رد: الكلمة النابية وأثرها على تربية الطفل/ الشيخ عز الدين رمضاني حفظه الله بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومنْ نَظَرَ في وصايا السَّلفِ من الأمراءِ والعلماءِ للمُؤَدِّبين والمُعلِّمين أَدْرَكَ ما للكلمة الطَّيِّبَةِ من أثرٍ وتـأثيرٍ، وما للكلمةِ النَّابيَةِ من هدمٍ وتدميرٍ في حياة الأطفال، حتَّى ما فَتِئوا يجعلون ذلك في مطلع وصاياهم ومُستهَلِّ نصائِحِهم، أوصى مَسلَمَةُ بنُ عبدِ الملك ت 121هـ مُؤدِّبَ ولَدِه فقال له: «إنِّي قد وصَلْتُ جناحَك بعَضُدي، ورَضِيتُ بك قرينًا لولدي، فأحسِنْ سياسَتَهم تدُمْ لك استقامَتُهم، وأَسْهِلْ بهم في التَّأديبِ عن مذاهب العُنْفِ، وعَلِّمْهُم معروفَ الكلام، وجنِّبْهم مُثاقبَةَ اللِّئامِ، وانْهَهُمْ أن يُعرَفُوا بما لم يَعرِفوا، وكن لهم سائسًا شفيقًا، ومُؤدِّبًا رَفيقًا تُكسِبْكَ الثِّقةُ منهم المحبَّةَ والرِّفقَ وحسنَ القَبولِ ومَحمودَ المغبَّةِ»(11)، وأوصى عُييْنَة بنُ أبي سفيان عبدَ الصَّمَد مُؤدِّبَ وَلَدِه فقال له: «لِيَكُنْ أوَّلُ إصلاحِك بَنِيَّ إصلاحَ نَفسِكَ؛ فإنَّ عيوبَهم معقودةٌ بعيْبِكَ، فالحَسَنُ عنده ما فَعَلْتَ، والقبيحُ ما تَركْتَ»(12)، وممَّا حَذَّرَ منه هشامُ بنُ عبدِ الملك مُؤدِّبَ ولده سليمانَ الكلبي أن يتساهل معه في سماع الكلام القبيح، قال له: «ولا تُدخِلْ عليه الفُسَّاقَ ولا شَرَبَةَ السُّكر؛ فإنَّكَ منهم بيْنَ خَصلَتَيْن: إمَّا أن يَسمَعَ منهم كلامًا قبيحًا فيأخُذَ به وتريدَ تحويلَه عنه فلا تقدر عليه (13)»
وعلى المُربِّي إذا اسْتَهْدَفَ تغييرَ سلوكِ منْ يُربِّيه أن يكونَ دومًا إيجابِيًّا في توجيهِ اللَّومِ والعتابِ، خفيفًا في إنزالِ العقوبةِ والتَّعزيرِ وإن كان الطِّفلُ يَستَحِقُّ ذلك؛ لأنَّه من أهلِ التَّأديبِ، لا من أهلِ العقوبةِ والجنايةِ، قال الكاساني في «بدائع الصَّنائع» (7 /64) مُشيرًا إلى نوعِ التَّعزير الَّذي يُوجَّهُ للطِّفلِ ويُؤاخَذُ عليه أنَّه «يُعزَّرُ تَأديبًا لا عقوبةً؛ لأنَّه مِنْ أهلِ التَّأديبِ، ألا ترى إلى ما رُوِيَ عنه ـ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ـ أنَّه قال: «مُرُوا صِبيَانَكُمْ بالصَّلاَةِ إِذَا بَلَغُوا سَبْعًا، واضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا إِذَا بَلَغُوا عَشْرًا»، وذلك بطريقِ التَّأديبِ والتَّهذيبِ لا بطريق العقوبةِ؛ لأنَّها تَستَدْعي الجنايةَ، وفعلُ الصَّبيِّ لا يُوصَفُ بكونِه جنايةً، بخلاف المجنونِ والصَّبيِّ الَّذي لا يَعقِلُ؛ لأنَّهما ليسَا من أهلِ العُقوبَةِ ولا من أهلِ التَّأديبِ»
فكم من صبيٍّ تلقَّى من وَالِدَيْه وابِلاً من الشَّتائِمِ، وقَرَعَ سمعَه قاموسٌ من الألفاظ النَّابيةِ، وهو لا يدري سببَ هذا التَّهجُّمِ، ولا فيما استحقَّ كلَّ هذه الإهانةِ والتَّحقيرِ، مع أنَّ المُسلَّمَ به في قواعد التَّربيةِ والتَّأديب أنَّ الصَّبيَّ لا يُعاقَبُ على كلِّ ذنبٍ أو خطإٍ صدرَ منه، وإذا عوقب فيعاقَبُ على قدرِ ذَنبِه وحَجْمِ خَطَئِه حتَّى لا يَعتَادَ العقوبةَ فيَقِلَّ تأثيرُها فيه، وأن يتجَنَّبَ المُربِّي التَّأنِيبَ والتَّوبِيخَ في حالةِ الغضبِ والانفعالِ؛ لأن ذلك مُفضٍ به إلى مهالكِ القولِ وعوراتِ الكلام، وهو في هذه الحال عند إرادةِ تغييرِ سلوك ابنِه كمَنْ جاء ليَبْنِيَ قَصْرًا فهَدَمَ مِصْرًا، فعلى المُربِّي أنْ يَتعَلَّمَ كيفَ يُدِيرُ غَضَبَه ويَضبِطُ انفعَالاَتِه، وكيفَ يَسْعَى إلى حلِّ المُشكِلَةِ دون أن يزيد في تعقيدها أو يفرز توترا هو أكبر من حجم تلك المشكلة، والانفعالاتُ وإن كان لا يسلَمُ منها بشرٌ فإنَّ الانقيادَ لها مرفوض، والمُربِّي النَّاجِحُ مَنْ يَملِكُ نفسَه عند الغضبِ وحالةِ الانفعالِ ويتمكَّنُ من السَّيطرَةِ على الذَّاتِ، فلا يَقُولُ إلاَّ خيرًا، ويكون استياؤُه من تَصرُّفِ الطِّفلِ وسلوكِه صحيحًا ومناسِبًا وهادِئًا، مُتجنِّبًا السُّخريَةَ والتَّهكُّمَ والاستهزاءَ والتَّحقيرَ وكلَّ أنواعِ الإهانةِ وأشكالِ العُنفِ والتَّهديدِ *** يتبع بإذن الله |