حديث أبي هريرة – المتقدم – بأن النهي متوجه إلى الشروع في غير تلك المكتوبة. وأما إتمام المشروعة قبل الإقامة فضروري لا اختياري، فلا يدخل في النهي المستفاد من الحديث، عملاً بعموم الآية.

القول الثالث: التفصيل: وهو أنه إذا كان في الركعة الثانية فلا يقطعها بل يتمها خفيفة، وإن كان في الركعة الأولى فإنه يقطعها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة". فمن صلى ركعة قبل الإقامة فقد أدرك ركعة من الصلاة سالمة من المعارض الذي هو الإقامة، فيكون قد أدرك الصلاة بإدراكه الركعة فيتمها خفيف، ومن كان في الركعة الأولى ولو في السجدة الثانية منها فإنه يقطعها؛ لأنه لم تتمّ له هذه الصلاة، ولم تخلص له حيث لم يدرك منها ركعة قبل النهي عن النافلة.

تسقط تحية المسجد في صور عديدة أهمها ما يلي:

1) إذا تكرر دخول الإنسان المسجد عدة مرات متوالية، فمن أهل العلم من قال: يكفيه ركعتان.

2) إذا دخل المسجد وجلس قبل التحية، فإن لم يطل الفصل قام وصلى، على الأظهر من قولي أهل العلم، ويدل لذلك حديث جابر – رضي الله عنه – قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ جاء رجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أصليت يا فلان؟" قال: لا. قال: "قم فصلّ ركعتين".

قال النووي: (الذي يقتضيه هذا الحديث أنه إذا ترك التحية جهلاً بها أو سهواً يشرع له فعلها ما لم يطل الفصل، وهذا هو المختار).

أما إذا جلس وطال الفصل فمن أهل العلم من قال: إنه فات محلها، وقال آخرون: بل يقوم ويصلي ولو طال الفصل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سليكاً – كما تقدم – بتحية المسجد بعد جلوسه، ولا تحديد لهذا الفصل، فلا يتركها الداخل حتى ولو جلس فإنه يصليها.

3) إذا دخل المسجد وقد أقيمت الفريضة – كما تقدم – أو صلاة نفل كالتراويح، أو صلى مقضية سقطت عنه تحية المسجد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة".

لأن المقصود من تحية المسجد هو تعظيم المسجد بأي صلاة كانت وشغل بقعة المسجد بصلاة، فقامت الفريضة أو النافلة أو المقضية ونحوها مقام التحية، فلم تبق التحية مطلوبة.

4) إذا دخل والخطيب يوشك أن ينهي خطبة الجمعة فإنه يقف إلى قيام الصلاة، لكراهة الجلوس قبل التحية، ولا صليها؛ لأنه مأمور بصلاتها حيث يمكنه ذلك، وفي هذه الحال لا يمكنه أن يصلي، فتسقط عنه، وكذا لو خشي فوات تكبيرة الإحرام، أو الفاتحة، أو الركعة الأولى سقطت عنه تحية المسجد.

5) إذا دخل المسجد الحرام وهو يريد الطواف سقطت عنه التحية. وقد مضى الكلام على هذه الصورة. والله أعلم.


سادسًا ـ الصلاة إلى سترة:

ومما ينبغي أن يحرص عليه المصلي بعد دخول المسجد أن يصلي النافلة إلى سترة، وأن يدنو منها، وهي مشروعية في حق الإمام والمنفرد، وكذا المسبوق إذا قام لقضاء ما فاته إن أمكن، حتى ولو كان المصلي في مكان لا يخشى فيه ماراً؛ لعموم الأدلة لكل مصلّ؛ ولأنه قد يكون المار من الجنس الذي لا يراه الإنسي، وهو الشيطان، كما في حديث سهل الآتي – إن شاء الله -.

ولا فرق في مشروعية اتخاذ السترة بين الرجال والنساء، على أن التساهل فيها موجود، فمن المتنفلين من لا يصلي إلى سترة، بل يصلي وسط المسجد، أو في مؤخره بلا سترة، وهذا من الجهل وعدم الفقه في الدين. والنساء يتساهلن في السترة، فلا تكاد تجد امرأة تصلي في بيتها إلى سترة إلا القليل النادر.


