الموضوع
:
الاستخلاف في الأرض بين الوعد والشرط
عرض مشاركة واحدة
#
1
11-06-2016
SMS ~
لا إله الا اللــه وحده لا شريك له
له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
قـائـمـة الأوسـمـة
لوني المفضل
Cadetblue
رقم العضوية :
10
تاريخ التسجيل :
May 2013
فترة الأقامة :
4009 يوم
أخر زيارة :
منذ 7 ساعات (05:32 PM)
العمر :
43
المشاركات :
5,057 [
+
]
التقييم :
333960
معدل التقييم :
بيانات اضافيه [
+
]
الاستخلاف في الأرض بين الوعد والشرط
الاستخلاف في الأرض بين الوعد والشرط
الاستخلاف في
الأرض
بين
الوعد
والشر
ط
أحاديث تبين ما ينبغي أن يكون عليه المؤمنون في شتى أقطارهم وأمصارهم:
أيها الأخوة المؤمنون ؛ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ الواحد إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ))
[ متفق عليه عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ]
وقال أيضاً:
(( المؤْمِنُونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ نَصَحَةٌ مُتَوَادُّونَ، وَإِنِ افْتَرَقَتْ مَنَازِلُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ، وَالْفَجَرَةُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ غَشَشَةٌ مُتَخَاذِلُونَ، وَإِنِ اجْتَمَعَتْ مَنَازِلُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ))
[ الترغيب والترهيب للمنذري، والبيهقي في شعب الإيمان ]
وقال:
(( والْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ))
[ البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي موسى ]
وفي الحديث أيضاً:
(( والْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، ويَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ ))
[ أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ]
وقال أيضاً:
(( إِنَّ سِلْمَ الْمُؤْمِنِينَ وَاحِدَةٌ، لاَ يُسَالَمُ مُؤْمِنٌ دُونَ مُؤْمِنٍ فِي قِتِالٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلاَّ عَلَى سَوَاءٍ وَعَدْلٍ بَيْنَهُمْ ))
[ انظر السيرة النبوية لابن هشام ]
هذا وصف دقيق مِن قِبَل مبعوثِ العنايةِ الإلهيةِ لِمَا عليه المؤمنون، أو لِمَا ينبغي أن يكونوا عليه في شتى أقطارهم وديارهم ؛ مِن تعاونٍ، وتناصرٍ، وتعاطفٍ، فهُمْ كالجسدِ الواحدِ، نَصَحَةٌ متوادُّون، وهمْ بنيانٌ واحد يشدُّ بعضُه بعضاً، وهمْ يدٌ على مَن سواهم، سِلمُهم واحدة، وحربُهم واحدة، هذا ما ينبغي أن يكون عليه المؤمنون في شتى أقطارهم وأمصارهم.
أوصاف المؤمنين في الكتاب والسنة مقاييسُ دقيقةٌ نقيسُ بها إيمانَنا:
أوصاف المؤمنين في الكتاب والسنة مقاييسُ دقيقةٌ نقيسُ بها إيمانَنا ، أو هي أهدافٌ نضعها نصْبَ أعيننا ، وينبغي أنْ نسعى إليها .
فلا بدَّ للمسلمِ الصادقِ أن يحملَ همومَ أخوانه المسلمين في مختلف أصقاعهم وأمصارهم، ومَن لم يهتمَّ بأمر المسلمين فليس منهم، بل إنّ تطلُّعَ المسلمِ إلى أن يكون أخوانه في شتى أقطارهم أعزّةً كرماء، يملكون أمرَهم ومصيرَهم لَهِيَ علامةٌ من علاماتِ إيمانه، وإنّ حرصَ المسلم على أن يكونَ المسلمون متعاونين متناصرين لَهِيَ علامةٌ من علاماتِ إخلاصِه، فالفرديةُ طبْعٌ، والتعاونُ الجماعيُّ تكليفٌ، والإنسانُ المؤمنُ يتعاونُ مع أخوانه المؤمنين بقدْرِ طاعته لله، وينسلخُ منهم، ويؤكِّد فرديتَه بقدْرِ تفلُّتِه مِن منهج الله، وحينما ينهى الإنسانُ نفسَه عن خصائصِ طبعِه التي هي في الأصل تُناقِضُ التكليفَ، ليكون هذا التناقضُ ثمناً للجنة، وحينما ينهى الإنسانُ نفسَه عن خصائصِ طبعه، ويحمِلُها على طاعة ربِّه يكون حينَئِذٍ قد أخَذ بسببٍ مِن أسبابِ دخولِ جنة ربه، قال تعالى:
﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾
[ سورة النازعات الآية : 41 ]
أيها الأخوة ؛ قال تعالى:
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي ﴾
[ سورة النور الآية: 55 ]
أنجزَ اللهُ وعدَه للمؤمنين يومَ عبدوهُ حقَّ العبادةِ، فأطاعوه ولم يعصوه، وشكروه ولم يكفروه، وذكَروه ولم ينسَوه، فجعل اللهُ منهم قادةً للأمم بعد أنْ كانوا رعاةً للغنم، لكنَّ الذي حدَث أنْ قَلَبَ المسلمون لدِينهم ظَهْرَ المِجَنِّ.
