12-15-2019
|
#6 |
بيانات اضافيه [
+
] | رقم العضوية : 6 | تاريخ التسجيل : May 2013 | العمر : 40 | أخر زيارة : منذ 6 ساعات (01:38 AM) | المشاركات : 16,402 [
+
] | التقييم : 43872 | الدولهـ | MMS ~ | SMS ~ | | لوني المفضل : Darkviolet | |
رد: مذاهب الناس في صفة المحبة لله عز وجل وأيضاً فالتعبير بمحبة الشيء عن مجرد محبة طاعته لا عن محبة نفسه أمر لا يعرف في اللغة لا حقيقة ولا مجازاً، فحمل الكلام عليه تحريف محض أيضاً .
ويقال لهم أيضاً: (إن أردتم أن ذلك يقتضي حاجته إلى العباد وأنهم يضرونه أو ينفعونه، فهذا ليس بلازم، ولهذا كان الله منزهاً عن ذلك...
فالله أجل من أن يحتاج إلى عباده لينفعوه أو يخاف منهم أن يضروه، وإذا كان المخلوق العزيز لا يتمكن غيره من قهره، فمن له العزة جميعاً، وكل عزة فمن عزته أبعد من ذلك، وكذلك الحكيم المخلوق إذا كان لا يفعل بنفسه ما يضرها، فالخالق جل جلاله أولى أن لا يفعل ذلك لو كان ممكناً فكيف إذا كان ممتنعاً) .
ويقال لهم: إن ( كنتم نفيتم حقيقة الحب والرضى لأن ذلك يستلزم اللذة بحصول المحبوب، قيل لكم: إن كان هذا لازماً فلازم الحق حق، وإن لم يكن لازماً بطل نفيكم، والفرح في الإنسان هو لذة تحصل في قلبه بحصول محبوبه) .
ويقال لمن نفى ذلك – يعني المحبة والفرح والحكمة ونحو ذلك -: لم نفيته ولم نفيت هذا المعنى وهو وصف كمال لا نقص فيه؟ ومن يتصف به أكمل ممن لا يتصف به؟ وإنما النقص فيه أن يحتاج فيه إلى غيره والله تعالى لا يحتاج إلى أحد في شيء بل هو فعال لما يريد .
فإن قال نافي المحبة والفرح والحكمة ونحو ذلك: هذا يستلزم حاجته إلى المخلوق ظهر فساد قوله.
وإن قال:(إن كان وصف كمال فقد كان فاقداً له، وإن كان نقصاً فهو منزه عن النقص، قيل له: هو كمال حين اقتضت الحكمة حدوثه، وحدوثه قبل ذلك قد يكون نقصاً في الحكمة أو يكون ممتنعاً غير ممكن كما يقال في نظائر ذلك .
(فإن قال– أي الأشاعرة-: تلك الصفات أثبتها بالعقل، لان الفعل الحادث دل على القدرة، والتخصيص دل على الإرادة، والإحكام دل على العلم، وهذه الصفات مستلزمة للحياة، والحي لا يخلو عن السمع والبصر والكلام، أو ضد ذلك.
فلا ريب أن ما أثبته هؤلاء الصفاتية من صفات الله ثابت بالشرع مع العقل، وهو متفق عليه بين سلف الأمة وأئمتها، وإنما خصوا هذه الصفات بالذكر دون غيرها لأنها هي التي دل العقل عليها عندهم) .
فيقال لكم جوابان:
أحدهما: أن عدم الدليل المعين لا يستلزم عدم المدلول المعين، فهب أن ما سلكته من الدليل العقلي لا يثبت ذلك فإنه لا ينفيه، وليس لك أن تنفيه بغير دليل، لأن النافي عليه الدليل، كما على المثبت، والسمع قد دل عليه، ولم يعارض ذلك معارض عقلي ولا سمعي، فيجب إثبات ما أثبته الدليل السالم من المعارض المقاوم.
الثاني: أن يقال: يمكن إثبات هذه الصفات بنظير ما أثبت به تلك من العقليات، فيقال: … وإكرام الطائعين دليل على محبتهم) .
فإن قال– أي المعتزلة-: أنا لا أثبت شيئاً من الصفات، قيل له: فأنت تثبت له الأسماء الحسنى: مثل حي، عليم، قدير، والعبد يسمى بهذه الأسماء، وليس ما يثبت للرب من هذه الأسماء مماثلاً لما يثبت للعبد، فقل في صفاته نظير قولك في مسمى أسمائه.
وقيل له أيضاً:( لا فرق بين إثبات الأسماء وبين إثبات الصفات، فإنك إن قلت: إثبات الحياة والعلم والقدرة يقتضي تشبيها وتجسيما، لأنا لا نجد في الشاهد متصفا بالصفات إلا ما هو جسم قيل لك: ولا تجد في الشاهد ما هو مسمى بأنه حي عليم قدير إلا ما هو جسم، فإن نفيت لكونك لم تجده في الشاهد إلا لجسم فانف الأسماء، بل وكل شيء لأنك لا تجده في الشاهد إلا لجسم) .