يتبــــع


دكتورة سعاد 06-17-2015 07:50 AM

رد: صلاة المرأة في المسجد شروطها وآدابها
 
وظيفة الجالس في المسجد:
إن المساجد موضع العبادة وحضور الملائكة ونزول الرحمة. فما بنيت إلا لذكر الله تعالى والصلاة. فلها من الحرمة ما ليس لغيرها. وقد اختصت المساجد بآداب ينبغي للجالس فيها أن يتحلى بها، وتكون طبيعة له وسجية بلا تكلف ولا مشقة.
وقد نوه الله تعالى بذكر المساجد، وأثنى على المتعبدين فيها؛ قال تعالى: ]في بيوت أذن الله ترفع ويذكر فيه اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتآء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار[. وجمهور المفسرين على أن المراد بالبيوت: المساجد.
وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم المساجد بأنها أحب البقاع إلى الله تعالى، ففي حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أحب البلاد إلى الله تعالى مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها".
وكما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن المساجد بأنها أفضل البقاع، فقد أخبر عن وظيفتها ومهمة الجالس فيها؛ ففي حديث أنس – رضي الله عنه – في قصة الأعرابي الذي بال في المسجد جاء قوله صلى الله عليه وسلم: "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر؛ إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن".
فليحرص من وفقه الله تعالى للتقدم إلى المسجد قبل الإقامة على التحلي بالآداب الشرعية بعد أن يصلي تحية المسجد أو السنة الراتبة، ومن ذلك ما يلي:
1) قراءة القرآن:
لا مكان أفضل من المسجد لقراءة القرآن. يقول النووي رحمه الله: (ويستحب أن تكون القراءة في مكان نظيف مختار، ولهذا استحب جماعة من العلماء القراءة في المسجد؛ لكونه جامعاً للنظافة وشرف البقعة).
وقراءة القرآن في المسجد أفضل من الذكر سواء كانت القراءة حفظاً أو غيباً عن ظهر قلب، وليحرص القارئ على التأدب بآداب التلاوة، من الإخلاص والترتيل وتحسين الصوت والخشوع والسؤال عند آية الرحمة والتعوذ عند آية العذاب والسجود في مواضعه، وألا يرفع صوته بالقراءة، وألا يقطعها لمحادثة أحد، إلا لرد السلام وإجابة المؤذن؛ لعموم الأدلة على وجوب رد السلام ومشروعية إجابة المؤذن، كما يجوز قطعها لكلام لا بد منه كتنبيه غافل أو إرشاد أعمى، ونحو ذلك.
ومن الناس من يتساهل في ذلك فيتحدث مع جاره أثناء التلاوة، بل ويقطعها لأدنى كلام، ولا يتحرج من تكرار ذلك.
ومن كان لا يحسن القراءة فليكثر من ذكر الله تعالى ومن التسبيح والتحميد والتهليل، ففي ذلك ثواب عظيم وخير كثير، دلت عليه الأحاديث الصحيحة، ولا سيما إذا كان ذلك في المساجد.
2) الحذر من الكلام الباطل وما لا فائدة فيه:
لا مكان في المسجد للكلام الباطل من الغيبة والكذب ونحو ذلك، وإذا كانت هذه الأمور محرمة فهي في المسجد أشد تحريماً، وكلّ كلام لا فائدة فيه فإن المسجد ينـزه عنه، فإن المساجد لم تبن لذلك. ومن الناس لا يفتأ يتحدث مع جاره في كلام لا خير فيه أو فيه مضرة، وأكثر هؤلاء ممن يتقدمون إلى المسجد، ويحرمون أنفسهم من فضائل الأعمال التي لا كلفة فيها من الذكر والتسبيح، فهي حفظ للوقت، واحترام للبقعة، وخير يدخره أحوج ما يكون إليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: (وأما الكلام الذي يحبه الله ورسوله في المسجد فحسن، وأما المحرم فهو في المسجد أشد تحريماً، وكذلك المكروه، ويكره فيه فضول المباح).
3) الحذر من رفع الصوت:
لقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن رفع الصوت بالقراءة؛ لئلا يشوش القارئ على غيره من المصلين والتالين – كما تقدم -، وإذا كان القارئ منهياً عن رفع صوته بالقراءة وهي عبادة إذا تأذى به أحد، فكيف يكون الحكم فيمن يرفع صوته في غير ذلك كحديث الدنيا، وكيف يكون الحكم إذا كان يرفع صوته ومن بجواره يقرأ القرآن؟!
قال ابن عبد البر: (وإذا نهي المسلم عن أذى المسلم في عمل البر وتلاوة القرآن فإيذاؤه في غير ذلك أشد تحريماً). وعن السائب بن يزيد – رضي الله عنه – قال: كنت قائماً في المسجد فحصبني رجل، فنظرت فإذا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -، فقال: اذهب فائتني بهذين، فجئته بهما، فقال: من أنتما؟ أو: من أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف، قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!.
وقد نص أهل العلم على كراهة رفع الصوت في المسجد، إلا فيما لابد منه من العلم ونحوه، والله أعلم.
4) الحذر من البيع والشراء في المسجد:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك. وإذا رأيتم من ينشد ضالة فقولوا: لا رد الله عليك". وروى مالك: أن عطاء بن يسار كان إذا مر عليه بعض من يبيع في المساجد دعاه فسأله: ما معك، وماذا تريد؟ فإن أخبره أنه يريد أن يبيعه قال: عليك بسوق الدنيا، وإنما هذه أسواق الآخرة. وإنما نهي عن البيع والشراء في المسجد؛ لما يصاحب ذلك من اللغط ورفع الصوت وتلويث المسجد بمخلفات البيع ونحو ذلك مما يفقد المساجد حرمتها ومكانتها؛ فإن المساجد لم تبن لهذا، وإنما بنيت لذكر الله تعالى والصلاة والعلم، والبيع والشراء ونشد الضالة إخراج لها عن وظيفتها التي قررها الشرع، ويلحق بالبيع ما في معناه من الإجارة والرهن والقرض ونحوها من العقود.
5) الحذر من استدعاء النوم بالنعاس:
ينبغي للجالس في المسجد ألا يكون للنوم أو النعاس عليه سبيل، ولا سيما مع طول المكث كيوم الجمعة، ولا ريب أن النعاس قد يكون من الأمور القهرية إلا أنه يمكن تفادي ذلك براحة تامة قبل الحضور إلى المسجد، ولا سيما يوم الجمعة، ولا يليق بمسلم أن يجعل اليقظة وقوة الانتباه في الأسواق، ويجعل حظ المسجد النوم والنعاس.
كما ينبغي استدعاء النعاس بسبب من الأسباب كالاستناد إلى جدار، أو خفض الرأس، بل يشتغل الجالس بما تقدم، ولا سيما تلاوة القرآن.
ومن الناس من لا يبالي بذلك ولو كان في مجلس من المجالس ما كان للنعاس عليه من سبيل، فليحرص المسلم على اغتنام الأوقات لا سيما في أفضل البقاع وهي المساجد، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم من ينعس إلى علاج ميسور؛ فقد ورد عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا نعس أحدكم وهو في المسجد فيتحول من مجلسه ذلك على غيره".
قال الشوكاني: (والحكمة في الأمر بالتحول: أن الحركة تذهب النعاس، ويحتمل أن الحكمة فيه انتقاله من المكان أصابته فيه الغفلة بنومه وإن كان النائم لا حرج عليه، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم في قصة نومهم عن صلاة الصبح في الوادي بالانتقال منه، وأيضاً من جلس ينتظر الصلاة فهو في صلاة، والنعاس في الصلاة من الشيطان، فربما كان الأمر بالتحول لإذهاب ما هو منسوب إلى الشيطان من حيث غفلة الجالس عن الذكر أو سماع الخطبة أو ما فيه منفعة).


