الموضوع
:
أدبيات اللغة العربية
عرض مشاركة واحدة
07-01-2021
#
3
إدارة قناة اليوتوب
بيانات اضافيه [
+
]
رقم العضوية :
426
تاريخ التسجيل :
Mar 2014
أخر زيارة :
منذ 11 دقيقة (11:59 PM)
المشاركات :
16,216 [
+
]
التقييم :
9330
MMS ~
لوني المفضل :
Darkturquoise
رد: أدبيات اللغة العربية
(٦) حالة اللغة العربية وآدابها من ابتداء ظهور الإسلام إلى الدولة العباسية
جاء الإسلام ولغات العرب ولهجاتهم متشعبة، غير أن لغتين منها كانت لهما السيادة على سائرها؛ الأولى: لغة قريش، وكانت في مكة وما جاورها، والثانية: لغة حِمْيَر، وكانت في بلاد اليمن.
وقد تقدَّم في الكلام على عكاظ أن الشعراء والخطباء كانوا يُؤْثِرون لغةَ قريش على سائر لغات العرب ويَبُثُّونها بين القبائل كافة في خطبهم وأشعارهم، وكان ذلك قبل ابتداء نزول القرآن الكريم بنحو خمس وعشرين سنة.
ولما كان القرآن الحكيم منزَّلًا بلغة قريش أصبحت السيادة لها على لغة حمير وغلبت عليها وعلى جميع لغات العرب، ودَانَ لها الخطباء والشعراء وسائر المتكلمين بالعربية، وصارت بعد ذلك هي اللغة المُتَداولة في المكاتبات والمؤلفات في جميع العلوم إلى يومنا هذا، والفضل في بقائها وحفظها إنما يرجع إلى الكتاب المجيد وحده، ولما فتح المسلمون بلاد الشام والعراق والفرس ومصر وأفريقية والمغرب وغير ذلك من البلاد، انتشرت اللغة العربية بانتشار العرب وتغلبت على لغاتها الأصلية، ولكنها لم تَعُمَّ جميع الناس دفعة واحدة شأن كل لغة جديدة في مبدأ انتشارها.
ولقد كان هذا الانتشار سببًا لظهور اللحن على لسان مَنْ تكلم بالعربية من غير أهلها، وكذا على لسان بعض أهلها من المخالطين لهؤلاء. وهذا أمر كان مُتَوَقَّع الحصول؛ لأن اللغة مَلَكة صناعية تؤخذ مفرداتها وأساليبها بالتلقين.
فالمتكلم من العرب حين كانت ملكة اللغة العربية موجودة فيهم يسمع كلام أهل جيله وأساليبهم في مخاطبتهم وكيفية تعبيرهم عن مقاصدهم، كما يسمع الصبي استعمال المفردات في معانيها، فيُلَقَّنها أوَّلًا ثم يسمع التراكيب بعدها فيُلقَّنها كذلك، ثم لا يزال سماعهم يتجدَّد في كل لحظة ومن كل متكلم، واستعماله يتكرر إلى أن يصير ذلك ملكة وصفة راسخة ويكون كأحدهم. فلما خالط العرب غيرهم صار الناشئ منهم يسمع في العبارة عن المقاصد كيفيات أخرى غير الكيفيات التي كانت للعرب فيعبر بها عن مقصوده ويسمع كيفيات العرب أيضًا، فاختلط عليه الأمر وأخذ من هذه وهذه. ولقد وفَّى ابن خلدون في مقدمته هذا المقام حقه من البيان.
وإنك لترى اليوم من المتكلمين بلغتنا من الإفرنج ما يوضح لك ذلك من لهجتهم وأساليب عباراتهم، التي هي في الحقيقة أساليب لغتهم الأصلية صبغوها بصبغة عربية.
ولقد ظهر شيء من اللحن في كلام الموالي والمتعرِّبين من أوَّل عهد الإسلام، من ذلك
ما رُوي أن رجلًا لحن بحضرة النبي ﷺ فقال: «أرْشِدوا أخاكم فقد خَلَّ.» وكتب كاتب لأبي موسى الأشعري إلى عمر — رضي الله عنه — فلحن، فكتب عمر إلى أبي موسى أن «اضرب كاتبك سوطًا واحدًا.» غير أن اللغة في العصر الأوَّل كانت ملكتها مستحكمة وما ظهر من اللحن كان يسيرًا، وفي أوائل الدولة الأموية أخذ اللحن يفشو وينتشر وانتقل من الأعاجم إلى العرب أنفسهم من أبناء الخلفاء والأمراء والخاصة والعامَّة. ومن شواهد ذلك أن زِيَادًا لما أوْفَد ابنه عُبَيد الله إلى معاوية كتب إليه معاوية أن «ابنك كما وَصَفْتَ ولكن قَوِّمْ لِسانَه»، وجاء رجل إلى زياد — وهو أمير البصرة — فقال: «أصلح الله الأمير! تُوُفِّي أبانا وترك بَنُونًا»، فقال زياد متعجِّبًا مُنْكِرًا: «توفي أبانا وترك بنونًا!» وقالت ابنة أبي الأسود الدُّؤَلي له يومًا: «ما أحسنُ السماءِ؟» فقولي: ما أحسنَ السماءَ! وافتحي فاك.» وسمع أبو الأسود قارئًا يقرأ قوله تعالى: أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ بجرِّ «رسوله»، فأكبر ذلك وقال: «عز وجه الله أن يبرأ من رسوله!» وكان هذا سببًا في وضع علامات الإعراب للمصحف بأمر زياد.