1ـ وصف نبينا الكريم في أحاديثه النبوية الغيَّ الذي توَّعد اللهُ به المقصِّرين وبيّن أسبابه:
قال الله تعالى في كتابه:
﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً ﴾
[ سورة مريم الآية : 59 ]
من دلائل نبوة النبي عليه الصلاة والسلام أنه وصف هذا الغيَّ الذي توَّعد اللهُ به المقصِّرين، وبيّن أسبابه، وكأنه صلى الله عليه وسلم بيْننا يَرى ما نَرى، ويسمع ما نسمع، فَعَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( يُوشِكُ الأمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: يا رسول الله وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ))
[ رواه أبو داود وأحمد عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ]
هذا وصف دقيق للغيِّ الذي توعّد اللهُ به المقصِّرين.
فالأمم اليوم يدعو بعضُها بعضاً لمقاتلةِ المسلمين، وكسرِ شوكتهم، وسلبِ ثرواتهم، وأخذِ أموالهم، واغتصابِ أراضيهم، كما تداعى الأَكَلَةُ إلى قصعتها، يأخذون منها بلا مانع ولا منازع، فيأكلونها عفواً وصفواً، ويأخذون ما في أيديهم بلا تعبٍ ينالهم، أو ضررٍ يلحقهم، أو بأسٍ يمنعهم.
فانظروا إلى هذا الوهَن الذي هو سرُّ الضعف، الذي جعل الناس عبيداً لدنياهم، عشاقاً لأوضاعهم الرتيبة، تُحرِّكهم شهواتُهم وشبهاتُهم، وتسيِّرُهم رغائبُهم ونزواتُهم، وهذا هو الوهَن، حينما يكره الإنسان لقاء ربه، ويترقب الموت كامناً في كل اتجاه، فيفزع من الهمس، ويألم من اللمس، يُؤْثِر حياةً يموت فيها كلَّ يوم موتات، على حياة كريمة عزيزة أبدية في جنة ربِّه، فالعجبُ كل العجب أن يكون النورُ بين أيديهم، والرائدُ نصْبَ أعينهم، ثم هم يلحقون منهومِين بركاب الأمم الشاردة عن الله، في نهجهم وسلوكهم، فلا يستطيعون رشاداً، ولا يهتدون سبيلاً، وحالهم لا يعدو ما وصفَ ذلك الشاعر بقوله:
كالعِيش في البيداء يقتلها الظمأُ والماء مِنْ فوق ظهورها محمولُ
* * *
2ـ ذكر ما يصيب المسلمين آخر الزمان من بأساء وضراء بسبب إعراضهم وتقصيرهم:
من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام، ومن خلال إعلام الله له، أنه ذكر ما يصيب المسلمين ـ في آخر الزمان ـ من بأساء وضراء بسبب إعراضهم عن ربهم، وتقصيرهم في طاعتهم له، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ:
(( أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلافِهِمِ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوّاً مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُ بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ ))
[ سنن ابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ]
إنها المعاصي والذنوبُ، والمجاهرةُ بالفواحشِ والآثامِ، والتعرُّضُ لسخطِ جبَّارِ السماواتِ والأرضِ، فإنه ما نزل بلاءٌ إلاّ بذنب، ولا رُفع إلاّ بتوبة، وإنه ما حصل البلاءُ العامُّ في بعض البلاد، ولا وقعت المصائبُ المتنوعةُ، والكوارثُ المروِّعة، ولا فَشَتِ الأمراضُ المستعصيةُ التي لم يكن لها ذِكرٌ في ماضينا، ولا حُبِسَ القطرُ من السماء، إلاّ نتيجةَ الإعراضِ عن طاعة الله عز وجل، وارتكابِ المعاصي، والمجاهرةِ بالمنكرات، وكلما قلَّ ماءُ الحياء قلَّ ماءُ السماء.
خطاب الرسول الكريم لقتلى بدر من المشركين:
الآن ننتقل بحضراتكم عبرَ البُعْدِ الزمانيِّ إلى السابعَ عشر من رمضان عام اثنين لهجرة النبي عليه الصلاة والسلام، وعبْر البُعْدِ المكانيِّ إلى بدر، وهو مكانٌ بيْن مكةَ والمدينةِ، جَرَتْ فيه أولُ معركةٍ بين المسلمين والمشركين، ولننظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد وقف أمام قَليب ـ بئر مهجورة ـ طُرِحتْ فيه جثثُ القتلى مِن صناديدِ قريش، ولنستمع إليه وهو يخاطبهم.
