يا بُنيتي: من الأهمية الكبيرة عدم عقد مقارنات كثيرة فتقارني بينك وبين شقيقة زوجك، او بين اهلك واسرتك وبين أهل واسرة زوجك مهما كانت الفوارق ولكي لا ينعكس ذلك علي تصرفاتك نحو زوجك واهله. إذا حدث خلاف بين زوجك واهله فلا تستثمري هذا الخلاف بزيادة الشقة ووذكرهم بسوء، التصريح بما قد تحمليه من مواقف سابقة من مشاعر سلبية نحوهم، فقد ينتهي الصدع بينهم بما يبقي ما احدثته من صدوع نحوهم باقيا في نفسه. وتذكرى دوما أن زوجك غير مسئول عن توجهات أهله فلا ينبغي الربط بينه وبينهما في كل شيئ ولا تولميه أو تؤاخذه بهذا فيدب الشقاق بينكما، فلا تزر وازرة وز اخري
أي بُنية: عليكِ القناعة بمبدأ الخصوصية بين الزوجين، وعدم السماح للغير (خاصة الأقربين) بالتدخل في الحياة الزوجية وتناول الأمور الخاصة بكما. فأغلب هذه التدخلات لا تأتي بخير، فأهل الزوجة غالباً ما يتدخلون لصالح ابنتهم وكذلك فأهل الزوج يتدخلون لمناصرة ابنهم، الأمر الذي يعمل على إيجاد المشاكل وتأزمها بين الزوجين وكثيراً من الخلافات الزوجية إنما تنجم بسبب تدخلات الأقارب في الشئون الزوجية، فحياة الزوجين هي ملك لهما فقط لا ينبغي أن تُعكر صفوها التدخلات الخارجية مهما كانت درجة القرابة.
يا بُنيتي: مثلما أن هناك عوامل وأسباباً يمكن أن تساهم في تعكير صفو هذه العلاقة، وربما تؤدي إلى هدمها، فكذلك ثمة عوامل وأسباب يمكن أن تقوي هذه العلاقة وتزيد من متانتها وتساعد على غرس وتنمية السعادة الزوجية والمحافظة عليها بين الزوجين، ولعلنا نحاول أن نصل معاً إلى أهم تلك الأسباب متمثلة في النقاط التالية.
يا بُنيتي: الالتزام بأوامر الله عز وجل والإكثار من ذكره والبعد عن معاصيه، به تنشرح النفوس وتطمئن القلوب. وحينما يقال: إن التدين ينبغي أن يكون راشداً فليس من أجل استتباب الحياة الزوجية فقط، بل الحياة كلها، بمعنى أن يكون التدين شاملاً عاما، يشمل كافة مناحي الحياة اليومية، فالعبادات والقربات من الدين، وحسن التعامل مع الآخرين من الدين(فالدين المعاملة)، وصلة الرحم، والابتسامة، وأداء الواجبات والحقوق للناس، فكلها من أمور الدين. كما لابد أن يكون التدين متوازناً فليس من الفقه التوسع في النوافل مع إهمال حقوق الزوج أو رغباته أو العكس، ولذلك لا يشرع للمرأة صيام النفل إلا بإذن زوجها. والشيطان قرين الغافلين عن الله وشرعه، وهو من أهم العوامل المفضية لغرس الكراهية وبث البغضاء بين الزوجين وله في ذلك طرق ووسائل شتى وحيل وحبائل عديدة. بل إن أدنى أعوان إبليس إليه منزلة هو ذلك الذي يعمد إلى التفريق بين الأزواج ويفلح في إيقاع الطلاق بينهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم: “إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا. فيقول ما صنعت شيئاً. قال ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه ويقول:”نعم”.