يتبــــــع

دكتورة سعاد 06-17-2015 08:16 AM

رد: صلاة المرأة في المسجد شروطها وآدابها
 

من آداب حضور المساجد

أولاً ـ تسوية الصفوف وإتمامها:

من آداب حضور المساجد تسوية الصفوف إذا أقيمت الصلاة، ولقد أولى الإسلام صفوف المصلين عناية كبيرة، حيث أمر بتسوية الصفوف، وبين كيفية التسوية، وأظهر فضيلة تسويتها، والاهتمام بها.

فعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سووا صفوفكم؛ فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة"، وفي رواية: "من إقامة الصلاة".

وعن أبي مسعود البدري – رضي الله عنه – قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة، ويقول: "استووا، ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم . . ".

وعن النعمان بن بشير – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لتسوُّن صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم".

فهذه نصوص واضحة في وجوب تسوية الصفوف، قال البخاري – رحمه الله تعالى – في صحيحه: (باب إثم من لا يتم الصفوف)، وأورد فيه بسنده عن بشير بن يسار الأنصاري عن أنس بن مالك: أنه قدم المدينة، فقيل له: ما أنكرت منا منذ يوم عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: (ما أنكرت شيئاً إلا أنكم لا تقيمون الصفوف).

وعن أنس – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتموا الصف المقدم ثم الذي يليه، فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر". ومن مجموع النصوص يتضح أن تسوية الصف تتحقق بما يلي:

1) إتمام الصف الأول فالأول، وسدّ الفرج بالتراص.

2) استقامة الصف وتعديله بالمحاذاة بين الأعناق والمناكب والركب والأكعب، بحيث لا يتقدم عنق على عنق، ولا منكب على منكب ولا صدر على صدر.

3) ألا يوسع المصلي بين قدميه؛ لأن ذلك يمنع التصاق منكب صاحبه بمنكبه.

وليس من تسوية الصف ما يفعله بعض الناس من ملاحقة من على يمينه ومن على يساره؛ ليلصق كعبه بكعب جاره، يفعل ذلك في القيام والركوع وبعد الرفع من الركوع. وهذا الفعل لا أصل له في تسوية الصفوف، وفيه أخطاء عديدة:

الأول: أن فيه اشتغالاً؛ فيه اشتغال بما لم يشرع، وإكثار من الحركة، واهتمام بعد القيام لملأ الفراغ، وفيه إشعال للجار بملاحقة قدمه.

الثاني: فيه توسيع للفرج بين المتصافين، ويظهر ذلك إذا هوى المأموم للسجود. وهذا يؤدي إلى عدم التصاق منكبه بمنكب صاحبه، وركبته بركبته، وكعبه بكعبه، فانظر كيف ضيّع هذا المصلي سنة من أجل فعل لا أصل له.

الثالث: فيه اقتطاع لمحل قدم غيره بغير حق، فإن جاره يفر منه وهو يلاحقه في مكانه الذي سبق إليه.

الرابع: فيه تفويت لتوجيه رؤوس القدمين إلى القبلة؛ لأن أكثر هؤلاء يلوي قدمه، ليلزقها بقدم جاره.

وليحذر المصلي أن يقف في صف متأخر مع وجود أمكنة خالية في الصفوف الأول، كما يفعله بعض الناس عندما يقيمون صفاً أو صفوفاً وبينهم وبين الإمام صفوف شاغرة، فإن هذا مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم: "أتموا الصف المقدم ثم الذي يليه . . ."الحديث، ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "تقدموا فائتموا بي، وليأتكم بكم من بعدكم، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله". يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ولا يصف في الطرقات والحوانيت مع خلو المسجد، ومن فعل ذلك استحق التأديب، ولمن جاء بعده تخطيه، ويدخل لتكميل الصفوف المتقدمة، فإن هذا لا حرمة له).

ثانيًا ـ الدخول مع الإمام على أي حال:

إذا دخل المصلي والإمام في الصلاة دخل معه على أي حال كان؛ في القيام أو الركوع أو السجود أو بين السجدتين؛ وذلك لما ورد عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فكبروا، ولا تعدوها شيئاً، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة".

وعن أبي قتادة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا". قال الحافظ ابن حجر: (استدلّ به على استحباب الدخول مع الإمام في أي حال وجد عليها).

وعن معاذ – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتى أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام". هذه هي السنة في حق الداخل والإمام في الصلاة؛ بدلالة ما ذكر من النصوص.

ومن الناس من إذا دخل والإمام ساجد أو بين السجدتين لم يدخل معه حتى يقوم إلى الركعة التالية، أو يعلم أنه في التشهد فيجلس معه، وهذا قد حرم نفسه فضل السجود، مع أنه مخالف لما تضمنته الأدلة المتقدمة. قال بعض العلماء في فضل السجود مع الإمام إذا أدركه ساجداً: (لعله أن لا يرفع رأسه من السجدة حتى يغفر له).

ولصلاة المسبوق أحكام يضيق الحديث عنها الآن فيجب الرجوع إليها لمعرفة كيفية تدارك ما فات من الصلاة على كل حال.

ثالثًا ـ في الذكر بعد الصلاة:

للذكر بعد الصلاة شأن عظيم، حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ورغب فيه قولاً وفعلاً، وقد دل على ذلك مجمل قوله تعالى: ]وأدبار السجود[ قال ابن عباس – رضي الله عنهما – (أمره أن يسبح في أدبار الصلوات كلها).

