هى فكرة ملحة أو شعور متكرر يحاول الشخص التخلص
منها فكأنه لا يستطيع رغم أنه يعرف بطلانها و سخافتها.
إن أحاسيس القلق والشكوك والاعتقادات المرتبطة بالتشاؤم
والتفاؤل كل هذه أشياء عادية
في حياة كلا منا ولكن، عندما تصبح هذه الأشياء زائدة عن الحد
كأن يستغرق إنسان
في غسيل اليدين ساعات وساعات أو عمل أشياء غير ذات معنى على الإطلاق
عندئذ يقوم الأطباء بتشخيص الحالة على أنها حالة مرض الوسواس القهري.
ففي مرض الوسواس القهري، يبدو وكأن العقل قد التصق بفكرة معينة أو دافع
ما وأن العقل لا يريد أن يترك هذه الفكرة أو هذا الدافع
وهذه الوساوس قد تأخذ اتجاهات عديدة فتارة تكون في أمور
العبادات كالصلاة والطهارة ونحوها،
وتارة تكون في العقيدة كالخواطر التي ترد في حق الله جل وعلا والتي لا تليق بجلاله وعظمته سبحانه،
أو في حق النبي - صلى الله عليه وسلم – وصدقه وعصمته وكذلك في حق كتاب الله
وغير ذلك من الوساوس التي تُشعرك بالقلق الشديد،
وربما تساءلت: هل أنا مؤمن ثابت على إيماني أم لا؟
و يتعذب مريض الوسواس أكثر من أي اضطراب نفسي آخر،
خاصة حين تكون وساوسه أو أفعاله القهرية متصلة
بموضوعات دينية ذات حساسية خاصة،
فمثلا قد تأتيه الوساوس في صورة شكوك في العقيدة، أو في
الرسالة أو الرسول،
أو تأتيه في صورة اندفاع نحو سب الذات الإلهية أو إنكار وجودها أو تخيلها في صور لا تليق بها.
وكثيرا ما تأتي هذه الأفكار أو التخيلات في أوقات شديدة الأهمية
من الناحية الدينية
كوقت أداء الصلاة أو الصيام أو أعمال الحج، فتفسد على
المريض إحساسه بالعبادات وخشوعه فيها،
وتجعله يشعر أنه لم يؤدها بشكل سليم فيعاود أداءها مرات
ومرات لعله يحسنها،
ولكن دون جدوى فيدخل في دائرة مفرغة بلا نهاية.
والسؤال المهم هنا والذي يسأله المريض لنفسه ولشيخه ولطبيبه:
هل أنا مسئول عن كل هذا، وهل ما زلت مؤمنا بعد كل هذا الذي حدث؟
وإذا كنت مسئولا فكيف أتغلب على ما يحدث وقد حاولت مرارا وفشلت؟
المريض الوسواسي غالبا يميل إلى أن يلقي بالتبعة على نفسه؛
لأنه يملك ضميرا شديد القسوة يحمله تبعات كل شيء، وهنا
يصل إلى نتيجة
وهي أنه أصبح خارج دائرة الإيمان، أو خارج دائرة الحلال،
أو خارج دائرة الرحمة؛ لأنه لا يستحقها.
جميع المشاعر المتقدمة تزيد من حدة أعراض الوسواس القهري،
وكثيرا ما تؤدي إلى إصابة المريض بحالة من الاكتئاب تضاف
إلى الوسواس القهري..
