رد: الكلمة النابية وأثرها على تربية الطفل/ الشيخ عز الدين رمضاني حفظه الله بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إنَّ المُربِّي ـ أبًا أو أمًّا أو مُعلِّمًا ـ المحِبَّ، الحازمَ الحاسمَ، المتسامحَ من دون مبالغةٍ هو الَّذي يَعرِفُ أنَّ إحساسَه يتَّجِهُ إلى إنضاجِ ابنِه بالتَّفاعُلِ لا بالقهر، وبالتَّفاهُمِ لا بالقَسْرِ، وبالحَنان لا بالغِلظَةِ، ليكون في مأمنٍ من النَّوازِع الخاطئةِ والتَّصرُّفاتِ السَّلبيَّةِ، يبتدئُ بالكفِّ عن الدُّعاءِ عليه؛ إذ إنَّ أسوأَ ما يُفسِدُ تربيةَ الطِّفلِ، ويُعَرِّضُ نشأتَه للخطر والاستئصال، وأشدَّ عباراتِ التَّوبيخِ وقعًا وتأثيرًا على نَفسيَّتِه دعاءُ والدَيْه عليه، ولذلك جاء النَّهي في الشَّرع عن الدُّعاء على الأولاد، يقول الله تعالى: {وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولا}[الإسراء:11]، قال الحسنُ البصري : في هذه الآيةِ: «يغضبُ أحَدُهم فيدعُو عليه، فيَسُبُّ نفسَه ويَسُبُّ زوجتَه ومالَه وولَدَه، فإنْ أعطاه ذلِكَ شقَّ عليه، فيَمنَعُه ذلك ثمَّ يدعُو بالخَيْرِ فيُعْطِيه»(4). وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله ﷺ: «لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَوْلاَدِكُمْ، ولاَ تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لاَ تُوَافِقُوا مِنَ الله سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءً، فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ»(5). ونقل ابنُ الجوزي في «البرِّ والصِّلة» (124) عن الحسن قوله: «دُعاءُ الوالِدَيْن يَستَأْصِلُ المالَ والولدَ». فعلى من ابتُلِيَ من الآباء والأُمَّهاتِ بإطلاقِ لسانِه في دعاءِ الشَّرِّ كُلَّمَا حَملَه الغيظُ على إنفاذِ أَمْرِه أو ساءه تَصرُّفُ وَلدِه، أن يُوَطِّنَ نفسَه على التُّؤَدَةِ، والنَّظَرِ في العواقِبِ، ومراقبةِ ما يَصدُرُ منه من ألفاظِ الشَّتمِ واللَّعنِ، ويَستَبدِلَ الَّذي هو أدنى بالَّذي هو خير، ويعوِّدَ لسانَه قولَ الحقِّ وحسنَ اللَّفظِ وصالِحَ الدُّعاء؛ فإنَّ ذلك يَعودُ عليه بالغُنْمِ لا بالغُرمِ، وبالأجرِ لا بالوِزرِ، وله في رسول الله ﷺ أسوةٌ حسنةٌ، فعن عائشة رضي الله عنهما قالت: «كان النَّبيُّ ﷺ يُؤتَى بالصِّبيانِ فيدعُو لهم»(6)، فتارةً يدعو لهم بالبركةِ، وتارةً بالرَّحمةِ، ومرَّةً يدعو للصَّبيِّ أنْ يُحبَّهُ اللهُ، وأخرى يدعو له بالتَّفقُّه في الدِّين، وأحيانًا يدعو له بكَثرَةِ المالِ والولدِ، ورُبَّمَا دعَا لهم بالهدايةِ واستغفرَ لهم(7). ومن طريفِ ما يُروَى عن السَّلَفِ، ما نقلَه أحمدُ بنُ حنبل عن ابنِ عَوْنٍ أنَّهُ كان إذا غَضِبَ على أحدٍ من أهلِه، قال: باركَ اللهُ فيك، فقال لابنٍ له يومًا: باركَ اللهُ فيك فقال: أبَارَكَ اللهُ فِيَّ؟ قال: نعم، فقال بعضُ مَنْ حَضَر: ما قالَ لك إلاَّ خيرًا قال: ما قال لي هذا حتَّى أَجْهَدَ يعني اشتَدَّ غَضبُه»(8) وجاء رجلٌ إلى عبد الله بنِ المبارك يشكو له عقوقَ وَلدِه، فقال هل دَعَوْتَ عليه؟ فقال: بلى فقال عبد الله: أَنْتَ أَفْسَدتَّه(9) وعلى المُربِّي أن يُراقِبَ ألفَاظَه عندما يَلجَأُ إلى زجْرِ ولَدِه وإنزالِ العقابِ عليه، فلا يَستَعِمل معه إلاَّ اللفظَ المُناسِبَ، والتَّقريعَ الخالي من الإساءةِ، الَّذي يَفهَمُ منه الطِّفلُ عدمَ رضا مُؤدِّبِه عنه، وليكُفَّ ما أَمكَنَ عن السِّبابِ والشَّتمِ وقبيحِ الكلامِ حتَّى لو كان الطِّفلُ في مراحلِ نُموِّه الأولى، بحجَّةِ أنَّه لا يُدرِكُ معاني الألفاظ ولا يَقدِرُ على النُّطقِ(10) *** وهذا ما حرصَ على التَّوصيةِ به أهلُ التَّربيةِ والسُّلوكِ من علماء المسلمين، جاء في «الرِّسالة المُفصَّلة لأحوال وأحكام المُعلِّمين والمُتعلِّمين» ص362 للقابسي ت 403هـ ـ أنَّ الصَّبيَّ إذا أَكثَرَ التَّغافُلَ وصدَّه عن الإقبالِ على العلمِ التَّثاقُلُ ـ، قولُه: «ولم يُغنِ فيه العذْلُ والتَّقريعُ بالكلام الَّذي فيه التَّواعُدُ من غيرِ شَتْمٍ ولا سبٍّ لعِرْضٍ؛ كقولِ من لا يَعرِفُ لأطفالِ المؤمنين حقًّا، فيقول: يا مِسْخ، يا قِرْد، فلا يفعل هذا وما كان مثلَه في القبح، فإن قلتَ له واحدةً فلْتَسْتَغْفِرِ اللهَ منها ولْتَنْتَهِ عن معاوَدَتِها، وإنَّما يُجرِي الألفاظَ القبيحةَ من لسان التَّقيِّ تمكُّنُ الغضبِ من نفسه، وليس هذا مكانَ الغضب» وجاء في كتاب «المدخل» لابن الحاج 2 325 في بيان ما يَأمُرُ به المؤَدِّبُ الصَّبيَّ من الآداب: «ويتعيَّن عليه أنْ لا يَشتُمَ من استحَقَّ الأدبَ من الصِّبيان، وكثيرًا ما يَفعَلُ بعضُ المُؤَدِّبينَ هذا وهو حرامٌ، وذلك أنَّه إذا حصل للمُؤدِّب غيظٌ ما على الصَّبيِّ شَتمَه وتعدَّى بذلِكَ إلى وَالِدَيْه...» إلى أن قال: «فيتعيَّنُ عليه إذا أدرَكَه شيءٌ ممَّا ذُكِرَ أن لا يُؤَدِّبَ الصَّبيَّ في وقتِه ذلك، بل يَترُكُه حتَّى يَسكُنَ غَيظُه ويَذهَبَ عنه ما يَجِدُه من الحَنَقِ عليه، وحينئذٍ يُؤدِّبُه الأدبَ الشَّرعي. *** يتبع إن شاء الله |