الموضوع
:
العرب أمة تحكمها فكرة العصبية
عرض مشاركة واحدة
06-28-2021
#
4
إدارة قناة اليوتوب
بيانات اضافيه [
+
]
رقم العضوية :
426
تاريخ التسجيل :
Mar 2014
أخر زيارة :
منذ 20 دقيقة (05:48 PM)
المشاركات :
16,181 [
+
]
التقييم :
9330
MMS ~
لوني المفضل :
Darkturquoise
رد: علاقة العصبية بالدين
الملك العضوض
لكنّ انتقال جماعة من بدو كانوا «يأكلون الحنطة بنخالها»44 إلى الحضارة والأمصار،
وترك حياة الشظف إلى الترف45، والتحول في الأنماط الاقتصادية؛ أدّى إلى ازدياد نزعات التحضر عند البدو، وضعفٍ في أثر المثاليات الدينية عند بعض النخب السياسية؛ ومِن ثَمّ قاد كل ذلك إلى تحولات في نمط الحكم السياسي الراشدي، «فعندما تتدرج البداوة إلى نهايتها تجيء طبيعة الملك»46. ودلالة انقلاب الخلافة إلى ملك يمكن استقراؤها على عدة مستويات:
الأول:
استحالة استمرارية الجماعة الدستورية الأولى
التي تأسّست بالمدينة وكل فضائلها السياسية وحكمها الرئاسي، لإشكالات مسّت الأسس والقيم المؤسسة، فإذا كانت الجماعة الأولى نقشت على معنًى قِيَميٍّ تَقَوِيٍّ متسيّد على العصبية؛ فإن التحولات الاجتماعية على صعيد الفرد والجماعة التي صاحبت الفتوحات وتدفُّق الثروات ونشأة المدن والأمصار وانتقال القبائل إليها والفتنة الكبرى والحروب الأهلية وما بعدها، كل ذلك كشف عن ضعف المعامل الديني ليكون وحدَه سببًا رئيسًا لانعقاد جماعة المسلمين على نفس أُسس الخلافة الراشدة، فاحتيج إلى تأسيس جديد لجماعة جديدة، وإذا كان الحكم الرئاسي في الخلافة يسمح بوجود مساواة بين الأفراد والعصبيات، فإن الحكم الملكي يقوم على التراتُبيّة الهرمية ولا يسمح بشيوع المساواة، إذًا «لا بد من عصبية تكون أقوى تستتبعها جميع العصبيات»، وهم الأمويون في هذه الحالة، لتنفرد بالمجد والغلبة على بقية العصبيات المتنازعة، وتقود بالقهر انتقال البداوة إلى الحضارة، وتُحوّل السلطة من الخلافة الرئاسية إلى الملك أو الدولة الإمبراطورية «العظيمة الاستيلاء». وإذا كان الفرد ينتمي إلى الجماعة السياسية تحت سلطان النبوة والخلافة بدافعٍ من الاختيار الحر والوازع الديني الذاتي، فإنه في مرحلة الملك يفقد الفرد سلطانه على نفسه؛ ففي الأمس الراشدي كان ارتباط الفرد بالجماعة «دينًا»، ثم انقلب «عصبيةً وسيفًا»، بحسب تعليق ابن خلدون، إنه زمن الرهبة الإيجابية بعد ضعف التقوى كما يقول ابن الأزرق47، وقد تجلّى ذلك في تأسيس ما سُمّي عام الجماعة48، كما يحب أن يطلق عليه قطاعٌ واسعٌ من أهل السنة، أو الجماعة الثانية التي تناسب الملك، وهو عام القهر والكسروية كما يقول الجاحظ والمعتزلة.
الثاني:
وإذا كان في المرحلة النبوية والراشدية، تسيّد الديني على العصبي؛ فإنه في مرحلة الملك، حدث العكس، صعد العصبي فوق الديني، وأصبح مطلوبًا من الديني أن يكون خادمًا للعصبي ومبررًا له. وهذا ما لوحظ في مراحل تأسيس الملك العضوض؛ إذ تحوّل نمط الحكم من خلافة النبي الذي يختار بالشورى، إلى خلافة الله الذي يتوّج بالإكراه، وأضحت السلطة نفسها غايةً وقيمًا عليا، وبتعبير ابن الأزرق «بل الحاجة إلى الملك -إذ ذاك - في أرفع مراتب الاعتبار»49، بل إن سطوته في الضبط أرفع وأصرم من سلطة القيم الدينية؛ فالله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، والسيف والسنان يفعلان ما لا يفعل البرهان50. وهذه النصوص توحي بأن القوة والجبر قد يلعبان أدوارًا خيّرة في حياة المؤمنين، وتولّد من هذا الإيحاء أن هذا التحول في فلسفة الحكم من الخلافة الراشدة إلى الملك لم يكن اختيارًا بل أمرًا من الله وتقديرًا منه لمصلحة الجماعة؛ لأن «الخلافة الشرعية وهي قليلة اللبث» كما يقول ابن خلدون والإخباريات النبوية كانت تستشرف دورة التحول من النبوة والخلافة إلى الملك العضوض51، حتى إن فقيهًا مالكيًّا رأى أن التحول إلى الملك كان أمرًا حتميًّا، أو على حدّ تعبيره: «إن انقلاب الخلافة إلى ملك لا بد منه بحسب طبيعة الوجود»52.