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( تَرَكَ قَتْلَى بَدْرٍ ثَلَاثاً ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَامَ عَلَيْهِمْ فَنَادَاهُمْ فَقَالَ: يَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ يَا أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ يَا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ يَا شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ أَلَيْسَ قَدْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقّاً ؟ فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَسْمَعُوا وَأَنَّى يُجِيبُوا وَقَدْ جَيَّفُوا ؟ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ وَلَكِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا ثُمَّ أَمَرَ بِهِمْ فَسُحِبُوا فَأُلْقُوا فِي قَلِيب))
[ رواه مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ]
يا لها من كلماتٍ بليغات، تلك التي خاطب بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم القتلى مِن كفار قريش، بَعْدَ أنْ أمرَ بطرحهم في قليبٍ ـ أي بئر ـ لدفنهم، وذلك إثرَ انتصارِ المسلمين في أولِ مواجهةٍ لهم مع أعدائهم، انتصروا وهم قلَّة قليلة مُستضعَفة، على كثرة كثيرة مِن صناديد قريش، وهم أشداءُ مستكبرون.
لقد كان جيشُ المسلمين في بدر ضئيلَ العَدد، قليلَ العُدد، فأصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين خرجوا معه لا يزيدون عن ثلاثمئة، بل يَنقصون عن ذلك، ولكنَّ الواحدَ منهم كألْفٍ، والألفُ مِن أعدائهم كأفٍّ، فَهُمْ يحبُّون الموت كما يحب أعداؤهم الحياة.
نوعية القيادة التي قادت جيشَ المسلمين إلى النصر عشيةَ موقعة بدر:
استعرض الرسولُ جيشَه كما يفعل القادةُ قُبيل المعركة لاستجلاء معنوياته فقال:
((أشيروا عليِّ أيها الناس.. ويعني بذلك الأنصار، لأنهم كانوا أكثر عدداً، فقال له سعدُ بنُ معاذ: والله فكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجلْ، فقال: قد آمنا بك وصدَّقناك، وشهدنا أنَّ ما جئتَ به هو الحقُّ، وأعطيناك على ذلك عهودَنا ومواثيقَنا على السمع والطاعة لك، فامضِ يا رسول الله لما أردتَ، فنحن معك، فو الذي بعثك بالحق لو استعرضتَ بنا البحر فخضتَه لخضناه معك، ما تخلَّف منا رجل واحد.. وما نكره أن تلقى بنا عدوَنا غداً وإنا لصُبُر في الحق، صُدُق عند اللقاء، فصِلْ حبال مَن شئت، واقطعْ حبال مَن شئت، وعادِ مَن شئت، وسالم مَن شئت، وخذ مِن أموالنا ما شئت، وأعطِنا ما شئت، وما أخذتَ منا كان أحبَّ إلينا ممّا تركتَ، فلعل اللهَ يُريك منا ما تقرُّ به عينُك، فسِرْ بنا على بركةِ الله))
[السيرة النبوية وكتاب الثقاة لابن حبان]
هذا نموذج مِن مقاتلِي الجيشِ عشيةَ موقعةِ بدرٍ، إنهم على أُهْبَةِ الاستعداد للتضحية بالغالي والرخيص، والنفس والنفيس، دعماً للحقِّ، ولدين الحقِّ، ولرسول الحقِّ.
