"... قَول النَّبِي لما قالت عائشة وارأساه.
فقال: بل أَنا وارأساه،
أَي الوجع الْقوي بِي أنا دونك فتأسي بي فلا تشتكي،
ويلوح لي فيه معنى آخر وهو أنها كانت حبيبةُ رسول الله بل كانت أحبُّ النساء إليه على الإطلاق؛
فلما اشتكَت إليه رأسها
أخبرها أن بمُحِبها من الألم مثل الذي بها،
وهذا غايةُ
الموافقة من
المحب ومحبوبه،
يتألم بتألمه
ويسر بسروره
حتى إذا آلمه عضو من أعضائه آلمَ
المحب ذلك العضو بعينه،
وهذا من صدقِ المحبة وصفاء المودة،
فالمعنى الأول يُفهم:
أنكِ لا تشتكي واصبري فبي من الموجع مثل ما بك فتأسي بي في الصبر وعدم الشكوى.
والمعنى الثاني يُفهم:
إعلامها بصدقِ محبتهِ لها،
أي اُنظري قوة محبتي لك كيف واسيتك في ألمك ووجع رأسك، فلم تكوني متوجعة وأنا سليم من الوجع بل يؤلمني ما يؤلمك كما يسرني ما يسرك،
كما قيل:
وإن أولى البرايا أن تواسيه ... عند السرور الذي واساكَ في الحزن".
ابن القيم