ولذا قال الإمام النووي – رحمه الله -: (أجمع العلماء على استحباب الذكر بعد الصلاة، وجاء فيه أحاديث كثيرة صحيحة في أنواع منه متعددة). والذكر بعد الصلاة من المواضع التي يتأكد فيها الذكر.فينبغي للمسلم أن يتعلم هذه الأذكار، وأن يحرص على الإتيان بها في مواضعها، وألا تأخذه العجلة، فيتركها، فيفوته خير كثير، كما عليه كثير من الناس اليوم. وسأذكر شيئاً من هذه الأذكار بسياق أحاديثها؛ ليكون المسلم على بصيرة من ذلك إن شاء الله تعالى، وليحرص على التقيد بالألفاظ الواردة عنه صلى الله عليه وسلم؛ لأن ذلك أكمل في التعبد. روى ثوبان – رضي الله عنه –

قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً، وقال: "اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت ذا الجلال والإكرام"، وفي رواية لحديث عائشة – رضي الله عنها -: "يا ذا الجلال والإكرام"، قيل للأوذاعي – وهو أحد رواة حديث ثوبان -: كيف الاستغفار؟ قال: تقول: استغفر الله، استغفر الله.

وأما زيادة لفظ (وتعاليت) بعد لفظ تباركت فهي وإن كانت من ألفاظ الثناء على الله تعالى ووردت في أحاديث أخرى، إلا أنه لا أصل لها في هذا الموضع. والله أعلم. وعن المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد".

وفي رواية سندها صحيح: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير"، ثلاث مرات.وعن أبي الزبير قال: كان ابن الزبير – رضي الله عنه – يقول في دبر كل صلاة حين يسلم: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله،ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون". وقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلل بهن دبر كل صلاة.

فإن كان بعد صلاة المغرب أو الفجر هلّل عشر مرات، لحديث أبي ذر – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قال دبر صلاة الفجر، وهو ثاني رجليه قبل أن يتكلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، كتب له عشر حسنات، ومحيت عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكان يومه ذلك في حرز من كل مكروه وحرس من الشيطان، ولم ينبغ لذنب أن يدركه في ذلك اليوم إلا الشرك بالله". وعن معاذ بن جبل – رضي الله عنه -: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال: "يا معاذ والله إني لأحبك". فقال يا معاذ لا تدعنّ في دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".

وعن سعد بن أبي وقاص أنه كان يعلم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة، ويقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بهن دبر الصلاة. "اللهم إن أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من عذاب القبر". وقد ورد في "الصحيحين" وغيرهما أدعية أخرى . ثم يبدأ المصلي بالتسبيح، وقد ورد في السنة صفات متعددة ومن ذلك:

الصفة الأولى: أن يسبح ثلاثاً وثلاثين، ويحمد ثلاثاً وثلاثين، ويكبر ثلاثاً وثلاثين، ويقول تمام المائة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير".

ودليل ذلك حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين فتلك تسعة وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير؛ غفرت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر".

الصفة الثانية: ما ورد في حديث كعب بن عجرة – رضي الله عنه – عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن دبر كل صلاة مكتوبة: ثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة" ومعنى "معقبات": أي: تفعل مرة بعد أخرى في أعقاب الصلاة.

الصفة الثالثة: ما ورد في حديث عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -: "خلتان لا يحصيهما رجل مسلم إلا دخل الجنة، ألا وهما يسير، ومن يعمل بهما قليل: يسبح الله دبر كل صلاة عشراً، ويحمده عشراً، ويكبره عشراً"، قال: فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدها بيده قال: "فتلك خمسون ومائة باللسان وألف وخمس مائة في الميزان . . ." الحديث.

الصفة الرابعة: أن يسبح خمساً وعشرين، ويحمد خمساً وعشرين، ويهلل خمساً وعشرين، ودليل ذلك حديث زيد بن ثابت – رضي الله عنه – قال: أمروا أن يسبحوا دبر كلّ صلاة ثلاثاً وثلاثين، ويحمدوا ثلاثاً وثلاثين، ويكبروا أربعاً وثلاثين، فأتي رجل من الأنصار في منامه، فقيل له: أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسبحوا دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وتحمدوا ثلاثاً وثلاثين، وتكبروا أربعاً وثلاثين؟ قال: نعم. قال: فاجعلوا خمساً وعشرين، واجعلوا فيها التهليل، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال: "اجعلوها كذلك".

والأفضل أن يأتي المصلي بهذه الصفة تارة، وبهذه تارة أخرى، لما تقدم في العبادات والواردة على صفات متعددة.

والأفضل أن يكون عد التسبيح بالأنامل – وهي الأصابع – لدلالة السنة على ذلك – كما سيأتي إن شاء الله – وقد درج على ذلك الصحابة – رضي الله عنهم – ومن تبعهم بإحسان إلى يومنا هذا – ولله الحمد – وهو أولى من استعمال السبحة ونحوها، فإنه أقرب إلى الإخلاص، وأبعد عن الرياء، وأدعى إلى حضور القلب. وللمصلي أن يعقد التسبيح بكلتا يديه؛ لما تقدم في حديث عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما – قال: (فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدها بيده) ولفظ "اليد" للجنس، فيراد به: اليدان، وفي بعض ألفاظ الحديث: (ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدها هكذا) وعدّ بأصابعه.

وعن يسيرة – وكانت من المهاجرات – قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا نساء المسلمات، عليكن بالتهليل والتسبيح والتقديس، ولا تغفلن فتنسين الرحمة، واعقدن بالأنامل؛ فإنهن مسؤولات مستنطقات".

وبعد الذكر يقرأ آية الكرسي ]الله لا إله إلا هو الحي القيوم[ . . . إلى: ]وهو العلي العظيم[ لحديث أبي أمامة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة، لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت"، ثم يقرأ سورة الإخلاص ]قل هو الله أحد[ والمعوذتين ]أعوذ برب الفق[ و ]قل أعوذ برب الناس[، لما ورد عن عقب بن عامر – رضي الله عنه – قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوّذات دبر كل صلاة.