يا بُنيتي: الإنسان بطبعه يحب التجديد في كل أمر من أمور دنياه، والروتين أحد أسباب الملل وجلب الكآبة، لذلك ينبغي على الأسرة أن تضفي على حياتها نوعاً من التغيير وألا تعكف على نمط واحد، كأن تجتهد الزوجة في تغيير زينتها بما يناسبها، أو تتعلم نوعاً جديداً من الأطعمة والمشهيات فتضيفه إلى مائدتهما، وعليها كذلك من وقت لآخر أن تغير من صورة بيتها بنقل الأثاث وتحويره من مكان إلى آخر. والزوج مطالب كذلك بأن يكسر الروتين بوسائل كثيرة منها على سبيل المثال الخروج مع أهله للترويح عن النفس من خلال الرحلات المشروعة من دون إفراط ولا تفريط.
يا بُنيتي: عليكِ بغض الطرف عن بعض الهفوات، فالبشر يمليون للخطأ والزلل، ولذلك فمن الحق والعدل أن يغض الزوج والزوجة طرفهما عن الأخطاء الصغيرة والهفوات العابرة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه مسلم: “لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خُلقاً رضي منها آخر”.
يا بُنيتي: الملاطفة من أسباب دوام المحبة فعلى كل من الزوج والزوجة أن يحرص كل واحد على ملاطفة الآخر وملاعبته والمزاح معه. فقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه برغم جديته وشدته يقول: ينبغي للرجل أن يكون في أهله كالصبي فإن كان في القوم كان رجلاً. وروت السيدة “عائشة” رضي الله عنها: أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرة وهي جارية، قالت لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال لأصحابه تقدموا، ثم قال: “تعالي أسابقك! فسابقته فسبقته، فلما كان بعد وحملت اللحم وبدنت ونسيت، خرجت معه في سفر، فقال لأصحابه: تقدموا فتقدموا ثم قال: “تعالي أسابقك! ونسيت الذي كان، وقد حملت اللحم، فقلت: كيف أسابقك يا رسول الله وأنا على هذه الحال، فقال: “لتفعلن” فسابقته فسبقني، فجعل يضحك وقال: “هذه بتلك.
يابُنيتي: عليكِ باحتواء المشاكل الطارئة وسرعة معالجتها ومعالجتها أولاً بأول وعدم الهروب منها، فإن تراكمها وتطورها يقود إلى نتائج غير محمودة العواقب، ويجب ألا يسيطر اليأس على أحد الزوجين أو كليهما باستحالة الحل، فلكل مشكلة حل ولكل خلاف علاج، وليحرص الزوجان على المحافظة على أسرار حياتهما الزوجية وذلك من خلال الثنائية في طرق المشاكل والاتفاق على الحل وألا يوسعا دوائر الخلاف بإدخال أطراف أخرى لئلا تتسرب الأسرار وتتطور المشكلة، وإن كان لابد من مشاركة طرف آخر فليكن الوسطاء من أهل العقل والتجربة والحكمة والصلاح وممن يحفظون أسرار البيوت.
يا بُنيتي: إن تبادل الهدايا تغرس المحبة في النفوس:”تهادوا تحابوا”. فالهدية هي تعبير عن المودة وهي كسر لجمود ورتابة العلاقات الإنسانية فإن كانت مثل هذه الهدايا تفعل فعلها وسط الأصدقاء والمعارف. فإن تأثيرها وسط الأزواج أكثر فاعلية وأعظم أثراً. ولا يشترط أن تكون الهدايا من تلك المقتنيات الثمينة الفاخرة، لأن الغرض من الهدية هو إظهار مشاعر الود والألفة في المقام الأول، وذلك يتحقق بأي مستوى من القيمة المادية للهدية، ولكن عن كانت الهدية من النوع الثمين فإن ذلك من أسباب مضاعفة السعادة وزيادة المودة.