الثالث:
ومع تقدٌّم العصبية في اتجاه تأسيس الملكية، نجد
أن تحولًا موازيًا واكبه في النظام المعرفي والديني. ففي زمن الخلافة لم تكن هناك علوم دينية وفقهية؛ لأن الأفراد يتحركون بوازع من داخلهم، ولأن الملكية هي نظام يقوم على الانقياد، فالحرية والوازع الداخلي والقُوَى التي كانت تُوجِّه الفرد، تم صياغتها في قانونٍ وشريعةٍ وأنظمةٍ تعليميةٍ ومعرفية، تعمل على تقنين الإخضاع والانضواء داخل الجماعة تحت سيادة الشريعة. وقد ربط ابن خلدون بين تناقُص الدين وظهور الأحكام السلطانية، وكذلك بين تراجُع الورع وسطوع الفقه والقانون؛ يقول ابن خلدون: «لما تناقصَ الدين في الناس وأخذوا بالأحكام الوازعة، ثم صار الشرع علمًا وصناعة يُؤخَذ بالتعليم والتأديب، ورجع الناس إلى الحضارة وخلق الانقياد إلى الأحكام؛ نقصت بذلك سورة البأس فيهم، فقد تبيّن أن الأحكام السلطانية والتعليمية مفسدة للبأس لأن الوازع فيها ذاتي؛ ولهذا كانت هذه الأحكام السلطانية والتعليمية»53.
والحقيقة،
ليس ابن خلدون الوحيد مَن ربطَ بين صعود الملك العضوض والتحضر وضعف الورع، وتدفق العلوم الشرعية والممارسة القانونية للدين، فأبو حامد الغزالي وضع الفقه باعتباره من علوم الدنيا واعتبره يقوم بدور الضبط القانوني المساعد للحكم السلطاني، ويعمل على حصار النزاعات داخل المجتمع بحسبان أن «الفقيه هو العالم بقانون السياسة وطريق التوسط بين الخلق إذا تنازعوا بحكم الشهوات»54، وبرأيه لو سادَ «العدل لانقطعت الخصومات وتعطَّل الفقهاء»55، وكان يدعو إلى تأسيس شرعية يكون دورها تحقيقًا لا يكون دورها المساعدة على القهر السلطاني فقط، بل يكون دورها التعبير عن مصالح الآخرة، تُعيد دور الورع الداخلي والحياة الروحية في توجيه سلوك المسلم- وهو ما يسميه الغزالي علم المعاملات والمكاشافات56. وتوغلت هذه النزعة لإعادة تأسيس حكومات باطنية تحكم العالم الباطني على النهج الراشدي وفْقَ منظومة شرعية ورعية وروحية، لا قهرَ فيها ولا إلزام، وهناك كثيرٌ من تيار الزهد والصوفية نفروا من الدولة الظاهرة والنزعة القانونية الشرعية، وقرروا العودة إلى الصحراء والبداوة، باعتبار حياة البداوة هي المثل الأعلى للحرية الداخلية57، عاشوا في جبالها، بعيدًا عن المدنية والحضارة والقهر السلطاني والإيغال نحو المادة- والبحث عن حياة البداوة، هو بحث عن منطق الوازع والورع الداخلي.
الرابع:
ومع التحولات العصبوية تأسست سلطويات موازية للخلافة السنية مثل «الإمامة» الشيعية، وتُمثِّل حركة المعارضة الرئيسة للحكم السائد التي يلتف حولها آل البيت، وقد تأسست شرعيتها في البداية في إطار محاولة مقاومة التحولات القيمية التي شهدتها الخلافة. ولكن ما لبثت الأحزاب الشيعية أن تسعى إلى طلب تأييد عصبيات عربية ومن أعراق أخرى من أجل المدافعة، وحين كانت تتحصّل على العصبية اللازمة للغلبة، تتحوّل عنها إلى نموذج الخلافة السلطوي كما يرى ابن خلدون58، كما حدث مع الشيعة الراوندية والدولة العباسية، وكذلك الشيعة الإسماعيلية والدولة الفاطمية.
الخامس:
أدى تسيُّد العصبي على الديني إلى نشأة الأحزاب السياسية، أو إعادة تمظهُر القبيلة من جديد في صورة فِرق دينية، وبدأت العصبية تأخذ معانيها السلبية داخل الثقافة العربية بسبب ما أشاعته من انقسامات حول مكانة الصحابة والصراع حولهم، وتحويل مناقب بعضهم التي أرساها الإسلام كفكرة مضادّة لفكرة العصبية والمفاضلات الجاهلية؛ لتصبح هي نفسها مؤسسة لعصبيات فرقية حول ما يعرف بالبكرية والعمرية والعثمانية والعلوية والعباسية والخوارج، بالإضافة إلى شيوع النزعة العصبية المذهبية الفقهية التي بدأت تأخذ أبعادًا أكثر تطرفًا؛ إذ أضحت المذاهب مرتبطة بقبائل وأقاليم بل ودول.
فترة الأقامة :
3720 يوم
معدل التقييم :
زيارات الملف الشخصي :
506
إحصائية مشاركات »
المواضيـع
الــــــردود
[
+
]
[
+
]
بمـــعــدل :
4.35 يوميا
عطر الجنة
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى عطر الجنة
البحث عن كل مشاركات عطر الجنة