رابعًا ـ في الفصل بين الفريضة والنافلة:

دلت نصوص الشريعة على أنه ينبغي لمن صلى الفريضة أن يتحول عن مكانه لصلاة النفل إذا كانت النافلة في المسجد، فإن حصل بينهما بكلام كفى، والمراد به: التحدث مع الآخرين؛ لأنه أبلغ في الفصل، وأبعد عن جنس الصلاة. والحال الأول أكمل، وذلك ليحصل تمييز بين الفريضة والنافلة، وهذا مقاصد الشريعة في مشروعية هذا الحكم. ولا فرق في ذلك بين الإمام والمأموم،ولا بين الرجل والمرأة، لعموم الأدلة. وقد دل على ذلك ما ورد عن عمر بن عطاء أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب ابن أخت نمر يسأل عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة، فقال: نعم، صليت معه الجمعة في المقصورة، فلما سلم الإمام قمت من مقامي، فصليت، فلما دخل أرسل إليّ، فقال: لا تعد لما فعلت؛ إذا صليت الجمعة فلا تصلها بصلاة حتى تكلم أو تخرج؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بذلك؛ أن لا نوصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج.

قال النووي: (فيه دليل لما قاله أصحابنا: إن النافلة الراتبة وغيرها يستحب أن يتحول لها من موضع الفريضة إلى موضع آخر، وأفضله التحول إلى بيته، وإلا فموضع آخر من المسجد أو غيره، ليكثر مواضع سجوده، ولتنفصل صورة النافلة عن صورة الفريضة، وقوله: "حتى نتكلم" دليل على أن الفصل بينهما يحصل بالكلام – أيضاً – ولكن بالانتقال أفضل؛ لما ذكرناه، والله أعلم).

اختلاف نية الإمام والمأموم

من أحكام دخول المسجد التي ينبغي العلم بها أنه لا يشترط اتحاد نية الإمام والمأموم، وأن اختلاف نية الإمام عن المأموم لا يمنع صحة الاقتداء، فالمفترض يأتم بالمتنفل، والمتنفل يأتم بالمفترض، والمفترض يقتدي بمفترض آخر


خامسًا ـ لا يحجز مكاناً في المسجد:

اعتاد بعض الناس حجز مكان في بعض المساجد، خلف الإمام، إما بفرش سجادة معينة، أو وضع عصا، ونحو ذلك، وصاحب المكان إما في منـزله أو عمله، وهذه الظاهرة تكثر في المسجد الحرام ولا سيما في رمضان، حيث اعتاد أناس فرش سجاجيد في المسجد الحرام، ولا سيما عند الأعمدة يلازمون الصلاة فيها، ولا يكتفون بأماكن أنفسهم، بل يحجزون لأولادهم وأقربائهم وأصدقائهم، ويبذلون دريهمات لفئة من الناس يقومون بفرشها قبل مجيئهم، وطرد الناس عنها. وهذا العمل مخالف لنصوص الشريعة وما عليه سلف هذه الأمة من وجوه:

الأول: أن المصلي مأمور بالتقدم إلى المسجد والقرب من الإمام بنفسه، لا بعصاه ولا بسجادته، وغالب من يصنع ذلك حريص على الصف الأول، لكن هذا الحرص أدى إلى مخالفة السنة.

الثاني: أن فيه مخالفة لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإتمام الصف الأول – كما تقدم – وإتمامه مطلوب حتى قبل الإقامة، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا". ومن فهم أنه يدرك فضل الصف الأول وفضيلة التقدم بتقديم عصاه، وأنه يحصل على ذلك ولو جاء متأخراً فقد أخطأ في الفهم، وأساء التصرف، فإن الفضل لا يحصل بتقدم السجادة، ولا العصا، بل الإنسان نفسه، ولا يبعد أن هذا الشخص يفوته من الأجر ويحصل له من الإثم بقدر تأخره؛ لأنه منع غيره، وخالف أمر الشرع، وكيف يكون مأجوراً بفعل ما نهى عنه الشرع؟

ولا يبعد أن تكون صلاة المتحجر ناقصة؛ لأن المعاصي إذا لم تبطل الأعمال فإنها تنقصها.

الثالث: أن الناس في بيوت الله سواء، لا أحقية إلا للمتقدم، والسبق إلى المساجد يكون بالبدن لا بالعصا، فمن وضع عصاه أو نحوها وتأخر فقد غصب طائفة من المسجد، ومنع السابقين إلى المسجد أن يصلوا فيها، وأن يتموا الصف الأول فالأول، ولا ريب أن السابق يستحق هذا المكان بسبقه، ولكن هذا المتحجر ظلمه حقه فهو عاص بذلك.

ومن تقدم ووجد الصف الأول قد تحجره أحد فصلى في الصفوف المتأخرة كان أفضل وأعظم أجراً؛ لأنه ما تقدم بنفسه إلا وهو يريد فضيلة السبق وأجر الصف الأول، فمنع ذلك بغير حق، فحصل على الفضل بنيته وقصده، وفات المتحجر الأجر بسبب فعله. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: (ليس لأحد أن يتحجر من المسجد شيئاً، لا سجادة يفرشها قبل حضوره، ولا بساطاً، ولا غير ذلك، وليس لغيره أن يصلي عليها بغير إذنه، لكن يرفعها ويصلي مكانها في أصح قولي العلماء، والله أعلم).

الرابع: أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير، قال ابن الأثير: (معناه أن يألف الرجل مكاناً معلوماً من المسجد مخصوصاً به، يصلي فيه، كالبعير لا يأوي من عطن إلا إلى مبرك دمث قد أوطنه واتخذه مناخاً). إن ملازمة الإنسان لمكان خاص في المسجد قد يفقده لذة العبادة؛ لكثرة إلفه له وحرصه عليه، كما أنه قد يؤدي إلى الشهرة والرياء والسمعة،

وفيه الحرمان من تكثير مواضع العبادة التي تشهد له يوم القيامة.وبعض الملازمين لمكان خاص يحقد على غيره إذا رآه في مكانه، وربما دعاه ذلك إلى إزاحة من سبقه إليه، أو التضجر منه، ورحم الله إمام السنة أبا عبد الله أحمد بن حنبل الذي قال عنه المروزي: (كان أبو عبد الله يقوم خلف الإمام، فجاء يوماً وقد تجافى الناس أن يصلي أحد في ذلك الموضع، فاعتزل وقام في طرف الصف، وقال: نهي أن يتخذ الرجل مصلاه مثل مربض البعير).