أمّا عن نوعية القيادة التي قادت جيشَ المسلمين إلى النصر عشيةَ موقعة بدر فإليكم بعضَ ما روته كتبُ السيرة: لقد كان جيشُ المسلمين، فضلاً عن ضآلة العَدَد، في قِلَّةٍ مِنَ العُدَد، فليس مع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وصحبِه سوى سبعينَ بعيراً، والمسافةُ بين المدينة وبدرٍ تَرْبُو على مئة وستين كيلو متراً، فأعطَى النبيُّ الكريمُ صلى الله عليه وسلم توجيهاً، بأنْ يختصَّ كلُّ ثلاثةٍ براحلة، وقال صلى الله عليه وسلم:
(( وأنا وعلي وأبو لبابة على راحلة، فكان أبو لُبابة وعليُّ بن أبي طالب زميلَيْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فكانت نوبةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ أي دورُه في السير ـ فقالا له: نحن نمشي عنك ـ ليظل راكباً ـ فقال: لا.. ما أنتما بأقوى مني على السير، ولا أنا بأغنى منكما عن الأجر ))
[ أخرجه الحاكم وابن حبان عن ابن مسعود ]
فمشى النبي صلى الله عليه وسلم وصاحباه راكبان، فهذا الذي يمشي وصاحباه يركبان هو رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وقائدُ الجيش. فهل تُدهِشُنا بعد هذا شجاعةُ أصحابه وتضحياتُهم وإقبالُهم على الموت بعد أنْ سوَّى نفسَه بهم في كلِّ شيء ؟ وهل يُدهشنا تعلُّقهم به، وتفانِيهم في محبَّته، وقد كان لهم أباً رحيماً، وأُمّاً رؤوماً، وأخاً ودوداً، ونبياً ورسولاً ؟ ولقد صدق الله العظيم إذ يقول:
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
[ سورة القلم الآية : 4 ]
وصف دقيق لأعداء اليوم:
والآن نعود بحضراتكم عبر البُعْدِ الزماني من السابع عشر من رمضان من العام الثاني للهجرة، إلى العشرين من رمضان من العامِ التاسع عشر بعد الأربعمئة والألف، وعبْر البعد المكاني من أرض المعركة في بدر قرب المدينة المنورة إلى فسطاط المسلمين، مدينة قرب الغوطة يقال لها دمشق، هي خيرُ بلادِ المسلمينَ للمسلمين يومئذٍ، والتي قال عنها سيِّدُ الخلق، وحبيبُ الحقِّ:
(( إنِّي رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ قَدِ انْتُزِعَ مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي فَإِذَا هُوَ نُورٌ سَاطِعٌ، فَعُمِدَ بِهَ إِلَى الشَّامِ، أَلاَ وَإِنَّ الإِيمَانَ إِذَا وَقَعَتْ الْفِتنُ بِالشَّام ِ))
[أحمد عن عمرو بن العاص]
أيها الأخوة الكرام ؛ هذا النصرُ المؤزَّرُ العزيزُ الذي فرِح به ويفرحُ له المؤمنون في كلِّ عَصرٍ ومَصرٍ، والذي نحن في أمسِّ الحاجة إليه، لأننا نواجه أعداءً ماتت في ضمائرهم وضمائر الذين انتخبوهم كلُّ القيمِ الإنسانية، والأعراف الدولية، وداسوا على حقوق الإنسان بحوافرهم، وبَنَوْا مجدهم على أنقاض الشعوب، وغِنَاهم على إفقارها، وقوَّتَهم على تدمير أسلحتها. إنهم يصفون المالكَ الطريدَ المشرَّدَ للأرضِ إرهابياً لا حقَّ له، والمتمسكَ بدينه القويم أصولياً، ويجعلون اللصَّ الغالبَ على المقدسات ربَّ بيتٍ محتَرماً، يملكون الأرضَ لا بالإحياء الشرعي ولكنْ بالإماتةِ الجماعيةِ والقهرِ النفسيِّ، قال تعالى:
﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلا أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ ﴾
[سورة يونس: الآية 24]
بل إنّ هؤلاء المستكبرين ربَّما طالبوا الشعوبَ المستضعفةَ أنْ يلْعَقوا جراحهم، ويبتسموا للغاصب، وأن يَعُدُّوا حقَّهم باطلاً، وباطلَ غيرهم حقاً، وفي مثل هذا يقول عليه الصلاة والسلام:
(( كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا لَمْ تَأْمُرُوا بِمَعْرُوفٍ وَلَمْ تَنْهَوْا عَنْ مُنْكَرٍ؟ قَالُوا: وَكَائِنٌ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ وأَشَدّ مِنْهُ سَيَكُونُ، قَالُوا: وَمَا أّشَدُّ مِنْهُ؟ قاَلَ: كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا رَأَيْتُمُ الْمَعْرُوفَ مُنْكَراً وَالْمُنْكَرَ مَعْرُوفاً ؟ قَالُوا: وَكَائِنٌ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ وَأشَدّ مِنهُ سَيَكُونُ، قَالُوا: وَمَا أَشَدُّ مِنْهُ ؟ قَالَ: كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا أَمَرْتُمْ بِالْمُنْكَرِ وَنَهَيْتُمْ عَنِ الْمَعْرُوفِ ؟ قَالُوا: وَكَائِنٌ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ وَأَشَدّ مِنْهُ سَيَكُونُ ))
[رواه أبو يعلي من حديث أبي هريرة]
المصدر:
منتديات شبكة شعاع الدعوية للتعليم عن بعد
زيارات الملف الشخصي :
423
إحصائية مشاركات »
المواضيـع
الــــــردود
[
+
]
[
+
]
بمـــعــدل : 1.26 يوميا
دلال إبراهيم
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى دلال إبراهيم
البحث عن كل مشاركات دلال إبراهيم