بُنيتي: تعقلي في الطلبات بحيث لا تكلفين زوجك بما لا يطيق، فترهقين ميزانيته أو وقته أو صحته وتضيفين عليه أعباء جديدةلم يكن قادراً على توفيرها. وكذلك الزوج مطالب هو أيضاً ألا يحمل زوجته ما لا تطيق من أعباء وتكاليف، سواء كان ذلك في التعامل أو المسؤوليات أو غيره. قال تعالى في محكم تنزيله: “..لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا..”(البقرة:133)
أي بُنية: ينبغي على الزوجة أن تحترم زوجها، وأن تعترف له بالقوامة، وعدم منازعته في الاختصاصات التي يجب أن انفرد به. مع إنزاله منزلته، من كونه رب الأسرة وحاميها والمسؤول الأول عنها، وإذا أرادت الزوجة أن تشاركه الرأي في بعض اختصاصاته فيجب أن يتم ذلك بتلطف ولباقة واختيار الوقت والزمان المناسبين لمناقشة مثل هذه القضايا وطرح الأفكار، على ألا تصر الزوجة على رأيها أو موقفها إن وجدت منه تمنعاً، بل عليها أن تؤجل الأمر حتى تسنح الفرصة ويتهيأ المناخ لمناسب لمعاودة الطرح. فمن الأهمية بمكان التشاور وتبادل الرأي من خلال عقد جلسات عائلية دورية يتشاور فيها الزوجان عما يجب عمله في الأمور المهمة في حياتهما المشتركة، ويتم من خلال ذلك تقويم تجاربهما الماضية والتخطيط للمستقبل. وذلك عبر رؤية مشتركة. فإن القرارات إذا أُخذت باتفاق لاشك أنها أفضل من نظيراتها الفردية.
يا بُنيتي: يجب ضبط النفس عند وقوع الخلافات الزوجية والأسرية، والبعد عن استخدم العبارات الجارحة أو انتهاج السلوك المؤذي بين الزوجين. كأن يعير الزوج زوجته بنقص فيها، أو أن تخدش الزوجة زوجها بنقائصه، خاصة إن كانت تلك النقائص مما لا يؤثر في الدين والخلق أو يجرح الاستقامة والسلوك، وفي ذلك يجب أن يكون النقد أو التوجيه بأسلوب رقيق تلميحاً لا تصريحاً ثم المصارحة بأسلوب المشفق الودود.
وليس هناك أي مبرر مثلاً لكي يعيب الزوج على الزوجة عدم إتقانها لفن الطبخ، بل عليه بدل ذلك أن يحضر لها الكتب المتخصصة في هذا الشأن. ومن الممكن أن يوجهها بعبارات لائقة كأن يقول لها لو فعلت ذلك لكان خيراً ولو امتنعت عن ذلك لكان أفضل. فرسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما كان يصحح الأخطاء تلميحاً لا تصريحاً فكان يقول: “ما بال أقوام يفعلون كذا”، وكذلك ما عاب طعاماً قط، فالانتقاد الحاد والهجوم الصارخ قد يقود إلى التعنت والعناد، ويؤدي إلى العزة بالإثم.
يا بُنيتي: كثيرا ما تهتم الكتابات التي تُعني بالسعادة الأسرية، بمجموعة من السلوكيات الإيجابية، والنصائح الثنائية لطرفي الرابطة الأسرية، كي تستقر الأسرة، وتستمر أسباب سعادتها ومودتها:“وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” (الروم:21)، لكن ـ وبمفهوم المخالفة الذي يتعرف الأخطاء والسلبيات مخافة الوقوع فيها ـ قليلا ما يأتي التحذير من تلك الأمور التي تؤشر على قرب انهيار تلك الرابطة المقدسة، وتدق ناقوس الخطر بشأن معاول الهدم التي تنخر بقوة في ذلك الحصن لتهدمه، وفي تلك السفينة لتغرقها، وذلك بالانفصال المعنوي داخل الأسرة أو الكلي بالطلاق ـ(والذي ارتفعت نسبته في مجتمعاتنا..سواء فيما بات يعرف بـ”الطلاق المبكر” خلال العام الأول من الزواج، أو في زيجات قد مضي عليها عقود من الزمان، فحذار من معاول تهدم حصن الأسرة، وتأذن له بالانهيار وابتعدي عنها.. وقايةً، أو ليكن التصارح بشأنها ـ إن حدثت ـ لتدارك آثارها..علاجا، ومن ثم بذل الجهود لبناء السعادة الأسرية.. رسوخا واستقراراً.