ويقال له: قد سمى الله ورسوله صفات الله علماً وقدرةً وقوةً، وقال تعالى: {ثم جعل من بعد ضعف قوة} [الروم: 54]، {وإنه لذو علم لما علمناه} [يوسف:68]، ومعلوم أنه ليس العلم كالعلم، ولا القوة كالقوة، ونظائر هذا كثير، وهذا لازم لجميع العقلاء، فإن من نفى صفة من صفاته التي وصف الله بها نفسه، كالرضا، والغضب، والمحبة، والبغض، ونحو ذلك، وزعم أن ذلك يستلزم التشبية والتجسيم، قيل له:فأنت تثبت له الإرادة والكلام والسمع والبصر، مع أن ما تثبته له ليس مثل صفات المخلوقين، فقل فيما نفيته وأثبته الله ورسوله مثل قولك فيما أثبته، إذ لا فرق بينهما.
فإن قال– أي الجهمية-: وأنا لا أثبت له الأسماء الحسنى، بل أقول هي مجاز، وهي أسماء لبعض مبتدعاته، كقول غلاة الباطنية والمتفلسفة.
قيل له: فلا بد أن تعتقد أنه موجود حق قائم بنفسه، والجسم موجود قائم بنفسه، وليس هو مماثلاً له.
فإن قال-غلاة الجهمية والفلاسفة-: أنا لا أثبت شيئاً، بل أنكر وجود الواجب.
قيل له: معلوم بصريح العقل أن الموجود إما واجب بنفسه، وإما غير واجب بنفسه، وإما قديم أزلي، وإما حادث كائن بعد أن لم يكن، وإما مخلوق مفتقر إلى خالق، وإما غير مخلوق ولا مفتقر إلى خالق، وإما فقير إلى ما سواه، وإما غني عما سواه.
وغير الواجب بنفسه لا يكون إلا بالواجب بنفسه، والحادث لا يكون إلا بقديم، والمخلوق لا يكون إلا بخالق، والفقير لا يكون إلا بغني عنه، فقد لزم على تقدير النقيضين وجود موجود واجب بنفسه قديم أزلي خالق غني عما سواه، وما سواه بخلاف ذلك.
وقد علم بالحس والضرورة وجود موجود حادث كائن بعد أن لم يكن، والحادث لا يكون واجباً بنفسه، ولا قديما أزلياً، ولا خالقاً لما سواه، ولا غنياً عما سواه، فثبت بالضرورة وجود موجودين: أحدهما واجب، والآخر ممكن، أحدهما قديم والآخر حادث، أحدهما غني والآخر فقير، أحدهما خالق والآخر مخلوق، وهما متفقان في كون كل منهما شيئاً موجوداً ثابتاً ومن المعلوم أيضاً أن أحدهما ليس مماثلاً للآخر في حقيقته) .
(وإن كان المخاطب من الغلاة، نفاة الأسماء والصفات، وقال:(لا أقول هو موجود ولا حي ولا عليم ولا قدير، بل هذه الأسماء لمخلوقاته، أو هي مجاز، لأن إثبات ذلك يستلزم التشبيه بالموجود الحي العليم القدير.
قيل له: وكذلك إذا قلت: ليس بموجود ولا حي ولا عليم ولا قدير، كان ذلك تشبيها بالمعدومات، وذلك أقبح من التشبيه بالموجودات) .
وأما قولهم بأن ذلك مجازاً: ( فالمجاز لا يطلق إلا بقرينة تبين المراد، ومعلوم أن ليس في كتاب الله وسنة رسوله ما ينفي أن يكون الله محبوباً، وأن لا يكون المحبوب إلا الأعمال لا في الدلالة المتصلة ولا المنفصلة بل ولا في العقل أيضاً، وأيضاً فمن علامات المجاز صحة إطلاق القول بأن الله لا يُحِب ولا يُحَب، ... ومعلوم أن هذا ممتنع بإجماع المسلمين، فعلم دلالة الإجماع على أن هذا ليس مجازاً بل هي حقيقة) .
فإن قال النفاة: لو قلنا: إن الصفات تقوم به، للزم أن يكون جسماً، والأجسام حادثة، لأنها لم تسبق الحوادث، ولا تخلو عنها، وما لا يسبق الحوادث، ولا يخلو عنها فهو حادث .
فيقال: (إن الله سبحانه وتعالى لم يزل متصفاً بصفات الكمال: صفات الذات وصفات الأفعال، ولا يجوز أن يعتقد أن الله وصف بصفة بعد أن لم يكن متصفاً بها، لأن صفاته سبحانه صفات كمال، وفقدها صفة نقص، ولا يجوز أن يكون قد حصل له الكمال بعد أن كان متصفاً بضده) .
