07-07-2020
|
|
أيها الراكع على ركبتيه
في ثقافتهم، يكفي أن يحضر خاتما ويصطنع مشهدا دراميا يخر فيه على قدميه كي يتزوج، أما في ديننا وثقافتنا وأعرافنا، فإن بدل الخاتم قوافل محملة بما يسر الناظرين، وفرقة من الناس تأتي لتشفع وتحضر وتشهد وتبارك، وقبل ذلك مفاوضات وتعاقدات وجلسات وتحضيرات، حتى يضمن الجميع أن هذه الفتاة المحمية بكل هؤلاء الرجال، سترتبط برجل يدرك مسؤوليته ويتحمل تبعات ما هو مقدم عليه...
في ثقافتهم الزواج هو مرحلة متقدمة من العلاقة بعد أن يكونا جربا وجربا، وبدلا وغيرا، وقضيا من شبابهما أكثره، وبعد أن يكون هو قد اختارها عن تجربة وتميحص وتمخيض، بعد أن عات في صديقات الدراسة وبنات الجيران وبنات العائلة، وهي كذلك اختارته عن تجربة وتمحيض وتمخيض، فهي تفقد بكارتها في بداية عقدها الثاني، وتتزوج في وسط العقد الثالث، فالزواج عندهم هو التجربة الناجحة رقم 20 أو 30 أو أكثر...
أما في ديننا فالزواج هو أول الحكاية، وبداية تفتح القلب على الحب، فالفتاة عندنا تحافظ على بكارة قلبها كما تحافظ على بكارة بدنها، فالزوج هو الرجل الأول، والزواج هو بداية العلاقة، والباب الوحيد، وهو التزام وليس علاقة، هو مؤسسة وليس شهوة، هو غرس لشجرة وليس قطف لثمرة، هو مشروع وليس ومضة من العاطفة، من هنا فكل طفل إنما يولد في نعيم الأسرة ويذبح له ما يستحق من الخراف، ويجتمع النساء حول الأم يهنؤون ويباركون ويساندون، ولك أن تقيس هذا على ما تعيشه العشيقة إن لعنت بمولود.
إن موضوع التقمص الذي نعيشه اليوم نتيجة طبيعية للهزيمة النفسية التي تربينا عليها، فالشاب الذي يركع على ركبته أمام فتاة، هو يحاكي بطريقة ببغائية نمط العيش الغربي، فهو عندما يمارس تلك الطقوس يتخيل أنه قد صار متحضرا بل يخيل إليه أنه هو ذلك الشخص الذي شاهده في الفلم، ورجل مستلب كل هذا الاستلاب سيصعب عليه جدا أن يصحح رؤيته للحياة، إلا أن يقوم بجهد كبير لإعادة برمجة عقله الباطن كي يتحرر من هذه التبعية العمياء.
#تحرر_من_الاستعمار
#الاستعمار_الثقافي
د حامد الإدريسي |