يا بُنيتي: إن الشعور بعدم الرغبة في العودة إلي المنزل، ومداومة البحث عن أسباب أو أعمال إضافية، أو أصدقاء للانشغال بهم عن العودة لعش الزوجية من علامات الإنذار المبكر..إذ المرء يهرب مما يسبب له ألما ومعاناة، واستمرار ذلك يولد مزيدا من الشقاق والنزاع الأسري، مما يأذن بهدمها. إن تفريع الأوقات للأسرة، واللهفة للتواصل واللقاء الحميمي، وتحمل المسئوليات العائلية والتربوية نحو الأبناء، مؤشر صحة وسعادة وتماسك واستقرار الأسرة.
يا بُنيتي: يشكو بكثرة كده وجهده وعمله لتوفير الحاجيات والنفقات المتعاظمة والمتزايدة، في حين لا يري حرصا أو ترشيدا في الإنفاق، أو الاستهلاك الترفي غير الضروري، بل يُدفع بسياط “الحرص والرغبة في زيادة الدخل أكثر مما هو عليه الآن”. وإن كانت الزوجة تعمل ينشأ الجدل حول مساهمتها في الأنفاق على الأسرة؟، إذ ان وقت عملها من حق البيت والأسرة. إن إساءة التعامل مع الجانب الاقتصادي من أهم وأخطر معاول الهدم الأسري، والطعن في مبدأ” القوامة” وتمييعه، نذير شؤم عائلي، فلتكن الثقة متبادلة، وبذل المزيد من الطاقة ـ معاـ علي حسن إدارة دفة البيت في ظل تحولات اقتصادية متسارعة، مع تقدير جهود الزوجة “العاملة” داخل وخارج المنزل، ثم لا تحمّـلوا أنفسكم فوق طاقتها:“لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا” (الطلاق:7).
يا بُنيتي: حذارِ من فقد الاهتمام بأخباره/ أخبارها، وعدم العناية بأقربائه / أقربائها، وجفاف ينبوع التعاون والتواصل وبث المشاعر عن الهموم والصعوبات والمشكلات اليومية التي مرت بكما، وغيرها من أمور التواصل اللفظي والفكري والوجداني والاجتماعي. إن الفتور و”الصمم” الأسري مدعاة لانهيار المنزل إذ يحوله إلى فندق، يعيش فيه الجميع في وحيدة وعزلة كحاضرين غائبين.. فإذا ما تحدثوا فعن “أحوال الطقس، وعناوين الجرائد”، والقاعدة الأساسية: “الصمت من ذهب”، “وليخدم كل واحد نفسه بنفسه Help yourself”.
يا بُنيتي: إن استمرار إحراج/ نقد/ معارضة/ تكذيب أحد الطرفين أمام الأبناء والأهل والغرباء، والتظاهر بمعرفة ما سيقوله مسبقاً سلوكيات سلبية قد تكون تنفيساً عن مواقف سلبية أخري بدرت من أحد الطرفين، لكنه كفيل برد فعل من الزوجة استمرارا في السلبية أو من الزوج بفصم عري هذا الزواج الذي لا يحظي فيه بالاحترام اللائق من زوجته. إن الاعتذار عند الخطأ ـ والذي قد يكون تافهاًـ دليل علي الأخلاق السامية، وبيان عن مدي الحرص علي عش الزوجية من أن تتقاذفها الأنواء والهواء، أما الإصرار علي هذه السلوكيات السلبية فمن دواعي الشقاق والدمار الأسري.