وقال الحجاج يومًا للشَّعْبي:
«كم عطاءَك؟» فقال: «ألْفَين»، قال: «ويحك! كم عطاؤك؟» فقال: «ألفان»، قال: «كيف لحنت أوَّلًا؟» قال: «لحن الأمير فلحنت، فلما أعرب أعربت.» وقيل لعبد الملك بن مَرْوان: «لقد عَجِل إليك الشَّيْب يا أمير المؤمنين»، فقال: «شَيَّبَني ارتِقاءُ المَنَابر وتَوَقُّعُ اللحْن.» وكان الوليد بن عبد الملك كثير اللحن وله في ذلك نوادر كثيرة.
الكتابة والخط
كان انتشار الكتابة قبل الإسلام قليلًا بين العرب كما تقدَّم، ومنذ عصر النبي ﷺ انتشرت الكتابة للحاجة إليها في كتابة الوحي والرسائل التي كان يُنْفِذها رسول الله ﷺ إلى الملوك والأمراء، وقد أمر بعد غزوة بدر مَنْ لم يكن له فداء من الأسْرَى أن يُعَلِّمَ عشرة من أطفال المسلمين الكتابة.
ولما كثرت الفتوح في مدَّة أمير المؤمنين عمر — رضي الله عنه — وَضَع دِيوانَ الخَرَاج وديوان الجيش لضبط الأعمال، وكان ذلك في المحرم سنة عشرين.
وقد كان ديوان الخراج والجِبَايات في بلاد العراق والشام ومصر يُكتب فيه بغير العربية إلى زمن عبد الملك بن مروان وابنه الوليد حين ظهر في العرب ومواليهم مَهَرة في الكتابة والحساب، فنُقل ديوان العراق من الفارسية إلى العربية، والذي نقله هو صالح بن عبد الرحمن كاتب الحجاج، وكان يكتب بالعربية والفارسية. ونُقل ديوان الشام من الرومية إلى العربية، والذي نقله هو سليمان بن سعد والي الأُرْدُنِّ، وأكمله لسنة من ابتدائه، ووقَف عليه كاتب عبد الملك فقال لِكُتَّاب الرُّوم: «اطلبوا العيش من غير هذه الصناعة، فقد قطعها الله عنكم.» ونُقل ديوان مصر من القبطية إلى العربية، والذي نقله هو عبد الله بن عبد الملك بن مروان في خلافة الوليد بن عبد الملك سنة سبع وثمانين، وأصبحت الدواوين الإسلامية بعد ذلك تكتب كلها بالعربية.
وأوَّل كتاب كُتب باللغة العربية هو القرآن الكريم،
وقد كُتبت المصاحف العثمانية بخط الجزم (وسُمي بالخط الكوفي بعد إنشاء الكوفة)، واستُعمل في عهد بني أمية مع ترقيه في درجات الحسن تبعًا لحضارة الأمَّة. وقد كان المصحف خاليًا من الشَّكل والنقط، غير أنه لكثرة المسلمين بسرعة انتشار الدين وظهور اللحن والتحريف خُشيَ على القرآن الكريم من ذلك، فقام أبو الأَسْوَد الدُّؤلي وَوَضع له علامات الإعراب في أواخر الكلمات بصِبْغ يُخالِف لَون المِداد الذي كُتب به المصحف، وجعل علامة الفتح نُقْطة فوق الحرف، والضم نقطة إلى جانبه، والكسر نقطة في أسفله، والتنوين مع الحركة نقطتين، وذلك في خلافة معاوية. ثم إن الحجاج في مدَّة عبد الملك بن مروان أمر نصر بن عاصم أن يضع له النقط والشكل لأوائل الكلمات وأواسطها، وخالف في ذلك طريقة أبي الأسود لئلا يلتبس النقط بالشكل.
وبعد ذلك جاء الخليل بن أحمد فتمم بقية علامات الإعجام
(الشكل) كالشَّدَّة والصِّلَة والقطعة، وهذَّب جميع العلامات فجعل الضمة واوًا صغيرة فوق الحرف، والكسرة ياء صغيرة تحته، والفتحة ألفًا مسطوحة فوقه، والشَّدة رأس سين، والصلة رأس صاد، وسمى كل هذه العلامات ﺑ «الشكل» أخْذًا من «شِكَال الدابة» الذي تُقيَّد به، فكأن شكل الكلمة يقيدها عن الاختلاف فيها.
