30- أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ
مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ
لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ
(النور-آية40)
التفســير
يشبه سبحانه أعمال الكفار بحال من وُجد في بحر عميق لا ساحل له،
فهو في وسط ظلمات ثلاث:
ظلمة البحر العميق من تحته،
وظلمة الأمواج العاتية من حوله،
وظلمة السحاب المنذر بالمطر من فوقه،
بحيث إنه لا يستطيع أن يرى يده، وهي أقرب شيء من ناظريه.
والبحر أخوف ما يكون إذا توالت أمواجه،
فإذا انضم إلى ذلك وجود السحاب من فوقه زاد الخوف شدة،
لأنها تستر النجوم التي يهتدي بها من في البحر،
ثم إذا أمطرت تلك السحاب وهبت الريح المعتادة في الغالب
عند نزول المطر تكاثفت الهموم وترادفت الغموم.
فهو يعيش في ظلام دامس، تنعدم فيه الرؤية،
ويعاني من الخوف والمرارة والألم ما لا يُطاق.
وهذا حال أهل الكفر والضلال،
فهم يعيشون وسط ظلمات ثلاث؛
ظلمة الكفر،
وظلمة الجهل،
وظلمة الضلال،
فهم كافرون بخالقهم ورازقهم، لا يعترفون له بعبودية،
وهم جاحدون بأنعم الله عليهم، لا يقرون له بفضل ولا نعمة،
وهم ضالون عن سواء السبيل، لا يعرفون إلى الحق طريقاً،
ولا يهتدون إلى الخير سبيلاً، وهم تائهون في هذه الحياة،
لا يدرون أين يسيرون، ولا يعلمون إلى أي اتجاه يتجهون.
على أنه ليس هناك ما يمنع من أن يكون هذان المثلان
- فى الآيتين 39،40- صفتين لموصوف واحد،
فهما ينطبقان على كل كافر؛
أو أن يكون كل مثل مضروباً لبيان حال طائفة من الكفار؛
فيكون المثل الأول مضروباً للمبتدعين من أئمة الضلال والداعين
إلى كفرهم، الذين يحسبون أنهم على شيء من الأعمال والاعتقادات،
وليسوا في حقيقة الأمر على شيء.
والمثل الثاني مضروباً للأتباع والمقلدين على غير هدى وبصيرة.
وهذا ما ذهب إليه ابن كثير في توجيه هذين المثلين.
أو أن يكون المثل الأول مضروباً لبيان حال الذين عملوا على غير
علم ولا بصيرة، بل على جهل وعماية وحسن ظن بالأسلاف،
فكانوا يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، وهم ليسوا كذلك.
وأصحاب المثل الثاني، هم الذين استحبوا الضلالة على الهدى،
وآثروا الباطل على الحق، وعموا عنه بعد إذ أبصروه،
وجحدوه بعد أن عرفوه. وهذا ما ذهب إليه ابن القيم.
وهكذا يضرب لنا سبحانه مثلين لبيان حال المعرضين
عن نور الحق، وهدي الإيمان، الذين يحسبون أنهم على شيء،
وهم في الحقيقة ليسوا على شيء، فأعمالهم لا قيمة لها في
ميزان الحق، كما وصفهم سبحانه وتعالى بقوله:
{الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا
وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}
(الكهف:104).