الخامس: أن تقديم المفارش أو العصي يجعل صاحبها يتأخر عن الحضور اتكالاً على ذلك، وهذا مشاهد، فإذا حضر تخطى رقاب الناس وآذاهم فجمع بين التخطي والتأخر.

السادس: أن في التحجير ترفعاً على الآخرين، وإحساساً بالفارق الذي قد يفضي بصاحبه إلى الغرور والكبر، دون أن يشعر به صاحبه، وإنك لترى شيئاً من ذلك بادياً على وجوه كثير من المتحجرين في المسجد الحرام، وكيف يتخطون رقاب الناس على أماكنهم بلا مبالاة، ويمرون بينهم وبين سترتهم وهم يتنفلون، وهذا من الشهرة والرياء.

السابع: أن هذا التحجر يحدث النـزاع ويسبب العداوة والشحناء في أفضل البقاع، وهي المساجد التي لم تبن إلا لذكر الله تعالى وعبادته، وكم رأينا وسمعنا نزاعاً يقع في بيت الله الحرام حول هذه الأماكن المحجوزة، ولا سيما مع من يقومون بذود الناس عنها!

الثامن: أن هؤلاء المتحجرين – ولا سيما في المسجد الحرام – إذا كان في الصف الذي أمامهم فرجة محاذية لأحدهم لم يتقدم لسدها خوفاً على مكانه، بل منهم من لا يرص الصف، بل يطلب من غيره أن يقترب؛ لئلا يزول عن مكانه. وهذا مخالف لنصوص الشريعة القاضية بسد الفرج والتراص في الصفوف. أما من كان في المسجد ووضع عصاه أو سجادته في مقدم الصف وصلى أو قرأ في مكان آخر؛ ليستند إلى عمود، أو ليراجع حفظه، ونحو هذا فلا حرج عليه، بشرط ألا يتخطى رقاب الناس، ولا يؤذيهم إذا جاء إلى مكانه، وإن كان الأولى عدم مثل ذلك متى وجد عنه مندوحة.

ومن تقدم إلى المسجد وفي نيته انتظار الصلاة ثم عرض له عارض من وضوء ونحوه فقام لا حرج عليه في وضع عصا ونحوه حتى يرجع، وإذا رجع فهو أحق بمكانه؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به". قال النووي: (قال أصحابنا: هذا في حق من جلس في موضع من المسجد أو غيره لصلاة مثلاً، ثم فارقه ليعود إليه، كإرادة الوضوء، أو لشغل يسير ثم يعود، لا يبطل اختصاصه به، وله أن يقيم من خالفه وقعد فيه، وعلى القاعد أن يطيعه، واختلف: هل يجب عليه؟ على وجهين: أصحهما الوجوب)، قال: (ولا فرق بين أن يقوم منه ويترك له فيه سجادة ونحوها أم لا. والله اعلم).

ومن سبق إلى مكان في المسجد فهو أحق به، فلا يجوز إقامته من موضعه الذي سبق له سواء كان شريفاً أو وضيعاً، صغيراً أو كبيراً، إلا إذا حصل منه أذى، كآكل الثوم وشارب الدخان، فإنه يخرج من المسجد.

سادسًا ـ في إيذاء المصلين والتشويش عليهم:

المصلي يناجي ربه ويلهج بذكره ودعائه ويستحضر عظمته وهيبته وجلاله، ولا يليق بمسلم أن يقطع هذه المناجاة على أخيه بالأذية أو التشويش، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا إن كلكم مناج ربه، فلا يؤذين بعضكم بعضاً .." ويأتي بتمامه إن شاء الله، وقد شددّ الإسلام في موضوع الأذية، واعتبرها من موجبات اللعن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم".

ولا ريب أن الأذية في المساجد والتشويش على المصلين والذاكرين أعظم من الأذية في الطرق، وذلك منكر عظيم، ينبئ عن تساهل في احترام المساجد، ومراعاة المتعبدين، والمطلوب من المسلم الذي قصد بيتاً من بيوت الله أن يكون متحلياً بمكارم الأخلاق من السماحة والهدوء والمرحمة، ولا يليق به أن يهدم من جانب ويبني من جانب آخر.

والتشويش على المصلين يكون بأمور عدة وصور شتى أذكر منها الآتي:

1) تخطي الرقاب:

من التشويش على المصلين وأذيتهم قبل إقامة الصلاة: تخطي رقابهم ورفع الأرجل فوق رؤوسهم، مع استكمال الصفوف وخلوها من الفرج، ولا سيما في المساجد التي يكثر فيها المصلون في. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تخطي الرقاب، فقال للذي رآه يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة: "اجلس فقد آذيت".

وهذا الحديث من أقوى ما ورد في الزجر عن التخطي، كما قاله الحافظ في الفتح. وقد وقع التصريح في حبوط ثواب الجمعة للمتخطي في حديث ابن عمرو – رضي

قال النووي: (ينهي الداخل إلى المسجد يوم الجمعة وغيره عن تخطي رقاب الناس من غير ضرورة).

وجاء في الاختيارات لشيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله -: (ليس لأحد أن يتخطى رقاب الناس ليدخل في الصف، إذا لم يكن بين يديه فرجة لا يوم الجمعة ولا غيره؛ لأن هذا من الظلم والتعدي لحدود الله تعالى).

