في
العالم الافتراضي نحب كما نشاء
ألّفه أحمد عفيفي الاثنين, 12/07/2015 - 10:50 ص
"كيف نفعل ذلك؟ ولماذا نفعله؟ ونحن بالحقيقة مفعمون بالنشاط والتعبير والبيان؟ كيف نلجأ للبحث عن شريك روحنا عبر عالمٍ افتراضي ونحن نعيش في عالم حقيقي؟.."
هل تابعت يوماً تلك الكرات الثلاث وهي تتراقص بمرح بجانب اسم من تحب؟ هل انتظرت يوماً أن تنتهي تلك الشقيات من رقصتها حتى تعرف ماذا يكتب لك من تحب؟
هل امتلأ قلبك باللون الأحمر حين ظهر لك الرقم 1 بمكعب أحمر؟ هل خفق قلبك بحرارة حين عرفت أن عبر الأسلاك والأميال يجلس أحد يهتم بك؟
اذا أجبت بنعم، فاسمح لي يا عزيزي أن أخبرك أنك في علاقة عن بعد.
العالم قرية صغيرة؛ يعيش فيها نحو 7 مليارات نسمة، ورغم صغر ذلك العالم، ورغم الـ 7 مليارات نسمة، نشعر أحياناً بالوحدة: حين لا نجد من نحب، حين لا نجد من يحبنا، حين نفتقد ذلك الشعور الايجابي الرائع، أن هناك من يوجد ويهتم لوجودنا. رغم خروجنا للدراسة أو العمل، ورفقة المئات كل يوم، ربما لا نعثر على ذلك الشخص المحدد، ذلك النصف الآخر الذي به نكتمل.
حينها يأتي دور عالمنا الافتراضي، حينها قد نلجأ بكل جوانحنا إلى البحث عن ذلك الشريك الخيالي، ربما نجده كما نجد كتاباً على أمازون، أو سترة معلقة على أضلاع علي بابا.
غموض وكشف
كيف نفعل ذلك؟ ولماذا نفعله؟ ونحن بالحقيقة مفعمون بالنشاط والتعبير والبيان؟ كيف نلجأ للبحث عن شريك روحنا عبرعالمٍ افتراضي ونحن نعيش في عالم حقيقي؟
لماذا نذهب إلى ما وراء البحار؟ وماذا نتوقع أن نجد؟ كيف نقايض ما هو حقيقي بما هو رقمي؟ تلك أسئلة كثيرة مربكة ومحيرة، إلا أن الإجابة عليها وعلى غيرها ربما تكمن في سرية وعمق وغموض نفوسنا البشرية، تلك النفوس البسيطة البريئة الهشّة، والسرية الخجولة والغامضة بنفس الوقت.
كل منا يحمل صورة خاصة عن نفسه، ويحمل له
العالم صورة خاصة به، صورتنا عن أنفسنا تلك هي أكثر ما يميزنا، هي أكثر خصوصية مما يعرف أو يمكن أن يدرك العالم، وأبعد من ادراك الآخرين المحيطين بنا.
لا احد - مهما طالت عشرتنا به في البيت أو العمل - يمكنه أن يطّلع على حقيقتنا الحقيقية الخاصة، أو على انفصامي الداخلي. لا أحد يمكنه – إلا بموافقتي – ان يطّلع على أدق وأعمق أسراري وغموضها الخاص.
السماح بكشفها وعرضها ربما يعرّضني للحرج أو النقد أو الأذى، لذا أتوجه بغموضي الخاص وشخصي الحقيقي إلى ما هو أبعد من محيطي الخاص الحقيقي المباشر؛ أتوجه إلى عالم الـ 7 مليارات الافتراضي، حيث لا احد يعرفني ولا احد مطّلع علي.
لا احد سينقدني أو يحرجني أو يسبب لي الخجل، طالما هو بعيد بمئات الأميال ويختفي مثلي خلف شاشة مضيئة.
بالعلاقات عن بعد يمكننا أن نطرح أنفسنا بهدوء وثقة ولطف، يمكننا أن لا نخجل من الرفض، حيث انه في حال حدوثه سوف يكون أفضل أو أرحم من الرفض المباشر.
في العلاقات البعيدة، ربما يتفهم الطرف الآخر حاجتنا للحديث، بالوقت الحاضر أو بالوقت المناسب له -عندما يكون متفرغاً أو بحاجة للسماع هو أيضاً والحديث.
في العلاقات عن بعد يمكننا أن نتحدث عن أنفسنا دون خجل بكل صراحة ووضوح، فعيون الآخر ليست مثبّتة علينا، أو محدقة فينا وليست هناك أحكام مسبقة لديه، كما أننا نفترض الصراحة فيما نقول ونتلقي.
بالعلاقات عن بعد قد تتطور صداقة إلى علاقة، فنحن حين نتحدث عن بعد نكون كمن يسترخي فوق سرير طبيب نفسي، لا حرج أو خجل أو خوف، سوف نتكلم بكل شفافية وصراحة، لأننا بحاجة لأن نتكلم بوضوح ودون حواجز الواقع.
تكفينا محاولات الهرب من الآخرين بالواقع، ويكفينا أن نغلق شاشتنا حتى نبتعد عن تلك العيون المسلّطة علينا التي تراقبنا. لا رقيب هناك بالعالم الافتراضي، لا أحد يحمل هراوة الخطأ والصواب وتقاليد المجتمع.
العالم الرقمي عالم رحب وعادل ومتكافئ الفرص، لا يجلد أو يحاسب احداً، وهنا تكمن قوته: أننا يمكن أن نبحر فيه بأمان تام، بثقة مطلقة، نقُصُ حكايتنا ونطرح أسئلتنا ونأخذ الوقت الكافي حتى نصل لغايتنا، لعل غايتنا التي لم نجدها بعالمنا الحقيقي تربض بانتظارنا بالعالم الافتراضي، كما حدث لآلاف قبلنا ممن سبقونا في ذلك الارتحال.
==============
اعجبني فنقلته لكم مع بعض التعديلات