السلام عليكم ورحمة الله وبركاته من محاضرات الدكتور محمد راتب النابلسي
مآثر الخليفة الراشد عمر بن الخطاب : التاريخ الإسلامي، فكان هذا الصحابي الجليل له ورع لا حدود له، يحاسب نفسه
حساباً عسيراً، ويشعر أنه كلما كان منزهاً عن أي شبهة, كلما كان أقرب إلى الله سبحانه وتعالى . لهذا الصحابي مواقف كثيرة وجليلة، مرة في عام المجاعة شعر أن أمعاءه تضطرب
فخاطب بطنه، وقال: " قرقر أيها البطن، أو لا تقرقر، فو الله لن تذوق اللحم حتى يشبع منه صبية المسلمين" .
قبل كل شيء القصص التي سوف أتلوها على مسامعكم ربما سمعتموها مني كثيراً،
لكن محور هذا الدرس ليس ذكر هذه القصص فحسب, ولكنّ التحليل
هو الذي يعنينا من هذه الأحداث.
وفي روايةٍ أخرى، كان يأكل الزيت، ويبتعد عن السمن، لأن سعره مرتفع جداً،
ويحبّ أن يسوي نفسه بعامة المسلمين، فقال لبطنه: " لتمرنن أيها البطن على الزيت ما دام السمن يباع بالأواقي " أي لندرتِه صار يباع بالأواقي .
لو طبق المسلمون هذه القاعدة :
إذا طبَّق الإنسان هذه القاعدة في بيته، فما أكل طعاماً أكثر مما يأكل
أولاده وزوجته وأهله، إذا سوى نفسه مع مَن حوله، فهذا الذي يجعل المسلم يتألق، وهذا الذي يجعل المسلم تهفو القلوب إليه .
فلو سوى الأب نفسه مع أولاده، والأم مع بناتها، والأخ الأكبر مع أخوته الصغار، تنشأ المودَّة الخالصة بين الأولاد وأبيهم، وبين الأخوة وأخواتهم، وعلى هذا يكون المؤمن
قد بنى حياته على المؤاثرة .
نحن عندنا قاعدتان: إما أن تؤثر نفسك على أخيك، وإما أن تؤثر أخاك على نفسك،
فإن آثرت نفسك على أخيك فهذه اسمها الأثرة، وإن آثرت أخاك على نفسك
هذه اسمها المؤاثرة، قال تعالى :
ï´؟وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌï´¾
( سورة الحشر الآية: 9)
" مرة أمسك النبي عليه الصلاة والسلام بسواكين: الأول مستقيم، والثاني معوج،
فأعطى السواك المستقيم لأحد أصحابه، وترك لنفسه المعوج " .
هذه إشارة دقيقة، فأخلاق المؤمن مبنية على المؤاثرة لا على الأثرة، أخلاق أهل الدنيا،
وأخلاق المقطوع عن الله عزَّ وجل، وأخلاق المقصرين أساسها الأثرة، فالمؤمن يسعده أن يعطي، وغير المؤمن يسعده أن يأخذ .
يتبع