2) مضايقة المصلين:

ومن الأذية: مضايقة المصلين المتقدمين ومزاحمتهم في أماكنهم بحيث يفقدون الراحة في صلاتهم وقراءتهم، وهذا يكثر فيمن يأتون متأخرين، فيجمعون بين التخطي والمضايقة والتأخر. وتكثر المضايقة في الحرمين الشريفين، حتى أن بعض الداخلين المتأخرين يجلس أمامك ويمنع بدنك راحته، ومنهم من يدخل الصف قسراً، بحيث لا يستطيع المصلي وضع يديه على صدره، ولا أداء صلاته براحة، وهذا من الجفاء، وعدم احترام المصلين المتقدمين، وهو من قلة الفقه في الدين.

إن المطلوب من المتقدمين أن يتفسحوا ويتوسعوا للداخل إن أمكن ذلك؛ امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "ولكن توسعوا" وتقدم بتمامه. وهذا دليل التواضع المقتضي للمحبة، والنفوس جلبت على حب من أحسن إليها. وليس من خلق المسلم

أن يكون جشعاً فيأخذ من الأمكنة ما يزيد عن حاجته، ويأنف أن يفسح لغيره، ويجمع بين سوء القول وقبح الفعل.

والمطلوب من المتأخرين أن يحبوا لأخوانهم ما يحبون لأنفسهم. وليفرض كل واحد منهم أن يكون هو المتقدم وزاحمه غيره. إن الإسلام لا يريد المضايقة حيث لا يمكن التفسح، ومن تعاليم هذا الدين الحنيف لأبنائه أن يجلسوا حيث ينتهي بهم المجلس، وذلك فيما رواه جابر بن سمرة – رضي الله عنه – قال: كنا إذا أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جلسنا حيث ننتهي.

3) رفع الصوت بالقراءة:

ومن التشويش على المصلين قبل الإقامة: رفع الصوت بقراءة القرآن بحيث يتأذى بجهره القارئ والمصلي، وقد نهى النبي رضي الله عنه عن ذلك، فعن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة، وهو في قبة له، فكشف الستر، وقال: "ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضاً، ولا يرفعن بعضكم على بعض بالقراءة" أو قال: "في الصلاة".

وعن البياضي (فروة بن عمرو) رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة، فقال: "إن المصلي يناجي ربه، فلينظر بما يناجيه به، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن". فهذان الحديثان

فيهما نهي القارئ والمصلي عن رفع الصوت بالقراءة، لما في ذلك من أذية الآخرين من قارئ أو مصلّ أو ذاكر. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله: (ليس لأحد أن يجهر بالقراءة لا في الصلاة ولا في غير الصلاة إذا كان في المسجد وهو يؤذيهم بجهره). وقال في جواب له: (ومن فعل ما يشوش به على أهل المسجد أو فعل ما يفضي إلى ذلك منع من ذلك، والله أعلم ). أما إذا كان القارئ لا يتأذى بجهره أحد فقد جاءت الأحاديث بجواز الجهر؛ لا سيما إذا كان القارئ يأمن على نفسه من الرياء وطلب الشهرة، ويتأكد الجهر إذا كان على سبيل التعليم.

ولا ريب أن الجهر أحياناً فيه إيقاظ القلب وتجديد النشاط وانصراف السمع إلى القراءة وتعدى نفعها إلى السامعين.

ويجوز رفع الصوت بالقرآن في الليل، بل ذلك مستحسن إذا لم يؤذ أحداً، وأمن من الرياء، وعن عائشة – رضي الله عنها – أن النبي صلى الله عليه وسلم: سمع رجلاً يقرأ في سورة بالليل، فقال: "يرحمه الله، لقد أذكرني آية كذا وكذا، كنت أنسيتها من سورة كذا وكذا".

4) المرور بين يدي المصلي:

إن المرور بين يدي المصلي وسترته حرام؛ لأنه تشويش عليه وإشغال لباله وهو يناجي ربه، وقد عبّر بعض العلماء بالكراهة، والمراد التحريم، فإنه قد ثبت فيه النهي الأكيد، والوعيد الشديد؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه"، قال أبو النّضر: لا أدري أقال: أربعين يوماً أو شهراً أو سنة؟.

والمراد بما بين يدي المصلي: أن المصلي إن كان له سترة فما بينه وبين سترته محرم، لا يحل لأحد أن يمر منه، وإن لم يكن له سترة؛ فإن كان للمصلي سجادة يصلي عليها فإن هذه السجادة محترمة لا يحل لأحد أن يمر بين يدي المصلي فيها، وإن لم يكن له مصلى فإن المحرم ما بين قدمه وموضع سجوده فلا يمر بينه وبين هذا الموضع.

ويشرع للمصلي رد المار بين يديه سواء صلى إلى سترة أم لا، على الأظهر من قولي أهل العلم؛ لحديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان".

وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحداً يمر بين يديه، فإن أبى فليقاتله؛ فإن معه القرين"، ففي حديث أبي سعيد تقييد دفع المار فلم يقيد بوضع السترة، وفي حديث ابن عمر أطلق دفع المار فلم يقيد بوضع المصلي سترة وكذا وورد في حديث أبي سعيد عند البخاري في رواية له، لأن التقييد بوضع السترة قيد أغلبي، ولا تعارض بين المطلق والمقيد، فالمقيد يبقى على تقييده، فيدفع إن اتخذ سترة، ويبقى المطلق على إطلاقه، فيرد ولو لم يتخذ سترة، لأن المصلي مأمور بالصلاة إلى سترة، ومأمور بدفع المار سواء امتثل فوضع سترة أم لا.

والمراد بالمقاتلة: الدفع بعنف وقهر، لا جواز القتل؛ لأن هذا اللفظ خرج مخرج التغليظ، والمبالغة في كراهة المرور.

