بسم الله الرحمن الرحيم
الإيمان والعمل الصالح ،
- فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
التّرابط بين
الإيمان و
العمل :
أيها الأخوة المؤمنون ؛ موضوع الخطبة اليوم :
الإيمان والعمل ، وكيف أنّ
الإيمان والعمل متلازمان تلازمًا وُجوديًّا ،
بمعنى لو أنّ أحدهما فقِد فلا معنى للطّرف الآخر .
يا أيها الأخوة الكرام ؛ منطلق الخطة من هذه المقولة : في اللّحظة
التي يستقرّ فيها
الإيمان في قلب الإنسان يعبّر عن ذاته بالعمل ،
يعبّر عن ذاته بالحركة ، فما من مؤمن في قلبه ذرّة من إيمان
إلا وتجدُه يتحرّك نحو خدمة الخلق ، ونحو الدعوة إلى الحق ، ونحو النّصح
للمؤمنين ، ونحو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ونحو إقامة الإسلام
في بيته ، وإقامة الإسلام في عمله ، أما أن ينفصل
العمل عن
الإيمان ،
أما أن يقول الإنسان : أنا مؤمن ولله الحمد ، ولا تجد في عمله حركةً
نحْوَ خِدْمة الخلق ، ولا نحو الدعوة إلى الحقّ ، ولا نحو الأمر بالمعروف
، فالذي يشعر هذا الشعور السكوني ، والذي يكتفي بالمشاعر الدّينيّة
على حدّ زعمه ، والذي يكتفي بهذا
الإيمان على حدّ قوله ، ولا تجد
في حياته حركةً نحو خدمة الخلق ، والدعوة إلى الحقّ فَمِثل هذا الإنسان
ينبغي أن يضعَ على إيمانه إشارةً خطيرة .
أيها الأخوة الكرام ؛ يتوهّم الجاهلون ، يتوهَّمُ أعداء الدّين ، يتوهّم
الساذجون من البشر أنّ
الإيمان بالله واليوم الآخر ، يُميتُ في الإنسان
الرغبة في
العمل ، إنّ ما يُلقى في قلوب بعض الجهلة مِنْ أنّ الإنسان
مسيّر وليس مخيَّرًا ، وأنّ الحياة الدنيا لا تستحقّ
العمل والاهتمام ،
إنّ هذا الوهم خاطئ ، وهذا التصوّر غير صحيح ، وهذا هو علَّة تخلّف
المسلمين ، إن كانوا متخلّفين .
الإيمان أعظمُ دافعٍ إلى العمل :
أيها الأخوة الكرام ؛ حقيقة متألّقة وهي أنّ
الإيمان أعظمُ دافعٍ إلى
العمل
، فالإنتاج لا ينمو ولا يزداد إلا بما يبذلُ الإنسان فيه من جهد وعمل ،
أساسه العلم والخِبْرة ، وما يصحب هذا
العمل من إحكام وإتقان ،
ولا يتحقّق هذا إلا بالأمانة والإخلاص ، جهدٌ وعمل ، وعلمٌ وخِبْرة ،
وإحكامٌ وإتقان ، أمانة وإخلاص ، وهذا لا يكون إلا بِبَاعِثٍ قويّ ، وحافزٍ غلاب غلاب
، وهل هناك من باعثٍ أقوى ومن حافز أغلب من
الإيمان ؟
الإيمان أكبر
حافزٍ للعمل ،
الإيمان أكبر دافعٍ إلى البناء .
أيها الأخوة الكرام ؛ حقيقة
الإيمان بالله عز وجل ، والإيمان باليوم
الآخر أنَّه ليس مجرّد إدراك ذهني ، ولا تصديق قلبي ، غير متبوعٍ بأثرٍ
عملي ، إنّ حقيقة
الإيمان اعتقادٌ وعملٌ وإخلاص .
يا أيها الأخوة الكرام ؛ يا ترى هل
العمل شرطٌ للإيمان ؟
هل
العمل جزءٌ من
الإيمان ؟ هل
العمل ثمرةٌ من ثمار
الإيمان ؟
إن اختلفْنا في إحدى هذه المقولات فإنّ علماء المسلمين يتّفقون
على أنّ
العمل والإيمان جزءان لا ينْفكّان عن بعضهما أبدًا ،
النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه الديلمي عن أنس رضي الله عنه :
(( ليس
الإيمان بالتمنّي . . .))
[ الديلمي عن أنس]
لا يقول الإنسان : اللهمّ اجعلنا مؤمنين ، النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( ليس
الإيمان بالتمني ولا بالتحلّي . .))
التحلّي أن تضع في بيتك لوحةً فيها آيةً قرآنيّة ، أن تتزيّا بِزَيّ المسلمين ،
أن تتماشى معهم في تقاليدهم وعاداتهم :
(( ليس
الإيمان بالتمني ولا بالتحلّي ، ولكن ما وقر في القلب وصدّقه
العمل ))
فإن لم يصدّق
العمل الإيمان ففي
الإيمان شكّ كبير .
مرّةً ثانيَة أقول ما قلتهُ في مطلع هذه الخطبة ، في اللّحظة لا في الساعة
التي يستقرّ فيها
الإيمان في قلب الإنسان يُعَبِّرُ عن ذاته بالحركة نحو خِدْمة الخلق
، ونحو الدعوة إلى الحق ،
الإيمان حركة ،
الإيمان عملي ،
الإيمان ظاهر
،
الإيمان صارخ ، المؤمن يتحرّك ، المؤمن يعمل ، المؤمن يبني ،
أما هذا
الإيمان السكوني فهو في الحقيقة إيمانٌ مشْكوك في صحَّته .
يتبع