وكان المعروف من الخط في ذلك العصر نوعين؛
أحدهما يستعمل في كتابة المصاحف ونحوها والمسكوكات مما يُحْتاج فيه إلى التَّأنُّق والإجادة وحُسْن النَّسَق، وثانيهما يُستعمل في كتابة الرسائل ونحوها مما يُطلَب فيه الإسراع ولا يُحتاج فيه إلى التأنق وزيادة التحسين. والنوع الأوَّل هو المعروف بالخط الكوفي، وأما النوع الثاني فإنه أصل خط النَّسْخ، ارتقى في الحُسْن والجَوْدة شيئًا فشيئًا حتى تحوَّل إلى ما هو عليه اليوم.
ثم إن الخط بنوعيه انتقل إلى الأمصار التي انتشر فيها الإسلام وتنوَّعت أشكاله ورسومه، فانتقل في عصر الأمويين إلى أفريقية وتولد منه الخط المغربي المستعمل الآن في المغرب الأقصى والجزائر وتونس وطَرَابُلس.
النثر والنظم وفضل القرآن الكريم على اللغة العربية في تهذيبها وترقيتها
قد أخذت اللغة العربية عند ظهور الإسلام وِجْهَةً دِينِيَّة من القيام بالدعوة إلى الدِّين والوعظ وتبيين العقائد الصحيحة وقواعد الإسلام وأصوله وأحكامه وحِكَمه وآدابه.
وإنك لترى في كلام الصدر الأول من أهل الإسلام الحَثَّ على اتِّباع الدين والتمسك به، وإعلاء كلمة الحق، والعمل للآخرة، والأخذ من الدنيا بنصيب، والتحذير من الاسترسال مع الشهوات والأهواء والنظرِ إلى خيرات الأقاليم التي فتحها المسلمون والتطلع إليها؛ خوفَ الوقوع في الزَّلَل، فترى رسائل هذا العصر المنير وخُطَبه تُرَدِّد صدى الكتاب العزيز حاثَّة على الفضيلة مُنَفِّرة من الرذيلة، وكُلُّها جاء فيه اللفظ تابعًا للمعنى لم يُتَعَمَّد فيه ضَرْب من ضروب الصنعة الكلامية، صادرة عن شعورٍ حَيٍّ ووجْدان صادق، ولذا نَفَذت إلى سُويداء القلوب وأصابت مواقع الوجدان. وإذا كان الكلام خارجًا من القلب فإنه يقع في القلب، وإذا لم يكن صادرًا إلا عن اللسان فإنه لا يتجاوز الآذان.
وقد قضت هذه الحكم والمواعظ والخطب والنصائح على الرذائل والأوهام بالزوال، وفَسَّحت للفضائل والحقائق فرأت أهلًا ومكانًا سهلًا، فتحلَّت بها النفوس والعقول، وقويت العزائم، وعَلَتِ الهِمَم فساد المسلمون جميع الأمم.
ويرى الناظر إلى حالة اللغة في عصر الدولة الأموية
أنها انتقلت إلى حالة أجمل مما كانت عليه؛ لانتقال القوم من البداوة إلى الحضارة، ومن سكنى الخِيام إلى سكنى القصور، فاتسعت مداركهم وزادت تَجَارِبُهم، وقوِي فيه الخيال، وكثرت التصورات، وانتقلوا من حال إلى حال، فأشعر ذلك نفوسَهم معانيَ جديدة ووِجدانًا وعلمًا لم يكونا من قبل، فاحتاجوا إلى العبارة عن ذلك بما يلائمه من الألفاظ والتراكيب، وساعدهم على صوغ العبارات في القالَب اللائق بها قوة اللغة واتساعها وأخذهم بزمامها، وقد ظهر ذلك في خطبهم ورسائلهم ظهورًا بَيِّنًا.
وكانت موضوعاتها في الغالب الوَعْظ والإرشاد، والذَّوْد عن الحقوق، وإيقاف الأطماع عند حَدِّها، وكَبْت الخارجين، وتأليف الأحزاب، وتوحيد الكلمة.
وكانت العبارات لا تزال آخذة أسلوبًا حَيًّا مؤثِّرًا مع إحكام صنعةٍ وحسن عبارة وجودة مقاطع.
فترة الأقامة :
3732 يوم
معدل التقييم :
زيارات الملف الشخصي :
506
إحصائية مشاركات »
المواضيـع
الــــــردود
[
+
]
[
+
]
بمـــعــدل :
4.35 يوميا
عطر الجنة
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى عطر الجنة
البحث عن كل مشاركات عطر الجنة