يا بُنيتي: “للطاهرة خديجة” رضي الله عنها كان الفضل، والمكانة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ لم ثمّن نبيك عالياً لمن عاشت معه “حلو الحياة ومرها”. بل ويعلنها على الملأ وبعد وفاتها وفاء لها وردا لأعتبارها:”إني قد رزقت حبها”. فلم يفعل مثلما يحابي ويجامل ازواج زوجتهم الثانية بذم الأولى، فما بالنا وإن كانت الأولى في عداد الموتى؟!. ولنترك الحديث للسيدة عائشة رضي الله عنها إذ تقول: ما غرت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم إلا على خديجة، وإني لم أدركها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة فيقول: أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة، قالت: فأغضبته يوما فقلت: خديجة؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إني قد رزقت حبها”(صحيح مسلم، ج 4، ص 1888). إنه صلى الله لم يكد ينساها طيلة حياته وبعد وفاتها؛ إذ كان يكثر ذكرها ويتصدق عليها، وتروي أيضا السيدة عائشة رضي الله عنها فتقول: “ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة، وما رأيتها ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة فيقول:”إنها كانت وكانت وكان لي منها ولد”(صحيح البخاري، ج 3، ص 1389). وأيضا تروي عائشة في ذلك فتقول: جاءت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو عندي، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أنت؟ قالت: أنا جثامة المزنية، فقال: بل أنت حسانة المزنية، كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ كيف كنتم بعدنا؟ قالت: بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فلما خرجت قلت: يا رسول الله، تُقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟! فقال: “إنها كانت تأتينا زمن خديجة وإن حسن العهد من الإيمان”،(المستدرك على الصحيحين، ج1، ص 62).
يا بُنيتي: الغيرة المحمودة تؤثر على العلاقة الأسرية مع عدم المبالغة في الغيرة بل تكون باعتدال وروية، وهي بذلك تكون مؤشراً على محبة كل من الطرفين للآخر وعدم تفريطه فيه أو السماح بالنيل منه بشكل غير مشروع، فيجب على الزوج أن يعتدل في هذا الشأن، ولا يبلغ إساءة الظن والتعنت وتجسس البواطن، فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تتبع عورات النساء: “إن من الغيرة غيرة يبغضها الله عز وجل، وهي غيرة الرجل على أهله من غير ريبة” لأن ذلك من سوء الظن الذي نهانا الله تعالى عنه، فإن بعض الظن إثم. وقد قال علي رضي الله عنه: “لا تكثر الغيرة على أهلك فتُرمى بالسوء من أجلك”.وأما الغيرة التي تكون في محلها فهي مطلوبة شرعاً ولابد منها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: “إن الله يغار، والمؤمن يغار…” وكان الحسن يقول:” أتدعون نساءكم ليزاحمن العلوج في الأسواق؟” قبح الله من لا يغار.
فالمطلوب إذاً هو الاعتدال بحيث يغار الزوج في المواطن التي تجب فيها الغيرة، ويُمسك فيما عدا ذلك من غير ضعف ولا تنطع.
يا بُنيتي: يبدو أنها شكوى عامة.. مستمرة ومتكررة ومتطورة، تلك المتمثلة في إبداء علامات التحسر علي العبارات والمواقف والهدايا المعبرة عن الحب قبل الزواج، ويغيب عن كثيرين أن الحب قد يأخذ صورا أخري من التعبير بعد الزواج، ومع ذلك فعدم إبداء الإعجاب وتكرار تذكر أيام وسنوات الحب السعيدة، وعدم التقدير لمدي الجهود المبذولة من أجل الأسرة، وتجنب التحدث عن عواطفكما نحو بعضكما البعض يزيد من الفتور والبكاء علي “أطلال الحب” المنقضي، لا تجديده أو حتى ترميمه. من المعلوم أن لكلٍ من الزوجين أوجه كمال وجمال وإلا لما تزوجا، يقول المصطفي صلى الله عليه وسلم:”لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر”) رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .( لذا لقد كان التقدير والمدح قبل الزواج انسجاماً وتأليفاً، أما بعد الزواج فهو ضرورة حياتية ونفسية ووجدانية، فالنفس الإنسانية فطرت علي حب المدح وكراهية الذم.