5) رفع الصوت بالكلام:

ومن التشويش بعد الإقامة ما يقوم به بعض الناس، ولا سيما النساء، في بعض المساجد من تبادل الأحاديث ورفع الصوت بذلك، فتفوتهن تكبيرة الإحرام مع الإمام، وكذلك قراءة الفاتحة فإذا ركع الإمام أسرعن وآذين المصلين بأصواتهن وحركتاهن، وهذا التصرف ينبئ عن تساهل بالصلاة من جانب، وعدم رعاية المصلين من جانب آخر، وإذا كان من يصلي نافلة مأموراً بقطعها – على أحد الأقوال كما تقدم – لأجل أن يدرك الفريضة من أولها، مع أنه في عبادة، فكيف حال من يتأخر عن أول الفريضة من أولها، مع أنه في عبادة، فكيف حال من يتأخر عن أول الفريضة وشغله القيل والقال بل وأذية الآخرين؟!

وما تقدم من النهي عن الكلام في المسجد لا يعني أن الكلام يحرم فيه بل هو مباح – على الراجح من قولي أهل العلم – إذا خلا من المحاذير السابقة، وهي التشويش على المصلين أو الإعراض عن الصلاة والتشاغل عنها، لكن لا بد من ملاحظة أن المساجد لم تبن إلا لذكر الله تعالى والصلاة، وما يتبع ذلك من تدريس العلم، وموعظة الناس، وقد ورد عن سماك بن حرب قال: قلت لجابر ابن سمرة: أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، كثيراً كان لا يقوم من مصلاه، الذي يصلي فيه الصبح أو الغداة حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس قام، وكانوا يتحدثون،فيأخذون في أمر الجاهلية، فيضحكون، ويبتسم.قال القرطبي: (هذا الفعل منه صلى الله عليه وسلم يدل على استحباب لزوم موضع صلاة الصبح، للذكر والدعاء إلى طلوع الشمس؛ لأن ذلك الوقت وقت لا يصلّى فيه، وهو بعد صلاة مشهودة، وأشغال اليوم بعد لم تأت، فيقع الذكر والدعاء على فراغ قلب وحضور فهم، فيرتجى فيه قبول الدعاء، وسماع الأذكار . .).

سابعًا ـ في المسألة في المسجد:

المساجد بيوت الله تعالى، بنيت لذكره ودعائه وعبادته، لا للتكسب وجمع حطام الدنيا، ولذا منع البيع والشراء، ونشد الضالة، وسار الصناعات في المساجد؛ لهذا المعنى.

وبناء على ذلك فالمساجد لا تصلح مكاناً للسؤال، وجمع المال، مع ما في ذلك من إيذاء المصلين والذاكرين والتشويش عليهم.

وقد وردت النصوص بجواز إعطاء الفقير من غير مسألة، وذلك بأن يعرف فقره وحاجته، فيعطى زكاة أو صدقة ونحو ذلك، أو تقسم أموال في المسجد، فيعطى مع الناس، فله أن يأخذ ما يأتيه.

ثامنًا ـ في الأكل في المسجد:

يباح الأكل والشرب في المسجد، إلا ما كان له رائحة كريهة كالثوم والبصل والكراث والفجل؛ لأن آكل هذه البقول منهي عن إتيان المسجد. والأكل في المسجد إما أن يكون معتكفاً أو غير معتكف . . .

فإن كان معتكفاً فإنه يأكل ويشرب في المسجد، وليس له أن يخرج من أجل الأكل؛ لأن خروجه ينافي الاعتكاف، قال الإمام مالك – رحمه الله -: (أكره للمعتكف أن يخرج من المسجد فيأكل بين يدي الباب،، ولكن ليأكل في المسجد،فإن ذلك له واسع ) ، وقال:(لايأكل المعتكف ولا يشرب إلا في المسجد، ولا يخرج من المسجد إلا لحاجة الإنسان لغائط أو بول). وأما غير المعتكف فكذلك يجوز له الأكل في المسجد، ولا داعي لتقييد ذلك بالغريب دون غيره، فإن الأدلة عامة، ومن ذلك: ما ورد عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي – قال: أكلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شواء في المسجد، فأقيمت الصلاة، فأدخلنا أيدينا في الحصى، ثم قمنا نصلي، ولم نتوضأ . وعنه – أيضاً – رضي الله عنه قال: كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الخبـز واللحم.ويشهد لذلك أن أهل الصفة كانوا يسكنون في المسجد، وهذا يدل ضمناً على أن الأكل فيه جائز. وكذا قصة ربط ثمامة بن أثال – رضي الله عنه – في المسجد وكذا قصة سعد بن معاذ – رضي الله عنه – عندما وضع له النبي صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد يعوده من قريب بعد ما أصيب في غزوة الخندق.

فهذا كله يدل على جواز الأكل في المسجد، إذ لم يشتهر عند الصحابة – رضي الله عنهم – منع الأكل في المسجد، والأصل أنه مباح، فكيف إذا تأيد هذا الأصل بأدلة قوية؟!. وينبغي للآكل في المسجد أن يضع سفرة ونحوها تقع عليها فضلات الأكل، لئلا تلوث المسجد، أو يتناثر شيء من الطعام فتتجمع عليه الهوام. والله أعلم.



بهذا القدر نكون قد وصلنا لنهاية الحديث عن موضوع صلاة المراة في المسجد شروطها وآدابها.


فبارك الله في كل من قرأ وعمل .

اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما

اللهم بلغنا رمضان وأعنا على صيامه وقيامه إيمانا واحتاسبا


واجعلنا من المقيمي الصلاة ومن ذرياتنا

هوازن الشريف 06-17-2015 01:43 PM

رد: صلاة المرأة في المسجد شروطها وآدابها
 
ماشاء الله تبارك الله

يستحق ان يكون كتيب للمراحعه والعلم

جزاك الله خيرا دكتورة سعاد

ننتظر دوما بحوثك المميزه


الساعة الآن 11:44 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Search Engine Friendly URLs by vBSEO 3.6.1 TranZ By Almuhajir
new notificatio by 9adq_ala7sas
HêĽм √ 3.1 BY: ! ωαнαм ! © 2010
يرحل الجميع ويبقي شعاع بيت العلم والحب(ملك الكلمة)