(وحلول الحوادث بالرب تعالى المنفي في علم الكلام المذموم، لم يرد نفيه ولا إثباته في كتاب ولا سنة، وفيه إجمال، فإن أريد أنه سبحانه لا يحل في ذاته المقدسة شيء من مخلوقاته المحدثة، أو لا يحدث له وصف متجدد لم يكن، فهذا نفي صحيح، وإن أريد به نفي الصفات الاختيارية من أنه لا يفعل ما يريد، ولا يتكلم بما شاء إذا شاء، ولا أنه يغضب ويرضى لا كأحد من الورى، ولا يوصف بما وصف به نفسه من النزول والاستواء والإتيان كما يليق بجلالته وعظمته، فهذا نفي باطل) .
قال شيخ الإسلام – رحمه الله -: (وبكل حال فمجرد هذا الاصطلاح، وتسمية هذه أعراضاً وحوادث: لا يخرجها عن أنها من الكمال الذي يكون المتصف به أكمل ممن لا يمكنه الاتصاف بها، أو يمكنه ذلك ولا يتصف به) .
قالوا: (لو قامت الحوادث بالله تعالى، للزم تغيره والتغير على الله محال، ويقصدون بالحوادث أفعال الرب تبارك وتعالى الاختيارية، فعندهم: لو قام فعل حادث بذات الله، لاتصف به، كما اتصف بالحياة والقدرة والعلم والمشيئة ولو اتصف بها لتغير بها، والتغير عليه ممتنع.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (لفظ التغير لفظ مجمل فالتغير في اللغة المعروفة لا يراد به مجرد كون المحل قامت به الحوادث، بل إن لفظ التغير في كلام الناس المعروف يتضمن استحالة الشيء، والناس إنما يقولون تغير: لمن استحال من صفة إلى صفة، فالإنسان مثلا: إذا مرض، وتغير في مرضه، كأن اصفر لونه، أو شحب، أو نحل جسمه: يقال: غيره المرض، وكذا إذا تغير جسمه بجوع أو تعب، قيل قد تغير، وكذا إذا غير لون شعر رأسه ولحيته، يقول قد غير ذلك، وكذا إذا تغير خلقه ودينه؟ مثل أن يكون فاجرا فيتوب، ويصير برا أو يكون برا، فينقلب فاجرا فهذا يقال عنه: إنه قد تغير.
فالمقصود أن مثل هذه الأمور يقال لها تغير أما ما يقوم بالإنسان من أفعال: كتكلمه، ومشيه، وقيامه، وقعوده، وطوافه، وصلاته، وركوبه، وأمره، ونهيه، فلا يقال إن هذا تغير.
فالناس لا يقولون للإنسان إذا كانت عادته أن يقرأ القران ويصلي الخمس أنه كلما قرأ وصلى قد تغير، وإنما يقولون ذلك لمن لم تكن عادته هذه الأفعال، فإذا تغيرت صفته وعادته: قيل: إنه قد تغير.
وكذلك الناس لا يقولون للشمس والكواكب إذا كانت جارية في السماء، ذاهبة من المشرق إلى المغرب أنها متغيرة. ولا يقولون للماء إذا جرى مع بقاء صفائه أنه قد تغير، ولا للفاكهة أو الطعام عند الإطلاق، أو عند تحويلها من مكان إلى مكان أنه تغير) .
فالحركة المكانية: هذه لا تسمى تغيرا، بل تسمى تحركا.
والمقصود مما تقدم أن لفظ التغير من الألفاظ المجملة فقد يراد به في بعض المواضع: الاستحالة وقد يراد به الحركة الكيفية أو الكمية، لا الحركة المكانية ، وإذا نزه الله تعالى عن التغير؟ فالمراد تنزيهه عما ينافي كماله جل وعلا؟ كانقلاب صفة الكمال إلى صفة نقص، أو نحو ذلك.
أما أفعال الله جلا وعلا: ككونه يتصرف بقدرته، فيخلق، ويرزق، ويستوي، وينزل، ويفعل ما يشاء بنفسه، ويتكلم إذا شاء، ونحو ذلك فهذا لا أحد يسميه تغيرا فهو تبارك وتقدس لم يزل ولا يزال موصوفا بصفات الكمال، منعوتا بنعوت الجلال والإكرام، وكماله من لوازم ذاته، فيمتنع أن يزول عنه شيء من صفات كماله، ويمتنع أن يصير ناقصا بعد كماله ، وهذا الأصل عليه يدل قول السلف وأهل السنة: إنه لم يزل متكلما إذا شاء، ولم يزل قادرا، ولم يزل موصوفا بصفات الكمال، ولا يزال كذلك، فلا يكون متغيرا .
فليس المراد بقيام الأفعال في ذات الله تعالى تغيره واستحالته، وإنما المراد فعل ذلك بمشيئته وإرادته، وليس هذا تغيرا.
ومعلوم أن من كان قادرا على أن يفعل بمشيئته وقدرته ما شاء، كان أكمل ممن لا يقدر على فعل يختاره، يفعل به المخلوقات، ولا كلام يتكلم به بمشيئته، ولا يرضى على من أطاعه، ولا يغضب على من عصاه .
  |
| |