#1
| |||||||||||
| |||||||||||
أين أنت في عشر ذي الحجة أين أنت في عشر ذي الحجة...! الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ؛ أيها الأخ المسلم الكريم ؛ فها هي أيام العشر الأول من ذي الحجة ، أيام الخير والبركة تهل علينا حاملة بشائر الأجر ونسائم الفضل ، يستعد لها الموفقون ، ويسعد بها الطائعون ، ويطمع في بركتها الصالحون ، فأين أنت في هذه الأيام العشر المباركة ؟ وماذا أعددت لاستقبالها واغتنامها والتزود فيها ؟ . في هذه الورقات نقدم لك أيها الأخ الكريم والأخت الكريمة بيانا بفضيلة هذه الأيام المباركة ، ودعوة للاستفادة من هذه الأوقات الفاضلة ، سائلين الله أن يرزقنا وإياكم التوفيق لما يحبه ويرضاه . فضيلة هذه الأيام أخرج البخاري وأبو داود والترمذي وغيرهم عنْ ابْن عباسٍ رضي الله عنهما قال : قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : «ما منْ أيامٍ الْعملُ الصالحُ فيهن أحبُ إلى الله منْ هذه الْأيام الْعشْر» فقالُوا : يا رسُول الله،ولا الْجهادُ في سبيل الله؟ فقال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : «ولا الْجهادُ في سبيل الله ، إلا رجُل خرج بنفْسه وماله ***ْ يرْجعْ منْ ذلك بشيْءٍ» . وفي رواية عند الطبراني في الكبير: «ما منْ أيامٍ يُتقربُ إلى الله فيها بعملٍ أفْضل منْ هذه الأيام الْعشْر» . وفي رواية عند الدارمي :« ما منْ عملٍ أزْكى عنْد الله عز وجل ولا أعْظم أجْرا منْ خيْرٍ تعْملُهُ في عشْر الأضْحى » . وأخرج الطيالسي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر عنده أيام الْعشْر فقال : «ما منْ أيامٍ أحبُ إلى الله عز وجل الْعملُ فيه منْ عشْر ذي الْحجة » . ذلك بعض ما أشار إليه حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم من فضيلة هذه الأيام ، ولما كان الصحابة رضي الله عنهما قد استقر عندهم أن الجهاد ذروة سنام الإسلام وأعظم الأعمال ، فقد سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن العمل الصالح في هذه الأيام هل يسبق في الأجر والدرجة تلك الفريضة الكريمة السامية ؟ فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الجهاد لا يسبق العمل الصالح في هذه الأيام إلا في حالة واحدة ، وهي أن يخرج المجاهد مخاطرا بماله ونفسه فينال الشهادة ويفقد المال ولا يرجع بشيء ، وقد أخرج أحمد وغيره من طرق يقوي بعضها بعضا عنْ عبْد الله بْن عمْرٍو رضي الله عنهما قال : كُنْتُ عنْد رسُول الله صلى الله عليه وسلم وذُكرتْ الْأعْمالُ فقال : «ما منْ أيامٍ الْعملُ فيهن أفْضلُ منْ هذه الْعشْر» قالُوا : يا رسُول الله ، ولا الْجهادُ؟ قال : فأكْبرهُ ، قال «ولا الْجهادُ إلا أنْ يخْرُج رجُل بنفْسه وماله في سبيل الله ثُم تكُون مُهْجةُ نفْسه فيه». وأخرج ابن حبان عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما منْ أيامٍ أفْضلُ عنْد الله منْ أيام عشْر ذي الْحجة » ، قال : فقال رجل : يا رسول الله، هُن أفْضلُ أم عدتُهن جهادا في سبيل الله؟ قال : « هُن أفْضلُ منْ عدتهن جهادا في سبيل الله ... »الحديث قال ابن رجب في فتح الباري : « هذا الحديث نص في أن العمل المفضول يصير فاضلا إذا وقع في زمان فاضل ، حتى يصير أفضل من غيره من الأعمال الفاضلة ؛ لفضل زمانه ، وفي أن العمل في عشر ذي الحجة أفضل من جميع الأعمال الفاضلة في غيره . ولا يستثنى من ذلك سوى أفضل أنواع الجهاد ، وهو أن يخرج الرجل بنفسه وماله ، ثم لا يرجع منهما بشيء . وقد سئل صلى الله عليه وسلم : أي الجهاد أفضل ؟ قال : «منْ عُقر جوادُهُ ، وأُهْريق دمُهُ» . وسمع رجلا يقول : اللهُم اعطني أفضل ما تعطي عبادك الصالحين، فقال لهُ : «إذنْ يُعْقرُ جوادُك ، وتُسْتشْهدُ» . فهذا الجهاد بخصوصه يفضل على العمل في العشر ، وأما سائر أنواع الجهاد مع سائر الأعمال ، فإن العمل في عشر ذي الحجة أفضل منها . انتهى كلام ابن رجب. ومن ثم اجتهد الموفقون في صالح الأعمال في هذه الأيام ، وكان سعيدُ بْنُ جُبيْرٍ -راوي الحديث عن ابن عباس- إذا دخل أيامُ الْعشْر اجْتهد اجْتهادا شديدا حتى ما يكادُ يقْدرُ عليْه (أخرجه الدارمي) . وكان يدعو إلى عدم إطفاء السرُج ، كناية عن طول القيام وكثرة الأعمال الصالحة في هذه الأيام المباركة . فأين أنت من هذا الخير العظيم ؟ (1) أين أنت من التعرض لنفحات رحمة الله في أيام العشر ؟ أخرج الطبراني في الكبير وفي الدعاء ، والبيهقي في الشعب وفي الأسماء والصفات ، وأبو نعيم في معرفة الصحابة ، والقضاعي في مسند الشهاب عنْ أنس بن مالكٍ رضي الله عنه قال : قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : «افْعلُوا (وفي رواية : اطلبوا) الْخيْر دهْركُمْ (زاد في رواية : كله)، وتعرضُوا لنفحات رحْمة الله ، فإن لله نفحاتٍ منْ رحْمته يُصيبُ بها منْ يشاءُ منْ عباده ، وسلُوا الله أنْ يسْتُر عوْراتكُمْ ، وأنْ يُؤمن روْعاتكُمْ». قال الهيثمي في المجمع: رواه الطبراني وإسناده رجاله رجال الصحيح غير عيسى بن موسى بن إياس بن البُكير وهو ثقة . وأخرجه الطبراني في الدعاء والبيهقي في الشعب وابن أبي الدنيا في (الفرج بعد الشدة) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « اطلبوا الْخيْر دهْركُمْ كُلهُ » فذكره بمثله . وأخرج الطبراني في الكبير وفي الأوسط عنْ مُحمد ابن مسْلمة الأنْصاري رضي الله عنه قال: قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم :«إن لربكُمْ في أيام دهْركُمْ نفحاتٍ، فتعرضُوا لهُ، لعلهُ أنْ يُصيبكُمْ نفْحة منْها، فلا تشْقوْن بعْدها أبدا» . قال الهيثمي في المجمع : وفيه من لم أعرفهم ومن عرفتهم وُثقوا . وأخرج الدولابي في الكنى والأسماء نحو ذلك عن ابن عمر رضي الله عنهما . وأخرج الرامهرمزي في المحدث الفاصل عن محمد بن سعيد قال : لما مات محمد بن مسلمة الأنصاري ، وجدنا في ذؤابة سيفه كتابا : ، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : « إن لربكُمْ في بقية دهْركُمْ نفحاتٍ، فتعرضُوا لهُ ، لعل دعْوة أنْ تُوافق رحْمة يسْعدُ بها صاحبُها سعادة لا يخْسرُ بعْدها أبدا» والتعرض لنفحات رحمة الله يكون بكثرة الدعاء والسؤال في هذه الأوقات الفاضلة باعتبارها أوقات إجابة وتفضل من الله تعالى ، فهل تحرص أيها الأخ الحبيب على ورد من الدعاء فيها ؟ وهل تحرص على أن تجعل لدعوتك ولإخوانك ولأمتك نصيبا موفورا من الدعوات المباركة في هذه الأيام ؟ وهل تخص بمزيد من صادق الدعوات إخوانك المجاهدين أهل الرباط في فلسطين وغيرها من ديار الإسلام ؟ أسأل الله أن يوفقنا وإياك لما يرضيه ، وأن يستر عوراتنا ويؤمن روعاتنا وينصر مجاهدينا ، إنه على كل شيء قدير . (2) أين أنت من التوبة النصوح في الأيام العشر ؟ فهذه أيام يقبل الله فيها على خلقه، ويقبل التوبة ممن تاب ، فهل تكون مع أولياء الرحمن المؤمنين الذين استجابوا لنداء الله ]وتُوبُوا إلى الله جميعا أيُها المُؤْمنُون لعلكُمْ تُفْلحُون[ (النور: 31) ]يا أيُها الذين آمنُوا تُوبُوا إلى الله توْبة نصُوحا[ (التحريم: 8) ها هو الحق سبحانه ينادي على المذنب الذي يئس من رحمته ]إنهُ لا ييْأسُ من روْح الله إلا القوْمُ الكافرُون[ (يوسف:87) . ويقول لمن قنط من رحمة ربه ]ومن يقْنطُ من رحْمة ربه إلا الضالُون[ (الحجر: 57). يقول للذي ملأت الذنوب حياته، وشغلت الشهوات أيامه، وغرق فيها غرقا إلى أذنيه: «لوْ أتيْتني بقُراب الْأرْض خطايا ثُم لقيتني لا تُشْركُ بي شيْئا لأتيْتُك بقُرابها مغْفرة». فلنبادر إلى اغتنام نفحات رحمة الله في هذه الليالي والأيام المباركة ، بدءا بالاصطلاح مع الله والتوبة الصادقة إليه ، والله يتولى توفيقنا جميعا لما يحب ويرضى . (3) أين أنت من الذكر في أيام العشر ؟ أخرج أحمد وأبو عوانة وأبو نعيم في الحلية عن ابْن عُمر رضي الله عنهما عنْ النبي صلى الله عليه وسلم قال : «ما منْ أيامٍ أعْظمُ عنْد الله ولا أحبُ إليْه منْ الْعمل فيهن منْ هذه الْأيام الْعشْر ، فأكْثرُوا فيهن منْ التهْليل والتكْبير والتحْميد» . وهو حديث حسن بمجموع طرقه . وأخرج البيهقي في الشعب نحوه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما مْن أيامٍ أفْضلُ عنْد الله ولا الْعملُ فيهن أحبُ إلى الله عز وجل منْ هذه الْأيام الْعشْر ، فأكْثرُوا فيهن منْ التهْليل والتكْبير، فإنها أيام التهْليل والتكْبير وذكْر الله ، وإن صيام يوْمٍ منْها يعْدلُ بصيام سنةٍ، والْعملُ فيهن يُضاعفُ سبْعمائة ضعْفٍ» . قال البخاري : وكان ابْنُ عُمر وأبُو هُريْرة رضي الله عنهما يخْرُجان إلى السُوق في أيام الْعشْر يُكبران ، ويُكبرُ الناسُ بتكْبيرهما ، وكبر مُحمدُ بْنُ عليٍ خلْف النافلة. وهؤلاء الصحابة رضي الله عنهما إنما يفعلون ذلك امتثالا لقوله تعالى )لتُكبرُوا الله على ما هداكُمْ وبشر المُحْسنين( (الحج : 37). فلنكثر من التكبير والتهليل والتحميد والذكر ، وبخاصة أذكار الصباح والمساء والأحوال المختلفة ، وفي أدبار الصلوات . (4) أين أنت من الصيام في أيام العشر ؟ الصيام من أفضل الأعمال التي ندب إليها الإسلام وحض عليها ، فقد أخرج الشيخان عنْ أبي سعيدٍ الْخُدْري رضي الله عنه قال : قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : «ما منْ عبْدٍ يصُومُ يوْما في سبيل الله إلا باعد اللهُ بذلك الْيوْم وجْههُ عنْ النار سبْعين خريفا» . وأفضل ما يكون صيام النوافل في الأيام الفاضلة المباركة ، وأعلاها فضلا وأكملها أجرا هذه الأيام العشر المباركة ، ومن ثم كان صيامُها من أفضل الأعمال ، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما في فضل الأيام العشر أورده الأئمة تحت عنوان (باب فضل صيام العشر) وقال ابن حجر في فتح الباري: «اسْتُدل به على فضْل صيام عشْر ذي الْحجة لانْدراج الصوْم في الْعمل ، واسْتشْكل بتحْريم الصوْم يوْم الْعيد ، وأُجيب بأنهُ محْمُول على الْغالب» وأما الحديث الذي أخرجه مسلم وغيره عن عائشة رضي اللهُ عنْها قالتْ : ما رأيْتُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم صائما في الْعشْر قطُ . فقد قال النووي في شرح مسلم : «قال الْعُلماء : هذا الْحديث مما يُوهم كراهة صوْم الْعشرة ، والْمُراد بالْعشْر هُنا : الْأيام التسْعة منْ أول ذي الْحجة ، قالُوا : وهذا مما يُتأول فليْس في صوْم هذه التسْعة كراهة ، بلْ هي مُسْتحبة اسْتحْبابا شديدا لا سيما التاسع منْها ، وهُو يوْم عرفة ... فيتأول قوْلها : لمْ يصُمْ الْعشْر ، أنهُ لمْ يصُمْهُ لعارض مرض أوْ سفر أوْ غيْرهما ، أوْ أنها لمْ ترهُ صائما فيه، ولا يلْزم عنْ ذلك عدم صيامه في نفْس الْأمْر، ويدُل على هذا التأْويل حديث هُنيْدة بْن خالد عنْ امْرأته عنْ بعْض أزْواج النبي صلى الله عليه وسلم قالتْ : كان رسُول الله صلى الله عليه وسلم يصُوم تسْع ذي الْحجة ، ويوْم عاشُوراء ، وثلاثة أيام منْ كُل شهْر : الاثْنيْن منْ الشهْر والْخميس ورواهُ أبُو داوُد وهذا لفْظه وأحْمد والنسائيُ وفي روايتهما (وخميسيْن) . والله أعْلم» . وزاد ابن حجر تأويلا آخر لحديث عائشة ، وهو «احْتمال أنْ يكُون ذلك لكوْنه كان يتْرُكُ الْعمل وهُو يُحبُ أنْ يعْملهُ خشْية أنْ يُفْرض على أُمته ، كما رواهُ الصحيحان منْ حديث عائشة أيْضا» . ويؤيد فضيلة صيام هذه الأيام ما أخرجه الترمذي وابن ماجه بسند فيه ضعف عنْ أبي هُريْرة رضي الله عنه عنْ النبي صلى الله عليه وسلم قال : «ما منْ أيامٍ أحبُ إلى الله أنْ يُتعبد لهُ فيها منْ عشْر ذي الْحجة ، يعْدلُ صيامُ كُل يوْمٍ منْها بصيام سنةٍ، وقيامُ كُل ليْلةٍ منْها بقيام ليْلة الْقدْر» , قال ابن حجر: «والذي يظْهرُ أن السبب في امْتياز عشْر ذي الْحجة لمكان اجْتماع أُمهات الْعبادة فيه ، وهي الصلاةُ والصيامُ والصدقةُ والْحجُ ، ولا يتأتى ذلك في غيْره » . (5) أين أنت من قيام الليل في أيام العشر ؟ يقول الصالحون : دقائق الليل غالية، فلا ترخصوها بالغفلة . وأغلى ما تكون دقائق الليل في الأيام والليالي الفاضلة . في هذه الأيام والليالي المباركة ينادي رب العزة المتأخرين ليتقدموا ، والمقصرين لينشطوا، ومن فاتته الحسنات فيما مضى ليدرك نفسه ويعوض خسارته في هذه الأيام بقيام الليل، ]ومن الليْل فتهجدْ به نافلة لك عسى أن يبْعثك ربُك مقاما مُحْمُودا[ (الإسراء: 79) ]يا أيُها المُزملُ * قُم الليْل إلا قليلا * نصْفهُ أو انقُصْ منْهُ قليلا * أوْ زدْ عليْه ورتل القُرْآن ترْتيلا[ (المزمل: 1-4) ]إن ربك يعْلمُ أنك تقُومُ أدْنى من ثُلُثي الليْل ونصْفهُ وثُلُثهُ وطائفة من الذين معك[ (المزمل: 20)، فهل تحب أن تكون مع الطائفة التي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ هل تحب أن تدخل في هذه الآية التي خُتمت بالمغفرة والرحمة؟ كلما أوغلت في الليل كان القيام بين يدي الله ألذ لك، حيث ينْزلُ ربُنا تبارك وتعالى إلى السماء الدُنْيا حين يبْقى ثُلُثُ الليْل الْآخرُ يقُولُ : منْ يدْعُوني فأسْتجيب لهُ؟ منْ يسْألُني فأُعْطيهُ؟ منْ يسْتغْفرُني فأغْفر لهُ؟ (أخرجه الشيخان) . إذا وجدت قدميك خفيفتان إلى صلاة الليل ؛ فاعلم أن هذه علامة حب الله لك، إذ لولا أنه يحبك لما جعلك أهلا لمناجاته . أخرج ابن ماجه عنْ أبي هُريْرة رضي الله عنه عنْ النبي صلى الله عليه وسلم : «ما توطن رجُل مُسْلم الْمساجد للصلاة والذكْر إلا تبشْبش اللهُ لهُ كما يتبشْبشُ أهْلُ الْغائب بغائبهمْ إذا قدم عليْهمْ». الله ينتظرك في شوق ، ويلقاك بحب ، فأين أنت؟! يا رجال الليل جدوا --- رب داع لا يرد لا يقوم الليل إلا --- من له عزم وجد فليكن لنا نصيب موفور من هذا الخير في هذه الأيام المباركة . (6) أين أنت من القرآن في أيام العشر ؟ القرآن كلمة الله الخالدة ، ليس مجرد مجموعة من الحروف والكلمات، ولكن وراء كل حرف روحا تحيي القلوب الميتة، وتطمئن النفوس القلقة المضطربة . فهلموا إلى مائدة الله . أرأيتم لو أن أحد الملوك صنع مائدة، ودعا الناس إليها، ولم يمنع منها أحدا، ألا يكون المتخلف عنها عظيم الخسارة؟! الذي يُسمح له أن يجلس على موائد الملوك، ثم يأبى إلا أن يعيش بين الصعاليك، أيعد من العقلاء ؟! هذا ربك قد بسط لك مائدته، وأنت حين تقرأ القرآن فإنك تلتمس روحا وتغذي قلبك إيمانا ويقينا . إن كنت قلقا فتحت كتاب الله فإذا به يناديك ]ألا بذكْر الله تطْمئنُ القُلُوبُ[ (الرعد: 28)، إن ضاقت بك الحال واشتد عليك الأمر ويئست من الفلاح فتحت كتاب الله فنادي عليك ]وكان حقا عليْنا نصْرُ المُؤْمنين[ (الروم:47)، ووجهك إلى ]إنهُ لا ييْأسُ من روْح الله إلا القوْمُ الكافرُون[ (يوسف: 87). إن كنت عصبي المزاج، لا تعرف كيف تضبط أعصابك، وفتحت القرآن، وجدته يناجيك ]خُذ العفْو وأْمُرْ بالْعُرْف وأعْرضْ عن الجاهلين[ (الأعراف: 199). إن كنت مذنبا، فتحت القرآن فيناديك الحق ]فمن تاب منْ بعْد ظُلْمه وأصْلح فإن الله يتُوبُ عليْه إن الله غفُور رحيم[ (المائدة: 39). ماذا أُعدد لك؟ . هذا القرآن ربى جيلا لم تر الدنيا مثله، في أخلاقهم ، في سموهم ، في عقولهم في عطائهم. فهل نغتنم أيام النفحات المباركة لنغذي أرواحنا وقلوبنا من مائدة القرآن المباركة ؟ (7) أين أنت في أيام العشر من الصدقة ؟ كان الحبيب صلى الله عليه وسلم أجود الناس، ما في ذلك شك، لا يلحقه في ذلك أحد، لكنه في الأوقات الفاضلة كان يتجاوز حدود الجود المعهود عنه صلى الله عليه وسلم إلى آفاق لا يحيط بها البشر. فأين أنت في هذه الأيام الفاضلة من سد حاجة محتاج؟ أين أنت من إطعام جائع؟ أين أنت من كسوة عار؟ أين أنت من إخوانك المسلمين المحتاجين الضعفاء؟ نحن على أبواب عيد مبارك ، وقد جعل الله من شعائره ذبح الأنعام وإطعام القانع والمعتر )والْبُدْن جعلْناها لكُم من شعائر الله لكُمْ فيها خيْر فاذْكُرُوا اسْم الله عليْها صواف فإذا وجبتْ جُنُوبُها فكُلُوا منْها وأطْعمُوا القانع والْمُعْتر كذلك سخرْناها لكُمْ لعلكُمْ تشْكُرُون( (الحج :36) الفقراء ينتظرون هذا اليوم لأنهم يعرفون أن أيدي الصالحين تمتد فيه بالعطاء ، والصالحون ينتظرونه لأنهم يترقون فيه درجات عالية في العطاء والسخاء . أنت إن أعطيت لم تعط للمسكين ولا للفقير ولا للمسجد ولا للعمل الخيري ، أنت تعطي لأكرم الأكرمين الذي يرد على المحسن إحسانه أضعافا. ]هلْ جزاءُ الإحْسان إلا الإحْسانُ[ (الرحمن: 60)، وهو لا يرد الإحسان بإحسان، بل يرد الإحسان الواحد بسبعمائة إحسان، بل بألوف وأضعاف مضاعفة. فهل تعامل الله بالصدقة في هذه الأيام أم تستجيب لنداء الشيطان الذي يقول عنه الرحمن جل وعلا: ]الشيْطانُ يعدُكُمُ الفقْر ويأْمُرُكُم بالْفحْشاء واللهُ يعدُكُم مغْفرة منْهُ وفضْلا[، والشيطان لا يملك شيئا، ولكن الرحمن يملك كل شيء ]واللهُ واسع عليم[. (8) أين أنت من تحسين الأخلاق في أيام العشر ؟ لقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم متمما لمكارم الأخلاق ، داعيا لأحمدها وأرشدها ، موصيا يحسن الخلق سائر أصحابه وأحبته ، فقد أخرج مالك أن مُعاذ بْن جبلٍ tقال : آخرُ ما أوْصاني به رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حين وضعْتُ رجْلي في الْغرْز أنْ قال: «أحْسنْ خُلُقك للناس يا مُعاذُ بْن جبلٍ». وعد حسن الخُلُق تمام البر ، فأخرج مسلم عنْ النواس بْن سمْعان الْأنْصاري tقال : سألْتُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم عنْ الْبر والْإثْم فقال : «الْبرُ حُسْنُ الْخُلُق»...الحديث وعبر صلى الله عليه وسلم عن الدرجة العليا والأجر العظيم لحسن الخلق،فيما أخرجه أبو داود وغيره عنْ عائشة رحمها اللهُ قالتْ : سمعْتُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم يقُولُ : «إن الْمُؤْمن ليُدْركُ بحُسْن خُلُقه درجة الصائم الْقائم». ولم لا وحسن الخُُلُق هو أثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة ، فقد أخرج أبو داود والترمذي وصححه عنْ أبي الدرْداء tعنْ النبي صلى الله عليه وسلم قال : «ما منْ شيْءٍ أثْقلُ في الْميزان منْ حُسْن الْخُلُق». وفي رواية الترمذي : «ما شيْء أثْقلُ في ميزان الْمُؤْمن يوْم الْقيامة منْ خُلُقٍ حسنٍ ، وإن الله ليُبْغضُ الْفاحش الْبذيء». وفي رواية أخرى للترمذي : «وإن صاحب حُسْن الْخُلُق ليبْلُغُ به درجة صاحب الصوْم والصلاة». وأخرج الترمذي وصححه عنْ أبي هُريْرة tقال : سُئل رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عنْ أكْثر ما يُدْخلُ الناس الْجنة؟ فقال: «تقْوى الله وحُسْنُ الْخُلُق». وبين النبي صلى الله عليه وسلم أكمل المؤمنين إيمانا ، فقال فيما أخرجه أبو داود والترمذي وصححه عنْ أبي هُريْرة t :«أكْملُ الْمُؤْمنين إيمانا أحْسنُهُمْ خُلُقا». فأين أنت من التدرب على تحسين أخلاقك ، وبخاصة في هذه الأيام العشر ؟ . (9) أين أنت من صلة الأرحام في هذه الأيام العشر؟ صلة الرحم من أفضل الأعمال وأعظمها أجرا ، وقد قرن الله تعالى قطع الأرحام بالفساد في الأرض ، فقد أخرج الشيخان عنْ أبي هُريْرة t عنْ النبي صلى الله عليه وسلم قال : «خلق اللهُ الْخلْق ، ***ا فرغ منْهُ قامتْ الرحمُ فأخذتْ بحقْو الرحْمن ، فقال لهُ : مهْ ! قالتْ : هذا مقامُ الْعائذ بك منْ الْقطيعة . قال : ألا ترْضيْن أنْ أصل منْ وصلك وأقْطع منْ قطعك ؟ قالتْ : بلى يا رب . قال : فذاك» . قال أبُو هُريْرة : اقْرءُوا إنْ شئْتُمْ )فهلْ عسيْتُمْ إنْ توليْتُمْ أنْ تُفْسدُوا في الْأرْض وتُقطعُوا أرْحامكُمْ( . وفضلا عن كون صلة الرحم محبة للأهل وسببا في بركة الرزق والعمر وتعجيل الثواب ؛ فقد جعله النبي صلى الله عليه وسلم أحب الأعمال إلى الله بعد الإيمان بالله ، فقد أخرج ابن أبي عاصم وأبو يعلى عن رجل من خثعم أنه قال : يا رسول الله ، أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل ؟ قال : «إٍيمان بالله تعالى» . قال : يا رسول الله ، ثم مهْ ؟ قال : «ثُم صلةُ الرحم» . فاحرص أخي المسلم الكريم على اغتنام هذه الأيام المباركة لتصل رحمك وبخاصة ما انقطع منها لأي سبب ، واعلم أن الوصل لا يعني أن تصل أولئك الذين يصلونك ويجاملونك ، بل الوصل الحقيقي هو وصل من قطعوك أو قطعت بينك وبينهم الظروف أو الخصومات ، فقد أخرج البخاري عنْ عبْد الله بْن عمْرٍو y عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «ليْس الْواصلُ بالْمُكافئ ولكنْ الْواصلُ الذي إذا قُطعتْ رحمُهُ وصلها» . فلتحرص على صلة رحمك في هذه العشر المباركة ، جعلنا الله وإياكم من الواصلين . (10) أين أنت من إعداد الأضحية ؟ هذه الشعيرة الكريمة هي في أصلها تشبه بأبي الأنبياء خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام ، حين فدى الله ولده سيدنا إسماعيل من الذبح بكبش عظيم أنزله إليه فذبحه الخليل بيده ؛ ليكون ذلك تصديقا لرؤياه ، وذلك في قصة الذبح المعروفة المشهورة . وقد داوم النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الشعيرة الكريمة وحث عليها إعلانا بالشكر لله على نعمه ، وتوسعة ومواساة للفقراء والمساكين ، وتقربا مخلصا لله رب العالمين ، على حد قول الله تعالى ) لن ينال الله لُحُومُها ولا دماؤُها ولكن ينالُهُ التقْوى منكُمْ كذلك سخرها لكُمْ لتُكبرُوا الله على ما هداكُمْ وبشر المُحْسنين ( (الحج :37). والأضحية من أفضل القربات وأعظم الشعائر التي يمارسها المسلم في أيام العيد الأكبر ، إعلانا بشكر نعمة الله وامتثالا لأمر الله ) فصل لربك وانْحرْ ( . وقد روي في فضلها آثار حسان ، منها ما أخرجه ابن عبد البر والخطيب عن ابن عباس y قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما منْ نفقةٍٍ بعْد صلة الرحم أفْضلُُ عنْد الله منْ إهْراق الدم ». وأخرج عبد الرزاق وابن عبد البر عن عائشة رضي الله عنها قالت : يا أيها الناس ضحُوا وطيبوا أنْفُسا ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « ما منْ عبْدٍ توجه بأُُضْحيته إلى الْقبْلة إلا كان دمُها وفرْثُها وصُوفُها حسناتٍ مُحْضراتٍ في ميزانه يوْم الْقيامة ، فإن الدم وإنْ وقع في التُراب فإنما يقعُ في حرْز الله حتى يُوفيهُ صاحبهُ يوْم الْقيامة » . وأخرج الترمذي وحسنه عنْ عائشة رضي الله عنها أن رسُول الله صلى الله عليه وسلم قال : «ما عمل آدمي منْ عملٍ يوْم النحْر أحب إلى الله منْ إهْراق الدم ، إنها لتأْتي يوْم الْقيامة بقُرُونها وأشْعارها وأظْلافها وأن الدم ليقعُ منْ الله بمكانٍ قبْل أنْ يقع منْ الْأرْض فطيبُوا بها نفْسا». قال الترمذي : «ويُرْوى عنْ رسُول الله صلى اللهُ عليْه وسلم أنهُ قال في الْأُضْحية : (لصاحبها بكُل شعرةٍ حسنة) ويُرْوى (بقُرُونها) ». ولعله يشير إلى ما أخرجه ابن ماجه وأحمد والحاكم بسند ضعيف عنْ زيْد بْن أرْقم t قال : قال أصْحابُ رسُول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسُول الله ما هذه الْأضاحيُ؟ قال : «سُنةُ أبيكُمْ إبْراهيم» قالُوا : فما لنا فيها يا رسُول الله؟ قال : «بكُل شعرةٍ حسنة» قالُوا : فالصُوفُ يا رسُول الله؟ قال : «بكُل شعرةٍ منْ الصُوف حسنة» . فهل أعددت نفسك وميزانيتك لأداء هذه الشعيرة الكريمة على الوجه الأكمل ، فاخترت أفضل الأضاحي وأسمنها وأغلاها وأنفسها ، كما كان حبيبك صلى الله عليه وسلم يفعل ؟ أخرج الشيخان عنْ أنسٍ tقال : ضحى النبيُ صلى الله عليه وسلم بكبْشيْن أمْلحيْن (وفي رواية : أقْرنيْن) فرأيْتُهُ واضعا قدمهُ على صفاحهما يُسمي ويُكبرُ فذبحهُما بيده . وفي لفظ لمسلم : ويقُولُ : باسْم الله واللهُ أكْبرُ . وعند ابن ماجه وأحمد عنْ عائشة وأبي هُريْرة yأن رسُول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أنْ يُضحي اشْترى كبْشيْن عظيميْن سمينيْن أقْرنيْن أمْلحيْن موْجُوءيْن، فذبح أحدهُما عنْ أُمته لمنْ شهد لله بالتوْحيد وشهد لهُ بالْبلاغ، وذبح الْآخر عنْ مُحمدٍ وعنْ آل مُحمدٍ صلى الله عليه وسلم . وكذا روى أبو داود عنْ جابر بْن عبْد الله yقال : ذبح النبيُ صلى الله عليه وسلم يوْم الذبْح كبْشيْن أقْرنيْن أمْلحيْن مُوجأيْن، ***ا وجههُما قال : «إني وجهْتُ وجْهي للذي فطر السموات والْأرْض على ملة إبْراهيم حنيفا وما أنا منْ الْمُشْركين ، إن صلاتي ونُسُكي ومحْياي ومماتي لله رب الْعالمين ، لا شريك لهُ وبذلك أُمرْتُ وأنا منْ الْمُسْلمين ، اللهُم منْك ولك ، وعنْ مُحمدٍ وأُمته ، باسْم الله واللهُ أكْبرُ ثُم ذبح» . أسأل الله العظيم أن يتقبل نسكنا وأن يغفر ذنوبنا إنه جواد كريم . |
مواقع النشر (المفضلة) |
(مشاهدة الكل) عدد الذين شاهدوا هذا الموضوع : 6 : | |
, , , , , |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
نصائح من الجدة | ام بشري | شعاع التدبير المنزلي | 3 | 06-03-2014 05:34 PM |
أين أنت في عشر ذي الحجة | ام مصطفى | شعاع العلوم الشرعية | 3 | 10-05-2013 04:29 PM |
فضل العشرة من ذي الحجة | صافي | شعاع العلوم الشرعية | 5 | 10-03-2013 07:18 PM |