السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى ، وصلاة وسلاماً على نبيه الذي اصطفى ، وعلى آله وصحبه ومن بسنته اقتدى ، وبهديه اهتدى . . وبعد :
لقد تهافت الكير من الناس على اليوم على
الدنيا حباً وشغفاً ، لجني المال وجمعه من أي مكان كان ، لا يرعون فيه حراماً أو حلالاً ، فالحلال عندهم ما حل في أيديهم ، والحرام ما لم يقدروا عليه ، للأسف أن ذلك واقع كثير من المسلمين اليوم ،
فمن اشترى
الدنيا وباع الآخرة فقد خسر خسراناً عظيماً ،
لأن الله لم يذكر
الدنيا إلا في موضع الذم ،
بل حذر من الركون إليها في آيات كثيرة ،
قال الله تعالى :
{ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الحَيَاةَ الدُّنيَا وزِينَتها نُوَفِّ إِليهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ * أُولئِكَ الَّذينَ لَيْسَ لَهُم في الآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ }
[ هود 14-15 ] .
وَعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :
" إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِى إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ
[ رواه مسلم ] .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ :
" إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلاقَكُمْ كَمَا قُسِمَتْ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ ، وَإِنَّ اللَّهَ يُعْطِي الْمَالَ مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لا يُحِبُّ ، وَلا يُعْطِي الإِيمَانَ إِلا مَنْ يُحِبُّ ، فَإِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا أَعْطَاهُ الإِيمَانَ ، فَمَنْ ضَنَّ بِالْمَالِ أَنْ يُنْفِقَهُ ،
وَهَابَ الْعَدُوَّ أَنْ يُجَاهِدَهُ ،
وَاللَّيْلَ أَنْ يُكَابِدَهُ فَلْيُكْثِرْ مِنْ قَوْلِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ "
[ رواه الطبراني وصححه الألباني في الصحيحة ] .
قال الله تعالى :
{ وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى * وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى }
[ طه 131-132
يقول تعالى لنبيه محمد صلوات الله وسلامه عليه : لا تنظر إلى هؤلاء المترفين وأشباههم ونظرائهم ، وما هم فيه من النعيم ، فإنما هو زهرة زائلة ، ونعمة حائلة ، لنختبرهم بذلك ، وقليل من عبادي الشكور .
وَعَنْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى حَصِيرٍ قَالَ : فَجَلَسْتُ فَإِذَا عَلَيْهِ إِزَارٌ وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ ، وَإِذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ ، وَإِذَا أَنَا بِقَبْضَةٍ مِنْ شَعِيرٍ نَحْوَ الصَّاعِ ، وَقَرَظٍ _ شجر يُدبغ به _ فِي نَاحِيةٍ فِي الْغُرْفَةِ ، وَإِذَا إِهَابٌ _ الجلد قبل الدبغ _ مُعَلَّقٌ ، فَابْتَدَرَتْ عَيْنَايَ _ بكى عمر _ فَقَالَ : " مَا يُبْكِيكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ " ، فَقُلْتُ : يَا نَبِىَّ اللَّهِ ، وَمَا لِىَ لاَ أَبْكِى ، وَهَذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِكَ ، وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ ، لاَ أَرَى فِيهَا إِلاَّ مَا أَرَى ، وَذَلِكَ كِسْرَى وَقَيْصَرُ فِي الثِّمَارِ وَالأَنْهَارِ ، وَأَنْتَ نَبِىُّ اللَّهِ وَصَفْوَتُهُ وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ ؟ قَالَ : " يَا ابْنَ الْخَطَّابِ أَلاَ تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الآخِرَةُ وَلَهُمُ الدُّنْيَا " قُلْتُ : بَلَى ، وفي لفظ : " أولئك قوم عُجِّلت لهم طيباتهم في حياتهم
الدنيا " .
فكان صلوات الله وسلامه عليه أزهد الناس في
الدنيا مع القدرة عليها ، وإذا جاءه أموال لا تبقى عنده حتى المساء بل يقسمها في عباد الله ، ولم يدخر لنفسه شيئًا لغد .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أخوف ما أخاف عليكم ما يفتح الله من زهرة
الدنيا " . قالوا : وما زهرة
الدنيا يا رسول الله ؟ قال : " بركات الأرض " .
وقال قتادة والسدي : زهرة الحياة
الدنيا يعني : زينة الحياة
الدنيا .
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : يقولُ الله تبارك وتعالى : " ابنَ آدم ، تَفَرَّغْ لِعبَادَتي أمْلأُ صَدرَكَ غِنى ، وأَسُدَّ فَقْرَك ، وإلا تفعلْ ملأتُ يديك شُغْلا ، ولم أَسُدَّ فقرك " [ رواه الترمذي وحسنه ، وأحمد ، وابن ماجة ، والحاكم وصحح إسناده ، وصححه الألباني في الصحيحة وغيرها برقم 1359 ، وحسن إسناده شعيب الأرنوؤط في صحيح ابن حبان ] .
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه ، سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا هَمَّ الْمَعَادِ ، كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ ، وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ فِي أَحْوَالِ الدُّنْيَا ، لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهِا هَلَكَ " [ رواه ابن ماجة وحسنه الألباني في صحيح الجامع 6189 ] .
وفي الحديث الصحيح الذي رواه ابن ماجة وغيره عن زَيْد بْن ثَابِتٍ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ ، فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا كُتِبَ لَهُ ، وَمَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ نِيَّتَهُ ، جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ " .
فاحذروا
الدنيا ولا تركنوا إليها ، ولا تجعلوها غاية المنى والهم ، فمن فعل ذلك فقد وقع في خطرها وشرها وكيدها ومكرها وشركها ، وأختم بهذا الحديث الصحيح الذي أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : نَامَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى حَصيرٍ ، فَقَامَ وَقَدْ أثَّرَ في جَنْبِهِ ، قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ، لَوْ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً . فَقَالَ : " مَا لِي وَلِلدُّنْيَا ؟ مَا أَنَا في الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا " .
اللهم لا تجعل
الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا ، واجعل الجنة دارنا وقرارنا ، يا حي يا قيوم ، يا ذا الجلال والإكرام
منقول....