في الآية الأولى في سورة النساء الكلام عن التقوى يأتي في موضعين
(يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ)
وفي نفس الآية
(وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
الأولى (اتقوا ربكم) والأخرى (واتقوا الله).
الرب الذي يربّي سبحانه، الرب الذي خلق الرجل والمرأة، الصغير والكبير،
الرب الذي يربي خلقه والتربية ليست مجرد تغذية جسدية، الرب الذي خلق من نفس
واحدة وأعطى كل مقومات الحياة وسخّر الشمس والقمر وحفظ للإنسان ما يمكن أن
يقوم به معاشه على الأرض، هو الربّ الذي يربي الإنسان بالتعاليم والشرائع،
فمن تمام التربية أن يشرّع لنا وهذا معنى عظيم جدًا.
الكثير من الناس اليوم في علاقتهم مع أبنائهم في التربية يتوهمون أن
التربية مجرد تغذية جسدية، قيام بالاحتياجات التي يحتاج إليها الولد أو
البنت: طعام، ملابس، مدارس، لكن القرآن يعطيني بعدًأ آخر للتربية: الشرائع
التعاليم والقيم والأخلاق التي لا تستقيم بدونها الحياة البشرية، لا يمكن
للإنسان أن يُربى بدون قيم، بدون أخلاق، بدون تعاليم، بدون شرائع وأعظم
وأصلح من يمكن أن يقدم لي هذه الشرائع هو الرب الذي خلق ولذلك جاءت
(اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ) فالخالق هو الذي يربّي، الذي أوجد
من العدم، الذي خلق الرجل والمرأة هو الرب سبحانه وتعالى القادر العالم
اللطيف الخبير الرقيب الذي يعلم سبحانه ما تصلح به حياة الرجل وحياة المرأة
وحياة البشر على هذه الأرض. ثم إن الله سبحانه وتعالى في الآية الأولى من
سورة النساء أوكل الرقابة الحقيقة وكل أجهزة الرقابة على المرأة والرجل،
على الخلق، على العنصر الإنساني فقال
(إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
وبدون استشعار الإنسان لهذه الرقابة الإلهية الدائمة التي لا تنقطع لا في
ليل ولا في نهار لا في سر ولا في علانية، بدون استشعارها فعلًا لا تستقيم
الحياة.
كل أجهزة المراقبة في العالم، كل الكاميرات التي توضع في المؤسسات والشوارع
والمحلات التجارية لا يمكن لها أن تؤدي دورها الحقيقي إذا لم يكن هناك
رصيد من الشعور بالرقابة الذاتية، الرقابة الذاتية مكمّلة وتكملها وتحميها
تلك الرقابة التي يصنعها البشر بمختلف الأجهزة التي نراها ولكن بدون
استكمال الاثنين معًا لا يمكن أن تتحقق العدالة.
وتدبروا عظمة هذا القرآن في كل كلمة من كلماته: العدالة تحتاج إلى رقابة،
لا يمكن أن تتحقق عدالة في أسرة أو مؤسسة أو مجتمع بدون عنصر رقابة بمعنى
آخر لا تتكل أن يكون هناك مجرد عدالة بين الناس فتترك موضوع الرقابة، لا بد
من الرقابة والمتابعة وهذا تنبيه وتنويه لكل المؤسسات المجتمعية في الواقع
الإنساني، دور الرقابة دور مهم جدًا دور لا يمكن الاستغناء عنه لأجل أن
تستكمل العدالة التحقق في تلك المؤسسات وفي تلك المجتمعات.
يتبــــــــــع