الأمثال الصريحة فى سورة الروم
32- ضَرَبَ لَكُم مَّثَلا مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء
تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.
الروم-الآية:28
المثل الثانى والثلاثون
32- ضَرَبَ لَكُم مَّثَلا مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء
تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.
الروم-الآية:28
التفســـير
هذا مثل ضربه الله تعالى للمشركين به ، العابدين معه غيره ،
الجاعلين له شركاء وهم مع ذلك معترفون أن شركاءه من
الأصنام والأنداد عبيد له ، ملك له ، كما كانوا في تلبيتهم يقولون :
لبيك لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك .
فقال تعالى :
( ضرب لكم مثلا من أنفسكم ) أي : تشهدونه وتفهمونه من أنفسكم ،
( هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه
سواء ) أي : لا يرتضي أحد منكم أن يكون عبده شريكا له في ماله ،
فهو وهو فيه على السواء ( تخافونهم كخيفتكم أنفسكم )
أي : تخافون أن يقاسموكم الأموال .
قال أبو مجلز : إن مملوكك لا تخاف أن يقاسمك مالك ،
وليس له ذاك ، كذلك الله لا شريك له .
والمعنى : أن أحدكم يأنف من ذلك ، فكيف تجعلون
لله الأنداد من خلقه .
وهذا كقوله تعالى :
( ويجعلون لله ما يكرهون ) [ النحل : 62 ]
أي : من البنات ، حيث جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا ،
وجعلوها بنات الله ، وقد كان أحدهم إذا بشر بالأنثى ظل وجهه
مسودا وهو كظيم ، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به ، أيمسكه
على هون أم يدسه في التراب ، فهم يأنفون من البنات .
وجعلوا الملائكة بنات الله ، فنسبوا إليه ما لا يرتضونه لأنفسهم ،
فهذا أغلظ الكفر .
وهكذا في هذا المقام جعلوا له شركاء من عبيده وخلقه ،
وأحدهم يأبى غاية الإباء ويأنف غاية الأنفة من ذلك ،
أن يكون عبده شريكه في ماله ، يساويه فيه .
ولو شاء لقاسمه عليه ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
قال الطبراني :
عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال :
كان يلبي أهل الشرك : لبيك اللهم [ لبيك ] ، لبيك لا شريك لك ،
إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك .
فأنزل الله : ( هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في
ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم ) .
ولما كان التنبيه بهذا المثل على براءته تعالى ونزاهته
بطريق الأولى والأحرى ،
قال : ( كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون ) .
وفى التفسير الميسر
ضرب الله مثلا لكم -أيها المشركون -من أنفسكم:
هل لكم من عبيدكم وإمائكم مَن يشارككم في رزقكم،
وترون أنكم وإياهم متساوون فيه، تخافونهم كما تخافون الأحرار
الشركاء في مقاسمة أموالكم؟ إنكم لن ترضوا بذلك، فكيف ترضون
بذلك في جنب الله بأن تجعلوا له شريكًا من خلقه؟ وبمثل هذا البيان
نبيِّن البراهين والحجج لأصحاب العقول السليمة الذين ينتفعون بها.
ويقول الدكتور محمد راتب النابلسى
﴿ ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ (28) ﴾
من واقع حياتكم، من تجارتكم، من حياتكم الاجتماعيَّة،
تاجر عنده محل تجاري ضخم وله قيمة عالية جداً،
في أروج سوق في المدينة، ومساحته كبيرة،
وعند هذا التاجر موظَّف صغير يقوم بخدمات عاديَّة
كأن يجلب القهوة والشاي مثلاً،
قال:
﴿ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ (28)﴾
فهذا الموظَّف الذي في هذا المحل الكبير والذي له أجرٌ يسير،
وعملٌ محدود، هذا الإنسان الصغير هل بإمكانه أن يتصرف
بملكية هذا المحل ؟ هل بإمكانه أن يغيِّر نوع البضاعة ؟
هل بإمكانه أن يعقد صفقة ؟ هل بإمكانه أن يجلس معك على
الحساب آخر السنة ؟ ويقول: أين نصيبي ؟ كم ربحت ؟
هل بإمكانه أن يفعل هذا ؟
هو ليس له شيء في هذا المحل لأنه موظَّف محدود
ربنا عزَّ وجل يقول:
﴿ ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ
فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ(28)﴾
طبعاً الشريك يخاف شريكه، ويحسب له حساباً، له حقٌّ عنده،
له نصف الأرباح، يسأله عن الحسابات، يسأله عن قيمة الأرباح،
الشريك يحاسِب، الشريك له الحق أن يَطَّلع،
لكن هل تقبل أنت من عامل في محلِّك التجاري أن يعاملك كشريك ؟
ماذا ربحت اليوم ؟ أين الحسابات ؟ أين أنت ذاهب ؟
هل تقبل أن يقف هذا الموقف صانعٌ في محلِّك التجاري ؟!!
هذا الموظَّف الصغير لم تخلقه أنت، ومع ذلك لا ترضى أن يسألك،
ولا ترضى أن يشاطرك الأرباح، أنت لم تخلقه،
فكيف بالله العظيم الذي خلق هذا المخلوق، هو خلقه، هو أوجده،
وهذا المخلوق يدَّعي أنه شريكٌ لله عزَّ وجل، يدَّعي أنه يفعل،
ويتصرف، وينفع، ويضر، والأمر بيده،
إذاً كما أنك كإنسان لا ترضى لموظَّفٍ صغيرٍ عندك في محلك
الكبير أن يسائلك ويتدخل في أمورك وتجارتك،
فكيف ترضى أن يكون مخلوقٌ لله عزَّ وجل يدَّعي أنه شريكٌ لله ؛
في تصرفاته، وفي نفعه، وفي ضرِّه، وفي فعله، وفي تركه ؟