يا بُنيتي: إن رسول صلى الله عليه وسلم يعلن في أكثر من مناسبة، وتقديراً لسيدة هذا شأنها، وتلك مواقفها، وذلك جهدها، بأنها خير نساء الجنة، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:“خير نسائها مريم، وخير نسائها خديجة”(صحيح البخاري، ج 3، ص1388)، وفي رواية: عن ابن عباس قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض خطوطا أربعة، قال:”أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون” (صحيح ابن حبان، ج15، ص 470) .بل جاء أيضا أنها رضي الله عنها من أفضل نساء العالمين، فقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون” (صحيح ابن حبان، ج 15، ص 464. ليس هذا فحسب، بل يقرؤها المولى عز وجل السلام من فوق سبع سماوات، ويبشرها ببيت من قصب في الجنة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال:”يا رسول الله، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.صحيح البخاري، ج3، ص1389).
يا بُنيتي: ما أروع هذه الزيجة!! وما أروع هذين الزوجين، وتلكم الأسرة!! وكأن الله خلقها لتأتم بها الدنيا كلها، ويأتم بهم كل زوجة وزوج وأسرة تريد إصلاحا وفلاحا، وهذه هي الزيجة الربانية.. كما أرادها الله وكما طبقها رسوله صلي الله عليه وسلم.
يابنيتي: لعل تكثيف برامج الإرشاد النفسي في الوسائل المسموعة والمرئية والمقروءة، وإنشاء قنوات فضائية متخصصة في قضايا الأسرة النفسية والاجتماعية والمادية، إهتداءً بنماذج الواردة في القرآن والسنة، وسيرة السلف الصالح، وتخصيص ملحق أسبوعي في الصحف المحلية، موجّه للشباب والشابات حديثي الزواج، أو المقبلين عليه، يناقش هذه الأمور، باتت من الأمور المُلحة. كذلك تسهيل إجراءات تأسيس مؤسسات خيرية تُعني بأمور الأسرة، ومشاركتها في تنفيذ البرامج والدوريات التدريبية ذات العلاقة بالأسرة وتقديم البرامج التدريبية والإرشاد الأسري. وتوجيه خطباء المساجد والدعاة بالتوعية بأحكام وقيم الأسرة والزواج في خطب الجمعة والمحاضرات، وتنظيم المخيمات الدعوية المتخصصة لرفع الوعي لدى الجنسين في مجال القضايا الأسرية.
غاليتي: اعرفي عظمة هذا الدين الذي تنتسبين إليه، وأعرفي قدر أسلافك، وكيف جاهدوا في خدمة الإسلام، وفي تربية القادة الأبطال، والرجال العظام. فما أحوج الأمة الإسلامية ـ الآن ـ إلى أمثال “خديجة”!. يـُنفقن، ويبذلن، ويصبرن، ويربين، ويبَلِغْنَ دعوة الله تعالي، ويسكبن الإيمان والثقة والفرح في قلوب إزواجهن سكبًا. فإلى هذا المعين، معين أمهات المؤمنين، فارتشفي واترابك. وإياك، ومَثالب الأخلاق.. الكَذِب المُبرِّح، والخُلْفَ المُصَرّح، والغيبة والنميمة، وإضاعة الوقت والمال، على التفاهات، والانشغال بوسائل الإعلام.
بُنيتي: جميل أن أخبرك عن الأخلاق الفاضلة، ورائع أن اكتب لك عن المثل وعظيم السجايا والخصال، أن تقرأي عن الحلم والأناة، أو نتحدث عن الجود والسخاء ونصف الصدق والسماحة، فنعجب من كرم الكريم، وشهامة الشهم. عظيم كل هذا وغيره، لكن إذا اتصف شخص واحد بكل هذا، فكم ستحمل النفوس والقلوب له من الإجلال والاحترام والمحبة؟. أم القاسم! رضي الله عنها.. مَعلمةَ العفة لبنات المسلمين، ومَعلمةَ الوفاء لزوجات المسلمين، ومَعلَمة الصبر لداعيات المسلمين، بل إنها مُعلمة الحكمة لحكماء المسلمين. فعيشي، بُنيتي وأترابك في ظلال سيرتها..”الأنموذج لخير النساء وأكملهن”.. اللهم بلّغ أمنا “خديجة” رضي الله عنها، منا السلام، وسلام عليها، وعلي امهات المؤمنين، في الأولين والآخرين.