ومما يزيد الأمر تعقيدا أن بعض علماء الدين الذين يستشيرهم
الوسواسي يجيبونه
بما يفيد مسئوليته عما يحدث، ويطالبونه بتصحيح عقيدته
ودوام التوبة والاستغفار
مما يفكر فيه أو يهم به أو يفعله، فيتوجه المريض نحو نفسه
بجرعات أكبر من اللوم،
وتتعاظم لديه مشاعر الذنب؛ فيزداد وسواسا ويزداد اكتئابا، وهذا يعكس أهمية
أن يعرف علماء الدين طبيعة مرض الوسواس القهري، وكيفية التفرقة بينه
وبين وسوسة الشيطان، وهذا ما سيأتي ذكره لاحقا
إن ما يرد عليك من هذه الوساوس في أمر العقيدة وفي أمر الله جل وعلا سواء
كان بألفاظ فاحشة تستعظم أن تنطق بها أو بورود خواطر
تجعلك تشعر وكأنك تشك
في أمر الله وفي أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم – وفي أمر
القرآن، فكل ذلك
لا يترتب عليه شيء من الأحكام، فأنت بحمد اللهِ صاحب إيمانٍ
بربك بل وإيمان صريح أيضًا،
فإن ما يعرض لك من هذه الوساوس أو من هذه الخواطر قد
عرضت لنفر من الصحابة –
رضوان الله عليهم – مع كمال دينهم وإيمانهم وفهمهم، فجاؤوا إلى النبي -
صلوات الله وسلامه عليه – فذكروا له ما يجدونه في أنفسهم من هذه الأمور
التي تتعاظم أن ينطقوا بها لأنها من الوساوس في الدين
والعقيدة ونحو ذلك، فقال -
صلوات الله وسلامه عليه -: (أوجدتموه؟)
أي هل وجدتم ذلك في أنفسكم؟
هل أحسستم بهذه الوسوسة؟
قالوا: نعم. قال: (ذاك صريح الإيمان) أخرجه مسلم في صحيحه.
فبيَّن لهم - صلوات الله وسلامه عليه –
أن هذه الوسوسة لا تضرهم أصلاً ولا يترتب عليها أي حكم في
الشرع ولله الحمد
وفوق ذلك شهد لهم - صلوات الله وسلامه عليه – بورود هذه الوسوسة
ومدافعتها لهم لأنهم مؤمنون بل وليس فقط هذا بل وصريحوا الإيمان.
فإن قلت: وكيف ذلك؟ فالجواب: لأنهم حزنوا لأجلها ولأنهم
كرهوها ولأنهم يبذلون
جهدهم في أن يتخلصوا منها، وهذا ما يحصل لك، وهو عين ما قد حصل لبعض
الصحابة الكرام – رضي الله عنهم – فأبشر إذن بشهادة النبي -
صلوات الله وسلامه عليه –
التي يشهد لك فيها بالإيمان، لأنك تدافع هذه الوسوسة ولا
ترضاها، وأعظم من ذلك أن نبينا -
صلوات الله وسلامه عليه – قد بيَّن أن هذه الوسوسة تدل على
ضعف كيد الشيطان وقلة حيلته،
فقد جاء نفر من الصحابة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم –
فشكوا إليه ما يجدونه في أنفسهم من تلك الوساوس حتى إن
أحدهم لأن يكون حُمَمة –
أي شيئًا محروقًا تالفًا – خيرًا له من أن يتفوه بها، فقال -
صلوات الله وسلامه عليه -:
(الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الحمد له الذي رد كيده إلى
الوسوسة)
والحديث أخرجه أبو داود في السنن.
فاستبشر وكبِّر فرحًا وشكرًا لله عز وجل الذي ردَّ كيد الشيطان
إلى الوسوسة،
فلما عجز عن إغوائك وعجز عن أن يجعلك تكفر بالله عز وجل
ويئس من ذلك لم يجد
حيلة إلا بأن يوسوس هذه الوساوس التي لا طائل من ورائها
والتي لا تضرك عند الله جل وعلا،
بل هي بشهادة نبيك الأمين - صلوات الله وسلامه عليه – تدل
على الإيمان الصريح ولله الحمد والمنة،
فهذا فضل الله ورحمته الواسعة، فلتستبشر إذن ولتقر عينًا فإنك
بحمد الله مؤمن صادق
في إيمانك إن شاء الله، ولست بالمنافق ولا بالذي يرتاب في
إيمانه، وهذه الوساوس
حكمها أنها لغوٌ لا التفات لها، فاعرف هذا واحرص عليه.
ويعرف عن مرضى الوساوس أنهم من أنقى الناس ضميرا،
ولديهم مستوى رفيع من القيم والخلق،
كما أن صاحب الوساوس لا يتبع أفكاره ذات الطابع العدائي إن
كان ذلك حيال نفسه أو الآخرين