الأمثال الصريحة فى سورة الأنعام
المثل الثاني عشر
12- { كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ
حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا
}
(الآية 71)
التفسير
مثلكم إن كفرتم بعد إيمانكم كمثل رجل خرج مع قوم على الطريق،
فضل الطريق فحيرته الشياطين واستهوته في الأرض،
وأصحابه على الطريق فجعلوا يدعونه إليهم،
يقولون ائتنا فإنا على الطريق فأبى أن يأتيهم،
فذلك مثل من يتبعهم بعد المعرفة بمحمد صلى الله عليه
وعلي آله وسلم، ومحمد هو الذي يدعو إلى الطريق،
والطريق هو الإسلام. رواه ابن جرير
وقال قتادة "استهوته الشياطين في الأرض
" أضلته في الأرض يعني استهوته سيرته
كقوله "تهوي إليهم"
و عن ابن عباس: هذا مثل ضربه الله للآلهة ومن يدعو إليها،
و الدعاة الذين يدعون إلى هدى الله عز و جل كمثل رجل
ضل عن طريق تائها إذ ناداه مناد يا فلان ابن فلان هلم إلى الطريق،
وله أصحاب يدعونه يا فلان هلم إلى الطريق،
فان اتبع الداعي الأول انطلق به حتى يلقيه إلى الهلكة،
وإن أجاب من يدعوه إلى الهدى اهتدى إلى الطريق.
ويقول الشيخ الشعرواى عن هذا المثل
فكأن الصورة: أن قومًا هداهم الله إلى الحق،
فدُعُوا إلى أن يعبدوا غير الله ويدعوا ما لا ينفع ولا يضر،
فيردوا على أعقابهم، أي بعد الهداية،
وهذه هي صورة الحيرة والتردد؛
لأنهم كانوا على هدى، ثم دُعُوا إلى أن يعبدوا
من دون الله ما لا ينفع ولا يضر.
وأراد الحق سبحانه وتعالى أن يعطينا صورة لهذه الحيرة،
ولهذا التردد، فقال: {كالذي استهوته الشياطين}.
الأمثال الصريحة فى سورة الأعراف
المثل الثالث عشر
13- { وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ
فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ
يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا}
(الآية 176)
التفسير
يقول تعالى "ولو شئنا لرفعناه بها" أي لرفعناه من التدنس
عن قاذورات الدنيا بالآيات التي آتيناه إياها
"ولكنه أخلد إلى الأرض" أي مال إلى زينة الحياة الدنيا
وزهرتها وأقبل على لذاتها ونعيمها وغرته كما غرت
غيره من أولي البصائر والنهى .
وقوله تعالى "فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه
يلهث أو تتركه يلهث" يل معناه فصار مثله في ضلاله
واستمراره فيه وعدم انتفاعه بالدعاء إلى الإيمان
وعدم الدعاء كالكلب في لهيثه في حالتيه
إن حملت عليه وإن تركته هو يلهث في الحالين
فكذلك هذا لا ينتفع بالموعظة والدعوة إلى الإيمان ولا عدمه ،
وقيل معناه أن قلب الكافر والمنافق والضال ضعيف فارغ
من الهدى فهو كثير الوجيب فعبر عن هذا بهذا.
وتذكر كتب التفسير، أن ذلك الرجل الذي أخبرنا القرآن
خبره في هذا المثل، هو أحد علماء بني إسرائيل،
بل إن كتب التفسير تذكر اسمه أيضًا؛ وليس ثمة كبير فائدة
في معرفة اسم ذلك الشخص، إذ لو كان في ذلك فائدة ترجى،
لذكر لنا القرآن اسمه، فعُلِم أن التعلق بذلك ليس من مقصود القرآن،
وإنما المطلوب مضمون ذلك المثل، والاعتبار بما جاء فيه .
وكما أشرنا، فإن المثل الذي بين أيدينا، يتحدث عن أحد علماء بني
إسرائيل، فطلب منه قومه - بعد أن أغروه بمبلغ من المال -
أن يدعوَ على نبي الله موسى عليه السلام بالهلاك،
ويصفه بما ليس فيه.
وبدل أن يتصدى ذلك العالم لطلب قومه ويرفضه، انصاع لهم،
وانساق وراء شهواته وأهوائه، بإغراء من الشيطان، ووسوسة منه،
فضلَّ بعمله ذلك عن طريق الهداية، وكان عاقبة أمره خسرًا .
وقد مثَّل لنا القرآن حالة ذلك الرجل أروع تمثيل؛
فجعل مثل حاله - بعد أن أعرض عن آيات الله -
كمثل الكلب الذي إن تطرده بعيدًا عنك يلهث،
أو تتركه في مكانه يلهث، فهو في كلا الحالتين،
لا تفارقه حالة اللهاث؛ إذ من المعلوم أن الكلب اختص
دون غيره من الحيوانات بصفة اللهاث،
فهي صفة ملازمة له على كل حال، وفي كل أوان .
يقول الشيخ رشيد رضا في (تفسير المنار):
"اللهث هو النَّفَس الشديد، مع إخراج اللسان،
ويكون لغير الكلب من شدة التعب والإعياء والعطش؛
وأما الكلب فيلهث في كل حال، سواء أصابه ذلك أم لم يصبه،
وسواء حملت عليه تهدده بالضرب، أم تتركه آمنًا وادعًا" .