المثل العشرون
20- وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ
اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ
(الآية - 26)
التفســير
ذكر المفسرون أن المراد بـ ( الكلمة الخبيثة )
كلمة الشرك، أو الكافر نفسه.
أما الكلمة الخبيثة، وهي كلمة الشرك -وما يتبعها من كلام خبيث-
فهي على النقيض من ذلك، كلمة ضارة غير نافعة،
فهي تضر صاحبها، وتضر ناقلها، وتضر متلقيها،
وتضر كل من نطق بها، وتسيء لكل سامع لها،
إنها كلمة سوء لا خير فيها، وكلمة خُبْثٍ لا طيب فيها،
وكلمة مسمومة لا نفع فيها؛
فهي كالشجرة الخبيثة، أصلها غير ثابت، ومذاقها مر،
وشكلها لا يسر الناظرين، تتشابك فروعها وأغصانها،
حتى ليُخيَّل للناظر إليها أنها تطغى على ما حولها من الشجر
والنبات، إلا أنها في حقيقة أمرها هزيلة، لا قدرة لها على
الوقوف في وجه العواصف والأعاصير، بل تنهار لأدنى ريح،
وتتهاوى لأقل خطر يهددها؛ إذ ليس من طبعها الصمود والمقاومة،
وليس من صفاتها الثبات والاستقرار،
إنها شجرة لا خير يرتجى منها، فطعمها مر،
وريحها غير زاكية، فهي شر كلها، وخبث كلها، وسوء كلها.
وهكذا الكافر، لا ثبات له في هذه الحياة ولا قرار،
فهو متقلب بين مبدأ وآخر، وسائر خلف كل ناعق،
لا يهتدي إلى الحق سبيلاً، ولا يعرف إلى الخير طريقاً،
فهو شر كله، اعتقاداً وفكراً، وسلوكاً وأخلاقاً، وتطلعاً وهمة.
روي عن قتادة في هذه الآية
(أن رجلاً لقي رجلاً من أهل العلم فقال له:
ما تقول في الكلمة الخبيثة ؟
قال: لا أعلم لها في الأرض مستقراً، ولا في السماء مصعداً،
إلا أن تلزم عنق صاحبها حتى يوافي بها يوم القيامة).
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله سبحانه:
{ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة
اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار}،
قال: ضرب الله مثل الشجرة الخبيثة كمثل الكافر.
يقول: إن الشجرة الخبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار،
يقول: الكافر لا يقبل عمله، ولا يصعد إلى الله،
فليس له أصل ثابت في الأرض، ولا فرع في السماء.
(رواه الطبري).
على أنه قد ورد في بعض الروايات أن الشجرة الطيبة
التي ورد ذكرها في الآية هي شجرة النخل،
وأن الشجرة الخبيثة هي شجرة الحنظل؛
يرشد لذلك ما رواه أبو يعلى في "مسنده"عن أنس رضي الله عنه،
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بطبق عليه ثمر نخل،
فقال:
(مثل {كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء *
تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها} هي النخلة،
{ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها
من قرار} قال: (هي الحنظل).
وروى الطبري عن أنس رضي الله عنه
في قوله تعالى: {ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة}،
قال: تلكم الحنظل، ألم تروا إلى الرياح كيف تصفقها يميناً وشمالاً؟
فإذا كانت الشجرة الطيبة رمز العطاء والبذل،
فإن كلمة التوحيد رمز العبودية لله، ودليل الإخلاص له،
وبرهان الاعتماد عليه.
وإذا كانت الشجرة الطيبة عنوان الخير والجود،
فإن المؤمن خير كله، وبركة كله، وطيب كله.
ولا شك أن القرآن حين يضرب مثلاً لكلمة التوحيد أو للمؤمن
بالشجرة الطيبة الخيرة المعطاء، يكون قد أوصل الفكرة
التي أراد إيصالها بشكل أكثر وضوحاً، وأشد بياناً من أن
يأتي بتلك الفكرة مجردة، خالية من أي تمثيل أو تشبيه.